كما أن سهم بن غالب الهجيمي، الذي خرج على زياد، عاد فطلب الأمان من زياد، فلم يؤمنه، وظل يطلبه حتى قتله(2).
كما أن الذين أجبروا امير المؤمنين (عليه السلام) على قبول التحكيم في صفين، قد احتجوا بقولهم: «كنا قد طالت الحرب علينا، واشتد البأس، وكثر الجراح، وحلا الكراع»(3).
فهم حباً بالراحة قد أفسدوا حياة الأمة بأسرها بموقف أرعن، حين أجبروا علياً (عليه السلام) على قبول التحكيم، ثم حاولوا إجباره على التراجع عنه..
رأي ابن خلدون:
وأخيراً.. فإنه يتضح مما قدمناه عدم صحة قول ابن خلدون: «الخوارج المستميتون في شأن بدعتهم.. لم يكن ذلك لنزعة ملك، ولا سياسة، ولم يتم أمرهم لمزاحمتهم العصبية القومية»(4).
نعم.. إن هذا لا يصح، إذ قد:
اتضح مما سبق: أنهم كانوا يريدون الملك، وأن يكون لهم الحكم كما صرح به أحد زعمائهم، وبينه تاريخهم، وما إلى ذلك.
____________
(1) الخوارج في العصر الأموي ص122 عن الكامل في التاريخ ج3 ص417/418.
(2) الخوارج في العصر الأموي ص123.
(3) بهج الصباغة ج7 ص161 عن ابن ديزيل في صفينه وبقية المصادر في الفصول المتقدمة.
(4) مقدمة ابن خلدون ج2 ص69 وقضايا في التاريخ الإسلامي ص38.
إن عدم وصولهم إلى ما يريدون ليس بسبب مزاحمتهم العصبية القومية كما ادعاه، وإنما بسبب سياساتهم الخرقاء، وسلوكهم الأرعن، وإجرامهم، ومزاعمهم الباطلة، وعقائدهم الفاسدة، التي تجعل الناس كلهم ضدهم، لأنهم يكفرون كل من عداهم. كما أنهم يستحلون قتل حتى أطفال ونساء مخالفيهم من المسلمين، وبأبشع الطرق والأساليب، كما أوضحناه في أكثر من مورد من هذا الكتاب.
كما أن استماتتهم إنما كانت لدوافع أخرى، كالحقد الذي يجدونه في أنفسهم، وطموح النزق بهم، وللحصول على بعض حطام الدينا أحياناً أخرى.
إذن.. فلم تكن الإستماتة لأجل بدعتهم كما ادعاه ابن خلدون، وإن كنا لا نستبعد ذلك بالنسبة لبعض الأفراد من المخدوعين والسذج، والبسطاء منهم كما أشرنا إليه..
الفصل الثالث
مفارقات.. وتناقضات في
مواقف الخوارج
بداية:
إن من يراجع عقائد «الخوارج»، ومذاهبهم، يجد مفارقات كبيرة بينها وبين ما كانوا يتخذونه من مواقف عبر العصور..
فبينما نجدهم يكفرون جميع من عداهم، وينقمون على خلفاء الجور، ويحاربونهم بكل ضراوة وعنف.. ويستحلون حتى قتل النساء والأطفال، والشيوخ، وبصورة بشعة ولا إنسانية، فإنهم في ظروف أخرى يتعاملون مع أولئك الحكام، ويبايعونهم، ويعينونهم، ويكونون إلى جانبهم..
وإذا كان مذهبهم يقوم في الأساس على البراءة من علي (عليه السلام)، ومن كل ما يمت إليه بصلة أو رابطة، فإننا نجدهم يتعاملون مع بعض ولده ويؤيدونهم، رغم أن دعوة ولده لا تختلف عن دعوته، وأن خطه هو نفس خطّه صلوات ربي عليه وسلامه وبركاته..
وقد تقدمت نماذج كثيرة تكفي للإعلان بالاختلاف بين ما يدعون أنهم يعتقدون وبين ما يمارسونه..
