الصفحة 196

وجزم المنقري أن الذين قتلوا من المحكمة على قنطرة البردان كانوا خمسة آلاف(1).

وقيل: كانوا ستة آلاف رجع منهم ألفان، وقتل الباقون(2).

وقال أبو وائل: كانوا أربعة آلاف، رجع منهم ألفان، وقتل الباقون(3).

وقال بعضهم: أصح الأقاويل: إن المقتولين كانوا ألفين وثمان مئة(4).

وقيل: ألف وخمس مئة.. وألف وثمان مئة(5).

وعند بعضهم: لم يخطئ السيف منهم عشرة آلاف(6).

ويظهر من بعض النصوص أن هذه الأرقام إنما تتحدث عن الفرسان منهم دون الرجالة(7).

وقد يقال: إن من قال: إن عدد المقتولين كان عشرة الاف. إنما

____________

<=

406 والفصول المهمة، لابن الصباغ ص 93 والأخبار الطوال ص 210.

(1) صفين ص 855.

(2) راجع المستدرك على الصحيحين ج2 ص 150 ـ 52 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص 147 وتلخيص مستدرك الحاكم [مطبوع بهامش المستدرك]. وفي هامش الخصائص عن المناقب لابن شهر آشوب ج1 ص 267 والبداية والنهاية ج7 ص 276 و281 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص 167.

(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ح4 ص 99.

(4) شذرات الذهب ج1 ص51 والعقد الفريد ج2 ص490 والجوهرة في نسب علي (عليه السلام) وآله ص108 وبهج الصباغة ج7 ص168 و185..

(5) معجم الأدباء ج5 ص264.

(6) البدء والتاريخ ج5 ص 136 و137.

(7) أنساب الأشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص371.


الصفحة 197
قصد جميع «الخوارج»، وفي جميع المعارك والحروب التي خاضوها من بدء ظهورهم، إلى وفاة أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام)..

عدد الشهداء، وعدد من افلت:

قد استفاض النقل: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أنه أخبر أصحابه أنه لا يفلت من أهل النهروان إلا أقل من عشرة، ولا يقتل من أصحابه حتى عشرة فكان كما قال(1).

وقيل: لم يقتل من أصحابه (عليه السلام) سوى رجلين(2).

____________

(1) راجع الفرق بين الفرق ص80 والفتوح لابن أعثم ج4 ص 120 ومجمع الزوائد ج6 ص241 و42 والمحاسن والمساوئ ج2 ص 98 والمناقب للخوارزمي ص 185 والكامل في الأدب ج3 ص 187 ومناقب الإمام علي (عليه السلام) لابن المغازلي ص 406 و415 وبهج الصباغة ج7 ص 187 عن تاريخ بغداد ترجمة أبي سليمان المرعشي والمناقب لابن شهر آشوب ج2 ص 99 ط الحيدرية في النجف ج3 ص 190 و311 عن يعقوب بن شيبة في كتاب: مسير علي، وعن مسدد، وعن خشيش في الاستقامة عن أبي مجلز وابن النجار عن يزيد بن رويم وكنز العمال ج11 ص 272 و276 وعن مسدد، وخشيش والبيهقي وابن النجار والطيالسي، ويعقوب بن شيبة، والبحار ط حجرية ج8 ص 563 و565 و554 وج 4 ص 307 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص273 والخرايج والجرايح ط حجري ص 209 والفخري في الآداب السلطانية ص 95 وسفينة البحار ج1 ص384 والكامل في التاريخ ج3 ص 345 و348 ومروج الذهب ج2 ص 405 و406 والفصول المهمة لابن الصباغ ص 93 و94 وأنساب الأشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص 373 وعن سنن الدارقطني [كتاب الحدود] ص 343 وكشف الغمة للاربلي ج1 ص 267 وتاريخ بغداد ج14 ص 365.

