أبو محمد العوني
إمامي له يوم (الغدير) أقامه * نبي الهدى ما بين من أنكر الأمرا
وقام خطيبا فيهم إذ أقامه * ومن بعد حمد الله قال لهم جهرا
: ألا إن هذا المرتضى بعل فاطم * علي الرضى صهري فأكرم به صهرا
ووارث علمي والخليفة فيكم * إلى الله من أعدائه كلهم أبرا
سمعتم؟ أطعتم؟ هل وعيتم مقالتي؟ * فقالوا جميعا: ليس نعدو له أمرا
سمعنا أطعنا أيها المرتضى فكن * على ثقة منا وقد حاولوا غدرا (1)
ومنها قوله مشيرا إلى حديث مر في الجزء الثاني ص 288:
وفي خبر صحت روايته لهم * عن المصطفى لا شك فيه فيستبرا
بأن قال: لما أن عرجت إلى السما * رأيت بها الأملاك ناظرة شزرا
إلى نحو شخص حيل بيني وبينه * لعظم الذي عاينته منه لي خيرا
فقلت: حبيبي جبرئيل من الذي * تلاحظه الأملاك؟ قال: لك البشرا
فقلت: وما من ذاك؟ قال: على الرضا * وما خصه الرحمن من نعم فخرا
تشوقت الأملاك إذ ذاك شخصه * فصوره الباري على صورة أخرا
فمال إلى نحو ابن عم ووارث * على جذل منه بتحقيقه خبرا
ومن شعره في (الغدير) كما في (المناقب) لابن شهر آشوب 1 ص 537 ط
ايران قوله:
أليس قام رسول الله يخطبهم * يوم (الغدير) وجمع الناس محتفل؟!
وقال: من كنت مولاه فذاك له * من بعد مولى فواخاه وما فعلوا
____________
(1) مناقب ابن شهر آشوب 1 ص 532 ط ايران.
لو سلموها إلى الهادي أبي حسن * كفى البرايا ولم تستوحش السبل
هذا يطالبه بالضعف محتقبا * وتلك يحدو بها في سعيها جمل
وله من قصيدة في (المناقب) ج 1 ص 538 ط ايران قوله:
فقال رسول الله: هذا لأمتي * هو اليوم مولى رب ما قلت فاسمع
فقام جحود ذو شقاق منافق * ينادي رسول الله من قلب موجع
: أعن ربنا هذا؟ أم أنت اخترعته؟ * فقال: معاذ الله لست بمبدع
فقال عدو الله: لا هم إن يكن * كما قال حقا بي عذابا فأوقع
فعوجل من افق السماء بكفره * بجندلة فانكب ثاو بمصرع
وله من قصيدة كبيرة يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام ويسمي الأئمة المعصومين:
أن رسول الله مصباح الهدى * وحجة الله على كل البشر
جاء بفرقان مبين ناطق * بالحق من عند مليك مقتدر
فكان من أول من صدقه * وصيه وهو بسن ما ثغر (1)
ولم يكن أشرك بالله ولا * دنس يوما بسجود لحجر
فذاكم أول من آمن بالله * ومن جاهد فيه ونصر
أول من صلى من القوم ومن * طاف ومن حج بنسك واعتمر
من شارك الطاهر في يوم العبا * في نفسه؟ من شك في ذاك كفر
من جاد بالنفس ومن ضن بها * في ليلة عند الفراش المشتهر؟!؟!
من صاحب الدار الذي انقض بها * نجم من الجو نهارا فانكدر؟!
من صاحب الراية لما ردها * بالأمس بالذل قبيع وزفر؟!
من خص بالتبليغ في برائة؟ * فتلك للعاقل من إحدى العبر
من كان في المسجد طلقا بابه * حلا وأبواب أناس لم تذر؟!
من حاز في (خم) بأمر الله ذاك * الفضل واستولى عليهم واقتدر؟!
من فاز بالدعوة يوم الطاير * المشوي من خص بذاك المفتخر؟!؟!
من ذا الذي أسرى به حتى رأى * القدرة في حندس ليل معتكر؟!
____________
(1) ثغر الصبي: نبت ثغره، والثغر: مقدم الأسنان.
من خاصف النعل؟ ومن خبركم * عنه رسول الله أنواع الخبر؟!
