الصفحة 101
بقاف والذاريات الله أقسم في * أن الذي قاله حق كما ذكره
في الطور أبصر موسى نجم سؤدده * والأفق قد شق إجلالا له قمره
أسرى فنال من الرحمن واقعة * في القرب ثبت فيه ربه بصره
أراه أشياء لا يقوى الحديد لها * وفي مجادلة الكفار قد أزره 25
في الحشر يوم امتحان الخلق يقبل في * صف من الرسل كل تابع أثره
كف يسبح لله الحصاة بها * فاقبل إذا جاءك الحق الذي قدره
قد أبصرت عنه الدنيا تغابنها * نالت طلاقا ولم يصرف لها نظره
تحريمه الحب للدنيا ورغبته * عن زهرة الملك حقا عندما نظره
في نون قد حقت الأمداح فيه بما * أثنى به الله إذ أبدى لنا سيره 30
بجاهه سال نوح في سفينته * سفن النجاة وموج لبحر قد غمره
وقالت الجن: جاء الحق فاتبعوا * مزملا تابعا للحق لن يذره
مدثرا شافعا يوم القيامة هل * أتى نبي له هذا العلا زخره؟
في المرسلات من الكتب انجلى نبأ * عن بعثه سائر الأخبار قد سطره
ألطافه النازعات الضيم في زمن * يوم به عبس العاصي لما ذعره 35
إذ كورت شمس ذات اليوم وانفطرت * سماؤه ودعت ويل به الفجره
وللسماء انشقاق والبروج خلت * من طارق الشهب والأفلاك مستتره
فسبح اسم الذي في الخلق شفعه * وهل أتاك حديث الحوض إذ نهره
كالفجر في البلد المحروس غرته * والشمس من نوره الوضاح مستنره
والليل مثل الضحى إذ لاح فيه ألم * نشرح لك القول في أخباره العطره 40
ولو دعا التين والزيتون لا ابتدرا * إليه في الحين واقرأ تستبن خبره
في ليلة القدر كم قد حاز من شرف * في الفجر لم يكن الانسان قد قدره
كم زلزلت بالجياد العاديات له * أرض بقارعة التخويف منتشره
له تكاثر آيات قد اشتهرت * في كل عصر فويل للذي كفره
ألم تر الشمس تصديقا له حبست * على قريش وجاء الروح إذ أمره 45
أرأيت أن إله العرش كرمه * بكوثر مرسل في حوضه نهره


الصفحة 102

والكافرون إذا جاء الورى طردوا * عن حوضه فلقد تبت يدا الكفره
إخلاص أمداحه شغلي فكم فلق * للصبح أسمعت فيه الناس مفتخره
49 أزكى صلاتي على الهادي وعترته * وصحبه وخصوصا منهم عشره

ثم سمى العشرة المبشرة وبعدها خص بالذكر حمزة والعباس وجعفرا وعقيلا و خديجة وبنتها الزهراء سلام الله عليهم، وقد جاراه في قصيدته هذه أئمة الأدب في مدح النبي صلى الله عليه وآله منهم الشيخ القلقشندي بقصيدة ذات 51 بيتا أولها:

عوذت حبي برب الناس والفلق * المصطفى المجتبى الممدوح بالخلق

والشيخ أبو عمران موسى الفاسي بقصيدة ذات 154 بيتا أولها:

بدأت باسم الله في أول السطر * فأسماؤه حصن منيع من الضر

ولغيرهما قصيدة ذات 40 بيتا مستهلها:

بحمد إله العرش استفتح القولا * وفي آية الكرسي أستمنح الطولا

ولآخر قصيدة ذات 37 بيتا مطلعها:

بسم الإله افتتاح الحمد والبقرة * مصليا بصلاة لم تزل عطره

وللمترجم في نفح الطيب قوله:

جعلوا لأبناء الرسول علامة * إن العلامة شأن من لم يشهر
نور النبوة في كريم وجوههم * يغني الشريف عن الطراز الأخضر

قال الحافظ القسطلاني في المواهب اللدنية كما في شرحه ج 7 ص 21: فهذه الذرية الطاهرة قد خصوا بمزايا التشريف، وعموا بواسطة السيدة فاطمة بفضل ضيف، وألبسوا رداء الشرف، ومنحوا بمزيد الإكرام والتحف، وقد وقع الاصطلاح على اختصاصهم من بين الشرف كالعباسين والجعافرة (ذرية جعفر بن أبي طالب) بالشطفة (1) الخضراء لمزيد شرفهم، والسبب في ذلك كما قيل: أن المأمون الخليفة العباسي أراد أن يجعل الخلافة في بني فاطمة فأتخذ لهم شعارا أخضر، وألبسهم ثيابا خضرا، لكون السواد شعار العباسيين، والبياض شعار سائر المسلمين في جمعهم ونحوها، والأحمر مختلف في كراهته، والأصفر شعار اليهود بآخره، ثم انثنى عزمه عن ذلك، ورد

____________

(1) الشطفة بضم المعجمة: القطعة.

