الأغاني 7 ص 331، أمالي ابن الشيخ ص 43.
ولادته ووفاته
ولد سيد الشعراء الحميري سنة 105 بعمان (1) ونشأ في البصرة في حضانة والديه الإباضيين إلى أن عقل وشعر فهاجرهما واتصل بالأمير عقبة بن سلم وتزلف لديه حتى مات والده فورثهما كما مر ص 232 - 234 ثم غادر البصرة إلى الكوفة وأخذ فيها الحديث عن الأعمش وعاش مترددا بينهما.
وتوفي في الرميلة ببغداد في خلافة الرشيد وهذا هو المتسالم عليه وكفن بأكفان وجهها الرشيد بأخيه وصلى عليه أخوه علي بن المهدي (2) وكبر خمسا على طريق الإمامية ووقف على قبره إلى أن سطح بأمر من الرشيد ودفن في جنينة (3) ناحية من الكرخ مما يلي قطيعة الربيع (4).
أما سنة وفاته فقد أرخها المرزباني بسنة 173 ونقلها القاضي المرعشي في مجالسه عن خط الكفعمي (5) وقال ابن حجر بعد نقل التأريخ المذكور عن أبي الفرج: أرخه غيره سنة 178، وأرخه ابن الجوزي سنة تسع.
روى المرزباني بإسناده عن ابن أبي حودان قال: حضرت السيد ببغداد عند موته فقال لغلام له: إذا مت فأت مجمع البصريين وأعلمهم بموتي وما أظنه يجيئ منهم إلا رجل أو رجلان ثم اذهب إلى مجمع الكوفيين فأعلمهم بموتي أنشدهم:
____________
(1) لسان الميزان 1 ص 438.
(2) فما في مجالس المؤمنين وبعض المعاجم: صلى عليه المهدي فيه تصحيف إذا المهدي توفي 169 قبل المترجم بسنين.
(3) الجنينة تصغير الجنة وهي الحديقة والبستان.
(4) تنسب إلى الربيع بن يونس حاجب المنصور.
(5) أحد الشعراء الغدير في القرن العاشر تأتي هناك ترجمته.
فإنهم ليسارعون إلي ويكبرون. فلما مات فعل الغلام ذلك فما أتى من البصريين إلا ثلاثة معهم ثلاث أكفان وعطر، وأتى من الكوفيين خلق عظيم معهم سبعون كفنا، ووجه الرشيد بأخيه علي وبأكفان وطيب، فردت أكفان العامة عليهم وكفن في أكفان الرشيد، وصلى عليه علي بن المهدي وكبر خمسا ووقف على قبره إلى أن سطح ومضى، كل ذلك بأمر الرشيد. وروى مجيئ الكوفيين بسبعين كفنا عن أبي العينا (1) عن أبيه وزاد: فلما مات دفن بناحية الكرخ مما يلي قطيعة الربيع.
وفي حديث موته له مكرمة خالدة تذكر مدى الدهر، وتقرأ في صحيفة التأريخ مع الأبد. قال بشير بن عمار حضرت وفاة السيد في الرميلة ببغداد فوجه رسولا إلى صف الجزارين الكوفيين يعلمهم بحاله ووفاته، فغلط الرسول فذهب إلى صف المسموسين (كذا) فشتموه ولعنوه، فعلم أنه قد غلط، فعاد إلى الكوفيين يعلمهم بحاله ووفاته فوافاه سبعون كفنا قال: وحضرنا جميعا وإنه ليتحسر تحسرا شديدا وإنه وجهه لأسود كالقار وما يتكلم إلا أن أفاق إفاقة وفتح عينيه فنظر إلى ناحية القبلة (جهة النجف الأشرف) ثم قال: يا أمير المؤمنين أتفعل هذا بوليك؟ قالها ثلاث مرات مرة بعد أخرى قال: فتجلى والله في جبينه عرق بياض فما زال يتسع
____________
(1) أبو عبد الله محمد بن القاسم بن خلاد البصري المتوفى 283.
" الأغاني 7 ص 277 "
وقال أبو سعيد محمد بن رشيد الهروي: إن السيد اسود وجهه عند الموت فقال:
هكذا يفعل بأوليائكم يا أمير المؤمنين؟ قال: فابيض وجهه كأنه القمر ليلة البدر فأنشأ يقول:
رجال الكشي 185، أمالي ابن الشيخ ص 31، بشارة المصطفى.
