الوامق النصراني

أليس بخم قد أقام (محمد) * (عليا) بإحضار الملا في المواسم
فقال لهم: من كنت مولاه منكم * فمولاكم بعدي (علي بن فاطم)
فقال: إلهي كن ولي وليه * وعاد أعاديه على رغم راغم

ويقول فيها:

أما رد عمرا يوم سلع بباتر * كأن على جنبيه لطخ العنادم (1)
وعاد ابن معدي نحو أحمد خاضعا * كشارب أثل في خطام الغمايم (2)
وعاديت في الله القبايل كلها * ولم تخش في الرحمن لومة لايم
وكنت أحق الناس بعد محمد * وليس جهول القوم في حكم عالم (3)

* (ما يتبع الشعر) *

ربما يستغرب القارئ ما يجده من مدايح النصارى لأمير المؤمنين عليه السلام وهم لا يعتنقون الاسلام فضلا عن الاعتقاد بالخلافة الإسلامية، ولا غرابة في ذلك فإنه جري منهم مع الحقايق الراهنة، وسير مع التاريخ الصحيح، فإن المنصف مهما اعتنق

____________

(1) السلع: جبل بالمدينة. العندم: الدم والبقم.

(2) أثل: شجر عظيم لا ثمر له ج أثلة. الخطام: كل ما وضع في فم البعير ليقتاد به. الغمايم جمع الغمامة: خريطة فم البعير. كناية عن نهاية الذلة والخضوع.

(3) مناقب ابن شهر آشوب 1 ص 286، 532.

الصفحة 2
مبدء غير الاسلام فإنه لا يسعه إنكار ما اكتنف مولانا من الفضايل: من نفسيات كريمة، وعلوم جمة، وخوارق لا تحصى، وبطولة وبسالة، وما قال فيه نبي الاسلام، الذي لا يعدو عند غير المسلم أن يكون عظيما من عظماء العالم، وحكيما من حكمائه، بل أعظم رجالات الدهر كلهم، لا يرمي القول على عواهنه، فلا بد أن يكون من يثبت له هو صلى الله عليه وآله وسلم تلك الفضايل عظيما كمثله أو دونه بمرقاة.

كما أنك تجد الثناء المتواصل على النبي الأعظم أو وصيه في كتب لفيف من النصارى واليهود ككتاب.

1أقوال محمدتأليفالمستر ستنلي لين بول
2محمد والقرآنتأليفالمستر جون وانتبورت
3محمد والقرآنتأليفالأستاذ مونته
4عقيدة الاسلامتأليفغولد يسهر
5العالم الاسلاميتأليفماكس مايرهوف
6تاريخ العربتأليفالأستاذ هوار
7مفكري الاسلامتأليفكاداود وفو الافرنسي
8مهد الاسلامتأليفألاب لامنس
9خلاصة تاريخ العربتأليفسديو الافرنسي
10حياة محمدتأليفالسير ويليام ميور الانكليزي
11سيرة محمدتأليفالسير وليم موير
12مدنيات الشرقتأليفألمسيو غروسه
13الكياسة الاجماعيةتأليفالدكتور وغسطون كرسطا الايطالي
14محمد والاسلامتأليفحنادا قنبرت
15حياة محمدتأليفالمستر دكالون سل
16محمد والاسلامتأليفالمستر بوسرت اسمت
17عرب اسبانياتأليفألمسيو دوزي
18عن الشرع الدوليتأليفالدكتور نجيب ارمنازي

الصفحة 3
19المعلم الاكبرتأليفالمستر هر برت وايل
20الابطالتأليفتوماس كارليل الانكليزي
21الاسلام خواطر وسوانحتأليفهنري دي كاستري الفرنسي
22حاضر العالم الاسلاميتأليفلوتروب ستو دارد الاميركي
23حكم النبي محمدتأليفتولستوي الروسي
24مصير المدنية الاسلاميةتأليفهو كنيك الفيلسوف الاميركي
25سر تطور الاسلامتأليفغوستاف لوبون الفرنسي
26الآراء والمعتقداتتأليفغوستاف لوبون الفرنسي
27الحضاراتتأليفغوستاف لوبون الفرنسي
28التمدن الاسلامي (1)تأليفغوستاف لوبون الفرنسي
29الاسلام ومحمدتأليفوالافتنرت
30محمد والحضارة (2)تأليفعبد المسبيح أفندي وزير
وغير ذلك مئات من كتبهم حول الاسلام أو نبيه. وما ذلك إلا أن ما وصفوه من صفات الفضيلة حقايق ناصعة لا يسترها التمويه، ولا يأتي على ذكرها الحدثان، و ذكريات خالدة يحدث بها الملوان، ما قام للدهر كيان، وبما أن حديث (الغدير) من هاتيك الحقايق تجد الناس إلبا واحدا في روايته، يهتف به الموالي، ويعترف به الناصب، وينشده المسلم، ويشدو به الكتابي.