سايل به يوم حنين عارفا * من صدق الحرب ومن ولى الدبر؟!
كليم شمس الله والراجعها * من بعد ما انجاب ضياها واستتر
كليم أهل الكهف إذ كلمهم * في ليلة المسح فسل عنها الخبر
وقصة الثعبان إذ كلمه * وهو على المنبر والقوم زمر
والأسد العابس إذ كلمه * معرفا بالفضل منه وأقر
بأنه مستخلف الله على الأمة * والرحمن ما شاء قدر
عيبة علم الله والباب الذي * يؤتى رسول الله منه المشتهر
له من قصيدة:
يا أمة السوء التي ما تيقظت * لما قد خلت فيها من المثلات
وقد وترت آل النبي ورهطه * على قدر الأيام أي ترات
وقد غدرت بالمرتضى علم الهدى * إمام البرايا كاشف الكربات
ببدر واحد والنظير وخيبر * ويوم حنين ساعة الهبوات
وصاحب (خم) والفراش وفضله * ومن خص بالتبليغ عند براة
وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام:
والله ألبسه المهابة والحجى * وربا به أن نعبد الأصناما
ما زال يغذوه بدين محمد * كهلا وطفلا ناشئا وغلاما
أمن سواه إذا أتى بقضية * طرد الشكوك وأخرس الحكاما؟!
فإذا رأى رأيا يخالف رأيه * قوم وإن كدوا له الأفهاما
نزل الكتاب برأية فكأنما * عقد الاله برأيه الأحكاما
من ذا سواه إذا تشاجرت القنا * وأبى الكماة الكر والإقداما؟!
وتصلصلت حلق الحديد وأظهرت * فرسانها التصجاج والأحجاما (1)
ورأيت من تحت العجاج لنقعها * فوق المغافر والوجوه قتاما
____________
(1) صلصل اللجام: صوت. التصجاج من الصج: صوت وقع الحديد على الحديد. أحجم
عن الحرب: نكص هيبة.
كشف الإله بسيفه وبرأيه * يظمي الجواد ويرتوي الصمصاما
ووزيره جبريل يقحمه الوغى * طوعا وميكال الوغى إقحاما
أم من سواه يقول فيه أحمد * يوم (الغدير) وغيره أياما
: هذا أخي مولاكم وإمامكم * وهو الخليفة إن لقيت حماما؟!
مني كما هارون من موسى فلا * تألوا (1) لحق إمامكم إعظاما
إن كان هارون النبي لقومه * ما غاب موسى سيدا وإماما
فهو الخليفة والامام وخير من * أمضى القضاء وخفف الأقلاما
حتى لقد قال ابن خطاب له * لما تقوض من هناك وقاما
: أصبحت مولائي ومولى كل من * صلى لرب العالمين وصاما
غصن رسول الله أثبت غرسه * فعلا الغصون نضارة ونظاما
حتى استوى علما كما قد شاءه * رب السماء وسيدا قمقاما
ما سامه في أن يكون مؤمرا * لفتى ولا ولى عليه أساما
فهو الامير حياته ومماته * أمرا من الله العلي لزاما
صلى عليه ذو الجلال كرامة * وملائك كانوا لديه كراما
وله من قصيدة:
يا آل أحمد لولاكم لما طلعت * شمس ولا ضحكت أرض من العشب
يا آل أحمد لا زال الفؤاد بكم * صبا بوادره تبكي من الندب
يا آل أحمد أنتم خير من وخدت * به المطايا فأنتم منتهى الإرب
أبوكم خير من يدعى لحادثة * فيستجيب بكشف الخطب والكرب
عدل القرآن وصي المصطفى وأبو * السبطين أكرم به من والد وأب
بعل المطهرة الزهراء ذو الحسب * الطهر الذي ضمه شفعا إلى النسب
من قال أحمد في يوم (الغدير) له *: من كنت مولى له في العجم والعرب
فإن هذا له مولى ومنذره * يا حبذا هو من مولى ويا بأبي
من مثله؟ وهو مولى الخلق أجمعها * بأمر رب الورى في نص خير نبي
____________
(2) الا ألوا وألى تألية وائتلاء في الأمر: قصرو أبطأ.
