أبو الفتح كشاجم
المتوفى 360
له شغل عن سؤال الطلل * أقام الخليط به؟ أم رحل؟
فما ضمنته لحاظ الظبا * تطالعه من سجوف الكلل
ولا تستفز حجاه الخدود * بمصفرة واحمرار الخجل
كفاه كفاه فلا تعذلاه * كر الجديدين كر العذل
طوى الغي مشتعلا في ذراه * فتطفى الصبابة لما اشتغل
له في البكاء على الطاهرين * مندوحة عن بكاء الغزل
فكم فيهم من هلال هوى * قبيل التمام وبدر أفل
هم حجج الله في خلقه * ويوم المعاد على من خذل
ومن أنزل الله تفضيلهم * فرد على الله ما قد نزل
فجدهم خاتم الأنبياء * ويعرف ذاك جميع الملل
ووالدهم سيد الأوصياء * ومعطي الفقير ومردي البطل
ومن علم السمر طعن الحلي * لدى الروع والبيض ضرب القلل
ولو زالت الأرض يوم الهياج * من تحت أخمصه (1) لم يزل
ومن صد عن وجه دنياهم * وقد لبست حليها والحلل
وكان إذا ما أضيفوا إليه * فأرفعهم رتبة في المثل
سماء أضيف إليها الحضيض * وبحر قرنت إليه الوشل (2)
____________
(1) أخمص القدم: ما لا يصيب الأرض من باطنها، ويراد به القدم كلها.
(2) الوشل كما مر: الماء القليل يتحلب من صخر أو جبل.
بجود تعلم منه السحاب * وحلم تولد منه الجبل
وكم شبهة بهداه جلا * وكم خطة بحجاه فصل
وكم أطفأ الله نار الضلال * به وهي ترمي الهدى بالشعل
ومن رد خالقنا شمسه * عليه وقد جنحت للطفل (1)
ولو لم تعد كان في رأيه * وفي وجهه من سناها بدل
ومن ضرب الناس بالمرهفات * على الدين ضرب عراب الإبل
وقد علموا أن يوم الغدير * بغدرهم جر يوم الجمل
فيا معشر الظالمين الذين * أذاقوا النبي مضيض الثكل
إلى أن قال:
يخالفكم فيه نص الكتاب * وما نص في ذاك خير الرسل
نبذتم وصيته بالعراء * وقلتم عليه الذي لم يقل
إلى آخر قصيدته الموجودة في نسخ ديوانه المخطوط 47 بيتا وقد أسقط ناشر
ديوانه من القصيدة ما يخالف مذهبه وليست هذه بأول يد حرفت الكلم عن مواضعها.
* (الشاعر) *
أبو الفتح محمود بن محمد بن الحسين بن سندي بن شاهك الرملي (2) المعروف
بكشاجم. هو نابغة من رجالات الأمة، وفذ من أفذاذها، وأوحدي من نياقدها،
كان لا يجارى ولا يبارى، ولا يساجل ولا يناضل، فكان شاعرا كاتبا متكلما منجما
منطقيا محدثا، ومن نطس الأواسي محققا مدققا مجادلا جوادا.
فهو جماع الفضايل وإنما لقب نفسه بكشاجم إشارة بكل حرف منها إلى علم
فبالكاف إلى أنه كاتب، وبالشين إلى أنه شاعر، وبالألف إلى أدبه أو إنشاده، و
بالجيم إلى نبوغه في الجدل أو جوده، وبالميم إلى أنه متكلم أو منطقي أو منجم، و
لما ولع في الطلب وبرع فيه زاد على ذلك حرف الطاء فقيل: طكشاجم. إلا أنه
____________
(1) طفلت الشمس: دنت للغروب. مر حديث رد الشمس في الجزء الثالث 126 - 141.
(2) نسبة إلى الرملة من أرباض فلسطين.
لم يشتهر به، هذا ما طفحت به المعاجم (1) في تحليل هذا اللقب على الخلاف الذي
أوعزنا إليه في الإشارة، لكن الرجل بارع في جميع ما ذكر من العلوم ولعله هو
المنشأ للاختلاف في التحليل.
أدبه وشعره
إن المترجم قدوة في الأدب وأسوة في الشعر، حتى أن الرفاء السري الشاعر
المفلق على تقدمه في فنون الشعر والأدب كان مغرى بنسخ ديوانه، وكان في طريقه
يذهب، وعلى قالبه يضرب (2) ولشهرته بهذا الجانب قال بعضهم:
يا بؤس من يمنى بدمع ساجم * يهمى على حجب الفؤاد الواجم (3)
لولا تعلله (4) بكأس مدامة * ورسائل الصابي وشعر كشاجم (5)
دون شعره أبو بكر محمد بن عبد الله الحمدوني، ثم ألحق به زيادات أخذها من
أبي الفرج ابن كشاجم.
وشعره كما تطفح عنه شواهد تضلعه في اللغة والحديث، وبراعته في فنون الأدب
والكتاب والقريض، كذلك يقيم له وزنا في الغرائز الكريمة النفسية، ويمثله بملكاته
الفاضلة كقوله:
شهرت نداي مناصب لي * في ذرى كسرى صريحه
وسجية لي في المكارم * إنني فيها شحيحه
متحيزا فيها معلى المجد * مجتنبا منيحه
ولقد سننت من الكتابة * للورى طرقا فسيحه
وفضضت من عذر المعاني * الغر في اللغة الفصيحه
وشفعت مأثور الرواية * بالبديع من القريحه
ووصلت ذاك بهمة * في المجد سائبة طموحه
____________
(1) راجع شذرات الذهب ج 3 ص 37، والشيعة وفنون الاسلام ص 108.