ونذكر فيما يلي أنموذجاً آخر من هذه المفارقات في مواقفهم، والمناقضة لما قرروه في اتجاهاتهم وعقائدهم: وقد يجد المتتبع لهذه
فنقول:
موقفهم من الإمام الحسن (عليه السلام):
إن من الواضح: أن أساس نحلة «الخوارج» يقوم على البراءة من أمير المؤمنين (عليه السلام) وتكفيره.. وعدم الاستجابة لأية دعوة أو خطة فيها تأييد لنهجه (صلوات الله وسلامه عليه).. وواضح: أنه (عليه السلام) هو الذي أوصى لولده الإمام الحسن (عليه السلام) بالخلافة(1)؛ تنفيذاً لأمر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، الذي قال: الحسن والحسين إمامان، قاما أو قعدا(2).
كما أن الإمام الحسن المجتبى، قد كان مع أبيه في كل آرائه ومواقفه، يؤيده ويعينه، ويشد من أزره. ولم يفارق نهجه وخطه قيد أنملة، حتى
____________
(1) راجع: مقاتل الطالبيين ص55و56 وراجع: ص52و34. والفتوح لابن أعثم ج4 ص151 والمناقب لابن شهر آشوب ج4 ص31 وشرح النهج للمعتزلي ج16 ص36ـ40 وراجع: ص30 وج1 ص57 والبحار ج44و64 عن كشف الغمة والعقد الفريد ج4 ص474 و475 والبداية والنهاية ج6 ص249 والمناقب للخوارزمي ص278 وتيسير المطالب ص179 والأغاني ج6 ص121 وقاموس الرجال ج5 ص172 وإثبات الوصية ص152 وغير ذلك.
(2) راجع: الفصول المختارة ص303 والإرشاد للمفيد ج2 ص30 والتعجب ص52 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص141ـ163 والطرائف ص196 والمستجاد من الإرشاد ص157 وغوالي اللآلي ج3 ص130 وج4 ص93 والصوارم المهرقة ص95 وقصص الأنبياء، ج2 ص244 والبحار، ج44 ص2 و16 و43 و68 و278 و291 وج35 ص266 وج36 ص289 و325 وج16 ص307 وج21 ص279 وألقاب الرسول وعترته، ص49.
ولكننا مع ذلك كله، ومع أنه لم يمر على هذه الوقعة التي كان لها الأثر العميق في «الخوارج» سنتان بعد.. نجد «الخوارج» ينخرطون في جيش الإمام الحسن (عليه السلام)، ويكونون معه في حربه ضد معاوية.
فقد جاء في النص التاريخي: «خف.. ومعه أخلاط من الناس: بعضهم شيعة له، ولأبيه، وبعضهم محكِّمة ـ [أي خوارج] يؤثرون قتال معاوية بكل حيلة، وبعضهم أصحاب فتن، وطمع في الغنائم الخ»(1).
إذن.. فقد ساعد «الخوارج» الإمام الحسن (عليه السلام) الذي كان أبوه وكان هو مع أبيه من أشد الناس عليهم، وأعظمهم نكاية فيهم؟!
موقفهم من زيد بن علي (عليه السلام):
ثم إنهم قد بايعوا زيد بن علي (عليه السلام)، حينما قام في وجه الحكم الأموي كما يرويه السيد أبو طالب، يحيى بن الحسين، بن هارون الحسني، في كتاب: «الدعامة»(2).
هذا وقد رثى شاعر «الخوارج»، حبيب بن جدرة الهلالي، زيداً (رحمه الله)، فقال:
يا با حسين والأمور إلى مدى | أولاد درزة أسلموك وطاروا |
يا با حسين لو شراة عصابة | علقتك كان لوردهم إصدار(3) |
____________
(1) راجع: أعيان الشيعة ج1 ص568 والإرشاد للمفيد ص193 وكشف الغمة ج2 ص165.
(2) الحور العين ص185/186.
(3) الحور العين ص187 والكامل في الأدب ج4 ص112 بتقديم البيت الثاني على الأول كتاب: أبو الحسين زيد الشهيد ص98 عن نسمة السحر عن بعض التواريخ وربيع الأبرار ج2 ص193 وراجع: لسان العرب ج5 ص348.
وقيل: هم الخياطون، فإن زيداً لما خرج كان معه خياطون من الكوفة(2).