يأتي غدا ولواء الحمد في يده * والناس قد سفروا من أوجه قطب
حتى إذا اصطكت الأقدام زائلة * عن الصراط فويق النار مضطرب
* (الشاعر) *
أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن أبي عون الغساني (1) العوني. لعل في شهرة
العوني وشعره السائر وطرفه المدونة في الكتب، غنى عن تعريفه وذكر عبقريته،
وتفوقه في سرد القريض، ونبوغه في نضد جواهر الكلام، كما أن فيما دون من
تاريخ حياته وما يؤثر عنه من جمل الشعر ومفصلاته كفاية للباحث عن إدلاء الحجة
على تشيعه وتفانيه في ولاء سادته وأئمة دينه صلوات الله عليهم.
لقد سرى الركبان بشعر العوني فطارت نبذة إلى مختلف الديار، ولهج بها
الناس في أماكن قصية، وكان ينشدها المنشدون في الأندية والمجتمعات التي يتحرى
فيها تشنيف الأسماع بذكر أهل البيت عليهم السلام وفضايلهم، ومنهم الشاعر [منير] والد
الشاعر أحمد بن منير المترجم في شعراء القرن السادس، كان ينشد شعر العوني في
أسواق طرابلس فيقرط آذان الناس بتلكم الفضايل، لكن ابن عساكر [أساء سمعا و
أساء جابه] غاظه ذلك الهتاف بذكر أهل البيت عليهم السلام، فأراد أن يسم الرجل
بما يشوه سمعته فقال: إنه كان يغني في أسواق طرابلس بشعر العوني. وجاء ابن
خلكان بعد لأي من عمر الدهر حتى وقف على تلك الأنشودة فسائته أكثر مما سائت
ابن عساكر [فزاد ضعثا على أباله] فطرح لفظة (شعر العوني) واكتفى بأن منيرا
كان يغني في الأسواق، وللمحاسبة مع الرجلين موقف نؤجله إلى يوم الحساب
فهنا لك يستوفي منير حقه، وإن ربك لبالمرصاد.
وهذه كلها والنبذ المدونة من شعره في هذا الكتاب وفيها عد الأئمة الاثنى
عشر آيات باهرة لبلوغ (العوني) الغاية القصوى من الموالات والتشيع، حتى أن
القاصرين أو الحانقين عليه رموه بالغلو لما ذكره ابن شهر آشوب في (المعالم) من
أنه نظم أكثر المناقب، والواقف على شعره جد عليم بأنه كان يمشي على الوسط
____________
(1) غسان: ماء باليمن تنسب إليه قبائل. وماء بالمشلل قريب من الجحفة.
بين الإفراط والتفريط، فلا يثبت لأهل البيت عليهم السلام إلا ما حق لهم من المراتب و
المناقب أو ما هو دون مقامهم، ولا ينظم إلا ما ورد في أحاديث أئمة الدين من مناقبهم،
وأما التهمة بالغلو فكلمة جاهل أو معاند، وعلى أي فتشيع العوني كان مشهورا
في العصور المتقدمة على عهده وبعد وفاته، حتى أنه لما وقعت الفتنة بين الشيعة و
السنة في بغداد سند 443 واحتدم بينهما القتال فكانت مما جاءت به يد الجور من
الفظايع أنهم نبشوا قبور جماعة من الشيعة وطرحوا النيران في ترابهم ومنهم
العوني (المترجم) والناشي علي بن وصيف الآنف ذكره، والشاعر المعروف
الجذوعي (1)
كان العوني يتفنن في الشعر، ويأتي بأساليبه وفنونه وبحوره، مقدرة منه
على تحوير القول وصياغة الجمل كيف ما شاء وأحب. قال ابن رشيق في العمدة ج 1
ص 154: ومن الشعر نوع غريب يسمونه (القواديسي) تشبيها بالقواديس السانية،
لارتفاع بعض قوافيه في جهة وانخفاضها في الجهة الأخرى، فأول من رأيته جاء به
طلحة بن عبيد الله العوني في قوله وهي من قصيدة له مشهورة طويلة:
كم للدمى الأبكار بالـ * ـجنتين من منازل
بمهجتي للوجد من * تذكارها منازل
معاهد رعيلها * مثعنجر الهواطل
لما نأى ساكنها * فأدمعي هواطل
وللعوني معاني فخمة في شعره استحسنها معاصروه ومن بعده فحذوا حذوه في
صياغة تلك المعاني لكن الحقيقة تشهد بأن الفضل لمن سبق، قال أبو سعيد محمد بن أحمد
العبيدي في [الابانة عن سرقات المتنبي] ص 22 قال العوني:
مضى الربيع وجاء الصيف يقدمه * جيش من الحر يرمي الأرض بالشرر
كأن بالجو ما بي من جوى وهوى * ومن شحوب فلا يخلو من الكدر
قال المتنبي [المقتول 354]:
____________
(1) ذكرها ابن الأثير في الكامل ج 9 ص 199، وابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب
ج 3 ص 270.