(2) تاريخ ابن خلكان ج 1 ص 218.
(3) يمنى: يبتلى ويصاب. يهمى: يسيل. الواجم: العبوس من شدة الحزن
(4) علل فلانا بكذا: شغله. أو: لهاه به.
(5) معجم الأدباء ج 1 ص 326.
عزيمة لا بالكليلة * في الخطوب ولا الطليحه
كلتاهما لي صاحب * في كل دامية جموحه
ويحكي القارئ عن نبوغه وسرده المعاني الفخمة في أسلاك نظمه، ورقة
لطائفه، وقوة أنظاره، ودقة فكرته، ومتانة رويته قوله:
لو بحق تناول النجم خلق * نلت أعلى النجوم باستحقاق
أو ليس اللسان مني أمضى * من ظبات المهندات الرقاق؟
ويدي تحمل الأنامل منها * قلما ليس دمعه بالراقي
أفعوانا تهاب منه الأعادي * حية يستعيذ منها الراقي
وتراه يجود من حيث تجري * منه تلك السموم بالدرياق
مطرقا يهلك العدو عقابا * ويريش الولي ذا الأخفاق
وسطور خططتها في كتاب * مثل غيم السحابة الرقراق
صغت فيه من البيان حليا * باختراع البعيد لا الاشفاق
وقواف كأنهن عقود الدر * منظومة على الأعناق
غرر تظهر المسامع تيها * حين يسمعنها على الأحداق
ويحار الفهم الرقيق إذا ما * جال منهن في المعاني الرقاق
ثاويات معي وفكري قد * سيرها في نوازح الآفاق
وإذا ما ألم خطب فرأسي * فيه مثل الشهاب في الأعناق
وإذا شئت كان شعري أحلى * من حديث الفتيان والعشاق
حلف مشمولة وزير عوان * أسد في الحروب غير مطاق
إصطباحي تنفيذ أمر ونهي * ومن الراح بالعشي اغتباقي
ووقور الندى ولا أخجل الشارب * منه ولا أذم الساقي
أنزع الكأس إن شربت وأسقيه * دهاقا صحبي وغير دهاق
ومعد للصيد منتخبات * من أصول كريمة الأعراق
مضمرات كأنها الخيل تطوى * كل يوم بطونها للسباق
رايقات الشباب مكتسبات * حللا من صنيعة الخلاق
تصف البيض والجفون إذا ما * أخرجت ألسنا من الأشداق
وكأن المها إذا ما رأتها * حذرت واستطامنت في وثاق
مع ندامي كأنهم والتصافي * خلقوا من تألف واتفاق
والباحث يجد شاعرنا عند شعره معلما أخلاقيا فذا بعد ما يرى أمثلة خلايقه
الكريمة، ونفايس سجاياه، وصدقه في ولاءه، وقيامه بشؤون الانسانية نصب عينيه
مهما وقف على مثل قوله:
ولدينا لذي المودة حفظ * ووفاء بالعهد والميثاق
أتواخى رضاه جهدي فلما * مسه الضر مسه إرفاقي
تلك أخلاقنا ونحن أناس * همنا في مكارم الأخلاق
وقوله:
أناس أعرضوا عنا * بلا جرم ولا معنى
أساؤا ظنهم فينا * فهلا أحسنوا الظنا
وخلونا ولو شاؤا * لعادوا كالذي كنا
فإن عادوا لنا عدنا * وإن خانوا لما خنا
وإن كانوا قد اشتغلوا * فإنا عنهم أغنى
وقوله من قصيدة يمدح بها ابن مقلة:
كم في من خلة لو أنها امتحنت * أدت إلى غبطة أو سدت الخله
وهمة في محل النجم موقعها * وعزمة لم تكن في الخطب منجله
وذلة أكسبتني عز مكرمة * وربما يستفاد العز بالذله
صاحبت سادات أقوام فما عثروا * يوما على هفوة مني ولا زله
واستمتعوا بكفاياتي وكنت لهم * أوفى من الدرع أو أمضى من الاله
خط يروق وألفاظ مهذبة * لا وعرة النظم بل مختاره سهله
لو أنني منهل منها أخا ظمأ * روت صداه فلم يحتج إلى غله
وكم سننت رسوما غير مشكلة * كانت لمن أمها مسترشدا قبله
عمت فلا منشئ الديوان مكتفيا * منها ولم يغن عنها كاتب السله
وصاحبتني رجالات بذلت لها * مالي فكان سماحي يقتضي بذله
فأعمل الدهر في ختلي مكائده * والدهر يعمل في أهل الهوى ختله
لكن قنعت فلم أرغب إلى أحد * والحر يحمل عن أخوانه كله
وتراه متى ما أبعده الزمان عن أخلائه وحجبهم عنه، عز عليه البين، وعظمت
عليه شقته، وثقل عليه عبءه، فجاء في شكواه يفزع ويجزع، ويأن ويحن،
فيصور على قارئ شعره حنانه وحنينه، ويمثل سجاح عينه لوعة وجده، ولهب هواه
بمثل قوله:
يا من لعين ذرفت * ومن لروح تلفت
منهلة عبرتها * كأنها قد طرفت (1)
إن أمنت فاضت وإن * خافت رقيبا وقفت
وإنما بكاؤها * على ليال سلفت
وقوله:
يا معرضا لا يلتفت * بمثل ليلي لا تبت
برح هجرانك بي * حتى رثى لي من شمت
علقت قلبي بالمنى * فأحيه أو فأمت
وبما كان [كشاجم] مجلوبا بالحنان ولين الجانب، وسجاحة الخلايق، و
حسن الأدب، مطبوعا بالعطف والرأفة، مفطورا على عوامل الانسانية، والغرائز
الكريمة، ولم يكن شريرا، ولا ردئ النفس، ولا بذي اللسان، ولا مسارعا في الوقيعة
في أحد، كان يرى الشعر إحدى مآثره الجمة، ويعده من فضايله، وما كان يتخذه
عدة للمدح، ولا جنة في الهجاء، وما يهمه التوجه إلى الجانبين، لم ير لأي
منهما وزنا، لعدم تحريه التحامل على أحد، وعدم اتخاذه مكسبا ليدر له أخلاف
الرزق، ولا آلة لدنياه وجمع حطامها، وكان يقول:
ولئن شعرت لما قصدت * هجاء شخص أو مديحه
لكن وجدت الشعر للآداب * ترجمة فصيحه
____________
(1) طرفت عينه: أصابها شيئ فدمعت.