وقال أيضاً:
أولاد درزة أسلموك مبلا(3) | يوم الخميس لغير ورد الصادر |
تركوا ابن فاطمة الكرام تقوده | بمكان مسخلة لعين الناظر(4) |
هذا مع العلم بأن زيداً هو حفيد علي (عليه السلام) الذي حاربهم، وأباد خضراءهم، وكانت دعوته شيعية علوية خالصة.. غير أن حقدهم على الأمويين، وكذلك عدم قطعهم ببطلان ما كان عليه علي (عليه السلام) ووُلده، قد جعلهم يتجاوزون كل الاعتبارات، ثم أن يعينوا تلك الفئة التي تنتمي إلى ذلك الرجل الذي لا يمكنهم أن يغفروا له ما فعله بهم، ولا أن ينسوه على مرّ الأيام..
معاونتهم لأبي مسلم الخراساني:
كما أن شيبان بن سلمة، زعيم الفرقة الشيبانية منهم قد أعان أبا مسلم الخراساني القائم بأمر الدعوة العباسية، وعلي بن الكرماني في
____________
(1) الكامل في الأدب ج4 ص12 وراجع: لسان العرب ج5 ص248 وربيع الأبرار ج2 ص193و194 وفيه قال: هم خياطون من أهل الكوفة، خرجوا ثم انهزموا أسرع شيء.
(2) أبو الحسين زيد الشهيد ص98.
(3) لعل الصحيح: مبلّلاً.
(4) الحور العين ص187.
معونتهم لابن الزبير:
هذا.. وقد أعانوا ابن الزبير أيضاً في حربه ضد الأمويين رغم أنهم لم يتأكدوا بعد من توجهاته، وذلك بعد أن بلغهم خروج مسلم بن عقبة إلى المدينة، وقتله أهل حرة، وأنه مقبل إلى مكة؛ فقالوا: يجب علينا أن نمنع حرم الله منهم، ونمتحن ابن الزبير؛ فإن كان على رأينا بايعناه؛ فلما صاروا إليه عرفوه أنفسهم وما قدموا له؛ فأظهر لهم ابن الزبير: أنه على رأيهم؛ فقاتلوا معه أهل الشام حتى مات يزيد، وانصرف الجيش الشامي عن مكة..
ثم امتحنوا ابن الزبير، فصرفهم إلى العشي؛ لأنه لم يكن عنده من يمتنع به منهم. وفي العشي خرج إليهم، وقد لبس سلاحه؛ فرفض ما دعوه إليه، من البراءة من عثمان، وتكفير أبيه الزبير؛ ففارقوه، وكان ذلك سنة 64هـ. وكان فيهم نافع بن الأزرق، ونجدة، وبنو ماحوز، وغيرهم من زعماء «الخوارج» (2).
____________
(1) راجع: الخطط للمقريزي ج2 ص355، ومقالات الإسلاميين ج1 ص167 والملل والنحل ج1 ص132، والحور العين ص172 والفرق بين الفرق ص102، وراجع أيضاً العيون والحدائق ص166 والخوارج عقيدة وفكراً وفلسفة ص65.
(2) راجع فيما تقدم: العقد الفريد ج2 ص391ـ395، والكامل للمبرد ج3 ص276ـ282 والكامل لابن الأثير ج4 ص165 و166 و167 و168 وراجع ص123/124، وأنساب الأشراف ج4 ص95 و99 و28 و47 و54 و58و102 وتاريخ الطبري ج4 ص436ـ439 وتاريخ ابن خلدون ج3 ص144/145 والبداية والنهاية ج8 ص239 وراجع: الإباضية عقيدة ومذهباً ص22و23و25و28و29و44 عن بعض من تقدم وعن ابن كثير وابن ابي الحديد والمسعودي وراجع العقود الفضية ص22وراجع:
=>
ويلاحظ: أن ابن الزبير الذي اتخذ سبيل التقية قد سكت عن علي (عليه السلام) الذي حاربه هو وأبوه من قبل، ولم يذكره كما ذكر عثمان وطلحة والزبير..
ولعل مساعدتهم لابن الزبير لم تكن بالأمر الذي يثير عجباً كثيراً، بعد إعلانهم: أن هدفهم أولاً هو الدفاع عن حرم الله تعالى، ضد الذين كان عداؤهم لهم لا رجعة عنه، لأن كفرهم لديهم كان أمراً غير قابل للريب والشك إطلاقاً.
وعلى كل حال فإن النص التاريخي يقول: إنه كان قد دخل «في طاعة ابن الزبير رؤوس «الخوارج»: نافع بن الأزرق، وعطية بن الأسود، ونجدة الخ..»(1).
