- 101 -
ابن بشارة الغروي
المتوفى بعد 1138
تلك الديار تغيرت آثارها * وتغيبت تحت الثرى أقمارها
دار لقد أخفى البلى أضوائها * ومن السحائب جادها مدرارها
إلى أن قال:
أنا سيد الشعراء غير مدافع * وإذا نثرت فإنني نثارها
وأقودهم نحو الجنان ورايتي * بيضاء تلمع فوقهم أنوارها
إذ كنت مادح حيدر رب التقى * فخر البرية حصنهم كرارها
ليث إذا حمي الوطيس وزمجرت * فرسانها والحرب طار شرارها (1)
يسطو بأعظم صولة رواعة * منها الكمات تصرمت أعمارها (2)
وإذا الخيول الصافنات تسابقت * يوم البراز فسبقه نحارها
صهر النبي أبو الأئمة خيرهم * وبه الخلافة قد سما مقدارها
بغدير خم للولاية حازها * حقا وليس بممكن إنكارها
وإذا رقى للوعظ صهوة منبر * يصغي لزاجر وعظه جبارها
وبراحتيه تفجرت عين الندى * فالواردون جميعهم يمتارها
وله العلوم الفايضات على الورى * فيض الغمايم إذ هما مهمارها
(نهج البلاغة) من جواهر لفظه * فيه العلوم تبينت أسرارها
لولاه ما عبد الإله بأرضه * يوما ولا بخعت له كفارها (3)
____________
(1) زمجرت: أكثرت الصياح والصخب. تزمجر الأسد: ردد الزئير.
(2) الكمات ج الكمى: الشجاع أو لابس السلاح.
(3) ذكرها في كتابه (نشوة السلافة) وهي تناهز الخمسين بيتا.
* (الشاعر) *
أبو الرضا الشيخ محمد علي بن بشارة من آل موحي الخيقاني النجفي، أوحدي حقت
له العبقرية والنبوغ، وفذ من أفذاذ الفضيلة، برع في فنون الشعر والأدب، ورث فضله
الكثار وأدبه الموصوف عن أبيه العلامة الشاعر المفلق الشيخ بشارة، وعاصر نوابغ العلم
وأساتذة البيان وأخذ منهم، ونال من الفضل حظه الوافر، ونصيبه المقدر، فأطروه و
وأثنوا عليه، وعد من رجال تلك الحلقة، وأبقى شعره وأدبه له ذكرى خالدة، وسجلت
آثاره القيمة العلمية والأدبية في صفحة التاريخ له غررا ودررا تذكر وتشكر، منها
[نشوة السلافة ومحل الاضافة] قرظها السيد حسين بن الأمير رشيد الآتي ذكره،
وقال الشيخ أحمد النحوي الحلي مقرظا إياها:
يا أخا الفضل والمكارم والسؤدد * والمجد والعلى والشرافه
والأديب الأريب المصقع المدره * رب الكمال رب الظرافه
أي در أودعت في صدف الطرس * غدا الدر حاسدا أوصافه؟
لو رأى هذه الرياض زهير * لتمنى من زهرهن اقتطافه
لو درى عرفهن صاحب عرف الطيب * أبدى لطيبهن اعترافه
لو رأى جمعها علي (1) رأى الفضل * على جمعه لكم والانافه
قال: جمعي صبابة في إناء * من سلاف وذا حباب السلافه
أي مستمتع لذي الفضل فيها * وبشتى نكاتها واللطافه؟
جئتها طاوي الحشا فأضافتني * وقالت: هذا محل الاضافة
ومنها: نتائج الأفكار. قرظها المدرس الأوحد السيد نصر الله الحائري بقوله:
حير عقلي ذا الكتاب الأنيق * فليس للوصف إليه طريق
رقيق لفظ جزل معنى له * كل مجاميع البرايا رقيق
ما هو إلا روضة غضة * شقيقها ليس له من شقيق
صاداتها الغدران همزاتها * حمايم تشدو بلحن أنيق
____________
(1) يعني السيد علي خان المدني صاحب (سلافة العصر) التي ألف ابن بشارة نشوته تتميما لها.
كم نشق العشاق من نفحها * نسيم أخبار اللوي والعقيق؟
كم قد جلت أكؤس ألفاظها * معانيا يخجل منها الرحيق؟
رصعها صوب يراع الذي * أصبح دوح الفضل فيه وريق
مولى جليل القدر في شانه * قد اغتدى صاحب فكر دقيق
لا زال (نصر الله) طول المدى * له رفيقا فهو نعم الرفيق
ومنها: شرح نهج البلاغة، وريحانة النحو. ذكرهما الشيخ أحمد النحوي الحلي
في قصيدته التي مدحه بها أولها:
برزت فيا شمس النهار تستري * خجلا ويا زهر النجوم تكدري
فهي التي فاقت محاسن وجهها * حسن الغزالة والغزال الأحور
يقول فيها:
من آل موح شهب أفلاك العلى * وبدور هالات الندى والمفخر
وهم الغطارفة الذين لبأسهم * ذهل الورى عن سطوة الاسكندر
وهم البرامكة الذين بجودهم * نسي الورى فضل الربيع وجعفر
لم يخل عصر منهم أبدا فهم * مثل الأهلة في جباه الأعصر
لا سيما العلم الذي دانت له ال * - أعلام ذو الفضل الذي لم ينكر
ولقد كسا (نهج البلاغة) فكره * شرحا فأظهر كل خاف مضمر
وعجبت من [ريحانة النحو] التي * لم يذو ناصرها مرور الأعصر
فذروا [السلافة] (1) إن في ديوانه * في كل بيت منه حانة مسكر
ودعوا [اليتيمة] (2) إن بحر قريضه * قذفت سواحله صنوف الجوهر
ما [دمية القصر] التي جمع الأولى * كخرائد برزت بأحسن منظر؟
يا صاحب الشرف الأثيل ومعدن * الكرم الجزيل وآية المستبصر
خذها إليك عروس فكرزفها * صدق الوداد لكم وعذر مقصر
____________
(1) هي (سلافة القصر) للسيد علي خان المدني شارح الصحيفة الشريفة الآنف ذكره في هذا
الجزء ص 344.