الصفحة 103
الخلافة لبني العباس فبقي ذلك شعار الأشراف العلويين من الزهراء، لكنهم اختصروا الثياب إلى قطعة من ثوب أخضر توضع على عمائمهم هي المسماة (بالشطفة) شعارا لهم ثم انقطع ذلك إلى أواخر القرن الثامن، قال في حوادث سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة من إنباء الغمر بأبناء العمر: وفيها أمر السلطان الأشرف أن يمتازوا عن الناس بعصائب " جمع عصابة " خضر على العمائم ففعل ذلك بمصر والشام وغيرهما وفي ذلك يقول الأديب أبو عبد الله ابن جابر الأندلسي (وذكر البيتين المذكورين) والأديب شمس الدين الدمشقي:

أطراف تيجان أتت من سندس * خضر بأعلام على الأشراف
والأشرف السلطان خصهم لها * شرفا ليفرقهم من الأطراف

والأشرف هو شعبان بن حسن بن الناصر، خنق سنة 778.


الصفحة 104

71
علاء الدين الحلي


أجاذر منعت عيونك ترقد * بعراص بابل أم حسان خرد؟
ومعاطف عطفت فؤادك أم غصون نقى على هضباتها تتأود؟
وبروق غادية شجاك وميضها * أم تلك در في الثغور تنضد؟
وعيون غزلان الصريم بسحرها * فتنتك أم بيض عليك تجرد؟
5 يا ساهر الليل الطويل يمده * عونا على طول السهاد الفرقد
ومهاجرا طيب الرقاد وقلبه * أسفا على جمر الغضا يتوقد
ألا كففت الطرف إذ سفرت بدور * السعد بالسعدي عليك وتسعد
أسلمت نفسك للهوى متعرضا * وكذا الهوى فيه الهوان السرمد
وبعثت طرفك رائدا ولربما * صرع الفتي دون الورود المورد
10 فغدوت في شرك الظباء مقيدا * وكذا الضباء يصدن من يتصيد
فلعبن أحيانا بلبك لاهيا * بجمالهن فكاد منك الحسد
حتى إذا علقت بهن بعدت من * كثب فهل لك بعد نجد منجد؟
رحلوا فما أبقوا لجسمك بعدهم * رمقا ولا جلدا به تتجلد
واها لنفسك حيث جسمك بالحمى * يبلى وقلبك بالركائب منجد
15 ألفت عيادتك الصبابة والأسى * وجفاك من طول السقام العود
وتظن أن البعد يعقب سلوة * وكذا السلو مع التباعد يبعد
يا نائما عن ليل صب (1) جفنه * أرق إذا غفت العيون الهجد
ليس المنام لراقد جهل الهوى * عجبا بلى عجب لمن لا يرقد
نام الخلي من الغرام وطرف من * ألف الصبابة والهيام مسهد

____________

(1) الصب: العاشق يقال: رجل صب ج صبون -

الصفحة 105

أترى تقر عيون صب قلبه * في أسر مائسة القوام مقيد؟ 20
شمس على غصن يكاد مهابة * لجمالها تعنوا البدور وتسجد
تفتر عن شنب كأن جمانه * برد به عذب الزلال مبرد
ويصدني عن لثمه نار غدت * زفرات أنفاسي بها تتصعد
من لي بقرب غزالة في وجهها * صبح تجلى عنه ليل أسود؟
أعنو لها ذلا فتعرض في الهوى * دلا وأمنحها الدنو وتبعد 25
تحمي بناظرها مخافة ناظر * خدا لها حسن الصقال مورد
يا خال وجنتها المخلد في لظي * ما خلت قبلك في الجحيم يخلد
إلا الذي جحد الوصي وما حكى * في فضله يوم " الغدير " محمد
إذ قام يصدع خاطبا ويمينه * بيمينه فوق الحدائج تعقد
ويقول والأملاك محدقة به * والله مطلع بذلك يشهد 30
: من كنت مولاه فهذا حيدر * مولاه من دون الأنام وسيد
يا رب وال وليه واكبت معا * دية وعاند من لحيدر يعند
والله ما يهواه إلا مؤمن * بر ولا يقلوه إلا ملحد
كونوا له عونا ولا تتخاذلوا * عن نصره واسترشدوه ترشدوا
قالوا: سمعنا ما تقول وما أتى * الروح الأمين به عليك يؤكد 35
هذا " علي " إمامنا وولينا * وبه إلى نهج الهدى نسترشد
حتى إذا قبض النبي ولم يكن * من بعده في وسط لحد يلحد (1)
خانوا مواثيق النبي وخالفوا * ما قاله خير البرية أحمد
واستبدلوا بالرشد غيا بعد ما * عرفوا الصواب وفي الضلال ترددوا
وغدا سليل أبي قحافة سيدا * لهم ولم يك قبل ذلك سيد 40
يا للرجال لأمة مفتونة * سادت على السادات فيها الأعبد
أضحى بها الأقصى البعيد مقربا * والأقرب الأدنى يذاد ويبعد
هلا تقدمه غداة براءة * إذ رد وهو بفرط غيظ مكمد؟