ويقول المعتزلي: «.. إن عبد الله بن الزبير استنصر على يزيد بن معاوية بالخوارج، واستدعاهم إلى ملكه؛ فقال الشاعر:
يا ابن الزبير اتهوى فتية قتلوا | ظلماً أباك ولما تنزع الشكك(2) |
ضحوا بعثمان يوم النحر ضاحية | يا طيب ذاك الدم الزاكي الذي سفكوا |
فقال ابن الزبير: لو شايعني الترك والديلم على محاربة بني أمية لشايعتهم، وانتصرت بهم..»(3).
____________
<=
الخوارج عقيدة وفكراً وفلسفةً ص83 و84 والغدير ج10 ص52.
(1) سنن البيهقي ج8 ص193 والغدير ج10 ص52.
(2) الشكك: جمع شكة، وهي السلاح.
(3) شرح النهج للمعتزلي ج5 ص131 والكامل للمبرد ج3 ص282.
وقال الذهبي: «وكانت الخوارج وأهل الفتن قد أتوه وقالوا: عائذ بيت الله. ثم دعا إلى نفسه، وبايعوه، وفارقته الخوارج»(2).
وهكذا يتضح: أنه كما أن «الخوارج» لم يكن يهمهم من أجل القضاء على الأمويين حتى أن يعينوا زيد بن علي، وأبا مسلم، وابن الزبير بالذات..
كذلك ابن الزبير.. فإنه لم يكن يهمه من أجل الوصول إلى أهدافه، وتحقيق مآربه بالحكم والسلطان: أن يستعين حتى بالشياطين، فضلاً عن «الخوارج»، كما صرح به، حسبما تقدم..
نعم.. ولا غرابة في ذلك. فإنه قد أظهر للخوارج أولاً أنه منهم، وجعل شعاره حينما اتصل بهم نفس شعارهم، وهو: «لا حكم إلا لله»(3).
كما أنه قد قطع الصلاة على النبي أربعين جمعة بغضاً منه بأهل بيته (صلى الله عليه وآله)(4).
وقبل ذلك، فإنه هو الذي حارب أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) مع أبيه
____________
(1) أنساب الاشراف ج4 ص49 وراجع: الكامل في الأدب ج3 ص282.
(2) سير أعلام النبلاء ج3 ص373 وراجع: تهذيب تاريخ دمشق ج7 ص410 وتاريخ الإسلام ج3 ص170/171.
(3) شرح الأخبار، ج1 ص360 وج2 0 ص46 وأوائل المقالات، ص233 والاختصاص، ص180 ومناقب آل أبي طالب، ج2 ص369 ومناقب أمير المؤمنين، ج2 ص340و341 والبحار، ج32 ص544 وج33 ص338 و343 و344 و361 و395 وج38 ص183 وج42 ص271.
(4) مقاتل الطالبيين، ص316 والصوارم المهرقة، ص97 والأمالي هامش ص347.
إلى غير ذلك مما لا مجال لاستقصائه، مما يؤكد فيه تلك الخصيصة التي أشرنا إليها آنفاً.
معونتهم للأمويين:
بل نجد: أنهم قد أعانوا حتى الأمويين، حينما كانت دعوتهم موافقة لعصبيتهم، فقد قال ابن خلدون، وهو يتكلم عن حركة الضحاك بن قيس: «.. وولى مروان على العراق النضر بن سعيد الحرشي، وعزل به عبد الله بن عمر بن عبد العزيز؛ فامتنع عبد الله بالحيرة، وسار إليه النضر، وتحاربا أشهراً، وكانت الصفرية مع النضر عصبة لمروان بالطلبة بدم الوليد، وأمه قيسية الخ..». ثم ذكر كيف أن الضحاك والخوارج قد استفادوا من هذا الخلاف، وحاربوهم، ثم ما جرى منهم(1).
كما أن شيبان الخارجي: قد صالح نصر بن سيار، العامل الأموي المعروف في خراسان(2). ليتمكن من مواجهة العباسيين وغيرهم.
وقال ابن قتيبة الدينوري: «وسار مصعب بن الزبير بجماعة أهل البصرة، نحو المزار، وتخلف عنه المنذر بن الجارود، وهرب منه نحو كرمان في جماعة من أهل بيته، ودعا لعبد الملك بن مروان»(3).