(2) هي (يتيمة الدهر) للثعالبي كتاب أدبى ضخم فخم مطبوع في أربع مجلدات.
(3) (دمية القصر) تأليف الباخرزى مطبوع سائر دائر.
فاسلك على رغم العدى سبل العلى * واسحب على كيوان ذيل المفخر
ومنها: ديوان شعره الذي وصفه السيد المدرس الحائري بقوله:
ديوان نجل المقتدى بشاره * لسائر الشعر غدا إكليلا
ما هو إلا جنة قد أزهرت * [وذللت قطوفها تذليلا]
وقوله فيه:
ألا قد غدا ديوان نجل بشارة * طراز دواوين الأنام بلا ريب
مهذبة أبياته كخلائقي * فليس به عيب سوى عدم العيب
وللسيد العلامة المدرس الحائري عدة قواف في الثناء على شاعرنا ابن بشارة
منها:
سلام يسحب الأذيال تيها * على هام الدراري الثاقبات
أخص به شقيق الصبح بشرا * سليل بشارة ذي المنقبات
فتى أضحت بغيث نداه تزهو * أزاهير الأماني للعفاة
وراحت في صباح الرأي منه * تجابات دياجي المشكلات
شأى قسا بلفظ راق رصفا * ومعنا بالهبات الوافرات
له فكر بأدنى الأرض لكن * له عزم بأعلى النيرات
ونظم يشبه الأزهار لو لم * تعد بعد النضارة ذابلات
وبعد فإن روض العيش أضحى * هشيما ذا نواح شاحبات
وقد كانت نواحيه قديما * بطل البشر منكم زاهيات
وأمسى يا شهاب سما المعالي * مريد الوجد مخترقا جهاتي
فعوذني بكتبك من أذاه * فمالي غيرها من راقيات
ولا زالت جلابيب المعالي * بمجدكم المبجل معلمات
ومنها قوله:
سلام كزهر الروض إذ جاده القطر * وكالدر في اللألاء إذ حازه البحر
أخص به المولى سليل بشارة * أخي الفضل من في مدحه يزدهي الشعر
سحاب الندى السهم الذي فاقت السها * عزائمه وانقاد قنا له الدهر
فتى فاز بالقدح المعلى من العلى * وحاز علوما لا يحيط بها الحصر
فما (القطب) ما (الرازي) وما (جوهريهم) * إذا ما به قيسوا وما العضد ما الصدر؟
مناقبه غر مواهبه حيا * منازله خضر مناصله حمر
طوى سبل العلياء في متن سابق * لهمته القعساء عثيره الفخر
وبعد: فإن الحال من بعد بعدكم * كحال رياض الحزن فارقها القطر
فلله ليلات تقضت بقربكم * ولم يندمن روضات وصلكم الزهر
وإذ مورد اللذات صاف وناظري * يزيل قذاه منظر منكم نضر
فلا تقطعوا يوما عن الصب كتبكم * ففي نشرها للميت من بعدكم نشر
ولا برحت تبدو بأفق جبينكم * نجوم السعود الزهر ما نجم الزهر
ومنها قوله مهنئا له بعيد النحر:
نشر الربيع مطارف الأزهار * في طيها نفحات مسك داري (1)
وخرائد الأغصان بالأكمام قد * رقصت بتشبيب النسيم الساري
وصوادح الأوراق في الأوراق قد * غنت بأعواد بلا أوتار
والظل ظل محاكيا بدبيبه * خط العذار بوجنة الأنهار
فبدار نجلو خمره تجلو العنا * عنا ولا تركن إلى الأعذار
بكر إذا ما قلدت بحبابها * حلت يمين مديرها بسوار
شمس يطوف بأفق مجلسنا بها * قمر تقلد نحره بدراري
سلب السلاف مذاقها وفعالها * برضابه وبطرفه السحار
ساق تخال الثغر منه لئالئا * أو أقحوانا لاح غب قطار
أو أحرفا رقمت بكف المجتبى * أعني سليل بشارة المغوار
ماء الطلاقة في أسرة وجهه * يجري ونار سطاه ذلت شرار
مولى بأفق سما المناقب قد بدا * قمرا ولكن لم يرع بسرار
فبذاك يثمر قصد كل مؤمل * وبهذه تصلى منى الفخار
شهم لبيب لم تلد أم العلى * ندا له في سائر الأعصار
____________
(1) الداري: العطار. نسبة إلى دارين بالبحرين كان يحمل إليها المسك من الهند.
