على أن طبع الحال يستدعي أن يكون تهيبه صلى الله عليه وآله من اليهود والنصارى في أوليات البعثة، وعلى فرض التنازل بعد الهجرة بيسير لا في أخريات أيامه التي كان يهدد فيها دول العالم، وتهابه الأمم، وقد فتح خيبر واستأصل شافة بني قريضة والنضير، وعنت له الوجوه، وخضعت له الرقاب طوعا وكرها، وفيها كانت حجة الوداع التي نزلت فيها الآية كما عرفت ذلك من الأحاديث السابقة، ويعلمنا القرطبي في تفسيره 6 ص 30 بالاجماع على أن سورة المائدة مدنية. ثم نقل عن النقاش نزولها في عام الحديبية " سنة 6 " فأتبعه بالنقل عن ابن العربي: بأن هذا حديث موضوع لا يحل لمسلم اعتقاده. إلى أن قال: ومن هذه السورة ما نزل في حجة الوداع ومنها ما نزل عام الفتح وهو قوله تعالى: لا يجر منكم شنآن قوم. الآية. وكل ما نزل بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم فهو مدني، سواء نزل بالمدينة أو في سفر من الأسفار، إنما يرسم بالمكي ما نزل قبل الهجرة.
وقال الخازن في تفسيره 1 ص 448: سورة المائدة نزلت بالمدينة إلا قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم. فإنها نزلت بعرفة في حجة الوداع. وأخرجا " القرطبي والخازن " عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله في حجة الوداع: إن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا.
وقال السيوطي في الاتقان 1 ص 20 عن محمد بن كعب من طريق أبي عبيد: أن سورة المائدة نزلت في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة. وفي ج 1 ص 11 عن فضايل القرآن لابن الضريس عن محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن عمرو بن هارون عن
وبهذه كلها تعرف قيمة ما رواه القرطبي في تفسيره 6 ص 244، وذكره السيوطي في لباب النقول ص 117 من طريق ابن مردويه الطبراني عن ابن عباس من أن أبا طالب كان يرسل كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسون النبي حتى نزلت هذه الآية: والله يعصمك من الناس. فأراد أن يرسل معه من يحرسه فقال: يا عم؟ إن الله عصمني من الجن والأنس. فإنه يستدعي أن تكون الآية مكية وهو أضعف من أن يقاوم الأحاديث المتقدمة والاجماع الآنف ونصوص المفسرين.
* (ذيل في المقام) *
قال القرطبي في تفسيره 6 ص 242 في قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك: هذا تأديب للنبي صلى الله عليه وسلم وتأديب لحملة العلم من أمته ألا يكتموا شيئا من أمر شريعته وقد علم الله تعالى من أمر نبيه أنه لا يكتم شيئا من وحيه، وفي صحيح مسلم عن مسروق عن عايشة أنها قالت: من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي فقد كذب، والله تعالى يقول: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل. الآية. وقبح الله الروافض حيث قالوا: إنه عليه السلام كتم شيئا مما أوحى الله إليه كان بالناس حاجة إليه. ا ه. وزاد القسطلاني في فتح الباري 7 ص 101 ضغثا على ابالة فقال: قالت الشيعة:
إنه قد كتم أشياء على سبيل التقية.
وليتهما أوعزا إلى مصدر هذه الفرية على الشيعة من عالم ذكرها، أو مؤلف تضمنها، أو فرقة تنتحلها، نعم: لم يجدا شيئا من ذلك بل حسبا أنهما مصدقان في كل ما ينبزان به أمة من الأمم على أي حال، أو إنه ليس للشيعة تآليف محتوية على معتقداتهم هي مقائيس في كل ما يعزى إليهم، أو إن جيلهم المستقبل لا ينتج رجالا يناقشون المفترين الحساب، فمن هنا وهنا راقهما تشويه سمعة الشيعة كما راق غيرهم: فتحروا الوقيعة
أللهم؟ إن كانا الرجلان يمعنان النظر في أقاويل أصحابهم المقولة في الآية الكريمة من الوجوه العشرة التي ذكرها الرازي لوقفا على قائل ما قذفا الشيعة به فإن منهم من يقول: إن الآية نزلت في الجهاد فإنه صلى الله عليه وآله كان يمسك أحيانا من حث المنافقين على الجهاد. وآخر منهم يقول: إنها نزلت لما سكت النبي عن عيب آلهة الثنويين. وثالث يقول: كتم آية التخيير عن أزواجه كما مر ص 225 فنزول الآية على هذه الوجوه ينبأ عن قعود النبي عما أرسل إليه. حاشا نبي العظمة والقداسة.
