فصل (الولاية المطلقة والمقيدة)

وبيان ذلك أن الملك والتملك والحكم والتحكم، والولاية والتولية إما أن يكون على الإطلاق أو بالتقيد، فمالك يوم الدين الرحمن الرحيم مطلقا هو الله الذي لا إله إلا هو الذي كل شئ ملكه ومملوكه، وهو الرب الذي تفتتح الفاتحة بحمده وتعديد صفاته، وتختمها بالتضرع إليه، وأما الحاكم في ذلك اليوم بالولاية عن أمر الله ورسوله أمير المؤمنين وذلك لأن ولايته حبل ممدود وعهد مأخوذ من الأزل إلى الأبد غير محدود، فهو لما كان مالك الدنيا وأهلها، وحاكمها ووليها، فكذا هو مالك الآخرة وحاكمها ووليها، لأن ولايته عروة لا انفصام لها، ودولة لا انقضاء لها، وإليه الإشارة بقوله: (فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) (1) وهو ولاية علي وحكمه لا انقطاع لها، دليله قوله سبحانه: (أليس الله بأحكم الحاكمين) (2)، قال علي بن إبراهيم في تفسيره: أمير المؤمنين أحكم الحاكمين، فهنا إطلاق وتقييد، أما أمير المؤمنين عليه السلام فهو حاكم يوم الدين ومالكه وواليه، وصاحب الحساب عن أمر الله وأمر رسوله، ومالك يوم الدين مطلقا من غير تقييد ولاية، ولا إذن والله رب العالمين رب الدنيا والآخرة، وإله الدنيا والآخرة، وخالق الدنيا والآخرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) البقرة: 256.

(2) التين: 8.

 

فصل

وهذا مثل قول المتكلم: الله واجب الوجود حي، والإنسان حال وجوده أيضا واجب الوجود حي، فأشركا في لفظ الوجود وامتازا بفصل الإمكان والوجوب، فالرب سبحانه حي واجب الوجود لذاته، والإنسان حي واجب الوجود لغيره، فكذا إذا قلنا علي مالك يوم الدين وحاكم يوم الدين، وأنت تعلم أنه ولي الله وخليفته، والولي له الحكم فلا يحتاج العقل السليم إذن مع معرفة الحكم المقيد إلى قرينة أخرى.

 (تنبيه) كما أنه إذا قيل: فلان مالك ديوان العراق وحاكم ديوان العراق على الإطلاق، فيذهب العقل السليم إلى أنه هو السلطان ولا يحتاج إلى قرينة أخرى تميزه بل إطلاق اللفظ يدل على أنه هو الوزير وصاحب الدفتر، وكذا إذا قلت علي مالك يوم الدين، فلا يذهب ذهن المؤمن الموحد العارف بالله، إلى أن عليا هو الله لا إله إلا الله، بل إنه ولي الله، والولي وهو الوالي فله الولاية والحكم بأمر الله الذي حكمه وولاه، وفوض إليه أمره وارتضاه، فيا عجبا كيف يرضاه الله وأنت لا ترضاه (أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله)، ثم تدعي بعد ذلك أنك تعرفه وتتولاه، وأنت والله الكاذب في دعواه، فأنت كما قيل:

(ويدعي وصلها من ليس يعرفها * إلا بأسمائها في ظاهر الكتب)

فأنت في أمر علي لم ترض برضى الله، ومن لم يرض برضى الله، فعليه لعنة الله، ألم تعلم يا منكر الحق بجهله ومدعي العرفان وليس من أهله أن الدنيا والآخرة لهم خلقت، وبهم خلقت، ومن أجلهم خلقت، وإليهم سلمت، والله غني عن العالمين، وما هو بهم ولهم ولأجلهم، فهو مالكهم وملكهم من غير مشارك ولا منازع، وثبوت ذلك من قول المعصوم، ووجوب تصديق قوله واعتقاده، لأن من رد على الولي فقد رد على الرب العلي ومن رد على العلي كفر، فمن رد على الحجة المعصوم فقد كفر، فها قد صرح الدليل أن من أنكر ولاية علي وحكمه في الدنيا والآخرة فقد كفر، ومن أنكر أحد الطرفين فهو واقف بين جداري الكفر والإيمان، فإما أن يعتقد الطرفين فيؤمن، أو ينكر الطرفين فيكفر، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام لرجل قال له: أنا أحبك وأهوى فلان، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: أنت الآن أعور فإما أن تعمى، أو تبصر (1)؟ (فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر)، (وما أنت عليهم بمسيطر).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار: 27 / 78 ح16.

 

 

فصل

وبيان هذا البرهان أنه تعالى أمر نبيه يوم الدار أن يجمع بني عبد المطلب ويدعوهم إلى الله، فمن سبق منهم إلى تصديقه وأجاب دعوته وصدق رسالته، ورأى نصرته، كان له بذلك أربعة عهد من الله ورسوله، ويكون أخاه وصهره، والحاكم بعده فما أجاب دعوته غير علي فبايعه ونصره وفداه، ووفى بعهد الله فخاض في رضاه الحتوف، وقتل في طاعته الألوف، وكشف عن دينه الكربات وكسر الرايات، وأخرج الناس من الظلمات، ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله تواثبت الضباع على الأسد المناع، والولي المطاع، فعوت على الهزبر الكلاب، وصار ملك أبي تراب، الذي صفي سبحانه بحد الحساب، والقرضاب، إلى... الذي لم يحمر له حسام يوم الضراب، ولا مر في ملمة (1) وخاب، ولم يدع إلى كريهة فأجاب.

 فوجب في عدل الكريم الوهاب، من باب (أوفوا بعهدي أوفي بعهدكم) أن يوليه يوم القيامة عوضا عن حقه الممنوع في الدنيا حكم يوم الحساب، وإليه الإشارة بقوله: (ويؤت كل ذي فضل فضله) (2) لأن المواهب الربانية والتحف الإلهية، إما أن تكون استحقاقا أو تفضلا، وكلاهما حاصلان لأمير المؤمنين عليه السلام، أما الاستحقاق فإن الله أوجد فيه من الأسرار الإلهية، والقوى الربانية، والخواص الملكية ما لم يوجد في غيره من البشر، حتى تاه ذو اللب في معناه وكفر، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله: (خلقت أنا وعلي من جنب الله ولم يخلق منه غيرنا) (3)، وجنب الله معناه علم الله، وحق الله له كإحياء الأموات والأخبار بالمغيبات، وتكلم أذياب الفلوات، وإغاضة ماء الفرات، ورجوع الشمس له بعد الغياب، وإظهار وإيراد المعجبات، وأما التفضل فإن الله يختص برحمته من يشاء، ففرض الله إليه وأمر العباد وجعله الحاكم يوم المعاد، فهو حاكم يوم الدين، ومالك يوم الدين، وولي يوم الدين، ولا ينكر هذا الحق المبين، إلا من ليس له حظ من الإيمان واليقين، ومن لا إيمان له كافر فوجب على من شم حقائق الإيمان استنشاق نسيم أزهار هذه الأشجار، والتصديق لهذه الآثار، ومن أنكرها ولو حرفا منها فقد عارض زكام الكفر خيشوم إيمانه فليداووه بسعوط التصديق، ولكن ذاك في حقق التحقيق، ومن أعرض عن واضح الدليل، فقد ضل عن سواء السبيل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) كذا في النسخة الخطية، في المطبوع بلفظ مسلم.

(2) هود: 3.

(3) في بحار الأنوار: (خلقنا الله جزءاً من جنب الله) ـ 24 / 192 ح8.

 

 

 

 

فصل (علي مالك يوم الدين)

اعترض معترض من أهل التقليد، وممن هو عن إدراك التحقيق بعيد، فقال: إذا قلنا مالك يوم الدين علي، وحاكم يوم الدين علي، يلزم أن يكون الرحمن الرحيم أيضا عليا، فقلت له: ليس الأمر كما ذهب إليه وهمك، وقصر عن إدراكه فهمك، لأنا لا ندعي أن عليا مالك يوم الدين من هذه الآية، لأنا إذا قلنا: الحمد لله رب العالمين فإنا نشهد أن جميع المحامد بجوامع الكلم من كل مادح وحامد، فإنها لله رب العالمين يستحقها ويستوجبها الرحمن الرحيم، ويجري عليها عدلا وقسطا، مالك يوم الدين الذي طوق بإحسانه أهل سماواته وأرضه، أخرجهم بلطفه من كتم العدم، وأفاض عليهم من سحائب كرمه فوائض النعم، ووسعهم بجوده وعفوه ومنه، فهو مالك يوم الدين الذي كل شئ ملكه ومملوكه، فله الملك للعباد، والعدل في المعاد، لكنه يملك من أراد، وإن تقطعت أكباد ذوي العناد.

 وإذا قلنا إياك نعبد وإياك نستعين نقر بأن الموصوف بهذه الصفات هو المعبود الحق.

 فنقول: هناك (اهدنا الصراط المستقيم) نسأل بعد الحمد لواجب الوجود، ومفيض الكرم والجود، أن يهدينا إلى حب علي لأنه الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم، وهم آل محمد صلى الله عليه وآله الذين لأجلهم خلق الكون والمكان غير المغضوب عليهم، وهم (أي المغضوب عليهم) أعداؤهم الذين يبدل الله صورهم عند الموت، (ولا الضالين) وهم شيعة أعدائهم.

