للمترجم له وهي:
أسايلتي عما ألاقي من الأسا * سلي الليل عني هل أجن إذا جنا؟!
ليخبرك أني في فنون من الجوى * إذا ما انقضا فن يوكل بي فنا
وإن قلت: إن الليل ليس بناطق * قفي وانظري واستخبري الجسد المضنى
وإن كنت في شك فديتك فاسئلي * دموعي التي سالت وأقرحت الجفنا
5 أحبتنا لو تعلمون بحالنا * لما كانت اللذات تشغلكم عنا
تشاغلتموا عنا بصحبة غيرنا * وأظهرتم الهجران ما هكذا كنا
واليتموا أن لا تخونوا عهودنا * فقد وحياة الحب خنتم وما خنا
غدرتم ولم نغدر وخنتم ولم نخن * وحلتم عن العهد القديم وما حلنا
وقلتم ولم توفوا بصدق حديثكم * ونحن على صدق الحديث الذي قلنا
10 أيهنا لكم طيب الكرى وجفوننا * على الجمر؟! لا تهنا ولا بعدكم نمنا
أنخنا بمغناكم لتحي نفوسنا * فما زادنا إلا جوى ذلك المغنا
سنرحل عنكم إن كرهتم مقامنا * ونصبر عنكم مثل ما صبركم عنا
ونأخذ من نهوى بديلا سواكم * ونجعل قطع الوصل منكم ولا منا
تعالوا إلى الانصاف فيما ادعيتموا * ولا تفر طوابل صححو اللفظ والمعنى
15 أليتكم ناصفتمونا فريضة * بأن لكم نصفا وأن لنا ثمنا
إذا طلعت شمس النهار ذكرتكم * وإن غربت جددت ذكركم حزنا
وإني لأرثي للغريب وإنني * غريب الهوى والقلب والدار والمغنى
لقد كان عيشي بالأحبة صافيا * وما كنت أدري أن صحبتنا تقنا
زمان نعمنا فيه حتى إذا مضى * بكينا على أيامه بدم أقنا
20 فوالله ما زال اشتياقي إليكم * ولا برح التسهيد لي بعدكم جفنا
ولا ذقت طعم الماء عذبا ولا صفت * موارده حتى نعود كما كنا
ولا بارحتني لوعة الفكر والجوى * ولا زلت طول الدهر مقترعا سنا
وما رحلوا حتى استحلوا نفوسنا * كأنهم كانوا أحق بها منا
ترى منجدي في أرض بغداد واهنا * لزهدكم فينا وبعدكم عنا
أيزعم أن أسلو!؟ ويشغل خاطري * بغيركم مستبدلا؟! بئس ما ظنا 25
أيا ساكني نجد سلامي عليكم * ظننا بكم ظنا فاخلفتموا الظنا
أمثل مولاي الحسين وصحبه * كأنجم ليل بينها البدر أو أسنا
فلما رأته أخته وبناته * وشمر عليه بالمهند قد أحنى
تعلقن بالشمر اللعين وقلن: دع * حسينا فلا تقتله يا شمر واذبحنا
فحز وريديه وركب رأسه * على الرمح مثل الشمس فارقت الدجنا 30
فنادت بطول الويل زينب أخته * وقد صبغت من نحره الجيب والردنا
: ألا يا رسول الله يا جدنا اقتضت * أمية منا بعدك الحقد والضغنا
سبينا كما تسبى الإماء بذلة * وطيف بنا عرض البلاد وشتتنا
ستفنى حياتي بالبكاء عليهم * وحزني لهم باق مدى الدهر لا يفنى
ألا لعن الله الذي سن ظلمهم * وأخزى الذي أملا له وبه استنا 35
سأمدحكم يا آل أحمد جاهدا * وأمنح من عاداكم السب واللعنا
ومن منكم بالمدح أولى لأنكم * لأكرم من لبى ومن نحر البدنا
بجدكم أسرى البراق فكان من * إله البرايا قاب قوسين أو أدنا
وشخص أبيكم في السماء تزوره * ملائك لا تنفك صبحا ولا وهنا
أبوكم هو الصديق آمن واتقى * وأعطى وما أكدى وصدق بالحسنى 40
وسماه في القرآن ذو العرش جنبه * وعروته والعين والوجه والأذنا
وشد به أزر النبي محمد * وكن له في كل نائبة ركنا (1)
وأفرده بالعلم والبأس والندى * فمن قدره يسمو ومن فعله يكنى
هو البحر يعلو العنبر المحض فوقه * ما الدر والمرجان من قعره يجنى
إذا عد أقران الكريهة لم نجد * لحيدرة في القوم كفوا ولا قرنا 45
يخوض المنايا في الحروب شجاعة * وقد ملأت منه ليوث الشرى جبنا
يرى الموت من يلقاه في حومة الوغا * يناديه من هنا ويدعوه من هنا
إذا استعرت نار الوغى وتغشمرت * فوارسها واستخلفوا الضرب والطعنا
____________
(1) في بعض النسخ: حصنا
