الصفحة 30

(61)
أبو الحسين الجزار

ولد: 601
توفي: 672


حكم العيون على القلوب يجوز * ودوائها من دائهن عزيز
كم نظرة نالت بطرف فاتر * ما لم ينله الذابل المحزوز؟
فحذار من تلك اللواحظ غرة * فالسحر بين جفونها مركوز
يا ليت شعري والأماني ضلة * والدهر يدرك طرفه ويحوز
هل لي إلى روض تصرم عمره * سبب فيرجع ما مضى فأفوز؟ 5
وأزور من ألف البعاد وحبه * بين الجوانح والحشا مرزوز؟
ظبي تناسب في الملاحة شخصه * فالوصف حين يطول فيه وجيز
والبدر والشمس المنيرة دونه * في الوصف حين يحرر التمييز
لولا تثنى خصره في ردفه * ما خلت إلا أنه مغروز
تجفو غلالته عليه لظافة * فبحسنها من جسمه تطريز (1) 10
من لي بدهر كان لي بوصاله * سمحا ووعدي عنده منجوز؟
والعيش مخضر الجناب أنيقه * ولأوجه اللذات فيه بروز
والروض في حلل النبات كأنه * فرشت عليه دبابج وخزوز
والماء يبدو في الخليج كأنه * ظل لسرعة سيره مخفوز
والزهر يوهم ناظريه إنما * ظهرت به فوق الرياض كنوز 15
فأقاحه ورق ومنثور الندى * در ونور بهاره ابريز
والغصن فيه تغازل وتمايل * وتشاغل وتراسل ورموز

____________

(1) فبجسمه من جفوها تطريز. كذا في بعض النسخ.

الصفحة 31

وكأنما القمري ينشد مصرعا * من كل بيت والحمام يجيز
وكأنما الدولاب زمر كلما * غنت وأصوات الدوالب شيز
20 وكأنما الماء المصفق ضاحك * مستبشر مما أتى فيروز
يهنيك يا صهر النبي محمد * يوم به للطيبين هزيز
أنت المقدم في الخلافة ما لها * عن نحو ما بك في الورى تبريز
صب الغدير على الألى جحد والظى * يوعى لها قبل القيام أزيز
إن يهمزوا في قول أحمد أنت مولى * للورى؟ فالهامز المهموز
25 لم يخش مولاك الجحيم فإنها * عنه إلى غير الولي تجوز
أترى تمر به وحبك دونه * عوذ ممانعة له وحروز؟
أنت القسيم غدا فهذا يلتظي * فيها وهذا في الجنان يفوز

توجد هذه القصيدة في غير واحد من المجاميع الشعرية المخطوطة العتيقة وهي طويلة، وترى أبياتها مبثوثة منثورة في كتب الأدب.

* (الشاعر) *

يحيى بن عبد العظيم بن يحيى بن محمد بن علي جمال الدين أبو الحسين الجزار المصري. أحد شعراء الشيعة المنسيين، ولقد شذت عن ذكره معاجم السلف بالرغم من إطراد شعره في كتب الأدب وفي المعاجم أيضا استطرادا متحليا بالجزالة والبراعة، فإن غفل عن تاريخه المترجمون فقد عقد هو لنفسه ترجمة ضافية الذيول خالدة مع الدهر فلم يترك لمن يقف على شعره ملتحدا عن الاعتراف له بالعبقرية والنبوغ، والإخبات إليه بالتقدم في التورية والاستخدام، قال ابن حجة في الخزانة: تعاهد هو والسراج الوراق والحمامي وتطارحوا كثيرا وساعدتهم صنائعهم وألقابهم في نظم التورية، حتى إنه قيل للسراج الوراق: لولا لقبك وصناعتك لذهب نصف شعرك. ودون مقامه ما يوجد من جميل ذكره في الخزانة لابن حجة، وفوات الوفيات للكتبي 2: 319، والبداية والنهاية لابن كثير 13: 293، وشذرات الذهب 5: 364، ونسمة السحر لليمني، والطليعة في شعراء الشيعة للعلامة السماوي، وقد جمع له شيخنا السماوي من شعره