(2) راجع: البداية والنهاية ج7 ص 291 والسنن الكبرى ج8 ص 170 و171 كلاهما عن مسلم، وسنن أبي داود ج4 ص 245 وخصائص أمير المؤمنين (عليه السلام) ص 145 والرياض النضرة ج3 ص 225 والمصنف للصنعاني ج10 ص 184 وفرائد السمطين ج1 ص 276 ونظم درر السمطين ص117 وكفاية الطالب ص177 وكنز العمال ج11 ص281 عن مسلم وعبد الرزاق وأبي عوانة.. والبيهقي، وخشيش، وفي هامش الكنز عن مسلم ج1 ص 343.


الصفحة 198
وفي نص آخر: «اعتبر القتلى من أصحاب علي فكانوا سبعة»(1).

أسماء الشهداء:

وقد سمى ابن أعثم الذين استشهدوا في النهروان من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهم:

1 ـ رويبة بن وبر البجلي. وعند ابن شهر آشوب في موضع آخر: رؤبة.

2 ـ عبدالله بن حماد الحميري ـ وعند ابن شهر آشوب: الأرحبي.

3 ـ رفاعة بن وائل الأرحبي.

4 ـ كيسوم بن سلمة الجهني.

5 ـ حبيب بن عاصم الأزدي.

وفي موضع عند ابن شهر آشوب: خب بن عاصم الأسدي.

6 ـ عبدالله بن عبيد الخولاني إلى تمام التسعة وعند ابن شهر آشوب عبيد بن عبيد الخولاني.

ثم كان الاشتباك العام، فلم يقتل من أصحاب علي (عليه السلام) سوى أولئك التسعة(2).

وذكر ابن شهر آشوب:

1 ـ رؤبة.

2 ـ رفاعة.

____________

(1) الفخري في الآداب السلطانية ص95.

(2) الفتوح لابن أعثم ج4 ص127 أو 128.


الصفحة 199
3 ـ كيسوم.

4 ـ حبيب.

5 ـ الفياض بن خليل الأزدي.

6 ـ سعد بن خالد السبيعي.

7 ـ جميع بن جشم الكندي.

إلى تمام تسعة(1).

الرقم المشبوه:

غير أن ثمة نصاً آخر يقول:

إن الذين قتلوا من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) كانوا اثني عشر رجلاً، أو ثلاثة عشر رجلاً(2).

ونقول:

إن هذا الكلام لا يمكن قبوله.

1 ـ لأنه مخالف لما اتفقت عليه كلمة عامة أهل الحديث والتاريخ. حيث اتفقت كلمتهم على أن من استشهد كانوا اقل من عشرة.

2 ـ إنه مخالف لما أخبر به أمير المؤمنين (عليه السلام)، وليس ذلك من قبيل الكهانة منه (عليه السلام). ولا هو من قبيل التوقعات المبنية على معطيات واقعية، وأرقام وحسابات حسية، فإن وقعة النهروان لا تختلف عن غيرها، فلماذا يتكهن بهذه النتائج، أو لماذا يتوقعها هنا، ولا يتكهن

____________

(1) مناقب آل أبي طالب ج3 ص190 ط المطبعة العلمية بقم وج2 ص99 ط الحيدرية في النجف سنة 1376 هـ. والبحار ج41 ص 307.

(2) خصائص الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) للنسائي ص 143.


الصفحة 200
أو يتوقع نتائج حرب الجمل، أوصفين، وما هي المعطيات التي تجعل للنهروان هذه النتائج المذهلة. والتي يفترض أن تكون على عكس ذلك تماماً إذا لوحظت عدة وعدد الطرفين المتحاربين ـ وقد كانت مفقودة في حربي صفين والجمل..

3 ـ إن هذه الأخبار منه (عليه السلام) قد جاءت على سبيل الإخبار بالغيب الذي يخوله مقام الإمامة، وهو علم توقيفي أخذه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الله سبحانه..

ولعل هؤلاء المشككين يريدون إثارة الشبهة حول هذه النقطة بالذات، لأنها هي التي تهدم بيوت العناكب التي بنوها، وسجنوا أنفسهم في داخلها. وتثبت إمامة علي وبغي كل من ناوأه وخالفه.

الذين أفلتوا إلى أين صاروا!؟

ويقال: إن هؤلاء الذين افلتوا من القتل كانوا تسعة وقد أصبحوا بذرات أخرى للخوارج في مناطق عديدة فيما بعد..