والأزارقة أيضاً قد قبلوا بموادعة المهلب ثمانية عشر شهراً ليتفرغ
____________
(1) تاريخ ابن خلدون، ج3 ص164.
(2) المصدر السابق، ج3 ص120.
(3) الأخبار الطوال، ص 304/305.
وقد عرفنا: كذلك أن شبيب بن يزيد الخارجي قد قصد أولاً الشام، وطلب من عبد الملك أن يفرض له في اهل الشرف، فلما رفض طلبه، خرج عليه، واستولى على ما بين كسكر والمدائن. وقد هزم للحجاج عشرين جيشاً في مدة سنتين(2).
وقد اتهم بمكاتبة عبد الملك بعد أن خرج عليه، ووعده عبد الملك بولاية اليمامة، ويهدر له ما أصاب من الدماء(3).
والخريت أيضاً: قد قال للعثمانية: «إنا ـ والله ـ على رأيكم، قد ـ والله ـ قتل عثمان مظلوماً»(4).
وسميرة بن الجعد قد أصبح سميراً للحجاج(5).
وكان زياد يرسل إلى جماعة منهم فيحملهم إليه ويسمرون عنده، وقد مدحه عمر بن عبد العزيز على ذلك(6).
وعمران بن حطان أيضاً، قد نزل ضيفاً على روح بن زنباغ، وكان أثيراً عند عبد الملك فلما اطلع على أمره ارتحل عنه(7).
وتقدم أن عقفان الحروري خرج في أيام يزيد بن عبد الملك
____________
(1) الأخبار الطوال، ص304/305.
(2) راجع: الفرق بين الفرق، ص111 والفتوح لابن أعثم ج7 ص84و85.
(3) العبر وديوان المبتدأ والخبر ج3 ص347.
(4) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص96 والكامل في التاريخ، ج3 ص368.
(5) الخوارج في العصر الأموي، ص261 و262 و279 و280 وراجع مروج الذهب، ج3 ص136/137.
(6) الكامل في الادب، ج3 ص261 و262.
(7) راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي، ج5 ص92 و95 ومصادر أخرى تقدمت.
فلما ولي هشام الخلافة ولاّه أمر العصاة، بعد أن أراد أن يوليه إمرة مصر.
ولما ولي عقفان أمر العصاة، وعظم أمره قدم ابنه من خراسان عاصياً، فشده، وثاقاً وبعث به إلى الخليفة هشام، فأطلقه هشام لأبيه. ثم استعمل عقفان على الصدقة، فبقي على الصدقة إلى أن مات هشام(1).
وفي المقابل نجد سليمان بن هشام الأموي قد انضم إلى الضحاك بن قيس، وكان معه جيش من أربعة آلاف(2).
خارجيان حاربا الحسين، ثم استشهدا معه:
وقد ذكروا: أن أبا الحتوف ابن الحارث بن سلمة الأنصاري العجلاني، كان مع أخيه سعد في الكوفة، ورأيهما رأي «الخوارج».
فخرجا مع عمر بن سعد لحرب الحسين (عليه السلام).
فلما كان اليوم العاشر، وقتل أصحاب الحسين، وجعل الحسين ينادي: ألا ناصر فينصرنا، فسمعته النساء والأطفال، فتصارخن. وسمع سعد وأخوه أبو الحتوف النداء من الحسين، والصراخ من عياله، قالا إنا نقول: لا حكم إلا لله، ولا طاعة لمن عصاه. وهذا الحسين ابن بنت نبينا محمد، ونحن نرجو شفاعة جده يوم القيامة، فكيف نقاتله وهو بهذا الحال، لا ناصر له ولا معين؟!
____________
(1) النجوم الزاهرة ج1 ص251 وفي هامشه عن الكامل في التاريخ.
(2) الخوارج والشيعة ص103.
وإذا كان ميلهما إلى الحسين عليه صلوات ربي وسلامه قد كان بسبب وضوح الأمر لهم، وظهور مظلوميته لديهم، وموافقة ذلك لمنطق العقل والاحتياط للدين..