هجاؤه
أخرج القرن الرابع شعراء هجائين قد اتخذ كل واحد منهم طريقة خاصة
من فنون الهجاء، وكل فن مع هذه نوع فذ في الهجاء، يظهر ميزه متى قرن بالآخر
ومنهم مكثر ومنهم من استقل، وشاعرنا من الفرقة الثانية، وله فن خاص من
الهجاء كان يختاره ويلتزم به في شعره.
ولعلك تجده في فنه المختار مجلوب خلايقه الحسنة، ونفسياته الكريمة،
وملكاته الفاضلة، فكأنه قد خمرت بها فطرته، ومزجت بها طينته، أو جرت منه
الدم، واستولت على روحه، وحكمت في كل جارحة منه، حتى ظهرت آياتها في هجاؤه
النادر الشاذ، فيخيل إليك مهما يهجو أنه واعظ بار يخطب، أو نصوح يودد و
يعاتب، أو مجادل دون حقه يجامل، لا أنه يغمز ويعيب، ويغيظ في الوقيعة
ويناضل، ويثور ويثأر لنفسه، وتجده قد اتخذ الهجاء شكة دفاع له لا شكة
هجوم، وترى كل هجاؤه خليا عن لهجة حادة، وسباب مقذع، عاريا عن قبيح
المقال وخبث الكلام، بعيدا عن هتك مهجوه، ونسبته إلى كل فاحشة، وقذفه بكل
سيئة، غير مستبيح إيذاء مهجوه، ولا مستحل حرمته، ولا مجوز عليه الكذب
والتهمة، خلاف ما جرت العادة بين كثير من أدباء العصور المتقادمة، فعليك النظر
إلى قوله في بعض أبناء رؤساء عصره وقد أنفذ إليه كتابا فلم يجبه عنه:
ها قد كتبت فما رددت جوابي * ورجعت مختوما علي كتابي
وأتى رسولا مستكينا يشتكي * ذل الحجاب ونخوة البواب
وكأنني بك قد كتبت معذرا * وظلمتني بملامة وعتاب
فارجع إلى الانصاف واعلم أنه * أولى بذي الآداب والأحساب
يا رحمة الله التي قد أصبحت * دون الأنام علي سوط عذاب
بأبي وأمي أنت من مستجمع * تيه القيان ورقة الكتاب
وقوله الآخر في هجاء جماعة من الرؤساء:
عدمت رئاسة قوم شقوا * شبابا ونالوا الغنى حين شابوا
حديث بنعمتهم عهدهم * فليس لهم في المعالي نصاب
يرون التكبر مستصوبا * من الرأي والكبر لا يستصاب
وإن كاتبوا صارفوا في الدعاء * كأن دعاؤهم مستجاب
ومن لطيف شعره في الهجاء قوله:
إن مظلومة التي * زوجت من أبي عمر
ولدت ليلة الزفاف * إلى بعلها ذكر
قلت: من أين ذا الغلام * وما مسها بشر؟
قال لي بعلها: ألم * يأت في مسند الخبر؟
ولد المرأ للفراش * وللعاهر الحجر
قلت: هنيته على * رغم من أنكر الخبر
كشاجم والرياسة
وبما كان المترجم كما سمعت مطبوعا بسلامة النفس، وقداسة النفس، و
طيب السريرة، متحليا بمكارم الأخلاق، خاليا من المكيدة والمراوغة والدسيسة،
مزاولا عن البذاء والإيذاء والاعتساف، كان مترفعا نفسه عن الرتبة وإشغال المنصة في
أبواب الملوك والولاة، وما كان له مطمع في شأن من الوزراء والولاية والكتابة و
العمالة عند الأمراء والخلفاء، وما أتخذ فضايله الجمة لها شركا، ولنيل الآمال
وسيلة، وكان يرى التقمص بالرياسة من مرديات النفس ويقول:
رأيت الرياسة مقرونة * بلبس التكبر والنخوه
إذا ما تقمصها لابس * ترفع في الجهر والخلوه
ويقعد عن حق إخوانه * ويطمع أن يهرعوا نحوه
وينقصهم من جميل الدعاء * ويأمل عندهم الحظوه
فذلك إن أنا كاتبته * فلا يسمع الله لي دعوه
ولست بآت له منزلا * ولو أنه يسكن المروه
وكان بالطبع والحال هذه ينهي أوليائه عن قبول الوظايف السلطانية، والتولي
بشئ من المناصب عند الحكام، ويحذرهم عن التصدي بوظيفة من شؤون الملك
والمملكة، ويمثل بين يديهم شنعة الايتمار، وينبههم بما يقتضيه الترأس من الظلم
والوقيعة في النفوس، ونصب العداء لمخالفيه، وما يوجب من دحض الحق، وإضاعة
الحقوق، ورفض مكارم الأخلاق. وحسبك ما كتبه إلى صديق له وكان قد تقلد البريد
من قوله:
صرت لي عامل البريد مقينا (1) * وقديما إلي كنت حبيبا
كنت تستثقل الرقيب فقد صرت * علينا بما وليت رقيبا
كرهتك النفوس وانحرفت عنك * قلوب وكنت تسبي القلوبا
أفلا يعجب الأنام بشخص * صار ذئبا وكان ظبيا ربيبا؟!
