«اللَّهُمَّ عَقِّمْ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ،
وَيَبِّسْ أَصْلَابَ رِجَالِهِمْ، وَاقْطَعْ
نَسْلَ دَوَابِّهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ، لَا
تَأْذَنْ لِسَمَائِهِمْ فِي قَطْرٍ، وَلَا
لِأَرْضِهِمْ فِي نَبَاتٍ».. |
|
اختلاف
الممارسة تابع لاختلاف النظرة:
لقد أثبت الإسلام عملياً في
حروبه الكثيرة التي خاضها النبي «صلى الله عليه وآله» وعلي «عليه
السلام» التزامه بالرحمة الإنسانية، وبالقيم الأخلاقية.. ولكنه حين
حورب من قبل أعداء القيم، والطغاة والجبارين لم يجد فيهم من يستشعر
شيئاً من الرحمة في قلبه، أو من يؤمن بأي من القيم والمبادئ الإنسانية
والأخلاقية، أو يتعامل في حروبه على أساسها.. ولذلك جرت الأمور بما لا
تشتهي السفن..
ومن جهة
أخرى:
لا بد من الإعتراف بأن أهداف الحروب تختلف وتتفاوت..
إزدواجية المعايير:
فهناك من يحارب لأجل دفع
الأعداء عن نفسه، وعن قيمه، وعن منجزاته.. وهذه هي حال المسلمين مع
أعدائهم.
وهناك من يحارب بهدف الإبادة
والإستئصال، أو بهدف محو هوية الشعوب وتشويه قيمها، واقتلاع دين الله
من جذوره، وهم أعداء الإيمان وأهله.. وهؤلاء، وإن كانوا قد وضعوا
للحروب قوانين، ولكنها قوانين لا تعنيهم هم، وإنما تعني ضحاياهم، لأنهم
إنما يجرونها على الضعفاء، لا على الأقوياء..
ومهما يكن من أمر، فإنهم قد
وضعوا قوانين دولية تُحَرِّم استعمال بعض أنواع الأسلحة، ومنها: أسلحة
الدمار الشامل، كالقنابل الذرية، والأسلحة الجرثومية، والكيماوية،
والعنقودية، وما إلى ذلك..
ولكن نفس تلك الدول التي تدعو
إلى عدم استعمال هذه الأسلحة في الحروب هي التي تتولى صناعتها
وإنتاجها، وتحتفظ بمخزونات هائلة منها وتوزعها في السر وفي العلن..
وتبيع منها كميات هائلة بصورة أو بأخرى إلى الفئات المتحاربة، أو إلى
هذه الدولة أو تلك، لأسباب مختلفة..
وقد استعملت بعض الدول الكبرى هذه الأسلحة في هيروشيما
وناكازاكي.. واستعملت بعض أنواعها في الحرب ضد الجمهورية الإسلامية،
وضد الأكراد..
كما أن الحروب الباردة بين
الدول في الشرق والغرب تقوم على أساس الإستكثار من هذه الأسلحة بالذات،
وتطويرها، ورفع مستوى القدرة على الإستفادة منها..
رغم أن صراع هذه الدول إنما
هو على مكاسب مادية وأهداف تسلطية، لا أكثر من ذلك.. فلماذا يجعلون
الحاكم في هذا الصراع الدنيوي المصلحي هو هذه الأسلحة الفتاكة بالذات..
فيتعرض شعب للإبادة والقضاء عليه، وعلى كل مفاهيمه وقيمه، ودينه وفكره
بأبشع الصور كما نشهده الآن في كثير من بقاع العالم دونما رادع من ضمير
أو وازع من وجدان. ولماذا يُحَرِّم امتلاك السلاح الرادع عن ارتكاب
جرائم الإبادة على هذا الفريق، ولا يكون حراماً على أولئك الذين
يستعملونه لأهداف دنيوية وتسلطية؟!.
