الصفحة 60
فهل لك في مبادلتيك إبطي * بأنفك؟ تحمد البيع الربيحا
فإنك أقبح الفتيان أنفا * وإبطي أنتن الآباط ريحا

الأغاني 7 ص 331، أمالي ابن الشيخ ص 43.

ولادته ووفاته

ولد سيد الشعراء الحميري سنة 105 بعمان (1) ونشأ في البصرة في حضانة والديه الإباضيين إلى أن عقل وشعر فهاجرهما واتصل بالأمير عقبة بن سلم وتزلف لديه حتى مات والده فورثهما كما مر ص 232 - 234 ثم غادر البصرة إلى الكوفة وأخذ فيها الحديث عن الأعمش وعاش مترددا بينهما.

وتوفي في الرميلة ببغداد في خلافة الرشيد وهذا هو المتسالم عليه وكفن بأكفان وجهها الرشيد بأخيه وصلى عليه أخوه علي بن المهدي (2) وكبر خمسا على طريق الإمامية ووقف على قبره إلى أن سطح بأمر من الرشيد ودفن في جنينة (3) ناحية من الكرخ مما يلي قطيعة الربيع (4).

أما سنة وفاته فقد أرخها المرزباني بسنة 173 ونقلها القاضي المرعشي في مجالسه عن خط الكفعمي (5) وقال ابن حجر بعد نقل التأريخ المذكور عن أبي الفرج: أرخه غيره سنة 178، وأرخه ابن الجوزي سنة تسع.

روى المرزباني بإسناده عن ابن أبي حودان قال: حضرت السيد ببغداد عند موته فقال لغلام له: إذا مت فأت مجمع البصريين وأعلمهم بموتي وما أظنه يجيئ منهم إلا رجل أو رجلان ثم اذهب إلى مجمع الكوفيين فأعلمهم بموتي أنشدهم:

يا أهل كوفان إني وامق لكم * مذ كنت طفلا إلى السبعين والكبر
أهواكم وأواليكم وأمدحكم * حتما علي كمحتوم من الفدر

____________

(1) لسان الميزان 1 ص 438.

(2) فما في مجالس المؤمنين وبعض المعاجم: صلى عليه المهدي فيه تصحيف إذا المهدي توفي 169 قبل المترجم بسنين.

(3) الجنينة تصغير الجنة وهي الحديقة والبستان.

(4) تنسب إلى الربيع بن يونس حاجب المنصور.

(5) أحد الشعراء الغدير في القرن العاشر تأتي هناك ترجمته.

الصفحة 61

لحبكم لوصي المصطفى وكفى * بالمصطفى وبه من سائر البشر
والسيدين أولي الحسنى ونجلهم * سمي من جاء بالآيات والسور
هو الإمام الذي نرجو النجاة به * من حر نار على الأعداء مستعر
كتبت شعري إليكم سائلا لكم * إذ كنت أنقل من دار إلى حفر
أن لا يليني سواكم أهل بصرتنا * الجاحدون أو الحادون للبدر
ولا السلاطين إن الظلم حالفهم * فعرفهم صائر لا شك للنكر
وكفنوني بياضا لا يخالطه * شيئ من الوشي أو من فاخر الحبر
ولا يشيعني النصاب إنهم * شر البرية من أثنى ومن ذكر
عسى الإله ينجيني برحمته * ومدحي الغرر الزاكين من سقر

فإنهم ليسارعون إلي ويكبرون. فلما مات فعل الغلام ذلك فما أتى من البصريين إلا ثلاثة معهم ثلاث أكفان وعطر، وأتى من الكوفيين خلق عظيم معهم سبعون كفنا، ووجه الرشيد بأخيه علي وبأكفان وطيب، فردت أكفان العامة عليهم وكفن في أكفان الرشيد، وصلى عليه علي بن المهدي وكبر خمسا ووقف على قبره إلى أن سطح ومضى، كل ذلك بأمر الرشيد. وروى مجيئ الكوفيين بسبعين كفنا عن أبي العينا (1) عن أبيه وزاد: فلما مات دفن بناحية الكرخ مما يلي قطيعة الربيع.

وفي حديث موته له مكرمة خالدة تذكر مدى الدهر، وتقرأ في صحيفة التأريخ مع الأبد. قال بشير بن عمار حضرت وفاة السيد في الرميلة ببغداد فوجه رسولا إلى صف الجزارين الكوفيين يعلمهم بحاله ووفاته، فغلط الرسول فذهب إلى صف المسموسين (كذا) فشتموه ولعنوه، فعلم أنه قد غلط، فعاد إلى الكوفيين يعلمهم بحاله ووفاته فوافاه سبعون كفنا قال: وحضرنا جميعا وإنه ليتحسر تحسرا شديدا وإنه وجهه لأسود كالقار وما يتكلم إلا أن أفاق إفاقة وفتح عينيه فنظر إلى ناحية القبلة (جهة النجف الأشرف) ثم قال: يا أمير المؤمنين أتفعل هذا بوليك؟ قالها ثلاث مرات مرة بعد أخرى قال: فتجلى والله في جبينه عرق بياض فما زال يتسع

____________

(1) أبو عبد الله محمد بن القاسم بن خلاد البصري المتوفى 283.