وقال الحسين بن عون: دخلت على السيد الحميري عائدا في علته التي مات فيها فوجدته يساق به ووجدت عنده جماعة من جيرانه وكانوا عثمانية وكان السيد جميل الصورة رحيب الجبهة عريض ما بين السالفتين فبدت في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد ثم لم تزل تزيد وتنمي حتى طبقت وجهه يعني اسودادا فاغتم لذلك من حضره من الشيعة فظهر من الناصبة سرور وشماتة فلم يلبث بذلك إلا قليلا حتى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء فلم تزل تزيد بيضا وتنمي حتى أسفر وجهه وأشرق وافتر السيد ضاحكا وأنشأ يقول:
ثم اتبع قوله هذا: أشهد أن لا إله إلا الله حقا حقا. وأشهد أن محمد رسول الله
ثم غمض عينيه لنفسه فكأنما كانت روحه ذبالة (2) طفأت أو حصاة سقطت.
أمالي الشيخ ص 43، مناقب السروي 2 ص 20، كشف الغمة ص 124.
تضلعه في العلم والتاريخ
إن من يقف على موارد حجاج السيد الحميري والمعاني التي طرقها في شعره ومحاوراته مع من عاصره من رجال الفريقين، جد عليم بماله من خطوات واسعة و الشوط البعيد في فهم مغازي الكتاب الكريم وفقه السنة الشريفة، وأن تهالكه في ولاء أهل البيت عليهم السلام كان على بصيرة من أمره عن علم متدفق، ومعرفة ناضجة لا كمن يتلقى المبدء عن تقليد بحث ومدرك بسيط، ويغلب على فكره الجلبة والسخب فمن نماذج علمه ما مر ص 258 من حجاجه مع القاضي سوار في مجلس المنصور حول القول بالرجعة وإفحامه إياه بالكتاب والسنة. وما مر ص 264.
قال المرزباني في أخبار السيد: قيل إن السيد حج أيام هشام فلقي الكميت فسلم عليه وقال: أنت القائل:
قال: نعم قلته تقية من بني أمية وفي مضمون قولي شهادة عليهما أنهما أخذا ما كان في يدها. فقال السيد: لولا إقامة الحجة لوسعني السكوت، لقد ضعفت يا هذا عن الحق، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها، وإن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها. فخالفت رسول الله صلى الله عليه وآله، وهب لها فدكا بأمر الله له وشهد لها أمير المؤمنين والحسن والحسين وأم أيمن بأن رسول الله صلى الله عليه وآله أقطع فاطمة فدكا فلم يحكما لها بذلك والله تعالى يقول: يرثني ويرث من آل يعقوب. و يقول: وورث سليمان داود. وهم يجعلون سبب مصير الخلافة إليهم الصلاة وشهادة المرأة لأبيها: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مروا فلانا بالصلاة بالناس. فصدقت المرأة
____________
(1) في لفظ السروي: صدقا صدقا. وأشهد أن عليا ولي الله رفقا رفقا.
(2) الذبالة: الفتيلة ج ذبال.
فانظر في أمرك. فقال الكميت أنا تائب إلى الله مما قلت وأنت يا أبا هاشم أعلم وأفقه منا.
وهو مع تضلعه في علمي الكتاب والسنة ومعرفته بالحجج الدينية وبصيرته بمناهج الحجاج في المذهب وإقامة الحجة على من يضاده في المبدء كان له يد غير قصير في التأريخ وله كتاب (تأريخ اليمن) ذكره له الصفدي في " الوافي بالوفيات " 1 ص 49.
وفي شعره الطافح بمعاني الكتاب والسنة شهادة صادقة على إحاطته بما فيها من مرامي وإشارات ونصوص وتصريحات، وكلما ازدادت الفضيلة قوة، والبرهان وضوحا، وكانت الحجة بالغة كان اعتناءه بسرد القريض فيها أكثر كحديث الغدير والمنزلة والتطهير والراية والطير وأمثالها، ومنها: حديث العشيرة الوارد في قوله تعالى:
وأنذر عشيرتك الأقربين. في بدء الدعوة النبوية فقد أشار إليه في عدة قصايد منها قوله:
وقوله من قصيدة لم نقف على تمامها:
وقوله من قصيدة لم توجد بتمامها:
____________
(1) العس بضم العين: القدح أو الإناء الكبير ج عساس وأعساس.