حكمه ودرر كلمه
فياله في شعره من شواهد صادقة تمثله بهذا الجانب العظيم، وتعرب عن قدم
صدقه في حث أمته إلى المولى سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة، وبت الدعوة
إليه بدرر الكلم وغرر الحكم، وإصلاح أمته ببيان بحقيقة، وتشريح دعوة النفس
الأمارة بالسوء، وهن حكمياته قوله:
ليس خلق إلا وفيه إذا ما * وقع الفحص عنه خير وشر
لازم ذاك في الجبلة لا يدفعه * له بذلك خبر
حكمة الصانع المدبر أن لا * شيئ إلا وفيه نفع وضر
فاجتهد أن يكون أكبر قسميك * من النفع والأقل الأضر
وتحمل مرارة الرأي واعلم * أن عقبى هواك منه أمر
رض بفعل التدبير نفسك واقصرها * عليه ففيه فضل وفخر
لا تطعها على الذي تبتغيه * وليرعها منك اعتساف وقهر
إن من شأنها مجانبة الخير * وإتيان كل ما قد يغر
وقوله:
عجبي ممن تعالت حاله * وكفاه الله زلات الطلب
كيف لا يقسم شطري عمره * بين حالين: نعيم وأدب
فإذا ما نال دهرا حظه * فحديث ونشيد وكتب
مرة جدا وأخرى راحة * فإذا ما غسق الليل انتصب
____________
(1) مذكر المقينة: الماشطة.
يقتضي الدنيا نهارا حقها * وقضى لله ليلا ما يجب
تلك أقسام متى يعمل بها * عامل يسعد ويرشد ويصب
ومن كلمه الذهبية في تحليل معنى الرضا عن النفس وما يوجب ذلك من سخطها
وجموحها ورفض الآداب قوله:
لم أرض عن نفسي مخافة سخطها * ورضى الفتى عن نفسه إغضابها
لو أنني عنها رضيت لقصرت * عما تريد بمثلها آدابها
وببيننا آثار ذاك وأكثرت * عذلي عليه وطال فيه عتابها
ومن حكمه قوله:
بالحرص في الرزق يذل الفتى * والصبر فيه الشرف الشامخ
ومستزيد في طلاب الغنى * يجمع لحما ما له طابخ
يضيع ما نال بما يرتجي * والنار قد يطفئها النافخ
وقوله:
حلل الشبيبة مستعاره * فدع الصبا واهجر دياره
لا يشغلنك عن العلا * خود تمنيك الزيارة
خود تطيب طيبها * ويزين ساعدها سواره
يخلو أوائل حبها * ويشوب آخره مراره
ما عذر مثلك خالعا * في سكر لذته عذاره
من بعد ما شد الأشد * على تلابيه إزاره
من ساد في عصر الشباب * غدت لسودده غفاره
ما الفخر أن يغدو الفتى * متشبعا ضخم الحراره
كلفا بشرب الراح مشغوفا * بغزلان الستاره
مهجورة عرصاته * لا تقرب الأضياف داره
الفخر أن يشجي الفتي * أعداؤه ويعز جاره
ويذب عن أعراضه * ويشب للطراق ناره
ويروح إما للإمرة * سعيه أو للوزارة
فرد الكتابة والخطابة * والبلاغة والعبارة
متيقظ العزمات يجتنب * الكرى إلا غراره
فكأنه من حدة * ونفاذ تدبير شراره
حتى يخاف ويرتجى * ويرى له نشب وشاره
في موكب لجب كأن * الليل ألبسه خماره
تزهي به عصب تنفض * عن مناكبه غباره
ويطيل أبناء الرغائب * في مشاكله انتظاره
فادأب لمجد حادث * أو سالف يعلي مناره
واعمر لنفسك في العلا * حالا وكن حسن العمارة
وأقمر لها سوقا ينفقها * وتاجرها تجاره
لا تغد كلا واجتنب * أمرا يخاف الحر عاره
وإذا عدمت عن المآكل * خيرها فكل الحجاره
رحلة كشاجم
غادر المترجم بيئة نشأته [الرملة] إلى الأقطار الشرقية، وساح في البلاد،
ورحل رحلة بعد أخرى إلى مصر وحلب والشام والعراق، وكان كما كان في قصيدته
التي يمدح بها ابن مقلة بالعراق:
هذا على أنني لا أستفيق ولا * أفيق من رحلة في إثرها رحله
وما على البدر نقص في إضاءته * أن ليس ينفك من سيرو من نقله
وقال وهو في مصر:
قد كان شوقي إلى مصر يؤرقني * فاليوم عدت وغادت مصر لي دارا
أغدو إلى الجيزة الفيحاء مصطحبا (1) * طورا وطورا أرجي السير أطوارا
بينا أسامي رئيسا في رياسته * إذ رحت أحسب في الحانات خمارا
فللدواوين إصباحي ومنصرفي * إلى بيوت دمى يعلمن أوتارا
أما الشباب فقد صاحبت شرته * وقد قضيت لبانات وأوطارا
____________
(1) الجيزة: بليدة في غربي فسطاط مصر.
