جعلتكم يوم المعاد وسيلتي * فطوبى لمن أمسى وأنتم له ذخر
سيبلي الجديدان الجديد وحبكم * جديد بقلبي ليس يخلقه الدهر
عليكم سلام الله ما لاح بارق * وحلت عقود المزن وانتشر القطر
وله من قصيدة يرثي بها الحسين عليه السلام:
بات العذول على الحبيب مسهدا * فأقام عذري في الغرام ومهدا
ورأى العذار بسالفيه مسلسلا * فأقام في سجن الغرام مقيدا
هذا الذي أمسى عذولي عاذري * فيه وراقد مقلتيه تسهدا
ريم (1) رمى قلبي بسهم لحاظه * عن قوس حاجبه أصاب المقصدا
قمر هلال الشمس فوق جبينه * عال تغار الشمس منه إذا بدا
وقوامه كالغصن رنحه الصبا * فيه حمام الحي بات مغردا
فإذا أراد الفتك كان قوامه * لدنا وجردت اللحاظ مهندا
تلقاه منعطفا قضيبا أميدا * وتراه ملتفتا غزالا أغيدا (2)
في طاء طرته وجيم جبينه * ضدان شأنهما الضلالة والهدى
ليل وصبح أسود في أبيض * هذا أضل العاشقين وذا هدى
لا تحسبوا داود قدر سرده * في سين سالفه فبات مسردا
لكنما ياقوت خاء خدوده * نم (3) العذار به فصار زبرجدا
يا قاتل العشاق يا من طرفه * الرشاق يرشقنا سهاما من ردى (4)
قسما بثاء الثغر منك لأنه * ثغر به جيم الجمان تنضدا (5)
وبراء ريق كالمدام مزاجه * شهد به تروى القلوب من الصدى
____________
(1) الريم: الظبي الخالص البياض.
(2) منعطفا: منثنيا. القضيب: السيف القطاع. القوس عملت من قضيب أو غصن غير
مشقوق. الاميد من ماد يميد ميدا: تحرك واضطرب. الاغيد من غيد يغيد غيدا: مالت عنقه لانت
أعطافه فهو أغيد وهى غيداء.
(3) نم نما: زين.
(4) الرشق: الرمي. الردى: الهلاك.
(5) الثغر: مقدم الأسنان. الجمان: اللؤلؤ.
إني لقد أصبحت عبدك في الهوى * وغدوت في شرح المحبة سيدا
فاعدل بعبدك لا تجر واسمح ولا * تبخل بقرب من وفاك الأبعدا
وابد الوفا ودع الجفا وذر العفا * فلقد غدوت أخا غرام مكمدا
وفجعت قلبي بالتفرق مثلما * فجعت أمية بالحسين محمدا
سبط النبي المصطفى الهادي الذي * أهدى الأنام من الضلال وأرشدا
وهو ابن مولانا علي المرتضى * بحر الندى مروي الصدا مردي العدا
أسما الورى نسبا وأشرفهم أبا * وأجلهم حسبا وأكرم محتدا
بحر طما. ليث حمى. غيث همى * صبح أضا. نجم هدى. بدر بدا
السيد السند الحسين أعم أهل * الخافقين ندى وأسمحهم يدا
لم أنسه في كربلا متلظيا * في الكرب لا يلقي لماء موردا
والمقنب الأموي حول خبائه * النبوي قد ملأ الفدافد فدفدا (1)
عصب عصت غضت بخيلهم الفضا * غصبت حقوق بني الوصي وأحمدا
حمت كتائبه وثار عجاجه * فحكى الخضم المدلهم المزبدا
للنصب فيه زماجر مرفوعة * جزمت بها الأسماء من حرف الندا
صامت صوافنه وبيض صفاحه * صلت فصيرت الجماجم سجدا
نسج الغبار على الأسود مدارعا * فيه فجسدت النجيع وعسجدا
والخيل عابسة الوجوه كأنها * العقيان تخترق العجاج الأربدا
حتى إذا لمعت بروق صفاحها * وغد الجبان من الرواعد مرعدا
صال الحسين على الطغاة بعزمه * لا يختشي من شرب كاسات الردا
وغدا بلام اللدن يطعن أنجلا * وبغين غرب العضب يضرب أهودا (2)
فأعاد بالضرب الحسام مفللا * وثنى السنان من الطعان مقصدا (3)
____________
(1) المقنب: الجماعة من الخيل تجتمع للغارة. الفدافد بفتح الفاء: الفلاة. فدفد بضم
الفاء الجافي الكلام المرتفع الصوت.
