الصفحة 28
الفريقين فيرمى كل فريق باسم قسيمه، ومن هنا أتى الصاحب بهذه القذيفة كغيره من أعلام الطايفة مثل علم الهدى السيد المرتضى وأخيه الشريف الرضي.

وأما نسبته إلى الشافعية فيدفعها عزوه إلى الحنفية، ومن أبدع التناقض قول أبي حيان في كتاب [الامتاع ج 1 ص 55] إنه كان يتشيع لمذهب أبي حنيفة ومقالة الزيدية، وأما انتسابه إلى الزيدية فيدفعه تعداده الأئمة عليهم السلام في شعره كقوله:

بمحمد ووصيه وابنيهما * الطاهرين وسيد العباد
ومحمد وبجعفر بن محمد * وسمي مبعوث بشاطي الوادي
وعلي الطوسي ثم محمد * وعلي المسموم ثم الهادي
حسن وأتبع بعده بإمامة * للقائم المبعوث بالمرصاد

وقوله:

بمحمد ووصيه وابنيهما * وبعابد وبباقرين وكاظم
ثم الرضا ومحمد ثم ابنه * والعسكري المتقي والقائم
أرجو النجاة من المواقف كلها * حتى أصير إلى نعيم دائم

وقوله:

نبي والوصي وسيدان * وزين العابدين وباقران
وموسى والرضا والفاضلان * بهم أرجو خلودي في الجنان

وقوله أرجوزة:

يا زائرا قد قصد المشاهدا * وقطع الجبال والفدافدا
فأبلغ النبي من سلامي * ما لا يبيد مدة الأيام
حتى إذا عدت لأرض الكوفة * البلدة الطاهرة المعروفة
وصرت في الغري في خير وطن * سلم على خير الورى أبي الحسن
ثمة سر نحو بقيع الغرفد * مسلما على أبي محمد
وعد إلى الطف بكربلاء * أهد سلامي أحسن الاهداء
لخير من قد ضمه الصعيد * ذاك الحسين السيد الشهيد


الصفحة 29

واجنب إلى الصحراء بالبقيع * فثم أرض الشرف الرفيع
هناك زين العابدين الأزهر * وباقر العلم وثم جعفر
أبلغهم عني السلام راهنا * قد ملأ البلاد والمواطنا
واجنب إلى بغداد بعد العيسا * مسلما على الزكي موسى
واعجل إلى طوس على أهدى سكن * مبلغا تحيتي أبا الحسن
وعد لبغداد بطير أسعد * سلم على كنز التقى محمد
وأرض سامراء أرض العسكر * سلم على علي ن المطهر
والحسن الرضي في أحواله * من منبع العلوم في أقواله
فإنهم دون الأنام مفزعي * ومن إليهم كل يوم مرجعي

وله أرجوزة أخرى يعد فيها الأئمة الهداة ويسميهم. م - وقصيدة في الإمام أبي الحسن الرضا ثامن الحجج صلوات الله عليهم، تذكر في مقدمة (عيون الأخبار) لشيخنا الصدوق، وقصيدة أخرى فيه عليه السلام أيضا ألا وهي،

يا زائرا قد نهضا * مبتدرا قد ركضا
وقد مضى كأنه * البرق إذا ما أومضا
أبلغ سلامي زاكيا * بطوس مولاي الرضا
سبط النبي المصطفى * وابن الوصي المرتضى
5 من حاز عزا أقعسا * وشاد مجدا أبيضا
وقل له عن مخلص * يرى الولا مفترضا
: في الصدر نفح حرقة * تترك قلبي حرضا
من ناصبين غادروا * قلب الموالي ممرضا
صرحت عنهم معرضا * ولم أكن معرضا
10 نابذتهم ولم أبل * إن قيل: قد ترفضا
يا حبذا رفضي لمن * نابذكم وأبغضا
ولو قدرت زرته * ولو على جمر الغضا
لكنني معتقل * بقيد خطب عرضا