____________

(1) وفي نسخة: في لحده من بعد غسل يلحد.

الصفحة 106

ويقول معتذرا: أقيلوني وفي * إدراكها قد كان قدما يجهد
45 أيكون منها المستقيل وقد غدا * في آخر يوصي بها ويؤكد؟

ثم اقتفى

فقضى بها خشناء يغلظ كلمها * ذل الولي بها وعز المفسد
وأشار بالشورى فقرب نعثلا * منها فبئس الخائن
فغدا لمال الله في قربائه * عمدا يفرق جمعه ويبدد
50 ونفى أبا ذر وقرب فاسقا (1) * كان النبي له يصد ويطرد
لعبوا بها حينا وكل منهم * متحير في حكمها متردد
ولو اقتدوا بإمامهم ووليهم * سعدوا به وهو الولي الأوكد
لكن شقوا بخلافه أبدا وما * سعدوا به وهو الوصي الأسعد
صنو النبي ونفسه وأمينه * ووليه المتعطف المتودد
55 كتبا على العرش المجيد ولم يكن * في سالف الأيام آدم يوجد
نوران قدسيان ضم علاهما * من شيبة الحمد ابن هاشم محتد
من لم يقم وجها إلى صنم ولا * للات والعزى قديما يسجد
والدين والاشراك لولا سيفه * ما قام ذا شرفا وهذا يقعد
سل عنه بدرا حين وافى شيبة * شلوا عليه النائحات تعدد
60 وثوى الوليد بسيفه متعفرا * وعليه ثوب بالدماء مجسد
وبيوم أحد والرماح شوارع * والبيض تصدر في النحور وتورد
من كان قاتل طلحة لما أتى * كالليث يرعد للقتال ويزبد
وأباد أصحاب اللواء وأصبحوا * مثلا بهم يروى الحديث ويسند؟
هذا يجر وذاك يرفع رأسه * في رأس منتصب وذاك مقيد
65 وبيوم خيبر إذ براية " أحمد " * ولى عتيق والبرية تشهد
ومضى بها الثاني فآب يجرها * ذلا يوبخ نفسه ويفند

____________

(1) هو الحكم بن أبي العاص بن أمية عم عثمان بن عفان أخرجه رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة وطرده عنها، راجع الاستيعاب وغير واحد من المعاجم.

الصفحة 107

حتى إذا رجعا تميز " أحمد " * حردا وحق له بذلك يحرد
وغدا يحدث مسمعا من حوله * والقول منه موفق ومؤيد
: إني لأعطي رايتي رجلا وفي * بطل بمختلس النفوس معود
رجل يحب الله ثم رسوله * ويحبه الله العلي وأحمد 70
حتى إذا جنح الظلام مضى على * عجل وأسفر عن صبيحته غد
قال: إئت يا سلمان لي بأخي فقال * الطهر سلمان: علي أرمد
ومضى وعاد به يقاد ألا لقد * شرف المقود علا وعز القيد
فجلا قذاه بتفلة وكساه سابغة * بها الزرد الحديد منضد (1)
فيد تناوله اللواء وكفه * الأخرى تزرد درعه وتبند 75
ومضى بها قدما وآب مظفرا * مستبشرا بالنصر وهو مؤيد
وهوى بحد السيف هامة مرحب * فبراه وهو الكافر المتمرد
ودنا من الحصن الحصين وبابه * مستغلق حذر المنية موصد
فدحاه مقتلعا له فغدا له * حسان ثابت في المحافل ينشد (2)
إن امرءا حمل الرتاج (3) بخيبر * يوم اليهود لقدره لمؤبد 80
حمل الرتاج وماج باب قموصها * والمسلمون وأهل خيبر تشهد
واسأل حنينا حين بادر جرول (4) * شاكي السلاح لفرصة يترصد
حتى إذا ما أمكنته غشاهم * في فيلق يحكيه بحر مزبد
وثوى قتيلا أيمن (5) وتبادرت * عصب الضلال لحتف أحمد تقصد

____________

(1) درع سابغة: واسعة ج سوابغ. الزرد: الدرع المزرودة يتداخل بعضها في بعض ج زرود.