(2) الانجل: الواسع الطويل العريض، يقال: طعنه طعنة نجلاء. أي واسعة. الأهود من
الهوادة: اللين والرفق.
(3) المقصدة من القصدة بالكسر: القطعة مما يكسر. يقال رمح قصدو قصيد وأقصاد: أي
متكسر.
فكأنما فتكاته في جيشهم * فتكات (حيدر) يوم أحد في العدى
جيش يريد رضى يزيد عصابة * غصبت فأغضبت العلي وأحمدا
جحدوا العلي مع النبي وخالفوا * الهادي الوصي ولم يخالفوا الموعدا
وغواهم شيطانهم فأضلهم * عمدا فلم يجدوا وليا مرشدا
ومن العجائب أن عذب فراتها * تسري مسلسلة ولن تتقيدا
طام وقلب السبط ظام نحوه * وأبوه يسقي الناس سلسله غدا
وكأنه والطرف والتبار والخرصان * في ظلل العجاج وقد بدا (3)
شمس على فلك وطوع يمينه * قمر يقابل في الظلام الفرقدا (4)
والسيد العباس قد سلب العدا * عنه اللباس وصيروه مجردا
وابن الحسين السبط ظمآن الحشا * والماء تنهله الذئاب مبردا
كالبدر مقطوع الوريد له دم * أمسى على ترب الصعيد مبددا
والسادة الشهداء صرعى في الفلا * كل لأحقاف (5) الرمال توسدا
فأولئك القوم الذين على هدى * من ربهم فمن اقتدى بهم اهتدى
والسبط حران الحشا لمصابهم * حيران لا يلقى نصيرا مسعدا
حتى إذا اقتربت أباعيد الردى * وحياته منها القريب تبعدا
دارت عليه علوج آل أمية * من كل ذي نقص يزيد تمردا
فرموه عن صفر القسي بأسهم (1) * من غير ما جرم جناه ولا اعتدا
فهوى الجواد عن الجواد فرجت * السبع الشداد وكان يوما أنكدا
واحتز منه الشمر رأسا طالما * أمسى له حجر النبوة مرقدا
فبكته أملاك السماوات العلى * والدهر بات عليه مشقوق الردا
____________
(1) الطرف. راجع ص 5. البتار: السيف القاطع. الخرصان: جمع الخرص، الرمح
القصير السنان.
(2) هذه البداعة مأخوذة من علاء الدين الشفهيني كما مرت في ج 6 ص 362 ومرت لابن
العرندس أيضا في هذا الجزء ص 5.
(3) الأحقاف جمع الحقف: ما اعوج من الرمح واستطال.
(4) الصفر: الدائرة: القسي جمع القوس: آلة معروفة ترمى بها السهام.
وارتد كف الجود مكفوفا وطرف * العلم مطروفا (1) عليه أرمدا
والوحش صاح لما عراه من الأسى * والطير ناح على عزاه وعددا (2)
وسروا بزين العابدين الساجد * الباكي الحزين مقيدا ومصفدا
وسكينة سكن الأسى في قلبها * فغدا بضامرها (3) مقيما مقعدا
وأسال قتل الطف مدمع زينب * فجرى ووسط الخد منها خددا
ورأيت ساجعة تنوح بأيكة (4) * سجعت فأخرست الفصيح المنشدا
بيضاء كالصبح المضئ أكفها * حمر تطوقت الظلام الأسودا
ناشدتها يا ورق! ما هذا البكا * ردي الجواب فجعت قلبي المكمدا
والطوق فوق بياض عنقك أسود * وأكفك حمر تحاكي العسجدا
لما رأت ولهي وتسألي لها * ولهيب قلبي ناره لن تخمدا
رفعت بمنصوب الغصون لها يدا * جزمت به نوح النوائح سرمدا
: قتل الحسين بكربلا يا ليته * لاقى النجاة بها وكنت له الفدا
فإذا تطوق ذاك دمعي أحمر * قان مسحت به يدي توردا
ولبست فوق بياض عنقي من أسى * طوقا بسين سواد قلبي أسودا
فالآن هاذي قصتي يا سائلي * ونجيع دمعي سائل لن يجمدا
فاندب معي بتقرح وتحرق * وابكي وكن لي في بكائي مسعدا
فلألعنن بني أمية ما حدا * حاد وما غار الحجيج وأنجدا (5)
ولألعنن يزيدها وزيادها * ويزيدها ربي عذابا سرمدا
ولأبكين عليك يا بن محمد * حتى أوسد في التراب ملحدا
ولأحلين على علاك مدائحا * من در ألفاظي حسانا خردا
____________
(1) المطروفة من العين: التي أصابها شيئ فدمعت.
