- 75 -
ضياء الدين الهادي
المولود 758
المتوفى 822
الحمد لله باري الروح والنسم * وخالق الخلق والمختص بالقدم
ثم الصلاة على أعلى الورى شرفا * وأكرم الناس من عرب ومن عجم
محمد المصطفى المختار من مضر * وخاتم الرسل والمحمود في الشيم
دع ما يقول النصارى في نبيهم * من الغلو وقل ما شئت واحتكم
وبعد: فالعلم منجاة لصاحبه * فاشدد بعروته كفيك واعتصم
وأفضل العلم عند العارفين به * علم الكلام لما فيه من الحكم
علم أناف على كل العلوم له * فضل التقدم فارغب فيه واغتنم
عليك بالنظر الفكري فهو طريق * العلم بالله فانظر ثم واستقم
ومن هنا استرسل شاعرنا الهادي في مباحث علم الكلام، وأدلى ما عنده من
الحجج في مسائل، ومما أفاضه في باب الإمامة قوله:
هذا ومذهبنا إن الإمام عقيب * المصطفى حيدر الأبطال والبهم
أعني عليا أمير المؤمنين ومن * بالعطف خص من الرحمان ذي القسم
الله أنزل آيات مباركة * في فضله عدها لي غير منتظم
وقال فيه رسول الله سيدنا * يوم (الغدير) بخم يوم حجهم
: من كنت مولاه أي أولى به فعلي * أولى به وهو مولاهم بكلهم
قام النبي خطيبا في معسكره * بهذه الخطبة الغرا لجمعهم
وشال ضبعا كريما من أبي حسن * في يوم حر شديد اللفح مضطرم
كي لا يقال: بأن النص مكتتم * ما كان إلا صريحا غير مكتتم
فهو الخليفة بعد المصطفى وله * فضل التقدم لم يسجد إلى صنم
وكان سابقهم في كل مكرمة * وكان في كل حرب ثابت القدم
وكان أول من صلى لقبلتهم * وأعلم الناس بالقرآن والحكم
وكان أقربهم قربى وأفضلهم * رغبى وأضربهم بالسيف في القمم
وكان أشرفهم هما وأرفعهم * في همه فهو عالي الهم والهمم
وكان أعبدهم ليلا وأكثرهم * صوما إذا الفاجر المسكين لم يصم
وكان أفصحهم قولا وأبلغهم * نطقا وأعدلهم حكما لمحتكم
وكان أحسنهم وجها وأوسعهم * صدرا وأطهرهم كفا لمسلتم
وكان أغزرهم جودا وأدونهم * مالا فطال على الأطواد والأدم
فكيف تقدمه من لا يماثله * في العلم والحلم والأخلاق والشيم
وفي الشجاعة والفضل العظيم وفي * التدبير والورع المشهور والكرم
* (ما يتبع الشعر) *
وقفنا على نسخة مخطوطة من هذه المنظومة في طهران عاصمة البلاد الفارسية
ومعقد لوائها الملكي، وهي تحتوي على سبعة ومأتين بيتا نظم بها الخلاصة، للشيخ
حسن الرصاص، كتبت في 25 صفر عام ألف واثنين وستين، وعليها خط العلامة
السيد محمد بن إسماعيل اليماني الصنعاني الحسيني المتوفى 1182، وهو أحد شعراء
الغدير يأتي ذكره إنشاء الله تعالى.
* (الشاعر) *
السيد جمال ضياء الدين الهادي بن إبراهيم بن علي المتوفى 784، ابن المرتضى
المتوفى 785، ابن الهادي بن يحيى بن الحسين بن القسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم
بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (1) اليمني الصنعاني الزيدي.