إكمال الدين بالولاية
ومن الآيات النازلة يوم الغدير في أمير المؤمنين عليه السلام قوله تعالى:
أصفقت الإمامية عن بكرة أبيهم على نزول هذه الآية الكريمة حول نص الغدير بعد إصحار النبي صلى الله عليه وآله بولاية مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بألفاظ دريه صريحة، فتضمن نصا جليا عرفته الصحابة وفهمته العرب فاحتج به من بلغه الخبر، وصافق الإمامية على ذلك كثيرون من علماء التفسير وأئمة الحديث وحفظة الآثار من أهل السنة، وهو الذي يساعده الاعتبار ويؤكده النقل الثابت في تفسير الرازي 3 ص 529 عن أصحاب الآثار: إنه لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم لم يعمر بعد نزولها إلا أحدا وثمانين يوما. أو: اثنين وثمانين، وعينه أبو السعود في تفسيره بهامش تفسير الرازي 3 ص 523، وذكر المؤرخون منهم (1): أن وفاته صلى الله عليه وآله في الثاني عشر من ربيع الأول، وكأن فيه تسامحا بزيادة يوم واحد على الاثنين وثمانين يوما بعد إخراج يومي الغدير والوفات، وعلى أي فهو أقرب إلى الحقيقة من كون نزولها يوم عرفة كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما لزيادة الأيام حينئذ، على أن ذلك معتضد بنصوص كثيرة لا محيص عن الخضوع لمفادها، فإلى الملتقى:
1 - الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى 310، روى في كتاب الولاية بإسناده عن زيد بن أرقم نزول الآية الكريمة يوم غدير خم في أمير المؤمنين عليه السلام في الحديث الذي مر ص 215.
____________
(1) راجع تأريخ الكامل 2 ص 134، وإمتاع المقريزي ص 548، وتاريخ ابن كثير 6 ص 332 وعده مشهورا، والسيرة الحلبية 3 ص 382.
وقال السيوطي في الدر المنثور 2 ص 259: أخرج ابن مردويه وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم. و أخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر بسند ضعيف (1) عن أبي هريرة قال: لما كان غدير خم وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه فأنزل الله: اليوم أكملت لكم دينكم. وروى عنه في الاتقان ج 1 ص 31 " ط سنة 1360 " بطريقيه.
وذكر البدخشي في " مفتاح النجا " عن عبد الرزاق الرسعني عن ابن عباس ما مر ص 220 ثم قال: وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مثله، و وفي آخره فنزلت: اليوم أكملت لكم دينكم. الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي بن أبي طالب.
ونقله بهذا اللفظ عن تفسيره الأربلي في " كشف الغمة " ص 95.
وقال القطيفي في الفرقة الناجية: روى أبو بكر ابن مردويه الحافظ بإسناده إلى أبي سعيد الخدري: إن النبي صلى الله عليه وآله يوم دعا الناس إلى غدير خم أمر بما كان تحت الشجرة من شوك فقم وذلك يوم الخميس ودعا الناس إلى علي فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبط رسول الله، فلم يفترقا حتى نزلت هذه الآية:
اليوم أكملت لكم دينكم. الآية. فقال. إلى آخر ما يأتي عن أبي نعيم الاصبهاني حرفيا.
3 - الحافظ أبو نعيم الاصبهاني المتوفى 430، روى في كتابه " ما نزل من القرآن
____________
(1) ستعرف صحته في صوم الغدير وإن تضعيفه تحكم والحديث واضح ورجال إسناده كلهم ثقات.
حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثني يحيى الحماني قال: حدثني قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى علي في غدير خم أمر بما تحت الشجرة من الشوك فقم وذلك يوم الخميس فدعا عليا فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم. الآية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، وبالولاية لعلي عليه السلام من بعدي. ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله. فقال حسان: إئذن لي يا رسول الله؟
أن أقول في علي أبياتا تسمعهن. فقال: قل على بركة الله. فقام حسان فقال: يا معشر مشيخة قريش؟ أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية. ثم قال:
وبهذا اللفظ رواه الشيخ التابعي سليم بن قيس الهلالي في كتابه عن أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله دعا الناس بغدير خم فأمر بما كان تحت الشجر من الشوك فقم، وكان ذلك يوم الخميس، ثم دعا الناس إليه وأخذ بضبع علي بن أبي طالب فرفعها حتى نظرت إلى بياض إبط رسول الله: الحديث بلفظه.
4 - الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفى 463، روى في تاريخه 8 ص 290 عن عبد الله بن علي بن محمد بن بشران عن الحافظ علي بن عمر الدارقطني، عن حبشون الخلال، عن علي بن سعيد الرملي عن ضمرة عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن ابن حوشب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
5 - الحافظ أبو سعيد السجستاني المتوفى 477، في كتاب الولاية بإسناده عن يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي عن قيس بن الربيع عن أبي هارون عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا الناس بغدير خم أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقم وذلك يوم الخميس. إلى آخر اللفظ المذكور بطريق أبي نعيم الاصبهاني.
6 - أبو الحسن ابن المغازلي الشافعي المتوفى 483، روى في مناقبه عن أبي بكر أحمد بن محمد بن طاوان قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن الحسين بن السماك قال:
حدثني أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، حدثني علي بن سعيد بن قتيبة الرملي قال: حدثني ضمرة بن ربيعة القرشي عن ابن شوذب عن مطر الوراق عن شهر بن حوشب بن أبي هريرة. إلى آخر اللفظ المذكور بطريق الخطيب البغدادي (العمدة ص 52) وذكره جمع آخرون.
7 - الحافظ أبو القاسم الحاكم الحسكاني (المترجم ص 112) قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي، قال: أخبرنا أبو بكر الجرجاني. قال: حدثنا أبو أحمد البصري، قال:
حدثنا أحمد بن عمار بن خالد، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال: حدثنا قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم. قال: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، وولاية علي بن أبي طالب من بعدي. وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
8 - الحافظ أبو القاسم بن عساكر الشافعي الدمشقي المتوفى 571، روى الحديث
9 - أخطب الخطباء الخوارزمي المتوفى 568، قال في المناقب ص 80: أخبرنا سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي فيما كتب إلي من همدان:
أخبرني أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة، حدثني عبد الله بن إسحاق البغوي، حدثني الحسن بن عليل الغنوي، حدثني محمد بن عبد الرحمن الزراع، حدثني قيس بن حفص، حدثني علي بن الحسن العبدي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري إنه قال: إن النبي صلى الله عليه وآله يوم دعا الناس إلى غدير خم أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقم وذلك يوم الخميس، ثم دعا الناس إلى علي فأخذ بضبعه فرفعها حتى نظر الناس إلى إبطيه (1) حتى نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم.
الآية إلى آخر الحديث بلفظ مر بطريق أبي نعيم الاصفهاني.
وروى في المناقب ص 94 بالإسناد عن الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي، عن الحافظ أبي عبد الله الحاكم، عن أبي يعلى الزبير بن عبد الله الثوري، عن أبي جعفر أحمد بن عبد الله البزاز، عن علي بن سعيد الرملي، عن ضمرة عن ابن شوذب عن مطر الوراق. إلى آخر ما مر عن الخطيب البغدادي سندا ومتنا.