فقد سار منهم رجلان إلى سجستان، ورجلان إلى عمان، ورجلان إلى اليمن، ورجلان إلى ناحية الجزيرة، ورجل إلى تل مورون في اليمن، فـ«الخوارج» في هذه البلاد من أتباع هؤلاء(1).

____________

(1) راجع: الملل والنحل ج1 ص117 والفرق بين الفرق ص 80 و81 والفتوح لابن أعثم ج4 ص 132 والبحار ط قديم ج8 ص 565 عن كشف الغمة ص 572 وط جديد ج41 ص 307 عن المناقب وسفينة البحار ج 1 ص 384 وكشف الغمة ج1 ص 267 والفصول المهمة لابن الصباغ ص 93 واثبات الوصية ص 148 ذكر أن الخارجة يوم القيامة من نسل أولئك الأربعة ومناقب آل أبي طالب ط الحيدرية في النجف الأشرف ج2 ص99.


الصفحة 201
وعلى حد تعبير ابن أعثم:

«فاختلط القوم، فلم تكن إلا ساعة حتى قتلوا بأجمعهم، وكانوا أربعة آلاف فما فلت منهم إلا تسعة نفر. فهرب منهم رجلان إلى خراسان، إلى أرض سجستان، وفيها نسلهما إلى الساعة. ورجلان صارا إلى بلاد الجزيرة، إلى موضع يقال له سوق التوريخ، وإلى شاطئ الفرات، فهناك نسلهما إلى الساعة. وصار رجل إلى تلّ يقال له: تل موزن»(1).

عدد من أفلت:

لقد ظهر صدق ما أخبر به علي أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث لم ينج من خوارج النهروان إلا أقل من عشرة.

فقيل: أربعة(2).

وقيل: خمسة(3).

وقيل: تسعة كما سنرى..

وقيل: إن الذين أفلتوا كانوا عشرة(4).

وقيل غير ذلك..

____________

(1) الفتوح لابن أعثم ج4 ص132. وراجع: نور الأبصار ص 102 مع بعض الاختلاف. وكذا الفصول المهمة لابن الصباغ ص 93.

(2) إثبات الوصية ص 147.

(3) الكامل في الأدب ج3 ص 237.

(4) مروج الذهب ج2 ص 406.


الصفحة 202

القول المشبوه:

ولنا وقفة هنا مع هذا القول الأخير الذي يدعي: أن الذين أفلتوا من النهروان كانوا عشرة..

فإننا نعتبره قولاً مكذوباً لدواع مريبة، وغير نبيلة. فان الظاهر هو أن المقصود به التشكيك فيما أخبر به عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من أنه سوف لا يفلت من «الخوارج» عشرة.. والإيحاء بأن هذا من قبيل الكهانة منه (عليه السلام)، ولا تستند إلى أساس، أومن قبيل التوقعات المستندة إلى التحليلات الشخصية التي تعتمد تحليل الوقائع والأرقام المتوفرة.

والحقيقة: هي أنه غيب اختص به (عليه السلام) ليكون دليلاً على إمامته، وليثبت به وبنظائره التي تفوق حد الحصر: أنه (عليه السلام) هو الإمام الحق، وأن من حاربه مبطل وباغ على إمامه المنصوب من قبل الله ورسوله..

تشكيك آخر في عدد من أفلت:

وقد يقول البعض:

إنه قد ذكر فيما تقدم: أن الذين افلتوا من «الخوارج» في معركة النهروان كانوا أقل من عشرة.

وذلك غير مقبول، لأن «الخوارج» كانوا كثيرين بعد النهروان، وقد خرجوا على أمير المؤمنين خمس خرجات(1). فكيف يقال: إن من أفلتوا كانوا أقل من عشرة؟؟

____________

(1) راجع مقالات الإسلاميين ج1ص195ـ196.


الصفحة 203
ونقول:

أولاً: إن الكلام هو عمن حضر واقعة النهروان منهم.. فالخارجون بعد النهروان إنما هم أناس آخرون، ولعلهم من أولئك الذين أعلنوا الانصراف والرجوع عن الحرب بسبب احتجاج علي (عليه السلام) عليهم قبل نشوب الحرب في النهروان..