أحد رجالات اليمن وأعلامها المتضلعين من فنون العلم والأدب، ترجمه صاحب (2)
(مطلع البدور) قال: قال العلامة ابن الوزير في تاريخهم: إنه لم تسمح بمثله الأعصار
في أولاد الإمام الهادي، كان جامع شتات العلوم، وشاطرها في المنثور والمنظوم، ولد
في (شظب) ولما قرأ القرآن أخذه والده مع ابن عمه محمد بن أحمد المرتضى إلى
(صعدة) وكان يحملهما قليلا متى تعيا من السير لصغرهما حتى وصلوا (صعدة) فقرء
مدة في أنواع العلوم العربية وغيرها على عميه: المرتضى بن علي وأحمد بن علي،
وقرأ التفسير على الشيخ العلامة ترجمان أهل عصره إسماعيل بن إبراهيم بن عطية
البحراني، وعلوم الأدب على الفقيه العلامة محمد بن علي بن ناجي العالم المشهور، قرأ
عليه ديوان المتنبي وغيره. والأصولين، والفروع على القاضي العلامة ملك العلماء
عبد الله بن الحسن الدواري، وعلى عمه المرتضى بن علي الذي كان إماما في علم
الكلام، وكذا على عمه أحمد بن علي، وحصلت له إجازات وطرق سماعية، منها:
سماعه لجامع الأصول بمكة المشرفة على قاضي الحرم محمد بن عبد الله بن ظهيرة القرشي
المخزومي في سنة حجه، ولد رسائل ومسائل وأشعار ومنظومات لا تحصى، حتى قال
شيخه الفقيه محمد بن علي بن ناجي: إنه المراد بقول النبي صلى الله عليه وآله يكون رجل من ولد
الحسن ينفث بالشعر كما ينفث الأفعى بالسم.
ومن تصانيفه: كفاية القانع في معرفة الصانع، نظم الخلاصة (3) شرحها،
الطرازين المعلمين في المفاخرة بين الحرمين، التفصيل في التفضيل، الرد على ابن
____________
(1) كذا سرد نسبه شمس الدين السخاوي في [الضوء اللامع] 6 ص 272 في ترجمة
أخيه محمد.
(2) أحمد بن صالح بن محمد بن أبي الرحال اليمني المتوفى بصنعاء سنة 1092.
(3) تأليف العلامة الشيخ حسن الرصاص.
العربي، هداية الراغبين إلى مذهب أهل البيت الطاهرين، الرد على الفقيه علي بن
سليمان في العارضة والناقضة، وكلها موجودة ومن أحسنها: كاشفة الغمة عن حسن
سيرة إمام الأمة، وكريمة العناصر في الذب عن سيرة الإمام الناصر، والسيوف
المرهفات على من ألحد في الصفات، ونهاية التنويه في إزهاق التمويه في الرد على
نشوان، ومن شعره قصيدته (المنسك) أولها:
بعث الهوى شوقي إلى أم القرى
وله مراجعات ومراسلات ومشاعرات بينه وبين علماء اليمن الأسفل كإسماعيل
المقري، والنظاري، وابن الخياط، الذي استجاز منه، وبين أهل تهامة مثل بني
الناشري، والنفيس العلوي الحنفي المذهب، العتكي النسب، بين علماء المخاليف
والحواز مثل الفقيه محمد بن الحسن بن سود العابد المشهور أحد الواصلين في علم الطريقة
وغيرهم، وكان منتشر الذكر عند جميع الأكابر في جميع البلاد حتى في مصر مع غلظة
أهلها، وقد ذكره وذكر أخاه محمد الحافظ العلامة ابن حجر العسقلاني المصري في تاريخه
وأثنى عليهما.
توفي بذمار تاسع عشر ذي حجة سنة 822 ومولده يوم الجمعة السابع والعشرين
من المحرم سنة 758 وموته كان عظيما على أهل البيت حيث منعوا بعده عما كان معتاد
أهل الأموال في المدائن والأمصار، ورثاه عدة من الناس وأحسن مراثيه ما رثاه الفقيه
الأديب عبد الله بن عتيق المعروف بالمزاح المروعي. إنتهى ما في [مطلع البدور] ملخصا.
