«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ
وَرَسُولِكَ وَآلِ مُحَمَّدٍ، صَلَاةً عَالِيَةً
عَلَى الصَّلَوَاتِ، مُشْرِفَةً فَوْقَ
التَّحِيَّاتِ، صَلَاةً لَا يَنْتَهِي أَمَدُهَا،
وَلَا يَنْقَطِعُ عَدَدُهَا كَأَتَمِّ مَا مَضَى
مِنْ صَلَوَاتِكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ
أَوْلِيَائِكَ، إِنَّكَ الْمَنَّانُ الْحَمِيدُ
الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ الْفَعَّالُ لِمَا
تُرِيدُ».. |
|
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى
مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَآلِ مُحَمَّدٍ:
قال السيد
علي خان المدني «رحمه الله»:
«ختم الدعاء بالصلاة على محمد وآله صلى الله وسلم عليهم، لما ورد في
الصحيح: لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى على محمد وآله»([1]).
وقد ذكر «عليه
السلام» وسام العبودية أولاً، لأنه هو الذي استحق النبي «صلى الله عليه
وآله» به مقام الرسولية..
صَلاةً عَالِيَةً عَلَى
الصَّلَوَاتِ:
وقد طلب «عليه السلام» من الله تعالى:
أن ينزل على نبيه وآله رحمة بالغة الشرف، وعظيمة القدر، لا تضاهيها أية
رحمة أخرى منه تعالى لعباده في الشرف والعلو، والرتبة، والقدر، تناسب
فضل وقدر رسول الله وآله «صلى الله عليه وعليهم»..
مما يعطي:
أنه لا بد أن يعطى لكل ذي حق حقه، وأن يراعى له مقامه وفضله في أي عطية
يراد تخصيصه بها..
مُشْرِفَةً فَوْقَ
التَّحِيَّاتِ:
المراد بإشرافها:
ارتفاعها.
والمراد بالتحية:
مطلق السلام والدعاء..
أي أنه يريد
أن تكون هذه الصلاة أعلى من جميع التحيات التي يمكن أن تلقى على أحد من
البشر.. وقد عبر بالإشراف ليفيد هيمنتها، وشدة ظهورها، وتميزها على ما
سواها..
وهذا يعطي:
أنه لا بد من مراعاة المقام حتى في التحيات أيضاً، التي هي تعامل ظاهري
معلن، كما أن من المطلوب إظهار ذلك، بالمستوى الذي يناسب ذلك المقام..
صَلَاةً لا يَنْتَهِي
أَمَدُهَا، وَلا يَنْقَطِعُ عَدَدُهَا:
ثم أشار «عليه
السلام» إلى لزوم أن لا تتوقف هذه الصلوات والرحمات عند حد. بل تبقى
وتستمر بلا انتهاء لأمدها.. والأمد هو الغاية.. ولا بد من تواليها
وتتابعها، بحيث لا ينقطع ولا يقف عدها وإحصاؤها، بل يبقى العد
مستمراً..
وهكذا الحال
بالنسبة لمكافأة الغازي، والمرابط، ومن خلفهم بحسن العمل والمعاملة،
فإنها يجب أن تستمر ولا تنقطع..
كَأَتَمِّ مَا مَضَى
مِنْ صَلَوَاتِكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَوْلِيَائِكَ:
ثم إنه «عليه
السلام» قدم أساساً يكون هو المبدأ لهذا الإستمرار، ومنطلقاً ومنشأً
لتلك الكثرة، وهو أن ما يطلبه يبدأ عده وحسابه من المرتبة التي هي فوق
الرحمات التي صدرت منه تعالى على جميع البشر، بما فيهم الأولياء،
والأوصياء، والأنبياء، وأولوا العزم.
إِنَّكَ الْمَنَّانُ
الْحَمِيدُ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ الْفَعَّالُ لِمَا تُرِيدُ:
وذكروا:
أن هذا تعليل لطلب الإجابة، وأنه «عليه السلام» إنما يطلب ذلك منه
تعالى، لأنه متصف بهذه الصفات، بل لأنها مقصورة عليه، ولا يتصف غيره
تعالى بشيء منها. فالرجاء منقطع عمن سواه.
والمنان..
والفعال.. وإن كانت من صيغ المبالغة بالنسبة للبشر، ولكنها ليست كذلك
بالنسبة إليه تعالى، إذ لا تتصور المبالغة في حقه سبحانه، وإنما هي صيغ
تكثير.. أي أن هذه الأمور تصدر منه تعالى بكثرة.
وقال ابن
الأثير:
«المنان: هو المنعم المعطي. من المن بمعنى: العطاء، لا من المنة»([2]).
والحميد:
هو المحمود على كل حال، فهو فعيل بمعنى مفعول.
والمبدئ:
هو الذي يوجد الأشياء على غير مثال سابق.
والمعيد:
هو الذي يوجد ما كان مسبوقاً بمثله.
غير أننا
نقول:
قال تعالى: ﴿قُلْ
لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ
أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾([3]).
فالمن المذموم:
هو أن يذكر المنعم النعمة بنحو ينقصها ويكدرها على من ينعم عليه..
وأما المن الإلهي، فهو في غاية الحسن، لأنه تذكير منكر النعمة وجاحدها
بتلك النعمة، ليجعله في موقع المعترف والشاكر، وهدايته، من ثم ـ إلى
الله سبحانه، وتعريفه بأنه موضع رعايته، ولا يريد إلا سعادته.
وبالنسبة للمؤمن تجليل وتكريم، ومحبة ورحمة، ليزيد في جده واجتهاده في
طاعته ونيل ألطافه، والحصول على مراتب القرب والزلفى.
ويلاحظ:
أنه «عليه السلام» ذكر الصفات الإلهية التي لها مدخلية في إجابة هذا
الدعاء بجميع تفاصيله..
ونحن نكل
تفصيل ذلك إلى القارئ الكريم، ثقة منا بدقة نظره، وحصافة رأيه، وصفاء
فكره.
والحمد لله،
والصلاة والسلام على محمد وآله..
9/5/1428 هـ
ق.
25/5/2007 م
ش.
جعفر مرتضى
الحسيني العاملي
([1])
رياض السالكين ج4 ص275.
([2])
النهاية لابن الأثير ج4 ص365.
([3])
الآية 18 من سورة الحجرات.
|