ثانياً: إن النص يصرح بأن هؤلاء التسعة الذي تفرقوا في البلاد، قد كانوا بمثابة بذرات نشأ عنها مئات من «الخوارج» في تلك المناطق.. ولا ينافي ذلك وجود خوارج آخرين كانوا في مناطق العراق قد خرجوا على أمير المؤمنين (عليه السلام) أكثر من مرة. وخرجوا بعد ذلك على غير أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً.

الاختلاف في عدد من أفلت:

يبقى أن نشير: إلى أن الاختلاف في عدد من افلت، هل هو أربعة، أو خمسة، أو تسعة؟! الخ.. أمر طبيعي، ما دام أن الذين أفلتوا قد هربوا في البلاد، وقد لا تتوافر الأخبار عنهم بصورة تامة عند هذا أو ذاك، فيخبر كل واحد عما توفر لديه بحسب ظروفه وواقعه..

على أن من الممكن أن يكون المراد بقوله (عليه السلام): لا يسلم أو لا يفلت منهم عشرة هو السلامة من القتل والجراح معاً، فليكن السالم من القتل هو هذا العدد. وهو تسعة، ومن القتل والجراحة معاً هو ذلك العدد: خمسة، أو أربعة مثلاً.

دفن قتلى «الخوارج»:

ويقول المؤرخون: طاف عدي بن حاتم في القتلى وطلب ابنه

الصفحة 204
طرفة، فوجده فدفنه، ودفن رجال من المسلمين قتلاهم.

فقال علي حين بلغه: أتقتلونهم، ثم تدفنونهم؟! ارتحلوا، فارتحل الناس(1).

ونقول:

إن هذا الاجراء من أمير المؤمنين (عليه السلام)، حيث أمرهم، بالرحيل، ولم يرض بأن يتولوا هم دفن قتلى «الخوارج»، قد يكون سببه هو أن لا يعرض أصحابه إلى حالة من الندم والحسرة، وأن لا يثير عاطفتهم تجاه من كان من «الخوارج».. من أرحامهم وأقاربهم.. فإن ذلك قد ينتهي بهم إلى الشعور بعقدة الذنب، والإحساس بأن قتلهم قد يرقى إلى مستوى الجريمة..

ولكن لابد من استثناء من هو مثل عدي بن حاتم، فإنه من الذين لا يشك في صلابتهم في دينهم، ووضوح الرؤية لديهم، وبعد النظر، وقوة الإرادة، إلى حد يأمن معه غائلة الانسياق وراء العواطف، والوقوع تحت تأثير المصاب..

الأسرى والغنائم:

قال عبد الله بن قتادة: كنت في الخيل يوم النهروان مع علي، فلما أن فرغ منهم وقتلهم لم يقطع رأساً، ولم يكشف عورة(2).

____________

(1) راجع كلاً من الكامل في التاريخ ج3 ص348 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص66 ط الاستقامة.

(2) كنز العمال ج11 ص 312.


الصفحة 205
وقد غنم أصحاب علي في ذلك اليوم غنائم كثيرة(1).

وعن عرفجة عن أبيه قال: جيء علي بما في عسكر أهل النهروان فقال: من عرف شيئاً فليأخذه، فأخذوه(2).

وعن عرفجة عن أبيه قال: شهدت علياً حين ظهر على أهل النهروان، فأمر بورثتهم فأخرجت إلى الرحبة ثم قال للناس: من عرف شيئاً فليأخذه. فجعل الناس يأخذون ما عرفوا حتى كان آخر ذلك قدر من نحاس، فمكثنا ثلاثة أيام لا يعرفها أحد، ثم فقدتها، فلا أدري من أخذها(3).

ويقولون أيضاً: «وجد علي (عليه السلام) ممن به رمق أربعمائة. فدفعهم إلى عشائرهم، ولم يجهز عليهم، ورد الرقيق [والمتاع] على أهله حينما قدم الكوفة، وقسم الكراع والسلاح وما قوتل به بين أصحابه»(4).

