م 2 - بكر بن سوادة يروي عن قيس حديثا في الملاهي كما في " السنن الكبرى " للبيهقي 10: 222].
3 - ثعلبة بن أبي مالك القرظي.
4 - عامر بن شراحيل الشعبي المتوفى 104.
5 - عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري خاصة أمير المؤمنين وصاحب رايته يوم الجمل، ضربه الحجاج حتى اسود كتفاه على سب علي فما فعل، كان أصحاب رسول الله يسمعون لحديثه، وينصتون له، قال عبد الله بن حارث: ما ظننت أن النساء ولدن مثله.
ووثقه ابن معين والعجلي وغيرهما توفي 81 / 2 / 3 / 6، ترجمه ابن خلكان 1 ص 296 وكثير من أرباب المعاجم.
5 - عبد الله بن مالك الجيشاني المتوفى 77، ترجمه ابن حجر في تهذيبه 5 ص 380، وحكى عن جمع ثقته، وعن مرثد: كان أعبد أهل مصر، يروي عن أمير المؤمنين وعمر وأبي ذر ومعاذ بن جبل وعقبة.
6 - أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني.
7 - أبو عمار عريب بن حميد الهمداني. يروي عن أمير المؤمنين وحذيفة وعمار وأبي ميسرة، وثقه أحمد وغيره، راجع تهذيب التهذيب 7 ص 191.
8 - أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي المتوفى 63، أثنى عليه شيخنا الشهيد الثاني في درايته وقال: تابعي فاضل من أصحاب محمد بن مسعود. وترجمه ابن حجر في الإصابة 3 ص 114، وفي تهذيبه 8 ص 47 وقال: ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان من العباد وكانت ركبته كركبة البعير من كثرة الصلاة.
م 9 - عمرو بن الوليد السهمي المصري المتوفى سنة 103 مولى عمرو بن العاص، يروي عن جمع من الصحابة منهم: المترجم له (قيس) كما في تهذيب التهذيب 8 ص 116، ومن أحاديثه عنه حديث في الملاهي أخرجه من طريقه البيهقي في " السنن " 10: 222].
10 - أبو نصر ميمون بن أبي شبيب الربعي الكوفي المتوفى 83 ويقال: الرقي يروي عن أمير المؤمنين وعمر ومعاذ بن جبل وأبي ذر والمقداد وابن مسعود، ترجمه
11 - هزيل بن شرجيل الأزدي الكوفي. كما في حلية الأولياء 5 ص 24، والإصابة 3 ص 620.
م 12 - الوليد بن عبدة [بفتح الباء) مولى عمرو بن العاص، يروي عن المترجم له كما في تهذيب ابن حجر ج 11 ص 141، ولعله عمرو بن الوليد المذكور كما يظهر من كلام الدار قطني].
13 - أبو نجيع يسار الثقفي المكي المتوفى 109، حكى ابن حجر في تهذيبه عن جمع ثقته، وروى ابن الأثير في أسد الغابة 4 ص 215 عنه عن قيس عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: لو كان العلم متعلقا بالثريا لنا له ناس من فارس. م - وأخرجه أبو بكر الشيرازي المتوفى 407 في " الألقاب " كما في " تبييض الصحيفة " ص 4].
