ألف: المسألة لا سنية ولا شيعية:
إن هذه المسألة تاريخية، متصلة بعلم الأنساب، يثبتها من
يثبتها، وينفيها من ينفيها استناداً إلى الدليل، وليست عقائدية ولا
فقهية. ومحاولة اضفاء طابع التسنن والتشيع على امثال هذه المسائل عمل
غير سديد ولا رشيد. بل هو يشي بأحد امور مثل:
1 ـ
إحساس من يفعل ذلك بالفشل الذريع، وبالعجز عن الوصول في
بحثه إلى النتائج التي كان يتوخاها، فهو يحاول التستر على هذا الفشل
باثارة الغرائز والعصبيات العمياء، عناداً منه للحق، واستكباراً عن
الإعتراف به، وسعياً لتعمية الطريق إليه، ولو بقيمة التدليس على
القارىء، أو الإيهام بما هو خلاف الواقع..
ونحن لولا مبادرته للدخول في هذا المنحى لم نكن نريد أن
نظن به هذا، بل كنا ولا نزال نسأل الله العصمة لنا وله.
2 ـ
سوء النية المتمثل بالسعي المتعمد لخداع الناس، واثارة
الفتن والاحقاد، وزرع بذور الشقاق فيما بينهم..
3 ـ
الجهل الذريع بطبيعة المسائل،وتصنيفاتها، واختلاط
الأمور عليه، فوقع في الخطأ الذريع، والأمر الشنيع في هذا الأمر
البديهي البطلان، ولعل هذا هو اهون ما يمكن ان يحمل عليه، وان ينسب
اليه.
وقد تحدث عن إجماع قائم لدى أهل السنة على هذه المسألة،
ونقول:
أولاً:
لا نريد أن نظن ولا أن نحتمل أن خصوصية التسنن الفقهي وحتى الإعتقادي
لها أي دور أو تأثير في تكوين هذا الإجماع، ما دام أن المسألة تاريخية
وأنسابية، وليس لكثرة القائلين بها وقلتهم دور في الكشف عن قول المعصوم
وفعله وتقريره. بل هي تابعة لصحة النقل، وسلامته من التعارض والتنافي،
واستجماعه لسائر شروط الحجية والقبول..
ثانياً:
قد ذكرنا أكثر من مرة: أن عروة بن الزير وابن عمر قد أشارا إلى أن
هؤلاء البنات ربائب، لا بنات على الحقيقة. وليس هذان الرجلان من الشيعة
قطعاً.
هذا عدا ما ذكره القزويني، ومغلطاي، والنويري، والمقدسي
وغيرهم.. فضلاً عما نقل عن البلاذري..
فما معنى قول المعترض:
إنه قلب مصادر أهل السنة، وقرأها سطراً سطراً، وكلمة كلمة، فلم يجد
أحداً منهم يقول بهذه المقالة، أو يشير إليها بشيء.
وقد زعم هذا الرجل انه فتش مراجع أهل السنة سطراً
سطراً، وكلمة كلمة، فلم يجد أية إشارة إلى هذا الأمر.
ونقول له:
أولاً:
ان كتب أهل السنة تعد بعشرات الألوف، فمتى، وكيف استقرأ جميع تلك
الكتب؟!
وهل صحيح أنه قرأها جميعها سطراً سطراً، وكلمة
وكلمة؟!..
وكم من السنوات استغرقت قراءته لها حتى أنجزها، وانتهى
إلى هذه النتيجة؟!
ثانياً:
قد ذكرنا آنفاً عدداً من أهل السنة الذين ذكروا هذا
الأمر، ولا ندعي أننا قرأنا إلا أقل القليل من مصادر أهل السنة..
ثالثاً:
إننا نريد أن ندَّعي أن هذا الشخص قد قرأ شيئاً، ولكنه لم يوفق
لاستخلاص معانيه، ومراميه كما هو حقها.. كما سيتضح في الفقرة التالية.
وقد زعم هذا المعترض خلو مراجع أهل السنة من أي اشارة،
أو تلميح، أو تصريح بالتشكيك ببنوة زينب، ورقية وأم كلثوم، وهذا غير
صحيح، وغير دقيق. وذلك لما يلي:
1 ـ
ادَّعى المعترض: أنه فتش مراجع أهل السنة سطراً سطراً،
وكلمة كلمة، مما يعني أنه قد قرأ ما ورد في مستدرك الحاكم عن هجرة
زينب، وما جرى عليها من هبار بن الأسود، حيث زعم عروة بن الزبير: أن
النبي «صلى الله عليه وآله» قال عنها: هي أفضل بناتي أصيبت فيّ.
فبلغ ذلك علي بن الحسين «عليه السلام»، فانطلق إلى عروة
فقال: ما حديث بلغني عنك تحدثه، تنتقص فيه حق فاطمة؟!..
فقال:
والله.. ما أحب أن لي ما بين المشرق المغرب، وأني اتنقص فاطمة حقاً هو
لها. وأما بعد ذلك فلك إلّا أحدث به أبداً!
قال عروة:
وانما كان هذا قبل نزول آية ﴿ادْعُوهُمْ
لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ﴾([1]).
فقد دل كلام عروة الأخير على أن الحديث عن زينب بعنوان
كونها بنت رسول الله، وأخت فاطمة، قد كان قبل نزول آية
﴿ادْعُوهُمْ
لِآبَائِهِمْ﴾،
أما بعد نزول هذا الآية، فلم تعد معدودة في بناته «صلى الله عليه
وآله»، ولا تصح نسبتها اليه، بعنوان أنها إبنته، لتكون فاطمة أختها.