الصفحة 32
ديوانا يربو على ألف ومائتين وخمسين بيتا. وكان له ديوان وصف بالشهرة في معاجم السلف، وله أرجوزة في ذكر من تولى مصر من الملوك والخلفاء وعمالها ذكرها له صاحب نسمة؟ السحر فقال: مفيدة. فكأنها توجد في مكتبات اليمن، وقد وقف عليها صاحب النسمة. ومن شعره قوله في رثاء الإمام السبط عليه السلام في تمام المتون للصفدي ص 156 وغيره:

ويعود عاشورا يذكرني * رزء الحسين فليت لم يعد
يوم سيبلى حين أذكره * أن لا يدور الصبر في خلدي
يا ليت عينا فيه قد كحلت * في مرود لم تنج من رمد
ويدا به لشماتة خضبت * مقطوعة من زندها بيدي
أما وقد قتل الحسين به * فأبو الحسين أحق بالكمد

وله في حريق الحرم النبوي قوله:

لا تعبأوا أن يحترق في طيبة * حرم النبي بقول كل سفيه
لله في النار التي وقعت به * سر عن العقلاء لا يخفيه
إذ ليس تبقي في فناه بقية * مما بنته بنو أمية فيه

إحترق المسجد الشريف النبوي ليلة الجمعة أول ليلة من شهر رمضان سنة 654 بعد صلاة التراويح على يد الفراش أبي بكر المراغي بسقوط ذبالة من يده فأتت النار على جميع سقوفه ووقعت بعض السواري وذاب الرصاص وذلك قبل أن ينام الناس واحترق سقف الحجرة الشريفة ووقع بعضه فيها، وقال فيه الشعراء شعرا، ولعل ابن تولو المغربي أجاب عن أبيات المترجم المذكورة بقوله:

قل للروافض بالمدينة: مالكم * يقتادكم للذم كل سفيه
ما أصبح الحرم الشريف محرقا * إلا لذمكم الصحابة فيه

كانت بين شاعرنا - الجزار - وبين السراج الوراق مداعبة فحصل للسراج رمد فأهدى الجزار له تفاحا وكمثرى وكتب مع ذلك:

أكافيك عن بعض الذي قد فعلته * لأن لمولانا علي حقوقا
بعثت خدودا مع نهود وأعينا * ولا غرو أن يجزي الصديق صديقا


الصفحة 33

وإن حال منك البعض عما عهدته * فما حال يوما عن ولا نوقا
بنفسج تلك العين صار شقائقا * ولؤلؤ ذاك الدمع عاد عقيقا
وكم عاشق يشكو انقطاعك عندما * قطعت على اللذات منه طريقا
فلا عدمتك العاشقون فطالما * أقمت لأوقات المسرة سوقا

وذكر له ابن حجة قوله موريا في صناعته:

ألا قل للذي يسأل * عن قومي وعن أهلي
لقد تسأل عن قوم * كرام الفرع والأصل
ترجيهم بنو كلب * وتخشاهم بنو عجل

ومثله قوله:

إني لمن معشر سفك الدماء لهم * دأب وسل عنهم إن رمت تصديقي
تضيئ بالدم إشراقا عراصهم * فكل أيامهم أيام تشريق

ومثله قوله:

أصبحت لحاما وفي البيت لا * أعرف ما رائحة اللحم
واعتضت من فقري ومن فاقتي * عن التذاد الطعم بالشم
جهلته فقرا فكنت الذي * أضله الله على علم

وظريف قوله:

كيف لا اشكر الجزارة ما عشت * حفاظا وأرفض الآدابا
وبها صارت الكلاب ترجيني * وبالشعر كنت أرجو الكلابا

ومثله قوله:

معشر ما جاءهم مسترفد * راح إلا وهو منهم معسر
أنا جزار وهم من بقر * ما رأوني قط إلا نفروا

كتب إليه الشيخ نصير الدين الحمامي موريا عن صنعته:

ومذ لزمت الحمام صرت بها * خلا؟ داري من لا يداريه
أعرف حر الأشياء وباردها * وآخذ الماء من مجاريه

فأجابه أبو الحسين الجزار بقوله:


الصفحة 34

حسن التأني مما يعين على * رزق الفتى والحظوظ تختلف
والعبد مذ صار في جزارته * يعرف من أين تؤكل الكتف

وله في التورية قوله:

أنت طوقتني صنيعا وأسمعتك * شكرا كلاهما ما يضيع
فإذا ما شجاك سجعي فإني * أنا ذاك المطوق المسموع

ومن لطائفة ما كتب به إلى بعض الرؤساء وقد منع من الدخول إلى بيته:

أمولاي ما طباعي الخروج * ولكن تعلمته من خمول
أتيت لبابك أرجو الغنى * فأخرجني الضرب عند الدخول

ومن مجونه في التورية قوله في زواج والده:

تزوج الشيخ أبي شيخة * ليس لها عقل ولا ذهن
لو برزت صورتها في الدجا * ما جسرت تبصرها الجن
كأنها في فرشها رمة (1) * وشعرها من حولها قطن
وقائل لي قال: ما سنها؟ * فقلت: ما في فمها سن

وله قوله في داره:

ودار خراب بها قد نزلت * ولكن نزلت إلى السابعه
طريق من الطرق مسلوكة * محجتها للورى شاسعه
فلا فرق ما بين أني أكون * بها أو أكون على القارعه
تساررها هفوات النسيم * فتصغي بلا اذن سامعه
وأخشى بها أن أقيم الصلاة * فتسجد حيطانها الراكعه
إذا ما قرأت إذا زلزلت * خشيت بأن تقرأ الواقعه

وله في بعض أدباء مصر وكان شيخا كبيرا ظهر عليه جرب فالتطخ بالكبريت قوله ذكره له ابن خلكان في تاريخه 1 ص 67:

أيها السيد الأديب دعاءا * من محب خال من التنكيت
أنت شيخ وقد قربت من النار * فكيف أدهنت بالكبريت

____________

(1) الرمة بالكسر والفتح: ما بلى من العظام.

الصفحة 35
وله قوله:

من منصفي من معشر * كثروا علي وأكثروا
صادقتهم وأرى الخروج * من الصداقة يعسر
كالخط يسهل في الطروس * ومحوه يتعذر
وإذا أردت كشطته * لكن ذاك يؤثر

ومن قوله في الغزل:

بذاك الفتور وهذا الهيف * يهون على عاشقيك التلف
أطرت القلوب بهذا الجمال * وأوقعتها في الأسى والأسف
تكلف بدر الدجى إذ حكى * محياك لو لم يشنه الكلف
وقام بعذري فيك العذار * وأجرى دموعي لما وقف
وكم عاذل أنكر الوجد فيك * علي فلما رآك اعترف
وقالوا: به صلف زائد * فقلت: رضيت بذاك الصلف
لئن ضاع عمري في من سواك * غراما؟ فإن عليك الخلف
فهاك يدي إنني تائب * فقل لي: عفى الله عما سلف
بجوهر ثغرك ماء الحياة * فماذا يضرك لو يرتشف
ولم أر من قبله جوهرا * من البهرمان (1) عليه صدف
أكاتم وجدي حتى أراك * فيعرف بالحال لا من عرف
وهيهات يخفى غرامي عليك * بطرف همى وبقلب رجف

ومنه قوله:

حمت خدها والثغر عن حائم شج * له أمل في مورد ومورد
وكم هام قلبي لارتشاف رضابها * فأعرف عن تفصيل نحو المبرد

ومن بديع غزله قوله:

وما بي سوى عين نظرت لحسنها * وذاك لجهلي بالعيون وغرتي
وقالوا: به في الحب عين ونظرة * لقد صدقوا عين الحبيب ونظرتي

____________

(1) البهرمان: الياقوت الأحمر.