* (معاوية وقيس) *
ذكر غير واحد من رجال التاريخ في معاجمهم (1): إنه لما قرب يوم صفين خاف معاوية على نفسه أن يأتيه علي بأهل العراق، وقيس بأهل مصر، فيقع بينهما ففكر في استدراج قيس واختداعه فكتب إليه: أما بعد: فإنكم إن كنتم نقمتم على عثمان في أثرة رأيتموها، أو ضربة سوط ضربها، أو في شتمه رجلا، أو تسييره أحدا، أو في استعماله الفتيان من أهله، فقد علمتم أن دمه لم يحل لكم بذلك، فقد ركبتم عظيما من الأمر، وجئتم شيئا إدا، فتب يا قيس إلى ربك إن كنت من المجلبين على عثمان إن كانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئا، فأما صاحبك فإنا استيقنا أنه الذي أغرى الناس وحملهم حتى قتلوه، وإنه لم يسلم من دمه عظيم قومك فإن استطعت أن تكون ممن يطلب بدم عثمان؟ فبايعنا على علي في أمرنا، ولك سلطان العراقين إن أنا ظفرت ما بقيت، ولمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان، وسلني غير هذا ما تحب
فكتب إليه قيس:
____________
(1) ذكره الطبري في تاريخه 5 ص 288، وابن الأثير في كامله 3 ص 107، وابن أبي الحديد في شرح النهج 2 ص 23 نقلا عن كتاب الغارات لإبراهيم الثقفي المتوفى 283
فكتب إليه معاوية:
أما بعد: فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنو فأعدك سلما، ولم أرك تتباعد فأعدك حربا، أراك كحبل الجزور، وليس مثلي يصانع بالخداع، ولا يخدع بالمكايد، ومعه عدد الرجال، وبيده أعنة الخيل، فإن قبلت الذي عرضت عليك فلك ما أعطيتك، وإن أنت لم تفعل ملأت عليك خيلا ورجلا، والسلام.
فكتب إليه قيس:
أما بعد: فالعجب من استسقاطك رأيي والطمع في أن تسومني - لا أبا لغيرك - الخروج عن طاعة أولى الناس بالأمر، وأقولهم للحق، وأهداهم سبيلا، وأقربهم من رسول الله وسيلة، وتأمرني بالدخول في طاعتك طاعة أبعد الناس من هذا الأمر، وأقولهم للزور، وأضلهم سبيلا، وأبعدهم من رسول الله وسيلة، ولديك قوم ضالون مضلون، طاغوت من طواغيت إبليس، وأما قولك: إنك تملأ علي مصر خيلا ورجلا فلئن لم أشغلك عن ذلك حتى يكون منك إنك لذو جد، والسلام.
وفي لفظ الطبري: فوالله إن لم أشغلك بنفسك حتى تكون نفسك أهم إليك، إنك لذو جد.
فلما آيس معاوية منه كتب إليه: (1)
أما بعد: فإنك يهودي ابن يهودي، إن ظفر أحب الفريقين إليك عزلك، واستبدل بك، وإن ظفر أبغضهما إليك قتلك، ونكل بك وكان أبوك وترقوسه، ورمى عير غرضه،
____________
(1) من هنا كلام الجاحظ في " البيان والتبيين " 2 ص 68 والكتب المذكورة توجد في تعليق البيان ص 2 ص 48.
والسلام.
فكتب إليه قيس:
أما بعد: فإنما أنت وثن ابن وثن، دخلت في الاسلام كرها، وخرجت منه طوعا، لم يقدم إيمانك، ولم يحدث نفاقك، وقد كان أبي وترقوسه، ورمى غرضه، وشغب عليه من لم يبلغ كعبه، ولم يشق غباره، ونحن أنصار الدين الذين خرجت منه، وأعداء الدين الذي دخلت فيه. والسلام.
راجع كامل المبرد 1 ص 309، البيان والتبيين 2 ص 68، تاريخ اليعقوبي 2 ص 163، عيون الأخبار لابن قتيبة 2 ص 213، مروج الذهب 2 ص 62، مناقب الخوارزمي ص 173، شرح ابن أبي الحديد 4 ص 15.
لفظ الجاحظ في كتاب التاج ص 109:
كتب قيس إلى معاوية: يا وثن ابن وثن؟ تكتب إلي تدعوني إلى مفارقة علي ابن أبي طالب، والدخول في طاعتك، وتخوفني بتفرق أصحابه عنه، وإقبال الناس عليك وإجفالهم إليك، فوالله الذي لا إله غيره لو لم يبق له غيري، ولم يبق لي غيره، ما سالمتك أبدا وأنت حربه، ولا دخلت في طاعتك وأنت عدوه، ولا اخترت عدو الله على وليه، ولا حزب الشيطان على حزب الله. والسلام.