* (الشاعر) *

بقراط بن أشوط الوامق الارميني النصراني، بطريق (3) بطارقة أرمينية، و قائدهم الأكبر، وأميرهم المقدم في القرن الثالث، عده ابن شهر آشوب في (معالم العلماء) من مقتصدي المادحين لأهل البيت عليهم السلام.

قال اليعقوبي في تاريخه 3 ص 213، وابن الأثير في الكامل 7 ص 20: إنه

____________

(1) طبعت ترجمته بالفارسية بطهران في 804 صحيفة.

(2) مقال نشر في جريدة الاستقلال سنة 1927 م.

(3) البطريق: القائد الحاذق بالحرب وشئونها. معرب.

الصفحة 4
وثب في سنة 237 أهل أرمينية بعاملهم يوسف بن محمد فقتلوه، وكان سبب ذلك أن يوسف لما سار إلى أرمينية خرج إليه بطريق يقال له: بقراط بن أشوط. ويقال له: بطريق البطارقة. يطلب الأمان فأخذه يوسف وابنه نعمة فسيرهما إلى باب الخليفة (المتوكل) فاجتمع بطارقة أرمينية مع ابن أخي بقراط بن أشوط وتحالفوا على قتل يوسف ووافقهم على ذلك موسى بن زرارة وهو صهر بقراط على ابنته فأتى الخبر يوسف ونهاه أصحابه عن المقام بمكانه فلم يقبل فلما جاء الشتاء ونزل الثلج مكثوا حتى سكن الثلج ثم أتوه وهو بمدينة (طرون) (1) فحصروه بها فخرج إليهم من المدينة فقاتلهم فقتلوه وكل من قاتل معه، وأما من لم يقاتل معه فقالوا: له انزع ثيابك وانج بنفسك عريانا ففعلوا ومشوا حفاة عراة فهلك أكثرهم من البرد وسقطت أصابع كثير منهم ونجوا، وكان ذلك في رمضان، وكان يوسف قبل ذلك قد فرق أصحابه في رساتيق عماله فوجه إلى كل طائفة منهم طائفة من البطارقة فقتلوهم في يوم واحد، فلما بلغ المتوكل خبره ووجه بغا الكبير إليهم طالبا بدم يوسف فسار إليهم على الموصل والجزيرة فبدأ بأرزن (2) وبها موسى بن زرارة و له إخوته إسماعيل وسليمان وحمد وعيسى ومحمد وهرون فحمل بغا موسى بن زرارة إلى المتوكل وأباح على قتله يوسف فقتل منهم زهاء ثلاثين ألفا وسبى منهم خلقا كثيرا فباعهم.

وهناك جمع آخرون من النصارى مدح أمير المؤمنين عليه السلام منهم: شاعرهم زينبا ابن إسحق الرسعني الموصلي النصراني.

ذكر له البيهقي في [ المحاسن والمساوي ] 1 ص 50، والزمخشري في [ ربيع الأبرار ]، وأبو حيان في تفسيره [ البحر المحيط ] 6 ص 221، وأبو العباس القسطلاني في [ المواهب اللدنية ]، وأبو عبد الله الزرقاني المالكي في [ شرح المواهب ] 7 ص 14، والمقري المالكي في [ نفح الطيب ] 1 ص 505. والشيخ محمد الصبان في [ إسعاف الراغبين ] 117 نقلا عن إمامهم أبي عبد الله محمد بن علي بن يوسف الأنصاري الشاطبي (3) قوله: (4)

____________

(1) موضع بأرمينية

(2) أرزن: مدينة من أرباض أرمينية.

(3) رضي الدين المولود 601 والمتوفى 680 والمترجم في نفح الطيب 1 ص 1505.