(2) عدد الميت: عد مناقبه ووصفها.
(3) ضمر فهو ضامر: هزل ودق وقل لحمه.
(4) الأيكة: الشجر الكثير الملتف.
(5) غار الرجل: سار. انجد الرجل: أتى نجدا: قرب من أهله.
عربا فصاحا في الفصاحة جاوزت * قسا (1) وبات لها لبيد (2) مبلدا
قلدتها بقلائد من جودكم * أضحى بها جيد الزمان مقلدا
يرجو بها نجل العرندس صالح * في الخلد مع حور الجنان تخلدا
وسقى الطفوف الهامرات من الحيا * سحبا تسح عيونها دمع الندى (3)
ثم السلام عليك يا بن المرتضى * ما ناح طير في الغصون وغردا
وله قصيدة تناهز 56 بيتا يرثي بها الإمام السبط الشهيد صلوات الله عليه توجد
في المنتخب لشيخنا الطريحي 2 ص 19 ط بمبئ مطلعها:
نوحوا أيا شيعة المولى أبا حسن * على الحسين غريب الدار والوطن
____________
(1) قس بن ساعدة الأيادي خطيب العرب قاطبة والمضروب به المثل في البلاغة.
(2) لبيد بن ربيعة العامري توفي في أول خلافة معاوية وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة.
(3) الهامرات من همر الماء انصب. والهمار من السحاب: السيال. الحيا: المطر. سح
الماء: صبه صبا متتابعا غزيرا. الندى: المطر.
73
ابن داغر الحلي
حيا الإله كتيبة مرتادها * يطوى له سهل الفلا ووهادها
قصدت أمير المؤمنين بقبة * يبنى على هام السماك عمادها
وفدت على خير الأنام بحضرة * عند الإله مكرم وفادها
فيها الفتى وابن الفتى وأخو الفتى * أهل الفتوة ربها مقتادها
فله الفخار قديمه وحديثه * والفاضلات طريفها وتلادها (1)
مولى البرية بعد فقد نبيها * وإمامها وهمامها وجوادها
وإذا القروم تصادمت في معرك * والخيل قد نسج القتام طرادها
وترى القبائل عند مختلف القنا * منه يحذر جمعها آحادها
والشوس تعثر في المجال وتحتها * جرد تجذ إلى القتال جيادها (2)
فكأن منتشر الرعال لدى الوغا * زجل تنشر في البلاد جرادها
ورماحهم قد شظيت عيدانها (3) * وسيوفهم قد كسرت أغمادها
والشهب تغمد في الرؤس نصولها * والسمر تصعد في النفوس صعادها (4)
فترى هناك أخا النبي محمد * وعليه من جهد البلاء جلادها
مترديا عند اللقا بحسامه * متصديا لكماتها يصطادها
____________
(1) الطريف: المكتسب حديثا. التلاد والتليد: ما كان من قديم.
(2) الشوس ج أشوس: الشديد الجرئ في القتال. تعثر يقال: عثر الرجل عثورا إذا هجم لمى
أمر لهم يهجم عليه غيره. المجال: محل الجولان أي الميدان. جرد جمع الأجرد: السباق من الخيل.
يجذ من جذ في سيره: أسرع: الجياد ج الجواد: السريع من الفرس.
(3) شطنى تشظية: فرق، تشظى العود: تطاير شظايا: عيدان وأعود وأعواد ج العود:
الخشب.
(4) الشهب ج الشهاب: السنان. سمى به لما فيه من بريق. نصول ج النصل: حديدة الرمح
والسهم. السمر: الرمح. صعاد ج الصعدة: القناة المستوية.