وحين يمتلك عدوك هذا السلاح،
أو ذاك، ويستعمله ضدك، أو يهددك باستعماله، فَلِم لا يجوز لك أنت أن
تمتلك، ولو من دون أن تستعمل ما هو أقل منه خطورة، ولو لمجرد الردع عما
هو أشر وأعظم..
من أجل ذلك نجد: أن هناك من
يقول:
إن أضعف الإيمان في هذه
الأحوال هو القبول بجواز الإستفادة من هذه الأسلحة للمظلومين والمعتدى
عليهم على قاعدة المقابلة بالمثل..
ولأجل ذلك
قد يرى هذا البعض:
أن هذا الدعاء قد جاء ليشير إلى بعض الوسائل التي يستخدمها أولئك
الجبارون المجرمون.. ليلمح إلى أن
الأعداء حين يفرضون عليك معركتهم، ويفرضون عليك أساليبها، حين لا
تستطيع أن تردعهم عنها إلا إذا احترقوا هم بنارها..
فإذا قابلتهم بالمثل، لا من
أجل التشفي والإنتقام. بل من أجل ردعهم عن طغيانهم، وإخضاعهم لأحكام
الضمير الإنساني.. فإنك لا تكون ظالماً، ولا بعد ذلك تجاوزاً للقوانين.
إلا إذا أريد الكيل بمكيالين..
ولعل لمن
يفكر بهذه الطريقة أن يقول:
إن الشاهد الصريح على ما يقول هو: أن الإمام «عليه السلام» قد صرح في
نفس دعائه هذا: بأن الهدف من الطلب من الله أن يعقم أرحام نساءهم، وأن
يجعل الوباء في مياههم، والأدواء في طعامهم، ونحو ذلك: هو دفع غائلتهم
عن النفس وعن الدين، وإخضاعهم لإرادة الله، لا لإرادة عبيده، لكي يقروا
له بالوحدانية، ولتكون كلمة الله هي العليا.. بدلاً من أن تكون الأهواء
هي التي تحكم وتسيطر على القرار، وتدفع إلى الدمار والبوار، واقتلاع
الآثار..
ونتيجة ذلك
هو:
أن الإمام «عليه السلام» في هذا الدعاء لا يريد تشريع استعمال الأسلحة
المحرمة دولياً بالمطلق، بل يريد إعلامنا: بأنه لا مانع من المقابلة
بالمثل، حيث لا يمكن دفع العدو إلا بذلك..
ولكن مما
لا شك فيه هو:
أن الأصل هو الرحمة الإلهية للبشر، وأن يفرض أهل الإيمان قيمهم،
وأساليبهم المشروعة على أعدائهم، وأن لا يرضوا لأنفسهم بالإنجرار إلى
أساليب لا أخلاقية، وغير منسجمة مع معاني الرحمة. فالإسلام يريد سعادة
البشر، حتى لو كانوا أعداءه، ويسعى إلى فرض السلام عليهم واستصلاحهم،
ولا يسعى إلى التنكيل بهم، على سبيل التشفي والإنتقام..
وبعد ما تقدم نقول على سبيل
الخلاصة:
إن رد العدوان والظلم، ودفع العدو المحارب واجب عقلاً
وشرعاً، شرط أن يكون ذلك بالوسائل التي أباح الشارع استعمالها. وإن
احتاج هذا الردع إلى قتل المهاجمين مهما كثر عددهم، وقد قال تعالى: ﴿وَقَالَ
نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً﴾([1])،
ثم بين سبب طلبه هذا، فقال: ﴿إِنَّكَ
إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَ فَاجِراً
كَفَّاراً﴾([2]).
ومن الوسائل التي ورد النهي عن الإستفادة منها في الحرب
إلقاء السم في أرض العدو([3]).
وقد أفتى جماعة من العلماء بمضمون هذه الرواية، كابن
إدريس، والشيخ الطوسي في النهاية، وغيرهما وحكموا بتحريم ذلك، ومنع منه
بعض آخر([4]).