2 ـ
إذا كان هذا المعترض قد قرأ جميع كتب أهل السنة، سطراً سطراً، وكلمة
وكلمة، فلا بد أن يكون قد قرأ أيضاً الحديث المروى في صحيح البخاري
وغيره، عن أن رجلا سأل ابن عمر عن رأيه في علي وعثمان، فاجابه بقوله:
أما عثمان، فكان الله قد عفا عنه، وأما أنتم فكرهتم أن
تعفوا عنه.
أما علي،
فابن عم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وختنه، وأشار بيده، فقال:
وهذا بيته حيث ترون([2]).
فابن عمر يصف علياً فقط بأنه ختن رسول الله «صلى الله
عليه وآله» على ابنته، مع ان عثمان ـ كما يدَّعون ـ كان ختنه أيضاً على
ابنتيه، لا على بنت واحدة.
وعثمان أحوج إلى تسطير الفضائل له هنا، للدفاع عنه،
وإظهار مظلوميته. ولا معنى للإكتفاء، بدليل ضعيف، وهو العفو عنه يوم
أحد..
مع أن العفو مشروط بالتوبة، وهذا إنما يشمل العائدين
إلى الحرب مباشرة، ويشك في شموله لمن عاد بعد ثلاثة أيام.
وحتى لو شمله العفو، فان ذلك لا يلازم عفو الناس عنه،
ولا يتضمن تصحيح تصرفاته اللاحقة.. ومنها ما كان منه في حق زوجته..
فلماذا لم يستدل بكون النبي «صلى الله عليه وآله»
زوَّجه ابنتيه، للتدليل على كمال ثقة رسول الله «صلى الله عليه وآله»
به، واستقامته على جادة الصواب طيلة تلك المدة؟!
3 ـ
روي عن أبي
الحمراء عن النبي «صلى الله عليه وآله»، وعن أبي ذر مرفوعاً قوله «صلى
الله عليه وآله»: يا علي، أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا. أوتيت
صهراً مثلي، ولم أوت أنا مثلي([3]).
فلو كان عثمان زوج ابنتي رسول الله «صلى الله عليه
وآله» لم يصح هذا الكلام، لأنه يكون هو الآخر قد اوتى صهراً مثل رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، فكيف يقول «صلى الله عليه وآله» لعلي: «لم
يؤتهن أحد، ولا أنا»؟!..
4 ـ
خطبة فاطمة الزهراء «عليها السلام» في المهاجرين
والأنصار بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقد جاء في تلك
الخطبة قولها «عليها السلام»:
«أيها الناس، اعلموا أني فاطمة وأبي محمد، وأقول عوداً
وبدءاً. ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً،
﴿لَقَدْ
جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾([4]).
فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نساءكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم»([5]).
فلو كانت زوجتا عثمان بنات رسول الله «صلى الله عليه
وآله» على الحقيقة لاعترض الناس عليها، وقالوا: بل هو أبو زوجتي عثمان
أيضاً.
قال محمد كاظم الخاقاني:
«فلعل هذا يفيد مسألة تاريخية، وهي أنه ليس لرسول الله «صلى الله عليه
وآله» من خديجة «عليها السلام» بنت غيرها. وما نسب إليه من البنات
فإنهن ربائب، فإن الربيبة تسمى بنتاً عند العرب.
ولعل هذا
مما يقرب عند التحقيق تاريخياً»([6]).
5 ـ
وقد قلنا في كتاب «بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه»: أن
سورة الكوثر قد جاءت رداً على العاص بن وائل حين زعم أن النبي «صلى
الله عليه وآله» بعد موت ابنه قد أصبح أبتراً، فرد الله تعالى عليه بأن
الله قد اعطاه الكوثر، أي مصدر الكثرات من جميع جهات الخير.. وقد تمثل
ذلك بفاطمة «عليها السلام»..
6 ـ
وقد أشرنا فيما سبق إلى أن للقزويني، ومغلطاي، والمقدسي، والنويري
كلاماً يخالف ما ينسبه هذا المعترض إلى أهل السنة، فهل وقف عليه
المعترض على كل هذه النصوص، ثم هو ينكرها عن علم؟! أم أنه لم يقف
عليها!! فكيف جاز له أن يدعي أنه قرأ جميع كتب أهل السنة سطراً سطراً،
وكلمة كلمة؟!
([1])
الآية5 من سورة الأحزاب.. والحديث في مستدرك الحاكم ج2 ص202 و
ج4 ص43 و 44 وذخائر العقبى ص 158 و الذرية الطاهرة ص72.
([2])
صحيح البخاري (ط سنة 1309 هـ. ق) ج3 ص68.
([3])
راجع: إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص74 وج4 ص444 وج7 ص18 عن
المناقب لعبدالله الشافعي ص50 (مخطوط) وعن مناقب الكاشي
(مخطوط) ص72 ونظم درر السمطين ص114 و113 وراجع مقتل الحسين
للخوارزمي ج1 ص109 وينابيع المودة ص255.
([4])
الآية 129 من سورة التوبة.
([5])
رواها السيد محمد كاظم القزويني في كتابه: فاطمة الزهراء
«عليها السلام» من المهد إلى اللحد (ط سنة 1414 هـ) ص 294 و
295 عن : المرتضى في الشافي، وعن الطرائف لابن طاووس، وعن
الشيخ الصدوق، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، عن كتاب
السقيفة للجوهري، وعن كشف الغمة للأربلي، والطبرسي في الإحتجاج،
وأحمد بن أبي طاهر في بلاغات النساء، وأشار إليها المسعودي في
مروج الذهب.
([6])
شرح خطبة الصديقة فاطمة الزهراء للخاقاني ص203 هامش..
|