عضد النبي الهاشمي بسيفه * حتى تقطع في الوغا أعضادها
وأخاه دونهم وسد دوينه * أبوابهم فتاحها سدادها
وحباه في (يوم الغدير) ولاية * عام الوداع وكلهم أشهادها
فغدا به (يوم الغدير) مفضلا * بركاته ما تنتهي أعدادها
قبلت وصية أحمد وبصدرها * تخفى لآل محمد أحقادها
حتى إذا مات النبي فأظهرت * أضغانها في ظلمها أجنادها
منعوا خلافة ربها ووليها * ببصائر عميت وضل رشادها
واعصوصبوا في منع فاطم حقها * فقضت وقد شاب الحياة نكادها (1)
وتوفيت غصصا وبعد وفاتها * قتل الحسين وذبحت أولادها
وغدا يسب على المنابر بعلها * في أمة ضلت وطال فسادها
ولقد وقفت على مقالة حاذق * في السالفين فراق لي إنشادها
[ أعلى المنابر تعلنون بسبه * وبسيفه نصبت لكم أعوادها ] (2)
يا آل بيت محمد يا سادة * ساد البرية فضلها وسدادها!
أنتم مصابيح الظلام وأنتم * خير الأنام وأنتم أمجادها
فضلاءها علماءها حلماءها * حكماءها عبادها زهادها
أما العباد فأنتم ساداتها * أما الحروب فأنتم آسادها
تلك المساعي للبرية أوضحت * نهج الهدى ومشت به عبادها
وإليكم من شاردات (مغامس) * بكرا يقر بفضلها حسادها
كملت بوزن كمالكم وتزينت * بمحاسن من حسنكم تزدادها
ناديتها صوتا فمذ أسمعتها * لبت ولم يصلد علي زنادها
نفقت لدي لأنها في مدحكم * فلذاك لا يخشى علي كسادها
رحم الإله ممدها أقلامه * ورجاؤه أن لا يخيب مدادها
____________
(1) اعصو صبوا: اجتمعوا وصاروا عصائب. شاب: خلط وغش. النكاد: الكدر.
(2) هذا البيت من قصيدة لأبي محمد عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي الحلبي رحمه الله
المتوفى 466.
فتشفعوا لكبائر أسلفتها * قلقت لها نفسي وقل رقادها
جرما لو أن الراسيات حملنه * دكت وذاب صخورها وصلادها
هيهات تمنع عن شفاعة جدكم * نفس وحب أبي تراب زادها
صلى الإله عليكم ما أرعدت * سحب وأسبل ممطرا أرعادها
وله قوله من قصيدة تناهز الاثنين والتسعين بيتا:
كيف السلامة والخطوب تنوب * ومصائب الدنيا الغرور تصوب؟
إن البقاء على اختلاف طبائع * ورجاء أن ينجو الفتى لعصيب
العيش أهونه وما هو كائن * حتم وما هو واصل فقريب
والدهر أطوار وليس لأهله * إن فكروا في جالتيه نصيب
ليس اللبيب من استغر بعيشه * إن المفكر في الأمور لبيب
يا غافلا! والموت ليس بغافل * عش ما تشاء فإنك المطلوب
أبديت لهوك إذ زمانك مقبل * زاه وإذ غض الشباب رطيب
فمن النصير على الخطوب إذ أتت * وعلا على شرخ الشباب مشيب
علل الفتى من علمه مكفوفة * حتى الممات وعمره مكتوب
وتراه يكدح في المعاش ورزقه * في الكائنات مقدر محسوب
إن الليالي لا تزال مجدة * في الخلق أحداث لها وخطوب
من سر فيها ساءه من صرفها * ريب له طول الزمان مريب
عصفت بخير الخلق آل محمد * نكباء إعصار لها وهبوب (1)
أما النبي فخانه من قومه * في أقربيه مجانب وصحيب
من بعد ما ردوا عليه وصاته * حتى كأن مقاله مكذوب
ونسوا رعاية حقه في حيدر * في " خم " وهو وزيره المصحوب
فأقام فيهم برهة حتى قضى * في الغيظ وهو بغيظهم مغضوب
ومنها قوله في رثاء الإمام السبط عليه السلام:
بأبي الإمام المستظام بكربلا * يدعو وليس لما يقول مجيب
____________
(1) الاعصار: ريح ترتفع بالتراب. الهبوب من الرياح المثيرة للغبرة.