وذكره شمس الدين السخاوي في [الضوء اللامع] ج 10 ص 206 وقال: ذكره
شيخنا في أنبائه فقال: عني بالأدب ففاق فيه، ومدح المنصور صاحب صنعاء، مات يوم
عرفة سنة اثنتين وعشرين، وذكره ابن فهد في معجمه فقال: إنه حدث سمع منه الفضلاء
قال: وله مؤلفات منها: الطرازين المعلمين في فضائل الحرمين، والقصيدة البديعية في
الكعبة اليمنية الثمينة أولها:
سرى طيف ليلي فابتهجت به وجدا * وتوح قلبي من لطائفه مجدا (1)
____________
(1) مر ذكر بديعيته في الجزء السادس ص 45 ط 2 عن إيضاح المكنون.
وترجم السخاوي لأخي المترجم له محمد بن إبراهيم بن علي وقال: ولد تقريبا
سنة 765، وتعاني النظم فبرع فيه، وصنف في الرد علي الزيدية (العواصم والقواصم
في الذب عن سنة أبي القاسم) واختصره في [الروض الباسم عن سنة أبي القاسم] و
غيره، ذكره التقي بن فهد في معجمه وله قوله؟
العلم ميراث النبي كذا أتى * في النص والعلماء هم وراثه
فإذا أردت حقيقة تدري لمن * وراثه فكيف ما ميراثه؟
ما ورث المختار غير حديثه * فينا وذاك متاعه وأثاثه
قلنا: الحديث وراثه نبوية * ولكل محدث بدعة أحداثه
مات بصنعاء في المحرم سنة 840 وأرخه بعضهم في التي قبلها (1)
____________
(1) الضوء اللامع 6: 272.
- 76 -
الحسن آل أبي عبد الكريم
فروع قريضي في البديع أصول * بها في المعاني والبيان أصول
وصارم فكري لا يفل غراره * ومن دونه العضب الصقيل كليل
سجية نفسي إنها لسخية * تميل إلى العلياء حيث تميل
ويقتادني صدق الولاء ولي هوى * قبول له القلب السليم قبول
انظم درا في سلوك من العلى * بحسن سلوك هذبته فصول
فشيدت من فكري مباني غريزة * مثابي لها عند الجليل جليل
مراثي محب لأمراء وإنها * نصول بها في الملحدين نصول
بضائع ليس المدح فيها بضائع * لعلمي بها أن الجزاء جزيل
أحل بها أوج السعود فإن أحل * سيبقى بها ذكري وليس يحول
وأحيي بها ليلي وأجني ثمارها * لعل إلى نيل المراد وصول
أقول لنفسي مسعفا ومسددا * وأنشد قلبي مرشدا وأفول
فلا تعدلي يا نفس! عن طلب العلى * ويا قلب! لا يثنيك عنه عذول
ففي ذروة العلياء فخر وسؤدد * وعز ومجد في الأنام وصول
خليلي ظهر المجد صعب ركوبه * ولكنه للعارفين ذلول
جميل صفات المرء زهد وعفة * وأجمل منها أن يقال: فضيل
فلا رتبة إلا وللفضل فوقها * مقام منيف في الفخار أثيل
فلله عمر ينقضي وقرينه * علوم وذكر في الزمان جميل
زول بنو الدنيا وإن طال مكثها * وحسن ثناء الذكر ليس يزول
فيا راقدا في صفو عيش ولذة * عن القدر الجاري عليه غفول
إذا خالط الشيب الشباب وأقبلت * عساكره في العارضين تجول
عليك بزاد المتقين لأنه * أتاك بشير منذر ورسول
فلا تذمم الدنيا إذا هي أدبرت * وإن أقبلت فالحالتان تزول
ولا تتركن النفس تتبع الهوى * تميل وعن سبل الرشاد تميل
وبالصبر مرها ثم عظها فإنها * لأمارة بالسوء وهي عجول
وخذ من يد الدنيا الكفاف وصاحب * العفاف فلا مثل العفاف خليل
وأقلل من الحرص الذميم تعففا * بصبر جميل فالمقام قليل؟
ألم تر إن الدائرات دوائر * وليس إلى سبل النجاة سبيل؟
وللدهر سلب ساء بعد مسرة * وللخلق إن طال الزمان رحيل
دع القدر المحتوم يجري بما قضى * به الله والصبر الجميل جميل