 

فصل

لما رأينا الله سبحانه قد أدخل نبيه ووليه في صفاته، وخص محمدا وعليا بعظيم آياته، فقال في وصف نبيه الكريم: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم (1) وقال في حق وليه: وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم (2) فهو الحاكم الحكيم، لأن العلو هو الحكم، فهو العالي على العباد، والحاكم يوم التناد، لأن كل حاكم عال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) التوبة: 128.

( 2) الزخرف: 4.

 

 

من غير عكس، وكل حاكم يوم الدين مالك من غير عكس، فهو حاكم يوم الدين ومالك يوم الدين، بنص الكتاب المبين، لأن من حكم في شئ ملكه، وإليه الإشارة بقوله: (أو ما ملكتم مفاتحه) (1) ومفاتيح الجنة والنار بيده فهو المالك ليومئذ والحاكم إذا، ومن كذب هذا وأنكر سيرى برهانه حين يبشر الله أكبر، والحاكم يوم البعث حيدر، ولعنة الله على من أنكر، وقوله: حكيم لأنه قسيم الجنة والنار لأن حبه إيمان وبغضه كفر، وهو يعرف وليه وعدوه فهو إذا يقسم وليه إلى النعيم وعدوه إلى الجحيم، من غير سؤال فهو العلي الحكيم.

 

 

فصل

فأحببنا أن نكشف الستر، عن وجه هذا السر، ونبينه ليهلك من هلك عن بينة، ويحيي من حي عن بينة، فوجدناه من أسرار علم الحروف في هذه الآيات الثلاث اسم علي مرموزا مستورا، فالأول قوله: ع ل ي ح ل ي م فإن عدد حروفها 7، والسبعة حرف الزاي وعنها تظهر الأسرار، وأما أعدادها فهي 188، وأما قوله: ا ل ص ر ا ط ا ل م س ت ق ي م، فإن عدد حروفها 14، وأعدادها 1013، (2) وأما قوله: م ا ل ك ي وم ا ل د ى ن وهي 12 حرفا، وعنها يظهر السر الخفي والأمر المخفي، من أسرار آل محمد لمن كان من أصحاب علي، وأما أعدادها وهي  232(3)، فمن عرف أسرار الحروف عرف أن العلي الحكيم، والصراط المستقيم، ومالك يوم الدين، هو علي بن أبي طالب عليه السلام (بأمر رب العالمين).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) النور: 61.

 (2) كذا في المخطوط، وفي المطبوع: 1011.

 (3) كذا في المطبوع أما في المخطوط فالعدد 242.

 

 

 

فصل (اسم علي ومحمد على كل شئ)

( 1) وكذا من تصفح وجوه الآيات والدعوات، والأسماء الإلهيات، وجد اسم محمد وعلي في كل آية محكمة ظاهرا وباطنا، لمن عرف هذا السر ووعاه، فلا يحجبنك الشك والريب في نفي أسرار الغيب، لأن كل عدد ينحل أفراده إلى الهوى فهو يشير إلى الهوية التي لا شئ قبلها، ولا شئ بعدها، ويشير بحروفه إلى الكلمة، التي هي أول الكلمات وروح سائر الكلمات، ولذلك ورد في آيات أن القرآن ثلاثة أثلاث ثلث في مدح علي وعترته ومحبيه (2)، وثلث في مثالب أعدائه ومخالفيه والثلث الآخر ظاهره الشرائع والأحكام وتبيين الحلال والحرام وباطنه اسم محمد وعلي.

 وذلك أن القرآن له باطن وظاهر فلا ترتاب أيها السامع عند ورود فضائل أبي تراب ! أليس وجود الأشياء كلها من الماء وجعلنا من الماء كل شئ حي، فالماء أبو الأشياء كلها وهو عليه السلام أبو تراب فهو سر الأشياء كلها، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وآله: ليلة أسرى بي إلى السماء لم أجد بابا ولا حجابا، ولا شجرة ولا ورقة ولا ثمرة، إلا وعليها مكتوب علي علي وإن اسم علي مكتوب على كل شئ (3).

 يؤيد هذا ما رواه سليم بن قيس عن رسول صلى الله عليه وآله الله أنه قال: علي في السماء السابعة كالشمس في الدنيا لأهل الأرض، وفي السماء الدنيا كالقمر في الليل لأهل الأرض، أعطى الله عليا من الفضل جزءا لو قسم على أهل الأرض لوسعهم، وأعطاه من العلم جزءا لو قسم على أهل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) قال صلى الله عليه وآله: (اسم علي على كل حجاب في الجنة) (الأنوار النعمانية: 1 / 24).

 وقريب منه عن الإمام الصادق عليه السلام (الأنوار النعمانية: 1 / 169).

 وأخرج الديلمي والطبراني وغيرهما عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (مكتوب على باب الجنة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أخو رسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام) (مجمع الزوائد: 9 / 111، وبغية الرائد تحقيق مجمع الزوائد 143 ح 14656، والمعجم الأوسط للطبراني: 6 / 234 ح 5494، وكتاب الأربعين للخزاعي: 47 - 58، وجواهر المطالب: 1 / 72 - 92).  وأخرجه القرشي بلفظ: (على باب الجنة: علي ولي الله، فاطمة أمة الله، الحسن والحسين صفوة الله) (مسند شمس الأخبار: 1 / 121 باب 13، وكشف اليقين: 449 ح 551).

(  2) في آيات أن (2) الكافي: 2 / 627.

( 3) الأنوار النعمانية: 1 / 24 - 169 وقد فصلنا ذلك في كتابنا الولاية التكوينية.

 

 

الأرض لوسعهم (1)، اسمه مكتوب على كل حجاب في الجنة بشرني به ربي، علي محمود عند الحق، عظيم عند الملائكة، علي خاصتي وخالصتي، وظاهري وباطني، وسري وعلانيتي، ومصاحبي ورفيقي وروحي وأنيسي، سألت الله أن لا يقبضه قبلي، وأن يقبضه شهيدا، وإني دخلت الجنة فرأيت له حورا أكثر من ورق الشجر، وقصورا على عدد البشر، علي مني وأنا من علي، من تولى عليا فقد تولاني، حبه نعمة واتباعه فضيلة، لم يمش على وجه الأرض ماش أكرم منه بعدي، أنزل الله عليه رداء الفضل والفهم، وزين به المحافل، وأكرم به المؤمنين ونصر به العساكر وأعز به الدين، وأخصب به البلاد وأعز به الأخيار، مثله كمثل بيت الله الحرام يزار ولا يزور، ومثله كمثل القمر إذا طلع أضاءت الظلم، ومثل الشمس إذا طلعت أضاءت الحنادس، وصفه الله في كتابه ومدحه في آياته وأجرى منازله فهو الكريم حيا والشهيد ميتا، وإن الله قال لموسى ليلة الخطاب: يا بن عمران إني لا أقبل الصلاة إلا ممن تواضع لعظمتي، وألزم قلبه خوفي ومحبتي وقطع نهاره بذكري، وعرف حق أوليائي الذي لأجلهم خلقت سماواتي وأرضي وجنتي وناري، محمد وعترته فمن عرفهم وعرف حقهم جعلته عند الجهل علما وعند الظلمة نورا، وأعطيته قبل السؤال وأجبته قبل ا لدعاء (2).

 ومن ذلك ما رواه وهب بن منبه قال: إن موسى ليلة الخطاب وجد كل شجرة ومدرة في الطور ناطقة بذكر محمد ونقبائه، فقال: ربي إني لم أر شيئا مما خلقت إلا وهو ناطق بذكر محمد ونقبائه، فقال الله: يا بن عمران إني خلقتهم قبل الأنوار، وجعلتهم خزانة الأسرار، يشاهدون أنوار ملكوتي، وجعلتهم خزانة حكمتي، ومعدن رحمتي ولسان سري وكلمتي، خلقت الدنيا والآخرة لأجلهم، فقال موسى: ربي فاجعلني من أمة محمد، فقال: يا بن عمران إذا عرفت محمدا وأوصياءه وعرفت فضلهم وأمنت بهم فأنت من أمته (3).

 يؤيد هذا ما رواه صاحب الأمالي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي إن الله أعطى شيعتك سبع خصال: الرفق عند الموت، والأنس عند الوحشة، والنور عند الظلمة، والأمن عند

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار: 39 / 37 ح 7.

( 2) بحار الأنوار: 26 / 267 ح 1.

( 3) بحار الأنوار عن مقتضب الأثر: 51 / 149 ح 24 بتفاوت بسيط.

 

 

الفزع، والقسط عند الميزان، والجواز على الصراط، ودخول الجنة قبل الأمم بأربعين عاما (1).