فإن مساعدتهما للأمويين، وخروجهما في جيش عمر بن سعد، لا يمكن تفسيره على أساس ديني، ولا منطقي على الإطلاق، فإن «الخوارج» الذين لا يقبلون بالقعود عن محاربة السلطان الظالم، لا يمكن أن يكون يزيد ـ بنظرهم ـ محقاً في حربه للحسين، ولا في تأمّره على الأمة، في أي من الظروف والأحوال.
فلابد من تفسير هذا الخروج معهم، والعون لهم على أنه قد كان لأجل الدنيا، ولا شيء وراء ذلك على الإطلاق، أو بغضاً بكل من هو من ولد علي (عليه السلام) وحقداً.
ثم تداركهما الله بلطف منه، وأنار بصيرتهما، فختم لهما بالسعادة، وأكرمهما بالشهادة.
____________
(1) الكنى والألقاب ج1 ص45.
الباب السابع
واقع الخوارج
الفصل الأول
الخوارج في البلاد والقبائل
تأثير علي (عليه السلام) في خوارج الكوفة:
لقد ظهر «الخوارج» ـ أول ما ظهروا ـ في شرقي الدولة الإسلامية، في مناطق العراق، وخصوصاً في منطقة البصرة والكوفة، ثم بدأوا يظهرون في بقية المناطق.
غير أن نظرة فاحصة نلقيها على كل من خوارج البصرة والكوفة تعطينا: أن ثمة فروقاً فيما بينهما في كل من المنطقتين. ولعل ذلك يرجع إلى تأثير علي (عليه السلام) في أهل الكوفة؛ لأنه قد عاش فيما بينهم برهة، وعرفوه عن كثب، ولم يكن ـ والحالة هذه ـ من السهل تضليلهم في شأن علي (عليه السلام)، وفي سلوكه، وسيرته ومواقفه.
هذا بالإضافة إلى تأثير المبادئ الصافية التي أشاعها (عليه الصلاة والسلام) فيما بينهم، حيث تركت لها آثاراً بارزة في عقلية وحياة الكثيرين منهم، وإن كان يختلف ذلك ويتفاوت، بسبب اختلاف الظروف، والحالات بالنسبة لفردٍ وآخر، وفريق أو قبيلة. بالنسبة إلى فريق أو قبيلة أخرى.
خوارج البصرة أكثر عدداً:
وعلى هذا الأساس أيضاً يمكن تفسير ظاهرة قلة «الخوارج» في منطقة الكوفة بالنسبة إلى خوارج البصرة. فإن أهل البصرة كانوا يعانون من عقدة ما جرى لهم في حرب الجمل، التي سجل فيها علي (عليه السلام) نصراً ساحقاً وحاسماً، وكانت لهم فيها هزيمة قبيحة وفاضحة ومنكرة.
والبصريون أيضاً لم يعيشوا مع علي، ولا عرفوا الكثير عنه، وعن مبادئه، ومواقفه، وسلوكياته.
خوارج الكوفة أكثر استعداداً للحوار:
والظاهرة التي نلمح إليها بصورة عابرة هنا هي: أن خوارج الكوفة ـ بفعل تأثير علي (عليه الصلاة والسلام) فيهم أيضاً كانوا ـ فيما يظهر ـ أكثر استعداداً للحوار، وأكثر تفاعلاً معه.
فلا عجب إذن إذا كثر فيهم الراجعون إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، والمتراجعون عن مواقفهم منهم. أو الشاكون والمترددون بعد حوار موضوعي بنّاء ومقنع، بخلاف حال خوارج منطقة البصرة الذين كانوا اكثر اندفاعاً نحو الجريمة وأشد امعاناً في اللجاج والعناد.
ومهما يكن من أمر، فإن البصرة والكوفة كانتا معقلهم الأساس في بداية ظهورهم، ثم إنهم كثروا بعد ذلك، وظهروا في مناطق مختلفة، ثم انحسروا ليستقر بهم الأمر في مناطق بعيدة عن مراكز القرار، غرباء عن مواقع الحركة السياسية والحضارية، والثقافية، حتى كان آخرهم لصوصاً سلابين على حد تعبير أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام).
مناطق «الخوارج»:
ومهما يكن، فإن «الخوارج» قد انتشروا في العديد من المناطق في شرق الدولة الإسلامية، مثل: كرمان، وفارس، وغيرها.
وقد استولوا في بعض الفترات على اليمامة، وحضرموت، واليمن، والطائف.