وخل عنان الهم إن كنت عاقلا * فليس يفيد الثاكلات عويل
فكم أفنت الأيام ملكا ومالكا * فزال؟ وملك الله ليس يزول
لمن وفت الدنيا؟ وما زال خطبها * علينا بخيل الحادثات تجول
ومن بات منها سالما من مصابها * وما كف منه الكف وهو طويل؟
مفرقة الأخيار بعد اجتماعهم * وإن طاب منها العيش فهي ملول
بها النفع ضر والصفاء مكدر * بها الحلو مر والعزيز ذليل
لهاجرها منها الهنا وهو آهل * ويهلك مهتم بها وأهيل
جعلت فدا من لا رضوا بنعيمها * ولا دنست فيها لهن ذيول
ولا علقت كف لهم بحبالها * ولا غرهم فيها خنا ووغول
لقد صحبوا فيها كفافا وعفة * وزهدا وتقوى والجزاء جزيل
فهم أهل بيت شرف الله قدرهم * على الخلق طرا ماجد ورذيل (1)
هم الصابرون المؤثرون بقوتهم * هم في الندا قبل النداء سيول
هم الحامدون الشاكرون لربهم * هم للورى يوم النجاة سبيل
هم العالمون العاملون بلا مرا * علومهم في العالمين أصول
هم الراكعون الساجدون إذا بدا * ظلام وليل العابدين يطول
هم التائبون العابدون أولو النهى * هم لقلوب العارفين عقول
____________
(1) بيان للخلق طرا، فهم بين ما جد ورذيل.
هم الزاهدون الخاشعون ولم يكن * لهم في جميع العالمين مثيل
هم العترة الأطهار آل محمد * نبي لسان الوحي عنه يقول
بشير نذير طاهر علم سما * حبيب نجيب شاهد ورسول
ومدثر مزمل متوكل * على الله لا يثنيه عنه عذول
سراج منير فاضل فاصل أتى * بدين له الذكر المبين دليل
له معجزات أعجزت كل واصف * بها دحض الاشراك وهو مهول
وأشرق منها الكون واتضح الهدى * وعز بها الاسلام وهو ذليل
فيا خير مبعوث لأعظم ملة * وأكرم منعوت نمته أصول!
تقاصر عنه المدح عن كل مادح * فماذا عسى فيما أقول أقول
لقد قال فيك الله جل جلاله * من الحمد مدحا لم ينله رسول
لأنت على خلق عظيم كفى بها * فماذا عسى بعد الإله نقول؟
مدينة علم بابها الصنو حيدر (1) * ومن غير ذاك الباب ليس دخول
إمام برى زند الضلال وقد روى * زناد الهدى والمشركون ذهول
ومولى له من فوق غارب أحمد (2) * صعود له للحاسدين نزول
تصدق بالقرص الشعير لسائل (3) ورد عليه القرص وهو أفول (4)
وبايعه في يوم أحد وخيبر * لها في حدود الحادثات فلول
وبيعة (خم) والنبي خطيبها * لها في قلوب المشركين نصول
وأحمد من فوق الحدائج راقع * يمين علي المرتضى ويقول
: ألا فاسمعوا ثم ارشدوا كل غائب * ويصغي عزيز منكم وذليل
فمن كنت مولاه فمولاه حيدر * علي وعن رب السماء أقول
علي أمير المؤمنين ومن دعا * سواه بهذا مبطل وجهول
____________
(1) تقدم ذكر هذه المأثرة في الجزء السادس صفحة 61 - 81 ط 2.
(2) مر حديث هذه الفضيلة في الجزء السابع ص 9 - 13 ط 1.
(3) مر حديثه في الجزء الثالث صفحة 106 - 111 ط 2.
(4) أسلفنا حديث رد الشمس عليه صلوات الله عليه في الجزء الثالث صفحة 126 - 144 ط 2.
فقالوا جميعا: يا علي بخ بخ * وللقوم داء في القلوب دخيل
فمن مثل مولانا علي الذي له * محمد خير المرسلين خليل
فيا رافع الاسلام من بعد خفضه * وناصب دين الله حيت يميل!
ويا أسد الله الذي مر بأسه * لأعدائه مر المذاق وبيل!
ويا من له قلب الحوادث خافق * ويا من له صعب الأمور ذلول!