(4) وذكره له شيخنا الفتال في (روضة الواعظين) 143، وابن شهر آشوب في (المناقب) 2 ص 237.

الصفحة 5

عدي وتيم لا ا حاول ذكرها * بسوء ولكني محب لهاشم
وما تعتريني في علي ورهطه * إذا ذكروا في الله لومة لائم
يقولون: ما بال النصارى تحبهم * وأهل النهى من أعرب وأعاجم؟!
فقلت لهم: إني لأحسب حبهم * سرى في قلوب الخلق حتى البهايم

وذكر الخطيب الخوارزمي في المناقب 28، وابن شهر آشوب في مناقبه 1 ص 361، والأربلي في كشف الغمة 20 لبعض النصارى قوله:

علي أمير المؤمنين صريمة * وما لسواه في الخلافة مطمع
له النسب الأعلى وإسلامه الذي * تقدم فيه والفضايل أجمعوا
بأن عليا أفضل الناس كلهم * وأورعهم بعد النبي وأشجع
فلو كنت أهوى ملة غير ملتي * لما كنت إلا مسلما أتشيع

وذكر شيخنا عماد الدين الطبري في الجزء الثاني من كتابه (بشارة المصطفى) لأبي يعقوب النصراني قوله:

يا حبذا دوحة في الخلد نابتة * ما في الجنان لها شبه من الشجر
المصطفى أصلها والفرع فاطمة * ثم اللقاح علي سيد البشر
والهاشميان سبطاها لها ثمر * والشيعة الورق الملتف بالثمر
هذا مقال رسول الله جاء به * أهل الروايات في العالي من الخبر
إني بحبهم أرجو النجاة غدا * والفوز مع زمرة من أحسن الزمر

أشار بها إلى ما أخرجه الحفاظ (1) عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها، وأصل الشجرة في جنة عدن وسائر ذلك في سائر الجنة.

هذا لفظه عند العامة وأما عند مشايخنا فهو: خلق الناس من أشجار شتى و خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من شجره واحدة، فما قولكم في شجرة أنا أصلها، وفاطمة

____________

(1) الحاكم في (المستدرك) 3 ص 160، وابن عساكر في تاريخه ج 4 ص 318، ومحب الدين في (الرياض) 2 ص 253، وابن الصباغ (في الفصول) ص 11، والصفوري في (نزهة المجالس) 2 ص 222.

الصفحة 6
فرعها، وعلي لقاحها، والحسن والحسين ثمارها، وشيعتنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها ساقته إلى الجنة، ومن تركها هوى في النار.

وممن مدحه عليه السلام من متأخري النصارى عبد المسيح الأنطاكي المصري بقصيدته العلوية المباركة ذات 5595 بيتا ومنها قوله ص 547 فيما نحن فيه:

للمرتضى رتبة بعد الرسول لدى * أهل اليقين تناهت في تعاليها
ذو العلم يعرفها ذو العدل ينصفها * ذو الجهل يسرفها ذو الكفر يكميها
وإن في ذاك إجماعا بغير خلاف * في المذهب مع شتى مناحيها
وإن أقربها الاسلام لا عجب * فإنه منذ بدء الوحي داريها
وإن تنادى جموع المسلمين بها * فقد وعت قدرها من هدي هاديها
بل جاوزتهم إلى الأغيار فانصرفت * نفوسهم نحوها بالحمد تطريها
وذي فلاسفة الجحاد معجبة * بها وقد أكبرت عجبا تساميها
ورددت بين أهل الأرض مدحتها * فيه وقد صدقت وصفا وتشبيها
كذا النصارى بحب المرتضى شغفت * ألبابها وشدت فيه أغانيها
فلست تسمع منها غير مدحته الغراء * ما ذكرته في نواديها
فارجع لقسانها بين الكنائس مع * رهبانها وهي في الأديار تأويها
تجد محبته بالاحترام أتت * نفوسها وله أبدت تصبيها
وانظر إلى الديلم الشجعان خائضة الحروب * والترك في شتى مغازيها
تلف استعاذتها بالمرتضى ولقد * زانت بصورته الحسنا مواضيها
وآمنت أن ترصيع السيوف بصورة * الوصي ينيل النصر منضيها

م - وفي الآونة الأخيرة نظم الأستاذ بولس سلامة قاضي أمة المسيح ببيروت بعد ما قرأ كتابنا هذا (الغدير) قصيدته العصماء تحت عنوان (عيد الغدير) في 3085 بيتا، و فيها تحليل وتدقيق، وإعراب عن حقايق ناصعة. وجري مع التاريخ الصحيح، طبعت في 317 صفحة).