كتاب مفتعل
فلما آيس معاوية من قيس أن يتابعه على أمره، شق عليه ذلك، وثقل عليه مكانه، لما كان يعرف من حزمه وبأسه، ولم تنجع حيلة فيه تكاده من قبل علي فقال لأهل الشام: إن قيسا قد تابعكم فادعوا الله له ولا تسبوه ولا تدعوا إلى غزوه فإنه لنا شيعة قد تأتينا كتبه ونصيحته سرا ألا ترون ما يفعل بإخوانكم الذين عنده من أهل (خربتا) يجري عليهم عطاياهم وأرزاقهم ويحسن إليهم. واختلق كتابا ونسبه إلى قيس فقرأه على أهل الشام وهو:
بسم الله الرحمن الرحيم. للأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد: سلام عليك، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإني لما نظرت لنفسي
فليس من البدع اختلاقه على قيس وهو يفتعل على سيده النبي الأطهر ما لم يقله، و على أمير المؤمنين ما لم يكن، وعلى سروات المجد من بني هاشم الأطيبين ماهم عنه بعداء. فهو مبتدع هذه الخزايات العايدة عليه وعلى لفيفه في عهد ملوكيته المظلم، وعلى هذا كان دينه وديدنه، ثم تمرنت رواة السوء من بعده على رواية الموضوعات وشاعت و كثرت إلى أن ألقت العلماء وحفظة الحديث في جهود متعبة بالتأليف في تمييز الموضوع من غيره، والخبيث من الطيب.
لم يزل معاوية دائبا على ذلك متهالكا فيه حتى كبر عليه الصغير، وشاخ الكهل وهرم الكبير، فتداخل بغض أهل البيت عليهم السلام في قلوب ران عليها ذلك التمويه، فتسنى له لعن أمير المؤمنين عليه السلام وسبه في أعقاب الصلوات في الجمعة والجماعات
____________
(1) تاريخ الطبري 5 ص 229، كامل ابن الأثير 3 ص 117، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 24.
(2) شرح ابن أبي الحديد 1 ص 361.
لما مات الحسن بن علي عليهما السلام حج معاوية فدخل المدينة وأراد أن يلعن عليا على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله فقيل له: إن ههنا سعد بن أبي وقاص ولا نراه يرضى بهذا فابعث إليه وخذ رأيه. فأرسل إليه ذكر له ذلك فقال: إن فعلت لأخرجن من المسجد ثم لا أعود إليه. فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد فلما مات لعنه على المنبر وكتب إلى عماله: أن يلعنوه على المنابر. ففعلوا فكتبت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله إلى معاوية: إنكم تعلنون الله ورسوله على منابركم وذلك إنكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبه وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله.
فلم يلتفت إلى كلامها (1).
قال الجاحظ في كتاب الرد على الإمامية: إن معاوية كان يقول في آخر خطبته:
أللهم إن أبا تراب ألحد في دينك. وصد عن سبيك، فالعنه لعنا وبيلا، وعذبه عذابا أليما. وكتب ذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات يشاد بها على المنابر إلى أيام عمر بن عبد العزيز. وإن قوما من بني أمية قالوا لمعاوية: يا أمير المؤمنين؟
إنك قد بلغت ما أملت فلو كففت عن هذا الرجل. فقال: لا والله حتى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلا.
وذكره ابن أبي الحديد في شرحه 1 ص 356.
قال الزمخشري في ربيع الأبرار على ما يعلق بالخاطر، والحافظ السيوطي: إنه كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب بما سنه لهم معاوية من ذلك. وفي ذلك يقول العلامة الشيخ أحمد الحفظي الشافعي في أرجوزته
____________
(1) العقد الفريد 2 ص 300.