 وها أنا أقول بعد هذه البراهين مستمعا للمعرض عن حق اليقين:

كم جهد تبعنا لك في الدلايل * وجمعها وأنت جهدك بأنك تنكر

لكل دليل الورد منعم صباحو نعم * ومطيب روائحو إلا الجعل

من يشمو يروح وهو عليل * من لا ترى الشمس عنبر ولا يرى البدر مقلتو

ولا الصباح المشرق أيش ينفعو قنديل * فأنت في ذا اعتقادك تشرب على

هذا الظمأ ماء البحار السبع وتنل غليل * إلى متى أي محارف في مهمة القول والجدل

شبه البهائم هائم لا بل أضل سبيل * هذا اعتقاد لحيدر عن طيب أصلك تنبه

والفرع لا شك دائم على الأصول دليل * في القيل والقال تخيط وتسمع الحق تنكر

وحتى يقول العالم لك في الفضول فضيل * أيش ينفع الحج كلو والزهد والفقه في غد

لمن غدى يتنقض بصاحب التفصيل * الأصل تنكر وتنفي الفروع جهدك تثبتو

إن لم تظللك أصولك ما في الفروع مقيل * لو كنت في الفقه أحمد وفي الأصول الأشعري

وفي الحديث ابن حنبل وفي العروض خليل * وفي الطريقة شبلي وفي الحقيقة الواسطي

وكنت معروف إنك معروف بالتفضيل * وفي التلاوة عاصم وفي الدراية زمخشري

وفي الرواية مجاهد تجهد تذهب بكل دليل * وكنت في الصدر الأول أبو هريرة في الأثر

هم وكنت ابن مالك قاضي القضاة جليل * وفي الصحابة الأول نعم وفي حكمك عمر

وفي القرابة ابن أروى وجامع التنزيل * وكنت بالعلم واثق وبالعبادة معتصم

وبالرضى متوكل وحرف كل جميل * وكنت عمر الدنيا مشغول بالعلم والعمل

صائم وقائم دهرك تجهد بكل سبيل * وإن لم تولي حيدر وكل فضلو

تعتقد إلى جهنم تحشر نعم بلا تطويل * هذا الحديث الصادق قد جاء عن

رب العلي إلى النبي المرسل أتى به جبريل (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار: 27 / 162 ح 13.

( 2) هذا كما يظهر شعر عامي مما كان ينظمه شعراء الشعب في عصر المؤلف البرسي، ولا نكاد نعرف أكثر ألفاظه وكيفية نطقه.

 

 

 

فصل (أثر كتمان العلماء للحقائق)

في خاتمة هذا الدليل من كتاب الآيات مرفوعا إلى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يعذب الله هذا الخلق إلا بذنوب العلماء الذين يكتمون الحق من فضل علي وعترته، ألا وإنه لم يمش فوق الأرض بعد النبيين والمرسلين أفضل من شيعة علي ومحبيه الذين يظهرون أمره وينشرون فضله، أولئك تغشاهم الرحمة وتستغفر لهم الملائكة، والويل كل الويل لمن يكتم فضائله ويكتم أمره، فما أصبرهم على النار (1).

 وذلك حق لأن الكاتم لفضل علي جهلا هالك حيث لا يعرف إمام زمانه، والكاتم لفضله بغضا منافق لأن طينته خبيثة، ما أبغضك إلا منافق شقي عرضت ولايتك على طينته فأبت فمسخت، ونودي عليها في عالم المسوخات الخبيثات للخبيثين والخبيثيون للخبيثات، فلا دين له ولا عبادة له، والمؤمن الموالي العارف بعلي عابد وإن لم يعبد، ومحسن وإن أساء، وناج وإن أذنب، وإليهم الإشارة: (ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون)(2) هذا خاص لشيعة علي عليه السلام لأن الكافر والمنافق لا يستحقان شيئا فلم يبق إلا المؤمن، وليس المؤمن إلا شيعة علي، فالمكفر عنهم سيئاتهم بحب علي هم شيعته.

 دليل ذلك ما رواه ميسر عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال له: ما تقول يا ميسر من لم يعص الله طرفة عين في أمره ونهيه لكنه ليس منا ويجعل هذا الأمر في غيرنا؟ قال ميسرة: فقلت وما أقول وأنا بحضرتك يا سيدي؟ فقال: هو بالنار، ثم قال: وما تقول فيمن يدين الله بما تدين ويبرأ من أعدائنا لكن به من الذنوب ما بالناس إلا أنه يجتنب الكبائر؟ قال: قلت وما أقول يا سيدي وأنا في حضرتك؟ فقال: إنه في الجنة وإن الله قد ذكر ذلك في آية من كتابه، فقال: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) (3)، وهو حب فرعون وهامان، (نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) (4)، وهو حب علي عليه السلام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإمام علي عليه السلام للهمداني: 35.

(2) الزمر: 35.

(3) النساء: 31.

(4) النساء: 31.

 

 

 

ومن ذلك قول الله سبحانه: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور (1) إذا كانوا آمنوا فأين الظلمات؟ ومعناه يخرجهم من ظلمات الخطايا إلى نور الإيمان والولاية، وقوله: والذين كفروا بعلي لأن الكفر بعلي كفر بالله، والإيمان به إيمان بالله، أولياؤهم الطاغوت) يعني فرعون وهامان (يخرجوكم من النور إلى الظلمات) وإذا كانوا كفروا من أين لهم النور؟ وهذا صريح أنه الكفر بعلي وولايته يخرجهم من نور الإسلام - وهي الكلمتان الطيبتان - إلى ظلام الكفر بالولاية قال: (أولئك أصحاب النار) شهد القرآن وأكد أن من والى غير علي عليه السلام فمأواه النار، ثم قال: (هم فيها خالدون).

 فالمبغض لعلي كافر وإن عبد، والمحب له عابد، وإن قعد، وإليه الإشارة بقوله: (حب علي عبادة وذكره عبادة والموت على حبه شهادة، وموالاته أكبر الزيادة).

 (2) وإليه الإشارة بقوله: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) (3) قال ابن عباس: الهدى علي بن أبي طالب عليه السلام (4)، وقوله: (بل أتيناهم بذكرهم) (5) يعني بعلي.

 وقوله (فمن تبع هداي) يعني عليا.

 (فلا خوف عليهم) (6) يعني باتباعه، (ولا هم يحزنون) يعني يوم البعث بحبه، مثل قوله: (بل أتيناهم بذكرهم) يعني بعلي (فهم عن ذكرهم معرضون،) وإليه الإشارة بقوله: (قل هو نبأ عظيم * أنتم عنه معرضون) (7)، ومنه قوله: لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم (8) يعني نجاتكم وهو حب علي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) البقرة: 257.

( 2) باختصار بشارة المصطفى: 86.

( 3) طه: 123.

( 5) المؤمنون: 71.

( 6) البقرة: 37.

( 7) ص: 68.

( 8) الأنبياء: 10.

 

 

فصل (حديث الطين)

 ولذلك أصل، وهو خبر الطين الذي رواه إبراهيم عن الصادق عليه السلام في معنى المزاج أنه قال: إن الله لما أراد أن يخلق الخلق ولا شئ هناك خلق أرضا طيبة، وأجرى عليها ماء عذبا سبعة أيام، وعرض عليها ولايتنا فقبلت، فأخذ من ذلك الماء العذب طينتنا ثم خلق من ثقل ذلك الماء طينة شيعتنا فهم منا ولو كنا وآباؤهم من الماء الذي نحن منه لكنا وآباؤهم سواء، ثم خلق أرضا سبخة وأخرى عليها ماء مالحا ثم عرض عليها ولايتنا فأبت فأجرى عليها ذلك الماء سبعة أيام ثم خلق من ذلك الماء الطغاة والأئمة الكفار (1)، وإليه الإشارة بقوله: وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار (2).

 ثم خلق من ثقل ذلك شيعة أعدائنا، ثم مزج ثقل ذلك الطين بطينة شيعتنا، لم يشهد أعداؤنا الشهادتين ولم يصلوا ولم يصوموا فما ظهر منهم من الخيرات والحسنات فليست منهم ولا لهم، إنما هو من مزاج طينة شيعتنا ولهم، ثم مزج الماء الثاني بالماء الأول ثم عركه عرك الأديم ثم قبض منه قبضة وقال: وهذه الجنة ولا أبالي، ثم قبض قبضة وقال: وهذه النار ولا أبالي (3).

 أقول: تمسك أهل الأخبار بأذيال هذا الحديث ظاهر وأنكره أكثر أهل العدل لدلالة ظاهره على الأخبار وهو حديث حسن مملوء بالعدل كيف يتكلم وقد صرح القرآن به، وإليه الإشارة بقوله: فريق في الجنة وفريق في السعير (4) وقوله: فمنهم شقي وسعيد (5)، وقوله: (ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين) (6)، والمراد بالقول منا العلم، وذلك لأن علم الله سبحانه سابق على أفعال العباد ولا حق ولا كاشف فهو سبحانه يعلم قبل إيجادهم من المطيع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار: 26 / 279 ح 22 والحديث طويل.

( 2) القصص: 41.

( 3) بحار الأنوار: 26 / 279 ح 22 الحديث طويل.

( 4) الشورى: 7.

( 5) البقرة: 105.

( 6) السجدة: 13.

 

 

ومن العاصي، لأنه ليس عند الله زمان ولا مكان، ثم أخذ عليهم العهد في الذرات وهو رمز رفيع ومعناه علم قبل إنشاء ذراتهم، من جبلته الانقياد للطاعة، ومن جبلته الظلم والانقياد للمعصية فما يغني النذر فصاروا في العلم قبضتين: مطيع بالقوة، وعاص بالقوة، ثم لما أوجدهم وكلفهم كشف العلم السابق ما في جبلاتهم فصاروا فريقين، كما قال وقوله الحق مؤمن بالفعل وكافر، ولذلك قال: ولا أبالي، وفيه إشارة لطيفة معناها لا أبالي بعد أن فطرتهم على التوحيد، وعرضت عليهم الإيمان في عالم الأرواح، ثم ذكرتهم العهد في ظلم الأشباح، فمنهم من أبصر فاستبصر ومنهم من أنكر فاستكبر، فلا أبالي إن نسب الجبرية الظلم إلي وأنا العدل الحكيم، ولا أبالي يوم القيامة فريقا في الجنة بإيمانهم وفريقا في السعير بكفرهم وطغيانهم، وإليه الإشارة بقوله: أصحاب اليمين * وأصحاب الشمال (1).

