[146] ومن ملحمته العلوية قوله:
لك هذا الشعر أنضِّده | وعلى أعتابك أُنشِدهُ |
ولغيرك لا يحلو أبداً | إنشاد الشعر ومقصدهُ |
وهل الاشعار تروم مدىً | لعلاك فيسهل مصعدهُ |
إلى أن يقول:
أأبا السبطين وان جحدو | ك فرَبُ الفضل مُحسَّدهُ |
فلأنت الخالد رغم يد | راحت للقدر تنضِّده |
أصداء حياتك شمس هدىً | أبداً للتائه ترشدهُ |
ما ضرك من عميت عيناه | فراح لنورك يجحده |
لعلاك بزعمهم ستروا | وعُلاك تأصَّل يجحده |
إن كان تجاهل أقوام | لك قدراً رحت تشيّده |
فالله وأحمد يعرفُه | وجميع الخلق تمجدهُ |
ما بعد مقال أبي الزهراء | بحقك قول نعهده |
لا يعرف شخصك غيرُ الله | وغيري حين أحدِّده |
وبهذا القولِ يكون الفصـ | ـلُ وختم القول وأحمدَهُ |
وصبرت على عظم البلوى | ولقلبك بان تجلُّده |
تتجرعها غصصاً غصصاً | كالليل تراكم مُلبدِه |
ماذا سأعدِّدُ من نباً | قد كنت تراه وتشهده |
يوم (المختار) و (حادثهُ) | أم (حقك) خصمك يجحده |
أم (إرث) حليلتك (الزهرا | ء) وذا القرآن يؤكِّده |
دفع الاقوام به (نصاً) | مذ أضحت عنها تُبعدُه |
أم (ردك) حين شهدت لها | بحديث النِّحلة توَرِّدْه |
أم تلك (النار) وقد لهبت | بالباب لبيتك تعبدُهُ |
أم (كسر الضلع) لفاطمة | أم ذاك (المحسن) تفقدهُ |
لتبايع أو لهم فأبيت | وحقك رحت تؤكده |
ووراءك بنتُ نبيهم | تعدو والصوت تردده |
وتصيح ألا خلوا الكرار | وذاك الصوت تصعِّدهُ |
أو لا فسأدعوا الله على | قوم تعصيه وتجحده |
وأنت للمسجد مُعوِلَةً | ولذاك الجمع تهدده |
فهنالِك كفّوا غيَّهم | مُذ لاحَ السخط وموعده |
ورجعت وعادت مثقلة | والهم يزيد توقده |
وغدت تشكو المختار لِما | قد نالته وتعدِّدُه |
وبكت ألماً لمصيبتها | والحزنُ تفجّر مكمدهُ |
ليلا ونهاراً ما فتنت | ببكاها وهي تشدِّده |
فأراد القوم لها منعاً | عما تأتيه وتقصدهُ |
قالوا آذتنا فاطمةً | ببكاء منها توجدِه |
فلتبك نهاراً والدَها | أولا فبليل موعده |
فأبت وغدت لـ(بقيع الغر | قد)ثم نهاراً تشهدُه |
وهناك يظل (أراكتها) | تخذت مأوى تتعهده |
وتعود الليلَ تؤم الدا | ر لذاك الندب تجدده |
فسعوا في قطع أراكتها | شُلّت لمعاديها يدهُ |
فبنى الكرار لها (بيتاً) | للحزن أقيم مشيَّده |
وكذاك تواصل منها الحز | ن وزاد القلبُ توقّدُه |
وتضاعف منها السقم وقد | أودى بالجسم تشدُّده |
فقضت والقلبُ به شجنٌ | تبديه وطوراً تكمِده |
وبليل قد دفنت سراً | وبذا للسخط تؤكده(1) |
إلى آخر الملحمة الشريفة التي تزيد على الألف بيت.
____________
1- الملحمة العلوية للشيخ جعفر الهلالي تحقيق محمد سعيد الطريحي: 94 مؤسسة الوفاء بيروت.
الشيخ
محمد سعيد المنصوري
لعل الشخصية الأدبية التي تميزت لدى الشاعر محمد سعيد المنصوري، هي نتاجٌ لثنائية أدبية جمعت بين شاعرية النجف التحقيقية، وبين الشاعرية الخوزستانية المرهفة الممتدة من مدرسة الحاج هاشم الكعبي.