(2) الوذرة من اللحم: القطعة الصغيرة منه ج وذر وذر.
حديث بدء الدعوة
في السنة والتأريخ والأدب
أخرجه غير واحد من الأئمة وحفاظ الحديث من الفريقين في الصحاح والمسانيد ومر عليه آخرون منهم ممن يعتد بقوله وتفكيره مخبتين به من دون أي غمز في الاسناد أو توقف في متنه. وتلقاه المؤرخون من الأمة الإسلامية وغيرها بالقبول، وأرسل في صحيفة التأريخ إرسال المسلم، وجاء منظوما في أسلاك الشعر والقريض وسيوافيك في شعر الناشي الصغير المتوفى 365 وغيره.
* (لفظ الحديث) *
أخرج الطبري في تأريخه 2 ص 216 عن ابن حميد قال: حدثنا سلمة قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الله بن العباس عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله: وأنذر عشيرتك الأقربين (1) دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا علي؟ إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعرفت إني متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت عليه حتى جاء جبريل فقال: يا محمد؟ إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك. فاصنع لنا صاعا من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عسا من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به. ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه: أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله
____________
(1) سورة الشعراء آية 214.
وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الاسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي المتوفى 240 في كتابه نقض العثمانية (1) وقال: إنه روي في الخبر الصحيح. ورواه الفقيه برهان الدين (2) في [أنباء نجباء الأبناء] ص 46 - 48. وابن الأثير في " الكامل " 2 ص 24. وأبو الفدا عماد الدين الدمشقي في تاريخه 1 ص 116. وشهاب الدين الخفاجي في " شرح الشفا " للقاضي عياض 3 ص 37 (وبتر آخره) وقال: ذكر في دلايل البيهقي وغيره بسند صحيح. والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره ص 390. و
____________
(1) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 ص 263.
(2) محمد بن محمد بن محمد بن ظفر المكي المغربي المولود 497 والمتوفى 567 / 65.
ورجال السند كلهم ثقات إلا أبو مريم عبد الغفار بن القاسم فقد ضعفه القوم وليس ذلك إلا لتشيعه فقد أثنى عليه ابن عقدة وأطراه وبالغ في مدحه كما في (لسان الميزان) ج 4 ص 43، وأسند إليه وروى عنه الحفاظ المذكورون وهم أساتذة الحديث، وأئمة الأثر، والمراجع في الجرح والتعديل، والرفض والاحتجاج، ولم يقذف أحد منهم الحديث بضعف أو غمز لمكان أبي مريم في إسناده، واحتجوا به في دلايل النبوة والخصايص النبوية.
وصححه أبو جعفر الاسكافي وشهاب الدين الخفاجي كما سمعت وحكي السيوطي في " جمع الجوامع " كما في ترتيبه 6 ص 396 تصحيح ابن جرير الطبري له.
على أن الحديث ورد بسند آخر رجاله كلهم ثقات كما يأتي، أخرجه أحمد في مسنده 1 ص 111 بسند رجاله كلهم من رجال الصحاح بلا كلام وهم: شريك. الأعمش.
المنهال. عباد.
وليس من العجيب ما هملج به ابن تيمية من الحكم بوضع الحديث فهو ذلك المتعصب العنيد، وإن من عادته إنكار المسلمات، ورفض الضروريات، وتحكماته معروفة، وعرف منه المنقبون أن مدار عدم صحة الحديث عنده هو تضمنه فضايل العترة الطاهرة.
صورة أخرى
جمع رسول الله صلى الله عليه وآله أو: دعا رسول الله صلى الله عليه وآله: بني عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذع ويشرب الفرق قال: فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتى شبعوا قال: وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس، ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس. أو: لم يشرب. ثم قال: يا بني عبد المطلب؟ إني بعثت إليكم خاصة
أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1 ص 159 عن عفان بن مسلم (الثقة المترجم له ج 1 ص 86) عن أبي عوانة (الثقة المترجم له 1 ص 78) عن عثمان بن المغيرة (الثقة) عن أبي صادق (مسلم الكوفي الثقة) عن ربيعة بن ناجذ (التابعي الكوفي الثقة) عن علي أمير المؤمنين.