 ثم خلط الماءين.

 فما يفعله شيعتنا من الفواحش والأثم فهو من طينة النواصب ومزاجهم وهو لهم وعليهم وإليهم، وما يفعله النواصب من البر والإحسان فهو من طينة المؤمن ومن مزاجه فهو لهم وإليهم لأنه ليس من شأن المنافق بر، ولا من شأن المؤمن ظلم ولا كفر، فإذا عرضت الأعمال على الله قال الحكيم العدل سبحانه ألحقوا صالحات المنافق بالمؤمن لأنها من سجيته فهي له لأنها وفت بالعهد المأخوذ عليها، وألحقوا سيئات المؤمن بالمنافق لأنها من طينته وإليه لأنها وفت بالعصيان والإنكار.

 ثم قال الصادق عليه السلام: وإن ذلك حكم إله السماء والأنبياء (2)، وأما حكم إله السماء فذلك عقلا وشرعا وأصلا وفرعا ومزاجا وطبعا، أما الأصل فلأن طينته من الأصل أقرت بالولاية فاستقرت، أما الفرع فلأنه عمل صالحا في دار التكليف فطاب أصلا وزكا فرعا، ومن آمن وعمل صالحا فله الجنة جزاء وعدلا، وإليه الإشارة بقوله: (الذين آمنوا) (2) يعني يوم العهد المأخوذ وعملوا الصالحات يعني في عالم التكليف كانت له جنات الفردوس نزلا في عالم البعث والجزاء، لأنهم وصلوا يوم المناداة بيوم الأعمال، فوصله الله بيوم المجازاة وحسن المآل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الواقعة: 27 و 41.

( 2) البقرة: 82.

 

 

 

فصل

وأما الطبع فلأن كل شكل يطلب طبعه ويميل إلى جنسه، وينفر من ضده، وأما حكم الأنبياء فمنه قول يوسف عليه السلام: معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده (1) فيوم القيامة ينزع الله ما كان في طينة المؤمن من الخبيث المجاور لها بالامتزاج معها من طينة النواصب من السيئات فيرد إلى النواصب لأنها له ومنه وعليه، ثم ينادي: لا ظلم اليوم وما ربك بظلام للعبيد، وإليه الإشارة والحكمة بقوله: فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك (2) ولأنه كان الله قادرا أن يجعل كل جزء منها طيرا بذاته، ولكن القدرة والحكمة والعدل اقتضى وصول كل جزء منها إلى جزئه ! وفي ذلك رمز دقيق وهو أن كل طبع يميل إلى طبعه..

 اعترض معترض فقال: هلا طاب الخبيث من الطين بمجاورة الطيب أو خبث الطيب بمجاورة الخبيث؟ قلنا: ليس من الطبع ما ليس في الطبع لأنه يوجد في قطعة الياقوت الأحمر الشفاف نقطة ترابية لم تنتقل بالمجاورة وطول الطبخ في المعادن الجوهرية، بل بقيت على حالها مظلمة فهي مظلمة إلى الأبد.

 وقد يوجد في الحجر المظلم مثل المغناطيس نقطة تشف ضياء ونورا، وهي مجاورة للظلمة ولم ينتقل إليها فتصير مظلمة، فكذا ما في مزاج المؤمن من طينة المنافق وبالعكس...

 وإليه الإشارة بقوله: وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ (3) إنما حملوا خطايا جوهرهم وسنخهم وما هو منهم وإليهم، إذ كل جزء يلحق بجزئه ساء أم حسن، وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم) وهو هذا .

 

فصل

وحكم المزاج مذكور في قوله: (والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش) (4) وهو حب فرعون وهامان إلا اللمم، وهو المزاج من الطين إن ربك واسع المغفرة لشيعتنا خاصة، لأن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) يوسف: 79.

 (2) البقرة: 260.

 (3) العنكبوت: 12.

 (4) الشورى: 37.

 

 

الكافر والمنافق لا نصيب لهما في المغفرة هو أنشأكم من الأرض (1) وهو الطين الممزوج كما بدأكم تعودون (2) وهو رجوع كل سنخ إلى سنخه ترجع الأجزاء الخبيثة من الطين السنخ، والمنكر للولاية بسيئاته إلى سنخه المخالف وترجع الأجزاء الطيبة من الطينة المؤمنة بأعمالها الحسنة إلى معدنها من الأجساد، المؤمن الطيب للطيب والخبيث للخبيث، لأن الطيب في الخبيث مجاورة عارضة ولها اختيار، فوجب عودها إلى الأصل وكذا الخبيث حكمه أنهم اتخذوا الشياطين الخبيث والطاغوت يعني فلانا وفلانا أولياء من دون الله يعني دون علي، لأن ولاية علي ولاية الله ويحسبون أنهم مهتدون (3) يعني بصلاتهم وصومهم، لأنها من غيرهم فهي لغيرهم، لأن ما ليس منهم ليس لهم.

 هذا آية المزاج لأن القرآن شفاء لما في الصدور وظاهره نور فوق نور.

 يؤيد هذا التفسير العظيم ما رواه السدي عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: يا علي إن الله يحبك ويحب من يحبك، وإن الملائكة تستغفر لك ولشيعتك ولمحبي شيعتك، وإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين محبو علي؟ فيقوم قوم من الصالحين؟ فيقال لهم: خذوا بيد من شئتم وادخلوا الجنة، وإن الرجل الواحد ينجي من النار ألف رجل، ثم ينادي المنادي: أين البقية من محبي علي؟ فيقوم قوم مقتصدون، فيقال لهم: تمنوا على الله ما شئتم، فيعطي كل واحد منهم ما طلب، ثم ينادي: أين البقية من محبي علي؟ فيقوم قوم قد ظلموا أنفسهم، فيقال: أين مبغضو علي؟ فيقوم خلق كثير، فيقال: اجعلوا كل ألف من هؤلاء لواحد من محبي علي فيجعل أعمال أعدائك لمحبيك فينجون من النار، وأنت الأجل الأكرم، وأنت العلي العظيم، محبك محب الله ورسوله، ومبغضك مبغض الله ورسوله (4).

 يتمم هذا الدليل والتأويل ما رواه جرير عن ابن عمر، عن أبي هريرة، عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله قد سجد خمس سجدات بغير ركوع، فقلت: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: جاءني جبرائيل فقال لي: يا محمد، الله يحب عليا فسجدت، ثم رفعت رأسي فقال لي: إن الله يحب الطاهرة الزكية فاطمة فسجدت، ثم رفعت رأسي فقال لي: إن الله يحب الحسن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) هود: 61.

( 2) الأعراف: 29.

( 3) الزخرف: 37.

( 4) بحار الأنوار: 42 / 28 ح 7.

 

 

فسجدت، ثم رفعت رأسي فقال لي: إن الله يحب الحسين فسجدت، ثم رفعت رأسي فقال لي: إن الله يحب من أحبهم فسجدت (1).

 

فصل

عارض من لا يعلم ولا يفهم، جاهل مركب ليس له حظ من السر المبهم، فقال بجهله المحكم: بين لنا عليا هو الاسم الأعظم، فقلت له: يا قليل الهداية وبعيد الدراية، ألم تعلم أن الولاية هي المبدأ والغاية، وهي أول فرض يفرضه العلي، وأول خلعة كمال يلبسها النبي، ثم يلبس بعدها خلعة النبوة والرسالة، فكم يقرأ في الدعاء فيقول: إني أسألك باسمك الذي خلقت به كل شئ، (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار: 37 / 59 ح 28 عن المناقب.

( 2) بحار الأنوار: 85 / 233 - 234 ح 1 والحديث طويل.

 

 

فصل (آل محمد الاسم الأعظم)

ثم أقول له مرشدا إلى الصواب: ألم تعلم أنا إذا اعتبرنا الأسماء والصفات، فإنا لا نجد أعظم من ثلاثة أسماء: اسم الذات، واسم الصفات، واسم هو سر الذات وروح الصفات، وهي الكلمة الجارية في سائر الموجودات، فهي سر الذات وسر الصفات وبها تنفعل الكائنات، فاسم الله ا ل ه‍ ا ل ه‍ وهو اسم المقدس وهو علم على ذات الأحد الحق، واسم الصفات للأحد الواحد وهو محمد، والاسم الذي هو روح الصفات وسر الذات ع ل ي، وهو نور النور، وكل واحد من هذه الثلاثة اسم أعظم، فاسم الجلالة هو الاسم المقدس والمكرم، واسم محمد صلى الله عليه وآله هو ظاهر الاسم الأعظم، لأن الواحد صورة الوجود، ومنبع الموجود، وظاهر المعدود.

 واسم ع ل ي ظاهر الباطن وباطن الظاهر، فهو الاسم الأعظم بالحقيقة، لأنه جامع سر الربوبية، وسر النبوة، وسر الولاية، وسر الحكم والسلطنة، وسر الجبروت والعظمة، وسر التصرف الإلهي.