الصفحة 30

جعلت مدحي بدلا * من قصده وعوضا
أمانة مورده * على الرضا ليرتضى 15
رام بن عباد بها * شفاعة لن تدحضا

نوادر فيها المكارم

1 - يحكى أن الصاحب استدعى في بعض الأيام شرابا فأحضروا قدحا فلما أراد أن يشربه قال له بعض خواصه: لا تشربه فإنه مسموم - وكان الغلام الذي ناوله واقفا - فقال للمحذر: ما الشاهد على صحة قولك؟ فقال: تجربه في الذي ناولك إياه. قال: لا أستجيز ذلك ولا استحله. قال: فجر به في دجاجة قال: التمثيل بالحيوان لا يجوز. ورد القدح وأمر بقلبه، وقال: للغلام انصرف عني ولا تدخل داري، وأمر بإقرار جارية وجرايته عليه، وقال لا يدفع اليقين بالشك، والعقوبة بقطع الرزق نذالة.

2 - كتب إليه بعض العلويين يخبره بأنه قد رزق مولودا ويسأله أن يسميه ويكنيه فوقع في رقعته:

أسعدك الله بالفارس الجديد، والطالع السعيد، فقد والله ملأ العين قرة، و النفس مسرة مستقرة، والاسم علي ليعلي الله ذكره، والكنية أبو الحسن ليحسن الله أمره، فإني أرجو له فضل جده، وسعادة جده، وقد بعثت لتعويذه دينارا من مائة مثقال، قصدت به مقصد الفال، رجاء أن يعيش مائة عام، ويخلص خلاص الذهب الأبرز من نوب الأيام، والسلام.

3 - كتب بعض أصحاب الصاحب إليه رقعة في حاجة فوقع فيها، ولما ردت إليه لم ير فيها توقيعا، وقد تواترت الأخبار بوقوع التوقيع فيها، فعرضها على أبي العباس الضبي فم أزال يتصفحها حتى عثر بالتوقيع وهو ألف واحدة، وكان في الرقعة:

فإن رأى مولانا أن ينعم بكذا؟ فعل. فأثبت الصاحب أمام (فعل) ألفا يعني: أفعل.

4 - كتب الصاحب إلى أبي هاشم العلوي وقد أهدى إليه في طبق فضة عطرا:

العبد زارك نازلا برواقكا * يستنبط الاشراق من إشراقكا
فاقبل من الطيب الذي أهديته * ما يسرق العطار من أخلاقكا
والظرف يوجب أخذه مع ظرفه * فأضف به طبقا إلى أطباقكا


الصفحة 31
5 - نظر أبو القاسم الزعفراني يوما إلى جميع من فيها من الخدم والحاشية عليهم الخزوز الفاخرة الملونة فاعتزل ناحية وأخذ يكتب شيئا فسأل الصاحب عنه، فقيل: إنه في مجلس كذا يكتب. فقال: علي به. فاستهل الزعفراني ريثما يكمل مكتوبه فأعجله الصاحب، وأمر بأن يؤخذ ما في يده من الدرج، فقام الزعفراني إليه وقال:

أيد الله الصاحب.

اسمعه ممن قاله تزدد به * عجبا فحسن الورد في أغصانه

قال: هات يا أبا القاسم. فأنشده أبياتا منها:

سواك يعد الغنى ما اقتنى * ويأمره الحرص أن يخزنا
وأنت ابن عباد ن المرتجى * تعد نوالك نيل المنى
وخيرك من باسط كفه * وممن ثناها قريب الجنى
غمرت الورى بصنوف الندى * فأصغر ما ملكوه الغنى
وغادرت أشعرهم مفحما * وأشكرهم عاجزا الكنا
أيا من عطاياه تهدي الغنى * إلى راحتي من نأى أو دنا
كسوت المقيمين والزائرين * كسى لم يخل مثلها ممكنا
وحاشية الدار يمشون في * ضروب من الخز إلا أنا
ولست أذكر لي جاريا * على العهد يحسن أن يحسنا

فقال الصاحب قرأت في أخبار معن بن زائدة: أن رجلا قال له: احملني أيها الأمير، فأمر له بناقة وفرس وبغلة وحمار وجارية، ثم قال له: لو علمت أن الله تعالى خلق مركوبا غير هذه لحملتك عليه، وقد أمرنا لك من الخز بجبة، وقميص.