وكان أمير المؤمنين يخبر بذلك كله ويقول: أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن (1) يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه ولن تقتلوه، ألا وإنه سيأمركم بسبي والبرائة مني. (نهج البلاغة).
ونحن لو بسطنا القول في المقام لخرج الكتاب عن وضعه إذ صحايف تاريخ معاوية السوداء ومن لف لفه من بني أمية إنما تعد بالآلاف لا بالعشرات والمئات.
* (الصلح بين قيس ومعاوية) *
أمرت شرطة الخميس قيس بن سعد على أنفسهم (وكان يعرف بصاحب شرطة الخميس كما في الكشي ص 72) وتعاهد هو معهم على قتال معاوية حتى يشترط لشيعة علي ولمن كان اتبعه على أموالهم ودمائهم وما أصابوا في الفتنة، فأرسل معاوية إلى قيس يقول: على طاعة من تقاتل؟ وقد بايعني الذي أعطيته طاعتك. فأبى قيس أن يلين له حتى أرسل إليه معاوية بسجل قد ختم عليه في أسفله وقال: اكتب في هذا ما شئت فهو لك. فقال عمرو بن العاص لمعاوية: لا تعطه هذا وقاتله. فقال معاوية:
على رسلك فإنا لا نخلص إلى قتلهم حتى يقتلوا أعدادهم من أهل الشام، فما خير العيش بعد ذلك؟ فإني والله لا أقاتله أبدا حتى لا أجد من قتاله بدا. فلما بعث إليه معاوية
____________
(1) مندحق البطن: واسعها. كان معاوية موصوفا بالنهم وكثرة الأكل.
(2) تاريخ الطبري 6 ص 94، كامل ابن الأثير 3 ص 163.
قال اليعقوبي في تاريخه 2 ص 192: بويع معاوية بالكوفة في ذي القعدة سنة 40 و أحضر الناس لبيعته، وكان الرجل يحضر فيقول: والله يا معاوية؟ إني لا بايعك وإني لكاره لك. فيقول: بايع فإن الله قد جعل في المكروه خيرا كثيرا، ويأتي الآخر فيقول:
أعوذ بالله من نفسك. وأتاه قيس بن سعد بن عبادة، فقال: بايع قيس. قال: إني كنت لأكره مثل هذ اليوم يا معاوية؟ فقال له: مه رحمك الله. فقال: لقد حرصت أن أفرق بين روحك وجسدك قبل ذلك فأبى الله يا بن أبي سفيان إلا ما أحب. قال: فلا يرد أمر الله.
قال: فأقبل قيس على الناس بوجهه فقال:
يا معشر الناس؟ لقد اعتضتم الشر من الخير، واستبدلتم الذل من العز، و الكفر من الإيمان، فأصبحتم بعد ولاية أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وابن عم رسول رب العالمين، وقد وليكم الطليق ابن الطليق، يسومكم الخسف، ويسير فيكم بالعسف، فكيف تجهل ذلك أنفسكم؟ أم طبع الله على قلوبكم وأنتم لا تعقلون؟.
فجثا معاوية على ركبته ثم أخذ بيده وقال: أقسمت عليك ثم صفق على كفه ونادى الناس: بايع قيس. فقال: كذبتم والله ما بايعت. ولم يبايع لمعاوية أحد إلا أخذ عليه الإيمان، فكان أول من استحلف على بيعته.
____________
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الجديد 4 ص 17.
* (قيس ومعاوية في المدينة) *
دخل قيس بن سعد بعد وقوع الصلح في جماعة من الأنصار على معاوية فقال لهم معاوية: يا معشر الأنصار؟ بم تطلبون ما قبلي؟ فوالله لقد كنتم قليلا معي كثيرا علي، ولفللتم حدي يوم صفين حتى رأيت المنايا تلظى في أسنتكم، وهجوتموني في أسلافي بأشد من وقع الأسنة، حتى إذا أقام الله ما حاولتم ميله، قلتم: ارع وصية رسول الله صلى الله عليه وآله. هيهات يأبى الحقين العذرة.