(2) مر شعر حسان بن ثابت في هذه المأثرة الكريمة وشرحه في الجزء الثاني ص 40.

(3) الرتاج: الباب العظيم. الباب المغلق وفيه باب صغير.

(4) هو أبو جرول صاحب راية هوازن يوم حنين، كان يوم ذاك على جمل له أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام الناس وهوازن خلفه، إذا أدرك طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه، وكان يرتجز بقوله:

أنا أبو جرول لا براح * حتى يبيح القوم أو يباح

فهوى له على أمير المؤمنين من خلفه فضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ثم ضربه فقطره ثم قال:

قد علم القوم لدى الصباح * إني لدى الهيجاء ذو نضاح

(5) أيمن بن أم أيمن بن عبيد. من المستشهدين في غزوة حنين.

الصفحة 108

85 وتفرقت أنصاره من حوله * جزعا كأنهم النعام الشرد
ها ذاك منحدر إلى وهد وذا * حذر المنية فوق تلع يصعد
هلا سألت غداة ولى جمعهم * خوف الردى إن كنت من يسترشد؟
من كان قاتل جرول ومذل جيش * هوازن إلا الولي المرشد؟
كل له فقد النبي سوى أبي * حسن علي حاضر لا يفقد
90 ومبيته فوق الفراش مجاهدا * بمهاد خير المرسلين يمهد
وسواه محزون خلال الغار من * حذر المنية نفسه تتصعد
وتعد منقبة لديه وإنها * إحدى الكبائر عند من يتفقد
ومسيره فوق البساط مخاطبا، أهل الرقيم فضيلة لا تجحد
وعليه قد ردت (1) ذكاء وأحمد * من فوق ركبته اليمين موسد
95 وعليه ثانية بساحة بابل * رجعت كذا ورد الحديث المسند
وولي عهد محمد أفهل ترى * أحدا إليه سواه أحمد يعهد؟
إذ قال: إنك وارثي وخليفتي * ومغسل لي دونهم وملحد
أم هل ترى (2) في العالمين بأسرهم * بشرا سواه ببيت مكة يولد؟
في ليلة جبريل جاء بها مع * الملأ المقدس حوله يتعبد
100 فلقد سما مجدا " علي " كما علا * شرفا به دون البقاع المسجد
أم هل سواه فتى تصدق (3) راكعا * لما أتاه السائل المسترفد؟
المؤثر المتصدق المتفضل * المتمسك المتنسك المتزهد
الشاكر المتطوع المتضرع * المتخضع المتخشع المتهجد
الصابر المتوكل المتوسل * المتذلل المتململ المتعبد
105 رجل يتيه به الفخار مفاخرا * ويسود إذ يعزى إليه السودد
إن يحسدوه على علاه فإنما * أعلا البرية رتبة من يحسد

____________

(1) أسلفنا تفصيل القول في فضيلة رد الشمس للإمام عليه السلام في الجزء الثالث ص 126 - 141.

(2) قد مر حديث ولادته عليه السلام ببطن الكعبة المشرفة في هذا الجزء ص 21 - 38.

(3) هذه الفضيلة فصلنا القول فيها تفصيلا في ج 2 ص 47 و ج 3 ص 156 - 166.