زاد الدينوري قوله: «وأمر بما سوى ذلك فدفع إلى وراثهم»(5).

وعن النزال بن سبرة: «أن علياً لم يخمس ما أصاب من «الخوارج» يوم النهروان. ولكن رده إلى أهله كله، حتى كان آخر ذلك رحل أتي به،

____________

(1) الفتوح لابن أعثم ج4 ص133.

(2) كنز العمال ج11 ص309.

(3) تاريخ بغداد ج11 ص 3.

(4) أنساب الأشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص374 /375 وتاريخ الطبري ج4 ص66. والأخبار الطوال ص211 وتذكرة الخواص ص105 عن الواقدي والبداية والنهاية ج7 ص289 والكامل لابن الأثير ج3 ص 348 ولم يذكر من بهم رمق وفي مروج الذهب ج2 ص207 قال: [قسم السلاح والدواب بين المسلمين ورد المتاع والعبيد والإماء إلىأهلهم].

(5) الأخبار الطوال ص211.


الصفحة 206
فرده»(1).

وكذلك فعل (عليه الصلاة والسلام) بجرحاهم الأربعين الذين سقطوا في سواد الكوفة، فإنه أدخلهم الكوفة أيضاً، وأمر بمداواتهم، ثم قال لهم: إلحقوا بأي البلاد شئتم.

وعن شقيق بن سلمة، قال: لم يسب علي يوم الجمل، ولا يوم النهروان(2).

تاريخ وقعة النهروان بالتحديد:

قال الحموي: «بين خروجه إلى «الخوارج»، وقتل ابن ملجم لعنه الله تعالى له سنة وخمسة اشهر وخمسة أيام»(3).

وثمة أقوال أخرى في ذلك.

ولا يعنينا تحقيق هذا الأمر كثيراً، ولذا فنحن نكتفي هنا بهذا النقل.

ذو الثدية والراسبي:

قد يظهر من نصوص كثيرة: أن ذا الثدية قد استخرج من بين القتلى، وأنه كان قد قتل أثناء المعركة قبل استخراجه..

غير أن نصاً آخر يقول: إنه استخرج حياً، ثم قتل، وأن الراسبي لم يقتل في المعركة.

يقول النص: «وكان المخدج ذو الثدية قد دخل تحت القنطرة، والتاط سقفها.

____________

(1) البداية والنهاية ج7 ص 290.

(2) كنز العمال ج7 ص 321.

(3) معجم الادباء ج5 ص264.


الصفحة 207
فقال علي: اطلبوه، ما كذب رسول الله.

فحمحمت البغلة، فنظروا فإذا هو تحت القنطرة، فأخرج، وقتل. ورجع عبدالله بن وهب قبل القتال..»(1).

ويستوقفنا في هذا النص ما يلي:

1 ـ قوله: عن ذي الثدية! انـه قد استخرج حيا، ثم قتل.. ولا نستطيع أن نكذب هذا النقل، فإنه محتمل، ومعقول.

2 ـ إن قوله: إن عبدالله بن وهب قد رجع قبل القتال يخالف إجماع المؤرخين..

والذي يبدو لنا: أنه قد اشتبه الأمر على الراوي بين عبدالله بن الكواء وعبدالله بن وهب. فإن الذي رجع قبل القتال هو ابن الكواء، لا ابن وهب.

3 ـ إنه (عليه السلام) قد بين لنا: أنه حين يخبر عن ذي الثدية، فانه لا يخبر اجتهاداً ورأياً، بل هو يخبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم..

وقد أكد (عليه السلام) على هذا الأمر في أكثر من موضع.. وقد ظهر من الاستعانة ببغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإرشادها إلى موضع وجود ذي الثدية: أن هذا الأمر هو من الغيب الذي يراد له أن يرسخ اليقين لدى الناس بصوابية موقف أمير المؤمنين (عليه السلام)..

الشك في قطع يد المخدج:

ويذكر الطبري نصاً يقول: إنهم حين وجدوا المخدج، وأخبروا علياً (عليه السلام) بذلك قال: «اقطعوا يده المخدجة، وائتوني بها، فلما

____________

(1) البدء والتاريخ ج5 ص 136 ـ 137.