وأهدت إلى الأحداق كحلا معصفرا * وألقت على الأشداق أردية دكنا
50 وخلت بها زرق الأسنة أنجما * ومن فوقها ليلا من النقع قد جنا
فحين رأت وجه الوصي تمزقت * كثلة ظأن أبصرت أسدا شنا
فتى كفه اليسرى حمام بحربه * كذاك حياة السلم في كفه اليمنى
فكم بطل أردى وكم مرهب أودى * وكم معدم أغنى وكم سائل أقني
يجود على العافين عفوا بما له * ولا يتبع المعروف من منه منا
55 ولو فض بين الناس معشار جوده * لما عرفوا في الناس بخلا ولا ضنا
وكل جواد جاد بالمال إنما * قصاراه أن يستن في الجود ما سنا
وكل مديح قلت أو قال قائل * فإن أمير المؤمنين به يعنى
سيخسر من لم يعتصم بولائه * ويقرع يوم البعث من ندم سنا
لذلك قد واليته مخلص الولا * وكنت على الأحوال عبدا له قنا
60 عليكم سلام الله يا آل أحمد * متى سجعت قمرية وعلت غصنا
مودتكم أجر النبي محمد * علينا فآمنا بذاك وصدقنا
وعهدكم المأخوذ في الذر لم نقل * لآخذه كلا ولا كيف أو أنا
قبلنا وأوفينا به ثم خانكم * أناس وما خنا وحالوا وما حلنا
طهرتم فطهرنا بفاضل طهركم * وطبتم فمن آثار طيبكم طبنا
65 فما شئتم شئنا ومهما كرهتموا * كرهنا وما قلتم رضينا وصدقنا
فنحن مواليكم تحن قلوبنا * إليكم إذا إلف إلى إلفه حنا
نزوركم سعيا وقل لحقكم * لو أنا على أحداقنا لكم زرنا
ولو بضعت أجسادنا في هواكم * إذن لم نحل عنه بحال ولا زلنا
وآبائنا منهم ورثنا ولاءكم * ونحن إذا متنا نورثه الأبنا
70 وأنتم لنا نعم التجارة لم نكن * لنحذر خسرانا عليها ولا غبنا
وما لي لا اثني عليكم وربكم * عليكم بحسن الذكر في كتبه أثنى
وإن أباكم يقسم الخلق في غد * فيسكن ذا نارا ويسكن ذا عدنا
وأنتم لنا غوث وأمن ورحمة * فما منكم بد ولا عنكم مغني
ونعلم أن لو لم ندن بولائكم * لما قبلت أعمالنا أبدا منا
وأن إليكم في المعاد إيابنا * إذ نحن من أجداثنا سرعا قمنا 75
وأن عليكم بعد ذاك حسابنا * إذا ما وفدنا يوم ذاك وحوسبنا
وأن موازين الخلايق حبكم (1) * فأسعدهم من كان أثقلهم وزنا
وموردنا يوم القيامة حوضكم * فيظمأ الذي يقصى ويروى الذي يدنى
وأمر صراط الله ثم إليكم * فطوبا لنا إذ نحن عن أمركم جزنا
وما ذنبنا عند النواصب ويلهم * سوى أننا قوم بما دنتم دنا 80
فإن كان هذا ذنبنا فتيقنوا * بأنا عليه لا انثنينا ولا نثنى
ولما رفضنا رافضيكم ورهطكم * رفضنا وعودينا وبالرفض نبزنا
وإنا اعتقدنا العدل في الله مذهبا * ولله نزهنا وإياه وحدنا
وهم شبهوا الله العلي بخلقه * فقالوا: خلقنا للمعاصي وأجبرنا
فلو شاء لم نكفر ولو شاء أكفرنا * ولو شاء لم نؤمن ولو شاء آمنا 85
وقالوا: رسول الله ما اختار بعده * إماما لنا لكن لأنفسنا اخترنا
فقلنا: إذن أنتم إمام إمامكم * بفضل من الرحمن تهتم وما تهنا
ولكننا اخترنا الذي اختار ربنا * لنا يوم (خم) لا ابتدعنا ولا جرنا
سيجمعنا يوم القيامة ربنا * فتجزون ما قلتم ونجزى بما قلنا
هدمتم بأيديكم قواعد دينكم * ودين على غير القواعد لا يبنى 90
ونحن على نور من الله واضح * فيا رب زدنا منك نورا وثبتنا
ظن ابن حماد جميل بربه * وأحرى به أن لا يخيب له ظنا
بنى المجد لي شن بن أقصى فحزته * تراثا جزى الرحمن خيرا أبي شنا
وحسبي بعد القيس في المجد والدي * ولي حسب عبد القيس مرتبة تبنى
وخالي تميم ثم مجدي بفخره * فنلت بذا مجدا ونلت بذا أمنا 95
ودونك لا ما للقلائد هذبت * مديحا فلم تترك لذي مطعن طعنا
ولا ظل أو أضحى ولا راح واغتدى * تأمل لا عين تراه ولا لحنا
____________
(1) وإن موازين القصاص ولاؤكم. كذا في بعض النسخ.