فقال قيس: نطلب ما قبلك بالاسلام الكافي به الله لا بما نمت به إليك الأحزاب، وأما عداوتنا لك فلو شئت كففتها عنك، وأما هجاونا إياك فقول يزول باطنه ويثبت حقه، وأما استقامة الأمر فعلى كره كان منا، وأما فللنا حدك يوم صفين فإنا كنا مع رجل نرى طاعة الله طاعته، وأما وصية رسول الله بنا فمن آمن به رعاها بعده، وأما قولك: يأبى الحقين العذرة. فليس دون الله يد تحجزك منا يا معاوية؟ فدونك أمرك يا معاوية؟ فإنما مثلك كما قال الشاعر:
فقال معاوية يموه: إرفعوا حوائجكم.
العقد الفريد 2 ص 121، مروج الذهب 2 ص 63، الإمتاع والمؤانسة 3 ص 170.
* (بيان) * قول معاوية: يأبى الحقين العذرة. مثل ساير، أصله: أن رجلا نزل بقوم فاستسقاهم لبنا فاعتلوا عليه وزعموا أن لا لبن عندهم، وكان اللبن محقونا في وطاب
* (قيس ومعاوية في المدينة) *
روى التابعي الكبير أبو صادق سليم بن قيس الهلالي في كتابه قال: قدم معاوية حاجا في أيام خلافته بعد ما مات الحسن بن علي عليها السلام فاستقبله أهل المدينة فنظر فإذا الذين استقبلوه عامهم قريش فالتفت معاوية إلى قيس بن سعد بن عبادة فقال:
ما فعلت الأنصار، وما بالها ما تستقبلني؟؟!! فقيل: إنهم محتاجون ليس لهم دواب.
فقال معاوية: فأين نواضحهم؟ فقال قيس بن سعد: أفنوها يوم بدر واحد وما بعدهما من مشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله حين ضربوك وأباك على الاسلام حتى ظهر أمر الله وأنتم كارهون. فقال معاوية: أللهم اغفر. فقال قيس: أما إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: سترون بعدي أثرة. فقال معاوية: فما أمركم به؟ قال أمرنا أن نصبر حتى نلقاه. قال: فاصبروا حتى تلقونه.
ثم قال يا معاوية: تعيرنا بنواضحنا؟ والله لقد لقيناكم عليها يوم بدر وأنتم جاهدون على إطفاء نور الله، وأن تكون كلمة الشيطان هي العليا، ثم دخلت أنت وأبوك كرها في الاسلام الذي ضربناكم عليه. فقال معاوية: كأنك تمن علينا بنصرتكم إيانا فلله ولقريش بذلك المن والطول. ألستم تمنون علينا يا معشر الأنصار بنصرتكم رسول الله وهو من قريش وهو ابن عمنا ومنا، فلنا المن والطول إن جعلكم الله أنصارنا وأتباعنا فهداكم بنا. فقال قيس.
إن الله بعث محمد صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين فبعثه إلى الناس كافة، وإلى الجن والإنس والأحمر والأسود والأبيض اختاره لنبوته، واختصه برسالته، فكان أول من صدقه وآمن به ابن عمه علي بن أبي طالب عليه السلام وأبو طالب يذب عنه ويمنعه ويحول بين كفار قريش وبين أن يردعوه أو يؤذوه وأمره أن يبلغ رسالة ربه، فلم يزل ممنوعا من الضيم والأذى حتى مات عمه أبو طالب وأمر ابنه بموازرته فوازره ونصره، وجعل نفسه دونه في كل شديدة وكل ضيق وكل خوف، واختص الله بذلك
وقال: منهم: جعفر بن أبي طالب الطيار في الجنة بجناحين اختصه الله بذلك من بين الناس. ومنهم: حمزة سيد الشهداء. ومنهم: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. فإذا وضعت من قريش رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته وعترته الطيبين فنحن والله خير منكم يا معشر قريش؟ وأحب إلى الله ورسوله وإلى أهل بيته منكم، لقد قبض رسول الله فاجتمعت الأنصار إلى أبي ثم قالوا: نبايع سعدا فجائت قريش فخاصمونا بحجة علي وأهل بيته، وخاصمونا بحقه وقرابته، فما يعدوا قريش أن يكونوا ظلموا الأنصار وظلموا آل محمد، ولعمري ما لأحد من الأنصار ولا لقريش ولا لأحد من العرب والعجم في الخلافة حق مع علي بن أبي طالب وولده من بعده.