كأن الجو قاسى ما أقاسي * فصار سواده فيه شحوبا (1)
وقال في ص 64 قال العوني:
يا صاحبي بعدتما فتركتما * قلبي رهين صبابة ونصاب
أبكي وفاءكما وعهدكما كما * يبكي المحب معاهد الأحباب
قال المتنبي:
وفاء كما كالربع أشجاه طاسمه * بأن تسعدا والدمع أثجاه ساجمه (2)
وقال في ص 66 للعوني في قصيدة له في أهل البيت عليهم السلام:
ألا سيد يبكي بشجوي فإنني * لمستعذب ماء البكاء ومستجلي
أحب ابن بنت المصطفى وأزوره * زيارة مهجور يحن إلى الوصل
وما قدمي في سعيه نحو قبره * بأفضل منه رتبة مركب العقل
قال المتنبي:
خير أعضائنا الرؤوس ولكن * فضلتها بقصدها الأقدام
قال الأميني: وحذا حذو العوني في المعنى سيدنا الشهيد السيد نصر الله الحائري
في كافية له في تربة كربلاء المشرفة وقال:
أقدام من زار مغناك الشريف غدت * تفاخر الرأس منه طاب مثواك (3)
وشعره في أهل البيت عليهم السلام مدحا ورثاءا مثبوت في (المناقب) لابن
شهر آشوب و (روضة الواعظين) لشيخنا الفتال، و (الصراط المستقيم) لشيخنا البياضي،
وقد جمعنا من شعره ما يربو على ثلاثمائة وخمسين بيتا، وجمعه ورتبه العلامة السماوي
في ديوان ومما رتبه قصيدته المعروفة بالمذهبة توجد في (مناقب) ابن شهر آشوب ناقصة
الأطراف.
____________
(1) من قصيدة 42 بيتا توجد في ديوانه ج 1 ص 98 يمدح بها علي بن محمد التميمي.
(2) توجد القصيدة 42 بيتا في ديوانه ج 2 ص 232 وهي أول ما أنشدت سنة 337 يمدح
بها سيف الدولة.
(3) ولهذا البيت قصة أدبية لطيفة تأتي في ترجمة سيدنا بحر العلوم في شعراء القرن
الثاني عشر.
وسائل عن العلي الشأن * هل نص فيه الله بالقرآن
بأنه الوصي دون ثان * لأحمد المطهر العدناني؟!
فاذكر لنا نصا به جليا
أجبت يكفي (خم) في النصوص * من آية التبليغ بالمخصوص
وجملة الأخبار والنصوص * غير الذي انتاشت يد اللصوص
وكتمته ترتضي أميا
أما سمعت يا بعيد الذهن * ما قاله أحمد كالمهني
: أنت كهارون لموسى مني * إذ قال موسى لأخيه اخلفني؟!
فاسألهم لم خالفوا الوصيا؟!
أما سمعت خبر المباهله؟! * أما علمت أنها مفاضله؟!
بين الورى فهل رأى من عادله * في الفضل عند ربه وقابله؟!
ولم يكن قربه نجيا
أما سمعت أنه أوصاه؟! * وكان ذا فقر كما تراه 5
فخص بالدين الذي يرعاه * فإن عداه وهو ما عداه
غادر دينا لم يكن مرعيا
فقال: هل من آية تدل * على علي الطهر لا تعل؟!
بحيث فيها الطهر يستقل * تدنيه للفضل فيقصي كل
ويغتدي من دونه مقصيا؟!