 وإليه الإشارة بقوله: (وله المثل الأعلى في السماوات والأرض) (1)، وهو علي عليه السلام، وبيان ذلك أنك إذا قلت: ا ل م تضمن بكل حرف منها محمد وعلي عليهما السلام، وإذا قلت الله فإنه علم على ذات المعبود واجب الوجود، وإذا قلت: يا الله، فالياء ناديت، والاسم ناجيت، والمعنى عنيت، فهو اسم الذات المقدسة، أو إذا أشبعت ضمة الهاء منه برزت الذات وفي طي حروفه اسم علي، فهو يشير بالمعنى إلى ذات الرب المعبود، وبالحروف إلى الكلمة التي قام بها الوجود، إذا قلت: لا إله إلا هو، وهي حروف التنزيه والنفي والأثبات وهي عشرة.

 وإليها الإشارة بقوله: تلك عشرة كاملة (2) ومعناها أنه لا إله في الوجود الواجب حي موجود لذاته قادر عالم مستحق للعبادة إلا الله، ثم إن أعداد حروفها يتضمن اسم علي ظاهرا وباطنا، ومعناه: الله لا إله إلا الله، علي سره الخفي، وأمينه الولي، ونوره المشهور في السماوات والأرض (3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الروم: 27.

( 2) المطففين: 196.

( 3) وعلى هذا يحمل حديث النبي ص: (بعث علي مع كل نبي سرا وبعث معي جهرا) (شرح دعاء الجوشن: 104، وجامع الأسرار: 382 - 401 ح 763 - 804، والمراقبات: 259).

 وروي بلفظ: (يا علي إن الله تعالى قال لي: يا محمد بعثت عليا مع الأنبياء باطنا ومعك ظاهرا) ثم قال صاحب كتاب القدسيات: وصرح بهذا المعنى في قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبي بعدي: ليعلموا أن باب النبوة قد ختم وباب الولاية قد فتح (الأنوار النعمانية: 1 / 30) أقول: يوجه كلام صاحب كتاب القدسيات: أن باب الولاية كان موجودا مع كل نبي سرا، إلا أنه لم يفتح ظاهرا، فكان الأنبياء جميعا يستفيدون من هذا السر الولائي إلى أن وصل إلى النبي الأعظم ص فظهر هذا السر إلى العلن.

 * ويؤيد ذلك: - ما روي عن أبي محمد العسكري عليه السلام قال: (فنحن السنام الأعظم وفينا النبوة والولاية والكرم، ونحن منار الهدى والعروة الوثقى، والأنبياء كانوا يقتبسون من أنوارنا ويقتفون آثارنا) (بحار الأنوار: 26 / 264 باب جوامع مناقبهم ح 49، ومشارق الأنوار اليقين: 49) فهذا صريح في أن أنوار محمد وأل محمد عليهم السلام كانت مع كل نبي سرا، والكون ليس لمجرد بل ليستفيدوا منه، ويقتفون آثاره وآثار محمد التي لا يعرف تفسيرها إلا هم، وإلا كيف يكون للنور السري مع كل نبي أثرا يقتفي ويهتدي به؟ وما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام لمن سأله عن فضله على الأنبياء الذين أعطوا من الفضل الواسع والعناية الإلهية قال: (والله قد كنت مع إبراهيم في النار: وأنا الذي جعلتها بردا وسلاما، وكنت مع نوح في السفينة فأنجيته من الغرق، وكنت مع موسى فعلمته التوراة، وأنطقت عيسى في المهد وعلمته الإنجيل، وكنت مع يوسف في الجب فأنجيته من كيد أخوته، وكنت مع سليمان على البساط وسخرت له الرياح) (الأنوار النعمانية: 1 / 31).

 وروى ابن الجوزي والقاضي عياض قول العباس لمدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم

وردت نار الخليل مكتتما * تجول فيها ولست تحترق

(الوفا بأحوال المصطفى: 28 الباب الثاني - ح 9، وينابيع المودة: 13 - 14).

يا برد نار الخليل يا سببا * لعصمة النار وهي تحترق

(الشفا باعراف حقوق المصطفى: 1 / 167 - 168 الباب الثالث).

 - وقال القسطلاني في المواهب:

سكن الفؤاد فعش هنيئا يا جسد * هذا النعيم هو المقيم إلى الأبد

روح الوجود حياة من هو واجد * لولاه ما تم الوكود لمن وجد

عيسى وآدم والصدور جميعهم * هم أعين هو نورها لما ورد

لو أبصر الشيطان طلعة نوره * في وجه آدم كان أول من سجد

أو لو رأى النمرود نور جماله * عبد الجليل مع الخليل ولا عند

لكن جمال الله جل فلا يرى * إلا بتخصيص من الله الصمد

(المواهب اللدنية بالمنح المحمدية: 1 / 44).

 - وقال الشيخ محمد حسين الأصفهاني:

طأطأ كل الأنبياء لطاها * ذلك عز عز أن يضاهى

تقبلت تربة آدم الصفي * بيمنه أكرم به من خلف

وسجدة الأملاك لا لغرته * بل نور ياسين بدا في غرته

به نجي نوح من الطوفان * بمرسلات اللطف والإحسان

(الأنوار القدسية: 20).

 - وقال الصفوري: لما ألقي إبراهيم في النار كان نور محمد صلى الله عليه وآله في جنبه، وعند الذبح كان النور قد انتقل إلى إسماعيل.  (نزهة المجالس: 2 / 245).

 - ما روي أن الإمام الصادق عليه السلام هو الذي أبطل سحر موسى عليه السلام (الإختصاص: 247).

 - ما عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام: (قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوة والولاية، ونورنا سبع طبقات أعلام الورى بالهداية، فنحن ليوث الوغى وغيوث الندى وطعناء العدى، فينا السيف والقلم في العاجل، ولواء الحمد والعلم في الأجل... فالكليم لبس حلة الاصطفاء لما شاهدنا منه الوفاء، وروح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة... وهذا الكتاب ذرة من جبل الرحمة وقطرة من بحر الحكمة) (المراقبات: 245).

 - ما روي في معنى قوله صلى الله عليه وآله (الله المعطي وأنا القاسم): جميع ما يخرج من الخزائن الإلهية دنيا وأخرى إنما يخرج على يديه (شرح الشمائل: 2 / 246).

 - وحديث أمير المؤمنين عليه السلام: (أنا آدم الأول أنا نوح الأول) (الإنسان الكامل: 168).

 - وقال الشعراوي قلت: (وبذلك قال سيدي على الخواص سمعته يقول: إن نوحا عليه السلام أبقى من السفينة لوحا على اسم علي بن أبي طالب رفع عليه إلى السماء فلم يزل محفوظا من الغرق حتى رفع عليه) (الفتوحات الأحمدية لسليمان الجمل: 93).

 - وقال رسول البشرية صلى الله عليه وآله: (أنا محمد النبي الأمي لا نبي بعدي، أوتيت جوامع الكلم وخواتمه، وعلمت خزنة النار وحملة العرش) (الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 1 / 170 الباب الثالث - الفصل الأول).

 

 

فصل

وإذا قلت هو، فهو اسم يشير إلى الهوية التي لا شئ قبلها ولا شئ بعدها، وعلى الألوهية الحقيقية، لأنه حرف واحد يدل على ذات واحدة لها الجلال والإكرام، والبقاء والدوام، والملك المؤبد، والسلطان السرمد، والعز المنيع، والمجد الرفيع، ثم إن أعداد هذين الحرفين، هي، وفيها اسم علي تأويلا، وذلك لأن الولي نوره متصل بالجبروت، لأنه وجه الحي الذي لا يموت، والولي ليس بينه وبين الله حجاب، وهو السر والحجاب، فتعين أن في هذه الثلاثة الاسم الأعظم الذي هو سر السر لمن وعى ودعا، وهو غيب لا يدركه إلا الأولياء، لأنه ظاهر التقديس، وباطن التنزيه، وسر التوحيد، وكلمة الرب المجيد، كلا بل هو إله الآلهة الرفيع جلاله، سره الخفي والجلي، ونوره الوحي، ووجهه المضي، وضياؤه البهي، وبهاؤه النبي.

 دليله: ما ورد في كتب الشيعة على أمير المؤمنين عليه السلام، أن إبليس مر به يوما فقال له أمير المؤمنين: يا أبا الحارث ما ادخرت لمعادك؟ فقال حبك (1).

 فإذا كان يوم القيامة أخرجت ما ادخرت من أسمائك التي يعجز عن وصفها واصف، ولك اسم مخفي عن الناس ظاهره عندي، قد رمزه الله في كتابه لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم، فإذا أحب الله عبدا كشف الله عن بصيرته وعلمه إياه، فكان ذلك العبد بذلك السر غير الأمة حقيقة، وذلك الاسم هو الذي قامت به السماوات والأرض، المتصرف في الأشياء كيف يشاء.

 وتصديق ذلك من طريق الاعتقاد، أن الله سبحانه يقول: عبادي من كانت له إليكم حاجة فسألكم بمن تحبون أجبتم دعاه ؟.

 ألا فاعلموا أن أحب عبادي إلي، وأكرمهم لدي، محمد وعلي حبيبي ووليي، فمن كانت له إلي حاجة فليتوسل إلي بهما، فإني لا أرد سؤال سائل سألني بهما، فإني لا أرد دعاءه، وكيف أرد دعاء من سألني بحبيبي وصفوتي، ووليي وحجتي، وروحي وكلمتي، ونوري وآيتي، وبابي ورحمتي، ووجهي ونعمتي، لا وإني خلقتهم من نور عظمتي، وجعلتهم أهل كرامتي وولايتي، فمن سألني بهم عارفا بحقهم ومقامهم، وجبت له مني الإجابة، وكان ذلك حق علي (2).