وبهذا السند والمتن أخرجه الطبري في تاريخه 1 ص 217. والحافظ النسائي في " الخصايص " ص 18. وصدر الحفاظ الكنجي الشافعي في " الكفاية " ص 89.
وابن أبي الحديد في [شرح النهج] 3 ص 255. والحافظ السيوطي في [جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 408.
صورة ثالثة
عن أمير المؤمنين قال: لما نزلت هذه الآية: وأنذر عشيرتك الأقربين. دعا بني عبد المطلب وصنع لهم طعاما ليس بالكثير فقال: كلوا باسم الله من جوانبها فإن البركة تنزل من ذروتها. ووضع يده أولهم فأكلوا حتى شبعوا ثم دعا بقدح فشرب أولهم ثم سقاهم فشربوا حتى رووا، فقال أبو لهب: لقدما سحركم. وقال: يا بني عبد المطلب إني جئتكم بما لم يجئ به أحد قط أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإلى الله وإلى كتابه. فنفروا وتفرقوا، ثم دعاهم الثانية على مثلها فقال أبو لهب كما قال المرة الأولى، فدعاهم ففعلوا مثل ذلك، ثم قال لهم ومد يده: من بايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووليكم من بعدي؟! فمددت يدي وقلت: أنا أبايعك، وأنا يومئذ أصغر القوم عظيم البطن فبايعني على ذلك. قال: وذلك الطعام أنا صنعته.
أخرجه الحافظ ابن مردويه بإسناده، ونقله عنه السيوطي في [جمع الجوامع] كما في الكنز 6 ص 401.
صورة رابعة
(بعد ذكر صدر الحديث) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا بني عبد المطلب؟ إن الله قد بعثني إلى الخلق كافة وبعثني إليكم خاصة، فقال: وأنذر عشيرتك الأقربين. وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان: شهادة أن لا إله إلا الله. وأني رسول الله. فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويوازرني يكن أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي. فلم يجبه أحد منهم، فقام علي وقال: أنا رسول الله؟ قال: اجلس. ثم أعاد القول على القوم ثانيا فصمتوا فقام علي وقال: أنا يا رسول الله؟ فقال: اجلس. ثم أعاد القول على القوم ثالثا فلم يجبه أحد منهم فقام علي فقال: أنا يا رسول الله؟ فقال: اجلس فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي.
أخرجه الحافظان: ابن أبي حاتم والبغوي، ونقله عنهما ابن تيمية في (منهاج السنة) 4 ص 80، وعنه الحلبي في سيرته 1 ص 304.
صورة خامسة
مر ص 95 في حديث قيس ومعاوية فيما رواه التابعي الكبير أبو صادق الهلالي في كتابه عن قيس: فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله جميع بني عبد المطلب فيهم: أبو طالب وأبو لهب وهم يومئذ أربعون رجلا فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وخادمه علي عليه السلام ورسول الله في حجر عمه أبي طالب فقال: أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي؟! فسكت القوم حتى أعادها ثلاثا، فقال علي أنا يا رسول الله؟ صلى الله عليك فوضع رأسه في حجره وتفل في فيه وقال: أللهم إملاء جوفه علما وفهما وحكما. ثم قال لأبي طالب. يا أبا طالب؟ اسمع الآن لابنك وأطع فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى.
صورة سادسة
أخرج أبو إسحاق الثعلبي المتوفى 427 / 37، المترجم له ج 1 ص 109 في تفسيره (الكشف والبيان) عن الحسين بن محمد بن الحسين قال: حدثنا موسى بن محمد
وبهذا السند والمتن أخرجه صدر الحفاظ الكنجي الشافعي في الكفاية ص 89، م - وجمال الدين الزرندي في " نظم درر السمطين " بتغيير يسير في لفظه]
صورة سابعة
أخرج أبو إسحاق الثعلبي في - الكشف والبيان - عن أبي رافع وفيه: ثم قال إن الله تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وأنتم عشيرتي ورهطي، وإن الله لم يبعث نبيا إلا جعل له من أهله أخا ووزيرا ووارثا ووصيا وخليفة في أهله، فأيكم يقوم فيبايعني على أنه أخي ووزيري ووصيي ويكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟! فسكت القوم فقال: ليقومن قائمكم أو ليكونن في غيركم ثم لتندمن. ثم أعاد الكلام ثلاث مرات فقام علي فبايعه وأجابه ثم قال: ادن مني. فدنا منه ففتح فاه ومج في فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وثدييه فقال أبو لهب: فبئس ما حبوت به ابن عمك؟ إن أجابك فملأت فاه ووجهه بزاقا. فقال صلى الله عليه وآله: ملأته حكمة وعلما.