وليس في الرواية ما يدل على
جواز ذلك في صورة المقابلة بالمثل..
كما أن بعض
من أفتى بالمنع لم يقل:
إن الحرمة مقيدة بصورة احتمال إصابة السم لغير الأعداء في ساحة القتال.
أي
أنه لم يقل:
إن نشر السم إنما يحرم في صورة ما لو أصاب غير المقاتلين سواء أكانوا
ممن لا تعنيهم تلك الحرب ولا نزاع معهم، أو كانوا من الذين يؤازرون
المعتدين ويشجعونهم على مواصلة القتال ضد أهل الحق.
ومع ملاحظة ذلك، نقول:
إننا حين نقرأ ما ورد في هذا
الدعاء الشريف من قوله: «اللَّهُمَّ عَقِّمْ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ».
وقوله: «لَا تَأْذَنْ
لِسَمَائِهِمْ فِي قَطْرٍ، وَلَا لِأَرْضِهِمْ فِي نَبَاتٍ».
وقوله: «اللَّهُمَّ وَامْزُجْ
مِيَاهَهُمْ بِالْوَبَاءِ، وَأَطْعِمَتَهُمْ بِالْأَدْوَاءِ» ونحو
ذلك.. لا بد لنا من فهم ذلك كله، وفق الضوابط المقررة شرعاً..
فهل نقول:
إنه «عليه السلام» لم يقصد
بهذه الفقرات ما يشمل السم الذي استثنته الرواية، وحرمت الإستفادة منه
في الحرب؟!
أو نقول:
إن المنع عنه خاص بصورة ما لو
تعدى الضرر المقاتلين إلى غيرهم، خصوصاً إذا كانوا من عامة الناس الذين
لا ناقة ولا جمل لهم في الحرب.. وربما كانوا ضدها؟!
أو نقول:
إن ذلك ممنوع إلا في صورة استعمال العدو لهذه الوسائل
الممنوعة، ولم يكن ردعه إلا بالمقابلة بالمثل فيها، فيجوز ذلك على
قاعدة: ﴿فَمَنِ
اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى
عَلَيْكُمْ﴾([5]).
أو نقول:
إن الكلام جارٍ على سبيل
التخويف للعدو، وتهديده لردعه عن ارتكاب هذه الحماقة. حتى لا يكون
شعوره بالأمن مشجعاً له على ذلك، فالمطلوب هو إيهامه بأن المنع مشروط
بإمتناعه..
فإذا بادر هو إلى جعل الوباء
في الماء وإلى معالجة التربة، بحيث لا تعود صالحة للإنبات، وإلى بث ما
يوجب العقم، ونحو ذلك، فعليه أن يتوقع الرد بالمثل، صاعاً بصاع،
وذراعاً بذراع. والبادئ أظلم..
أو نقول:
إنه «عليه السلام» أراد أن
يطلب من الله سبحانه أن يحوِّل هذه النعم التي يتقوى بها الأعداء على
أهل الحق، إلى وسائل لكبح جماحهم، وموانع تمنعهم من البغي والعدوان،
فبدل ان تكون هذه النعم غذاء ولذة وراحة لأولئك الطغاة المجرمين، يكون
فيها لهم الضرر والبلاء، والتعب والعناء، وبدل أن تكون دواءً وشفاءً
تصبح مرضاً ودواءً.. وبدل أن تكون مصدر قوة، وسبب اندفاع تصير من
موجبات الوهن لهم، والضعف والضياع..
وفي جميع الأحوال نعود فنؤكد
على أننا لا نشك في أن الإمام «عليه السلام» لا يدعو إلا بما يجوز
الدعاء به، وبما لا مانع من وقوعه، وإيقاعه بالمدعو عليهم، وبأي نحو
كان.. ولو بإيجاد وسائله الطبيعية، أو غير الطبيعية، ومنها التسبيب
بواسطة الدعاء للتدخل الإلهي، لكي يشغلهم عن العدوان بأمثال هذه
الأمور، ويحول نعمه عليهم إلى نقم تمنعهم من مواصلة البغي والعدوان،
ومن الإمعان في الإجرام والطغيان.