بأبي الوحيد وماله من راحم * يشكو الظما والماء منه قريب
بأبي الحبيب إلى النبي محمد * ومحمد عند الإله حبيب
يا كربلاء أفيك يقتل جهرة * سبط المطهر؟ إن ذا لعجيب
ما أنت إلا كربة وبلية * كل الأنام بهولها مكروب
لهفي عليه وقد هوى متعفرا * وبه أوام فادح ولغوب (1)
لهفي عليه بالطفوف مجدلا * تسفي عليه شمال وجنوب
لهفي عليه والخيول ترضه * فلهن ركض حوله وخبيب (2)
لهفي له والرأس من مميز * والشيب من دمه الشريف خضيب
لهفي عليه ودرعه مسلوبة * لهفي عليه ورحله منهوب
لهفي على حرم الحسين حواسرا * شعثا وقد ريعت لهن قلوب
حتى إذا قطع الكريم بسيفه * لم يثنه خوف ولا ترعيب
لله كم لطمت خدود عنده * جزعا وكم شقت عليه جيوب؟
ما أنس إن أنسى الزكية زينبا * تبكي له وقناعها مسلوب
تدعو وتندب والمصاب تكظها * بين الطفوف ودمعها مسكوب (3)
ءاخي بعدك لا حييت بغبطة * واغتالني حتف إلي قريب
ءاخي بعدك من يدافع جاهلا * عني ويسمع دعوتي ويجيب
حزني تذوب له الجبال وعنده * يسلو وينسى يوسفا يعقوب
(الشاعر)
الشيخ مغامس بن داغر الحلي، طفح بذكر المغامس في حب آل الله صلى الله عليهم
غير واحد من المعاجم المتأخرة كالحصون المنيعة للعلامة الشيخ علي آل كاشف الغطاء،
والطليعة للعلامة السماوي، والبابليات للخطيب اليعقوبي، وذكر شطرا من شعره
____________
(1) الأوام: العطش. الفادح: الصعب المثقل. اللغوب: المتعب المعيى.
(2) الخبيب من خب الفرس في عدوه: راوح بين يديه ورجليه أي قام على إحداهما مره وعلى الأخرى مرة.
(3) تكظها من كظ الأمر كظا: غم وبهظ الطفوف ج الطف. ما أشرف من الأرض.
شيخنا فخر الدين الطريحي في المنتخب، والأديب الاصبهاني في التحفة الناصرية، و
تضمن غير واحد من المجاميع قريظه المتدفق بمدح أهل بيت الوحي أئمة الهدى و
رثائهم صلوات الله عليهم حتى جمع منها الشيخ السماوي ديوانا باسم المترجم يربو على
ألف وثلثمائة وخمسين بيتا ولعل التالف منها أكثر وأكثر.
فهو من شعراء أهل البيت المكثرين المتفانين في حبهم وولائهم غير أن الدهر
أنسى ذكره الخالد، ولعل هذا الانقطاع عن غيرهم عليهم السلام هو الذي قطع إطراد
ذكره في جملة من الموسوعات أو المعاجم لمن لا يألف إلى ودهم كما فعلوا ذلك بالنسبة
إلى كثيرين من أمثال المترجم فتركوا ذكره أو أثبتوه بصورة مصغرة، وعندهم مكبرات
لذكريات أناس هم دون أولئك في الفضيلة والأدب، وكم للتاريخ من جنايات في
الخفض والرفع، والجر والنصب، لا تستقصى؟
كان الشيخ مغامس من إحدى القبائل العربية في ضواحي الحلة الفيحاء فهبطها
للدراسة، ولم يبارحها حتى قضى بها نحبه شاعرا خطيبا، في أواسط القرن التاسع و
يعرب شعره عن أنه كان له شوط في مضمار الخطابة كما كان يركض في كل حلبة
من حلبات القريض قال:
فتارة أنظم الأشعار ممتدحا * وتارة أنثر الأقوال في الخطب
وكان أبوه داغر شاعرا مواليا وهو الذي علمه قرض الشعر ومرنه على ولاء
العترة الطاهرة كما يأتي في قوله:
أعملت في مدحكم فكري فعلمني * نظم المديح وأوصاني بذاك أبي
فحيى الله الوالد والولد. وإليك فهرست قصائده التي وقفنا عليها في مجاميع
الأدب:
عدد القصائد | المطلع | عدد الأبيات |
1 - | محب الليالي في مساعيه متعب * يساق إليه حتفه وهو يدأب | 93 |
2 - | تذكر ما أحصى الكتاب فتابا * وحاذر من مس العذاب عقابا | 92 |
3 - | أصبحت للتقوى بجهلك تدعي * دعواك باطلة إذا لم تقلع | 81 |
4 - | هل حين عممه المشيب وقنعا؟ * أتراه يصنع في الهداية مصنعا؟ | 90 |
عدد القصائد | المطلع | عدد الأبيات |
5 - | أتطلب دنيا بعد شيب قذال؟ (1) وتذكر أياما مضت وليالي؟ | 92 |
توجد جملة من هذه القصيدة في المنتخب 2: 45 ط بمبئ.