10 - أبو الفتح النطنزي، روى في كتابه " الخصايص العلوية " عن أبي سعيد الخدري بلفظ مر ص 43، وعن الخدري وجابر الأنصاري أنهما قالا: لما نزلت: اليوم أكملت لكم دينكم. الآية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، وولاية علي بن أبي طالب بعدي.
وفي الخصايص بإسناده عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام قالا: نزلت هذه الآية (يعني آية التبليغ) يوم الغدير. وفيه نزلت: اليوم أكملت لكم دينكم. قال:
وقال الصادق عليه السلام: أي: اليوم أكملت لكم دينكم بإقامة حافظه، وأتممت عليكم نعمتي أي: بولايتنا، ورضيت لكم الاسلام دينا أي: تسليم النفس لأمرنا. وبإسناده في خصايصه أيضا عن أبي هريرة حديث صوم الغدير بلفظ مر بطريق الخطيب البغدادي و
____________
(1) في فرايد السمطين نقلا عن الخوارزمي: ثم لم يتفرقا حتى نزلت، وفي لفظه الآخر عنه:
ثم لم يتفرقوا حتى نزلت. مثل لفظ أبي نعيم.
11 - أبو حامد سعد الدين الصالحاني، قال شهاب الدين أحمد في - توضيح الدلايل على ترجيح الفضايل -: وبالاسناد المذكور عن مجاهد رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية اليوم أكملت لكم. بغدير خم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وبارك وسلم: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي.
رواه الصالحاني (1).
12 - أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي البغدادي المتوفى 654، ذكر في تذكرته ص 18 ما أخرجه الخطيب البغدادي المذكور ص 232 من طريق الحافظ الدارقطني.
13 - شيخ الاسلام الحمويني الحنفي المتوفى 722، روى في " فرايد السمطين " في الباب الثاني عشر قال: أنبأني الشيخ تاج الدين أبو طالب علي بن الحب بن عثمان ابن عبد الله الخازن، قال: أنبأ الإمام برهان الدين ناصر بن أبي المكارم المطرزي إجازة قال: أنبأ الإمام أخطب خوارزم أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي قال: أخبرني سيد الحفاظ فيما كتب إلي من همدان. إلى آخر ما مر عن أخطب الخطباء الخوارزمي سندا ومتنا.
وروى عن سيد الحفاظ أبي منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد المعري الحافظ قال: نبأ أحمد بن عبد الله ابن أحمد قال: نبأ محمد بن أحمد قال: نبأ محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: نبأ يحيى الحماني قال: نبأ قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى علي. إلى آخر الحديث بلفظ مر بطريق أبي نعيم ص 232 ثم قال: حديث له طرق كثيرة إلى أبي سعيد سعد بن مالك الخدري الأنصاري.
____________
(1) قال شهاب الدين في توضيح دلايله: قال الإمام العالم الأديب الأريب، المحلى بسجايا المكارم الملقب بين الأجلة الأئمة الأعلام بمحيي السنة وناصر الحديث ومجدد الاسلام العالم الرباني والعارف السبحاني سعد الدين أبو حامد محمود بن محمد بن حسين بن يحيى الصالحاني في عباراته الفائقة و إشاراته الرائقة من كتاب شكر الله تعالى مسعاه وأكرم بفضله مثواه. الخ.
إن الآية نزلت يوم غدير خم في علي. وروى في تاريخه 5 ص 210 حديث أبي هريرة المذكور بطريق الخطيب البغدادي. وله هناك كلام يأتي بيانه في صوم الغدير.
15 - جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفى 911، رواه في " الدر المنثور " 2 ص 259 من طريق ابن مردويه والخطيب وابن عساكر بلفظ مر في رواية ابن مردويه.
وقال في الاتقان 1 ص 31 في عد الآيات السفرية: منها اليوم أكملت لكم دينكم. في الصحيح عن عمر أنها نزلت عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع، له طرق كثيرة لكن أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري: أنها نزلت يوم غدير خم، وأخرج مثله من حديث أبي هريرة وفيه: إنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة مرجعه من حجة الوداع. وكلاهما لا يصح. ا ه.