فلذلك قال «عليه السلام»:
اللَّهُمَّ عَقِّمْ أَرْحَامَ
نِسَائِهِمْ:
فقد طلب الإمام «عليه السلام»
من الله سبحانه أن تصاب أرحام نساء العدو بالعقم، لأن هذه النعم، التي
يفترض أن تشكر، قد أصبحت توظف في تدمير الإنسان والإنسانية.. فما
المانع من أن يسعى المحارب إلى حرمانهم من هذه النعم، إن لم يكن
بالوسائل المعقولة، فبالطلب إلى الله ليتدخل في هذا الأمر؟!
وذلك قد يكون في بعض وجوهه
إحساناً للبشرية، بل هو إحسان حتى للعدو أيضاً..
ونحن نشهد في إعلام أعدائنا
حرصاً ظاهراً على انتهاج هذا الأسلوب، من خلال تحريض المجتمعات
الإسلامية على استعمال وسائل منع الحمل، أو اللجوء إلى استئصال أرحام
النساء، أو نحو ذلك. ويدخل في ذلك تخويفهم من سوء الحالة الإقتصادية،
وقلة مواردهم الطبيعية، أو تخويفهم من بعض الأمراض، أو غير ذلك.. ربما
لأنهم يعتقدون: أن منعنا من التكاثر عن طريق الولادة، ولو بتحريضنا على
استخدام أسباب العقم، يكون أقل كلفة عليهم وأقل إيلاماً لنا..
وَيَبِّسْ أَصْلابَ
رِجَالِهِمْ:
وهنا أمران طلب الإمام
«عليه السلام»
من الله تبارك وتعالى أن يوقعهما في أعدائه، لدفع شرهم عن البشر، وهما:
الأول:
إنه «عليه السلام» لم يكتف بطلب مجرد دفع الولادات، بل طلب أيضاً إصابة
الأرحام بالعقم، وفقدان القابلية، وعدم إمكان إعادتها إلى حالتها
الطبيعية.
الثاني:
إنه «عليه السلام» لم يكتف بطلب عقم أرحام النساء، حتى طلب يبس أصلاب
الرجال أيضاً، مع أنه قد يتوهم كفاية الأول عن الثاني..
ربما يكون سبب رفع
مستوى الطلب إلى حد عقم الأرحام، ويبس الأصلاب هو: أن يشعر الرجال
والنساء بالخطر على أصل بقائهم، وأن يقوم لديهم احتمال استجابة هذا
الدعاء.، الأمر الذي سيؤدي إلى فقدانهم أي وسيلة للإمتداد في الحياة،
فلا يكون لهم نسل يأنسون به، أو يعتمدون عليه، فهم إن بقوا بقوا بلا
معين، ولا حبيب، ولا امتداد، وإن قتلوا انقطع ذكرهم، وحرموا حتى من
البقية الباقية من حياتهم أيضاً.
وذلك يشعرهم بالهزيمة نفسياً،
وبالحاجة إلى التراجع عن مواقع الخطر، ويقلل من ميلهم إلى الحرب..
أي أن
المطلوب هو:
التأثير على الأعداء نفسياً، حين يسمعون أو يعرفون بأن أهل الإيمان
يطلبون ذلك..
وأما إذا حصل منهم شيء من هذا
القبيل، واقتنعوا بأن الله تعالى هو الذي حرمهم من الذرية، فإن المصيبة
عليهم ستكون أشد وأعظم، لأن ذلك معناه صيرورتهم في دائرة الغضب الإلهي،
الذي أوجب حرمان الله لهم حتى من أضعف خيوط الأمل. وبذلك تضعف ثقتهم
بحقانية ما هم عليه، ويتضاءل ميلهم للحرب أيضاً إلى أدنى المستويات..