الصفحة 36
وله قوله يرثي حماره:

ماكل حين تنجح الأسفار * نفق (1) الحمار وبادت الأشعار
خرجي على كتفي وها أنا دائر * بين البيوت كأنني عطار
ماذا علي جرى لأجل فراقه * وجرت دموع العين وهي غزار؟
لم أنس حدة نفسه وكأنه * من أن تسابقه الرياح يغار
وتخاله في القفر جنا طائرا * ما كل جن مثله طيار
وإذا أتى للحوض لم يخلع له * في الماء من قبل الورود عذار
وتراه يحرس رجله من زلة * برشاشها يتنجس الحضار
ويلين في وقت المضيق فيلتوي * فكأنما بيديك منه سوار
ويشير في وقت الزحام برأسه * حتى يحيد أمامه النظار
لم أدر عيبا فيه إلا أنه * مع ذا الذكاء يقال عنه حمار
ولقد تحامته الكلاب وأحجمت * عنه وفيه كل ما تختار
راعت لصاحبه عهودا قد مضت * لما علمن بأنه جزار

وقال في موت حمار صديق له:

مات حمار الأديب قلت لهم *: مضى وقد فات منه ما فاتا
من مات في عزه استراح ومن * خلف مثل الأديب ما ماتا

وله قوله:

لا تعبني بصنعة القصاب * فهي أذكى من عنبر الآداب
كان فضلي على الكلاب فمذ صرت * أديبا رجوت فضل الكلاب

كان كمال الدين عمر بن أحمد بن العديم (2) إذا قدم مصر يلازمه أبو الحسين الجزار فقال بعض أهل عصره حسدا عليه:

يا بن العديم عدمت كل فضيلة * وغدوت تحمل راية الادبار

____________

(1) نفقت الدابة: خرجت روحها.

(2) أبو القاسم الوزير الرئيس الكبير الحلبي الحنفي سمع الحديث وحدث وتفقه وأفتى ودرس وصنف، ولد سنة 586 وتوفي 660.

الصفحة 37

ما إن رأيت ولا سمعت بمثلها * نفس تلذ بصحبة الجزار

قال الصفدي في تمام المتون ص 181 بعد ذكره قول هارون الرشيد [ إن الكريم إذا خادعته انخدعا ]: ذكرت هنا قضية جرت لأبي الحسين الجزار وهي: إنه توجه الجزار إلى ابن يعمور بالمحلة وأقام عنده مدة ثم إنه أعطاه ورده وجاء ليودعه فاتفق أن حضر في ذلك الوقت وكيل ابن يعمور على أقطاعه فقال له: ما أحضرت؟ قال كذا وكذا دراهم. فقال: اعطه الخزندار. فقال: كذا وكذا غلة. فقال: احملها إلى الشونة. قال: كذا وكذا خروف. فقال: اعطها الجزار. فقام الجزار وقبل الأرض وقال: يا مولانا: كم وكم تتفضل. فتبسم ابن يعمور وانخدع وقال: خذها.

وذكر له الصفدي في تمام المتون شرح رسالة ابن زيدون ص 35 من أبيات له:

وحقك مالي من قدرة * على كشف ضري إذ مسني
فكم أخذتني عيون الظبا - ء بعد الانابة من مأمني

وفي ص 46 من تمام المتون قوله:

أطيل شكا يأتي إلى غير راحم * وأهل الغنى لا يرحمون فقيرا
وأشكر عيشي للورى خوف شامت * كذا كل نحس لا يزال شكورا

وله في تمام المتون ص 212 قوله:

لست أنسى وقد وقفت فأنشدت * قصيدا تفوق نظم الجمان
كل بيت يزري على خلف الأحمر * بالحسن وهو شيخ بن هاني
ببديع يحار في نظمه الطائي * بل مسلم صريع الغواني
ومديح ما نال جودته قدما * زياد في خدمة النعمان
قمت وسط الايوان بين يدي * ملك تسامى على أنوشروان

وله في تمام المتون ص 220 قوله:

ولقد كسوتك من قريضي حلة * جلت عن التلفيق والترقيع
حسنت برقم من جلالك فاغتدت * كالروض في التسهيم والترصيع

وذكر في تمام المتون ص 226 قوله:

أحمل قلبي كل يوم وليلة * هموما على من لا أفوز بخيره


الصفحة 38

كما سود القصار في الشمس وجهه * حريصا على تبييض ثوب لغيره

قال ابن حجة في " الخزانة " ص 338: ولد سنة 601 وتوفي 672 بمصر. وزاد فيه ابن كثير في " البداية والنهاية " يوم وفاته وشهره: ثاني عشر شوال، وهكذا أرخ ولادته ووفاته من أرخهما من المؤلفين غير أن صاحب " شذرات الذهب " شذ عنهم وعده ممن توفي سنة 679 وقال: توفي في شوال وله ست وسبعون سنة أو نحوها ودفن بالقرافة. والله العالم.


الصفحة 39

(62)
القاضي نظام الدين

المتوفى: 678


لله دركم يا آل ياسينا * يا أنجم الحق أعلام الهدى فينا
لا يقبل الله إلا في محبتكم * أعمال عبد ولا يرضى له دينا
أرجو النجاة بكم يوم المعاد وإن * جنت يداي من الذنب الأفانينا
بلى أخفف أعباء الذنوب بكم * بلى أثقل في الحشر الموازينا
5 من لا يواليكم في الله لم ير من * قيح اللظى وعذاب القبر تسكينا
لأجل جدكم الأفلاك قد خلقت * لولاه ما اقتضت الأقدار تكوينا
من ذا كمثل علي في ولايته؟ * ما المبغضين له إلا مجانينا
اسم على العرش مكتوب كما نقلوا * من يستطيع له محوا وترقينا؟
من حجة الله والحبل المتين ومن * خير الورى وولاه الحشر يغنينا؟
10 من المبارز في وصف الجلال ومن * أقام حقا على القطع البراهينا؟
من مثله كان ذا جعفر وجامعة * له يدون سر الغيب تدوينا؟
ومن كهارون من موسى أخوته * للخلق بين خير الرسل تبيينا؟
مهما تمسك بالأخبار طائفة * فقوله: وال من والاه يكفينا
يوم الغدير جرى الوادي فطم على * قوي قوم هم كانوا المعادينا
15 شبلاه ريحانتا روض الجنان فقل: * في طيب أرض نمت تلك الرياحينا

* (ما يتبع الشعر) *

تناهز القصيدة 42 بيتا ذكره القاضي المرعشي في " مجالس المؤمنين " ص 226 وبقوله:

لأجل جدكم الأفلاك قد خلقت * لولاه ما اقتضت الأقدار تكوينا


الصفحة 40
أشار إلى ما أخرجه الحاكم وصححه في " المستدرك " 2 ص 615 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أوحى الله إلى عيسى عليه السلام: يا عيسى! آمن بمحمد وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فسكن.

وذكره السبكي في " شفاء السقام " ص 121 وأقر صحته. وكذلك الزرقاني في شرح المواهب 1 ص 44 قال: أخرجه أبو الشيخ في طبقات الإصفهانيين وصححه الحاكم وأقره السبكي والبلقيني في فتاواه.

وأخرج الحاكم بعده حديثا وصححه وفيه نحو دلالة على ما نرتأيه ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب؟ أسألك بحق محمد لما غفرت لي. فقال الله: يا آدم! وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب! لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله. محمد رسول الله. فعلمت أنك لم تضف إلى إسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك.

وأخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " وهو الكتاب الذي قال فيه الذهبي: عليك به فكله هدى ونور، والطبراني في المعجم الصغير. وأقر صحته السبكي في شفاء السقام ص 120، والسمهودي في وفاء الوفاء ص 419، والقسطلاني في المواهب اللدنية، والزرقاني في شرحه 1 ص 44، والعزامي في فرقان القرآن ص 117.

