الصفحة 316

11 ـ وكما أن «الخوارج» يرفضون الاجتهاد ـ خصوصاً الأزارقة ـ كذلك الوهابية.

12 ـ إن «اليهود ترى أن النظر في الفلسفة كفر، والكلام في الدين بدعة، وأنه مجلبة لكل شبهة. وأنه لا علم إلا ما كان في التوراة، وكتب الأنبياء. وأن الإيمان بالطب، وتصديق المنجمين من أسباب الزندقة، والخروج إلى الدهرية. والخلاف على الإسلام، وأهل القدوة، حتى إنهم ليبهرجون المشهور بذلك، ويحرمون سالك سبيل أولئك»(1).

و«الخوارج» أيضاً لهم هذا المنحى، ويسلكون هذا السبيل، فلا يحلون النظر في كتب الفلسفة.

ثم جاء الوهابيون، فمنعوا من ذلك أيضاً. و«قد هاجم ابن تيمية الفلاسفة المسلمين، وهاجم المأمون أيضاً في كثير من كتبه»(2). لأنه قرّب المعتزلة، الذين يهتمون بالفلسفة، ويعتمدون العقل في أحكامهم.

وقد حكم الوهابية بوجوب اتلاف كتب المنطق، واستدلوا على وجوب إتلافها بأن كتب المنطق يحصل بسببها خلل في العقائد(3).

وأذكر قضية حصلت لي شخصياً معهم، حيث بذلت محاولة للاجتماع ببعض علمائهم للمناقشة، فاشترط علينا أن لا نتكلم في المنطق، ولا في التاريخ فوافقنا.

ولكنه رغم ذلك لم يحضر إلى الموعد المقرر!!.

____________

(1) ثلاث رسائل للجاحظ ص16.

(2) راجع: العواصم من القواصم ص194 و195 و196 متناً وهامشاً.

(3) راجع: كشف الارتياب ص495 و496.


الصفحة 317
13 ـ إن «الخوارج» سيماهم التحليق أو التسبيد. وعن النهاية في حديث «الخوارج»: التسبيد فيهم فاش. وهو الحلق، واستئصال الشعر.

وكذلك الوهابيون، فإن سيماهم التحليق. ولعلهم هم الذين أخبر عنهم علي (عليه السلام) بقوله: في آخر الزمان قوم يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، سيماهم التحليق(1).

قال في خلاصة الكلام: «في قوله (صلى الله عليه وآله): سيماهم التحليق تنصيص على هؤلاء الخارجين من المشرق، التابعين لمحمد بن عبد الوهاب؛ لأنهم كانوا يأمرون من اتبعهم أن يحلق رأسه، لا يتركونه يفارق مجلسهم إذا اتبعهم حتى يحلقوا رأسه.

قال: ولم يقع من أحدٍ قط من الفرق التي مضت أن يلتزموا مثل ذلك، فالحديث صريح فيهم.

قال: وكان السيد عبد الرحمن الأهدل، مفتي زبيد يقول: لا يحتاج إلى التأليف في الرد على ابن عبد الوهاب، بل يكفي في الرد عليه قوله (صلى الله عليه وآله): سيماهم التحليق، فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة.

قال: وكان ابن عبد الوهاب يأمر أيضاً بحلق رؤوس النساء اللاتي يتبعنه، قد دخلت في دينه امرأة، وجددت إسلامها بزعمه، فأمر بحلق رأسها، فقالت: شعر الرأس للمرأة بمنزلة اللحية للرجل، فلو أمرت بحلق لحى الرجال، لساغ أن تأمر بحلق رؤوس النساء، فلم يحر جواباً»(2).

14 ـ وعن ابن عباس: لا تكونوا ك«الخوارج» تأولوا آيات القرآن في

____________

(1) كشف الارتياب ص125 عن الخصائص للنسائي.

(2) كشف الارتياب ص125 و126.


الصفحة 318
أهل القبلة، وإنما نزلت في أهل الكتاب والمشركين، فجهلوا علمها، فسفكوا الدماء، وانتهبوا الأموال.

وعن ابن عمر في وصف «الخوارج»: أنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين، كما رواه البخاري في صحيحه(1).

وكذلك فعل الوهابيون في الآيات النازلة في الكافرين والمشركين، فإنهم طبقوها على المسلمين كقوله تعالى: (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً). وقوله: (اجعل الآلهة إلهاً واحداً). وغير ذلك من آيات(2).

15 ـ إن «الخوارج» كانوا يتظاهرون بالعبادة والنسك والزهد، وتلاوة القرآن، واستحلوا قتل علي (عليه السلام). والوهابيون أيضاً يتظاهرون بفرط النسك والتعبد، ولكنهم أيضاً يعتبرون رفع الصوت بتلاوة الأوراد والأذكار شركاً أكبر، يقاتل عليه.