نعزيك بالسبط الشهيد فرزؤه * عظيم على أهل السماء جليل
دعته إلى كوفان شر عصابة * عصاة وعن نهج الصواب عدول
فلما أتاهم واثقا بعهودهم * فمالوا وطبع الغادرين يميل
وأحقاد بدر أظهروا ثم أشهروا * كتائب غدر بالطفوف تجول
أحاطوا وحطوا بالفرات فلم يكن * لآل رسول الله منه نهول
فلما رأى المولى الحسين ضلالهم * وقد حان حال لا يكاد يحول
فقام إلى أصحابه الغر في الدجا * يخاطبهم رفقا بهم ويقول
ألا فاذهبوا فالليل قد مد سجفه * ومدت له فوق البسيط ذيول
كفيتم ووقيتم بأن تردوا الردى * فما قصدهم إلا إلي يؤل
فقام إليه كل ليث غضنفر * كريم جواد بالوفاء فعول
فضجوا جميعا ثم قالوا: نفوسنا * فداك وبذل النفس فيك قليل
إذا نحن أسلمناك فردا إلى العدى * وأنت لنا يوم النجاة سبيل
فما عذرنا عند النبي وصنوه * علي؟ وماذا للبتول نقول؟
فقال: جزيتم كل خير وإنني * غدا لكم عند الإله وسيل
فبادر أصحاب الحسين كأنهم * جبال ولكن في العطاء سيول
أسود الوغى غاباتهم أجم الفنا * لهم في متون الصافنات مقيل
كرام لهم بذل النفوس مواهب * سهام لهم زرق الرماح نصول
ليوث لها بيض الصفاح مخالب * غيوث لها حمر الدماء سيول
ثقال على الأعداء في حومة الوغى * إذا جل خطب في الزمان ثقيل
فجالوا جلوا كرب الحسين وجاهدوا * بعزم له فوق السماك حلول
وسمر القنا في الدارعين شوارع * وللبيض في بيض الكماة صليل
وجادوا فجد الضرب والطعن في العدى * بفتك له شم الجبال تزول
للبيض شكل في الشواكل مشكل * وللسمر نفذ في الصدور مهول
كأن غمام النقع غيم وبرقه * بريق المواضي والدماء سيول
وأنصار مولاي الحسين كأنهم * أسود لهم دون العرين شبول
يجودون بالأرواح وهي عزيزة * وكل بخيل بالحياة ذليل
جنوا ثمر العلياء من دوحة المنى * فتم لهم قصد بذاك وسؤل
وفازوا وحازوا سبق كل فضيلة * وفضل منيل لم ينله منيل
رأوا الحور كشفا أيقنوا إن وصلهم * بدون المنايا ما إليه وصول
فجادوا بأرواح لها الموت راحة * وظل عليها في الجنان ظليل
قضوا إذ قضوا حق الحسين عليهم * وفاء وإخوان الوفاء قليل
فلهفي لهم صرعى أمام إمامهم * تجر عليهم للرياح ذيول
وأكفانهم نسج العجاج وغسلهم * دم النحر عن ماء الفرات بديل
ولم يبق إلا السبط فردا ورهطه * لديه وزين العابدين عليل
ومنجدل من حوله وهو عافر * ومن جدل القوم اللئام ملول
وصال عليهم صولة حيدرية * لهيبتها شم الجبال تزول
بأدهم من صوب الدماء مجلل * له قمم الشوش الكماة نعول
وسابغة تحكي الغدير وأبيض * يباريه مرهوب السنان طويل
فجدل من فوق الجياد جيادها * فخيل وقوم جفل وقتيل
فكم جافل في ظهره صدر ذابل * وكم قاتل بالمشرفي قتيل؟
فجاشت جيوش المشركين وفوقت * إليهم نصول ما لهن نصول
ويممهم يمنى ويسرى وقلبه * صبور وللخطب الجليل حمول
وكر وفر القوم خيفة بأسه * كأن عليا في الصفوف يجول
فلما تناهى الأمر واقترب الردى * وذل عزيز واستعز ذليل
فمال عليه الجيش حملة واحد * فبيض وسمر ذبل ونصول
ففرقهم حتى تولت جموعهم * كسرب قطاة غار فيه صليل
رموه بسهم من سهام كثيرة * فلم يبق إلا من قواه قليل
فخر صريعا ظاميا عن جواده * فأضحت ربوع الخصب وهي محول
