قال: كفّر عن يمينك،لا تتحدث نساء قريش أنك جبنت، وما كنت جباناً.
فقال الزبير: غلامي مكحول حر كفارة عن يميني.
ثم أنصل سنان رمحه، وحمل على عسكر علي (عليه السلام) برمح لا سنان له.
فقال علي (عليه السلام): أفرجوا له، فإنه محرج.
ثم عاد إلى أصحابه، ثم حمل ثانية، ثم ثالثة. ثم قال لابنه: أجبناً ـ ويلك ـ ترى؟!.
فقال: لقد أعذرت(1).
2 ـ وقد قال همام الثقفي:
أيعتق مكحولاً ويعصي نبيه | لقد تاه عن قصد الهدى ثم عوق |
أينوي بهذا الصدق والبر والتقى | سيعلم يوماً من يبر ويصدق(2) |
3 ـ وقد قال النجاشي الشاعر، في رثائه لعمرو بن محصن الأنصاري:
ونحن تركنا عند مختلف القنا | أخاكم عبيد الله لحماً ملحّبا |
بصفين لما ارفض عنه رجالكم | ووجه ابن عتاب تركناه ملغبا |
____________
(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص234 تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وراجع: تلخيص الشافي ج4 ص 150 و141 و142 و143 وراجع: الفصول المختارة ص 106 وتاريخ الطبري ج4 ص 502 ط دار المعارف بمصر والكامل في التاريخ ج3 ص 240 و261 وتذكرة الخواص ص 71 وراجع البحار ج32 ص 205..
(2) البحار ج32 ص 205.
وطلحة من بعد الزبير، ولم ندع | لضبة في الهيجا عريفاً ومنكبا(1) |
4 ـ وروى البلاذري: أن ابن الزبير لما جبَّن أباه وعيَّره، قال له: حلفت ألا أقاتله.
قال: فكفر عن يمينك.
فاعتق غلاماً له يقال له: سرجس. وقام في الصف بينهم(2).
5 ـ و قال عبد الرحمن بن سليمان:
لم أر كاليوم أخا إخوان | أعجب من مكفر الأيمان |
6 ـ وقال رجل من شعرائهم:
يعتق مكحولاً لصون دينه | كفارة لله عن يمينـــه |
7 ـ وكتب (عليه السلام) إلى أهل الكوفة يخبرهم بالفتح، ويقول: «فقتل طلحة والزبير. وقد تقدمت إليهما بالمعذرة، وأبلغت إليهما بالنصيحة، واستشهدت عليهما صلحاء الأمة، فما أطاعا المرشدين، ولا أجابا الناصحين الخ..»(4).
8 ـ وعن سليم في حديث قال: ونشب القتال، فقتل طلحة، وانهزم
____________
(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص819 ط سنة 1964م.
(2) تلخيص الشافي ج4 ص 143 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص 167 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص 509 ط دار المعارف بمصر وأنساب الأشراف، [بتحقيق المحمودي] ج2 ص254.
(3) تلخيص الشافي ج4 ص 142 وتاريخ الأمم والملوك ط دار المعارف بمصر ج4 ص 502 وتذكرة الخواص ص 71.
(4) تلخيص الشافي ج4 ص136.
9 ـ وعن الحسن قال: إن علياً (عليه السلام) لما هزم طلحة والزبير أقبل الناس مهزومين فمروا بامرأة حامل الخ(2).
10 ـ وذكر الحاكم: ان علياً (عليه السلام) نادى في الناس: أن لا ترموا أحداً بسهم ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسيف، ولا تطلبوا القوم.. إلى أن قال:
ثم الزبير قال لأساورة كانوا معه: ارموهم برشق. وكأنه أراد أن ينشب القتال.
فلما نظر أصحابه إلى الانتشاب لم ينتظروا، وحملوا. فهزمهم الله، ورمى مروان طلحة..الخ(3).
وهذا يدل على أن الوقعة الفاصلة قد حصلت بفعل الزبير نفسه وحضوره، وان الهزيمة وقعت عليه وعلى أصحابه.