6 - | فصلت صروف الحادثات مفاصلي * وأصاب سهم النائبات مقاتلي | |
| قطع الزمان عرى قواي وكلما * قطع الزمان فما له من واصل | 77 |
هذه القصيدة ذكرها شيخنا الطرحي في المنتخب 2: 36.
7 - | لغيرك يا دنيا ثنيت عناني * وذاك لأمر عن غناك عناني | 99 |
توجد هذه القصيدة برمتها في المنتخب 2: 58.
8 - | لبني الهادي مناحي * في غدوي ورواحي | |
| صاح ما قلبي بصاح * ما لحزني من براح | 105 |
9 - | هجر الغمض وسادي * وكوى الحزن فؤادي | |
| فحياتي في نكادي * لقتيل ابن زياد | 62 |
10 - | ليتني كنت فداء للحسين * وهو بالطف قطيع الودجين | |
| ينظر الشمر بعين وبعين * ينظر النسوة بين العسكرين | 106 |
11 - | بكيت وما لريعان الشباب * ولا لدروس منزلة خراب | |
| ولا لفوات عيش مستطاب * ولا لفراق زينب والرباب | 80 |
12 - | صحبتك لا إني بودك مغرم * فبيني فغيري في هواك المتيم | 88 |
13 - | رحل الشباب وإنه لكريم * وفراغه عند النفوس عظيم | 81 |
14 - | أزال الشباب الغض عنك مزيل * فهل أنت للبيض الحسان خليل؟ | 75 |
15 - يمدح بها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم قوله:
عرج على المصطفى يا سائق النجب * عرج على خير مبعوث وخير نبي
عرج على السيد المبعوث من مضر * عرج على الصادق المنعوت في الكتب
عرج على رحمة الباري ونعمته * عرج على الأبطحي الطاهر النسب
رآه آدم نورا بين أربعة * لألاؤها فوق ساق العرش من كثب
فقال: يا رب من هذا؟ فقيل له * قول المحب وما في القول من ريب
____________
(1) القذال بفتح القاف: ما بين الأذنين من مؤخر الرأس.
: هم أولياءي وهم ذرية لكما * فقر عينا ونفسا فيهم وطب
أما وحقهم لولا مكانهم * مني لما دارت الأفلاك بالقطب
كلا ولا كان من شمس ولا قمر * ولا شهاب ولا افق ولا حجب
ولا سماء ولا أرض ولا شجر * للناس يهمي عليه واكف السحب
ولا جنان ولا نار مؤججة * جعلت أعداءهم فيها من الحطب
وقال للملأ الأعلى: ألا أحد * ينبي بأسمائهم صدقا بلا كذب
فلم يجيبوا فأنبأ آدم بهم * لها بعلم من الجبار مكتسب
فقال للملأ الأعلى: أسجدوا كملا * لآدم وأطيعوا واتقوا غضبي
وصير الله ذاك النور ملتمعا * في الوجه منه بوعد منه مرتقب
وخاف نوح فناجى ربه فنجا * بهم على دسر الألواح والخشب
وفي الجحيم دعا الله الخليل بهم * فأخمدت بعد ذاك الحر واللهب
وقد دعا الله موسى إذ هوى صعقا * بحقهم فنجا من شدة الكرب
فظل منتقلا والله حافظه * على تنقله من حادث النوب
حتى تقسم في عبد الإله معا * وفي أبي طالب عن عبد مطلب
فأودع الله ذاك القسم آمنة * يوما إلى أجل بالحمل مقترب
حتى إذا وضعته انهد من فزع * ركن الضلال ونادى الشرك بالحرب
وانشق أيوان كسرى وانطفت حذرا * نيرانهم وأقر الكفر بالغلب
تساقطت أنجم الأملاك مؤذنة * بالرجم فاحترق الأصنام باللهب
حتى إذا حاز سن الأربعين دعا * ربي به في لسان الوحي بالكتب
فقال: لبيك من داع وأرسله * إلى البرية من عجم ومن عرب
فأظهر المعجزات الواضحات لهم * بالبينات ولم يحذر ولم يهب
أراهم الآية الكبرى فواعجبا * ما بالهم خالفوا؟ من أعجب العجب
رامت بنو عمه تبييته سحرا * فعاذ منهم رسول الله بالهرب
____________
(1) همى الماء يهمي هميا: سال لا يثنيه شيئ. الواكف. المطر المنهل..