الصفحة 109

وتتبعت أبناؤهم أبناؤه * كل لكل بالأذى يتقصد
حسدوه إذ لا رتبة وفضيلة، إلا بما هو دونهم متفرد
بالله أقسم والنبي وآله * قسما يفوز به الولي ويسعد
لولا الأولى نقضوا عهود محمد * من بعده وعلى الوصي تمردوا 110
لم تستطع مدا لآل أمية * يوم الطفوف على ابن فاطمة يد
بأبي القتيل المستضام ومن له * نار بقلبي حرها لا يبرد
بأبي غريب الدار منتهك الخبا * عن عقر منزله بعيد مفرد
بأبي الذي كادت لفرط مصابه * شم الرواسي حسرة تتبدد
كتبت إليه على غرور أمية * سفها وليس لهم كريم يحمد 115
بصحائف كوجوههم مسودة * جاءت بها ركبانهم تتردد
حتى توجه واثقا بعهودهم * وله عيونهم انتظارا ترصد
أضحى الذين أعدهم لعدوهم * إلبا (1) جنودهم عليه تجند
وتبادروا يتسارعون لحربه * جيشا يقاد له وآخر يحشد
حتى تراءى منهم الجمعان في خرق * وضمهم هنالك فدفد 120
ألفوه لا وكلا ولا مستشعرا ذلا * ولا في عزمه يتردد
ماض على عزم يفل بحده * الماضي حدود البيض حين تجرد
مستبشرا بالحرب علما أنه * يتبوأ الفردوس إذ يستشهد
في أسرة من هاشم علوية * عزت أرومتها وطاب المولد
وسراة أنصار ضراغمة لهم * أهوال أيام الوقايع تشهد 125
يتسارعون إلى القتال يسابق * الكهل المسن على القتال الأمرد
فكأنما تلك القلوب تقلبت * زبرا عليهن الصفيح يضمد (2)
وتخال في إقدامهم أقدامهم * عمدا على صم الجلامد توقد
جادوا بأنفسهم أمام إمامهم * والجود بالنفس النفيسة أجود

____________

(1) الإلب: القوم تجمهم عداوة واحد يقال: هم على إلب واحد.

(2) الزبرة: القطعة الضخمة من الحديد جمع زبر. الصفيح جمع الصفيحة: السيف العريض.

الصفحة 110

130 نصحوا غنوا غرسوا جنوا شادوا بنوا قربوا دنوا سكنوا النعيم فخلدوا
حتى إذا انتهبت نفوسهم الضبا * من دون سيدهم وقل المسعد
طافوا به فردا وطوع يمينه * متذلق ماضي الغرار مهند (1)
(2) عضب بغير جفون هامات العدى * يوم الكريهة حده لا يغمد
يسطو به ثبت الجنان ممنع * ماضي العزيمة دارع ومزرد
135 ندب متى ندبوه (3) كر معاودا * والأسد في طلب الفرايس عود
فيروعهم من حد غرب حسامه * ضرب يقد به الجماجم أهود
يا قلبه يوم الطفوف أزبرة * مطبوعة أم أنت صخر جلمد؟
فكأنه وجواده وسنانه * وحسامه والنقع داج أسود (4)
فلك به قمر وراه مذنب * وأمامه في جنح ليل فرقد
140 في ضيق معترك تقاعص دونه * جرداء مائلة وشيظم أجرد
فكأنما فيه مسيل دمائهم * بحر تهيجه الرياح فيزبد
فكأن جرد الصافنات سفاين * طورا تعوم به وطورا تركد (5)
حتى شفي بالسيف غلة صدره * ومن الزلال العذب ليس تبرد
لهفي له يرد الحتوف ودونه * ماء الفرات محرم لا يورد
145 شزرا (6) يلاحظه ودون وروده * نار بأطراف الأسنة توقد
ولقد غشوه فضارب ومفوق * سهما إليه وطاعن متقصد

____________

(1) الذلق: الحد. التمذلق المحدد الطرف. الماضي فاعل من مضى مضاء السيف أي قطع. الغرار بالكسر: حد السيف. المهند: السيف المطبوع من حديد الهند.

(2) العضب: السيف القاطع، ويقال: سيف عضب أي قاطع. والعضب: الرجل الحديد الكلام

(3) الندب: السريع إلى الفضائل. الظريف النجيب. ندب فلانا للأمر أو إليه دعاه و وجهه إليه.

(4) هذا البيت وما بعده في بعض النسخ يوجد كذا:

فكأنه وجواده وسنان صعدته * وليل النقع داج أسود
قمر به فلك يمر يؤمه * متقدما في جنح ليل فرقد

(5) الجرد بفتح الجيم: الترس. الصافنات جمع الصافن من صفن الفرس: قام على ثلاث قوائم وطرف حافر الرابعة. تعوم: تسير.

(6) شزر: نظر بجانب عينه مع إعراض أو غضب.