11 ـ وذكر الطبري: أنه «لما انهزم الناس في صدر النهار نادى الزبير: أنا الزبير، هلموا إلي أيها الناس، ومعه مولى له ينادي: أعن حواري رسول الله (صلى الله عليه وآله) تنهزمون؟!.
وانصرف الزبير نحو وادي السباع»(4).
12 ـ وذكروا أيضاً: أن كعب بن سور أقبل إلى عائشة، فقال: أدركي، فقد أبى القوم إلا القتال، فركبت، وألبسوا هودجها الأدراع، ثم
____________
(1) البحار ج32 ص 217.
(2) البحار ج 32 ص 214.
(3) مستدرك الحاكم ج3 ص 371.
(4) تاريخ الامم والملوك ط دار المعارف بمصر ج4 ص 512.
فيقول: لا، يا أبا عبدالله.
وإنما كف عنه الزبير لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): تقتل عماراً الفئة الباغية. ولولا ذلك لقتله.
وبينما عائشة واقفة إذ سمعت ضجة شديدة.. فقالت: ما هذا؟
قالوا: ضجة العسكر.
قالت: بخير او بشر.
قالوا: بشر.
فما فجأها إلا الهزيمة.
فمضى الزبير من سننه في وجهه، فسلك وادي السباع، وجاء طلحة سهم غرب الخ(1).
أضاف ابن الأثير قوله عن الزبير: وإنما فارق المعركة، لأنه قاتل تعذيراً لما ذكر علي (عليه السلام)(2).
13 ـ ونص آخر يقول: «لما انهزم الناس يوم الجمل عن طلحة والزبير، مضى الزبير حتى مر بمعسكر الأحنف الخ»(3).
14 ـ وعن محمد بن ابراهيم قال: «هرب الزبير على فرس له، يدعى
____________
(1) راجع: الكامل في التاريخ ج3 ص 243 وراجع ص 262 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص 507.
(2) الكامل ج3 ص243..
(3) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص534..
15 ـ وفي نص آخر: «هرب الزبير إلى المدينة، حتى أتى وادي السباع، فرفع الاحنف صوته الخ..»(2).
16 ـ وعن أبي مخنف وغيره: مضى الزبير حين هزم الناس يريد المدينة، حتى مر بالأحنف أو قريباً منه الخ(3).
17 ـ ولعل ما ذكره البلاذري إذا ضممناه إلى ما تقدم يصلح بياناً لحقيقة ما جرى.
فقد روى عن قتادة، قال: لما اقتتلوا يوم الجمل كانت الدبرة على أصحاب الجمل، فأفضى علي إلى الناحية التي فيها الزبير، فلما واجهه قال له: يا أبا عبد الله، أتقاتلني بعد بيعتي وبعد ما سمعت في رسول الله في قتالك لي ظالماً؟!.
فاستحيا وانسل على فرسه منصرفاً إلى المدينة، فلما صار بسفوان لقيه رجل من مجاشع يقال له: النَعر بن زمام، فقال له: أجرني.
قال النعر: انت في جواري يا حواري رسول الله.
فقال الأحنف: وا عجباً!! الزبير لفّ بين غارين [أي جيشين] من المسلمين، ثم قد نجا بنفسه الخ (4).
فالمراد بانصراف الزبير هو انصراف الهزيمة، لا انصراف التوبة كما هو
____________
(1) الجمل ص 387.
(2) الجمل ص 390.
(3) أنساب الاشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص254.
(4) المصدر السابق ج2 ص258.
الفصل الثالث
من المناظرات.. والإحتجاجات
بداية:
قد قدمنا في الفصل السابق وفي غيره، نبذاً من الاحتجاجات المختلفة فيما بين علي أمير المؤمنيين (عليه السلام)، وأصحابه من جهة، وبين «الخوارج» من جهة أخرى.. ونلفت نظر القارئ إلى ما رواه ابن شداد لعائشة فيما ذكرناه في الفصل السابق، على وجه الخصوص..
ونذكر في هذا الفصل نبذة من هذه الاحتجاجات والمناظرات، ولا نسعى إلى استقصاء نصوصها، فإن الكتاب ليس معداً لذلك..
