قال الإسماعيلي حول ما روي من أن رقية وأم كلثوم كانتا ربيبتي النبي «صلى الله عليه وآله» من جحش([1]):

«وعبثاً حاولت أن أعرف من هو جحش هذا، ودون جدوى. وفتشت المراجع والمصادر سطراً سطراً، وكلمة كلمة لأجد ذكراً لجحش هذا دون جدوى»([2]).

وقال: «لقد ظللت أكثر من عامين أحاول معرفة من هو جحش هذا، فلم أصل لشيء، فعلمت أن علماء الشيعة كمن يجمع الحطب ليلاً، فلا يدري ما فيه، وإلا، فليدلنا أي عالم من علماء الشيعة الإمامية عن سرّ جحش؟

فزوج هالة بنت خويلد اسمه الربيع بن عبد العزَّى بن عبد شمس بن عبد مناف، فيا ترى من هو جحش هذا؟!([3]).

ونقول:

أولاً: إنه ليس من الضروري أن يكون المقصود من كلمة «جحش» رجلاً بعينه، مسمى بهذا الاسم، إذ من الممكن أن يكون المقصود هو: أن نسب هاتين البنتين يعود إلى القبيلة المعروفة باسم جحش بن رئاب، الذين كانوا حلفاء لبني أمية. وقد اسلموا وهاجروا إلى المدينة، ولم يبقَ منهم أحد، وغلقت أبواب دورهم([4]).

ثانياً: لنفترض أن أحداً لم يستطع تفسير كلمة: «من جحش» فهل يسقط ذلك هذه الكلمة عن صلاحية الإستدلال بها على كون البنات ربائب؟!

ثالثاً: هل الجهل بجحش هذا يعني أن علماء الشيعة كمن يجمع الحطب ليلاً، فلا يدري ما فيه؟!..

ولنفترض: أن علماء أهل السنة قد عجزوا عن تفسير كلمة وردت في كتب بعض علمائهم، فهل يصبحون أيضاً كعلماء الشيعة يجمعون الحطب ليلاً، ولا يدرون ما فيه؟!..

وما أكثر الكلمات التي يعجز علماء الشيعة والسنة عن فهم معناها وتفسيرها!!

رابعاً: من الذي قال: إن علماء الشيعة قد اهتموا بمعرفة المراد من كلمة «جحش» التي وردت في بعض الروايات، ثم عجزوا عن فهم معناها؟!

يضاف إلى ذلك: أن هذه الكلمة إنما وردت في بعض المصادر القليلة التداول بين علماء الشيعة، ولعل هذا هو السبب في أن علماء الشيعة لم يهتموا بشرحها، وتبيين المراد منها..

خامساً: لنفترض أن أحداً لم يستطع تفسير كلمة «من جحش»، فلماذا لا يقوم لدى هذا الرجل احتمال وقوع التصحيف، أو الإشتباه في نقل أو في رسم كلمات الكتاب الذي أورد هذه العبارة؟! ثم تبعه غيره، ونقل عنه، غافلاً عن حقيقة الأمر!!

أو لعل في الكتاب سقطاً؟!

أو لعل الكتب والمؤلفات قد أهملت ذكر ما يفيد في فهم هذا المورد، كما أهملت عمداً أو سهواً ذكر كثير من الأمور التي لو ذكرت لظهرت الكثير من الحقائق التي نحتاج إلى معرفتها؟.

ولعل.. ولعل..

سادساً: من الذي قال: ان هالة بنت خويلد لم تتزوج غير الربيع بن عبد العزّى؟!.

بل من الذي قال: أن أمر البنات ينحصر بهالة بنت خويلد؟!..

سابعاً: إن عدم معرفتنا ببعض الأشخاص الواردة أسماؤهم في رواية ما، لا يعني كذب مضمونها..

ولو كان جهلنا بامثال ذلك من موجبات التكذيب والرد، لكان علينا أن نرد كمّاَ هائلاً من الاحاديث التي لا يرضى هؤلاء بردها جزماً.

وكم من رواية ورد فيها: أن رجلاً فعل كذا، أو سأل الامام «عليه السلام» أو النبي «صلى الله عليه وآله» عن كذا، فأجابه بكذا، ولا يعرف أحد عن ذلك الرجل شيئاً على الإطلاق..

بل إن جهلنا يمتد إلى كثير من الشؤون المرتبطة بشخصيات كبيرة، ورموز حساسة، فنحن نجهل الكثير من حياة الخلفاء، ومن حياة عبد الله، وعبد المطلب، وسائر آباء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأجداده، ونختلف في نسب رسول الله بعد أن ينتهي إلى عدنان، حتى لقد أمرنا «صلى الله عليه وآله» بالإمساك إذا بلغنا إلى عدنان، وذلك لكثرة الإختلاف في الذين بعده..


([1]) مناقب آل أبي طالب ج 1 ص209 والبحار ج 22 ص367 عن الانوار، والكشف، واللمع، وكتاب البلاذري.

([2]) زينب ورقية وأم كلثوم بنات رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص21. وراجع ص39.

([3]) المصدر السابق ص 22.

([4]) راجع: الغدير ج 7 ص 357 و 418 عن السيرة النبوية لابن هشام ج 2 ص 144 و 145 و ج 10 ص 116 و 117.

 
     

فهــرس الكتــاب

     

موقع الميزان