وراح إلى نحو الخيام جواده * خليا من الندب الجواد يجول
برزن إليه الطاهرات حواسرا * لهن على المولى الحسين عويل
فلهفي وقد جاءت إليه سكينة * تقبل منه النحر وهي تقول
: أبي كنت بدرا يرشد الناس نوره * فوافاه في بدر الكمال أفول
وكنت منارا للهدى غاله الردى * فلم يبق للدين الحنيف كفيل
أبي أنت نور الله أطفئ نوره * ولكن إلى الله الأمور تؤل
فيا دوحة المجد الذي عندما ذوت * تصوح نبت العز وهو محيل
يعز على الاسلام رزؤك سيدي * وذلك رزؤ في الأنام جليل
ووافت إليه زينب وهي حاسر * ودمعتها فوق الخدود تسيل
فلاقته من فوق الرمال مرملا * سليب الردى تسفى عليه رمول
فقبلت الوجه التريب وأنشدت * ومن حولها للطاهرات عويل
: أخي! ضيعت فينا وصايا محمد * وأرداك بغضا للنبي جهول
أخي! ظفرت فينا علوج أمية * وسادت علينا أعبد ونغول
فلو كان حيا أحمد ووصيه * فأي يد كانت عليك تطول؟
فدافعها الشمر اللعين وقد جثا * بقلب قسى والكفر فيه أصيل
وحز وريدا ظاميا دون ورده * فحزت فروع للعلى واصول
وحل عرى الاسلام وانهدم الهدى * وطرف المعالي والفخار كليل
وناحت له الأملاك والجن والملا * وكادت له السبع الشداد تميل
وزلزلت الأرض البسيط لفقده * ومالت جبال فوقها وسهول
ومزقت الدنيا جلابيب عزها * عليه وقلب الكائنات ملول
فلهفي له بالطف ملقى ورأسه * سنان به فوق السنان يجول
فلله أمر فادح شمل الورى * ورزؤ على الاسلام منه خمول
وخطب جليل جل في الأرض وقعه * عظيم على أهل السماء ثقيل
بنو الوحي في أرض الطفوف حواسر * وأبناء حرب في القصور نزول
ويصبح في تخت الخلافة جالسا * يزيد وفي الطف الحسين قتيل
ويقتل ظلما ظاميا سبط أحمد * إمام لخير الأنبياء سليل
حبيب النبي المصطفى وابن فاطم * وأين لذين الوالدين مثيل؟
لقد صدق الشيخ السعيد أخو العلى * علي وحاز الفضل حيث يقول
[: فما كل جد في الرجال محمد * ولا كل أم في النساء بتول] (1)
كفى السبط فخرا والداه وجده * وهم لمعالي والفخار أصول
أمولاي! دمعي لا يجف مسيله * وحزني مقيم لا يخف ثقيل
فلا مدمعي يا بن الوصي مبرد * عليلا ولا حزني المقيم يزول
جميل بنا الصبر الجميل وإنما * عليك جميل الصبر ليس جميل
أعزي بك الاسلام والمجد والعلى * وحزنهم باق عليك طويل
قفوا يا حداة العيس بالطف في حمى * الحسين وطوفوا بالطفوف وقولوا
: أريحانة الهادي النبي محمد * ومن لعلي والبتول سليل!
عليك سلام الله يا سيد الورى! * ويا خير من سارت إليه قفول!
لئن جهلت يوما عليك أمية * فقدر كم عند الإله جليل
وإن حال منك الحال في دار غربة * فإنك في دار الفخار أهيل
وإن بت مسلوب الرداء ففي غد * من السندس العالي رداك جميل
وإن مسكم حر الهجير فإنما * لكم في جنان العاليات مقيل
وإن منعت ماء الفرات نفوسكم * لها من رحيق السلسبيل نهول
أمولاي! آمالي تؤمل نصركم * وقلبي اليكم بالولاء يميل
وقد طال دور الصبر في أخذ ثاركم * أما آن للظلم المقيم رحيل؟
____________
(1) هذا البيت من لامية الشيخ علاء الدين علي الحلى المترجم له في الجزء السادس وقد أسلفنا
القصيدة هنالك برمتها ص 395 - 401 ط 2.