ويقول ابن خلدون: «وكان بنواحي البحرين وعمان إلى بلاد حضرموت، وشرقي اليمن، ونواحي الموصل آثار تفشي وعروق في كل دولة، إلى أن خرج علي بن مهدي من خولان باليمن، ودعا إلى هذه النحلة، وغلب يومئذٍ من كان من الملوك باليمن، واستلحم بني الصلحي القائمين بدعوة العبيديين من الشيعة، وغلبوهم على ما كان بأيديهم من ممالك اليمن، واستولوا أيضاً على زبيد ونواحيها من يد موالي بني نجاح، ومولى ابن زياد..
إلى أن قال: ويقال: إن باليمن لهذا العهد شيعة من هذه الدعوة ببلاد حضرموت، والله يضل من يشاء، ويهدي من يشاء..»(1).
وقال المجلسي: «صاروا نحواً من عشرين فرقة. وكبارها ست: الأزارقة أصحاب نافع بن الأزرق، وهم أكبر الفرق، غلبوا على الأهواز وبعض بلاد فارس وكرمان في أيام عبد الله بن الزبير.
والنجدات، رئيسهم نجدة بن عامر الحنفي.
والبهيسية أصحاب أبي بيهس هيصم بن جابر، وكان بالحجاز، وقتل في زمن الوليد.
____________
(1) تاريخ ابن خلدون ج3 ص170.
والإباضية أصحاب عبد الله بن إباض قتل في أيام مروان بن محمد.
والثعالبة أصحاب ثعلبة بن عامر»(1).
وقال المسعودي: «.. وذكرنا مواضعهم من الأرض في هذا الوقت مثل من سكن منهم من بلاد شهرزور، وسجستان، واصطخر، من بلاد فارس، وبلاد كرمان، وأذربيجان، وبلاد مكران، وجبال عمان، وهراة من بلاد خراسان، والجزيرة، وتاهرت السفلى، وغيرها من بقاع الأرض»(2).
وقال المعتزلي: «.. ويقال: إن في عمان وما والاها، من صحار وما يجري مجراها قوماً يعتقدونه فيه ما كانت «الخوارج» تعتقده فيه، وأنا أبرأ إلى الله منهما»(3).
والخلاصة: أن «الخوارج» كانوا متواجدين بشكلٍ وبآخر في فترات تاريخية تختلف وتتفاوت في العديد من المناطق مثل: فارس، ومكران، وعُمان، واليمامة، ونواحيها إلى حضرموت، وهجر، والموصل، وعامة أرض اليمن، والجزيرة، وسجستان، وخراسان، وكرمان، وقهستان(4).
____________
(1) بحار الأنوار ـ ط قديم ج8 ص572.
(2) مروج الذهب ج3 ص193.
(3) شرح النهج ج18 ص282.
(4) راجع فيما تقدم، كلاً أو بعضاً، المصادر التالية: جمهرة أنساب العرب ص322، والفرق بين الفرق ص85 و98و99 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص272/273 والبحر الزخار ج1 ص42 وأنساب الأشراف ج4 ص28 والحور العين ص202 والملل والنحل ج1 ص118و119و124 وراجع: نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ص174 والعقود الفضية ص66 عن الموسوعة العربية الميسرة.
وقد وصف الأصمعي الأمصار في زمنه، فقال: «البصرة كلها عثمانية، والكوفة كلها علوية، والشام كلها أموية، والجزيرة خارجية، والحجاز سنة»(2).
والتعليل الذي أورده ابن عبد ربه هو: «والجزيرة خارجية، لأنها مسكن ربيعة، وهي رأس كل فتنة»(3).
وعلى حسب نص المعتزلي: «وأما الجزيرة فحرورية مارقة، والخارجية فيهم فاشية، وأعراب كأعلاج، ومسلمون أخلاقهم كأخلاق النصارى»(4).
وقال محمد بن علي العباسي زعيم الحركة العباسية لدعاته: «أما الكوفة وسوادها، فهناك شيعة علي وولده، وأما البصرة وسوادها فعثمانية، وأما الجزيرة فحرورية مارقة، وأعراب كأعلاج، ومسلمون أخلاقهم كأخلاق النصارى»(5). ونقل عن الأصمعي أيضاً ما يقرب من هذا(6).
____________
(1) الملل والنحل ج1 ص133.
(2) العقد الفريد ج6 ص248.