فصاحة شعري مذ بدت لذوي الحجى * تمثلت الأشعار عندهم لكنا
وخير فنون الشعر ما رق لفظه * وجلت معانيه فزادت بها حسنا
100 وللشعر علم إن خلا منه حرفه * فذاك هذاء في الرؤس بلا معنى
إذا ما أديب أنشد الغث خلته * من الكرب والتنغيص قد أدخل السجنا
إذا ما رأوها أحسن الناس منطقا * وأثبتهم حدثا وأطيبهم لحنا
تلذ بها الاسماع حتى كأنها * ألذ من أيام الشبيبة أو أهنى
وفي كل بيت لذة مستجدة * إذا ما انتشاه قيل: يا ليته ثنى
105 تقبلها ربي ووفى ثوابها * وثقل ميزاني بخيراتها وزنا
وصلى على الأطهار من آل أحمد * إله السما ما عسعس الليل أو جنا
وله يمدح أمير المؤمنين عليه السلام:
حدثنا الشيخ الثقه * محمد عن صدقه
رواية متسقه * عن أنس عن النبي
ــــــــــــ
رأيته على حرى * مع علي ذي النهى
يقطف قطفا في الهوى * شيئا كمثل العنب
ــــــــــــ
فأكلا منه معا * حتى إذا ما شبعا
رأيته مرتفعا * فطال منه عجبي
ــــــــــــ
كان طعام الجنة * أنزله ذو العزة
هدية للصفوة * من الهدايا النخب
أشار بهذه الأبيات إلى ما أخرجه محمد بن جرير الطبري بإسناده عن أنس قال:
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركب يوما إلى جبل كداء فقال: يا أنس خذ البغلة وانطلق
إلى موضع كذا تجد عليا جالسا يسبح بالحصى فاقرأه مني السلام واحمله على البغلة
وائت به إلي فقال: فلما ذهبت وجدت عليا كذلك فقلت: إن رسول الله يدعوك
فلما أتى رسول الله قال له: اجلس فإن هذا موضع جلس فيه سبعون نبيا مرسلا
ما جلس فيه من الأنبياء أحد إلا وأنا خير منه وقد جلس مع كل نبي أخ له ما جلس من
الأخوة أحد إلا وأنت خير منه. قال: فرأيت غمامة بيضاء وقد أظلتهما فجعلا يأكلان
منه عنقود عنب وقال: كل يا أخي فهذه هدية من الله إلي ثم إليك. ثم شربا ثم ارتفعت
الغمامة ثم قال: يا أنس والذي خلق ما يشاء لقد أكل من الغمامة ثلثمائة وثلاثة عشر نبيا
وثلثمائة وثلاثة عشر وصيا ما فيهم نبي أكرم على الله مني ولا وصي أكرم على الله من علي.
ولابن حماد العبدي يمدح أمير المؤمنين صلوات الله عليه قوله على روية نونية
العوني المذكور:
ما لابن حماد سوى من حمدت * آثاره وأبهجت غرانه (1)
ذاك علي المرتضى الطهر الذي * بفخره قد فخرت عدنانه
صنو النبي هديه كهديه * إذ كل شي شكله عنوانه
وصيه حقا وقاضي دينه * إذ اقتضى ديونه ديانه
ناصحه الناصر حقا إذ غدا * سواه ضد سره إعلانه 5
وارثه علم الهدى أمينه * في أهله وزيره خلصانه
ذاك الفتى النجد الذي إذا بدا * بمعرك ألقت له فتيانه
ليث لو الليث الجري خاله * لطار من هيبته جنانه
صقر ولكن صيده صيد الوغا * ليث ولكن فرسه فرسانه
ذاك الشجاع إن بدا بمعرك * تفرقت من خوفه شجعانه 10
تبكي الطلى إن ضحكت أسيافه * وترتوي إن عطشت سنانه
ترى سباع البيد تقفوا إثره * لأنها يوم الوغا ضيفانه
يقرن أرواح الكماة بالردى * لذاك حاصت دونه أقرانه
وكم كمي قد قراه في الوغا * فليس تخبو أبدا نيرانه
يشهد في ذا بدره وأحده * وطيبة ومكة أوطانه 15
وخيبر والبصرة التي بها * النكث وصفين ونهروانه
كذا الذي قد ضمن المدح له * من ربه رب العلى قرآنه
فقوله: وليكم فإنما * يخص فيها هو لا فلانه
____________
(1) غران جمع الغرير: الخلق الحسن ومنه المثل. أدبر غريره وأقبل هريره. أي
أدبر حسنه وجاء سيئه.