وقد يجد المرء لدى أعدائنا
محاولات جادة لتلويث المياه والأطعمة، وغيرها، بما يوجب عقم النساء،
ويباس أصلاب الرجال..
وَاقْطَعْ نَسْلَ
دَوَابِّهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ:
ولا يزال أعداء أهل الإيمان
يسعون إلى قطع نسل الدواب التي تعين المسلمين على قضاء حاجاتهم،
والأنعام التي يستفيدون من نتاجها في معاشهم، فلماذا لا يقابلهم أهل
الإيمان بالمثل، ولو بأن يطلبوا من الله تعالى أن يوجد الوسيلة لمنع
دوابهم التي يستعينون بها في قضاء حاجاتهم، ومنع أنعامهم ـ التي
يعتاشون على نتاجها، وتتعلق آمالهم بها ـ من النتاج.. وأن ينقطع نسلها
لكي تصبح البقية الباقية من حياتهم أيضاً إما في خطر أكيد، أو في غاية
الصعوبة والمشقة، الأمر الذي يثير لديهم احتمالات مرعبة حول مستقبلهم؟!
لا تَأْذَنْ لِسَمَائِهِمْ
فِي قَطْرٍ:
وبعد..
فإن للوضع الإقتصادي دوراً مفصلياً في الميل إلى الحروب، وفي
مواصلتها.. فتسديد ضربات موجعة في هذا الإتجاه، يختصر الطريق إلى
النصر، ويؤدي إلى حسم الأمور لصالح أهل الإيمان..
ولذلك يفرح الأعداء إذا شحت
الأمطار في بلاد أهل الإيمان، وأصيبت بالجفاف، لأن المياه تعد من أهم
مصادر الأمن الإقتصادي..
فإذا أمكن حرمان العدو من
مصادر المياه، فذلك يضطره إلى التخلي عن الحرب، خصوصاً إذا كان ذلك يضر
بالزراعة والماشية، وسائر أنواع الري، وقد يصل الأمر إلى محدودية مياه
الشرب والصرف الصحي، وغير ذلك..
فلذلك دعا «عليه السلام» بأن
تحبس عنهم السماء قطرها، في إشارة منه «عليه السلام» إلى أهمية وحساسية
هذا الأمر، وأثره في مصير الحرب.
ويلاحظ:
أن الدعاء اختص بسماء الأعداء، فقال: «لسمائهم» دون مطلق السماء. كما
أن الحديث إنما هو عن حجب الإذن بذلك، ولم يطلب أن تغور مياههم في
الأرض، ولا إمطارهم بالنوازل والكوارث مثلاً.
كما أن الحديث كان عن القطر
لا عن المطر، ربما ليشعروا أن المطلوب هو منعهم حتى من قطرات الماء،
الذي قد لا يعد مطراً إلا إذا كثر وتواصل.. فطلب منع المطر الذي هو
أغزر يكون بطريق أولى..
أو فقل:
إن التعبير بالقطر يشير إلى انفصال كل نقطة عن مثيلتها، مما يوحي
بالإنفراد و بالقلة..
ونزول القطر من شأنه أن يبعث
البهجة في النفس، ويوحي بانفراج الأزمة، ووجود الإستعداد للأمطار،
ويعطي الأمل.. أما حجبه، فيقود إلى اليأس منه. والشعور بالخطورة، ويدعو
إلى السعي للخروج من المأزق.
وَلا لأَرْضِهِمْ فِي
نَبَاتٍ:
وإذا ضرب البلاد القحط، ولم
يؤذن للسماء في قطر، ولا للأرض في نبات، فذلك يزيد في تردد العدو في
الدخول في حرب، ويثنيه عن مواصلة الحرب التي دخل فيها. ولأجل ذلك يحاول
الأعداء تزهيدنا باستصلاح الأرض وبالزراعة. ويحاولون الإستئثار بالمياه
لأنفسهم، وقطعها عنا، ويحاولون ضرب سدودنا، أو دفعنا إلى كل ما من شأنه
تعطيل الأرض، وإخراجها عن الصلاحية للزراعة.