ودراعة. وسراويل وعمامة. ومنديل. ومطرف. ورداء. وجورب، ولو علمنا لباسا آخر يتخذ من الخز لأعطيناكه، ثم أمر بإدخاله الخزانة، وصب تلك الخلع عليه، وتسليم ما فضل عن لبسه في الوقت إلى غلامه.

6 - كتب أبو حفص الوراق الاصبهاني إلى الصاحب: لولا أن الذكرى أطال الله بقاء مولانا الصاحب الجليل - تنفع المؤمنين: وهزة الصمصام تعين المصلتين لما ذكرت ذاكرا، ولا هززت ماضيا، ولكن ذا الحاجة لضرورته يستعجل النجح،

الصفحة 32
ويكد الجواد السمح، وحال عبد مولانا أدام الله تأييده في الحنطة مختلفة، وجرذان داره عنها منصرفة، فإن رأى أن يخلط عبده بمن أخصب رحله، ولم يشد رحله؟ فعل إن شاء الله تعالى، فوقع الصاحب فيه:

أحسنت أبا حفص قولا، وسنحسن فعلا، فبشر جرذان دارك بالخصب: و أمنها من الجدب، فالحنطة تأتيك في الأسبوع، ولست عن غيرها من النفقة بممنوع إن شاء الله تعالى.

7 - عن أبي الحسن العلوي الهمداني الشهير بالوصي إنه قال: لما توجهت تلقاء الري في سفارتي إليها من جهة السلطان فكرت في كلام ألقى به الصاحب، فلم يحضرني ما أرضاه، حين استقبلني في العسكر، وأفضى عناني إلى عنانه جرى على لساني:

(ما هذا بشر إن هذا إلا ملك كريم). فقال: إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندوني، ثم قال: مرحبا بالرسول ابن الرسول، الوصي ابن الوصي.

8 - مرض الصاحب في الأهواز بإسهال فكان إذا قام عن الطست ترك إلى جانبه عشرة دنانير، حتى لا يتبرم به الخدم، فكانوا يودون دوام علته، ولما عوفي تصدق بنحو من خمسين ألف دينار.

9 - في (اليتيمة) عن أبي نصر ابن المرزبان إنه قال: كان الصاحب إذا شرب ماء بثلج أنشد على أثره:

قعقعة الثلج بماء عذب * تستخرج الحمد من أقصى القلب

ثم يقول: أللهم جدد اللعن على يزيد.

10 - في (معجم الأدباء) كان ابن الحضيري يحضر مجلس الصاحب بالليالي فغلبته عينه ليلة فنام وخرجت منه ريح لها صوت، فخجل وانقطع عن المجلس، فقال الصاحب: أبلغوه عني:

يا بن الحضيري لا تذهب على خجل * لحادث كان مثل الناي والعود
فإنها الريح لا تسطيع تحبسها * إذ لست أنت سليمان بن داود


الصفحة 33

غرر كلم للصاحب

تجري مجرى الأمثال

من استماح البحر العذب، استخرج اللؤلؤ الرطب.

من طالت يده بالمواهب، إمتدت إليه ألسنة المطالب.

من كفر النعمة، استوجب النقمة.

من نبت لحمه على الحرام، لم يحصده غير الحسام.

من غرته أيام السلامة، حدثته ألسن الندامة.

من لم يهزه يسير الإشارة، لم ينفعه كثير العبارة.

رب لطائف أقوال، تنوب عن وظائف أموال.

الصدر يطفح بما جمعه، وكل إناء مؤد ما أودعه.