فقلت: إن الله جل قالا * إذ شرف الآباء والأنسالا
وآل إبراهيم فازوا آلا * إنا وهبنا لهم إفضالا
لسان صدق منهم عليا
فكان إبراهيم ربانيا * ثم رسولا منذرا رضيا
ثم خليلا صفوة صفيا * ثم إماما هاديا مهديا
وكان عند ربه مرضيا
فعندها قال: ومن ذريتي * قال له: لا، لن ينال رحمتي
وعهدي الظالم من بريتي * أبت لملكي ذاك وحدانيتي
سبحانه لا زال وحدانيا
10 فالمصطفى الآمر فينا الناهي * وعادم الأمثال والأشباه
فالفعل منه والمقال الزاهي * لم يصدرا إلا بأمر الله
لم يتقول أبدا فريا
إن كان غير ناطق عن الهوى * إلا بأمر مبرم من ذي القوى؟
فكيف أقصاهم وأدنى المجتوى؟ * إذن لقد ضل ضلالا وغوى
ولم يكن حاشا له غويا
لكنما الأقوام في السقيفة * قد نصبوا برأيهم خليفة
وكان في شغل وفي وظيفة * من غسل تلك الدرة النظيفة
وحزنه الذي له تهيا
حتى إذا قضى الخليفة انتخب * من عقد الأمر له بين العرب
ثم قضى واختار منهم من أحب * وإن تكن شورى فللشورى سبب
إن كان ذا ترتيبه مقضيا
ثم قضى ثالثهم فانثالوا * له الرجال تتبع الرجال
فلم تسع غير القبول الحال * فقام والرضا به محال
إذ كان كل يتمنى شيا
15 فغاضبت أولهم ذات الجمل * وقام معها الرجلان في العمل
فردهم سيف القضاء وفصل * ولم يكن قد سبق السيف العذل
فقد تأتي حربهم مليا
وغاضب الشاني لأمر سالف * فاجتاحه بذي الفقار القاصف
وأصبح الناصر كالمخالف * إذ شكت الرماح بالمصاحف
وأخذ الانحدار والرقيا
وكان أن يرد للتسليم * إذ رد للأحبش في الهزيم
فأعمل الحيلة في التحكيم * بأمر شيطانهم الرجيم
ففي الرعاة حكم الرعيا
فلم يجد للكف من مناص * وأخذ التحكيم بالنواصي
فجاء أهل الشام بابن العاصي * فاحتال فيها حيلة القناص
غر أبا موسى الأشعريا
قام أبو موسى فويق المنبر * وقال: إني خالع بحيدر
كما خلعت خاتمي من خنصر * ثم جعلتها لنجل عمر
يا عمر وقم أنت اخلع الشاميا
فقال عمرو: أيها الناس اشهدوا * أن خلع الذي له يعتمد 20
ثم اسمعوا قولي ولا ترددوا * به فأني لابن هند أعقد
فاتخذوه مذهبا عمريا
فما ترى أنت بهذي الحال * من المقال ومن الأفعال؟!