 والاسم الأعظم هو ما يجاب به الدعاء، فهم الاسم الأعظم والصراط الأقوم، وإليه الإشارة بقوله: سبح اسم ربك الأعلى (3)، سبح ربك العظيم، والأعلى اسم الذات، والعظيم جامع للذات والصفات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار 27 / 80.

( 2) وسائل الشيعة 4 / 1142 و 7 / 102.

(3) الأعلى: 1.

 

 

دليله ما ورد عنه حين رد الشمس، فقيل له: بما رجعت الشمس لك يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام: سألت الله باسمه الأعظم فردها إلي (1).

 وروي أنه قال في دعائه عند الرجوع: باسمك العزيز، باسمك العظيم، والعزيز محمد، والعظيم علي (2)، فمعنى قوله: سبح اسم ربك العظيم، معناه سبح اسم ربك العظيم الأعلى باسمه العظيم الأعلى، لأن تقديس الصفات توحيد الذات، ومحمد وعلي في العظمة أعلى من كل موجود، لأنهما على الوجود، وحقيقة الموجود، وأقرب إلى الذات من سائر الصفات.

 وإليه الإشارة بقوله: (فكان قاب قوسين أو أدنى) (3)، وليس ذلك قرب المكان، لأن الرحمن جل عن المكان، بل ذلك قرب الصفات من الذات، وذاك قرب الواحد من الأحد، لأنه الكلمة العليا التي لم تسبقها كلمة في الأزل، ولم تزل، والنور الذي شعشع عنه الوجود، وانتشر من كماله كل موجود، والاسم المقدم على سائر الصفات، لأن الأحدية تعرف بالوحدانية، فهو الاسم العلي العظيم..

 وإليه الإشارة في التخصيص بقوله: (فأوحى إلى عبده ما أوحى) (4)، والمراد بالعبد هنا القرب، لأنه في المقام الخاص، فسماه بالاسم الخاص وكان الوحي إليه في ذلك المكان، أن عليا أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بصائر الدرجات: 217 ح 1 - 4 باب إن عنده الاسم الأعظم.

( 2) الصحيفة الصادقية: 232.

( 3) النجم: 9.

( 4) النجم: 10.

 

 

 

فصل (أسرار الفاتحة)

 فصل وبيان الفصل، اعلم أن أسرار الكتب الإلهية، وسر الولاية، والهداية، والرسالة، والاسم الأكبر، وسر الغيب، في فاتحة الكتاب، وسر الفاتحة في مفتاحها، وهي بسم الله الرحمن الرحيم، وفيها إشارات ثلاث: الأولى: قوله سبحانه: وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده (1)، والمراد من الذكر والوحدة قوله بسم الله الرحمن الرحيم، لأنها ذكر الله وحده.

 الثانية: أن عدد حروفها 19، وعدد اسم وا ح د 19 فهي، محتوية من الوحدة والتوحيد والوحدانية، والواحد صفة الأحد، والواحد هو النور الأول، وهذا ذكر الذات بظاهر اسمها الأعظم.

 الثالثة: قوله: بسم الله، وهو إشارة إلى باطن السين، وسر السين الذي بين الباء والميم، الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام: (أنا باطن السين، وأنا سر السين) وهو الاسم المخزون، وهو باطن الاسم الأعظم، فإذا فتح الباب لأولي الألباب، فاستخرجوا من أسرار الكتاب اسما جامعا للذات والصفات، وسر الذات والصفات، فذلك هو الاسم الأعظم الذي تجاب [ به ] الدعوات، وتنفعل به الكائنات.

 

فصل

ب س م ا ل ل ه‍، أما سر الباء فإنها للنبوة، والنقطة الولاية، 2 إن السين عدده 10، أو هي اسم علي، والميم وعددها 92 وهي اسم محمد قاسم الله الذي به بدأ فساواهما، الألف المعطوف لا الكلمة التامة التي ظهر بها الوجود، وفاض سرها كل موجود، لأن عن الواحد انبسط كل معدود.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الإسراء: 26.

 

 

فصل (بعلي (ع) تكونت الكائنات)

والدليل على صحة هذه المباحث والتأويل، ما رواه عمار عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب الواحدة، أنه قال: (يا عمار باسمي تكونت الكائنات والأشياء، وباسمي دعا سائر الأنبياء، وأنا اللوح، وأنا القلم، وأنا العرش، وأنا الكرسي، وأنا السماوات السبع، وأنا السماوات الحسنى، والكلمات العليا (1)، وأين كان اسم علي كان اسم محمد من غير عكس، لدخول الولاية تحت النبوة، كدخول الإنسان تحت الحيوان، فأين كان الإنسان كان الحيوان من غير عكس..

 وإليه الإشارة بقوله في صدر القرآن الشريف العظيم وأول الذكر الحكيم (ا ل م)، قال: حرف من حروف الاسم الأعظم ذلك الكتاب لا ريب فيه، قال: الكتاب: علي لا شك فيه (هدى للمتقين)، قال: التقوى ما يحرز من النار، وما يحرز من النار إلا حب علي، فحب علي هو التقوى بالحقيقة، وكل تقوى غيره فهو مجاز، لأنها لا تحرز من النار.

 قوله: (الذين يؤمنون بالغيب) (2)، قال: الغيب يوم الرجعة، ويوم القيامة، ويوم القائم، وهي أيام آل محمد.

 وإليها الإشارة بقوله: وذكرهم بأيام الله) (3)، فالرجعة لهم، ويوم القيامة لهم، ويوم القائم لهم، وحكمه إليهم، ومعول المؤمنين فيه عليهم.

 وقوله الذين: يقيمون الصلاة، قال: الصلاة بالحقيقة حب علي، إن الصلاة هي الصلة بالله، ولا صلة للعبد بعفو الرب ورحمته وجواره إلا بحب علي، فمن أقام حب علي فقد أقام الصلاة، وكل صلاة غيرها من المكتوبة المشروعة إذا لم يكن معها الولاية فهي مجاز، لا بل ضلال ووبال، لأنه قد عبد الله بغير ما أمر، فهو ضال في سلوكه، عاص في طاعته، معاقب في عبادته.

 قوله: (ومما رزقناهم ينفقون)، قال: الإنفاق الواجب الذي تحيى فيه النفوس، وتنجو به الأرواح والأجساد من العذاب الأليم، وهو معرفة آل محمد، وكل إنفاق غير هذا فهو مجاز، وإن كان واجب الإنفاق، وما أفعل بإنفاق يقوي به النفاق؟ قوله: (والذين يؤمنون بما أنزل إليك)، يعني في حق علي، لأنهم إن لم يؤمنوا بما أنزل في حق علي فليس إيمانهم بغيره إيمانا، وإن قيل إيمان فهو مجاز لا ينفع.. وإليه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) جامع الأسرار: 205 ح 394.

( 2) الآيات من أول سورة البقرة.

( 3) إبراهيم: 5.

 

 

الإشارة بقوله: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا) (1)، فذكر أنهم آمنوا وسماهم مؤمنين، ثم قال لهم: آمنوا، وهذا تنافس، وليس بتناقض، ولكن معناه: يا أيها الذين آمنوا بمحمد آمنوا بعلي حتى يتم إيمانكم.

 قوله: (أنزل من قبلك)، يعني في حق علي.

 قوله: (وبالآخرة هم يوقنون) (2)، يعني يصدقون أن حكم الآخرة لعلي، كما أن حكم الدنيا مسلم إليه، (أولئك على هدى من ربهم)، قال بهذا الدين.

 (وأولئك هم المفلحون) قال بهذه المعرفة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) النساء: 136.

( 2) الآيات من أول سورة البقرة.

 

 

فصل (معرفة الإمام بالنورانية)

ومن هذا الباب ما رواه سلمان، وأبو ذر، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: من كان ظاهره في ولايتي أكثر من باطنه خفت موازينه، يا سلمان لا يكمل المؤمن إيمانه حتى يعرفني بالنورانية، وإذا عرفني بذلك فهو مؤمن، امتحن الله قلبه للإيمان، وشرح صدره للإسلام، وصار عارفا بدينه مستبصرا، ومن قصر عن ذاك فهو شاك مرتاب، يا سلمان ويا جندب، إن معرفتي بالنورانية معرفة الله، ومعرفة الله معرفتي، وهو الدين الخالص، بقول الله سبحانه: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)(1) وهو الإخلاص، وقوله: (حنفاء) وهو الإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وآله، وهو الدين الحنيف، وقوله: (ويقيموا الصلاة)، وهي ولايتي، فمن والاني فقد أقام الصلاة، وهو صعب مستصعب.

 (ويؤتوا الزكاة)، وهو الإقرار بالأئمة، (وذلك دين القيمة) أي وذلك دين الله القيم.

 شهد القرآن أن الدين القيم الإخلاص بالتوحيد، والإقرار بالنبوة والولاية، فمن جاء بهذا فقد أتى بالدين.

 يا سلمان ويا جندب، المؤمن الممتحن الذي لم يرد عليه شئ من أمرنا، إلا شرح الله صدره لقبوله، ولم يشك ولم يرتاب، ومن قال لم وكيف فقد كفر، فسلموا الله أمره، فنحن أمر الله.