الصفحة 7

نعرات الجاهلية الأولى

إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم
الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم

ربما يجد الباحث في بعض تآليف المستشرقين في التاريخ الاسلامي رمزا من النزاهة في الكتابة والأمانة في النقل وخلو كل محكي عن أي مصدر (هبه غير وثيق) من التحريف والتصرف فيه، وتجرده عن سوء صنيع الكتبة، وبعده من الاستهتار، وهذا جمال كل تأليف وشأن كل مؤلف مهما كان شريف النفس، وهو حق كل رائد، و الرائد لا يكذب أهله.

غير أن في القوم من ألف وسخف فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ إذا كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. فكأن الجهل لم يمت بعد وقد مات أبو جهل، ولهب الضلال لم يخمد بعد وقد اتقد أبو لهب في درك الجحيم، وكأن الدنيا ترجع إلى ورائها القهقري، وعاد الاسلام كشمس كادت تكون صلاء (1)

جاء من القوم بعد لأي من الدهر من يدعو الناس إلى الجاهلية الأولى وإلى حميتها البائدة، ولا بقيا للحمية بعد الحرائم (2) نهض يبشر عن مسيح مركب من طبيعتين: (إلهية وبشرية) ويحسب نفسه قد أبهر في تأليفه وأتى بأمر جديد، فأخذ كالمتفلسف يتتعتع ويتلعثم، ويحرف الكلم عن مواضعه، ويؤول الكتاب الكريم برأيه الضئيل، ويتحكم في الحديث بفكرته الخائرة، ويرى النبي الأعظم من المبشرين بنصرانيته الصحيحة التي ليست هي إلا الضلال المحض، وهو مع ذلك مائن في نقله، خائن في حكايته، غاش في نصحه، مدنس في كتابته، مهاجم على قدس صاحب الرسالة

____________

(1) مثل يضرب في قلة الانتفاع بالشئ.

(2) الحريمة ما فات من كل مطموع فيه.

الصفحة 8
مجانب عن الحق والحقيقة، كل ذلك باسم كتاب (حياة محمد)

ألا؟ وهو الأستاذ إميل در منغم.

إن الرجل لما شاهد أن الاسلام علا هتافه اليوم، ودوخ أرجاء العالم صيته، وأطلت سمائه على الأرض كلها شرقا وغربا، وشع نوره في كل طلل ووهد، و عمت أشعته كل طارف وتليد، وملأ الكون صراخ قومه بالثناء البالغ على الاسلام المقدس ونبيه الأقدس، وكثر إعجابهم بكتابه السماوي، وقانونه الاجتماعي، وشرعه السوي، وحكمه السياسي، ودستوره الإصلاحي، ومشعبه الحق المشعب.

عز عليه كما عز على سلفه الغوغاء أن يشاهد هذا السلطان العالمي العظيم، وهذه السيطرة الباهرة، وهذه الشرعة العادلة الجبارة القاهرة للأكاسرة والتابعة والقياصرة والفراعنة، الحاكمة على آراء الأقباط والأقسة وآباء الكنائس وزعماء البيع ومعتقداتهم.

عز عليه أن يرى في بيئته الغربية بزوغ الاسلام الشرقي، وتنور أفكار المثقفين من قومه بلمعات القرآن العربي المجيد، وانتشار معارف الاسلام الخالدة في عواصم أوروبا كالسيل الجارف لأصول الضلال، وأهواء الغرب، وما هناك من فساد الخلايق، ومضلات البدع.

عز عليه أن يسمع بأذنيه من قلب العالم الأوربي بألسنة فلاسفتها نداء أن محمدا قاوم الوثنية بعزم واحد طول الحياة ولم يتردد لحظة واحدة بينها وبين عبادة الواحد الأحد (1)

أو أن يسمع عن آخر منهم وهو ينادي: إن القرآن هو القانون العام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو صالح لكل مكان وزمان (2)

أو أن يسمع عن ثالث من قومه وقد ملأ الدنيا صوته وهو يقول: استقرت قواعد الاسلام على أساس مكين من الآيات البينات التي أنزلت تباعا وكان ختامها: اليوم أكملت لكم دينكم وأتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا (3)

____________

(1) كلمة الكونت هنري دي كاستري.