الصفحة 111

حتى هوى كالطود غير مذمم * بالنفس من أسف يجود ويجهد
لهفي عليه مرملا بدمائه * ترب الترائب بالصعيد يوسد
تطأ السنابك (1) منه صدرا طال ما * للدرس فيه وللعلوم تردد
ألقت عليه السافيات ملابسا * فكسته وهو من اللباس مجرد 150
خضبت عوارضه دماه فخيلت * شفقا له فوق الصباح تورد
لهفي لفتيته خمودا في الثرى * ودماؤهم فوق الصعيد تبدد
فكأنما سيل الدماء على عوارضهم * عقيق ثم منه زبرجد
لهفي لنسوته برزن حواسرا * وخدودهن من الدموع تخدد
هاتيك حاسرة القناع وهذه * عنها يماط ردا وينزع مرود 155
ويقلن جهرا للجواد لقد هوى * من فوق صهوتك الجواد الأجود
يا يوم عاشوراء حسبك إنك * اليوم المشوم بل العبوس الأنكد
فيك الحسين ثوى قتيلا بالعرى، إذ عز ناصره وقل المسعد
والتائبون الحامدون العابدون * السائحون الراكعون السجد
أضحت رؤسهم أمام نسائهم * قدما تميل بها الرماح وتأود 160
والسيد السجاد يحمل صاغرا * ويقاد في الأغلال وهو مقيد
لا راحما يشكو إليه مصابه * في دار غربته ولا متودد
يهدى به وبرأس والده إلى * لكع زنيم كافر يتمرد
لا خير في سفهاء قوم عبدهم * ملك يطاع وحرهم مستعبد
يا عين إن نفدت دموعك فاسمحي بدم ولست أخال دمعك ينفد 165
أسفا على آل الرسول ومن بهم * ركن الهدى شرفا يشاد ويعضد
منهم قتيل لا يجار ومن سقي * سما وآخر عن حماه يشرد
ضاقت بلاد الله وهي فسيحة * بهم وليس لهم بأرض مقعد
متباعدون لهم بكل تنوفة (1) * مستشهد وبكل أرض مشهد

____________

(1) السنبك: طرف الحافر.

(2) التنوفة: البرية لا ماء فيها ولا أنيس جمع تنائف.

الصفحة 112

170 أبني المشاعر والحطيم ومن هم * حجج بهم تشقى الأنام وتسعد
أقسمت لا ينفك حزني دائما * بكم ونار حشاشتي لا تخمد
بكم يمينا لا جرى في ناظري * حزنا عليكم غير دمعي مرود
يفنى الزمان وتنقضي أيامه * وعليكم بكم الحزين المكمد
فلجسمه حلل السقام ملابس * ولطرفه حر المدامع أثمد
175 ولو أنني استمددت من عيني دما * ويقل من عيني دما يستمدد
لم أقض حقكم علي وكيف أن * تقضي حقوق المالكين الأعبد؟
يا صفوة الجبار يا مستودعي * الأسرار يا من ظلهم لي مقصد
عاهدتكم في الذر معرفة بكم * ووفيت أيمانا بما أتعهد
ووعدتموني في المعاد شفاعة * وعلى الصراط غدا يصح الموعد
180 فتفقدوني في الحساب فإنني * ثقة بكم لوجوهكم أتقصد
كم مدحة لي فيكم في طيها * حكم تفوز بها الركاب وتنجد
وبنات أفكار تفوق صفات * أبكار يقوم لها القريض ويقعد
ليس النضار (1) لها نظيرا بل هي * الدر المفصل لا الخلاص العسجد
هذا ولو أن العباد بأسرهم * تحكي مناقب مجدكم وتعدد
185 لم يدركوا إلا اليسير وأنتم * أعلا علا مما حكوه وأزيد
ولكان في أم الكتاب كفاية * عما تنظمه الورى وتنضد
صلى الإله عليكم ما باكرت * ورق على ورق الغصون تغرد

وله من قصيدة يمدح بها مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وفيها من البديع الجناس في القوافي في 56 بيتا قوله:

يا روح قدس من الله البدئ بدا * وروح أنس على العرش العلي بدا
يا علة الخلق يا من لا يقارب خير * المرسلين سواه مشبه أبدا
يا سر موسى كليم الله حين رأى * نارا فآنس منها للظلام هدى
ويا وسيلة إبراهيم حين خبت * نار ابن كنعان بردا والضرام هدا

____________

(1) النضار: الجوهر الخالص من التبر. الذهب والفضة وقد غلب على الذهب.