من شادن من بني الأقباط يعقد ما * بين الكثيب وبين الخضر زنارا
وكأنه في بعض آناته يرى نفسه بين مصر والعراق، ويتذكر أدواره فيهما، و
ما ناله في سفره إليهما من سراء أو ضراء، أو شدة أو رخاء، وما حظي من الأهلين
من النعمة والنقمة، والاكبار والاستحقار، فيمدح هذا ويذم ذلك فيقول:
يا هذا قلت فاسمعي لفتى * في حاله عبرة لمعتبره
أمرت بالصبر والسلو ولو * عشقت ألفيت غير مصطبره
من مبلغ إخوتي؟ وإن بعدوا: * إن حياتي لبعدهم كدره
قد همت شوقا إلى وجوههم * تلك الوجوه البهية النضره
أبناء ملك علاهم بهم * على العلا والفخار مفتخره
ترمي بهم نعمة تزينها * مروءة لم تكن ترى نزره
ما أنفك ذا الخلق بين منتصر * على الأعادي بهم ومنتصره
جبال حلم بدور أندية * أسد وغى في الهياج مبتدره
بيض كرام الفعال لا بخل الأيدي * وليست من الندى صفره
للناس منهم منافع ولهم * منافع في الأنام مشتهره
متى أراني بمصر جارهم * نسبي بها كل غادة خضره
والنيل مستكمل زيادته * مثل دروع الكماة منتثره
تغدو الزواريق فيه مصعدة * بنا وطورا تروح منحدره
والراح تسعى بها مذكرة * أردانها بالعبير مختمره
بكران لكن لهذه مائة * وتلك ثنتان وثنتا عشره
يا ليتني لم أر العراق ولم * أسمع بذكر الأهواز والبصره
ترفعني تارة وتخفضني * أخرى فمن سهلة ومن وعره
فوق ظهر سلهبة (1) * قطانها والبدار مغتفره
وتارة في الفرات طامية * أمواجه كالخيال معتكره
حتى كأن العراق تعشقني * أو طالبتني يد النوى بتره
____________
(1) السلهبة: الجسيمة
وكان يجتمع في رحلاته مع الملوك والأمراء والوزراء ويحظى بجوائزهم، و
يستفيد من صلاتهم، ويتصل بمشيخة العلم والحديث والأدب، ويقرأ عليهم * ويسمع
عنهم، ويأخذ منهم، وجرت بينه وبينهم محاضرات ومناظرات ومكاتبات، إلى أن تضلع
في العلوم، وحاز قصب السبق في فنون متنوعة، وتقدم في الكتابة والخطابة، وحصل
له من كل فن حظه الأوفى، ونصيبه الأعلى حتى عرفه المسعودي في (مروج الذهب)
2 ص 523 بأنه كان من أهل العلم والرواية والأدب.
عقيدته
إن عصر المترجم من العصور التي زاعت فيه النحل والمذهب، وشاعت فيه
الأهواء والآراء، وقل فيه من لا يرى في العقايد رأيا يفسر به إسلامه وهو ينص به على
خبيئة قلبه تارة ويضمرها أخرى، وأما شاعرنا فكان في جانب من ذلك، إماميا صادق
التشيع، مواليا لأهل بيت الوحي، متفانيا في ولائهم، ويجد الباحث في خلال شعره بينات
تظاهره بالتهالك في ولاء آل الله، وبثه الدعوة إليهم بحججه القوية، والتفجع في مصابهم
والذب عنهم، والنيل من مناوئيهم، واعتقاده فيهم أنهم وسايله إلى المولى في الحاضرة،
وواسطة نجاحه في الآخرة.