(2) كلمة مسيو سنايس.

(3) كلمة الدكتور نجيب الارمنازى.

الصفحة 9
أو أن يسمع بأذنيه القرآن العزيز وهو يتلى في الإذاعات كل يوم بكرة و عشيا، وتقرع آية مسامع خلق الدنيا دون كتاب قومه وكتاب أي ملة.

م ونادى لسان الكون في الأرض رافعا * عقيرته في الخافقين ومنشدا
: أعباد عيسى إن عيسى وحزبه * وموسى جميعا يخدمون محمدا (1)

فهناك تعصب الرجل وتشزر، وشزر إلى الاسلام وكتابه ونبيه، ونظر إليها بصدر عينه (2) وتشذر للدفاع عن نحلته والذب عن مبدءه الباطل، فعلى نحيمه بصدر واغر على الحق، وهو يشوب ولا يروب (2) وشرع يدعو إلى النصرانية باسم الاسلام وحياة محمد، ويرى النبي محمدا جاء بكتاب عربي كما لو كان نصرانيا ذاكرا أنه واحدا من الأنبياء ص 100.

ويرى للنصرانية أثرا في محمد ويزعم أن النصارى قد أيقظت شعور النبي الديني قبل بعثه ص 100. ويجد في القرآن أصول النصرانية ص 106.

ويرى تأييد روح القدس لعيسى ذاتيا دون موسى ومحمد.

ويعتقد لعيسى من عصمة ما لم تكن لمحمد ويراه قد جاء في القرآن (4) 107

ويرى النصرانية تشمل الاسلام وتضيف إليه بعض الشئ 118.

ويرى المسيح ابن الله الوحيد بمعنى عرفاني يلائم الذوق الخرافي 110.

ويرى القرآن يدعو إلى النصرانية الصحيحة وهو القول بألوهيته وبشريته و كون الطبيعين في شخص واحد 107، 112.

ويعزو آراءه السخيفة جلها إلى القرآن المقدس، ويرى القرآن لم يحط بكل ما هو حق في الأمر 109.

ويرى آخر مصحف اعتمد عليه صنع الحجاج بن يوسف الثقفي، وإمكان تلاوة المصحف الشريف على غير ما هو عليه.

____________

(1) من أبيات للشاعر المفلق أبي الوفاء راجح الحلي المتوفى 627).

(2) مثل مشهور يضرب.

(3) الشوب: الخلط. والروب: الاصلاح. مثل يضرب.

(4) ليته دلنا على الآية الدالة عليه.

الصفحة 10
ويرى علماء التوحيد قائلين بألوهية المسيح 109.

ويرى الهوة بين المسلمين والنصارى نتيجة سوء التفاهم.

ويرى التباعد بين الملتين من فكرة مفسري القرآن وعلماء الاسلام.

ويرى العقل والتاريخ يستغربان عدم صلب المسيح.

ويرى اعتقاد المسلمين بعدم صلب المسيح باطلا والآية الدالة عليه غامضة 111.

ويؤول قوله تعالى: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم. بما يلائم تعاليم النصرانية 112.

ويعد من ضلال جزيرة العرب إنكار ألوهية المسيح والقول ببشريته فحسب 113

ويرى النبي قد وضع نفسه فوق جميع المعتقدات ما دام على غير علم بالنصرانية الصحيحة 114.

ويعبر عن النبي الأعظم ب (البدوي الحمس) 115.

فهذه جملة من خرافاته الراجعة إلى التبشير والدعوة إلى النصرانية، وبها يقف الباحث على غاية الكاتب وقيمة كتابه، ويعرف أنه يحط في هواه، ويحطب في حبله (1) جاهلا يأن حماة الدين (دين البدوي الحمس) نابهون يحومون حول الحمى، ويعرفون حول الصلبان الزمزمة (2) ويدافعون عن بيضة الاسلام المقدسة كل سخب وصخب ولغط وكذب وإفك وقول زور، وينزهون ساحته عن أرجاس الجاهلية وأنجاسها، إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون.