 يا سلمان ويا جندب، إن الله جعلني أمينه على خلقه، وخليفته في أرضه وبلاده وعباده، وأعطاني ما لم يصفه الواصفون، ولا يعرفه العارفون، فإذا عرفتموني هكذا فأنتم مؤمنون.

يا سلمان قال الله تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة فالصبر محمد، والصلاة ولايتي، ولذلك قال: وإنها لكبيرة، ولم يقل وإنهما، ثم قال: (إلا على الخاشعين) (2)، فاستثنى أهل ولايتي الذين استبصروا بنور هدايتي. يا سلمان، نحن سر الله الذي لا يخفى، ونوره الذي لا يطفى، ونعمته التي لا تجزى، أولنا محمد، وأوسطنا محمد، وآخرنا محمد، فمن عرفنا استكمل الدين القيم. يا سلمان ويا جندب، كنت ومحمد نورا نسبح قبل المسبحات، ونشرق قبل المخلوقات، فقسم الله ذلك النور نصفين: نبي مصطفى، ووصي مرتضى، فقال الله عز وجل لذلك النصف: كن محمدا، وللآخر كن عليا، ولذلك قال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الآية: البينة 5 (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين).

( 2) البقرة: 45.

 

 

 

 النبي صلى الله عليه وآله: أنا من علي، وعلي مني، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي (1) وإليه الإشارة بقوله: وأنفسنا وأنفسكم (2)، وهو إشارة إلى اتحادهما في عالم الأرواح والأنوار، ومثله قوله: أفإن مات أو قتل (3)، والمراد هنا مات أو قتل الوصي، لأنهما شئ واحد، ومعنى واحد، ونور واحد، اتحدا بالمعنى والصفة، وافترقا بالجسد والتسمية، فهما شئ واحد في عالم الأرواح (أنت روحي التي بين جنبي) (4)، وكذا في عالم الأجساد: (أنت مني وأنا منك ترثني وأرثك) (5)، (أنت مني بمنزلة الروح من الجسد).

 (6) وإليه الإشارة بقوله: صلوا عليه وسلموا تسليما (7)، ومعناه صلوا على محمد، وسلموا لعلي أمره، فجمعهما في جسد واحد جوهري، وفرق بينهما بالتسمية والصفات في الأمر، فقال: صلوا عليه وسلموا تسليما، فقال: صلوا على النبي، وسلموا على الوصي، ولا تنفعكم صلواتكم على النبي بالرسالة إلا بتسليمكم على علي بالولاية.

 يا سلمان ويا جندب، وكان محمد الناطق، وأنا الصامت، ولا بد في كل زمان من صامت وناطق، فمحمد صاحب الجمع، وأنا صاحب الحشر، ومحمد المنذر، وأنا الهادي، ومحمد صاحب الجنة، وأنا صاحب الرجعة، محمد صاحب الحوض، وأنا صاحب اللواء، محمد صاحب المفاتيح، وأنا صاحب الجنة والنار، ومحمد صاحب الوحي، وأنا صاحب الإلهام، محمد صاحب الدلالات، وأنا صاحب المعجزات، محمد خاتم النبيين، وأنا خاتم الوصيين، محمد صاحب الدعوة، وأنا صاحب السيف والسطوة، محمد النبي الكريم، وأنا الصراط المستقيم، محمد الرؤوف الرحيم، وأنا العلي العظيم.

 يا سلمان، قال الله سبحانه: يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده) (8)، ولا يعطي هذا الروح إلا من فوض إليه الأمر والقدر، وأنا أحيي الموتى، وأعلم ما في السماوات والأرض، وأنا،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) مسند أحمد: 1 / 98 ط م و: 159 ح 772 ط. ب وصحيح الترمذي: 5 / 632 ح 3712.

( 2) آل عمران: 61.

( 3) آل عمران: 144.

( 4) تقدم الحديث.

( 5) تقدم الحديث.

( 7) الأحزاب: 56.

( 8) غافر: 15.

 

 

الكتاب المبين، يا سلمان، محمد مقيم الحجة، وأنا حجة الحق على الخلق، وبذلك الروح عرج به إلى السماء، أنا حملت نوحا في السفينة، أنا صاحب يونس في بطن الحوت، وأنا الذي حاورت موسى في البحر، وأهلكت القرون الأولى، أعطيت علم الأنبياء والأوصياء، وفصل الخطاب، وبي تمت نبوة محمد، أنا أجريت الأنهار والبحار، وفجرت الأرض عيونا، أنا كأب الدنيا لوجهها، أنا عذاب يوم الظلة، أنا الخضر معلم موسى، أنا معلم داود وسليمان، أنا ذو القرنين، أنا الذي دفعت سمكها بإذن الله عز وجل، أنا دحوت أرضها، أنا عذاب يوم الظلة، أنا المنادي من مكان بعيد، أنا دابة الأرض، أنا كما يقول لي رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت يا علي ذو قرنيها، وكلا طرفيها، ولك الآخرة والأولى، يا سلمان إن ميتنا إذا مات لم يمت، ومقتولنا لم يقتل، وغائبنا إذا غاب لم يغب، ولا نلد ولا نولد في البطون، ولا يقاس بنا أحد من الناس، أنا تكلمت على لسان عيسى في المهد، أنا نوح، أنا إبراهيم، أنا صاحب الناقة، أنا صاحب الراجفة، أنا صاحب الزلزلة.

 أنا اللوح المحفوظ، إلي انتهى علم ما فيه، أنا أنقلب في الصور كيف شاء الله، من رآهم فقد رآني، ومن رآني فقد رآهم، ونحن في الحقيقة نور الله الذي لا يزول ولا يتغير.

 يا سلمان، بنا شرف كل مبعوث، فلا تدعونا أربابا، وقولوا فينا ما شئتم، ففينا هلك وبنا نجي.

 يا سلمان، من آمن بما قلت وشرحت فهو مؤمن، امتحن الله قلبه للإيمان، ورضي عنه، ومن شك وارتاب فهو ناصب، وإن ادعى ولايتي فهو كاذب.

 يا سلمان أنا والهداة من أهل بيتي سر الله المكنون، وأولياؤه المقربون، كلنا واحد، وسرنا واحد، فلا تفرقوا فينا فتهلكوا، فإنا نظهر في كل زمان بما شاء الرحمن، فالويل كل الويل لمن أنكر ما قلت، ولا ينكره إلا أهل الغباوة، ومن ختم على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة، يا سلمان، أنا أبو كل مؤمن ومؤمنة، يا سلمان، أنا الطامة الكبرى، أنا الآزفة إذا أزفت، أنا الحاقة، أنا القارعة، أنا الغاشية، أنا الصاخة، أنا المحنة النازلة، ونحن الآيات والدلالات والحجب ووجه الله، أنا كتب اسمي على العرش فاستقر، وعلى السماوات فقامت، وعلى الأرض ففرشت، وعلى الريح فذرت، وعلى البرق فلمع، وعلى الوادي فهمع، وعلى النور فقطع، وعلى السحاب فدمع، وعلى الرعد فخشع، وعلى الليل فدجى وأظلم، وعلى النهار فأنار وتبسم (1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) باختصار في عيون الحكم والمواعظ 167 ط دار الحديث للواسطي.

 

 

 

فصل (في أسرار علي (ع) أيضا)

ومن ذلك ما ورد عنه في كتاب الواحدة، قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: الحمد لله مدهر الدهور، ومالك مواضي الأمور، الذي كنا بكينونيته، قبل خلق التمكين في التكوين أوليين أزليين لا موجودين، منه بدأنا وإليه نعود إلا الدهر، فينا قسمت حدوده، ولنا أخذت عهوده، وإلينا ترد شهوده، فإذا استدارت ألوف الأطوار، وتطاول الليل والنهار، فلا لعلامة العلامة دون العامة والسامة، الاسم الأضخم، العالم غير المعلم، أنا الجنب، والجانب محمد، العرش عرش الله على الخلائق، أنا باب المقام، وحجة الخصام، ودابة الأرض، وصاحب العصر (1)، وفصل القضاء، وسفينة النجاة، لم تقم الدعائم بتخوم الأقطار، ولا أغمدة قساطيط السجاف إلا على كواهل أمورنا، أنا بحر العلم، ونحن حجة الحجاب، فإذا استدار الفلك، وقتل مات أو هلك، ألا أن طرفي حبل المتين، إلى قرار الماء المعين، إلى بسيط التمكين، إلى وراء بيضاء الصين، إلى مصارع قبور الطالقانيين، إلى نجوم ياسين، وأصحاب السين من العليين العالمين، وكتم أسرار طواسين، إلى البيداء الغبراء، إلى حد هذا الثرى، أنا ديان الدين، لأركبن السحاب، ولأضربن الرقاب، ولأهدمن إرما حجرا حجرا، ولأجلس على حجر لي بدمشق، ولأسومن العرب سوم المنايا، فقيل متى هذا؟ فقال: إذا مت وصرت إلى التراب (2)، وسوي علي اللبن وضربت علي القباب (3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) بحار الأنوار: 41 / 5 ح 5. وقرب منه البحار: 40 / 55 90 ضمن حديث طويل عن النبي ص.

( 2) في البحار العصا.

( 3) وهو يشير إلى حديث الرجعة.