الصفحة 208
أتي بها أخذها ثم رفعها وقال: والله، ما كذبت، ولا كذبت»(1).

ونحن نشك في صحة هذا النص إذ أن ذلك من قبيل المثلة، ولم يكن أمير المؤمنين (عليه السلام) ليقدم على أمر كهذا.

ويمكن الرد على ذلك.. بأنه (عليه السلام) إنما قصد إثبات صحة ما كان أخبر به أصحابه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، من مروق «الخوارج»، وآية ذلك وجود المخدج بينهم.

ولكنه رد غير صحيح، فقد كان بإمكان أمير المؤمنين أن يري الناس المخدج نفسه على ما هو عليه وأن يرفع لهم يده ليروها، من دون حاجة إلى قطع يده المخدجة..

بل إن ذلك يكون أبلغ في الحجة، وأبعد عن التشكيك بالنسبة لمن لم يره قبل قطعها..

وقد ذكرت بعض النصوص: أنه (عليه السلام) قد رفع يده المخدجة ليراها الناس، ولم يزد على ذلك.. وسيأتي ذلك في فصل:

قتل المخدج طمأن القلوب:

قد تقدمت نصوص كثيرة دلت على اهتمام علي (عليه السلام) بأمر ذي الثدية، وشكره لله، وسجوده، حين وجدوه. ونورد هنا نصاً واضح الدلالة على أن قتل ذي الثدية كان له أثره الكبير على روح الناس وبث الطمأنينة في نفوسهم..

فقد روي عن أبي كثير مولى الأنصار، قال: كنت مع سيدي، مع

____________

(1) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص69.


الصفحة 209
علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث قتل أهل النهروان، فكأن الناس وجدوا في أنفسهم من قتلهم فقال علي رضي الله عنه:

يا أيها الناس، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد حدثنا بأقوام يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون فيه أبداً، حتى يرجع السهم على فوقه. وإن آية ذلك: أن فيهم رجلاً أسود، مخدج اليد، أحد ثدييه كثدي المرأة، لها حلمة كحلمة ثدي المرأة، حوله سبع هلبات، فالتمسوه فإني أراه فيهم.

فالتمسوه، فوجدوه إلى شفير النهر، تحت القتلى، فأخرجوه. فكبر علي رضي الله عنه، فقال:

الله أكبر. صدق الله ورسوله.

وإنه لمتقلد قوساً له، عربية، فأخذها بيده، فجعل يطعن بها في مخدجيه، ويقول: صدق الله ورسوله.

وكبر الناس حين رأوه، واستبشروا، وذهب ما كانوا يجدون(1).

وفي نص آخر قال: سار علي (عليه السلام) إلى النهروان، فقتل «الخوارج»، ثم قال: اطلبوا، فإن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: سيجيء قوم يتكلمون بكلمة الحق لا يجاوز حلوقهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، سيماهم، [أو قال]: فيهم رجل أسود مخدج اليد في يده شعرات سود. إن كان فيهم فقد قتلتم شر الناس. وإن لم يكن فقد قتلتم خير الناس.

قال: ثم إنا وجدنا المخدج، قال: فخررنا سجوداً، وخر علي ساجداً

____________

(1) مسند أحمد ج1 ص 88.


الصفحة 210
معنا(1).

«الخوارج» بعد النهروان:

إن هناك أقواماً من الناس قد يكون أكثرهم من أولئك الذين استأمنوا في النهروان، أو أنهم رجعوا بسبب احتجاجات علي (عليه السلام) وأصحابه عليهم، أو ممن يشبهون «الخوارج» في عقلياتهم، ونظرتهم إلى الأمور..

إن هذه الجماعات والأقوام قد جنح بهم شذوذهم وجهلهم، وحماسهم الأعمى إلى أن يغامروا بحياتهم وبمستقبلهم، فيعلنون العصيان، ويخرجون عن الطاعة. فكانت لهم بعد النهروان خرجات على الإمام (عليه السلام) في شراذم قليلة، في بضعة مئات، أو أقل أو أكثر، وخرج في بعضها عليه ألفان منهم.. فكان يقضي على تلك الحركات الواحدة تلو الأخرى بيسر وسهولة.. فخرجوا عليه بالإضافة في النخيلة، في: الانبار، وماسندان، وجرجرايا، والمدائن، وسواد الكوفة (2).