ثلاثة: الله والرسول والذي * تزكى راكعا برهانه
وقوله: الأذن فذاك (حيدر) * واعية لقوله آذانه
وقد دعا له النبي أنه * يحفظ ما يملي له لسانه
وقوله: الميزان بالقسط وما * غير علي في غد ميزانه
فويل من خف لديه وزنه * وفوز من أسعده رجحانه
ذاك أمير المومنين رتبة * من الإله الفرد جل شانه
25 ذادوه عن سلطانه وحقه * من بعد ما بان لهم سلطانه
فكف مولاي الإمام كفه * إذ قل في حقوقه أعوانه
ولم يقم معه سوى أربعة * وهم لعمر ربهم أركانه
يتبعه المقداد وابن ياسر * عماره وسلمه سلمانه
والصادق اللهجة أعني جندبا * فلم يخالف أمره إيمانه
30 ولو يشأ أهلكهم لكنه * أبقى ليبقى ناسلا إنسانه
وله يرثي بها الإمام السبط الشهيد صلوات الله عليه:
لله ما صنعت فينا يد البين * كم من حشا أقرحت منا ومن عين؟!
مالي وللبين؟! لا أهلا بطلعته * كم فرق البين قدما بين الفين؟!
كانا كغصنين في أصل غذاؤهما * ماء النعيم وفي التشبيه شكلين
كأن روحيهما من حسن الفهما * روح وقد قسمت ما بين جسمين
5 لا عذل بينهما في حفظ عهدهما * ولا يزيلهما لوم العذولين
لا يطمع الدهر في تغيير ودهما * ولا يميلان من عهد إلى مين
حتى إذا أبصرت عين النوى بهما * خلين في العيش من هم خليين
رماهما حسدا منه بداهية * فأصبحا بعد جمع الشمل ضدين
في الشرق هذا وذا في الغرب منتئيا * مشردين على بعد شجيين
10 والدهر أحسد شئ للقريبين * يرمي وصالهما بالبعد والبين.
لا تأمن الدهر إن الدهر ذو غير * وذو لسانين في الدنيا ووجهين
أخنى على عترة الهادي فشتتهم * فما ترى جامعا منهم بشخصين
كأنما الدهر آلا أن يبددهم * كعاتب ذي عناد أو كذي دين
بعض بطيبة مدفون وبعضهم * بكربلاء وبعض بالغريين
وأرض طوس وسامرا وقد ضمنت * بغداد بدرين حلا وسط قبرين 15
يا سادتي المن أبكي أسى؟! ولمن * أبكي بجفنين من عيني قريحين؟!
أبكي على الحسن المسموم مضطلما *؟! أم الحسين لقى بين الخميسين؟!