الصفحة 62
ولبس وجهه حتى صار كله كالبدر وتوفي فأخذنا في جهازه ودفناه في الجنينة ببغداد وذلك في خلافة الرشيد.

" الأغاني 7 ص 277 "

وقال أبو سعيد محمد بن رشيد الهروي: إن السيد اسود وجهه عند الموت فقال:

هكذا يفعل بأوليائكم يا أمير المؤمنين؟ قال: فابيض وجهه كأنه القمر ليلة البدر فأنشأ يقول:

أحب الذي من مات من أهل وده * تلقاه بالبشرى لدى الموت يضحك
ومن مات يهوي غيره من عدوه * فليس له إلا إلى النار مسلك
أبا حسن أفديك نفسي وأسرتي * ومالي وما أصبحت في الأرض أملك
أبا حسن إني بفضلك عارف * وإني بحبل من هواك الممسك
وأنت وصي المصطفى وابن عمه * فإنا نعادي مبغضيك ونترك
ولاح لحاني في علي وحزبه * فقلت: لحاك الله إنك أعفك
مواليك ناج مؤمن بين الهدى * وقاليك معروف الضلالة مشرك

رجال الكشي 185، أمالي ابن الشيخ ص 31، بشارة المصطفى.

وقال الحسين بن عون: دخلت على السيد الحميري عائدا في علته التي مات فيها فوجدته يساق به ووجدت عنده جماعة من جيرانه وكانوا عثمانية وكان السيد جميل الصورة رحيب الجبهة عريض ما بين السالفتين فبدت في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد ثم لم تزل تزيد وتنمي حتى طبقت وجهه يعني اسودادا فاغتم لذلك من حضره من الشيعة فظهر من الناصبة سرور وشماتة فلم يلبث بذلك إلا قليلا حتى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء فلم تزل تزيد بيضا وتنمي حتى أسفر وجهه وأشرق وافتر السيد ضاحكا وأنشأ يقول:

كذب الزاعمون: أن عليا * لن ينجي محبه من هنات
قد وربي دخلت جنة عدن * وعفي لي الإله عن سيآتي
فابشروا اليوم أولياء علي * وتولوا علي حتى الممات
ثم من بعده تولوا بنيه * واحدا بعد واحد بالصفات

ثم اتبع قوله هذا: أشهد أن لا إله إلا الله حقا حقا. وأشهد أن محمد رسول الله

الصفحة 63
حقا حقا (1) وأشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا حقا. أشهد أن لا إله إلا الله.

ثم غمض عينيه لنفسه فكأنما كانت روحه ذبالة (2) طفأت أو حصاة سقطت.

أمالي الشيخ ص 43، مناقب السروي 2 ص 20، كشف الغمة ص 124.

تضلعه في العلم والتاريخ

إن من يقف على موارد حجاج السيد الحميري والمعاني التي طرقها في شعره ومحاوراته مع من عاصره من رجال الفريقين، جد عليم بماله من خطوات واسعة و الشوط البعيد في فهم مغازي الكتاب الكريم وفقه السنة الشريفة، وأن تهالكه في ولاء أهل البيت عليهم السلام كان على بصيرة من أمره عن علم متدفق، ومعرفة ناضجة لا كمن يتلقى المبدء عن تقليد بحث ومدرك بسيط، ويغلب على فكره الجلبة والسخب فمن نماذج علمه ما مر ص 258 من حجاجه مع القاضي سوار في مجلس المنصور حول القول بالرجعة وإفحامه إياه بالكتاب والسنة. وما مر ص 264.

قال المرزباني في أخبار السيد: قيل إن السيد حج أيام هشام فلقي الكميت فسلم عليه وقال: أنت القائل:

ولا أقول إذا لم يعطيا فدكا * بنت الرسول ولا ميراثه كفرا
الله يعلم ماذا يأتيان به * يوم القيامة من عذر إذا حضرا؟!

قال: نعم قلته تقية من بني أمية وفي مضمون قولي شهادة عليهما أنهما أخذا ما كان في يدها. فقال السيد: لولا إقامة الحجة لوسعني السكوت، لقد ضعفت يا هذا عن الحق، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها، وإن الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها. فخالفت رسول الله صلى الله عليه وآله، وهب لها فدكا بأمر الله له وشهد لها أمير المؤمنين والحسن والحسين وأم أيمن بأن رسول الله صلى الله عليه وآله أقطع فاطمة فدكا فلم يحكما لها بذلك والله تعالى يقول: يرثني ويرث من آل يعقوب. و يقول: وورث سليمان داود. وهم يجعلون سبب مصير الخلافة إليهم الصلاة وشهادة المرأة لأبيها: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مروا فلانا بالصلاة بالناس. فصدقت المرأة

____________

(1) في لفظ السروي: صدقا صدقا. وأشهد أن عليا ولي الله رفقا رفقا.

(2) الذبالة: الفتيلة ج ذبال.