اللبيب تكفيه اللمحة، وتغنيه اللحظة عن اللفظة.

الشمس قد تغيب ثم تشرق، والروض قد يذبل ثم يورق.

البدر يأفل ثم يطلع، والسيف ينبو ثم يقطع.

العلم بالتذاكر، والجهل بالتناكر.

إذا تكرر الكلام على السمع، تقرر في القلب.

الضمائر الصحاح أبلغ من الألسنة الفصاح.

الشيئ يحسن في إبانه، كما أن الثمر يستطاب في أوانه.

الآمال ممدودة، والعواري مردودة.

الذكرى ناجعة، وكما قال الله تعالى نافعة.

متن السيف لين، ولكن حده خشن، ومتن الحية ألين، ونابها أخشن

عقد المنن في الرقاب لا يبلغ إلا بركوب الصعاب.

بعض الحلم مذلة، وبعض الاستقامة مزلة.

كتاب المرء عنوان علقه، بل عيار قدره، ولسان فضله، بل ميزان علمه.


الصفحة 34
إنجاز الوعد من دلائل المجد واعتراض المطل من إمارات البخل، وتأخير الاسعاف من قرائن الأخلاف.

خير البر ما صفا وضفا، وشره ما تأخر وتكدر.

فراسة الكريم لا تبطي، وقيافة الشر لا تخطي.

قد ينبح الكلب القمر؟ فليلقم النابح الحجر.

كم متورط في عثار رجاء أن يدرك بثار.

بعض الوعد كنقع الشراب، وبعضه كلمع السراب.

قد يبلغ الكلام حيث تقصر السهام.

ربما كان الاقرار بالقصور أنطق من لسان الشكور.

ربما كان الامساك عن الاطالة أوضح في الابانة والدلالة.

لكل امرئ أمل، ولكل وقت عمل.

إن نفع القول الجميل، والأنفع السيف الصقيل.

شجاع ولا كعمرو، مندوب ولا كصخر.

لا يذهبن عليك تفاوت ما بين الشيوخ والأحداث، والنسور والبغاث.

كفران النعم عنوان النقم.

جحد الصنائع داعية القوارع.

تلقي الاحسان بالجحود تعريض النعم للشرود.

قد يقوى الضعيف، ويصحو النزيف، ويستقيم المائد، ويستيقظ الهاجد.

للصدر نفثة إذا أحرج، وللمرء بثة إذا أحوج.

ما كل امرء يستجب للمراد، ويطيع يد الارتياد.

قد يصلي البرئ بالقسيم، ويؤخذ البر بالأثيم.

ما كل طالب حق يعطاه، ولا كل شائم مزن يسقاه.

وقد أكثر الثعالبي في ذكر أمثال هذه الكلم الحكمية في (يتيمة الدهر) و ذكرها برمتها سيدنا الأمين في (أعيان الشيعة).

هذا مثال الشيعة وهذه أمثلته، هذا وزير الشيعة وهذه حكمه، هذا فقيه

الصفحة 35
الشيعة وهذا أدبه، هذا عالم الشيعة وهذه كلمه، هذا متكلم الشيعة وهذا مقاله، هؤلاء رجال الشيعة وهذه مآثرهم وآثارهم، هكذا فليكن شيعة آل الله وإلا فلا.