* (قلنا) *:
إن كان مراده من عدم الصحة غميزة في الاسناد ففيه أن رواية أبي هريرة صحيحة الاسناد عند أساتذة الفن، منصوص على رجالها بالتوثيق، وسنفصل ذلك عند ذكر صوم الغدير، وحديث أبي سعيد له طرق كثيرة كما مر في كلام الحمويني في فرائده. على أن الرواية لم تختص بأبي سعيد وأبي هريرة فقد عرفت أنها رواها جابر بن عبد الله، والمفسر التابعي مجاهد المكي، والإمامان الباقر والصادق صلوات الله عليهما، وأسند إليهم العلماء مخبتين إليها.
كما إنها لم تختص روايتها من العلماء وحفاظ الحديث بابن مردويه وقد سمعت عن السيوطي نفسه في دره المنثور رواية الخطيب وابن عساكر، وعرفت أن هناك جمعا آخرين أخرجوها بأسانيدهم وفيها مثل الحاكم النيسابوري، والحافظ البيهقي، والحافظ ابن أبي شيبة، والحافظ الدارقطني، والحافظ الديلمي، والحافظ الحداد وغيرهم. كل ذلك من دون غمز فيها عن أي منهم.
وإن كان يريد عدم الصحة من ناحية معارضتها لما روي من نزول الآية يوم عرفة فهو مجازف في الحكم البات بالبطلان على أحد الجانبين، وهب أنه ترجح في نظره الجانب الآخر لكنه لا يستدعي الحكم القطعي ببطلان هذا الجانب كما هو الشأن
على أن حديث نزولها يوم الغدير معتضد بما قدمناه عن الرازي وأبي السعود وغيرهما من أن النبي صلى الله عليه وآله لم يعمر بعد نزولها إلا أحدا أو اثنين وثمانين يوما. فراجع ص 230، والسيوطي في تحكمه هذا قلد ابن كثير فإنه قال في تفسيره 2 ص 14 بعد ذكر الحديث بطريقيه: لا يصلح لا هذا ولا هذا. فالبادي أظلم.
16 - ميرزا محمد البدخشي، ذكر في " مفتاح النجا " ما أخرجه ابن مردويه كما مر في ص 231.
وبعد هذا كله فإن تعجب فعجب قول الآلوسي في روح المعاني 2 ص 249:
أخرج الشيعة عن أبي سعيد الخدري أن هذه الآية نزلت بعد أن قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه في غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه. فلما نزلت قال عليه الصلاة والسلام: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، وولاية علي كرم الله تعالى وجهه بعدي. ولا يخفى أن هذا من مفترياتهم، وركاكة الخبر شاهد على ذلك في مبتدأ الأمر. ا ه.
ونحن لا نحتمل أن الآلوسي لم يقف على طرق الحديث ورواته حتى حداه الجهل الشائن إلى عزو الرواية إلى الشيعة فحسب، لكن بواعثه دعته إلى التمويه والجلبة أمام تلك الحقيقة الراهنة، وهو لا يحسب أن ورائه من يناقشه الحساب بعد الاطلاع على كتب أهل السنة ورواياتهم.
ألا مسائل هذا الرجل عن تخصيصه الرواية بالشيعة؟ وقد عرفت من رواها من أئمة الحديث وقادة التفسير وحملة التاريخ من غيرهم. ثم عن حصره إسناد الحديث بأبي سعيد؟ وقد مضت رواية أبي هريرة وجابر بن عبد الله ومجاهد والإمامين الباقر والصادق عليهما السلام له. ثم عن الركاكة التي حسبها في الحديث وجعلها شاهدا على كونه من مفتريات الشيعة أهي في لفظه؟ ولا يعدوه أن يكون لدة ساير الأحاديث المروية وهو خال عن أي تعقيد، أو ضعف في الأسلوب، أو تكلف في البيان، أو تنافر
غير أن الناصب مع ذلك يتيه في غلوائه، ويجاثيك على العناد فيقول: أخرج الشيعة إلخ. ولا يخفى أن هذا من مفترياتهم. إلخ. وبوسعنا الآن أن نسرد لك الأحاديث الركيكة التي شحن بها كتابه الضخم حتى يميز الناقد المنصف الركيك من غيره لكنا نمر عليها كراما.