الصفحة 64
لأبيها ولا تصدق فاطمة وعلي والحسن والحسين وأم أيمن في مثل فدك، وتطالب مثل فاطمة بالبينة على ما ادعت لأبيها، وتقول أنت مثل هذا القول. وبعد: فما تقول في رجل حلف بالطلاق إن الذي طلبت فاطمة عليها السلام هو حق وأن عليا والحسن والحسين وأم أيمن ما شهدوا إلا بحق ما تقول في طلاقه؟! قال: ما عليه طلاق قال: فإن حلف بالطلاق إنهم قالوا غير الحق؟! قال: يقع الطلاق لأنهم لم يقولوا إلا الحق. قال:

فانظر في أمرك. فقال الكميت أنا تائب إلى الله مما قلت وأنت يا أبا هاشم أعلم وأفقه منا.

وهو مع تضلعه في علمي الكتاب والسنة ومعرفته بالحجج الدينية وبصيرته بمناهج الحجاج في المذهب وإقامة الحجة على من يضاده في المبدء كان له يد غير قصير في التأريخ وله كتاب (تأريخ اليمن) ذكره له الصفدي في " الوافي بالوفيات " 1 ص 49.

وفي شعره الطافح بمعاني الكتاب والسنة شهادة صادقة على إحاطته بما فيها من مرامي وإشارات ونصوص وتصريحات، وكلما ازدادت الفضيلة قوة، والبرهان وضوحا، وكانت الحجة بالغة كان اعتناءه بسرد القريض فيها أكثر كحديث الغدير والمنزلة والتطهير والراية والطير وأمثالها، ومنها: حديث العشيرة الوارد في قوله تعالى:

وأنذر عشيرتك الأقربين. في بدء الدعوة النبوية فقد أشار إليه في عدة قصايد منها قوله:

بأبي أنت وأمي * يا أمير المؤمنينا
بأبي أنت وأمي * وبرهطي أجمعينا
وبأهلي وبمالي * وبناتي والبنينا
وفدتك النفس مني * يا إمام المتقينا
وأمين الله والوارث * علم الأولينا
ووصي المصطفى * أحمد خير المرسلينا
وولي الحوض والذائد * عنه المحدثينا
أنت أولى الناس بالناس * وخير الناس دينا
كنت في الدنيا أخاه * يوم يدعو الأقربينا
ليجيبوه إلى الله * فكانوا أربعينا


الصفحة 65

بين عم وابن عم * حوله كانوا عرينا
فورثت العلم منه * والكتاب المستبينا
طبت كهلا وغلاما * ورضيعا وجنينا
ولدى الميثاق طينا * يوم كان الخلق طينا
كنت مأمونا وجيها * عند ذي العرش مكينا
في حجاب النور حيا * طيبا للطاهرينا

وقوله من قصيدة لم نقف على تمامها:

من فضله أنه قد كان أول من * صلى وآمن بالرحمن إذ كفروا
سنين سبعا وأياما محرمة * مع النبي على خوف وما شعروا
ويوم قال له جبريل: قد علموا * أنذر عشيرتك الأدنين إن بصروا
فقام يدعوهم من دون أمته * فما تخلف عنه منهم بشر
فمنهم آكل في مجلس جذعا * وشارب مثل عس (1) وهو محتضر
فصدهم عن نواحي قصعة شبعا * فيها من الحب صاع فوقه الوذر (2)
فقال: يا قوم إن الله أرسلني * إليكم فأجيبوا الله وادكروا
فأيكم يجتبي قولي ويؤمن بي * إني نبي رسول فانبرى غدر
فقال: تبا أتدعونا لتفلتنا * عن ديننا؟ ثم قام القوم فاشتمروا
من الذي قال منهم وهو أحدثهم * سنا وخيرهم في الذكر إذ سطروا
: آمنت بالله قد أعطيت نافلة * لم يعطها أحد جن ولا بشر
وإن ما قلته حق.؟! وإنهم * إن لم يجيبوا فقد خانوا وقد خسروا
ففاز قدما بها والله أكرمه * وكان سباق غايات إذا ابتدروا

وقوله من قصيدة لم توجد بتمامها:

علي عليه ردت الشمس مرة * بطيبة يوم الوحي بعد مغيب
وردت له أخرى ببابل بعد ما * عفت وتدلت عينها لغروب

____________

(1) العس بضم العين: القدح أو الإناء الكبير ج عساس وأعساس.

(2) الوذرة من اللحم: القطعة الصغيرة منه ج وذر وذر.

الصفحة 66

وقيل له: أنذر عشيرتك الأولى * وهم من شباب أربعين وشيب
فقال لهم: إني رسول إليكم * ولست أراني عندكم بكذوب
وقد جئتكم من عند رب مهيمن * جزيل العطايا للجزيل وهوب
فأيكم يقفو مقالي؟! فأمسكوا * فقال: ألا من ناطق فمجيبي؟!
ففاز بها منهم علي وسادهم * وما ذاك من عاداته بغريب

حديث بدء الدعوة
في السنة والتأريخ والأدب

أخرجه غير واحد من الأئمة وحفاظ الحديث من الفريقين في الصحاح والمسانيد ومر عليه آخرون منهم ممن يعتد بقوله وتفكيره مخبتين به من دون أي غمز في الاسناد أو توقف في متنه. وتلقاه المؤرخون من الأمة الإسلامية وغيرها بالقبول، وأرسل في صحيفة التأريخ إرسال المسلم، وجاء منظوما في أسلاك الشعر والقريض وسيوافيك في شعر الناشي الصغير المتوفى 365 وغيره.