لا تدخل المفتاح في الأقفال * تفتح عن الأضغان والاذحال
وما يكون في الحشا مطويا
إن عليا عند أهل العلم * أول من سمي بهذا الاسم
قد ناله من ربه في الحكم * على يدي أخيه وابن العم
وحيا قديم الفضل عد مليا
وهو الذي سمي في التوراة * عند الأولى هاد من الهداة
بالنص والتصريح في البراة * برغم من سيئ من العداة
من كل عيب في الورى بريا
وهو الذي يعرف عند الكهنه * إذ جمعوا التوراة في الممتحنه
فأخذوا من كل شيئ حسنه * وهم لتوراة الكليم الخزنه
ليوردوا الحق لهم بوريا
وهو الذي يعرف في الانجيل * برتبة الاعظام والتبجيل 25
وميزة الغرة والتحجيل * وفوزة الرقيب للمجيل
وكان يدعى عندهم أليا
وهو الذي يعرف بالزبور * زبور داود حليف النور
وذي العلا والعلم المنشور * في اسم الهزبر الأسد الهصور
ليث الوغا أعني به آريا
وهو الذي تدعوه ما بين الورى * أكابر الهند وأشياخ القرى
ذووا العلوم منهم بكنكرا * لانه كان عظيما خطرا
وكنكر كان له سميا
وهو الذي يعرف عند الروم * ببطرس القوة والعلوم
وصاحب الستر لها المكتوم * ومالك المنطوق والمفهوم
ومن يكن ذا يدع بطرسيا
وهو الذي يعرف عند الفرس * لدى التعاليم وعند الدرس
بغرسنا وذاك اسم قدسي * معناه قابض بكل نفس
كما دعوه عندهم باريا
30 وهو الذي يعرف عند الترك * تيرا وذاك مشبه المحك
وإنه يرفع كل شك * عن كل حاك قوله ومحكي
إذا عرفت المنطق التركيا
وهو الذي يدعونه في الحبش * بتريك أي مدبر لا يختشي
لقدرة به وبطش مدهش * وينعتونه بأقوى قرشي
فاسئل به من يعرف الحبشيا
وهو الذي يعرف عند الزنج * بحنبني أي مهلك ومنج
وقاطع الطريق في المحج * إلا بإذن في سلوك النهج
فإن أردت فاسأل الزنجيا
وهو فريق بلسان الأرمن * فاروقه الحق لكل مؤمن
تعرفه أعلامهم في الزمن * فاسأل به إن كنت ممن يعتني
تحقيقه من كان أرمنيا
وهو الذي سمته تلك الجوهره * إذ ولدت في الكعبة المطهره
وخرجت به فقال الجمهره: * من ذا؟ فقالت: هو شبلي حيدره
ولدته مطهرا قدسيا
هذا وقد لقبه ظهيرا * أبوه إذ شاهده صغيرا 35
يصرع من إخوانه الكبير ا * مشمرا عن ساعد تشميرا
وكان عبلا فتلا (1) قويا
ولقبته ظئره (2) ميمونا * إذ رأت السعد به مقرونا
فكان درا عندها مكنونا * يحمي أخا رضاعه المنونا
ثم يدر ثديها الأبيا
واسم أخيه في بني هلال * معلق الميمون بالحبال
يذكره في سمر الليالي * رجالهم فاسمع من الرجال
موهبة خص بها صبيا
والاسم عند الله في العلى علي * وهو الصحيح والصريح والجلي
اشتقه من اسمه في الأزل * كمثل ما اشتق لخير الرسل
ومنح النبي والوصيا
واتفقت آراء أهل العلم * على اسمه من دون معنى الاسم
فاختلفت في قصده والفهم * له وكل لم يطش بسهم
إذ قد أصاب الغرض المرقيا
فقال قوم: قد علا برازا * أقرانه وابتزها ابتزازا 40
فما رآه القرن إلا انحازا * وكان دونا سافلا فامتازا
فهو علي إذ علا العديا
وقال قوم: قد علا مكانا * متن النبي ورمى الأوثانا
إذ لم يطق حمل نبي كانا * من ثقل الوحي حكى ثهلانا
فنال منه المنزل العليا
____________
(1) عبل: الضخم الغليظ. فتل من فتله وهي شدة عصب الذراع.
(2) الظئر: المرضعة.