العذاب الواقع
ومن الآيات النازلة بعد نص الغدير قوله تعالى من سورة المعارج:
وقد أذعنت به الشيعة وجاء مثبتا في كتب التفسير والحديث لمن لا يستهان بهم من علماء أهل السنة ودونك نصوصها:
1 - الحافظ أبو عبيد الهروي المتوفى بمكة 223 / 4 " المترجم ص 86 " روى في تفسيره غريب القرآن قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم غدير خم ما بلغ، وشاع ذلك في البلاد أتى جابر (1) بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري. فقال: يا محمد؟ أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وبالصلاة والصوم والحج والزكاة فقبلنا منك ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه. فهذا شئ منك أم من الله؟ فقال رسول الله: والذي لا إله إلا هو أن هذا من الله. فولى جابر يريد راحلته وهو يقول: أللهم؟ إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله وأنزل الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع. الآية.
2 - أبو بكر النقاش الموصلي البغدادي المتوفى 351 (المترجم ص 104) روى في تفسيره " شفاء الصدور " حديث أبي عبيد المذكور إلا أن فيه مكان جابر بن النضر:
____________
(1) في رواية الثعلبي الآتية التي أصفق العلماء على نقلها أسمته: الحارث بن النعمان الفهري ولا يبعد صحة ما في هذه الرواية من كونه (جابر بن النضر) حيث أن جابرا قتل أمير المؤمنين عليه السلام والده: النضر صبرا بأمر من رسول الله لما أسر يوم بدر الكبرى كما يأتي ص 241 و كانت الناس يومئذ حديثي عهد بالكفر، ومن جراء ذلك كانت البغضاء محتدمتا بينهم على الأوتار الجاهلية.
3 - أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري المتوفى 427 / 37، قال في تفسيره (الكشف والبيان): إن سفيان بن عيينة سئل عن قوله عز وجل: سأل سائل بعذاب واقع فيمن نزلت؟ فقال للسائل (1) سألتني عن مسألة ما سألني أحد قبلك. حدثني أبي عن جعفر ابن محمد عن آبائه صلوات الله عليهم قال: لما كان رسول الله بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. فشاع ذلك وطار في البلاد فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له حتى أتى الأبطح (2) فنزل عن ناقته فأناخها فقال: يا محمد؟ أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله فقبلناه، وأمرتنا أن نصلي خمسا فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم شهرا فقبلنا، وأمرتنا بالحج فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه. فهذا شئ منك أم من الله عز وجل؟ فقال: والذي لا إله إلا هو أن هذا من الله. فولى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: أللهم؟ إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فما وصل إليها حتى رماه الله تعالى بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله وأنزل الله عز وجل: سأل سائل بعذاب واقع. الآيات.
4 - الحاكم أبو القاسم الحسكاني " المترجم ص 112 " روى في كتاب - دعاة الهداة إلى أداء حق الموالاة - فقال: قرأت على أبي بكر محمد بن محمد الصيدلاني فأقر به، حدثكم أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني، حدثنا عبد الرحمن بن الحسين الأسدي، حدثنا إبراهيم بن الحسين الكسائي (ابن ديزيل)، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سفيان بن سعيد (الثوري)، حدثنا منصور (3) عن ربعي * عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي عليه السلام: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. قال النعمان
____________
(1) في رواية فرات بن إبراهيم الكوفي في تفسيره والكراجكي في كنز الفوائد: أن السائل هو: الحسين بن محمد الخارقي.
(2) يأتي الكلام فيه بأبسط وجه إنشاء الله تعالى.
(3) منصور بن المعتمر بن ربيعة الكوفي، يروى عن ربعي بن حراش، مجمع على ثقته توفي 132، ذكره الذهبي في تذكرته 1 ص 127 وأثنى عليه بالامام الحافظ الحجة. * راجع ص 241 -
=>