 

 

 

فصل (كنه علي عليه السلام)

ومن خطبة له عليه السلام، بعد انصرافه من قتل الخوارج، فقال فيها بعد حمد الله والصلوات على محمد صلى الله عليه وآله: أنا أول المسلمين، أنا أول المؤمنين، أنا أول المصلين، أنا أول الصائمين، أنا أول المجاهدين، أنا حبل الله المتين، أنا سيف رسول رب العالمين، أنا الصديق الأكبر، أنا الفاروق الأعظم، أنا باب مدينة العلم، أنا رأس الحلم، أنا راية الهدى، أنا مفتي العدل، أنا سراج الدين، أنا أمير المؤمنين، أنا إمام المتقين، أنا سيد الوصيين، أنا يعسوب الدين، أنا شهاب الله الثاقب، أنا عذاب الله الواصب، أنا البحر الذي لا ينزف، أنا الشرف الذي لا يوصف، أنا قاتل المشركين، أنا مبيد الكافرين، أنا غوث المؤمنين، أنا قائد الغر المحجلين، أنا أضراس جهنم القاطعة، أنا رحاها الدائرة، أنا ساق أهلها إليها، أنا ملقي حطبها عليها.

 أنا اسمي في الصحف عاليا، وفي التوراة بريا، وعند العرب عليا، وإن لي أسماء في القرآن عرفها من عرفها.

 أنا الصادق الذي أمركم الله باتباعه فقال: (وكونوا مع الصادقين) (1)، أنا صالح المؤمنين، أنا المؤذن في الدنيا والآخرة، أنا المتصدق راكعا، أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى، أنا الممدوح ب (هل أتى)، أنا وجه الله، أنا جنب الله، أنا علم الله، أنا عندي علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، لا يدعي ذلك أحد ولا يدفعني عنه أحد، جعل الله قلبي مضيئا، وعملي رضيا، لقنني ربي الحكمة وغذاني بها، لم أشرك بالله منذ خلقت، ولم أجزع منذ حملت، قتلت صناديد العرب وفرسانها، وأفنيت ليوثها وشجعانها، أيها الناس، سلوني من علم مخزون وحكمة مجموعة (2).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) الدهر: 1.

( 2) نفحات الأزهار للميلاني: 10 / 213.

 

 

 

فصل (خطبة الافتخار)

ومن ذلك ما ورد عنه في خطبة الافتخار، رواها الأصبغ بن نباتة قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال في خطبه: أنا أخو رسول الله ووارث علمه، ومعدن حكمه: وصاحب سره، وما أنزل الله حرفا في كتاب من كتبه إلا وقد صار إلي، وزاد لي علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، أعطيت علم الأنساب والأسباب، وأعطيت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب، ومددت بعلم القدر، وإن ذلك يجري في الأوصياء من بعدي ما جرى الليل والنهار حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.

 أعطيت الصراط والميزان واللواء والكوثر، أنا المقدم على بني آدم يوم القيامة، أنا المحاسب للخلق، أنا منزلهم منازلهم، أنا عذاب أهل النار، ألا كل ذلك من فضل الله علي، ومن أنكر أن لي في الأرض كرة بعد كرة وعودا بعد رجعة، حديثا كما كنت قديما، فقد رد علينا، ومن رد علينا فقد رد على الله.

 أنا صاحب الدعوات، أنا صاحب الصلوات، أنا صاحب النقمات، أنا صاحب الدلالات، أنا صاحب الآيات العجيبات، أنا عالم أسرار البريات، أنا قرن من حديد، أنا أبدا جديد، أنا منزل الملائكة منازلها، أنا آخذ العهد على الأرواح في الأزل، أنا المنادي لهم ألست بربكم بأمر قيوم لم يزل.

 أنا كلمة الله الناطقة في خلقه، أنا آخذ العهد على جميع الخلائق في الصلوات، أنا غوث الأرامل واليتامى، أنا باب مدينة العلم، أنا كهف الحلم، أنا عامة الله القائمة، أنا صاحب لواء الحمد، أنا صاحب الهبات بعد الهبات ولو أخبرتكم لكفرتم.

 أنا قاتل الجبابرة، أنا الذخيرة في الدنيا والآخرة، أنا سيد المؤمنين، أنا علم المهتدين، أنا صاحب اليمين، أنا اليقين، أنا إمام المتقين، أنا السابق إلى الدين، أنا حبل الله المتين، أنا الذي أملأها عدلا كما ملئت ظلما وجورا بسيفي هذا.

 أنا صاحب جبريل، أنا تابع ميكائيل، أنا شجرة الهدى، أنا علم التقى، أنا حاشر الخلق إلى الله بالكلمة التي بها يجمع الخلايق، أنا منشئ (1) الأنام، أنا جامع الأحكام، أنا صاحب القضيب الأزهر والجمل الأحمر، أنا باب اليقين، أنا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) في الأصل المطبوع منشاء.

 

 

أمير المؤمنين، أنا صاحب الخضر، أنا صاحب البيضاء، أنا صاحب الفيحاء، أنا قاتل الأقران، أنا مبيد الشجعان، أنا صاحب القرون الأولين، أنا الصديق الأكبر، أنا الفاروق الأعظم، أنا المتكلم بالوحي، أنا صاحب النجوم، أنا مدبرها بأمر ربي وعلم الله الذي خصني به، أنا صاحب الرايات الصفر، أنا صاحب الرايات الحمر، أنا الغائب المنتظر لأمر العظيم، أنا المعطي، أنا المبذل، أنا القابض يدي على القبض، الواصف لنفسي، أنا الناظر لدين ربي، أنا الحامي لابن عمي، أنا مدرجة في الأكفان، أنا والي الرحمن، أنا صاحب الخضر وهارون، أنا صاحب موسى ويوشع بن نون، أنا صاحب الجنة، أنا صاحب القطر والمطر، أنا صاحب الزلازل والخسوف، أنا مروع الألوف، أنا قاتل الكفار، أنا إمام الأبرار، أنا البيت المعمور، أنا السقف المرفوع، أنا البحر المسجور، أنا باطن الحرم، أنا عماد الأمم، أنا صاحب الأمر الأعظم، هل من ناطق يناطقني؟ أنا النار، ولولا أني أسمع كلام الله وقول رسول الله صلى الله عليه وآله لوضعت سيفي فيكم وقتلتكم عن آخركم، أنا شهر رمضان، أنا ليلة القدر، أنا أم الكتاب، أنا فصل الخطاب، أنا سورة الحمد، أنا صاحب الصلاة في الحضر والسفر، بل نحن الصلاة والصيام والليالي والأيام والشهور والأعوام، أنا صاحب الحشر والنحر، أنا الواضع عن أمة محمد الوزر، أنا باب السجود، أنا العابد، أنا المخلوق، أنا الشاهد، أنا المشهود، أنا صاحب السندس الأخضر، أنا المذكور في السماوات والأرض، أنا الماضي مع رسول الله في السماوات، أنا صاحب الكتاب والقوس، أنا صاحب شيت بن آدم، أنا صاحب موسى وإرم، أنا بي تضرب الأمثال، أنا السماء الخضر، أنا صاحب الدنيا الغبراء، أنا صاحب الغيث بعد القنوط.

 ها أنا ذا فمن ذا مثلي، أنا صاحب الرعد الأكبر، أنا صاحب البحر الأكدر، أنا مكلم الشمس، أنا الصاعقة على الأعداء، أنا غوث من أطاع من الورى والله ربي لا إله غيره، ألا وإن للباطل جولة وللحق دولة، وإني ظاعن عن قريب فارتقبوا الفتنة الأموية والدولة الكسروية، ثم تقبل دولة بني العباس بالفرج والبأس، وتبنى مدينة يقال لها الزوراء بين دجلة والفرات، ملعون من سكنها، منها تخرج طينة الجبارين، تعلى فيها القصور، وتسبل الستور، ويتعلون بالمكر والفجور، فيتداولها بنو العباس 42 ملكا على عدد سني الملك، ثم الفتنة الغبراء، والقلادة الحمراء في عنقها قائم الحق، ثم أسفر عن وجهي بين أجنحة الأقاليم كالقمر المضئ بين الكواكب، ألا وإن لخروجي علامات عشرة، أولها تحريف الرايات في أزقة الكوفة، وتعطيل المساجد، وانقطاع الحاج، وخسف وقذف بخراسان، وطلوع الكوكب المذنب، واقتران النجوم، وهرج ومرج وقتل ونهب، فتلك علامات عشرة، ومن العلامة إلى العلامة عجب، فإذا تمت العلامات قام قائمنا قائم الحق.

.

 ثم قال: معاشر الناس نزهوا ربكم ولا تشيروا إليه، فمن حد الخالق فقد كفر بالكتاب الناطق، ثم قال: طوبى لأهل ولايتي الذين يقتلون في، ويطردون من أجلي، هم خزان الله في أرضه، لا يفزعون يوم الفزع الأكبر، أنا نور الله الذي لا يطفى، أنا السر الذي لا يخفى (1).

 يؤيد هذا الكلام والمقام ما ورد في الأمالي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: يا معشر قريش، كيف بكم وقد كفرتم بعدي، ثم رأيتموني في كتيبة من أصحابي أضرب وجوهكم بالسيف، أنا وعلي بن أبي طالب عليه السلام.

 فنزل جبرئيل مسرعا، وقال: قل إن شاء الله (2).( 3).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1) راجع بحار الأنوار: 38 / 78 ح 1 و: 39 / 227 ح 1.

( 2) بحار الأنوار: 32 / 304 ح 268 و: 37 / 113 ح 6.

( 3) في البحار: قل: إن شاء الله أو علي.