«فَإِذَا
صَافَّ عَدُوَّكَ وَعَدُوَّهُ فَقَلِّلْهُمْ فِي
عَيْنِهِ، وَصَغِّرْ شَأْنَهُمْ فِي قَلْبِهِ،
وَأَدِلْ لَهُ مِنْهُمْ، وَلَا تُدِلْهُمْ مِنْهُ،
فَإِنْ خَتَمْتَ لَهُ بِالسَّعَادَةِ، وَقَضَيْتَ
لَهُ بِالشَّهَادَةِ فَبَعْدَ أَنْ يَجْتَاحَ
عَدُوَّكَ بِالْقَتْلِ، وَبَعْدَ أَنْ يَجْهَدَ
بِهِمُ الْأَسْرُ، وَبَعْدَ أَنْ تَأْمَنَ
أَطْرَافُ الْمُسْلِمِينَ، وَبَعْدَ أَنْ
يُوَلِّيَ عَدُوُّكَ مُدْبِرِينَ».. |
|
فَإِذَا صَافَّ عَدُوَّكَ
وَعَدُوَّهُ فَقَلِّلْهُمْ فِي عَيْنِهِ:
أشارت هذه الفقرة إلى:
1 ـ
أن المطلوب: هو أن تكون العقيدة القتالية واضحة تمام الوضوح لدى
المجاهد المرابط، وأن يعرف: أن العدو الذي يحاربه هو عدو لله أولاً،
وللمجاهد، ولكل قيمة إنسانية وأخلاقية وإيمانية ثانياً.. لكي يمتزج
الداعي الديني، والإعتقادي، والإيماني، والإنساني، مع الدافع الشخصي،
فيدافع عن دينه، ويدافع عن نفسه، لأنه عدوه كإنسان، ويشكل خطراً على
وجوده كشخص.. ويهدف إلى تدمير قيمه ومقدساته..
ولا شك في أن هذه الدواعي إذا
تعاضدت، فسوف تعطيه المزيد من الصلابة، والقوة، والإندفاع..
بخلاف ما إذا كان يقاتل من
أجل الحصول على الدنيا، وحطامها، أو على الوجاهة والنفوذ فيها، فإنه
سوف لا يكون على استعداد للتضحية بنفسه، لأنه يرى أن عليه أن يحفظها
كنقطة محورية، وموضع ارتكاز، لكي تعود المنافع والمكاسب إليه وعليه.
ولو أنه عرض نفسه للخطر، فلا يبقى مبرر للقتال، لأنه سوف يفقد دواعيه،
ما دام أن المنافع والمكاسب سوف لا تعود إليه كشخص..
2 ـ
ولا بد من العمل على تقليل قيمة ومحدودية تأثير الكثرة العددية لجيش
الأعداء في تحقيق الغلبة له، وتبيين أنها كثرة لا تنفع، ولا تزيد من
قدرة العدو على الحسم، وقد يمكن إقناعه بذلك عن طريق تعريفه بأن العدو
يحب الدنيا، ويتعلق بها، وليس لديه أي داع للتخلي عنها..
ويمكن أيضاً القيام بدراسة
تتكفل ببيان الثغرات، أو بيان الحالات التي تصبح الكثرة فيها عبئاً، أو
إلقاء نظرة على وسائل إسقاط الكثرة العددية عن التأثير في ساحة الحرب..
أو غير ذلك مما يمكن لدائرة التوجيه العسكري أن تقدمه للمجاهدين في هذا
السياق.
وفي ساحة الإصطفاف والمواجهة تتأكد قيمة هذا الشعور
بقلة عدد الأعداء، فإن ذلك يقوى قلبه على الدخول في حربهم، بهمة،
واندفاع، وثقة.
وَصَغِّرْ شَأْنَهُمْ فِي قَلْبِهِ:أو
بيانأو
ولا بد أيضاً من العمل، وفق
نشاطات مدروسة على إسقاط هيبة الأعداء في نفس المجاهد. وتعريفه بمدى
الهلع، والذل، والصغار الذي يعيشونه، وبيان هزيمتهم الروحية.. وإن
تظاهروا له بخلاف ذلك.
يضاف إلى
ذلك:
إقناعه بأنهم لا حرمة لهم، لأنهم يحاربون الله، ويبغون الغوائل لأهل
الإيمان، ولا يقيمون للقيم وزناً، ولا يملكون من الفضائل الأخلاقية،
والمعاني الإنسانية ما يجعلهم يستحقون الحياة..