كتبنا هذا المختصر لإيقاف القارئ على بطلان ما لابن تيمية ومن غزل غزله أمثال " القصيمي " من جلبة ولغط حتى يكون على بصيرة من فضل النبي الأقدس صلى الله عليه وآله

* (الشاعر) *

نظام الدين محمد بن قاضي القضاة إسحاق بن المظهر الاصبهاني، أحد أعيان أدباء الطائفة، وأوحديها في الفنون والفضايل، قاضي القضاة في الأقطار العراقية مخالطا مع خواجه شمس الدين محمد الجويني الملقب بصاحب الديوان المتوفى 683، وله فيه مدائح منها قوله:


الصفحة 41

ما الناس إلا كالقريض وإنما * بيت القصيدة صاحب الديوان
شمس الممالك تزدهي بعلاءها * وبهاء دست الملك والأيوان

وله في رثاء ولد خواجة بهاء الدين محمد قصيدة تناهز 58 بيتا ذكرها القاضي في مجالسه ص 438 مطلعها:

ما للظلام يغطي وجهة الأفق؟ * ما للرواسي اضطربن اليوم من قلق؟
ما للحظوظ تولى القوم أظهرها؟ * ما للنوائب تبدي صفحة العنق؟
بكى السماء وضج الأرض وانكدرت * زهر النجوم وطاشت أنفس الفرق
اليوم يوم لعمري كاسمه فقدت * به العلى والنهى إنسانة الحدق
مولى الأنام بهاء الدين صاحبنا * مضى فبدل صفو العيش بالرنق

وتخلص في غديريته المذكورة إلى مدح خواجة بهاء الدين، وكتب باسم أخي صاحب الديوان: علاء الدين خواجه عطاء الملك الجويني المتوفى 681 ديوان رباعياته وله شعر يمدح به سلطان المحققين خواجه نصير الدين الطوسي المتوفى 672.

توجد ترجمته في مجالس المؤمنين ص 226، وتاريخ آداب اللغة 3: 13 وقال: توفي سنة 678 له ديوان اسمه. ديوان المنشئات. في المتحف البريطاني، وذكره صاحب - رياض الجنة - في الروضة الرابعة في عد العلماء وقال: له رسالته - القوسية - كتب بعض أعلام نيسابور شرحا عليها وأثنى عليه في شرحه بقوله: أقضى قضاة العالم، مفتي طوائف الأمم، منشئ البدايع والعجائب. إلخ.

ومن دو بيتاته في كشكول شيخنا البهائي 1 ص 109:

أنتم لظلام قلبي الأضواء * فيكم لفؤادي جمعت أهواء
يروي الظمأ ادكاركم لا الماء * داويت بغيركم فزاد الداء

* * *

أوصيتك بالجد فدع من ساخر * فاخر بفضيلة التقى من فاخر
لا ترج سوى الرب لكشف البلوى * لا تدع مع الله إلها آخر

* * *

مالي وحديث وصل من أهواه؟ * حسبي بشفاء علتي ذكراه


الصفحة 42

هذا وإذا قضيت نحبي أسفا * يكفيني أن أعد من قتلاه

* * *

وافى فجذبت عطفه الميادا * شوقا فطلبت قبلة فانقادا
حاولت وراء ذاك منه نادا * لا تطلب بعد بدعة إلحادا

* * *

قالوا: انته عنه إنه ما صدقا * ما أجهل من بوعده قد وثقا
لالا فنتيجة الهوى صادقة * مع كذب مقدمات وعد سبقا

وذكر له القاضي في المجالس قوله:

لم أرض سوى هدي نبي وولي * لا أتبع الباطل والحق جلي
في الشر تراني ابن حرب بطلا * لكن أنا من شيعة مولاي علي

وذكر له العلامة النراقي في " الخزائن " ص 115:

مذ غبت ألم في سقام وألم * كم أصبر في هواك؟ كم أصبر؟ كم؟
يا بدر! إلى وصالي. ارجع وارحم * يا بدر! ألم يأن؟ ألم يأن؟ ألم؟