وكان من مصاديق الآية الكريمة: يخرج الحي من الميت. فإن نصب جده
السندي ابن شاهك وعدائه لأهل البيت الطاهر وضغطه واضطهاده الإمام موسى بن
جعفر صلوات الله عليه في سجن هارون مما سار به الركبان، وسودت به صحيفة
تاريخه، إلا أن حفيده هذا باينه في جميع نزعاته الشيطانية، فهو من شعراء أهل البيت
المجاهرين بولائهم، المتعصبين لهم، الذابين عنهم ولا بدع فإن الله هو الذي
يخرج الدر من بين الحصى، وينبت الورد محتفا بالأشواك، فمن نمازج شعره في
المذهب قوله:
بكاء وقل غناء البكاء * على رزء ذرية الأنبياء
لئن ذل فيه عزيز الدموع * لقد عز فيه ذليل العزاء
أعاذلتي إن برد التقى * كسانيه حبي لأهل الكساء
سفينة نوح فمن يعتلق * بحبهم يعتلق بالنجاء
لعمري لقد ضل رأي الهوى * بأفئدة من هواها هوائي
وأوصى النبي ولكن غدت * وصاياه منبذة بالعراء
ومن قبلها أمر الميتون، * برد الأمور إلى الأوصياء
ولم ينشر القوم غل الصدور * حتى طواه الردى في رداء
ولو سلموا لامام الهدى * لقوبل معوجهم باستواء
هلال إلى الرشد عالي الضيا * وسيف على الكفر ماضي المضاء
وبحر تدفق بالمعجزات * كما يتدفق ينبوع ماء
علوم سماوية لا تنال * ومن ذا ينال نجوم السماء؟
لعمري الأولى جحدوا حقه * وما كان أولاهم بالولاء
وكم موقف كان شخص الحمام * من الخوف فيه قليل الخفاء
جلاه فإن أنكروا فضله * فقد عرفت ذاك شمس الضحاء
أراها العجاج قبيل الصباح * وردت عليه بعيد المساء
وإن وتر القوم في بدرهم * لقد نقض القوم في كربلاء
مطايا الخطايا خذي في الظلام * فما هم إبليس غير الحداء
لقد هتكت حرم المصطفى * وحل بهن عظيم البلاء
وساقوا رجالهم كالعبيد * وحادوا نساءهم كالإماء
فلو كان جدهم شاهدا * ليتبع أظعانهم بالبكاء
حقود تضرم بدرية * وداء الحقود عزيز الدواء
تراه مع الموت تحت اللواء * والله والنصر فوق اللواء
غداة خميس إمام الهدى * وقد غاث فيهم هزبر اللقاء
وكم أنفس في سعير هوت * وهام مطيرة في الهواء
بضرب كما انقد جيب القميص * وطعن كما انحل عقد السقاء
وخيرة ربي من الخيرتين * وصفوة ربي من الأصفياء
طهرتم فكنتم مديح المديح * وكان سواكم هجاء الهجاء
قضيت بحبكم ما علي * إذا ما دعيت لفصل القضاء
وأيقنت أن ذنوبي به * تساقط عني سقوط الهباء
فصلى عليكم إله الورى * صلاة توازي نجوم السماء
وقوله في مدحهم صلوات الله عليهم:
آل النبي فضلتم * فضل النجوم الزاهره
وبهرتم أعدائكم * بالمأثرات السائره
ولكم مع الشرف البلاغة * والحلوم الوافره
وإذا تفوخر بالعلا * منكم علاكم فاخره
هذا وكم أطفأتم * عن أحمد من نائره
بالسمر تخضب بالنجــــــــيع(*) وبالسيوف البائره
تشفى بها أكبادكم * من كل نفس كافره
ورفضتم الدنيا لذا * فزتم بحظ الآخره
وقوله في ولاء أمير المؤمنين عليه السلام مشيرا إلى ما رويناه ص 26 في الجزء الثالث
مما ورد في حب أمير المؤمنين:
حب الوصي مبرة وصله * وطهارة بالأصل مكتفله
والناس عالمهم يدين به * حبا ويجهل حقه الجهله
ويرى التشيع في سراتهم * والنصب في الأرذال والسفله
وقوله في المعنى:
حب علي علو همه * لأنه سيد الأئمه
ميز محبيه هل تراهم * إلا ذوي ثروة ونعمه؟!
بين رئيس إلى أديب * قد أكمل الطرف واستتمه
وطيب الأصل ليس فيه * عند امتحان الأصول تهمه
فهم إذا خلصوا ضياء * والنصب الظالمون ظلمه
هذه الأبيات ذكرها له الثعالبي في (ثمار القلوب) ص 136 في وجه إضافة السواد
إلى وجه الناصبي، ويأتي مثله في ترجمة الناشي الصغير.
____________
(*) النجيع: من الدم ما كان مائلا إلى السواد.
ولكشاجم يرثي آل الرسول صلى الله عليه وآله قوله:
أجل هو الرزء فادحه * باكره فاجع ورائحه
لأربع دار عفا ولا طلل * أوحش لما نأت ملاقحه
فجائع لو درى الجنين بها * لعاد مبيضة مسالحه
يا بؤس دهر على آل رسول * الله تجتاحهم جوائحه (1)
إذا تفكرت في مصابهم * أثقب زند الهموم قادحه
بعضهم قربت مصارعه * وبعضهم بوعدت مطارحه
أظلم في كربلاء يومهم * ثم تجلى وهم ذبائحه
لا يبرح الغيث كل شارقة * تهمى غواديه أو روائحه
على ثرى حلة غريب رسول * الله مجروحة جوارحه
ذل حماه وقل ناصره * ونال أقصى مناه كاشحه
وسيق نسوانه طلاح (2) * أحسن أن تهادى بهم طلائحه
وهن يمنعن بالوعيد من النوح * والملا الأعلى نوائحه
عادى الأسى جده ووالده * حين استغاثتهما صوائحه
لو لم يرد ذو الجلال حربهم * به لضاقت بهم فسائحه
وهو الذي اجتاح حين ما عقرت * ناقته إذ دعاه صالحه
يا شيع الغي والضلال ومن * كلهم جمة فضائحه
غششتم الله في أذية من * إليكم أديت نصائحه
عفرتم بالثرى جبين فتى * جبريل قبل النبي ماسحه
سيان عند الإله كلكم * خاذله منكم. وذابحه
على الذي فاتهم بحقهم * لعن يغاديه أو يراوحه
جهلتم فيهم الذي عرفه البيت * وما قابلت أباطحه
إن تصمتوا عن دعائهم فلكم * يوم وغى لا يجاب صائحه
____________
م - (1) جاحه واجاجه واجتاحه: استأصله وأهلكه. جوائح جمع جائحة: البلية والداهية العظيمة).
