وقد استند المعترض إلى كلام المعلق على كتاب
الإستغاثة، واعتبره كافياً لرد كلام الكوفي..
ونقول:
إن رده غير كاف أيضاً، فلاحظ ما يلي:
أولاً:
إن هذا المعلق ـ باعتراف المستدل نفسه ـ قد أخطأ خطأً فاحشاً، في نفس
هذا المورد، فهاجمه نفس هذا المستدل بكلامه بقوله: إنه ينقل بدون تدبر
ووعي([1]).
فمن يكون كذلك لا يكون قوله حجة.
ثانياً:
إن الحجة التي أوردها ذلك المعلق، واستند اليها المعترض علينا، هي أن
جماعة من أساطين العلماء قد خالفوا صاحب الإستغاثة في الرأي، منهم
العلامة الشيخ المفيد..
ومن الواضح:
أن ذلك لا يصلح دليلاً على مطلوبه، فإن تبحر أولئك
الأفذاذ في العلوم المختلفة لا يعني أنهم قد بحثوا جميع مسائل الخلاف،
وحددوا موقفهم منها استناداً إلى الأدلة والبراهين القاطعة، إذ ما أكثر
المسائل التي لم يتسنَ لهم بحثها، أو لم يخطر على بالهم أنها تحتاج إلى
بحث وتمحيص، وجروا فيها على ما ذكره سلفهم، أو على ما اشتهر بين
أصحابهم..
ثانياً:
إن الشيخ المفيد لم يذكر مستنداً ولا دليلاً يثبت صحة قوله، وفساد ما
قاله مخالفه، سوى أنه رآه شاذاً بخلافه.
ثالثاً:
إن قلة القائلين بالرأي لا تعني فساد رأيهم، لاسيما إذا كانوا يوردون
أدلة قوية على صحة ما يذهبون إليه، وكم من الآراء التي كانت مشهورةً
بين الناس، ثم ظهر أنها لا أصل لها، حتى لقد قيل: رب مشهور لا أصل له.
وكلمة رب هنا يراد بها التكثير، لا التقليل، وحتى
لو أريد بها التقليل لم يفد ذلك في تصحيح ما يرمي المعترض إلى تصحيحه.
وظهور الخطأ في ذلك إنما يبدأ بتنبه فرد أو أفراد
قليلين، ثم يبدأ القول بالإتساع والإنتشار.
([1])
راجع هامش رقم1 في ص14 من كتاب: زينب ورقية وأم كلثوم بنات
رسول الله
«صلى الله عليه وآله»
لا ربائبه..
|