ندس بديع بنانه قد راح عن * وجه المعاني كاشف الأستار
ولقد غدا صرف الزمان يصد عن * من نحوه أضحى مريد جوار
نعم تعم عموم هطال الحيا * لكنها جلت عن الأضرار
وشمائل كالروض لولا إنه * يذوي لفقد العارض المدرار
أقلامه قد قلمت ما طال للأخطاب * والأخطار من أظفار
ودواته أدوت وداوت كاشحا * ومؤملا جدواه ذا اعسار
من آل خاقان الذين وجوههم * عند اسوداد النقع كالأقمار
قوم إذا شاموا الصوارم أغمدت * في جيد كل مملك كرار
وإذا هم اعتقلوا الذوابل في الوغي * آبت نواضر بالنجيع الجاري
أخبارهم بسواد كل دجنة * حررن فوق بياض كل نهار
يا من له بأس يحاكي الصخر في * خلق أرق من النسيم الساري
وعلا تناسق كابرا عن كابر * يحكي أنابيب القنا الخطار
وافاك عيد النحر طلقا وجهه * يحكي رقيق نسيمه أشعاري
عبد يعود عليكم بمسرة * محمودة الايراد والاصدار
لا زالت الأيدي تشير إليكم * شبه الهلال عشية الافطار
وبقيت ترفل من علاك بحلة * فضفاضة قد طرزت بفخار
وله مراسلا إياه لازما الجناس المذيل قوله:
لعمرك إن دمع العين جار * لأني حنظل التفريق جارع
وما لي غير شهد الوصل شاف * فهل لي في اجتناء منه شافع؟
وقلبي للوصول إليك صاد * ونظمي بالثناء عليك صادع
وهمي ليثه الفتاك ضار * ولولاه لما أمسيت ضارع
ولوني أصغر والد مع قان * وطرفي منكم بالطيف قانع
ومذ غبتم فصبحي شبه قار * لدي وإصبعي للسن قارع
وإني للتواصل منك راج * فهل ذاك الزمان العذب راجع؟
وإني بالذي تهواه راض * أيا مولى لدر الفضل راضع!
فيالك من كريم الأصل سام * لهمس المجتدين نداه سامع
هزبر عنه سيف الضد ناب * وينبوع الفضائل منه نابع
وطرف الخائف المذعور ساج * بمغناه وطير المدح ساجع
وبحر علومه للناس طام * فكل منهم بالري طامع
وغيث نداه طول الدهر هام * وغيث الأفق بعض العام هامع
ومعشره أولو سلم وضال (1) لديهم سابق الكرماء ضالع
له سيف غداة الحرب دام * وطرف خشية الجبار دامع
ونسك من رياء الخدع خال * وطبع للخلاعة راح خالع
وشعر رائق كشراب جام * لحسن نفائس الأشعار جامع
وقلب قلب في الحرب ساط * ووجه في ظلام الخطب ساطع
وإحسان لحر المدح شار * ورمح عزيمة ما زال شارع
حليم للعدى بالصفح جاز * ومن هول الحوادث غير جازع
وزاك علمه للجهل ناف * وطب إن يضرك فهو نافع
وشهم ماله في الناس زار * للحب هواه في الأحشاء زارع
لما لا يرتضيه الله قال * ألم تره لضرس هواه قالع؟
وقاه الله نظرة كل راء * فإن جماله للعقل رائع
ومنها قوله حينما أهدي إليه ماء ورد:
يا أيها المولى الذي * هو من (أياس) اليوم أذكى
وجهت نحوك ماء ورد * من أريج المسك أذكى
فاقبله من حب جواه * في حشاه النار أذكى
ومنها قوله مراسلا إياه.
سلام لا لأوله بدايه * ولا يلفى لآخره نهايه
علي ابن بشارة المولى الذي قد * تجاوز في المعالي كل غايه
فتى برق البشاشة في المحيا * على طيب الأرومة منه آيه
____________
(1) السلم والضال: نوعان من الشجر.
جليل القدر محمود السجايا * على كل القلوب له الولايه
روى الاحسان عن جد فجد * وقد صحت له تلك الروايه
فلو وافاه يوم الجدب عاف * أباح له حمى روض الرعايه
إذا ما جن للأشكال ليل * ترى مثل الصباح الطلق رأيه
وإن حسرت لثاما حرب بحث * فليس لها بكف سواه رأيه
له وجه حكاه البدر حسنا * وما من ريبه في ذي الحكايه
وفي العهد زاكي الجد مولى * سلامة ذاته أقصى منايه
ولما كان في ذا العصر فردا * مدحناه بعنوان الكنايه
وأنى يمكن التصريح باسم * بأعلى العرش خطته العنايه؟
فسدد رأيه يا رب لطفا * وجنبه الضلالة والغوايه
وألبسه من الإنعام بردا * موشى بالكلائة والحمايه
إلى غيرها من قصائد توجد في ديوان الشريف السيد المدرس في ثناء المترجم
له، وهي تعرب عن مكانته العالية في الفضائل والفواضل، وتحليه بنفسيات كريمة و
ملكات فاضلة.