أبكي عليه خضيب الشيب من دمه * معفر الخد محزوز الوريدين
وزينب في بنات الطهر لاطمة * والدمع في خدها قد خد خدين
تدعوه: يا واحدا قد كنت آمله * حتى استبدت به دوني يد البين 20
لا عشت بعدك ما إن عشت لا نعمت * روحي ولا طعمت طعم الكرا عيني
انظر إلى أخي قبل الفراق لقد * أذكا فراقك في قلبي حريقين
انظر إلى فاطم الصغرا أخي ترها * لليتم والسبي قد خصت بذلين
إذا دنت منك ظل الرجس يضربها * فتلتقي الضرب منها بالذراعين
وتستغيث وتدعو: عمتا تلفت * روحي لرزئين في قلبي عظيمين 25
ضرب على الجسد البالي وفي كبدي * للثكل ضرب فما أقوى لضربين
انظر عليا أسيرا لا نصير له * قد قيدوه على رغم بقيدين
وارحمتا يا أخي من بعد فقدك بل * وارحمتا للأسيرين اليتيمين
والسبط في غمرات الموت مشتغل * ببسط كفين أو تقبيض رجلين
لا يستطيع جوابا للنداء سوى * يومي بلحظين من تكسير جفنين 30
لا زلت أبكي دما ينهل منسجما * للسيدين القتيلين الشهيدين
السيدين الشريفين اللذان هما * خير الورى من أب مجد وجدين
الضارعين إلى الله المنيبين * المسرعين إلى الحق الشفيعين
العاملين بذي العرش الحكيمين * العادلين الحليمين الرشيدين
الصابرين على البلوى الشكورين * المعرضين عن الدنيا المنيبين 35
الشاهدين على الخلق الإمامين * الصادقين عن الله الوفيين
العابدين التقيين الزكيين * المؤمنين الشجاعين الجريين
الحجتين على الخلق الأميرين * الطيبين الطهورين الزكيين
نورين كانا قديما في الظلال كما * قال النبي لعرش الله قرطين
40 تفاحتي أحمد الهادي وقد جعلا * لفاطم وعلي الطهر نسلين
صلى الإله على روحيهما وسقا * قبريهما أبدا نوء السماكين
إلى أن يقول فيها:
ما لابن حماد العبدي من عمل * إلا تمسكه بالميم والعين
فالميم غاية آمالي محمدها * والعين أعني عليا قرة العين
صلى الإله عليهم كلما طلعت * شمس وما غربت عند العشائين
[القصيدة وهي 57 بيتا]
وله في رثاء الإمام السبط الشهيد صلوات الله عليه قوله يذكر فيها حديث الغدير:
حي قبرا بكربلا مستنيرا * ضم كنز التقى وعلما خطيرا
وأقم مأتم الشهيد وأذرف * منك دمعا في الوجنتين غزيرا
والتثم تربة الحسين بشجو * وأطل بعد لثمك التعفيرا
ثم قل: يا ضريح مولاي سقيت * من الغيث هاميا حمهريرا
5 ته على ساير القبور فقد أصبحت * بالتيه والفخار جديرا
فيك ريحانة النبي ومن حل * من المصطفى محلا أثيرا
فيك يا قبر كل حلم وعلم * وحقيق بأن تكون فخورا
فيك من هد قتله عمد الدين * وقد كان بالهدى معمورا
فيك من كان جبرئيل يناغيه * وميكال بالحباء صغيرا
10 فيك من لاذ فطرس فترقى * بجناحي رضى وكان حسيرا
يوم سارت إليه جيش ابن هند * لذحول أمست تحل الصدورا
آه واحسرتي له وهو بالسيف * نحير أفديت ذاك النحيرا
آه إذ ظل طرفه يرمق الفسطاط * خوفا على النساء غيورا
آه إذ أقبل الجواد على النسوان * ينعاه بالصهيل عفيرا
فتبادرن بالعويل وهتكن * الأقراط بارزات الشعورا
وتبادرن مسرعات من الخدر * ومن قبل مسبلات الستورا
ولطمن الخدود من ألم الثكل * وغادرن بالنياح الخدورا
وبدا صوتهن بين عداهن * وعفن الحجاب والتخفيرا
بارزات الوجوه من بعد ما غودرن * صون الوجوه والتخفيرا
ثم لما رأين رأس حسين * فوق رمح حكى الهلال المنيرا 20
صحن بالذل أيها الناس لم نسبي * ولم نأت في الأنام نكيرا؟!
ما لنا لا نرى لآل رسول الله * فيكم يا هؤلاء نصيرا؟!