____________
(1) في كفاية الكنجي: شبيب.
م - وفي (كتاب محمد) تأليف توفيق الحكيم ص 50: ما أعلم إنسانا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على هذا الأمر وأن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟!.
قريش: لا أحد، لا أحد.
أعرابي: نعم لا أحد يوازرك على هذا حتى ولا كلب الحي.
علي: أنا يا رسول الله عونك، أنا حرب على من حاربت].
وذكر الحديث الصحافي القدير عبد المسيح الأنطاكي المصري (1) في تعليقه على علويته المباركة ص 76 ولفظ الحديث فيه: فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويوازرني على القيام به يكن أخي ووزيري وخليفتي من بعدي؟! فلم يجبه أحد من بني عبد المطلب إلا علي وكان أحدثهم سنا فقال: أنا يا رسول الله؟. فقال المصطفى: اجلس. ثم أعاد القول ثانيا فصمت القوم وأجاب علي: أنا يا رسول الله. فقال المصطفى: اجلس. ثم أعاد القول ثالثا فلم يكن في بني عبد المطلب من يجيبه غير علي فقال: أنا يا رسول الله.
حينئذ قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: اجلس فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي. فمضى القوم. إلخ. ونظم هذه الأثارة بقوله من قصيدته المذكورة:
____________
(1) أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر تأتي هناك ترجمته.
كلمة الاسكافي حول الحديث
في كتابه - النقض على العثمانية -
قال بعد ذكر الحديث باللفظ المذكور ص 278: فهل يكلف عمل الطعام ودعاء القوم صغير غير مميز؟! وغر غير عاقل؟! وهل يؤتمن على سر النبوة طفل ابن خمس سنين أو ابن سبع سنين؟!؟! وهل يدعى في جملة الشيوخ والكهول إلا عاقل لبيب؟!
وهل يضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده في يده ويعطيه صفقة يمينه بالأخوة والوصية والخلافة إلا وهو أهل لذلك؟!؟! بالغ حد التكليف، محتمل لولاية الله و عداوة أعدائه، وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه؟! ولم يلصق بأشكاله؟! ولم ير مع الصبيان في ملاعبهم بعد إسلامه؟! وهو كأحدهم في طبقته، كبعضهم في معرفته، وكيف لم ينزع إليهم في ساعة من ساعاته؟! فيقال: وعاه بعض الصبا، وخاطر من خواطر الدنيا، وعملته الغرة والحدثة على حضور لهوهم، والدخول في حالهم، بل ما رأيناه إلا ماضيا علي إسلامه، مصمما في أمره، محققا لقوله بفعله، قد صدق إسلامه بعفافه وزهده، ولصق برسول الله صلى الله عليه وآله من بين جميع من بحضرته، فهو أمينه وأليفه في دنياه وآخرته، وقد قهر شهوته، وجاذب خواطره، صابرا على ذلك نفسه، لما يرجو من فوز العاقبة وثواب الآخرة، وقد ذكر هو عليه السلام في كلامه و خطبه بدء حاله وافتتاح أمره حيث أسلم لما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله الشجرة فأقبلت تخذ الأرض فقالت قريش: ساحر خفيف السحر. فقال علي عليه السلام: يا رسول الله؟
أنا أول من يؤمن بك آمنت بالله ورسوله وصدقتك فيما جئت به وأنا أشهد أن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تصديقا لنبوتك وبرهانا على دعوتك. فهل يكون إيمان قط أصح من هذا الإيمان؟! وأوثق عقدة؟! وأحكم مرة؟! ولكن حنق العثمانية وغيظهم و عصبية الجاحظ وانحرافه مما لا حيلة فيه.
جنايات على الحديث
منها: ما ارتكبه الطبري في تفسيره 19 ص 74 فإنه بعد روايته له في تاريخه كما سمعت قلب عليه طهر المجن في تفسيره فأثبته برمته حرفيا متنا وإسنادا غير أنه أجمل القول فيما لهج به رسول الله صلى الله عليه وآله في فضل من يبادر إلى تلقي الدعوة
وقال في كلمته صلى الله عليه وآله الأخيرة: ثم قال: إن هذا أخي وكذا وكذا.