ومن شعر شاعرنا (ابن بشارة) قوله في كتابه (نشوة السلافة) يمدح به مولانا
أمير المؤمنين عليه السلام، جارى به قصيدة السيد علي خان المدني المذكورة ص 350:
من ظلمة الليل لي المأنس * إذ فيه تبدو الشهب الكنس
والطيف يأتيني به زائرا * وتارة صاحبه بغلس
ولم نراقب من رقيب الهوى * خوفا ولا تبصرنا الحرس
ومن رياض الوصل كم نجتني * زواهرا تحيى بها الأنفس
كم ليلة بت بظلمائها * معانقا للحب لا أدنس (2)
حتى هوت للغرب شهب الدجا * والنجم في إسرائه ينعس (3)
____________
(1) الغلس: ظلمة آخر الليل أغلس: صار يغلس.
(2) دنس: تلطخ بمكروه أو قبيح.
(3) من تناعس البرق: فتر.
وانتشر الصبح بأنواره * وانجاب عن أضواء الحندس (1)
فارقني خشية أعداؤه * وقد خلا من جمعنا المعرس (2)
لا أقبل الصبح بأسفاره * لأنه الفضاح والأوكس
والليل لو جن به جنتي * وجنتي طاب بها المأنس
موسى رأى النار به سابقا * من جانب الطور لها غرنس
وقد أتاها طالبا جذوة * حتى دنا من قربها يقبس
نودي بالشاطي غربيها *: أنا الإله الخالق الأقدس
ونار موسى سرها حيدر * العالم الخنذيذ والدهرس (3)
والأسد المغوار يوم الوغى * تفرق من صولته الأشوس (4)
لو قامت الحرب على ساقها * قال إليها وهو لا ينكس
كم قد في صارمه فارسا * وصير السيد له ينهس؟ (5)
هو ابن عم المصطفى والذي * قد طاب من دوحته المغرس
عيبة علم الله شمس الهدى * ونوره الزاهر لا يطمس
مهبط وحي لم ينل فضله * وكنهه في الوهم لا يحدس
قد طلق الدنيا ولم يرضها * ما همه المطعم والملبس
يقطع الليل بتقديسه * يزهو به المحراب والمجلس
وفي الندى بحر بلا ساحل * وفي المعالي الأصيد الأرءس
إذا رقى يوما ذرى منبر * وألسن الخلق له خرس
يريك من ألفاظه حكمة * يحتار فيها العالم الكيس
فيالها من رتب نالها * من دونها كيوان والأطلس؟
____________
(1) الحندس: الظلمة جمع حنادس.
(2) المعرس: الموضع الذي يعرس فيه القوم أي نزلوا فيه للاستراحة.
(3)) الخنذيذ: الخطيب البليغ. العالم بأيام العرب أشعارهم السيد الحليم. الشجاع البهمة
الدهرس: الداهية.
(4) الأشوس: الجرى على القتال الشديد.
(5) السيد: الذئب، الأسد، والسيد تخفيف السيد. نهس: أخذ بمقدم أسنانه ونتفه.
قد شرفت كوفان في قبره * ولم تكن أعلامها تدرس
إن أنكر الجاحد قولي أقل *: يا صاح هذا المشهد الأقدس (1)
أما ترى النور به مشرقا * قرت به الأعين والأنفس
والله لولا حيدر لم يكن * في الأرض ديار ولا مكنس
فليس يحصي فضله ناثر * أو ناظم في شعره منبس
لو كان ما في الأرض أقلامه * والأبحر السبع له مغمس
سمعا أبا السبطين منظومة * غراء من غصن النقا أميس
تختال من مدحك في حلة * لم يحكها في نسجها السندس
أرجو بها منك الجزا في غد * فإن من والاك لا يبخس
صلى عليك الله ما أشرقت
شمس الضحى وانكشف الحندس
ومن شعره في تقريظ (المطول) للتفتازاني قوله:
إن المطول بحر فاض ساحله * فلا يحيط به وصفي وانجازي
فرقان أهل المعاني في بلاغته * وفي الدلائل منه أي إعجاز
____________
(1) هذا مستهل قصيدة السيد علي خان.
- 102 -
الشيخ إبراهيم البلادي
بدأت بحمد من خلق الأناما * وأشكره على النعما دواما
هو الموجود خالقنا وجوبا * ولم أثبت لموجدنا انعداما
لقد خلق الورى إطهار كنز * تستر فاستفض له الختاما (1)
أصول خمسة للدين منها * له العدل الذي في الحكم داما
وثاني الخمسة التوحيد فيه * ونفي شريكه أبدا دواما
وثالثها النبوة وهي لطف * عظيم دائم عم الأناما
ورابعها الإمامة وهي لطف * من الباري به الدين استقاما
وخامسها المعاد لكل جسم * وروح والدليل عليه قاما
وإن إلهنا في الحكم عدل * يخاصم كل من ظلم الأناما
وإن النار والجنات حق * على رغم الذي جحد القياما
وإن المؤمنين لهم جنان * ونار الكافرين علت ضراما
وإن الرسل أولهم أبوهم * وذلك آدم خصوا السلاما
وأفضلهم أولو العزم الأجلا * ومن عرفوا لربهم المقاما
وهم نوح وإبراهيم موسى * وعيسى والأمين أتى ختاما
محمدهم وأحمدهم تعالا * وأعلاهم وقارا واحتشاما
فأشهد مخلصا أن لا إله * سوا الله الذي خلق الأناما
وإن محمدا للناس منه * نبي مرسل بالأمر قاما
وأشهد إنه ولى عليا * ولي الله للدين اهتماما
وصيره الخليفة يوم (خم) * بأمر الله عهدا والتزاما
____________
(1) إشارة إلى الحديث القدسي الدائر على الألسن: كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت
الخلق لكي أعرف.