م - (2) طلاح: معيية من السفر).
في حيث كبش الردي يناطح من * أبصر كبش الورى يناطحه
وفي غد يعرف المخالف من * خاسر دين منكم ورابحه
وبين أيديكم حريق لظى * يلفح تلك الوجوه لافحه
إن عبتموهم بجهلكم سفها * ما ضر بدر السماء نائحه
أو تكتموا الحق فالقرآن مشكله * بفضلهم ناطق وواضحه
ما أشرق المجد من قبورهم * إلا وسكانها مصابحه
قوم أبى حد سيف والدهم * للدين أو يستقيم جامحه
وهو الذي استأنس الزمان به * والدين مذعورة مسارحه
حاربه القوم وهو ناصره * قدما وغشوه وهو ناصحه
وكم كسى منهم السيوف دما * يوم جلاد يطيح طائحه
ما صفح القوم عندما قدروا * لما جنت فيهم صفائحه
بل منحوه العناد واجتهدوا * أن يمنعوه والله مانحه
كانوا خفافا إلى أذيته * وهو ثقيل الوقار راجحه
وله قوله:
زعموا أن من أحب عليا * ظل للفقر لابسا جلبابا
كذبوا من أحبه من فقير * يتحلى من الغنى أثوابا
حرفوا منطق الوصي بمعنى * خالفوا إد تأولوه الصوابا
إنما قال: ارفضوا عنكم الدنيا * إذا كنتم لنا أحبابا
مشايخه وتأليفه
لم نقف في المصادر التي بين أيدينا على ما يفيدنا في التنقيب عن أيام صباه، و
كيفية تعلمه، وأساتذته في فنونه، ومشايخه في علومه، والمصادر برمتها خالية من
البحث عن هذا الجانب إلا أن شعره يفيدنا تلمذه على الأخفش الأصغر علي بن
سليمان المتوفى سنة 315 فهو إما قرأ عليه في مصر أيام الأخفش بها وقد ورد الأخفش
مصر سنة 287 وخرج منها إلى حلب سنة 306، وإما في بغداد قبل أن غادرها الأخفش
إلى مصر، إذ يذكر قرائته عليه في قصيدة يمدحه بها في الشام حينما نزل بها الأخفش
إما في رواحه إلى مصر،. إما في أوبته عنها فقال:
فلما خيل الصبح * ولما يبد تبليجه
واتبعت العرا وجها * كسى البشر تباهيجه
إلى كعبة آداب * بأرض الشام محجوجه
إلى معدن بالحكمة * والآداب ممزوجه
سماعي قرائي * له في العلم مرجوجه
ومن يعدل بالعلم * من المنآد تعويجه
إذ الأخبار حاجته * ثناها وهي محجوجه
به تغدو من الشك * قلوب القوم مثلوجه
ويلقى طرق الحكمة * للأفهام منهوجه
لكي يفرج عني الخطب * لا أسطيع تفريجه
وكي يمنحني تأديبه * المحض وتخريجه
ومن أولى بتقريب * خلا من كنت ضريجه
ومن توجني من علمه * أحسن تتويجه
له أدب النديم كما في فهرست ابن النديم.
2 - كتاب الرسائل.
3 - ديوان شعره.
4 - كتاب المصايد والمطارد (1).
5 - خصايص الطرف.
6 - الصبيح.
7 - البيرزة في علم الصيد.
ولادته ووفاته
ما عثرنا في الكتب والمعاجم على ما يفيدنا تاريخ ولادته لكن يلوح من شعره
الذي يذكر فيه شيبه وهرمه في أوايل القرن الرابع أنه ولد في أواسط القرن الثالث
____________
(1) ينقل عنه ابن خلكان في تاريخه ج 2 ص 379.
قال من قصيدة:
وإن شيبي قد لاحت كواكبه * في ظلمة من سواد اللمة الجثله
فهذه جملة في العذر كافية * تغنيك فاغن عن التفصيل بالجمله
وبان مني شباب كان يشفع لي * سقيا له من شباب بان سقيا له
قد كان بابي للعافين منتجعا * ينتابه ثلة من بعدها ثلة
وكنت طود المنى يؤوى إلى كنفي * كحائط مشرف من فوقه ظله
أفنى الكثير فما إن زال ينقصني * متي دفعت إلى الأفنان والقله
وقد غنيت وأشغالي تبين من * فضلي فقد سترته هذه العطله
والسيف في الغمد مجهول جواهره * وإنما يجتنيه عين من سله
وهذه القصيدة يمدح بها أبا علي ابن مقلة الوزير ببغداد في أيام وزارته قبل
حبسه وقد قبض عليه وحبس سنة 324 وتوفي 328.