فعلى ظالميهم سخط الله * ولعن يبقى ويفنى الدهورا
قل لمن لام في ودادي بني * أحمد: لا زلت في لظى مدحورا
أعلى حب معشر أنت قد كنت * عذولا ولا تكون عذيرا 25
وأبوهم أقامه الله في (خم) * إماما وهاديا وأميرا
حين قد بايعوه أمرا عن * الله فسائل دوحاته والغديرا
وأبوهم أفضى النبي إليه * علم ما كان أولا وأخيرا
وأبوهم علا على العرش لما * قد رقى كاهل النبي ظهيرا
وأماط الأصنام كلا عن الكعبة * لما هوى بها تكسيرا 30
قال: لو شئت ألمس النجم بالكف * إذن كنت عند ذاك قديرا
وأبوهم قد رد للشمس بيضا * وهي كادت لوقتها أن تغورا
وقضى فرضه أداء وعادت * لغروب وكورت تكويرا
وأبوهم يروي على الحوض من * والاهم ويرد عنه الكفورا
وأبوهم يقاسم النار والجنة * في الحشر عادلا لن يجورا 35
وأبوهم برا الإله له شبها * لأملاكه سميعا بصيرا
فإذا اشتاقت الملائك زارته * فناهيك زايرا ومزورا
وأبوهم أحيا لميت بصرصر * بعد ما كان في الثرى مقبورا
وأبوهم قال النبي له قولا * بليغا مكررا تكريرا
: أنت خدني وصاحبي ووزيري * بعد موتي أكرم بذاك وزيرا 40
أنت كمثل هرون من موسى * ولم أبتغي سواه ظهيرا
وأبوهم أودى بعمرو بن ود * حين لاقاه في العجاج أسيرا
وأبوهم لباب خيبر أضحى * قالعا ليس عاجزا بل جسورا
حامل الراية التي ردها بالأمس * من لم يزل جبانا فرورا
45 خصه ذو العلا بفاطمة عرسا * ثم أعطاه شبرا وشبيرا
وهم باب ذي الجلال على آدم * فارتد ذنبه مغفورا
وبهم قامت السماء ولولاهم * لكادت بأهلها أن تمورا
وبهم باهل النبي فقل لي * ألهم في الورى عرفت نظيرا؟!
فيهم أنزل المهيمن قرآنا * عظيما وذاك جما خطيرا
50 في الطواسين والحواميم والرحمن آيا ما كان في الذكر زورا
وخلقناه نطفة نبتليه * فجعلناه سامعا وبصيرا
لبيان إذا تأمله العارف * يبدي له المقام الكبير ا
ثم تفسير هل أتى فيه يا صاح * قل له إن كنت تفهم التفسيرا
إن الأبرار يشربون بكأس * كان عندي مزاجها كافورا
55 فلهم أنشأ المهيمن عينا * فجروها لديهم تفجيرا
وهداهم وقال: يوفون بالنذر * فمن مثلهم يوفي النذورا؟!
ويخافون بعد ذلك يوما * شره كان في الورى مستطيرا
فوقاهم إلههم ذلك اليوم * ويلقون نضرة وسرورا
وجزاهم بأنهم صبروا في السر * والجهر جنة وحريرا
60 فاتكوا من على الأرائك لا * يلقون فيها شمسا ولا زمهريرا
وأوان وقد أطيفت عليهم * سلسبيل مقدر تقديرا
وبأكواب فضة وقوارير * قدروها عليهم تقديرا
وبكأس قد مازجت زنجبيلا * لذة الشاربين تشفي الصدورا
وإذا ما رأيت ثم نعيما * دائما عندهم وملكا كبيرا
65 وعليهم فيها ثياب من السندس * خضر في الحشر تلمع نورا
ويحلون بالأساور فيها * وسقاهم ربي شرابا طهورا
وروى لي عبد العزيز الجلودي (1) * وقد كان صادقا مبرورا
عن ثقاة الحديث أعني العلائي * هو أكرم بذا وذا مذكورا
يسندوه عن ابن عباس يوما * قال: كنا عند النبي حضورا
إذ أتته البتول فاطم تبكي (2) * وتوالي شهيقها والزفيرا 70
قال: مالي أراك تبكين يا فاطم؟! * قالت وأخفت التعبيرا
: اجتمعن النساء نحوي وأقبلن * يطلن التقريع والتعييرا
قلن إن النبي زوجك اليوم * عليا بعلا عديما فقيرا
قال: يا فاطم اسمعي واشكري الله * فقد نلت منه فضلا كبيرا
لم أزوجك دون إذن من الله * وما زال يحسن التدبيرا 75
أمر الله جبرئيل فنادى * رافعا في السماء صوتا جهيرا
وأتاه الأملاك حتى إذا ما * وردوا بيت ربنا المعمورا
قام جبريل قائما يكثر التحميد * لله جل والتكبيرا
ثم نادى: زوجت فاطم يا رب * علي الطهر الفتى المذكورا
قال رب العلا: جعلت لها المهر * لها خالصا يفوق المهورا 80
خمس أرضي لها ونهري وأو - جبت على الخلق ودها المحصورا
فانثرت عند ذلك طوبا * على الحور عنبرا وعبيرا (3)
وروينا عن النبي حديثا * في البرايا مصححا مأثورا
إنه قال: بينما الناس في الجنة * إذ عاينوا ضياء ونورا
كاد أن يخطف العيون فنادوا: * أي شئ هذا؟ وأبدوا نكورا 85
____________
(1) أبو أحمد ابن يحيى البصري أحد مؤلفي الإمامية الثقات الاثبات له في الفقه والحديث
والتاريخ تآليف قيمة توفي 17 ذي الحجة سنة 332.