ولو أردت الوقوف على الحقيقة في كل ما لفقه الرجل من إفك شائن فعليك بكتاب الهدى إلى دين المصطفى، وكتاب الرحلة المدرسية وغيرهما من تآليف شيخنا العلم المجاهد الحجة الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي وما ألفه غيره من أعلام الأمة.

تسافل الشرق أو انحطاط العرب

لا أحسب أن بسطاء الأمة الإسلامية فضلا عن أعلامها تخفى عليهم الغايات المتوخاة في أمثال هذه الكتب المزورة، ولا تأمرهم أحلامهم قط بنشر ما خطته تلكم

____________

(1) مثل ساير.

(2) مثل يضرب لمن يروم الشئ ولا يظهر مرامه.

الصفحة 11
الأقلام المستأجرة لزعانفة الجاهلية، ولا يحسب أي حامل حساسات الحيابين جنبيه إن في تلكم التآليف فائدة طائلة قصرت عنها يد الشرق التي هي عاصمة علم الدنيا، و مرتكز لواء كل فضيلة ومحمدة اجتماعية.

ولا يهجس في خلد أي محنك أن في طي تلكم الكلم مقيلا من ظل الحقيقة، أو أن أحدا من أولئك الأساتذة المستشرقين قد أتى بفكرة صالحة جديدة في إصلاح المجتمع من شؤون اجتماعية. أخلاقية. سياسية. أدبية. روحية لم يأت بها نبي الاسلام في كتابه وسنته، حاشا نبي الاصلاح المبعوث لتتميم مكارم الأخلاق.

فما حاجة الأمة العربية الآخذة بناصية الشرق إلى ترجمة هذه التآليف الفارغة عن أدب الدين، أدب العلم. أدب النزاهة. أدب العفة. أدب الصدق والأمانة. أدب الحق والحقيقة؟!.

وما هذا الانحطاط والتسافل البالغ في العروبة، وقد أصبحت (العياذ بالله) في مسيس الحاجة إلى هذه الكتب المخزية تأليف كل خائر بائر، تأليف من صفرت يداه عن كل خير، والضلال سجيته وقرواه؟!.

كيف تفتقر الأمة الإسلامية (ولا تفتقر ولن تفتقر) إلى تلك الكتب!؟ ولها كتابها العربي المقدس، كتابها الاجتماعي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كتابها الذي لا ريب فيه، هدى للمتقين، كتابها الباحث عن الآداب الاجتماعية وشؤون الصالح العام التي قوامها الحكمة، وأساسها العدل والاحسان، وجامعها العفة و القداسة والحنان.

وكيف تفتقر وهي حاملة السنة النبوية؟! تلك السنة الطافحة بغرر الحكم الاجتماعية، والأحكام الحقوقية، والجزائية، والمدنية، والدفاعية، وما به انتظام الكون في قمع المظالم، وصيانة الحقوق، ودستور المعاش والمعاد، وحفظ الصحة، والمصالح العامة، ومباني الترقي، ومنقذات البشر من مخالب الجهل والضلال، ودروس التقدم في عالم الرشد والصلاح.

تلك السنة المؤسسة للحياة السياسية، وروح الوحدة الاجتماعية، والجوامع الأخلاقية، والفضايل النفسية، والحقوق النوعية والشخصية التي عليها مدار نظام حياة

الصفحة 12
النوع الانساني، وتدبير شؤون المجتمع البشري في جميع أدوار الدنيا، وقرونها المتكثرة.

وكيف تفتقر؟! وبين يديها برنامج الاصلاح الحيوي المشتمل لموجبات الأمن والدعة والسلام والوءام والنزوع إلى كل صالح، والانحياز عن كل ما يفكك عرى المدنية الصحيحة، والحضارة الراقية، والدين المبين، ألا وهو كتاب نهج البلاغة (للإمام أمير المؤمنين تأليف الشريف الرضي) الذي تراه فلاسفة الدنيا دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق.

يا أمه اثكليه

هلم معي أيها الشرقي الاسلامي نسائل أستاذ فلسطين محمد عادل زعيتر [ وهو يدب مع القراد (1) وقد أساء القول وأساء العمل ] عن ترجمة هذا الكتاب [ حياة محمد ] الطافح بالضلال.