وأما وفاته ففي " شذرات الذهب " أنه توفي سنة 360 وتبعه - تاريخ آداب
اللغة العربية - وفي كشف الظنون، وكتاب الشيعة وفنون الاسلام، والأعلام للزركلي
أنها في سنة 350 ورددها غير واحد من المعاجم بين التاريخين، وكل منهما يمكن
أن يكون صحيحا، كما يقرب إليهما ما في مقدمة ديوانه من أنه توفي سنة 330 وهو
كما سمعت في مدحه ابن مقلة كان يشكو هرمه قبل سنة 324.
* (لفت نظر) *
ذكر المسعودي في " مروج الذهب " ج 1 ص 523 لكشاجم
أبياتا كتبها إلى صديق له ويذم النرد وذكر اسمه أبو الفتح محمد بن الحسن، وأحسبه
منشأ ترديد سيدنا صدر الدين الكاظمي في تأسيس الشيعة في إسمه وإسم أبيه بين
محمود ومحمد. والحسين والحسن، وذكر المسعودي صوابه في مروجه 2 ص 545،
548، 550.
ولده
أعقب المترجم ولديه أبا الفرج وأبا نصر أحمد ويكني كشاجم نفسه بالثاني
في قوله:
قالوا: أبو أحمد يبني. فقلت لهم: * كما بنت دودة بنيان السرق
بنته حتى إذا تم البناء لها * كان التمام ووشك الخير في نسق
ويثني عليه ويصفه بقوله:
نفسي الفداء لمن إذا جرح الأسى * قلبي أسوت به جروح أسائي
كبدي وتاموري وحبة ناظري * ومؤملي في شدتي ورخائي
ربيته متوسما في وجهه * ما قبل في توسمت آبائي
ورزقته حسن القبول مبينا * فيه عطاء الله ذي الآلاء
وغدوت مقتنيا له عن أمه * وهي النجيبة وابنة النجباء
وعمرت منه مجالسي ومسالكي * وجمعت منه مأربي وهوائي
فأظل أبهج في النهار بقربه * وأريه كيف تناول العلياء
وأزيره العلماء يأخذ عنهم * ولشذ من يغدو إلى العلماء
وإذا يجن الليل بات مسامري * ومجاوري وممثلا بإزائي
فأبيت أدني مهجتي من مهجتي * وأضم أحشائي إلى أحشائي
وكان أبو نصر أحمد بن كشاجم شاعرا أديبا ومن شعره يذم به بخيلا قوله (1):
صديق لنا من أبرع الناس في البخل * وأفضلهم فيه وليس بذي فضل
دعاني كما يدعو الصديق صديقه * فجئت كما يأتي إلى مثله مثلي
فلما جلسنا للطعام رأيته * يرى أنه من بعض أعضائه أكلي
ويغتاظ أحيانا ويشتم عبده * وأعلم أن الغيظ والشتم من أجلي
فأقبلت أستل الغذاء مخافة * وألحاظ عينيه رقيب على فعلي
أمد يدي سرا لأسرق لقمة * فيلحظني شزرا فأعبث بالبقل
إلى أن جنت كفي لحتفي جناية * وذلك أن الجوع أعدمني عقلي
فجرت يدي للحين رجل دجاجة * فجرت كما جرت يدي رجلها رجلي
وقدم من بعد الطعام حلاوة * فلم أستطع فيها أمر ولا أحلي
وقمت لو أني كنت بيت نية * ربحت ثواب الصوم مع عدم الأكل
وذكر الثعالبي في " يتيمة الدهر " ج 1 ص 257 - 251 من شعره ما يناهز
____________
(1) يتيمة الدهر ج 1 ص 248، ونهاية الإرب ج 3 ص 318.
ستين بيتا. وقال صاحب تعاليق اليتيمة ج 1 ص 240: [لم نعثر في ديوان كشاجم
على شيئ من هذه المختارات] ذاهلا عن أن الديوان المعروف هو لكشاجم لا لابنه
أبي نصر أحمد الذي انتخب الثعالبي من شعره، ويستشهد بشعره الوطواط في " غرر
الخصايص ".
خرج أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات الوزير المتوفى سنة 391 إلى بستانه
بالمقس فكتب إليه أبو نصر بن كشاجم على تفاحة بماء الذهب وأنفذها إليه (1)
إذ الوزير تخلى * للنيل في الأوقات
فقد أتاه سميا - ه جعفر بن الفرات
ويوجد في " بدايع البداية " شيئا من شعره راجع ج 1 ص 157، وذكر من شعره
ابن عساكر في تاريخه ج 4 ص 149 ما نظمه سنة 356 بالرملة لما ورد إليها أبو علي
القرمطي القصير.
ويذكر محمد بن هارون بن الأكتمي ابني كشاجم ويهجوهما بقوله: (2)
يا بني كشاجم أنتما * مستعملان مجربان
مات المشوم أبوكما * فخلفتماه على المكان
وقرنتما في عصرنا * ففعلتما فعل القران
لغلاء أسعار الطعام * وميتة الملك الهجان
____________
(1) في معجم الأدباء ج 2 ص 411.
(2) يتيمة الدهر 1 ص 352.