وحين خرج أبو مريم وظفر بهم أمير المؤمنين (عليه السلام) فآمن خمسين رجلاً منهم استأمنوا، وقتل سائرهم(3).

ويلاحظ هنا: إن أؤلئك الذين استأمنوا إليه، وطلب منهم (عليه السلام) أن يعتزلوه، ولا يشاركوا معه في قتال إخوانهم من أهل النهروان، والذين جرحوا وداواهم، هم أنفسهم الذين خرجوا عليه في النخيلة،

____________

(1) مسند أحمد ج1 ص108 و147.

(2) راجع الفرق بين الفرق ص 81، ومقالات الإسلاميين ج1 ص 195/196 وتاريخ ابن خلدون ج3 ص 142 والكامل لابن الأثير ج3 ص 372/373 وغير ذلك.

(3) راجع أنساب الأشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص486..


الصفحة 211
وعلى غيره بعد ذلك في عدة مناسبات مثل حيان بن ظبيان، ومعاذ بن جوين، وغيرهما (1).

ويذكر المؤرخون: أن ابن عباس هو الذي خرج لقتال «الخوارج» بالنخيلة فاستأصلهم، ولم يفلت من القتل إلا خمسة(2).

وذلك يوضح: أن النكسات كانت تتوالى على «الخوارج» على وتيرة واحدة، وهي تظهر مدى ضعفهم وجبنهم، وضعف إيمانهم.

«الخوارج» بعد علي:

ويلاحظ: أن «الخوارج» الذين كانوا مهزومين ـ باستمرار ـ مع علي، قد حاربوا الأمويين بضراوة وعنف. واستمرت حروبهم لهم عشرات السنين. وقد أنهكت هذه الحروب الحكم الأموي، حتى أن انشغال مروان بن محمد الجعدي بحروب «الخوارج» كان هو السبب في عدم تمكنه من نجدة عامله على شرق البلاد، وهو نصر بن سيار، وأرسل إليه: الشاهد يرى ما لا يرى الغائب..

وتلاحقت حروبهم للعباسيين بعد ذلك ردحاً من الزمن، ثم خارت قواهم، وتلاشت حركاتهم، ولا تزال لهم بقايا في بعض البلاد إلى يومنا هذا.

نبوءة صادقة لعلي (عليه السلام):

وان الحالة التي انتهى اليها «الخوارج»، قد أخبر عنها أمير المؤمنين

____________

(1) راجع: الكامل للمبرد ج3 ص 196 و136 و236 و238 وتاريخ ابن خلدون ج3 ص143 وراجع: الخوارج والشيعة ص 51.

(2) راجع: قضايا في التاريخ الإسلامي ص 81 عن الكامل في الأدب ج3 ص 975.


الصفحة 212
(عليه السلام)؛ فقد قال الناس لعلي (عليه السلام): عن «الخوارج»: هلا ملت يا أمير المؤمنين على هؤلاء فأفنيتهم؟!.

فقال: إنهم لا يفنون، إنهم لفي أصلاب الرجال، وأرحام النساء إلى يوم القيامة(1).

وقد ظهر صدق هذا الكلام عبر التاريخ،.. حتى لقد قال المهلب الذي اخذ على عاتقه حربهم دفاعاً عن بني أمية: «ما رأيت ـ تالله ـ كهؤلاء القوم، كلما انتقص منهم يزيد فيهم»(2).

نعم.. وهذه بقاياهم لا تزال موجودة في العديد من المناطق، مثل عمان، وليبيا وغيرها من بلاد شمال افريقية، وان كان وجوداً ضعيفاً وهزيلاً.. هو الآخر قد جاء تصديقاً لقول أمير المؤمنين (عليه السلام): الذي أخبر أن آخرهم سيكونون لصوصاً سلابين.

____________

(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص 211.

(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج4 ص 199.