(2) هذه الأبيات ذكرها ابن شهر آشوب في (المناقب) للعبدي فحسبناه سفيان بن مصعب العبدي
فذكرناها في ترجمته ج 2 ص 318 ثم وقفنا على تمام القصيدة فعرفنا أنها للمترجم.
(3) راجع في الأحاديث المذكورة في هذه الأبيات الجزء الثاني من كتابنا ص 318.
أو ليس الإله قال لنا: لا * شمس فيها ترى ولا زمهريرا؟!
وإذا بالنداء: يا ساكن الجنة * مهلا أمنتم التغييرا
ذا علي الولي قد داعب الزهراء * مولاتكم فأبدت سرورا
فبذا إذ تبسمت ذلك النور * فزيدوا إكرامه وحبورا
90 يا بني أحمد عليكم عمادي * واتكالي إذا أردت النشورا
وبكم يسعد الموالي ويشقى * من يعاديكم ويصلى سعيرا
أنتم لي غدا وللشيعة الأبرار * ذخر أكرم به مذخورا
فاستمعها كالدر ليس ترى فيها * ملاهي كلا ولا تعييرا
صاغ أبياتها علي بن حماد * فزانت وحبرت تحبيرا
وقفنا للمترجم في طيات المجاميع العتيقة في النجف الأشرف والكاظمية على
قصائد جمة وإليك فهرستها:
عدد القصائد مطلع القصيدة عدد الأبيات
1 يا يوم عاشورا أطلت بكائي * وتركتني وقفا على البرحاء 46
2 هن بالعيد إن أردت سوائي * أي عيد لمستباح العزاء؟ 37
إن في مأتمي عن العيد شغلا * فاله عني وخلني بشجائي
فإذا عيد الورى بسرور * كان عيدي بزفرة وبكاء
وإذا جددوا ثيابهم جددت * ثوبي من لوعتي وضنائي
5 وإذا أدمنوا الشراب فشربي * من دموع ممزوجة بدماء
وإذا استشعروا الفناء فنوحي * وعويلي على الحسين غنائي
وقليل لومت هما ووجدا * لمصاب الغريب في كربلاء
أيهمني بعيده من مواليه * أبادتهم يد الأعداء؟!
آه يا كربلاء كم فيك من * كرب لنفس شجية وبلاء؟!
10 أألذ الحياة بعد قتيل الطف * ظلما؟! إذن لقل حيائي
كيف ألتذ شوب ماء وقد جرع * كاس لردى بكرب الظماء؟!
كيف لا أسلب العزاء إذا * مثلته عاريا سليب الرداء؟!
كيف لا تسكب الدموع عيوني * بعد تضريج شيبه بالدماء؟!
تطأ الخيل جسمه في ثرى الطف * وجسمي يلتذ لين الوطاء؟!
بأبي زينب وقد سبيت بالذل * من خدرها كسبي الإماء 15
فإذا عاينته ملقي على الترب * معرى مجدلا بالعراء
أقبلت نحوه فيسمعها الشمر * فتدعو في خيفة وخفاء
: أيها الشمر خلني أتزود * نظرة منه فهي أقصى منائي
أفما للرسول حق فلم تنظرني * جاهرا بسوء المراء؟!
ثم تدعو الحسين: لم يا شقيقي * وابن أمي خلفتني بشقائي؟ 20
يا أخي يومك العظيم برى عظمي * وأضنى جسمي وأوهى قوائي
يا أخي كنت أرتجيك لموتي * وحياتي فخاب مني رجائي
يا أخي لو فدى من الموت شخص * كنت أفديك بي وقل فدائي
يا أخي لا حبيب بعدك بل لا * عشت إلا بمقلة عمياء
آه واحسرتي لفاطمة الصغرى * وقد أبرزت بذل السباء 25
كفها فوق رأسها من جوى الثكل * وكف أخرى على الأحشاء
فإذا أبصرت أباها صريعا * فاحصا باليدين في الرمضاء
لم تطق نهضة إليه من الضعف * فنادته في خفي النداء
: يا أبي من ترى ليتمي وضعفي * أو تراه لمحنتي وابتلائي؟!؟!