فنقول:
المناظرات والاحتجاجات:
لقد نفذ علي (عليه السلام) سياسات الإسلام في «الخوارج» بدقة، حيث ترك الساكتين منهم، فلم يهجهم.
وبالغ في الاحتجاج على الذين أعلنوا بالخصام، وبادروا إلى الانفصال وإظهار التمرد..
وقد بين لهم بما لا مدفع له خطأهم في تصوراتهم، وبغيهم في مواقفهم، ولم يقتصر الأمر على ما احتج به هو نفسه (عليه السلام) عليهم
لا تخاصمهم بالقرآن:
إن أول ما يلفت نظرنا هنا هو: أنه (عليه الصلاة والسلام) يوصي ابن عباس، حينما أرسله إلى «الخوارج» ليحاورهم، ويقيم الحجة عليهم ـ يوصيه ـ بأن: لا يخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن حمال ذو وجوه، بل عليه أن يخاصمهم بالسنة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً(2).
وفي نص آخر: «أن علي بن أبي طالب أرسل عبد الله بن عباس، إلى أقوام خرجوا، فقال له: إن خاصموك بالقرآن، فخاصمهم بالسنة»(3).
هذا.. ومن المضحك المبكي هنا: أننا نجدهم قد نسبوا هذه الكلمة بالذات إلى أعداء أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام)، قال الزمخشري: «إن الزبير رضي الله عنه قال لابنه: لاتخاصم «الخوارج» بالقرآن، خاصمهم بالسنة.
قال ابن الزبير: فخاصمتهم بها، فكأنهم صبيان يحرثون سخبهم»(4).
____________
(1) البيان والتبيين ج1 ص326 و327 وذكر المعتزلي في شرح النهج ج3 ص 398 نفس القصة مع بعض الاختلاف. فراجع..
(2) نهج البلاغة، بشرح الشيخ محمد عبده، قسم الوصايا والكتب، رقم 77 والنهاية لابن الأثير ج1 ص444 ومصادر نهج البلاغة ج3 ص 478 عنه، وربيع الأبرار ج1 ص 691، والبحار ط قديم ج8 ص 560.
(3) كنز العمال ج1 ص 307 عن أصول السنة، لابن أبي زمنين وراجع العقود الفضية ص 60 عن الإتقان للسيوطي.
(4) الفائق ج3 ص 360 ونسب قريش لمصعب الزبيري ص 103 وبهج الصباغة ج7 ص 179 والقصة فيهما مفصلة.
ومهما يكن من أمر.. فإن سرّ أمره (عليه الصلاة والسلام) ابن عباس بأن لا يخاصمهم بالقرآن، بل بالسنة هو أنه (عليه السلام) كان يدرك ويعرف أكثر من كل أحد، ما كانوا عليه من السطحية في الفهم، والسذاجة في التفكير، حسبما ستأتي الاشارة إليه..
والقرآن.. هو ذلك الكتاب الذي شاءت الإرادة الإلهية أن يحوي من المعارف، والدقائق والعلوم ما يكفي البشرية جمعاء، ولتجد الأمم فيه ضالتها المنشودة، وآمالها المعقودة على مدى القرون والأزمان.
فكان لابد للألفاظ القرآنية أن تتحمل كل هاتيكم المعاني، بمختلف وجوه وأنحاء التحمل الممكنة..
وقد أوضحنا هذا الأمر، في بحث لنا حول إعجاز القرآن، في الجزء الثاني من كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) حين الحديث عن اعجاز القرآن، والمحكم والمتشابه(1).
____________
(1) وقد يكون من الطريف أن نذكر هنا قصة لربما تشير إلى ما تحمله التعابير المختلفة من فوارق في المعاني، وإن كان لا يرتبط هذا المثال كثيراً فيما نحن فيه، والقصة هي على ما جاء في بهج الصباغة ج7 ص 176 كما يلي:
ورد: أن رجلاً قال لهشام القوطي: كم تعد؟ قال: واحد إلى ألف ألف وأكثر. قال: لم أرد هذا، كم تعد من السن؟ قال: اثنين وثلاثين، ست عشرة من أعلا وست عشرة من أسفل. قال: لم أرد هذا، كم لك من السنين؟ قال: والله، ما لي فيها شيء، السنون كلها لله تعالى. قال: يا هذا ما سنك؟ قال: عظم. قال: ابن كم أنت؟ قال: ابن اثنين،
=>
كما أنه (عليه السلام) قد احتج عليهم: بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد منّ على أهل مكة، فلم يسب نساءهم ولا ذريتهم، وبأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد محا كلمة: «رسول الله» من صحيفة الحديبية، وبأنه (صلى الله عليه وآله) قد أعطى النصفة لأهل نجران، حيث قال: (ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين).