فغضب معاوية وقال: يا بن سعد؟ عمن أخذت هذا؟ وعمن رويته؟ وعمن سمعته؟ أبوك أخبرك بذلك وعنه أخذته؟؟!! فقال قيس: سمعته وأخذته ممن هو خير من أبي وأعظم علي حقا من أبي. قال: من؟ قال: علي بن أبي طالب عالم هذه الأمة، وصديقها؟ الذي أنزل الله فيه: قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب - فلم يدع آية نزلت في علي إلا ذكرها - قال معاوية: فإن صديقها أبو بكر، وفاروقها عمر والذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام. قال قيس: أحق هذه الأسماء وأولى بها الذي أنزل الله فيه: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه، والذي نصبه رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم فقال: من كنت مولاه أولى به من نفسه
* (قيس في خلقته) *
إن للأشكال والهيئات دخلا في مواقع الأبهة والاكبار، فإنها هي التي تملأ العيون بادئ بدء، وهي أول ما تقع عليه النظر من الانسان قبل كل ما انحنت عليه أضالعه، من جاش رابط، وبطولة وبسالة، ودهاء وحزم، ولذلك قيل: إن للهيئة قسطا من الثمن، وهذا في الملوك والأمراء، وذوي الشئون الكبيرة آكد، فإن الرعية تتفرس في العظيم في جثته عظما في معنوياته، وتترسم منه كبر نفسياته، وشدة أمره، ونفوذ عزائمه، وترضخ له قبل الضئيل الذي يحسب أنه لا حول له ولا طول، وإنه يضعف دون إدارة الشئون طوقه وأوقه، ولذلك إن الله سبحانه لما عرف طالوت لبني إسرائيل ملكا عرفه بأنه أوتي بسطة في العلم والجسم، فبعلمه يدير شئون الشعب الدينية والمدنية. ويكون ما أوتي من البسطة في الجسم من مؤكدات الأبهة و الهيبة التي هي كقوة تنفيذية لمواد العلم وشئونه.
إن سيد الأنصار " قيس " لما لم يدع الله سبحانه شيئا من صفات الفضيلة ظاهرة وباطنة إلا وجمعه فيه من علم، وعمل، وهدى، وورع، وحزم، وسداد، وعقل، ورأي ودهاء، وذكاء، وإمارة، وحكومة، ورياسة وسياسة، وبسالة، وشهامة، وسخاء، و كرم، وعدل، وصلاح، لم يشأ يخليه عن هذه الخاصة المربية بمقام العظماء.
فقال شيخنا الديلمي في إرشاده 2 ص 325: إنه كان رجلا طوله ثمانية عشر شبرا في عرض خمسة أشبار، وكان أشد الناس في زمانه بعد أمير المؤمنين. وقال أبو الفرج:
كان قيس رجلا طوالا يركب الفرس المشرف ورجلاه يخطان في الأرض. ومر ص 77 عن المنذر بن الجارود أنه رآه في الزاوية على فرس أشقر تخط رجلاه في الأرض.