(3) العقد الفريد ج6 ص248.
(4) شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي ج15 ص293.
(5) معجم البلدان للحموي ج2 ص352 وأحسن التقاسيم ص293 وعيون الأخبار لابن قتيبة ج1 ص204 والسيادة العربية والشيعة والإسرائيليات ص93 وراجع الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ج1 ص102.
(6) روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار ص67 والعقد الفريد ـ ط دار الكتاب العربي ج6 ص248.
وقد كان لرجل من الصفرية سلطان في موضع يقال له: سجلماسة، على طريق غانة»(1).
وجاء في سياق كلام أحمد أمين المصري: «كانوا فرعين: فرعاً بالعراق وما حولها. وكان أهم مركز لهم البطائح، بالقرب من البصرة، وقد استولوا على كرمان، وبلاد فارس، وهددوا البصرة... إلى أن قال: وفرعاً بجزيرة العرب، استولوا على اليمامة وحضرموت، واليمن والطائف»(2).
لابد من الدقة:
إننا نعتقد أن ما يذكرونه من تواجد «الخوارج» في المناطق المشار إليها تعوزه الدقة، والموضوعية..
ولعلنا نلمس بعض الميل إلى تضخيم أمر «الخوارج»، واعتبارهم ثواراً حقيقيين تجسدت فيهم آمال الجماهير، فانساقت وراءهم، حيث استهوتها شعاراتهم، وبهرتها مواقفهم وبطولاتهم، لاسيما وأنها لمست فيهم الصلابة في الدفاع عن الدين والحق، وعن المظلومين.
ولكننا إذا راجعنا وقائع التاريخ، لاسيما تاريخ «الخوارج»، نجد: أنهم بسبب ما ظهر منهم، قسوة وعنف قد أثاروا جواً من الرعب والخوف
____________
(1) مقالات الإسلاميين ج1 ص191.
(2) فجر الإسلام ص257/258.
«الخوارج» في إفريقية:
والظاهر أن إفريقية لم تعرفهم إلا في عهد العباسيين، غير أنهم يقولون: إن عكرمة هو سبب نشر الصفرية في بلاد المغرب، مما يعني: أنهم انتشروا في المغرب في وقت متقدم أي منذ عهد الدولة الأموية أيضاً. وقد انتشر مذهب الإباضية منهم في شمال إفريقية، ثم في الساحل الشرقي لإفريقية(2).
وقال الذهبي: «.. وخوارج المغرب إباضية، منسوبون إلى عبد الله بن يحيى بن إباض، الذي خرج في أيام مروان الحمار، وانتشر أتباعه بالمغرب»(3).
____________
(1) إختيار معرفة الرجال ص543.
(2) راجع: دائرة المعارف الإسلامية ج8 ص474..
(3) سير أعلام النبلاء ج15 ص153.
وقد قال الذهبي عن مخلد هذا: «كاد أن يمتلك العالم»(2).
ونص آخر يقول عن الإباضية: «هي فرقة خارجية، لاتزال قائمة في بلاد طرابلس، وفي زنجبار، وعمان»(3).
ويقول آخر: «وهناك إباضيون حتى اليوم في عمان، والجزائر، وزنجبار»(4).
وقد تقدم قول الأشعري، حول تواجد «الخوارج» في نواحٍ من المغرب، وأنه: «كان لرجل من الصفرية سلطان في سجلماسة، على طريق غانة».
«الخوارج» في القبائل وبني تميم:
إن مراجعة النصوص التاريخية تعطي: أن غالبية «الخوارج» كانوا من بني تميم(5).
ويذكر المؤرخون هنا: أنه قد كان في الأزد، وهمدان، وبكر، وغيرهم خوارج(6) أيضاً.
____________
(1) سير أعلام النبلاء ج15 ص156.
(2) سير أعلام النبلاء ج15 ص153.
(3) نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ص174.
(4) العقود الفضية ص66 عن الموسوعة العربية الميسرة.
(5) قضايا في التاريخ الإسلامي ص37و68 عن العبر ج3 ص145 وعن الطبري ج5 ص516 وعن فجر الإسلام ص256.
(6) جمهرة أنساب العرب ص364 والاخبار الطوال ص197 وتاريخ الدولة العربية ص78 وقضايا في التاريخ الإسلامي ص38.