وبأنه (صلى الله عليه وآله) قد حكّم سعد بن معاذ في بني قريظة..
فاستأمن من «الخوارج» لذلك ثمانية آلاف(3).
____________
<=
رجل وامرأة. قال: كم أتى عليك؟ قال: لو اتى عليّ شيء لقتلني. قال: فكيف أقول؟! قال: تقول: كم مضى من عمرك؟!
(1) تاريخ المذاهب الإسلامية ص 73.
(2) نهج البلاغة [بشرح عبده] الخطبة رقم 123 ومصادر نهج البلاغة ج2 ص 285 عن تاريخ الطبري حوادث سنة 38 مع بعض التفاوت.
(3) راجع: الفتوح لابن أعثم ج4 ص122 ـ 125 والفرق بين الفرق ص 78 ـ 80 والبداية والنهاية ج7 ص 281 وغير ذلك كثير، فراجع كتب التاريخ.
وبعد أن امتلأت الدار بقراء القرآن دعا بمصحف عظيم، فوضعه بين يديه، فطفق يصكه بيده، ويقول: أيها المصحف، حدث الناس.
فناداه الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ما تسأل منه، فإنه ورق ومداد..
ثم تذكر الرواية احتجاجه عليهم(1).
وذلك كله يفسر لنا ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم، وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم(2).
العناد واللجاج:
لقد تحدثت النصوص التاريخية عن احتجاجات كثيرة جرت بين «الخوارج» وعلي (عليه السلام) وأصحابه، ولربما ذكروا: أن هذه الاحتجاجات قد استمرت ستة أشهر.. ولا شك في أن هذه الظاهرة كانت من القوة والظهور بحيث لم تغب عن ذاكرة أي مؤلف أورد روايات خروجهم
____________
(1) راجع: تهذيب تاريخ دمشق ج7 ص 304 وكنز العمال ج11 ص 279 والبداية والنهاية ج7 ص 280 عن مسند احمد.
(2) كنز العمال ج11 ص 130 و280 عن مسلم، وأبي داود عن علي. وعن عبد الرزاق، وخشيش، وأبي عوانة، ومسلم، وابن أبي عاصم، والبيهقي. وفرائد السمطين ج 1 ص 276 ونظم درر السمطين ص 116 وخصائص الإمام علي للنسائي ص144 وفي هامشه عن سنن البيهقي ج8 ص170 وعن مسند أحمد ج1 ص88 و91 وعن سنن أبي داود، باب قتال «الخوارج».
والبداية والنهاية ج7 ص 291 وكفاية الطالب ص 176 ونزل الابرار ص 60 والرياض النضرة ج3 ص 224 و225 وروي أيضاً عن مسلم ج2 ص 748.
فلم تزل الرسل تختلف إليهم حتى قتلوا رسوله. فلما رأى ذلك (عليه السلام) نهض فقاتلهم(1).
ويقول النص التاريخي أيضاً: «فوعظهم بكل قول، وبصّرهم بكل وجه، فلم يرجعوا»(2).
«وكاتبهم وراسلهم فلم يرتدعوا»(3).
«وبعث إليهم علي رضي الله عنه عبد الله بن عباس، فناظرهم، فرجع أكثرهم، وبقي بقيتهم، فقاتلهم علي الخ..»(4).
وقال الزهري: «خاصمت الحرورية علياً ستة أشهر.. إلى ان قال: فطالت خصومتهم، وخصومة علي بالكوفة»(5).
وقد عبر علي (عليه السلام) عن قوة وكثرة احتجاجه عليهم بقوله: «أنا حجيج المارقين»(6).