وفاته

توفي الصاحب ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة 385 بالري ولما توفي عطلت المدينة وأسواقها، واجتمع الناس على باب قصره، وينتظرون خروج جنازته، وحضر فخر الدولة وسائر القواد، وقد غيروا بزاتهم، فلما خرج نعشه من الباب على أكتاف حامليه للصلاة عليه قام الناس بأجمعهم إعظاما، وصاحوا صيحة واحدة، وقبلوا الأرض، وخرقوا ثيابهم، ولطموا وجوههم، وبلغوا في البكاء و النحيب عليه جهدهم، وصلى عليه أبو العباس الضبي، ومشى فخر الدولة أمام الجنازة وقعد في بيته للعزاء أياما، وبعد الصلاة عليه علق نعشه بالسلاسل في بيت إلى أن نقل إلى إصفهان فدفن في قبة هناك تعرف بباب درية (1) قال ابن خلكان: وهي عامرة إلى الآن وأولاد بنته يتعاهدونها بالتبييض. وقال السيد في (روضات الجنات) قلت: بل وهي عامرة إلى الآن، وكان أصابها تشعث وانهدام فأمر الإمام العلامة محمد إبراهيم الكرباسي في هذه الأيام بتجديد عمارتها، ولا يدع زيارتها مع ما به من العجز في الأسبوع والشهر والشهرين، وتدعى في زماننا بباب الطوقچي والميدان العتيق، و الناس يتبركون بزيارته، ويطلبون عند قبره الحوائج من الله تعالى.

قال الثعالبي في (اليتيمة): لما كنى المنجمون عما يعرض عليه له في سنة موته قال الصاحب:

يا مالك الأرواح والأجسام * وخالق النجوم والأحكام
مدبر الضياء والظلام * لا المشترى أرجوه للانعام
ولا أخاف الضر من بهرام * وإنما النجوم كالأعلام
والعلم عند الملك العلام * يا رب فاحفظني من الأسقام
ووقني حوادث الأيام * وهجنة الأوزار والآثام

____________

(1) بفتح الدال المهملة وكسر الراء كذا ضبطها السيد في أعيان الشيعة، وتجدها في (اليتيمة) وغيرها بالذال المجمعة كما يأتي بعيد هذا في شعر أبي منصور اللجيمي.

الصفحة 36

هبني لحب المصطفى المعتام * وصنوه وآله الكرام

ورثي الصاحب بقصايد كثيرة منها نونية أبي منصور أحمد بن محمد اللجيمي منها (1):

أكافينا العظيم إذا وردنا * ومولانا الجسيم إذا فقدنا
أردنا منك ما أبت الليالي * فأبطل ما أرادت ما أردنا
شققت عليك جيبي غير راض * به لك فاتخذت الوجد خدنا
ولو أني قتلت عليك نفسي * لكان إلى قضاء الحق أدنى
أفدنا شرح أمر فيه لبس * فإنا صائبا كنا استفدنا
ألم تلك منصفا عدلا؟ فأني * عمرت حفيرة وقلبت مدنا
وكيف تركت هذا الخلق حالت * خلائقهم فليس كما عهدنا؟!
تملكنا اللئام وصيرونا * عبيدا بعد ما كنا عبدنا
لئن بلغت رزيته قلوبا * فذبن أو أعينا منا فجدنا
لما بلغت حقائقها ولكن * على الأيام نعرف من فقدنا

وله في رثائه من قصيدة (2):

مضى من إذا ما أعوز العلم والندى * أصيبا جميعا من يديه وفيه
مضى من إذا أفكرت في الخلق كلهم * رجعت ولم أظفر له بشبيه
ثوى الجود والكافي معا في حفيرة * ليأنس كل منهما بأخيه
هما اصطحبا حيين ثم تعانقا * ضجيعين في قبر بباب ذريه

قد يعزى بعض هذه الأبيات إلى أبي القاسم بن أبي العلاء الاصبهاني مع حكاية طيف عنه.

ومنها نونية أبي القاسم بن أبي العلاء الاصفهاني ذكر منها الثعالبي في (يتيمة الدهر) ج 3 ص 263 قوله:

يا كافي الملك ما وفيت حظك من * وصف وإن طال تمجيد وتأبين

____________

(1) يتيمة الدهر ج 4 ص 375.

(2) يتيمة الدهر ج 4 ص 375.