* (لفظ الحديث) *

أخرج الطبري في تأريخه 2 ص 216 عن ابن حميد قال: حدثنا سلمة قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الله بن العباس عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله: وأنذر عشيرتك الأقربين (1) دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا علي؟ إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعرفت إني متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت عليه حتى جاء جبريل فقال: يا محمد؟ إنك إلا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك. فاصنع لنا صاعا من طعام واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عسا من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم وأبلغهم ما أمرت به. ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه: أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله

____________

(1) سورة الشعراء آية 214.

الصفحة 67
صلى الله عليه وآله حذية من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال: خذوا بسم الله فأكل القوم حتى ما لهم بشئ حاجة وما أرى إلا موضع أيديهم، وأيم الله الذي نفس علي بيده وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم، ثم قال: إسق القوم. فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال: لقدما سحركم صاحبكم. فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال الغد: يا علي؟ إن هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم فعدلنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم اجمعهم إلي. قال: ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما لهم بشئ حاجة ثم قال: اسقهم. فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا بني عبد المطلب؟ إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا وقلت وإني لأحدثهم سنا، وأرمصهم عينا، و أعظمهم بطنا، وأحمشهم ساقا: أنا يا نبي الله؟ أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الاسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي المتوفى 240 في كتابه نقض العثمانية (1) وقال: إنه روي في الخبر الصحيح. ورواه الفقيه برهان الدين (2) في [أنباء نجباء الأبناء] ص 46 - 48. وابن الأثير في " الكامل " 2 ص 24. وأبو الفدا عماد الدين الدمشقي في تاريخه 1 ص 116. وشهاب الدين الخفاجي في " شرح الشفا " للقاضي عياض 3 ص 37 (وبتر آخره) وقال: ذكر في دلايل البيهقي وغيره بسند صحيح. والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره ص 390. و

____________

(1) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 ص 263.

(2) محمد بن محمد بن محمد بن ظفر المكي المغربي المولود 497 والمتوفى 567 / 65.

الصفحة 68
الحافظ السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 392 نقلا عن الطبري وفي ص 397 عن الحفاظ الستة: ابن إسحاق. وابن جرير. وابن أبي حاتم. وابن مردويه وأبي نعيم. والبيهقي. وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3 ص 254. وذكره المؤرخ جرجي زيدان في تاريخ التمدن الاسلامي 1 ص 31. والأستاذ محمد حسين هيكل في حياة محمد ص 104 من الطبعة الأولى.

ورجال السند كلهم ثقات إلا أبو مريم عبد الغفار بن القاسم فقد ضعفه القوم وليس ذلك إلا لتشيعه فقد أثنى عليه ابن عقدة وأطراه وبالغ في مدحه كما في (لسان الميزان) ج 4 ص 43، وأسند إليه وروى عنه الحفاظ المذكورون وهم أساتذة الحديث، وأئمة الأثر، والمراجع في الجرح والتعديل، والرفض والاحتجاج، ولم يقذف أحد منهم الحديث بضعف أو غمز لمكان أبي مريم في إسناده، واحتجوا به في دلايل النبوة والخصايص النبوية.

وصححه أبو جعفر الاسكافي وشهاب الدين الخفاجي كما سمعت وحكي السيوطي في " جمع الجوامع " كما في ترتيبه 6 ص 396 تصحيح ابن جرير الطبري له.

على أن الحديث ورد بسند آخر رجاله كلهم ثقات كما يأتي، أخرجه أحمد في مسنده 1 ص 111 بسند رجاله كلهم من رجال الصحاح بلا كلام وهم: شريك. الأعمش.

المنهال. عباد.

وليس من العجيب ما هملج به ابن تيمية من الحكم بوضع الحديث فهو ذلك المتعصب العنيد، وإن من عادته إنكار المسلمات، ورفض الضروريات، وتحكماته معروفة، وعرف منه المنقبون أن مدار عدم صحة الحديث عنده هو تضمنه فضايل العترة الطاهرة.

صورة أخرى

جمع رسول الله صلى الله عليه وآله أو: دعا رسول الله صلى الله عليه وآله: بني عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذع ويشرب الفرق قال: فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتى شبعوا قال: وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس، ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأنه لم يمس. أو: لم يشرب. ثم قال: يا بني عبد المطلب؟ إني بعثت إليكم خاصة

الصفحة 69
وإلى الناس عامة وقد رأيتم من هذا الأمر ما رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي و صاحبي ووارثي؟! فلم يقم إليه أحد فقمت إليه وكنت أصغر القوم قال: فقال: اجلس. قال: ثم قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه فيقول لي: اجلس. حتى كان في الثالثة فضرب بيده على يدي.

أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1 ص 159 عن عفان بن مسلم (الثقة المترجم له ج 1 ص 86) عن أبي عوانة (الثقة المترجم له 1 ص 78) عن عثمان بن المغيرة (الثقة) عن أبي صادق (مسلم الكوفي الثقة) عن ربيعة بن ناجذ (التابعي الكوفي الثقة) عن علي أمير المؤمنين.

وبهذا السند والمتن أخرجه الطبري في تاريخه 1 ص 217. والحافظ النسائي في " الخصايص " ص 18. وصدر الحفاظ الكنجي الشافعي في " الكفاية " ص 89.

وابن أبي الحديد في [شرح النهج] 3 ص 255. والحافظ السيوطي في [جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 408.

صورة ثالثة

عن أمير المؤمنين قال: لما نزلت هذه الآية: وأنذر عشيرتك الأقربين. دعا بني عبد المطلب وصنع لهم طعاما ليس بالكثير فقال: كلوا باسم الله من جوانبها فإن البركة تنزل من ذروتها. ووضع يده أولهم فأكلوا حتى شبعوا ثم دعا بقدح فشرب أولهم ثم سقاهم فشربوا حتى رووا، فقال أبو لهب: لقدما سحركم. وقال: يا بني عبد المطلب إني جئتكم بما لم يجئ به أحد قط أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإلى الله وإلى كتابه. فنفروا وتفرقوا، ثم دعاهم الثانية على مثلها فقال أبو لهب كما قال المرة الأولى، فدعاهم ففعلوا مثل ذلك، ثم قال لهم ومد يده: من بايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووليكم من بعدي؟! فمددت يدي وقلت: أنا أبايعك، وأنا يومئذ أصغر القوم عظيم البطن فبايعني على ذلك. قال: وذلك الطعام أنا صنعته.

أخرجه الحافظ ابن مردويه بإسناده، ونقله عنه السيوطي في [جمع الجوامع] كما في الكنز 6 ص 401.


الصفحة 70

صورة رابعة

(بعد ذكر صدر الحديث) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا بني عبد المطلب؟ إن الله قد بعثني إلى الخلق كافة وبعثني إليكم خاصة، فقال: وأنذر عشيرتك الأقربين. وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان: شهادة أن لا إله إلا الله. وأني رسول الله. فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويوازرني يكن أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي. فلم يجبه أحد منهم، فقام علي وقال: أنا رسول الله؟ قال: اجلس. ثم أعاد القول على القوم ثانيا فصمتوا فقام علي وقال: أنا يا رسول الله؟ فقال: اجلس. ثم أعاد القول على القوم ثالثا فلم يجبه أحد منهم فقام علي فقال: أنا يا رسول الله؟ فقال: اجلس فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي.

أخرجه الحافظان: ابن أبي حاتم والبغوي، ونقله عنهما ابن تيمية في (منهاج السنة) 4 ص 80، وعنه الحلبي في سيرته 1 ص 304.

صورة خامسة

مر ص 95 في حديث قيس ومعاوية فيما رواه التابعي الكبير أبو صادق الهلالي في كتابه عن قيس: فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله جميع بني عبد المطلب فيهم: أبو طالب وأبو لهب وهم يومئذ أربعون رجلا فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وخادمه علي عليه السلام ورسول الله في حجر عمه أبي طالب فقال: أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي؟! فسكت القوم حتى أعادها ثلاثا، فقال علي أنا يا رسول الله؟ صلى الله عليك فوضع رأسه في حجره وتفل في فيه وقال: أللهم إملاء جوفه علما وفهما وحكما. ثم قال لأبي طالب. يا أبا طالب؟ اسمع الآن لابنك وأطع فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى.

صورة سادسة

أخرج أبو إسحاق الثعلبي المتوفى 427 / 37، المترجم له ج 1 ص 109 في تفسيره (الكشف والبيان) عن الحسين بن محمد بن الحسين قال: حدثنا موسى بن محمد

الصفحة 71
حدثنا الحسن بن علي بن شعيب (1) العمري حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكريا بن ميسرة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: لما نزلت هذه الآية: وأنذر عشيرتك الأقربين: جمع رسول الله صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا الرجل منهم يأكل المسنة ويشرب العس، فأمر عليا برجل شاة فأدمها ثم قال: ادنوا بسم الله. فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال لهم: اشربوا باسم الله. فشربوا حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال: هذا ما سحركم به الرجل. فسكت يومئذ ولم يتكلم ثم دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ثم أنذرهم رسول الله فقال: يا بني عبد المطلب؟ إني أنا النذير إليكم من الله عز وجل والبشير فأسلموا وأطيعوني تهتدوا ثم قال: من يؤاخيني ويوازرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي يقضي ديني؟! فسكت القوم فأعادها ثلاثا كل ذلك يسكت القوم ويقول علي: أنا فقال في المرة الثالثة: أنت. فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمر عليك.