فلماذا لا يجوز لنا أن نسعى
إلى ذلك، ولو بأن نطلب من الله تعالى أن يفعل بهم ذلك، فإنه أولى من
إزهاق الأرواح، وإتلاف النفوس، وما إلى ذلك من مصائب وبلايا؟!
وخلاصة
الأمر:
إن الرخاء الإقتصادي، يشجع الطامعين والطامحين إلى شن الحروب، والإمعان
في التدمير، والهدم. والضيق الإقتصادي يدعوهم إلى التروي والتردد في
الدخول في مخاطرات ومتاهات الحرب، وتحمل أعبائها، والتعرض لاحتمالات
النكسات فيها.
وقد
يقال:
إن هذا لا ينسجم مع ما ورد في وصايا رسول الله «صلى الله عليه وآله»،
وعلي
«عليه
السلام»
لجنده، ففيها: «ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة
مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً، لأنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه، ولا
تعقروا من البهائم مما يؤكل لحمه إلا ما لا بد لكم من أكله»([6]).
وفي نص
آخر:
«لا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا
تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبياً، ولا امرأة، ولا تقطعوا
شجراً، إلا أن تضطروا إليها»([7]).
وقال أبو
الصلاح:
لا يجوز حرق الزرع، ولا قطع الشجر، ولا قتل البهائم.
ويجاب:
بأن الدعاء الشريف لم يتحدث عن قطع الشجر، ولا عن قتل المرأة، والشيخ،
والطفل، بل طلب من الله تعالى التسبب في العقم للمرأة، ويباس أصلاب
الرجال، ومنع الأرض من الإنبات، وشتان ما بين هذا وذاك.
وما ذكرناه
أيضاً:
لم يتضمن قطع الأشجار، ولا قتل النساء، ولا غير ذلك..
فليلاحظ ذلك..
على أن ذلك إن كان يحرم،
فإنما يحرم في صورة الإقدام عليه مع عدم الحاجة إليه، أي أن النهي إنما
هو عن إحراق الأشجار على سبيل العبث والفساد في الأرض، ولا نهي عن
إحراقه في صورة الإحتياج إليه، أو لأجل تحقيق النصر، ومنع القتل..
([1])
الآية 26 من سورة نوح.
([2])
الآية 27 من سورة نوح.
([3])
راجع: الكافي ج5 ص28 والأشعثيات ص80 وجامع أحاديث الشيعة ج13
ص153 وتهذيب الأحكام للشيخ الطوسي ج6 ص143 وتذكرة الفقهاء (ط
حجرية) ج1 ص402 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص62 و (ط
دار الإسلامية) ج11 ص46 ومستدرك الوسائل ج11 ص41 و (ط حجرية)
ج2 ص249 وجواهر الكلام ج21 ص67 والبحار ج19 ص177.
([4])
راجع مصادر ذلك في كتابنا: الإسلام ومبدأ المقابلة بالمثل ص62.
([5])
الآية 194 من سورة البقرة.
([6])
الكافي ج5 ص29 وتهذيب الأحكام ج6 ص138 والوسائل (ط مؤسسة آل
البيت) ج15 ص59 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص44 والبحار ج19 ص179
وسنن النبي «صلى الله عليه وآله» للطباطبائي ص138 وشرح النهج
للمعتزلي ج17 ص184 وراجع: كنز العمال ج4 ص475 وج10 ص579.
([7])
المحاسن للبرقي ج2 ص355 والكافي ج5 ص27 و 30 وتهذيب الأحكام ج6
ص138 و 139 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص58 و (ط دار
الإسلامية) ج11 ص43 والبحار ج19 ص177 وج97 ص25 وتفسير نور
الثقلين ج2 ص188 وراجع: سنن أبي داود ج1 ص588 والمصنف لابن أبي
شيبة ج7 ص654 والدر المنثور ج1 ص205.
|