فإذا لم تجد جوابا لها إلا * بكسر الجفون والايماء 30
أقبلت نحو عمتيها وقالت *: ما أرى والدي من الأحياء
فإذا كان لم جفاني وما كان * له قط عادة بالجفاء
يا بني أحمد السلام عليكم * ما أنارت كواكب الجوزاء
أنتم صفوة الإله من الخلق * ومن بعد خاتم الأنبياء
ونجوم الهدى بنوركم تهدي * البرايا في حندس الظلماء 35
أنا مولاكم ابن حماد أعددتكم * في غد ليوم جزائي
ورجائي أن لا أخيب لديكم * واعتقادي بكم بلوغ الرجاء
3 شجاك نوى الأحبة كيف شاءا * بداء لا تصيب له دواءا 75
4 أيفرح من له كبد يذوب * وقلب من صبابته كئيب؟! 28
5 ويك يا عين سحي دمعا سكوبا * ويك يا قلب كن حزينا كئيبا 68
6 أتلعابا وقد لاح المشيب؟ * وشيب الرأس منقصة وعيب 74
7 دعوت الدمع فانسكب انسكابا * وناديت السلو فما أجابا 67
ويقول فيها:
وإن يك حب أهل البيت ذنبي * فلست بمبتغ عنه منابا
أحبهم وأمنحهم مديحا * وأمنح من يسبهم سبابا
ولم أمدحهم قط اكتسابا * ولكني مدحتهم ارتغابا
ولن يرجو ابن حماد علي * لحسن مديحهم إلا الثوابا
8 هل لجسمي من السقام طبيب؟ * أم لعيني من الرقاد نصيب؟ 26
9 يا أهل بيت رسول الله إنكم * لأشرف الخلق جدا غاب أو أبا 30
10 الدهر فيه طرائف وعجائب * تترى وفيه فوائد ومصائب 60
11 أيا من لقلب دائم الحسرات؟ * ومن لجفون تسكب العبرات؟ 34
هي على روي تائية دعبل يقول في آخرها:
إليك أمين الله نظم قصيدة * إمامية تزهو بحسن صفات
علي بن حماد دعاها فأقبلت * وهمته من أعظم الهممات
شبيه لما قال الخزاعي دعبل * [تضمنه الرحمن بالغرفات]
[مدارس آيات خلت من تلاوة * ومهبط وحي مقفر العرصات]
12 بقاع في البقيع مقدسات * وأكناف بطيبة طيبات 95
13 دعني أنوح وأسعد النواحا * مثلي بكى يوم الحسين وناحا 28
14 أرى الصبر يفنى والهموم تزيد * وجسمي يبلى والسقام جديد 43
15 ماضر عهد الصبى لو أنه عادا * يوما يزودني من طيبة زادا 86
جارى بها السيد إسماعيل الحميري في قصيدة له أولها:
طاف الخيال علينا منك عبادا
فقال العبدي في آخر قصيدته:
وازنت ما قال إسماعيل مبتدءا: * [طاف الخيال علينا منك عبادا]
16 أبك ما عشت بالدموع الغزار * لذراري محمد المختار 37
17 أآمرتي بالصبر أسرفت في أمري * أيؤمر مثلي لا أبا لك بالصبر؟ 29
18 سلامي على قبر تضمن حيدرا * سلام مشوق ما يطيق التصبرا 60
ويقول في آخرها:
ولا أغل في ديني كمن كان قد غلا * وما كنت في حب الوصي مقصرا
بذلك يلقى الله في يوم بعثه * علي بن حماد إذا هو انشرا
19 يا لائمي دع ملامي في الهوى وذر * فإن حب علي قام في عذري 28
20 دعى قلبه داعي الوعيد فاسمعا * وداع لبادي شيبه فتورعا 62
21 فرقت يا بين شملا كان مجتمعا * أبعدت عني حبيبي والسرور معا 77
22 خليلي عج بنا نطل الوقوفا * على من نوره شمل الطفوفا 25
23 خواطر فكري في الحشاء تجول * وحزني على آل النبي يطول 52
24 أهجرت يا ذات الجمال دلالا؟ * وجعلت جسمي للصدود خيالا؟ 58
25 ألا إن زين المرء في عمره العقل * ونهج هدى ما فيه زحلوقة زل 27
26 يا علي بن أبي طالب يا بن المفضل * يا حجاب الله والباب القديم الأزلي 21
27 ناجتك أعلام الهداية فاعلم * وأقمت فيها بالطريق الأقوم 51
فانظر بعين العقل في عقبى الهوى * واسأل عن الدارين إن لم تعلم
28 النوم بعدكم علي حرام * من فارق الأحباب كيف ينام؟ 55
وهناك قصائد تعزى إلى شاعرنا ابن حماد العبدي في بعض المجاميع وهي لابن
حماد محمد المتأخر عن المترجم له بقرون منها قصيدة مطلعها:
لغير مصاب السبط دمعك ضايع * ولا أنت ذا سلو عن الحزن جازع
وقفنا على تمام هذه القصيدة وفي آخرها:
لعل ابن حماد محمد عبدكم * له في غد خير البرية شافع