وبهذا السند والمتن أخرجه صدر الحفاظ الكنجي الشافعي في الكفاية ص 89، م - وجمال الدين الزرندي في " نظم درر السمطين " بتغيير يسير في لفظه]

صورة سابعة

أخرج أبو إسحاق الثعلبي في - الكشف والبيان - عن أبي رافع وفيه: ثم قال إن الله تعالى أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وأنتم عشيرتي ورهطي، وإن الله لم يبعث نبيا إلا جعل له من أهله أخا ووزيرا ووارثا ووصيا وخليفة في أهله، فأيكم يقوم فيبايعني على أنه أخي ووزيري ووصيي ويكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟! فسكت القوم فقال: ليقومن قائمكم أو ليكونن في غيركم ثم لتندمن. ثم أعاد الكلام ثلاث مرات فقام علي فبايعه وأجابه ثم قال: ادن مني. فدنا منه ففتح فاه ومج في فيه من ريقه وتفل بين كتفيه وثدييه فقال أبو لهب: فبئس ما حبوت به ابن عمك؟ إن أجابك فملأت فاه ووجهه بزاقا. فقال صلى الله عليه وآله: ملأته حكمة وعلما.

____________

(1) في كفاية الكنجي: شبيب.

الصفحة 72
م وفي كتاب [الشهيد الخالد الحسين بن علي] تأليف الأستاذ حسن أحمد لطفي. قال في ص 9: إن النبي على ما رواه كثيرون لما جمع أعمامه وأسرته لينذرهم قال لهم: فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟! فأحجم الجميع إلا علي وكان أصغرهم فقال: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ الرسول صلى الله عليه وآله برقبته ثم قال: هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا].

م - وفي (كتاب محمد) تأليف توفيق الحكيم ص 50: ما أعلم إنسانا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على هذا الأمر وأن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟!.

قريش: لا أحد، لا أحد.

أعرابي: نعم لا أحد يوازرك على هذا حتى ولا كلب الحي.

علي: أنا يا رسول الله عونك، أنا حرب على من حاربت].

وذكر الحديث الصحافي القدير عبد المسيح الأنطاكي المصري (1) في تعليقه على علويته المباركة ص 76 ولفظ الحديث فيه: فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويوازرني على القيام به يكن أخي ووزيري وخليفتي من بعدي؟! فلم يجبه أحد من بني عبد المطلب إلا علي وكان أحدثهم سنا فقال: أنا يا رسول الله؟. فقال المصطفى: اجلس. ثم أعاد القول ثانيا فصمت القوم وأجاب علي: أنا يا رسول الله. فقال المصطفى: اجلس. ثم أعاد القول ثالثا فلم يكن في بني عبد المطلب من يجيبه غير علي فقال: أنا يا رسول الله.

حينئذ قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: اجلس فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي. فمضى القوم. إلخ. ونظم هذه الأثارة بقوله من قصيدته المذكورة:

وتلك بعثته الزهراء عليه صلاة * الله للخلق عربيها وعجميها
فصار يدعو إليها من توسم فيه * الخير سرا وخوف الشر يخفيها
بذا ثلاثة أعوام قضى وله * قد دان بعض قريش واهتدوا فيها

____________

(1) أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر تأتي هناك ترجمته.

الصفحة 73

وبعدها جاءه جبريل يأمره * بأن يجاهر بالاسلام مجريها
وقال: فاصدع بأمر الله إنك مبعوث * لتدعو إليه الناس تهديها
أنذر عشيرتك الدنيا بشرعتك الغرا * وأظهر لها أسنى معانيها
ومذ تبلغ أمر الله هم به * بهمة ما اعتدا الكفار يثنيها
ولم يجد عضدا كي يستعين به * على مجاهرة قد كان خاشيها
إلا العلي فناداه وأخبره * ببغيه حسب أمر الله باغيها
وقال هيئ لنا في الحال مأدبة * وليتقنن لها الألوان طاهيها
فرجل شاة على صاع الطعام واعساس * لها اللبن النوقي يمليها
وادع الهواشم باسمي كي أشافهها * بأمر ربي باري وباريها
قام العلي بأمر المصطفى ودعا * إلى وليمته أكرم بداعيها
أبناء هاشم هم كانوا عشيرته * ولم يكن فيهم إلا ملبيها
وعدهم كان عند الأربعين وهم * رجالة العرب في إحصاء محصيها
هذي عشيرة طه بل قرابته الـــــدنيا التي كان للاسلام راجيها
وإذ أتته تلقاها على رحب * ببشره وانثنى صفوا يحييها
حتى إذا ما استوى فيها المقام لها * مد السماط وفيه ما يشهيها
فأقبلت ورسول الله يخدمها * على الطعام ويعني كي يهنيها
حتى إذا أكلت ذاك الطعام ومن * ألبانه سقيت والله كافيها
ظل الطعام كما قد كان وهو وأيـــــم الله ما كان يكفي مستجيعيها
وتلك معجزة للمصطفى وبها * قام العلي وعنه نحن نرويها
وثم ابتدر القوم الرسول بذكرى * يمن بعثته يبدي خوافيها
وإذ أبو لهب في الحال قاطعه * وموه الحق بالتضليل تمويها
وقال: يا ناس طه جاء يسحركم * بذا الطعام احذروا الاضلال والتيها
هي انهضوا ودعوه أن يغش نفوس * الغير في هذه الدعوى ويصبيها
وهكذا ارفض ذاك الاجتماع وأنــــفس الجمع داجي الكفر غاشيها
وعاد طه إلى تكرار دعوته * وكان حيدرة المقدام راعيها