وبات يفديه خير الخلق حيدرة (1) على الفراش وفي يمناه ذو شطب (2)
فأدبروا إذ رأوا غير الذي طلبوا * وأوغلوا لرسول الله في الطلب
فرابهم عنكب في الغار إذ جعلت * تسدي وتلحم في أبرادها القشب
حتى إذا ردهم عنه الإله مضى * ذاك النجيب على المهرية النجب
فحل دار رجال بايعوه على * أعداؤه فدماء القوم في صبب
في كل يوم لمولى الخلق واقعة * منه على عابدي الأوثان والصلب
يمشي إلى حربهم والله ناصره * مشي العفرناة في غاب القنا السلب
في فتية كالأسود المحذرات لها * براثن (3) من رماح الخط والقضب
عافوا المعاقل للبيض الحسان فما * معاقل أقوم غير البيض واليلب (4)
فالحق في فرح والدين في مرح * الشرك في ترح والكفر في نصب
حتى استراح نبي الله قاضية * بهم وراحتهم في ذلك التعب
يا من به أنبياء الله قد ختموا * فليس من بعده في العالمين نبي
إن كنت في درجات الوحي خاتمهم * فأنت أولهم في أول الرتب
قد بشرت بك رسل الله في أمم * خلت فما كنت فيما بينهم بغبي (5)
شهدت أنك أحسنت البلاغ فما * تكون في باطل يوما بمنجذب
حتى دعاك إلهي فاستجبت له * حبا ومن يدعه المحبوب يستجب
وقد نصبت لهم في دينهم خلفا * وكان بعدك فيهم خير منتصب
لكنهم خالفوه وابتغوا بدلا * تخيروه وليس النبع كالغرب (6)
ويقول فيها:
____________
(1) مر حديث ليلة المبيت في الجزء الثاني ص 47 ط 2.
(2) الشطب ج الشطبة بضم الأول وكسره. الخط في متن السيف.
(3) البرثن من السباع والطير بمنزلة الإصبع من الانسان. ج: براثن.
(4) المعقل: الملجا. البيض جمع بيضاء: السيف. اليلب: الترس أو الدروع اليمانية
من الجلود. خالص الحديد.
(5) المستور: المجهول.
(6) النبع: خروج الماء من العين. الغرب: الماء المقطر من الدلو بين الحوض والبئر
يا راكب الهوجل المحبوك تحمله (1) إلى زيارة خير العجم والعرب
إذا قضيت فروض الحج مكتملا * ونلت إدراك ما في النفس من إرب
وزرت قبر رسول الله سيدنا * وسيد الخلق من ناء ومقترب
قف موقفي ثم سلم لي عليه معا * حتى كأني ذاك اليوم لم أغب
واثن السلام إلى أهل البقيع فلي * بها أحبة صب دائم الوصب
وبثهم صبوتي طول الزمان لهم * وقل بدمع على الخدين منسكب
: يا قدوة الخلق في علم وفي عمل * وأطهر الخلق في أصل وفي نسب
وصلت حبل رجائي في حبائلكم * كما تعلق في أسبابكم سببي
دنوت في الدين منكم والوداد فلو - لا دان لم يدن من أحسابكم حسبي
مديحكم مكسبي والدين مكتسبي * ما عشت والظن في معروفكم نشبي
فإن عدتني الليالي عن زيارتكم * فإن قلبي عنكم غير منقلب
قد سيط لحمي وعظمي في محبتكم * وحبكم قد جرى في المخ والعصب
هجري وبغضي لمن عاداكم ولكم * صدقي وحبي وفي مدحي لكم طربي
فتارة أنظم الأشعار ممتدحا * وتارة أنثر الأقوال في الخطب
حتى جعلت مقال الضد من شبه * إذ صغت فيكم قريض القول من ذهب
أعملت في مدحكم فكري فعلمني * نظم المديح وأوصاني بذاك أبي
فهل أنال مفازا في شفاعتكم * مما احتقبت له في سائر الحقب؟
فيا مغامس! احبس في مدائحهم * تلك القوافي وأجر الله فاحتسب.