الصفحة 37

فقت الصفات فما يرثيك من أحد * إلا وتزيينه إياك تهجين
ما مت وحدك لكن مات من ولدت * حواء طرا بل الدنيا بل الدين
هذي نواعي العلا مذ مت نادبة * من بعد ما ندبتك الخرد العين
تبكي عليك العطايا والصلات كما * تبكي عليك الرعايا والسلاطين
قام السعاة وكان الخوف أقعدهم * فاستيقظوا بعد ما مت الملاعين
لا يعجب الناس منهم إن هم انتشروا * مضى سليمان وانحل الشياطين

ومنها دالية أبي الفرج بن ميسرة ذكر منها الثعالبي في [اليتيمة] ج 3 ص 254 قوله:

ولو قبل الفداء لكان يفدى * وإن حل المصاب على التفادي
ولكن المنون لها عيون * تكد لحاظها في الانتقاد
فقل للدهر: أنت أصبت فالبس * برغمك دوننا ثوبي حداد
إذا قدمت خاتمة الرزايا * فقد عرضت سوقك للكساد

ومنها دالية لأبي سعيد الرستمي ذكر الثعالبي منها قوله:

أبعد ابن عباس يهش إلى السرى * أخو أمل أو يستماح جواد؟!
أبى الله إلا أن يموتا بموته * فما لهما حتى المعاد معاد

ومنها لأمية أبي الفياض سعيد بن أحمد الطبري ذكرها الثعالبي في (اليتيمة) ج 3 ص 254.

خليلي كيف يقبلك المقيل؟ * ودهرك لا يقيل ولا يقيل
ينادي كل يوم في بنيه *: ألا هبوا فقد جد الرحيل
وهم رجلان منتظر غفول * ومبتدر إذا يدعى عجول
كأن مثال من يفنى ويبقى * رعيل سوف يتلوه رعيل
5 فهم ركب وليس لهم ركاب * وهم سفر وليس لهم قفول
تدور عليهم كأس المنايا * كما دارت على الشرب الشمول
ويحدوهم إلى الميعاد حاد * ولكن ليس يقدمهم دليل
ألم تر من مضى من أولينا * وغالتهم من الأيام غول


الصفحة 38

قد احتالوا فما دفع الحويل * وأعولنا فما نفع العويل؟!؟!
كذاك الدهر أعمار تزول * وأحوال تحول ولا تؤول 10
لنا منه وإن عفنا وخفنا * رسول لا يصاب لديه سول
وقد وضح السبيل فما لخلق * إلى تبديله أبدا سبيل
لعمرك إنه أمد قصير * ولكن دونه أمد طويل
أرى الاسلام أسلمه بنوه * وأسلمهم إلى وله يهول
أرى شمس النهار تكاد تخبو * كأن شعاعها طرف كليل 15
أرى القمر المنير بدا ضئيلا * بلا نور فأضناه النحول
أرى زهر النجوم محدقات * كأن سراتها عور وحول
أرى وجه الزمان وكل وجه * به مما يكابده فلول
أرى شم الجبال لها وجيب * تكاد تذوب منه أو تزول
وهذا الجو أكلف مقشعر * كأن الجو من كمد عليل 20
وهذي الريح أطيبها سموم * إذا هبت وأعذبها بليل
وللسحب الغزار بكل فج * دموع لا يزار بها المحول
نعى الناعي إلى الدنيا فتاها * أمين الله فالدنيا ثكول
نعى كافي الكفاة فكل حر * عزيز بعد مصرعه دليل
نعى كهف العفاة فكل عين * بما تقذي العيون به كحيل 25
كأن نسيم تربته سحيرا * نسيم الروض تقبله القبول
إذا وافى أنوف الركب قالوا *: سحيق المسك أم ترب مهيل؟!
آيا قمر المكارم والمعالي * أبن لي كيف عاجلك الأفول؟!
أبن لي كيف هالك ما يهول * وغالك بعد عزك ما يغول؟!؟!
ويا من ساس أشتات البريا * وألجم من يقول ومن يصول 30
أدلت على الليالي من شكاها * وقد جارت عليك فمن يديل
بكاك الدين والدنيا جميعا * وأهلهما كما يبكى الحمول
بكتك البيض والسمر المواضي * وكنت تعولها فيمن تعول