الصفحة 43

(63)
شمس الدين محفوظ

المتوفى ح 690


راق الصبوح ورقت الصهباء * وسرى النسيم وغنت الورقاء
وكسا الربيع الأرض كل مدبج * ليست تجيد مثاله صنعاء
فالأرض بعد العري إما روضة * غناء أو ديباجة خضراء
والطير مختلف اللحان فنايح * ومطرب مالت به الأهواء
5 والماء بين مدرج ومجدول * ومسلسل جادت به الأنواء
وسرى النسيم على الرياض فضمخت * أثوابه عطرية نكباء
كمديح آل محمد سفن النجا * فبنظمه تتعطر الشعراء
الطيبون الطاهرون الراكعون * الساجدون السادة النجباء
منهم علي الأبطحي الهاشمي * اللوذعي إذا بدت ضوضاء
10 ذاك الأمير لدى " الغدير " أخو * البشير المستنير ومن له الأنباء
طهرت له الأصلاب من آبائه * وكذاك قد طهرت له الأبناء
أفهل يحيط الواصفون بمدحه * والذكر فيه مدائح وثناء؟
ذو زوجة قد أزهرت أنوارها * فلأجل ذلكم اسمها الزهراء
وأئمة من ولدها سادت بها * المتأخرون وشرف القدماء
15 مبداهم الحسن الزكي ومن إلى * أنسابه تتفاخر الكرماء
والطاهر المولى الحسين ومن له * رفعت إلى درجاتها الشهداء
والندب زين العابدين الماجد * الندب الأمين الساجد البكاء
والباقر العلم الشريف محمد * مولى جميع فعاله آلاء
والصادق المولى المعظم جعفر * حبر مواليه هم السعداء


الصفحة 44

وإمامنا موسى بن جعفر سيد * بضريحه تتشرف الزوراء 20
ثم الرضا علم الهدى كنز التقى * باب الرجا محيي الدجى الجلاء
ثم الجواد مع ابنه الهادي الذي * تهدي الورى آياته الغراء
والعسكري إمامنا الحسن الذي * يغشاه من نور الجلال ضياء
والطاهر ابن الطاهرين ومن له * في الخافقين من البهاء لواء
من يصلح الأرضين بعد فسادها * حتى يصاحب ذيبهن الشاء 25
أنا يا بن عم محمد أهواكم * وتطيب مني فيكم الأهواء
وأكفر النالين فيك وألعن * القالين إنهم لدي سواء (1)

* (الشاعر) *

الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد أبو محمد الحلي الأسدي. قطب من أقطاب الفقاهة، وطود راس للعلم والأدب، كان متكئا على أريكة الزعامة الدينية، ومرجعا في الفتوى، ومنتجعا لحل المشكلات، وكهفا تأوي إليه العفاة، والحكم الفاصل للدعاوي، ومن مشايخ الإجازة الراوين عن الشيخ نجم الدين المحقق الحلي المتوفى 667، ويروي عنه الحافظ المحقق كمال الدين علي بن الشيخ شرف الدين الحسين بن حماد الليثي الواسطي. ويروي عن شارح القصائد السبع العلويات لابن أبي الحديد بشرحه الموسوم بغرر الدلائل قال في أول الشرح: كنت قرأت هذه القصائد على شيخي الإمام العالم الفقيه المحقق شمس الدين أبي محمد محفوط بن وشاح قدس الله روحه وذلك بداره بالحلة في صفر من سنة ثمانين وستمائة، ورواها لي عن ناظمها وراقم علمها. قال الأميني: أحسب أن شارح القصائد هو صفي الدين محمد بن الحسن بن أبي الرضا العلوي البغدادي صاحب البائية في رثاء المترجم. والله العالم.

جرت بين شيخنا المترجم وبين شيخه المحقق الحلي مكاتبات منها ما ذكره شيخنا صاحب المعالم في إجازة الكبيرة (2) قال نقلا عن الشهيد الأول (3) إنه كتب إلى الشيخ

____________

(1) ذكرها العلامة السماوي في الطليعة ج 2.

(2) توجد في إجازات البحار للعلامة المجلسي ص 100.

(3) شمس الدين محمد بن جمال مكي بن محمد العاملي النبطي الجزيني المستشهد سنة 786 توجد ترجمته وترجمة أولاده وأحفاده في كتابنا شهداء الفضيلة ص 80 - 98.