الصفحة 113

أنت الذي قسما لولا علاك لما كلت لدى النحر عن نحر الذبيح مدى 5
ولا غدا شمل يعقوب النبي مع الصديق مشتملا من بعد طول مدى
ألية بك لولا أنت ما كشفت * مسرة الأمن عن قلب النبي صدى
ولا غدت عرصات الكفر موحشة * يبكي عليهن من بعد الأنيس صدى (1)
يا من به كمل الدين الحنيف وللاسلام * من بعد وهن ميله عضدا
وصاحب النص في خم وقد رفع النبي على رغم العدا عضدا 10
أنت الذي اختارك الهادي البشير * أخا وما سواك ارتضى من بينهم أحدا
أنت الذي عجبت منه الملائك في * بدر ومن بعدها إذ شاهدوا أحدا
وحق نصرك للاسلام تكلؤه * حياطة بعد خطب فادح وردى
ما فصل المجد جلبابا لذي شرف * إلا وكان لمعناك البهيج ردا
يا كاشف الكرب عن وجه النبي لدى * بدر وقد كثرت أعداؤه عددا 15
استشعروا الذل خوفا من لقاك وقد * تكاثروا عددا واستصحبوا عددا
ويوم عمرو بن ود العامري وقد * سارت إليك سرايا جيشه مددا
أضحكت ثغر الهدى بشرابه وبكت * عين الضلال له بعد الدما مددا
وفي هوازن لما نار ها استعرت * من عزم عزمك يوما حرها بردا
أجرى؟؟ صوبا من دمائهم 20 هدرا وأمطرتهم من أسهم بردا (2)
أقدمت وانهزم الباقون حين رأوا * على النبي محيطا جحفلا لبدا (3)
لولا حسامك ما ولوا ولا اطرحوا * من الغنائم مالا وافرا لبدا (4)

إلخ

* (الشاعر) *

أبو الحسن علاء الدين الشيخ علي بن الحسين الحلي الشهيفي (5) المعروف بابن

____________

(1) الصدى: نوع من البوم يأوي إلى الأماكن الخربة المظلمة ويسمى أيضا: الهامة.

(2) ثلج جامد ينزل من؟؟ يسمى حب الغمام وحب المزن

(3) لبد القوم بالرجل: لزموه وأطافوا به.

(4) لبد بضم اللام أي الكثير الجم.

(5) لم تعرف وجه هذه النسبة ونجد في ضبطها اختلافا في النسخ بين الشهيفى، والشفهينى، والشهفينى، والشفهى، والشهيفينى.

الصفحة 114
الشهفية، عالم فاضل، وأديب كامل، وقد جمع بين الفضيلتين علم غزير وأدب بارع بفكر نابغ، ونظر صائب، ونبوغ ظاهر، وفضل باهر، وجاء في الطليعة من شعراء أهل البيت عليهم السلام، وقصايده الرنانة السائرة الطافحة بالحجاج، الزاهية بالرقايق، المشحونة بالدقايق، المتبلجة بالمحسنات البديعية على جزالة في اللفظ، وحصافة في المعنى، ومتانة في الأسلوب، وقوة في المبنى، ورصانة في النضد، ورشاقة في النظيم في مدايح أمير المؤمنين ومراثي ولده الإمام السبط أعدل شاهد لعبقريته، وتقدمه في محاسن الشعر، وثباته على نواميس المذهب، واقتفائه أثر أئمة دينه عليهم السلام ولشيخنا الشهيد الأول معاصره المقتول سنة 786 شرح إحدى قصائد وهي الغديرية الثانية المذكورة ولما وقف المترجم على ذلك الشرح فخربه ومدح الشارع بمقطوعة.

ترجمه وأثنى عليه بالعلم والفضل والأدب القاضي في " المجالس "، وشيخنا الحر في أمل الآمل، والميرزا صاحب رياض العلماء، وسيدنا مؤلف رياض الجنة، وابن أبي شبانة في تتميم الأمل وغيرهم.

وقصائده السبع الطوال التي أوعز إلى عددها في بعضها وهي التي رآها صاحب (رياض العلماء) بخط العلامة الشيخ محمد بن علي بن الحسن الجباعي العاملي تلميذ ابن فهد الحلي المتوفى 841 وقفنا منها على عدة نسخ، إحداها غديريته الأولى المذكورة وإليك الست الباقية:

القصيدة الأولى

ذهب الصبا وتصرم العمر * ودنا الرحيل وقوض السفر
ووهت قواعد قوتي وذوي * غصن الشبيبة وانحنى الظهر
وبكت حمايم دوحتي أسفا * لما ذوت عذباتها الخضر
وخلت من الينع الجني فلا * قطف بها يجنى ولا زهر
5 وتبدلت لذهاب سندسها * ذهبية أوراقها الصفر
وتغيبت شمس الضحى فخلى * للبيض عن أوطاني النفر
وجفونني بعد الوصال فلا * هدي يقربني ولا نحر
وهجرن بيتي أن يطفن به * ولهن في هجرانه عذر