وتبعه على هذا التقلب ابن كثير الشامي في البداية والنهاية 3 ص 40 وفي تفسيره 3 ص 351 فعل ابن كثير هذا وثقل عليه ذكر الكلمتين وبين يديه تاريخ الطبري وهو مصدره الوحيد في تاريخه وقد فصل فيه الحديث تفصيلا لأنه لا يروق إثبات النص لأمير المؤمنين بالوصية والخلافة الدينية، والدلالة عليه والإشارة إليه.
وهل هذه الغاية مقصد الطبري حينما حرف الكلم عن مواضعه في التفسير بعد ما جاء به صحيحا في التأريخ على حين غفلة عنها؟! أنا لا أدرى، لكن الطبري يدري. وأحسبك أيها القارئ جد عليم بذلك.
ومنها: خزاية فاضحة تحملها محمد حسين هيكل حيث أثبت الحديث كما أوعزنا إليه في الطبعة الأولى من كتابه - حياة محمد - ص 104 بهذا اللفظ:
نزل الوحي: أن أنذر عشيرتك الأقربين. واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين. وقل إني أنا النذير المبين. فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، و دعا محمد عشيرته إلى طعام في بيته وحاول أن يحدثهم داعيا إياهم إلى الله فقطع عمه أبو لهب حديثه. واستنفر القوم ليقوموا. ودعاهم محمد في الغداة كرة أخرى. فلما طعموا قال لهم: ما أعلم إنسانا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني هذا الأمر وأن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟! فأعرضوا عنه وهموا بتركه لكن عليا نهض وما يزال صبيا دون الحلم وقال: أنا يا رسول الله؟ عونك أنا حرب على من حاربت.
فابتسم بنو هاشم وقهقه بعضهم وجعل نظرهم يتنقل من أبي طالب إلى ابنه ثم انصرفوا مستهزئين. ا هـ.
فإنه أسقط من الحديث أولا ما فرع به رسول الله صلى الله عليه وآله كلامه من قوله لعلي:
فأنت أخي ووصيي ووارثي. ثم نسب إلى أمير المؤمنين ثانيا أنه قال: أنا يا رسول الله عونك أنا حرب على من حاربت. ليته دلنا على مصدر هذه النسبة في لفظ أي محدث أو مؤرخ من السلف؟! وراقه أن يحكم في الحضور في تلك الحفلة بتبسم بني هاشم
ومهما لم يجد (هيكل) وراءه من يأخذه بمقاله، ولم ير هناك من يناقشه الحساب في تقولاته وتصرفاته أسقط منه ما يرجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام في الطبعة الثانية سنة 1354 ص 139، ولعل السر فيه لفتة منه إلى غاية ابن كثير وأمثاله بعد النشر، أو أن اللغط والصخب حول القول قد كثرا عليه هناك من مناوئي العترة الطاهرة، فأخذته أمواج اللوم والعتب حتى اضطرته إلى الحذف والتحريف. أو إن العادة المطردة في جملة من المطابع عاثت في الكتاب فغض عنها الطرف صاحبه لاشتراكه معها في المبدء أو عجزه عن دفعها. وعلى أي فحي الله الشعور الحي، والأمانة الموصوفة، والحق المضاع المأسوف عليه.
أسفي على بسطاء الأمة الإسلامية واعتنائهم بمثل هذه الكتب المشحونة بزخرف
القول وأباطيل الكلم المموهة وقد جاءت بذات الرعد والصليل (1) وسيل بالأمة و
هي لا تدري (2). ثم أسفي على مصر وحملة علمها المتدفق، وعلى تأليفها القيمة،
وكتابها النزهاء، فإنها راحت ضحية تلكم الشهوات والميول، ضحية تلكم النفوس
الخائرة، ضحية تلكم الكفريات المبيدة للمجتمع، ضحية تلكم الأقلام المستأجرة
وقد اتخذت الباطل دغلا، وشغرت لها الدنيا برجلها (3)
____________
(1) مثل يضرب لمن جاء بشر وعر.
(2) مثل يضرب للساعي الغافل.
(3) يضرب لمن ساعدته الدنيا فنال منها حظه.