وعن احتجاجات ابن عباس وقوتها، وإحساسهم هم بذلك، يقول التلمساني: «وخرج إليهم رضي الله عنه بمن معه ورام رجعتهم فأبوا إلا القتال وكان علي أرسل إليهم عبد الله بن عباس، فاجتمع معهم، واحتج
____________
(1) راجع: بهج الصباغة ج7 ص 190 عن الطبري، وتاريخ بغداد ج1 ص 177 ومروج الذهب ج2 ص 404 و405.
(2) الفخري في الآداب السلطانية ص 94.
(3) كشف الغمة ج1 ص 265.
(4) البداية والنهاية ج7 ص 279.
(5) راجع تهذيب تاريخ دمشق ج7 ص 305 وراجع ص 306 وانساب الاشراف [بتحقيق المحمودي] ج2 ص 353.
(6) نهج البلاغة ج1 ص 122، الخطبة رقم72.
فقال بعضهم لبعض: دعوه عنكم، ولا تجيبوه، فلن تطيقوا مخاصمة ابن عباس، فإنه من القوم الذين قال الله تعالى فيهم: بل هم قوم خصمون»(1).
وقال الشبلنجي وغيره: إنهم بعد أن احتج (عليه السلام) عليهم، وأفحمهم في حروراء، قال لهم: قوموا، فادخلوا مصركم يرحمكم الله.
قالوا: ندخل، ولكن نريد أن نمكث مدة الأجل الذي بينك وبين القوم ههنا ليحيا المال، ويسمن الكراع.
فانصرف علي رضي الله عنه، وهم كاذبون فيما زعموا قاتلهم الله تعالى(2).
اعتراف «الخوارج»:
إنه لا ريب في أن علياً (عليه السلام) قد أفحم «الخوارج»، وأقام الحجة عليهم، في خطبه وفي مناظراته أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة. ولا ريب في أن الحق كان هو الفيصل، وهو الأساس القوي في رجوع الكثيرين منهم إلى جادة الصواب، وصرفهم عن مواصلة التمرد، أو على الأقل في إيجاد حالة من التردد لديهم تمنعهم من مواصلة نهجهم الظالم، الذي لا يعتمد على أساس صحيح، الأمر الذي نتج عنه تأخير المواجهة في أكثر من موطن، حتى لقد اعترفوا أنفسهم بهذا الأمر، فقالوا:
____________
(1) الجوهرة في نسب علي بن أبي طالب وآله ص 108.
(2) نور الأبصار ص 99 وراجع: الكامل لابن الأثير ج3 ص 238 والفصول المهمة لابن الصباغ ص 85/86.
وحلاوة كلامه (عليه السلام) هي فيما يجلّيه لهم من معالم الحق، من موقع الرأفة بهم، وحب الرشد والهداية لهم، والخوف والخشية عليهم، من أن تأخذهم العزة بالإثم، نعوذ بالله، وإليه نلجأ وبه نعتصم من الخذلان، ومن وساوس الشيطان.
تأثير المناظرات والخطب والمناشدات:
وقد كان لتلك المناظرات والاحتجاجات والخطب تأثير بالغ في حقن دماء الألوف منهم، حيث أظهرت لهم خطأهم في مواقفهم، فرجعوا إلى الحق، أو عرفوا أن ما يستندون إليه لا يصلح للاستناد.
وقد ذكر الحارثي الإباضي: أنه بعد أن توقف القتال في صفين انفصلت عنه المحكمة، وهم ما بين أربعة آلاف وستة وعشرين ألفاً(2).
وعن الشماخي: قيل أربعة وعشرون ألفاً(3).
وقد ذكر ابن عبد ربه: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) ناظرهم، فرجع ستة آلاف، ثم ناظرهم ابن عباس فرجع منهم ألفان. وذلك قبل خروجهم إلى النهروان. وقبل تأمير الراسبي عليهم. وبقي أربعة آلاف..
وكان منهم ألفان في الكوفة يسرّون أمرهم(4).
____________
(1) مناقب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لابن المغازلي ص 407.
(2) العقود الفضية ص 38.
(3) العقود الفضية ص 46.
(4) راجع: العقد الفريد ج2 ص 388 و389.