الصفحة 74

حتى إذا اجتمعت للأكل ثانية * على الخوان انثنى طه يفاهيها
فقال: ما جاء قبلي قومه أحد * بمثلها جئت من نعماء أسديها
لكم بها الخير في دنيا وآخرة * إذا انضويتم إلى زاهي مغانيها
فمن يوازرني منكم فذاك أخي * وذاك يخلفني في رعي ناميها
فلم يجد من لبيب راح مقتنعا * بصدق بعثته أو راح راضيها
وكلما ازداد تبيانا لبعثته الــــزهراء زادته تكذيبا وتسفيها
وثم بو لهب ناداه: ويلك لم * يجئ فتى قومه ما جئتنا إيها
تبت يداه فإن الجهل توهه * والكفر في دركات النار تتويها
وكرر المصطفى أقواله علنا * وقد توسع إنذارا وتنبيها
فما رأى غير ألباب محجرة * هيهات ليس يلين النصح قاسيها
وأنفسا عن كتاب الله معرضة * والكفر قد كان والاشراك معميها
وأحجمت كلها عن فيض رحمته * مع يمن دعوته فالكل آبيها
إلا العلي فنادى دونها: فأنا * نعماك يا هادي الأكوان باغيها
نادى: أن اجلس ثلاثا وهو يعرض دعـــــواه على القوم يبغي مستجيبيها
حتى إذا بات مأيوسا ومنزعجا * من الهواشم معي عن ترضيها
عنها تولى إلى حيث العلي منوها * به بين ذاك الجمع تنويها
وكان ماسكه من طوق رقبته * يقول: هذا لها والله يحميها
وقال: هذا أخي ذا وارثي وخليــــــفتي على أمتي يحمي مراعيها
وقال: فرض عليكم حسن طاعته * بعدي وإمرته ويل لعاصيها
فارفض جمعهم والهزء آخذهم * إلى الغواية في أدجى دياجيها
وهم يقولون: أحكام الغلام علي * يا أبا طالب كن من مطيعيها
كذاك حيدرة ماشى النبوة مذ * نادى المصطفى لبى مناديها
وشارك المصطفى من يوم أن وضع الأساس * حتى انتهت عليا مبانيها


الصفحة 75

كلمة الاسكافي حول الحديث
في كتابه - النقض على العثمانية -

قال بعد ذكر الحديث باللفظ المذكور ص 278: فهل يكلف عمل الطعام ودعاء القوم صغير غير مميز؟! وغر غير عاقل؟! وهل يؤتمن على سر النبوة طفل ابن خمس سنين أو ابن سبع سنين؟!؟! وهل يدعى في جملة الشيوخ والكهول إلا عاقل لبيب؟!

وهل يضع رسول الله صلى الله عليه وآله يده في يده ويعطيه صفقة يمينه بالأخوة والوصية والخلافة إلا وهو أهل لذلك؟!؟! بالغ حد التكليف، محتمل لولاية الله و عداوة أعدائه، وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه؟! ولم يلصق بأشكاله؟! ولم ير مع الصبيان في ملاعبهم بعد إسلامه؟! وهو كأحدهم في طبقته، كبعضهم في معرفته، وكيف لم ينزع إليهم في ساعة من ساعاته؟! فيقال: وعاه بعض الصبا، وخاطر من خواطر الدنيا، وعملته الغرة والحدثة على حضور لهوهم، والدخول في حالهم، بل ما رأيناه إلا ماضيا علي إسلامه، مصمما في أمره، محققا لقوله بفعله، قد صدق إسلامه بعفافه وزهده، ولصق برسول الله صلى الله عليه وآله من بين جميع من بحضرته، فهو أمينه وأليفه في دنياه وآخرته، وقد قهر شهوته، وجاذب خواطره، صابرا على ذلك نفسه، لما يرجو من فوز العاقبة وثواب الآخرة، وقد ذكر هو عليه السلام في كلامه و خطبه بدء حاله وافتتاح أمره حيث أسلم لما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله الشجرة فأقبلت تخذ الأرض فقالت قريش: ساحر خفيف السحر. فقال علي عليه السلام: يا رسول الله؟

أنا أول من يؤمن بك آمنت بالله ورسوله وصدقتك فيما جئت به وأنا أشهد أن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تصديقا لنبوتك وبرهانا على دعوتك. فهل يكون إيمان قط أصح من هذا الإيمان؟! وأوثق عقدة؟! وأحكم مرة؟! ولكن حنق العثمانية وغيظهم و عصبية الجاحظ وانحرافه مما لا حيلة فيه.