ونص على الأئمة من بنيه * هناك على المنابر حين قاما
فواخاه النبي وفي البرايا * بحكم الله صيره إماما
وعظمه ولقبه بوحي * أمير المؤمنين فلن يراما
وزوجه البتول لها سلام * من الله الوصول ولا انصراما
فكان لها الفتى كفوا كريما * فأولدها أئمتنا الكراما
[إلى آخر القصيدة (1)]
* (الشاعر) *
أبو الرياض الشيخ إبراهيم بن الشيخ علي بن الشيخ الحسن بن الشيخ يوسف
ابن الشيخ حسن بن الشيخ علي البلادي البحراني أحد أعلام البحرين وفضلائها، كان
موصوفا بالأدب وصياغة الشعر، من أجداد مؤلف [أنوار البدرين] العالية كما ذكره
في بعض التراجم، له منظومة الاقتباس والتضمين من كتاب الله المبين في إثبات عقايد
الدين، استدلاليا، وجامع الرياض يمدح فيه كلا من المعصومين عليهم السلام بروضة،
ومن هنا يكنى بأبي الرياض، وديوان شعره يوجد بخط تلميذه الشيخ أبي محمد
الشويكي الآتي ذكره، صححه سنة 1150، يحتوي على قصائد على عدد الحروف
بترتيبها، و 132 دو بيتا في أبواب خمسة في التوحيد، والنبوة، والإمامة والأئمة، و
العدل، والمعاد، وميمية 108 بيتا في الأصول الخمسة.
ووالد المترجم له الشيخ علي أحد أعلام عصره ذكره صاحب الحدايق في [لؤلؤة
البحرين] وقال: كان فاضلا ولا سيما في العربية والمعقولات، مدرسا إماما في الجمعة
والجماعة معاصرا للشيخ سليمان بن عبد الله الماحوزي ا ه وترجم له صاحب [رياض
الجنة] في الروضة الرابعة، وكان الشيخ حسن جد المترجم له أيضا من الفضلاء و
كذلك جده الأعلى الشيخ يوسف بن الحسن، ذكره الشيخ الحر في [أمل الآمل]
وقال: فاضل متبحر شاعر أديب من المعاصرين. وحكى صاحب الحدايق في [لؤلؤة
البحرين] عن والده العلامة إنه لما توفي الشيخ يوسف بن الحسن البحراني ودفن في
____________
(1) أخذناها من ديوانه المخطوط وله فيه شعر آخر في الغدير أيضا.
مقبرة المشهد مسجد في بحرين - إتفق انهدام إحدى منارتيه وسقوطها على قبره فمر
الشيخ عيسى (1) بامرأة جالسة عند المنارة تتعجب من سقوطها فقال الشيخ عيسى في
ذلك:
مررت بامرأة قاعده * تحولق في هيئة العابده
وتسترجع الله في ذا المنار * فما بالها في الثرى راقده؟
فقلت له: يا بنة الأكرمين * رأيت أمورا بلا فائده؟
ثوى تحتها يوسفي الكمال * فخرت لهيبته ساجده
____________
(1) أوحدي من أعلام (آل عصفور) أسرة شيخنا الفقيه المتضلع الشيخ يوسف صاحب (الحدايق)
شاعر مفلق، وأديب بارع.
- 103 -
الشيخ أبو محمد الشويكي
- 1 -
زار حبي فانجلت سود الليالي * حين أبدا منه ثغرا كاللئالي
وتبدت لمع من وجهه * فحكى في لمعه لمع الهلال
إلى أن قال:
حيدر الكرار مقدام الورى * شامخ القدر علي ذي المعالي
عالم الغيب فلا عيب به * طاهر الجيب فتى زاكي الخصال
هاشمي نبوي جوده * يخجل الغيث لدى سكب النوال
أحمدي الخلق والخلق فتى * عنتري الحرب في يوم النزال
صايم الصيف وقوام الدجا * مكرم الضيف بمال من حلال
معدن العلم الذي سؤاله * تبلغ الآمال من قبل السؤال
ثابت النص من الله ومن * أحمد المختار محمود الفعال
والد السبطين من ست النسا * بنت خير الأنبياء ذات الحجال
من له المختار واخى في الورى * مرغما أعدائه أهل الضلال
وهو في القرآن نصا نفسه * خير من باهل بعد الابتهال
فله الشأن علي كاسمه * صاحب الاحسان غوثي في مالي
حجة الله بنص ثابت * يوم (خم) فهو من والاه والي
وأمير المؤمنين المرتضى * من إله العرش ربي ذي الجلال
في فراش المصطفى بات ولم * يخش من أعدائه أهل النكال
أخذناها من مختصر ديوانه الذي كتبه إلى شيخه بخطه وهي قصيدة طويلة قالها
سنة 1149 يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام.