الصفحة 115

ذهبت نضارة منظري وبدا * في جنح ليل عذاري الفجر
وإذا الفتى ذهبت شبيبته * فيما يضر فربحه خسر 10
وعليه ما اكتسبت يداه إذا * سكن الضريح وضمه القبر
وإذا انقضى عمر الفتى فرطا * في كسب معصية فلا عمر
ما العمر إلا ما به كثرت * حسناته وتضاعف الأجر
ولقد وقفت على منازل من * أهوى وفيض مدامعي غمر
وسألتها لو أنها نطقت * أم كيف ينطق منزل قفر؟ 15
: يا دار هل لك بالأولى رحلوا * خبر؟ وهل لمعالم خبر؟
أين البدور بدور سعدك يا * مغني؟ وأين الأنجم الزهر؟
أين الكفاة ومن أكفهم * في النايبات لمعسر يسر؟
أين الربوع المخصبات إذا * عفت السنون وأعوز البشر
أين الغيوث الهاطلات إذا * بخل السحاب وأنجم القطر؟
ذهبوا فما وأبيك بعدهم * للناس نيسان ولا غمر 20
تلك المحاسن في القبور على * مر الدهور هوامد دثر
أبكي اشتياقا كلما ذكروا وأخو الغرام يهيجه الذكر
ورجوتهم في منتهى أجلي * خلفا فأخلف ظني الدهر
فأنا الغريب الدار في وطني * وعلى اغترابي ينقضي العمر
يا واقفا في الدار مفتكرا * مهلا فقد أودى بك الفكر 25
إن تمس مكتئبا لبينهم * فعقيب كل كآبة وزر (1)
هلا صبرت على المصاب بهم؟ وعلى المصيبة يحمد الصبر
وجعلت رزءك في الحسين ففي * رزء ابن فاطمة لك الأجر
مكروا به أهل النفاق وهل * لمنافق يستبعد المكر؟
بصحايف كوجوهم وردت * سودا وفحو كلامهم هجر 30
حتى أناخ بعقر ساحتهم * ثقة تأكد منهم الغدر

____________

(1) الوزر بفتح الواو وتاليها: الملجأ.

الصفحة 116

وتسارعوا لقتاله زمرا * ما لا يحيط بعده حصر
طافوا بأروع (1) في عرينته * يحمى النزيل ويأمن الثغر
جيش لهام يوم معركة * وليوم سلم واحد وتر
35 فكأنهم سرب قد اجتمعت * إلفا فبدد شملها صقر
أو حاذر ذو لبدة وجمت * لهجومه في مرتع عفر (2)
يا قلبه وعداه من فرق * فرق وملؤ قلوبهم ذعر
أمن الصلاب الصلب أم زبر * طبعت وصب خلالها قطر
وكأنه فوق الجواد وفي متن الحسام دماؤهم هدر
40 أسد على فلك وفي يده * المريخ قاني اللون محمر
حتى إذا قرب المدى وبه * طاف العدى وتقاصر العمر
أردوه منعفرا تمج دما * منه الظبى والذبل السمر
تطأ الخيول إهابة وعلى الخد * التريب لوطيها أثر
ظام يبل أوام غلته * ريا يفيض نجيعه النحر
45 تأباه إجلالا فتزجرها * فئة يقود عصاتها شمر
فتجول في صدر أحاط على * علم النبوة ذلك الصدر
بأبي القتيل ومن بمصرعه * ضعف الهدى وتضاعف الكفر
بأبي الذي أكفانه نسجت * من عثير وحنوطه عفر
ومغسلا بدم الوريد فلا * ماء أعد له ولا سدر
50 بدر هوى من سعده فبكا * لخمود نور ضياءه البدر
هوت النسور عليه عاكفة * وبكاه عند طلوعه النسر
سلبت يد الطلقاء مغفرة * فبكى لسلب المغفر العفر
وبكت ملائكة السماء له * حزنا ووجه الأرض مغبر

____________

(1) الأروع: من يعجب الناس بحسنه أو شجاعته.

(2) الحاذر: المتأهب المستعد. اللبدة بالكسر والضم: الشعر المجتمع بين كتفي الأسد الوجم والوجوم: السكوت والعجز من الغيظ أو الخوف والامساك عن أمر كرها. العفر بالكسر والضم: الخنزير. الشجاع. الغليظ الشديد.