وقال أبو عمر والكشي في رجاله ص 73: كان قيس من العشرة الذين لحقهم النبي صلى الله عليه وآله
عد الثعالبي في " ثمار القلوب " ص 480 من الأمثال الدائرة والمضافات المعروفة والمنسوب السائر: سراويل قيس. وقال: إنه يضرب مثلا لثوب الرجل الضخم الطويل، وكان قيصر بعث إلى معاوية بعلج من علوج الروم طويل جسيم، معجبا بكمال خلقته و امتداد قامته، فعلم معاوية أنه ليس لمطاولته ومقاومته إلا قيس بن سعد بن عبادة فإنه كان أجسم الناس وأطولهم، فقال له يوما وعنده العلج: إذا أتيت رحلك فابعث إلي بسراويلك. فعلم قيس مراده فنزعها ورمى بها إلى العلج والناس ينظرون فلبسها العلج فطالت إلى صدره، فعجب الناس وأطرق الرومي مغلوبا، وليم قيس على ما فعل بحضرة معاوية فأنشد يقول:
ورواها ابن كثير في " البداية والنهاية " 8 ص 103 بتغيير فيها ثم قال: وفي رواية:
أن ملك الروم بعث إلى معاوية برجلين من جيشه يزعم أن أحدهما أقوى الروم والآخر أطول الروم: فانظر هل في قومك من يفوقهما في قوة هذا وطول هذا؟ فإن كان في قومك من يفوقهما بعثت إليك من الأسارى كذا وكذا ومن التحف كذا وكذا، وإن لم يكن في جيشك من هو أقوى وأطول منهما فهادني ثلاث سنين. فلما حضروا عند معاوية قال: من لهذا القوي؟ فقالوا: ما له إلا أحد رجلين إما محمد بن الحنفية أو عبد الله بن الزبير، فجيئ بمحمد بن الحنفية وهو ابن علي بن أبي طالب فلما اجتمع الناس عند معاوية قال له معاوية: أتعلم فيم أرسلت إليك؟ قال: لا. فذكر له أمر الرومي وشدة بأسه فقال للرومي: إما أن تجلس لي أو أجلس لك، وتناولني يدك أو أناولك يدي فأينا قدر
فقال له الرومي: بل اجلس أنت. فجلس محمد بن الحنفية وأعطى الرومي يده فاجتهد الرومي بكل ما يقدر عليه من القوة أن يزيله من مكانه أو يحركه ليقيمه فلم يقدر على ذلك ولا وجد إليه سبيلا، فغلب الرومي عند ذلك وظهر لمن معه من الوفود من بلاد الروم أنه قد غلب، ثم قام محمد بن الحنفية فقال للرومي: اجلس لي. فجلس وأعطى محمدا يده فما أمهله أن أقامه سريعا ورفعه في الهواء ثم ألقاه على الأرض، فسر بذلك معاوية سرورا عظيما، ونهض قيس بن سعد فتنحى عن الناس ثم خلع سراويله وأعطاها لذلك الرومي الطويل فبلغت إلى ثدييه وأطرافها تخط بالأرض، فاعترف الرومي بالغلب وبعث ملكهم ما كان التزمه لمعاوية.
يستفيد القارئ من أمثال هذه الموارد من التاريخ أن أهل البيت عليهم السلام و شيعتهم كانوا هم المرجع لحل المشكلات من كل الوجوه كما أن مولاهم أمير المؤمنين عليه السلام كان هو المرجع الفذ فيها لدى الصدر الأول.
وفاته
قال الواقدي وخليفة بن خياط والخطيب البغدادي في تاريخه 1 ص 179 وابن كثير في تاريخه 8 ص 102 وغيرهم بكثير: إنه توفي بالمدينة في آخر خلافة معاوية.