- 2 -
وله قصيدة أنشدها سنة 1149 وجدناها بخطه يذكر بها العقايد الدينية مستهلها:
إسمع هداك الله حسن العقايد * وخذ من معاني الفكر در الفوايد
له الحمد ربي كم حبانا بنعمة * تقاصر عن إدراكها حمد حامد؟
إلى أن قال:
وألطاف ربي في البرية جمة * لها الغيث عذب في جميع الموارد
وأعظم ألطاف الإله نبينا * وعترته أزكى كرام أماجد
حبانا بخير المرسلين محمد * نبي هدى لله أكرم عابد
ويقول فيها:
ومعجزة القرآن لا زال باقيا * له بثبات الأمر أعظم شاهد
وقد نسخت كل الشرايع في الورا * شريعته الغرا على رغم مارد
فصلى وزكا ثم صام نبينا * وحج وكان الطهر أي مجاهد
له الله قد صفا من العيب فاغتدا * نبيا صفيا صادقا في المواعد
وكان له المولى الجليل وحسبه * علي على الأعداء أي مساعد
فكان له كفا قويا وساعدا * وسيفا لهام القوم أعظم حاصد
فواخاه عن أمر الإله وخصه * بفاطمة أم الهداة الفراقد
وصيره عن أمر خالقه له * إماما بخم مرغما أنف حاسد
وقال له فوق الحدائج خاطبا * وأضحى له أمر الورى أي عاقد
ونص عليه بالإمامة مجهرا * وأبنائه يا خير ولد لوالد؟
[القصيدة]
- 3 -
وله من قصيدته الغديرية الطويلة:
يوم الغدير به كمال الدين * ومتم نعمة خالقي ومعيني
لله من يوم عظيم عيده * للمؤمنين بدين خير أمين
يوم به رضي الإله لخلقه * الاسلام بالتأييد والتمكين
يوم شريف عظمت بركاته * من قبل كون الكون في التكوين
يوم به نصب المهيمن حيدرا * علما إماما للورى بيقين
فهو الغدير وفضله متظاهر * كالشمس لم يحتج إلى التبيين
وله الرواية يا فتى تروي الظما * فكأنها من عذب خير معين
روت الرواة عن النبي محمد * خير الورى بالنص والتعيين
فأتاه جبريل الأمين مبلغا * عن ربه التسليم بالتبيين
فالآن بلغ عنه نصبك حيدرا * فوجوب طاعته وجوب عيني
قم ناصبا للطهر حيدرة التقى * قبل افتراق مصاحب وقرين
قال النبي الطهر سمعا للذي * قد قال من هو للورى يكفيني
ودعا بخم وهو أوعر منزل *: يا قوم حطوا الرحل في ذا الحين
ومن الحدائج قد ترقا منبرا * ودعا عليا والد السبطين
وإليه شال فبان من إبطيهما * ذاك البياض ففاق للقمرين
ولصحبه قد قال: يا قوم اسمعوا * مني مقالة ناصح وأمين
هل كنت يا أصحاب أولى منكم * بنفوسكم؟ قالوا: نعم بيقين
من كنت مولاه فمولاه أخي * ووصي بعدي كفه بيميني
[إلى آخر القصيدة]
- 4 -
وله من قصيدة طويلة تسمى بالغزالة يمدح بها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله أولها:
أقبلت تقنص الأسود الغزاله * ذات نور يفوق نور الغزاله
وانثنت تسلب العقول وثنت * غلة في الحشا بلبس الغلاله
إلى أن يقول:
فولاء النبي للعبد درع * عن نبال الردى وللنصر آله
وولائي من بعده لعلي * حيث أن قبل موته أوصى له
وارتضاه الإمام في يوم خم * فهو للخصم قاطع أوصاله
ويوجد ذكرى الغدير في ساير قصايده اقتصرنا منها على ما ذكرناه.
* (الشاعر) *
أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد الشويكي الخطي، من تلمذة الشيخ إبراهيم
ابن الشيخ علي البلادي الآنف ذكره، والشيخ ناصر بن الحاج عبد الحسن البحراني،
له في فن الأدب وقرض الشعر والاكثار منه والتفنن فيه أشواط بعيدة، غير أن شعره
من النمط الأوسط، له كتاب في أحوال المعصومين، وديوان مدايح النبي وآله يسمى
ب [جواهر النظام] وديوان مراثيهم الموسوم ب (مسبل العبرات ورثاء السادات) استخرج
من الديوانين قصايدة كثيرة في أربعة أيام وألفها ديوانا أهداه لشيخه العلامة آقا
محمد بن آقا عبد الرحيم النجفي في سنة 1149 وهذا الديوان المنتخب من شعره يحتوي
على خمسين قصيدة في أوزان وقواف مختلفة في مدايح النبي وآله صلوات الله عليه و
عليهم ورثائهم، ويرثي العباس بن أمير المؤمنين عليه السلام والقاسم بن الإمام الحسن وعبد الله
ابنه، وعلي بن الإمام السبط الشهيد عليه السلام وولده عبد الله الرضيع، كلا منهم بقصيدة.