الصفحة 39

بكتك الخيل معولة ولكن * بكاها حين تندبك الصهيل
35 قلوب العالمين عليك قلب * وحظك من بكائهم قليل
ولي قلب لصاحبه وفي * يسيل وتحته روح تسيل
إذا نظمت يدي في الطرس بيتا * محاه منه منتظم هطول
فإن يك رك شعري من ذهولي * فذلك بعض ما يجني الذهول
كتبت بما بكيت لأن دمعي * عليك الدهر فياض همول
40 وكنت أعد من روحي فداء * لروحك إن أريد لها بديل
أأحيا بعده وأقر عينا * حياتي بعده هدر غلول
حياتي بعده موت وحي * وعيشي بعده سم قتول
عليك صلاة ربك كل حين * تهب بها من الخلد القبول

ومنها ميمية أبي القاسم غانم بن محمد بن أبي العلا الاصبهاني يقول فيها: (1)

مضى نجل عباد المرتجى * فمات جميع بني آدم
أوارى بقبرك أهل الزمان * فيرجح قبرك بالعالم

وله من قصيدة أخرى في رثاء الصاحب يقول فيها:

هي نفس فرقتها زفراتي * ودماء أرقتها عبراتي
لشباب عذب المشارع ماض * ومشيب جذب المراتع آت
زمن أذرت الجفون عليه * من شؤوني ما كان ذوب حياتي
تتلاقى من ذكره في ضلوعي * ودموعي مصايف ومشاتي
جاد تلك العهود كل أجش الودق * ثر الاخلاف جون السرات
بل ندى الصاحب الجليل أبي القاسم * نجل الأمير كافي الكفاة
تتبارى كلتا يديه عطايا * ومنايا حتما لعاف وعات
ضامنا سيبه لغنم مفاد * موذنا سيفه بروح مفات
وارتياح يريك في كل عطف * ألف ألف كطلحة الطلحات
ويد لا تزال تحت شكور * لاثم ظهرها وفوق دواة

____________

(1) تتميم يتيمة الدهر ج 1 ص 120.

الصفحة 40
ومنها تائية رثاه بها صهره السيد أبو الحسن علي بن الحسين الحسني أولها (1).

ألا إنها أيدي المكارم شلت * ونفس المعالي إثر فقدك سلت
حرام على الظلماء إن هي قوضت * (2) وحجر على شمس الضحى أن تجلت
لتبك على كافي الكفاة مآثر * تباهي النجوم الزهر في حيث حلت
لقد فدحت فيه الرزايا وأوجعت * كما عظمت منه العطايا وجلت
ألا هل أتى الآفاق آية غمة * أطلت؟! ونعمي أي دهر تولت؟!
وهل تعلم الغبراء ماذا تضمنت * وأعواد ذاك النعش ماذا أفلت؟!؟!
فلا أبصرت عيني تهلل بارق * يحاكي ندى كفيك إلا استهلت
ولو قبلت أرواحنا عنك فدية * لجدنا بها عند الفداء وقلت

وقال السيد أبو الحسن محمد بن الحسين الحسني المعروف بالوصي الهمداني المترجم في يتيمة الدهر في رثائه:

مات الموالي والمحب * لأهل بيت أبي تراب
قد كان كالجبل المنيع * لهم فصار مع التراب (3)

وله في رثائه:

نوم العيون على الجفون حرام * ودموعهن مع الدماء سجام
تبكي الوزير سليل عباد العلا * والدين والقرآن والاسلام
تبكيه مكة والمشاعر كلها * وحجيجها والنسك والاحرام
تبكيه طيبة والرسول ومن بها * وعقيقها والسهل والأعلام
كافي الكفاة قضى حميدا نحبه * ذاك الإمام السيد الضرغام
مات المعالي والعلوم بموته * فعلى المعالي والعلوم سلام

ورثاه سيدنا الشريف الرضي [الآتي ذكره في شعراء القرن الخامس] بقصيدة

____________

(1) ذكرها له الحموي في معجم الأدباء والسيد في (الدرجات الرفيعة)

(2) الحجر المنع.