فإن عدت سنة وفاة معاوية من سني خلافته فالمترجم له توفي في سنة ستين، وإلا ففي تسع وخمسين، ولعل هذا منشأ ترديد ابن عبد البر في الاستيعاب وابن الأثير في أسد الغابة في تاريخ وفاته بين السنتين، ففي الأول: إنه توفي سنة ستين. وقيل تسع وخمسين في آخر خلافة معاوية، وفي الثاني بالعكس، وذكر ابن الجوزي سنة 59 وتبعه ابن كثير في تاريخه، وهناك قول لابن حبان متروك قال: إنه هرب من معاوية ومات سنة 85 في خلافة عبد الملك. ذكره ابن حجر في الإصابة 3 ص 249، واستصوب قول خليفة ومن وافقه.
بيت قيس
كان في العصور المتقادمة آل قيس من أشرف بيوتات الأنصار، وما زال منبثق أنوار العلم والمجد في أدواره، بين زعيم، وحافظ، وعالم، ومحدث، ومشفوع بالصلاح
أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن عمار بن يحيى بن العباس بن عبد الرحمن بن سالم بن قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي الأنصاري. ترجم له السمعاني في " الأنساب " وقال: من أشرف بيت في الأنصار، ومن أوحد مشايخ نيسابور في الثروة والعدالة والورع والقبول والاتقان من الرواية، وأكثرهم طلبا للحديث والفهم والمعرفة، سمع بنيسابور محمد بن رافع، وإسحاق بن منصور، و عبد الرحمن بن بشير بن الحكم، وبالعراق عمر بن شبه النميري، والحسن بن محمد بن الصباح، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، وأحمد بن سنان القطان، وبالحجاز بحر بن نصر الخولاني، وبالري أبا زرعة، ومحمد بن مسلم بن داره، روى عنه أبو إسحاق إبراهيم بن عبدوس، ومحمد بن شريك الأسفرايني، وأبو أحمد إسماعيل بن يحيى بن زكريا، مات في جمادى الآخر سنة 317 بنيسابور.
م - ومنهم: أبو بكر محمد بن أبي نصر أحمد بن العباس بن الحسن بن جبلة بن غالب بن جابر بن نوفل بن عياض بن يحيى بن قيس بن سعد الأنصاري الشهير بالعياضي [بكسر العين] ذكره السمعاني في " الأنساب " وقال: من أهل سمرقند كان فقيها جليلا من رؤساء البلدة والمنظورين إليهم، روى عن أبي علي محمد بن محمد بن الحرث الحافظ السمرقندي لقيه أبو سعد الادريسي (1) ولم يكتب عنه شيئا. (2)
ومنهم: أبو أحمد بن أبي نصر العياضي أخو أبي بكر العياضي المذكور].
ومنهم: ابن المطري أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد بن خلف بن عيسى بن عساس بن يوسف بن بدر بن عثمان الأنصاري الخزرجي العبادي المدني. قال أبو المعالي السلامي في " المختار " كما في منتخبه ص 72: إنه من ولد قيس بن سعد بن عبادة.
كان حافظ وقته، حسن الأخلاق، كثير العبادة، جميل العشرة مع العلماء ورواد العلم، ارتحل في سماع الحديث إلى الشام ومصر والعراق، ورأى في حياته كوارث، نهبت داره سنة 742 وحبس مدة ثم أطلق، له كتاب [الإعلام فيمن دخل المدينة من
____________
م - (1) أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الاسترابادي نزيل سمرقند والمتوفى بها في سلخ ذي الحجة سنة 405.
م - (2) وذكره وأخاه محيي الدين ابن أبي الوفاء في " الجواهر المضية " ص 13.
ومنهم: أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد المعطي بن أحمد بن عبد المعطي بن مكي بن طرد بن حسين بن مخلوف بن أبي الفوارس بن سيف الاسلام (2) بن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري المكي المالكي النحوي، المولود سنة 709 والمتوفى في المحرم سنة 808، ترجم له السيوطي في " بغية الوعاة " ص 161.
الحمد لله
وسلام على عباده الذين اصطفى
____________
(1) أخذناها من " منتخب المختار " ص 72، " الدرر الكامنة " ص 284.
(2) أحسب هنا سقطا في النسب كما لا يخفى.