- 104 -
السيد حسين الرضوي
المتوفى بعد 1156
حي الحيا عهد أحباب بذي سلم * وملعب الحي بين البان والعلم
وجاد أعلام جمع والعقيق فكم * فرقن جمع هموم باجتماعهم؟
يا صاح عج بي قليلا في معاهدهم * تشفي عليل محب ذاب من ألم
هذه بديعية ذات 143 بيتا يمدح بها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله إلى أن يقول فيها:
صنو النبي أمير المؤمنين أبو السبطين * باب العلوم المرتضى الشيم
في السر والجهر ساواه وكان له * ردءا يصدقه في الحكم والحكم
وفيه جاء عن المختار منقبة *: من كنت مولاه فهو الحق فاعتصم
* (الشاعر) *
السيد حسين بن الأمير رشيد بن القاسم الرضوي الهندي النجفي ثم الحائري.
أوحدي ثنى علمه الفائق بأدبه الرائق، وعبقري زان حسبه الزكي بفضله الجم وقريضه
المزري بعقود الدرر ومنثور الدراري، فهو عالم بارع، وأديب ناقد، لم تشغله فضيلة
عن فضيلة، ولا ثنته مأثرة عن مفخرة.
جاء به أبوه من الهند إلى النجف الأشرف فاشتغل بها وبعد لاي غادرها إلى
جوار الإمام السبط الشهيد [الحاير المقدس] وتخرج بها على السيد المدرس الأوحد
السيد نصر الله الحائري وله قصائد عدة يمدح بها أستاذه المدرس، ولاستاده يمدحه
قوله:
يا أيها الشهم الذي * غيث الندى منه وكف!
يا ذا الذي في جوده * قد طال لي باع وكف!
يا ماجدا طول المدى * صد الأذى عنا وكف!
حياك رب العرش ما * برق تبدى في السدف
ومن أساتذته السيد صدر الدين القمي شارح الوافية، والشيخ عبد الواحد الكعبي
النجفي المتوفى 1150، والشيخ أحمد النحوي، وكان جيد الخط وقفت على ديوان
أستاذه السيد المدرس الحائري بخطه. توفي بكربلاء المشرفة بعد سنة 1156 وقبل
الستين برد الله مضجعه، فما عن بعض المجاميع إنه توفي 1170 لم أقف على
ما يعاضده.
خلف شاعرنا الرضوي ديوانا مفعما بالغرر والدرر ومن شعره في المديح:
جيرة الحي أين ذاك الوفاء؟ * ليت شعري وكيف هذا الجفاء؟
لي فؤاد أذابه لاعج الشوق * وجفن تفيض منه الدماء
كلما لاح بارق من حماكم * أو تغنت في دوحها الورقاء
فاض دمعي وحن قلبي لعصر * قد تقضى وعز عنه العزاء
يا عذولي دعني ووجدي وكربي * إن لومي في حبهم إغراء
هم رجائي إن واصلوا أو تناءوا * وموالي أحسنوا أم أساؤا
هم جلوا لي من حضرة القدس قدما * راح عشق كؤوسها الأهواء
خمرة في الكؤوس كانت ولا كر * م ولا نشوة ولا صهباء
ما تجلت في الكاس إلا ودانت * سجدا باحتسائها الندماء
ثم مالوا قبل المذاق سكارى * من شذاها فنطقهم إيماء
ثم باتوا وقد فنوا في فناها * إن عين البقاء ذاك الفناء
سادتي سادتي وهل ينفع الصب * على نازح المزار النداء؟
كنت جارا لهم فأبعدني الدهر * فمن لي وهل يرد القضاء؟
أتروني نأيت عنكم ملالا؟ * لا، ومن شرفت به البطحاء
سر خلق الأفلاك آية مجد * صدرت من وجوده الأشياء
من مزاياه غالبت أنجم الأفق * فكان السنا لها والسناء
رتب دونها العقول حيارى * حيث أدنى غاياتها الاسراء
محتد طاهر وخلق عظيم * ومقام دانت له الأصفياء
خص بالوحي والكتاب وناهيك * كتابا فيه الهدى والضياء
يا أبا القاسم المؤمل يا من * خضعت لاقتداره العظماء
قاب قوسين قد رقيت علاء * [كيف ترقى رقيك الأنبياء]؟ (1)
ولك البدر شق نصفين جهرا * [يا سماء ما طاولتها سماء]؟
ودعوت الشمس المنيرة ردت * لعلي تمدها الأضواء
أنت نور علا على كل نور * ذي شروق بهديه يستضاء
لم تزل في بواطن الحجب تسر * ي حيث لا آدم ولا حواء
فاصطفاك الإله خير نبي * شأنه النصح والتقى والوفاء
داعيا قومه إلى الشرعة السمحاء * يا للإله ذاك الدعاء
وغزا المعتدين بالبيض السمر * فردت بغيضها الأعداء
وله الآل خير آل كرام * علماء أئمة أتقياء
هم رياض الندى وروح فخار * وسماح ثمارها العلياء
يبتغى الخير عندهم والعطايا * كل حين ويستجاب الدعاء
سادتي أنتم هداتي وأنتم * عدتي إن ألمت البأساء
وإلى مجدكم رفعت نظاما * كلئال قد تم منها الصفاء
خاطري بحرها وغواصها الفكر * ونظام عقدهن الولاء
وعليكم صلى المهيمن ما لاح * صباح وانجابت الظلماء
أو شدا مغرم بلحن أنيق: * جيرة الحي أين ذاك الوفاء؟
وله يمدح أمير المؤمنين عليه السلام:
ألم وقد هجع السامر * وعطل عن سيره السائر
خيال لعلوى أتى زائرا * وقيت الردى أيها الزائر
طرقت فجليت ليل العفا * وقربك القلب والناظر
نشدتك بالله كيف اهتديت * إلى مضجعي والدجى ساتر؟
____________
(1) هذا الشطر والمصرع الثاني من البيت الآتي مستهل الهمزية الشهيرة التي خمسها الشاعر
المفلق عبد الباقي العمري.