نسائله عن جنايته الكبيرة على الأمة العربية بقوله في مقدمة ترجمته: قد تجنى المستشرقون على الحقائق في سيرة الرسول الأعظم لا ريب، وقد كان تجنيهم هذا عاملا في زهد كتاب العرب عن نقل ما ألفوه إلى العربية على ما يحتمل، ولكن عطل اللغة العربية من ذلك يعد نقصا في حركتنا العلمية على كل حال.

كيف عطل اللغة العربية مما جنته يد الجاهلية وقد تجنت على الحقائق يعد نقصا في حركتنا العلمية التي تدور مع الكتاب والسنة؟! وهما مدار علم العالم، و بصيرة كل متنور، ومرمى كل مثقف، وضالة كل حكيم، ومقصد كل فيلسوف شرقي أو غربي. وهذا نفس المؤلف يقول في مقدمة الكتاب: وأهم المصادر لتبيان حياة محمد هو القرآن وكتب الحديث والسيرة، والقرآن أصح هذه المصادر وإن كان أو جزها.

ليته كان يتبع كتاب العرب في زهدهم عن نقل ما ألفته يد الضلال إلى العربية، ويتوقى قلمه عن نشر كلم الفساد في المجتمع الاسلامي من دون أي تعليق عليها، وأي تنبيه للقارئ بفسادها وهو يقول: لا يظن القارئ أنني أشاطر المؤلف جميع ما ذهب إليه من الأمور التي أرى الحقيقة غابت عنه في كثير منها.

____________

(1) مثل يضرب للرجل الشرير.

الصفحة 13
اثكليه يا أمه؟ بأي ثمن بخس أو خطير باع شرف أمته، وعز نحلته، و عظمة قومه، وقداسة كتابه وسنته؟!.

ولأي مرمى بعيد جعل نفسه مع [ إميل در منغم ] في بردة أخماس (1)؟! وجاء يعاند الاسلام بنشر تلكم الأباطيل والأضاليل المضادة مع نحلته، ويشوه سمعة مصره العزيزة، وجامعها الأزهر، وأساتذتها النزهاء، وكتابها القادرين بنشر تلك التافهات المضلة في مطابعها المأسوف عليها وهو يقول في المقدمة: المؤلف مع ما ساده من حسن النية لم تخل سوانحه وأراؤه من زلات.

ليتني أدري وقومي: ما حاجتنا إلى حسن نية مؤله المسيح عيسى بن مريم وجاعله ابن الله الوحيد؟! وما الذي يعرب عن حسن نيته؟! وكل صحيفة من كتابه أهلك من ترهات البسابس (2) وقلت صحيفة ليست فيها هنات تنم عن سوء طويته، وفساد نيته، وخبث رأيه.

نعم: والذي أراه (والمؤمن ينظر بنور الله) إن المترجم راقه ما في الكتاب من الأكاذيب والمخاريق المعربة عن النزعات والأهواء الأموية فبذلك غدا الذئب للضبع (3) وجاء وقد أدبر غريره وأقبل هريرة (4) ووافق شن طبقة.

نعم: راقه سلقه أهل بيت النبي الطاهر بسقطات القول وكذب الحديث وسرد تاريخ مفتعل يمس كرامة النبي الأقدس وناموس عترته مما يلائم الروح الأموية الخبيثة، ويمثل آل الله للملأ بصورة مصغرة، ويشوه سمعتهم بما لا يتحمله ناموس الطبيعة، وشرف الانسانية، من شراسة الخلق، وسيئ العشرة، وقبح المداراة. قال:

كانت فاطمة عابسة دون رقية جمالا، ودون زينب ذكاء، ولم تدار فاطمة حينما أخبرها أبوها من وراء الستر أن علي بن أبي طالب ذكر اسمها، وكانت فاطمة تعد عليا دميما محدودا مع عظيم شجاعته، وما كان علي أكثر رغبة فيها من رغبتها فيه مع ذلك ص 197.

____________

(1) ضرب من برود اليمن. وهو مثل يضرب للرجلين تحابا وتقاربا وفعلا فعلا واحدا (2) الترهات: الطرق الصغار، البسابس جمع بسبس: الصحراء الواسعة.

(3) مثل يضرب لقريني سوء.

(4) الغرير: الخلق الحسن. الهرير ما يكره من سوء الخلق.