متى ينطفي حر الغليل ويشتفي * فؤاد بآلام المصاب عليل؟
ويجبر هذا الكسر في ظل دولة * لها النصر جند والأمان دليل؟
وينشر للمهدي عدل وينطوي * به الظلم حتما والعناد يزول؟
هنالك يضحى دين آل محمد * عزيزا ويمسي الكفر وهو ذليل
ويطوى بساط الحزن بعد كآبة * وينشر نشر للهنا وذيول
فيا آل طه الطاهرين رجوتكم * ليوم به فصل الخطاب طويل
أقيلوا عثاري يوم فقري وفاقتي * فظهري بأعباء الذنوب ثقيل
مدحتكم أرجو النجاة بمدحكم * لعلمي بكم أن الجزاء جزيل
وقد قيل في المعروف: أما مذاقه * فحلو وأما وجهه فجميل
فدونكم من عبدكم ووليكم * عروسا ولكن في الزفاف ثكول
أتت فوق أعواد المنابر باديا * لها أنة محزونة وعويل
لسبع سنين بعد سبعين قد خلت * وعامين إيضاح لها ودليل
لها حسن المخزوم عبدكم أب * لآل أبي عبد الكريم سليل
بها منكم نال القبول ولم يقل *: [عسى موعد إن صح منك قبول] (1)
عليكم سلام الله ما ذكر اسمكم * وذاك مدى الأيام ليس يزول
* (الشاعر) *
الشيخ حسن آل أبي عبد الكريم المخزومي، أحد شعراء الشيعة في القرن
الثامن جارى بقصيدته المذكورة معاصره العلامة الشيخ علي الشفهيني السالف ذكره
في لاميته التي أسلفناها وأشار إليها بقوله:
له النسب الوضاح كالشمس في الضحى * ومجد على هام السماء يطول
لقد صدق الشيخ السعيد أبو علي * علي ونال الفخر حيث يقول
: [فما كل جد في الرجال محمد * ولا كل أم في النساء بتول]
وهذه المجاراة تنم عن شهرة الرجل في القريض، وجريه في مضمار الشعر،
____________
(1) هذا الشطر من مطلع قصيدة الشيخ علاء الدين الحلي راجع الجزء السادس ص 395 ط 2.
وتركاضه في حلبة السباق، وقد رأى الشيخ السماوي في الطليعة إنه هو الشيخ الحسن
بن راشد الحلي العلامة المتضلع من العلوم، صاحب التآليف القيمة، والأراجيز الممتعة،
وحسب سيدنا الأمين العاملي في الأعيان إنه غيره، وله هناك نظرات لا يخلو بعضها
عن النظر، فعلى الباحث الوقوف على الجزء الحادي والعشرين منه (أعيان الشيعة)
ص 256 - 278، والجزء الثاني والعشرين ص 89.
وعمدة ما يستأنس منه الاتحاد إن اللامية هذه مذكورة في غير واحد من
المجاميع في خلال قصائد الشيخ حسن بن راشد الحلي منسوبة إليه مع بعد شاسع
في خطة النظم، وتفاوت في النفس، بحيث يكاد بمفرده أن يميزها عن شعر ابن راشد
الحلي الفحل، فإنه عال الطبقة، باد السلاسة، ظاهر الانسجام، متحل بالقوة،
واللامية دونه في كل ذلك.
وعلى أي فناظمها من شعراء القرن الثامن نظمها في سنة سبعمائة واثنتين وسبعين
كما نص عليه في أخريات القصيدة، ولما لم يعلم تاريخ وفاته واحتملنا الاتحاد بينه
وبين ابن راشد المتوفى في القرن التاسع بعد سنة 830 أرجأنا ترجمته إلى القرن
التاسع، والله العالم.