(3) ذكرهما له في ترجمته الثعالبي في (اليتيمة) ج 3 ص 260.

الصفحة 41
شرحها أبو الفتح عثمان بن جني المتوفى 392 في مجلد واحد كما ذكره الحموي في (معجم الأدباء) 5 ص 31، ولنشر القصيدة في ديوان ناظمه الشريف وفي غير واحد من المعاجم نضرب عنها صفحا أولها:

أكذا المنون يقطر الأبطالا؟! * أكذا الزمان يضعضع الأجيالا؟!
أكذا تصاب الأسد وهي مدلة * تحمي الشبول وتمنع الأغيالا؟!
أكذا تقام على الفرائس بعدما * ملأت هماهمها الورى أوجالا؟!
أكذا تحط الزاهرات عن العلى * من بعد ما شأت العيون منالا؟!

[القصيدة 112 بيتا]

ومر أبو العباس الضبي بباب الصاحب بعد وفاته فقال:

أيها الباب لم علاك اكتئاب؟! * أين ذاك الحجاب والحجاب؟!
أين من كان يفزع الدهر منه؟! * فهو اليوم في التراب تراب

لا يذهب على القارئ أن استدلال مثل الصاحب أحد عمد مراجع اللغة والأدب على أفضلية أمير المؤمنين نظما ونثرا بحديث (الغدير) حجة قوية على صحة إرادة معنى للمولى لا يبارح الإمامة والخلافة كما أراد هو.

مصادر ترجمة الصاحب

يتيمة الدهر 3 ص 169 - 267      فهرست ابن النديم ص 194
أنساب السمعاني. معالم العلماء      محاسن إصبهان للمافروخي الاصبهاني
نزهة الألباء في طبقات الأدباء      كامل ابن الأثير 9 ص 37
معجم الأدباء 6 ص 168 - 317      المنتظم لابن الجوزي 7 ص 179
تجارب السلف لابن سنجر ص 243      تاريخ ابن خلكان 1 ص 78
مرآة الجنان لليافعي 2 ص 441      تاريخ ابن كثير 11 ص 314
شرح دراية الحديث للشهيد      نهاية الأرب 3 ص 108
شذرات الذهب 3 ص 113      معاهد التنصيص 2 ص 162
بغية الوعاة للسيوطي ص 196      مجالس المؤمنين للقاضي ص 324
بحار الأنوار ج 10 ص 264 - 7      الدرجات الرفيعة للسيد علي خان

الصفحة 42
أمل الآمل لشيخنا الحر العاملي      لسان الميزان لابن حجر 1 ص 413
تكملة الأمل للشيخ عبد النبي الكاظمي      منتهى المقال لأبي علي ص 56
روضات الجنات      تنقيح المقال لشيخنا المامقاني 1 ص 135
أعيان الشيعة 12 في 240 صحيفة      سفينة البحار للقمي 2 ص 13
الكنى والألقاب 2 ص 365 - 71      الطليعة في شعراء الشيعة ج 1
قال الحموي في (معجم البلدان) 6 ص 8: ذكرت أخباره مستقصاة في أخبار مردويه.

ولأبي حيان التوحيدي المتوفى 380 رسالة [مثالب الوزيرين] ألفها في تعيير المترجم الصاحب وأبي الفضل ابن العميد نشرت في [الامتاع والمؤانسة] 1 ص 53 - 67 وقد سلب عنهما مالهما من المآثر والفضائل، وبالغ في التعصب عليهما، وجاء بأمر خداج، وأتى بمنكر من قول وزور، وفاحشة مبينة، وما أنصف وما أبر بإجماع المؤرخين، ولهتيكته هذه أسباب تجد ذكرها في أعيان الشيعة وغيره.