وَأَدِلْ لَهُ مِنْهُمْ، وَلا
تُدِلْهُمْ مِنْهُ:
وإذا صادف أن تمكن العدو من
عمل يوحي بأن لديه شيئاً من القوة، أو استطاع أن يقوم بحركة مؤذية لأهل
الإيمان، فلا بد من تلافي ذلك، بنحو يرى المؤمنون والمجاهدون عدوهم
ذليلاً، يدال منه أهل الحق، ويلحقون به أشد أنواع الأذى..
ويبقى علينا الإلماح إلى أن
التعدية باللام حين يدال للغازي والمرابط، وعدم التعدية بها حين يطلب
عدم إدالة العدو من المجاهدين، لعله لأجل: أنه لا حق للأعداء في هذه
الإدالة، لأنهم ظالمون معتدون. وإنما هي حق لأهل الإيمان دون سواهم..
كما هو ظاهر لا يخفى..
فَإِنْ خَتَمْتَ لَهُ بِالسَّعَادَةِ، وَقَضَيْتَ لَهُ
بِالشَّهَادَةِ فَبَعْدَ أَنْ يَجْتَاحَ عَدُوَّكَ بِالْقَتْلِ،
وَبَعْدَ أَنْ يَجْهَدَ بِهِمُ الأَسْرُ:
وقد دلت هذه الفقرة على أن
المطلوب هو اجتياح العدو بالقتل والأسر، لأن ذلك يسقط مقاومته، ويدخل
الرعب في قلبه. ويجعله يحسب ألف حساب قبل أن يفكر من جديد بأية عمليات
حربية ضد أهل الإيمان..
ونيل درجة الشهادة بعد
الإمعان في قتل العدو وأسره له لذة مضاعفة، حيث يرى الشهيد بأم عينيه
خزي أعدائه في الدنيا والآخرة.. وستهون الشهادة عليه، وسيرتاح باله،
ويموت قرير العين. حيث يرى أن تضحيته قد أثمرت نصراً، وقوة وشوكة..
والإجتياح
هو:
الإستئصال..
فالمطلوب هو القتل الذريع
للعدو، بحيث لا يبقي ولا يذر..
وجهد به:
شق عليه، وأتعبه، وأضرَّ به، وبذل كل جهده ليدفعه عن نفسه فلم يقدر..
وفي نص آخر:
«بعد أن يديخهم الأسر». أي أنهم يفقدون توازنهم بسبب كثرة الأسر فيهم..
ولا يعرفون كيف يتصرفون..
وقالوا:
معنى داخ: ذل وخضع، وقُهِر.
فقوله:
يديخهم، أي يستولي عليهم، ويقهرهم، ويذلهم..
ولكل هذه المعاني إلماحات
وإشارات تستوجب رسم سيسات عملية، تعين على استثمارها، لا تخفى على
القارئ اللبيب، والألمعي الأريب..
وَبَعْدَ أَنْ تَأْمَنَ
أَطْرَافُ الْمُسْلِمِينَ، وَبَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ عَدُوُّكَ
مُدْبِرِينَ:
وإنما تقر عين المجاهد حين
يرى أن جهاده قد أثمر الأمن لأطراف المسلمين، بل لقد شمل هذا الأمن
سائر بلادهم أيضاً..
فرؤية العدو مهزوماً لا بد أن يكون هدفاً قتالياً
أساسياً للمجاهدين.. فإذا أصابتهم الشهادة بعد وقوع الهزيمة على العدو،
وحصول الأمن لأطراف المسلمسن كان فرحهم بها مضاعفاً..
والخلاصة: إن همة المجاهدين
لا بد أن تنحصر في الأمور الأربعة التالية:
1 ـ
الإمعان في قتل العدو..
2 ـ
إذلال العدو وقهره بالإكثار من أسر أفراده..
ويلاحظ هنا:
أنه عبر بما يفيد الإخضاع والقهر، والإذلال، لأن ذلك من خصوصيات الأسر.
أما القتل الكثير فإنه وإن كان يضعف العدو ويخيفه، لكنه قد يستفيد منه
في شحذ العزائم للحرب، وتصويره على أنه من موجبات افتخاره، وليس كذلك
الأسر، فإنه لا يستطيع أن يتبجح به، ولا أن يعتز به ويفتخر..
3 ـ
تحقيق
الأمن لأطراف البلاد، أو بمعنى أن يأمن طوائف المسلمين على حد قوله
تعالى: ﴿لِيَقْطَعَ
طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا
خَائِبِينَ﴾([1]).
فالمقصود
بالطرف في الآية:
الطائفة.. والله أعلم.
4 ـ
أن يسقط مقاومة العدو ويهزمه، ويضطره للفرار، وأن يولي الأدبار.
فإذا تحقق ذلك كله.. فإن
الشهادة للغازي والمرابط تكون هي السعادة التي ما بعدها سعادة..
([1])
الآية 127 من سورة آل عمران.
|