وكيف عثرت بجفني وقد * غدا وهو طول المدى ساهر؟
فقال: هداني إليك الحنين * ونار جوى شبهها الهاجر
سقى ربع علوى وذاك الخيال * ولبل الوصال حيا هامر
ملث يحاكي نوال الأمير * ومن روض ألطافه زاهر
علي أبو الحسن المرتضى * علي الذرى الطيب الطاهر
إمام هدى فضله كامل * وبحر ندى بذله وافر
وصي النبي بنص الإله * عليه وبرهانه الباهر
فتى راجح الحلم لا وجهه * قطوب ولا صدره واغر
له الشرف الضخم والسؤدد * المفخم والنسب الطاهر
وبيت على شاد أركانه * قنا الخط والأبلج الباتر
إلى حيث لا ملك سابق * هناك ولا فلك دائر
إذا ساجل الناس في رتبة * فكل لدى عزه صاغر
وإن صال فالحتف من جنده * ورب السماء له ناصر
كأن قلوب العدا إن بدا * من الرعب يهفو بها طائر
أيا جد! إن لسان البليغ * عن حصر أوصافكم قاصر
كفاكم على أن رب السماء * في الذكر سعيكم شاكر
فجاد ربوعك من لطفه * سحاب برضوانه ماطر
مدى الدهر ما قد طوى سبسبا * لتقبيل أعتابكم زائر
ومن شعره قوله:
يا مخجلا حدق المها * أوقعت قلبي بالمهالك
ومعيد صبحي كالمسا * ضاقت علي به المسالك
يا منيتي دون الملا * أنحلت جسمي في ملالك
هب لي رقادي إنه * مذ بنت أبخل من خيالك
لله كم لك هالك * بشبا اللواحظ إثر هالك؟
يا موقف التوديع كم * دمع نثرت على رمالك؟
هل لي مقيل من ضلا * لي أم مقيل في ضلالك؟
لهفي على عصر مضى * لي بالحبيب على تلالك
بالله أين غزالك الفتان؟ * ويلي من غزالك
لم أنسه ويد النوى * تستل أنفسنا هنالك
أومى يسائل: كيف حالك *؟ قلت: داجي اللون حالك
فافتر من عجب وقال *: بنو الهدى طرا كذلك
فأجبته: لو كنت تعلم * قدر من أصبحت مالك
لعلمت أني عاشق * ما إن يقصر عن منالك
أنا كاتب أظهرت أسرار * الكتابة من جمالك
ألف حلت فكأنها * من حسن قدك واعتدالك
ميم كمبسمك الشهي * ختامه من مسك خالك
صاد كغدران جرت * من أدمعي يوم ارتحالك
سين كطرتك التي * ألقت فؤادي في حبالك
دال كصدغك شوشت * بيد الدلال وغير ذلك
ومقطعات قد حكت * قلبي المروع من ذيالك
ومركبات كالعقود * تزين أجياد الممالك
وإذا تناسقت السطور * سوافرا كنا كمالك
ياقوت أصبح قائلا * في الجمع: ما أنا من رجالك
قسما بها لولا الهوى * ما كنت من جرحى نبالك
ومن شعره في عقد كلام لأمير المؤمنين عليه السلام:
أنعم على من شئت كن أميره * واستغن عمن شئت كن نظيره
إن كنت ذا عز ورمت أن تهن * فاحتج لمن شئت تكن أسيره
جمعت شتات تاريخ حياته، وعقود جمل الثناء عليه المبثوثة في المعاجم، من النشوة
والطليعة وغيرهما صفحات أعيان الشيعة 46 - 57 من الجزء السادس والعشرين
- 105 -
السيد بدر الدين
المولود 1062
بالله يا ورق إن شدوت على * سفوح سلع فدونها السجف
وإن رأيت السحاب هامية * فقل: مرام المولع النجف
ففيه رمس مطهر هبطت * عليه أملاك من له الصحف
فيه الإمام الوصي حيدرة * مولى البرايا ومن له الشرف
فيه شقيق الرسول شافعنا * ونفسه إن توسط الطرف
فيه أخوه ومن فداه على * فراشه إن رووا وإن حرفوا
فيه الذي في (الغدير) عينه * وبخبخ القوم فيه واعترفوا
* (الشاعر) *
بدر الدين محمد بن الحسين بن الحسن بن المنصور بالله القاسم بن محمد الحسني
الصنعائي، أحد حسنات اليمن، وعلمائها الأعلام. مشارك في العلوم، له في الكلام و
الطب والأدب وقرض الشعر يد غير قصيرة، وله تآليف قيمة منها رسالة في الكلام،
تلمذ لأساتذته في الفنون منهم: العلامة الشيخ صالح البحراني نزيل الهند، والفاضل
الحكيم محمد بن صالح الجيلاني نزيل اليمن، ولد سنة 1062 في شهر صفر. أخذنا الترجمة
والشعر ملخصا من (نسمة السحر) ج 2.