جنايات على الحديث

منها: ما ارتكبه الطبري في تفسيره 19 ص 74 فإنه بعد روايته له في تاريخه كما سمعت قلب عليه طهر المجن في تفسيره فأثبته برمته حرفيا متنا وإسنادا غير أنه أجمل القول فيما لهج به رسول الله صلى الله عليه وآله في فضل من يبادر إلى تلقي الدعوة

الصفحة 76
بالقبول قال فقال: فأيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي وكذا وكذا؟!.

وقال في كلمته صلى الله عليه وآله الأخيرة: ثم قال: إن هذا أخي وكذا وكذا.

وتبعه على هذا التقلب ابن كثير الشامي في البداية والنهاية 3 ص 40 وفي تفسيره 3 ص 351 فعل ابن كثير هذا وثقل عليه ذكر الكلمتين وبين يديه تاريخ الطبري وهو مصدره الوحيد في تاريخه وقد فصل فيه الحديث تفصيلا لأنه لا يروق إثبات النص لأمير المؤمنين بالوصية والخلافة الدينية، والدلالة عليه والإشارة إليه.

وهل هذه الغاية مقصد الطبري حينما حرف الكلم عن مواضعه في التفسير بعد ما جاء به صحيحا في التأريخ على حين غفلة عنها؟! أنا لا أدرى، لكن الطبري يدري. وأحسبك أيها القارئ جد عليم بذلك.

ومنها: خزاية فاضحة تحملها محمد حسين هيكل حيث أثبت الحديث كما أوعزنا إليه في الطبعة الأولى من كتابه - حياة محمد - ص 104 بهذا اللفظ:

نزل الوحي: أن أنذر عشيرتك الأقربين. واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين. وقل إني أنا النذير المبين. فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، و دعا محمد عشيرته إلى طعام في بيته وحاول أن يحدثهم داعيا إياهم إلى الله فقطع عمه أبو لهب حديثه. واستنفر القوم ليقوموا. ودعاهم محمد في الغداة كرة أخرى. فلما طعموا قال لهم: ما أعلم إنسانا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني هذا الأمر وأن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟! فأعرضوا عنه وهموا بتركه لكن عليا نهض وما يزال صبيا دون الحلم وقال: أنا يا رسول الله؟ عونك أنا حرب على من حاربت.

فابتسم بنو هاشم وقهقه بعضهم وجعل نظرهم يتنقل من أبي طالب إلى ابنه ثم انصرفوا مستهزئين. ا هـ.

فإنه أسقط من الحديث أولا ما فرع به رسول الله صلى الله عليه وآله كلامه من قوله لعلي:

فأنت أخي ووصيي ووارثي. ثم نسب إلى أمير المؤمنين ثانيا أنه قال: أنا يا رسول الله عونك أنا حرب على من حاربت. ليته دلنا على مصدر هذه النسبة في لفظ أي محدث أو مؤرخ من السلف؟! وراقه أن يحكم في الحضور في تلك الحفلة بتبسم بني هاشم

الصفحة 77
وقهقهة بعضهم ولم نجد لهذا التفصيل مصدرا يعول عليه.

ومهما لم يجد (هيكل) وراءه من يأخذه بمقاله، ولم ير هناك من يناقشه الحساب في تقولاته وتصرفاته أسقط منه ما يرجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام في الطبعة الثانية سنة 1354 ص 139، ولعل السر فيه لفتة منه إلى غاية ابن كثير وأمثاله بعد النشر، أو أن اللغط والصخب حول القول قد كثرا عليه هناك من مناوئي العترة الطاهرة، فأخذته أمواج اللوم والعتب حتى اضطرته إلى الحذف والتحريف. أو إن العادة المطردة في جملة من المطابع عاثت في الكتاب فغض عنها الطرف صاحبه لاشتراكه معها في المبدء أو عجزه عن دفعها. وعلى أي فحي الله الشعور الحي، والأمانة الموصوفة، والحق المضاع المأسوف عليه.

أسفي على بسطاء الأمة الإسلامية واعتنائهم بمثل هذه الكتب المشحونة بزخرف القول وأباطيل الكلم المموهة وقد جاءت بذات الرعد والصليل (1) وسيل بالأمة و هي لا تدري (2). ثم أسفي على مصر وحملة علمها المتدفق، وعلى تأليفها القيمة، وكتابها النزهاء، فإنها راحت ضحية تلكم الشهوات والميول، ضحية تلكم النفوس الخائرة، ضحية تلكم الكفريات المبيدة للمجتمع، ضحية تلكم الأقلام المستأجرة وقد اتخذت الباطل دغلا، وشغرت لها الدنيا برجلها (3)

قل هل ننبأكم بالأخسرين أعمالا
الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون
أنهم يحسنون صنعا

____________

(1) مثل يضرب لمن جاء بشر وعر.

(2) مثل يضرب للساعي الغافل.

(3) يضرب لمن ساعدته الدنيا فنال منها حظه.