____________
(1) الهوجل: الناقة التي بها هوج من سرعتها. المحبوك: مشدود الوسط.
74
الحافظ البرسي الحلي
هو الشمس؟ أم نور الضريح يلوح؟ * هو المسك؟ أم طيب الوصي يفوح؟
وبحر ندا؟ أم روضة حوت الهدى؟ * وآدم؟ أم سر المهيمن نوح؟
وداود هذا؟ أم سليمان بعده؟ * وهارون؟ أم موسى العصا ومسيح؟
وأحمد هذا المصطفى؟ أم وصيه * علي؟ نماه هاشم وذبيح
محيط سماء المجد بدر دجنة * وفلك جمال للأنام ويوح (1)
حبيب حبيب الله بل سر سره * وجثمان أمر للخلائق روح
له النص في (يوم الغدير) ومدحه * من الله في الذكر المبين صريح
إمام إذا ما المرء جاء بحبه * فميزانه يوم المعاد رجيح
له شيعة مثل النجوم زواهر * لها بين كل العالمين وضوح
إذا قاولت فالحق فيما تقوله * به النور باد واللسان فصيح
وإن جاولت أو جادلت عن مرامها * تولى العدو الجلد وهو طريح
عليك سلام الله يا راية الهدى * سلام سليم يغتدي ويروح
وتأتي له قصيدة منها قوله:
مولى له بغدير خم بيعة * خضعت لها الأعناق وهي طوايح
(الشاعر)
الحافظ الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي، من عرفاء
علماء الإمامية وفقهائها المشاركين في العلوم، على فضله الواضح في فن الحديث،
وتقدمه في الأدب وقرض الشعر وإجادته، وتضلعه من علم الحروف وأسرارها واستخراج
____________
(1) يوح: الشمس.
فوائدها، وبذلك كله تجد كتبه طافحة بالتحقيق ودقة النظر، وله في العرفان والحروف
مسالك خاصة، كما أن له في ولاء أئمة الدين عليهم السلام آراء ونظريات لا يرتضيها لفيف
من الناس، ولذلك رموه بالغلو والارتفاع، غير إن الحق أن جميع ما يثبته المترجم
لهم عليهم السلام من الشئون هي دون مرتبة الغلو غير درجة النبوة، وقد جاء عن
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قوله: إياكم والغلو فينا، قولوا: إنا عبيد مربوبون. وقولوا
في فضلنا ما شئتم (1) وقال الإمام الصادق عليه السلام: اجعل لنا ربا نؤوب إليه وقولوا فينا
ما شئتم، وقال عليه السلام: وقال عليه السلام: إجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا (2).
وأنى لنا البلاغ مدية ما منحهم المولى سبحانه من فضائل ومآثر؟ وأنى لنا
الوقوف على غاية ما شرفهم الله به من ملكات فاضلة، ونفسيات نفيسة، وروحيات
قدسية، وخلائق كريمة، ومكارم ومحامد؟ فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام؟ أو يمكنه
اختياره؟ هيهات هيهات ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت
العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت
الخطباء، وجهلت الألباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن
وصف شأن من شأنه، وفضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف
بكله؟ أو ينعت بكنهه؟ أو يفهم شئ من أمره؟ أو يوجد من يقوم مقامه ويغني
غناه؟ لا. كيف؟ وأنى؟ فهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين، فأين
الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟ (3).
ولذلك تجد كثيرا من علمائنا المحققين في المعرفة بالأسرار يثبتون لأئمة الهدى
صلوات الله عليهم كل هاتيك الشئون وغيرها مما لا يتحمله غيرهم، وكان في علماء قم
من يرمي بالغلو كل من روى شيئا من تلكم الأسرار حتى قال قائلهم: إن أول مراتب
الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله إلى أن جاء بعدهم المحققون وعرفوا الحقيقة
فلم يقيموا لكثير من تلكم التضعيفات وزنا، وهذه بلية مني بها كثيرون من أهل الحقائق
____________
(1) الخصال لشيخنا الصدوق.
(2) بصائر الدرجات للصفار.
(3) من قولنا: فمن ذا الذي يبلغ. إلى هنا مأخوذ من حديث رواه شيخنا الكليني ثقة
الاسلام في أصول الكافي ص 99 عن الإمام الرضا صلوات الله عليه.