وقال فرقة: علي الدار * في جنة الخلد مع المختار
علاه ذوالعرش على الأبرار * في روضة تزهو وفي أنهار
فنال منه المرتضى العلويا
وقال فرقة: علاهم علما * فكان أقضاهم لذاك حكما
ومن إلى القضاء قد تسمى * يكون أعلى رفعة وأسمى
فوال ذاك العالم السميا
ودع تآويل الكتاب والخبر * وخذ بما بان لديك وظهر
قد خاطب الله به خير البشر * ليفهموا الأحكام في بادي النظر
ويعرفوا النبي والوصيا
45 فاستمسكن بالعروة الوثقى التي * لم تنفصم عنه ولم تنفلت
تمش على الصراط لم تلتفت * في قدم رأس وقلب مثبت
حتى تجوز سالما سويا
إلى جنان الخلد في أعلى الرتب * إذ ينثني كل امرء مع من أحب
موهبة ممن له الشكر وجب * فهو أبر خالق وخير رب
عزوجل ملكا قويا
يا رب عبدك الذي غمرته * بالفضل والإنعام مذ صيرته
وقد عصى جهلا وقد أمرته * إن تاب فالذنب له غفرته
قد تبت فاغفر ذنبي العديا
يا رب ما لي عمل سوى الولا * لأحمد وآله أهل العلا
صنو الرسول والوصي المبتلى * وفاطم والحسنين في الملا
غرا تزين العرش والكرسيا
ثم علي وابنه محمد * وجعفر الصدق وموسى المهتدي
ثم علي والجواد الأجود * محمد ثم علي الأمجد
والحسن الذي جلا المهديا
50 فأعطني بهم جمال الدنيا * وراحة القبر زمان البقيا
والأمن والستر بحشر المحيا * والري من كوثر أهل السقيا
والحشر معهم في العلى سويا
يا طلح إن تختم بهذا في العمل * لم يدن منك فزع ولا وجل
وأنت طلح الخير إن جاء الأجل * بالأجر من رب الورى عزوجل
كفى بربي راحما كفيا
وله يمدح أمير المؤمنين عليه السلام:
أنا مولى لمن يقول رسول الله * فيه ما بين جم غفير
: سوف تأتي يوم القيامة ركب * خمسة ما لغيرنا من ظهور
أنا منهم على البراق وبعدي * بضعتي فاطم تسير مسيري
تحتها يوم ذاك ناقتي العضباء * تطوي الفجاج طي المغير
وأبي إبراهيم فوق ذلول * عز قدرا بنا على الجمهور 5
وأخي صالح على ناقة الله * أمامي في العالم المحشور
وعلي على أغر من الجنة * ما خطب نعته باليسير
في يديه من فوق رأسي لواء * الحمد للواحد الحميد الشكور
وعليه تاج بديع من النور * يزاهي بإكليله المستدير
قد أضاءت من نوره عرصة * الحشر فيا حسن ذاك من منظور 10
ولتاج الوصي سبعون ركنا * كل ركن كالكوكب المستنير
فلربي الحمد الكثير على ما * قد حباني من حبه بالكثير
وله يرثي الإمام السبط المفد صلوات الله عليه:
يا قمرا غاب حين لاحا * أورثني فقدك المناحا
يا نوب الدهر لم يدع لي * صرفك من حادث صلاحا
أبعد يوم الحسين ويحيى * أستعذب اللهو والمزاحا؟!
كربت كي تهتدي البرايا * به وتلقى به النجاحا
فالدين قد لف بردتيه * والشرك ألقى لها جناحا 5
فصار ذاك الصباح ليلا * وصار ذاك الدجى صباحا
فجاء إذ كاتبوه يسعي * لكي يريها الهدى الصراحا
حتى إذا جاءهم تنحوا * لا بل نحوا قتله اجتياحا
وأنبتوا البيد بالعوالي * والقضب واستعجلوا الكفاحا
10 فدافعت عنه أولياه * وعانقوا البيض والرماحا
سبعون في مثلهم الوفا * فأثخنوا بينهم جراحا
ثم قضوا جملة فلاقوا * هناك سهم القضا المتاحا
فشد فيهم أبو علي * وصافحت نفسه الصفاحا
يا غيرة الله لا تغيثي * منهم صياحا ولا ضباحا
15 ثم انثنى ظامئا وحيدا * كما غدا فيهم وراحا
ولم يزل يرتقي إلى أن * دعاه داعي اللقا فصاحا
دونكم مهجتي فأني * دعيت أن أرتقي الضراحا
فكلكلوا فوقه فهذا * يقطع رأسا وذا جناحا
يا بأبي أنفسا ظماء * ماتت ولم تشرب المباحا
20 يا بأبي أوجها صباحا * باكرها حتفا صباحا
يا بأبي أجسما تعرت * ثم اكتست بالدماء وشاحا (1)
يا سادتي يا بني علي * بكى الهدى فقدكم وتاحا
أوحشتم الحجر والمساعي * آنستم القفر والبطاحا
أوحشتم الذكر والمثاني * والسور الطوال الفصاحا
25 لا سامح الله من قلاكم * وزاد أشياعكم سماحا
وله في الإمام الصادق صلوات الله عليه:
عج بالمطي على بقيع الغرقد * واقرا التحية جعفر بن محمد
وقل: ابن بنت محمد ووصيه * يا نور كل هداية لم تجحد
يا صادقا شهد الإله بصدقه * فكفى شهادة ذي الجلال الأمجد
يا بن الهدى وأبا الهدى أنت الهدى * يا نور حاضر سر كل موحد
____________
(1) الوشاح: شبه قلادة من نسيج عريض يرصع بالجوهر.