16 ـ ويلاحظ: أن محمد بن عبد الوهاب تميمي، هو من عشيرة ومعدن ذي الخويصرة التميمي، وقد كان أكثر «الخوارج» الأولين، وكثير من زعمائهم الكبار من بني تميم.

إن جمود «الخوارج» وجفاءهم كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار، فبينما نجدهم لا يتعرضون لغير المسلمين بأذى. نجدهم قد حكموا بكفر جميع المسلمين، ودانوا باستعراضهم بالسيف.

وهم في حين يتورعون عن أكل تمرة سقطت على الأرض، وعن قتل الخنزير الشارد، فإنهم يقتلون عبد الله بن خباب والقرآن في عنقه،

____________

(1) راجع المصدر السابق ص124 وراجع: صدق الخبر في خوارج القرن الثاني ص160.

(2) المصدران السابقان.


الصفحة 319
ويبقرون بطن زوجته، ويقتلون أطفال المسلمين، ويسبون نساءهم. وقد تزايدوا في بعض الوقائع في امرأة مسلمة جميلة، وغالوا في ثمنها. فقام بعضهم وقتلها. على اعتبار أن هذه الكافرة كادت تقع بسببها فتنة بين المسلمين(1).

والوهابيون أيضاً كـ«الخوارج» في جمودهم، وعدم تعمقهم في الأمور، فهم بينما يتوقفون في التلغراف، ويحرمون التدخين، ويعاقبون عليه، فإنهم استحلوا ضرب المسلمين بالمدافع، وكفروهم، وحكموا عليهم بالشرك، ويستحلون دماءهم وأموالهم. لأجل طلبهم الشفاعة من الأنبياء والأولياء.

وبعضهم استحل سبي الذرية. وجعلوا دار المسلمين دار حرب، ودارهم دار إيمان تجب الهجرة إليها، وهذا هو نفس ما فعله «الخوارج» أيضاً(2).

18 ـ وكما أن «الخوارج» يرفعون شعارات براقة كقولهم: لا حكم إلا لله، كذلك الوهابية فإنهم يرفعون شعار العودة إلى التوحيد، والابتعاد عن الشرك، ونبذ البدع..

19 ـ وكما أن شعار «الخوارج» هو كلمة حق يراد بها باطل، وهو أنهم يريدون: أنه لا إمارة لأحد، ولا يجوز التحكيم في الأمور الدينية، وفرعوا عليه: أن التحكيم الذي كان بصفين كان معصية وكفراً.

كذلك الوهابيون: فإنهم رفعوا شعار نبذ البدع، والرجوع إلى التوحيد الخالص؛ وهي كلمة حق يراد بها باطل، حيث كفروا من

____________

(1) كشف الارتياب ص116 والكامل في الأدب ج3 ص 355 و 356.

(2) المصدر السابق ص117 و118.


الصفحة 320
استشفع بالرسل والأولياء، وتوسل بهم، ومنعوا من تعظيم من عظمهم الله، ومنعوا من الاستشفاع بمن جعله الله شافعاً مغيثاً، وهو تضليل وتمويه إذ لا يوجد أحد يقول: إن محمداً (صلى الله عليه وآله) قادر بنفسه وبدون الله سبحانه. وهذا معناه أنه لا يجوز طلب الدعاء من المؤمن.

كما انهم منعوا من تقبيل ضريح النبي (صلى الله عليه وآله)، لأنه خشب أو حديد، مع العلم بأن القرآن لا يمسه إلا المطهرون، مع انه حبر وورق أيضاً..

20 ـ إن «الخوارج» يظهرون الزهد في الدنيا، ثم ظهر من خلال ممارساتهم وأقوالهم، أنهم طلاب ملك، ودنيا، حتى إنهم ليقاتلون على الثوب يسلب منهم أشد قتال.. إلى غير ذلك مما قدمناه حينما تحدثنا عن زهد «الخوارج»..

وكذلك الوهابيون.. فإنهم يظهرون ذلك.. ويستحلون سلب مجوهرات الحجرة النبوية. والاستئثار بثروات الأمة.. وتلك هي مظاهر بذخهم الجنوني، وتبذيرهم المرعب وانغماسهم في الشهوات والمآثم. قد فحّت روائحها، وزكمت الأنوف بريحها النتن.

21 ـ وقد تقدم عن عائشة: أن من سمات «الخوارج»: أن أزرهم إلى أنصاف سوقهم(1).

وهذا تماماً هو حال الوهابيين، فاقرأ واعجب فما عشت أراك الدهر عجباً.

____________

(1) تاريخ بغداد ج1 ص16.


الصفحة 321
وأخيراً:

فهل سيصبح مصير الوهابيين هو نفس مصير «الخوارج».. فيكون آخرهم لصوصاً سلابين؟!

ومن يدري فإن غداً لناظره قريب.


الصفحة 322