يا بن النبي محمد أنت الذي * أوضحت قصد ولاء آل محمد
يا سادس الأنوار يا علم الهدى * ضل امرؤ بولائكم لم يهتدي
وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين صلوات الله عليه:
تخيره الله من خلقه * فحمله الذكر وهو الخبير
وأنزل بالسور المحكمات * عليه كتاب مبين منير
وأغشاه نورا وناداه: قم * وأنذر فأنت البشير النذير
فلاح الهدى واضمحل العمى * وولى الضلال وعيف الغرور
فوصى عليا فنعم الوصي * ونعم الولي ونعم النصير (1)
وله من قصيدة في الأئمة الطاهرين عليهم السلام قوله:
نص على ست وست بعده * كل إمام راشد برهانه
صلى عليه ذو العلى ولم يزل * يغشاه منه أبدا رضوانه
وله من قصيدة أخرى:
وقلت: (براثا) كان بيتا لمريم * وذاك ضعيف في الأسانيد أعوج
ولكنه بيت لعيسى بن مريم * وللأنبياء الزهر مثوى ومدرج
وللأوصياء الطاهرين مقامهم * على غابر الأيام والحق أبلج
بسبعين موصى بعد سبعين مرسل * جباههم فيها سجود تشجج
وآخرهم فيها صلاة إمامنا * علي بذا جاء الحديث المنهج
وله من قصيدة كبيرة يمدح بها أهل البيت عليهم السلام:
ألست ترى جبريل وهو مقرب * له في العلى من راحة القصد موقف؟!
يقول لهم أهل العبا: أنا منكم!؟ * فمن مثل أهل البيت إن كنت تنصف؟!
نعم آل طاها خير من وطئ الحصى * وأكرم أبصار على الأرض تطرف
هم الكلمات الطيبات التي بها * يتاب على الخاطي فيحبا ويزلف
هم البركات النازلات على الورى * تعم جميع المؤمنين وتكنف
هم الباقيات الصالحات بذكرها * لذاكرها خير الثواب المضعف
____________
(1) أشار بهذه الأبيات إلى حديث العشيرة المذكور في الجزء الثاني ص 278 - 287.
هم الصلوات الزاكيات عليهم * يدل المنادي بالصلاة ويعكف
هم الحرم المأمون آمن أهله * وأعداؤه من حوله تتخطف
هم الوجه وجه الله والجنب جنبه * وهم فلك نوح خاب عنه المخلف
هم الباب باب الله والحبل حبله * وعروته الوثقى تواري وتكنف
وأسمائه الحسنى التي من دعا بها * أجيب فما للناس عنها تحرف
ذكر السمعاني في (الأنساب): أن العوني كان شاعر الشيعة وذكر الصحابة و
ثلبهم في قصيدة أولها:
ليس الوقوف على الأطلال من شاني
سمعت أن عمر بن عبد العزيز لما بلغه عنه سب الصحابة أمر به فضرب بالعمود
بالمدينة فمات فيه.
قال الأميني: خفي على (السمعاني) اسم العوني وعصره ومدفنه وأن القصيدة
النونية المذكورة إنما هي لأبي محمد عبد الله بن عمار البرقي أحد شعراء أهل البيت
وشي به إلى المتوكل وقرئت له نونيته فأمر بقطع لسانه وإحراق ديوانه ففعل به
ذلك ومات بعد أيام وذلك سنة 245 ومن النونية قوله.
فهو الذي امتحن الله القلوب * عما يجمجمن من كفر وإيمان
وهو الذي قد قضى الله العلي له * أن لا يكون له في فضله ثان
وإن قوما رجوا إبطال حقكم * أمسوا من الله في سخط وعصيان
لن يدفعوا حقكم إلا بدفعهم * ما أنزل الله من آي وقرآن
فقلدوها لأهل البيت أنهم * صنو النبي وأنتم غير صنوان