وفي ثنائية المنصوري الشاعرية التي مارسها في مولده الخوزستاني ومنشأه النجفي، قد أعطت لقصيدته الشعرية صفاءً خزوستانياً وتحقيقاً نجفياً، لذا أدرك ـ ومن كان هذا حاله ـ أن المأساة التي يجب أن يتبناها
في باقة من قصائده الرائعة استطاع الشيخ محمد سعيد المنصوري أن يثبت أن مأساة السيدة الزهراء (عليها السلام) تستوعب كل أحداث الأمة، واستطاع كذلك أن يؤكد إن القصيدة العربية لا زالت تحتفظ بحيويتها لتقدّم الحدث الفاطمي على أنه مسيرة أمة وملحمة تاريخ.
[147] له عدة قصائد منها:
بنتُ النبيّ غدت حزينه | لفراق سلطان المدينه |
وحنينها لمّا على | كلٌّ لها ابدى حنينه |
وبكت ملائكة السّما | لما بكى حامي عرينه |
الله اكبر أحمدٌ | قضّى بمحنتِه سنينه |
لم يعرفوا قدراً له | شجُّوا بأحجار جبينه |
واليوم مات فحيدرٌ | من حرقة يبكي قرينه |
قد كان في نوب الزمان | ومحنة الدّنيا عدينه |
ومذ انتهت ايّامه الغَرّا | وحال الموت دونه |
ناداه بعدك اظلمت | دنياً لها قد كنت زينه |
يا خاتم الرُّسُلِ الكرام | ومن سقى الظامي معينه |
الكون بعدك موحش | وبمثلك الدنيا ظنينه |
فارقتنا من بعد ما | احكمت للاسلام دينه |
وتركتنا رهن الخطوب | وبين أحقاد دفينه |
يا ويل من ظلم البتول | وعترة الهادي الأمينه |
من بالفضيلة والتّقى | والمجد والعليا قمينه |
أفّهَلْ جزاء محمّد | من تلكم الزمر اللعينه |
غصب الشفيعة حقّها | منه ونحلتها الثمينه |
ولبيتها مذ اقبلوا | وبلا وقار او سكينه |
قتلوا هناك جنينها | والمرء لا ينسى جنينه |
[148] وله أيضاً:
ما نفّك صوت تزفّري وبكائي | يعلو لجانب حسرتي وعنائي |
وكذاك آهاتي تَوَقّد في الحشا | جمراً لرزء البضعة الزهراء |
اسفاً عليها قد قضت ايّامها | بعد النبيّ بنقمة الدُّخلاء |
كسروا لها ضلعاً به كسّروا | يوم الطفوف اضالع الابناء |
فبنت على ما نالها بأنينها | تحيي الليال قرينة الورقاء |
ولقبر والدها تروح وتشتكي | همّ الفؤاد وما به من داء |
وتقول يا خير العباد سجيّةً | اصبحت لا اقوى على الأرزاء |
ابتاه ميراثي زووه واسقطوا | حملي وها أنا قد سئمت بقائي |
إذ لا ارى اجلا تطول سنينه | إلاّ كسمِّ الحيّة الرقطاء |
ما بين قوم ما رعوا من فيهم | اوصيتهم يا اشرف الآباء |
هذا ابن عمّك والحوادث جمَّةٌ | مست عليه وكان فيه عزائي |
ان ردّها في صبره فبقلبه | ما ليس يطفأ حرّه بالماء |
ابتاه لو شاهدت ما عاينته | ممّن عدوا وتقصّدوا إيذائي |
لبكت دماً عيناك لي وتتابعت | حسراةُ قلبك من عظيم بلائي |
جسمي ذوى ركني هوى قلبي حوى | ألماً يُهدّدني بقرب فنائي |
لم يبق من شيء يهيّج لوعتي | إلاّ وقام بفعله أعدائي |
قد حاولوا منعي البكاء بزعمهم | يُؤذيهم حنّي وشجو نِدائي |
حتى بكاي عليك راموا قطعه | منّي وهذا أبسط الأشياء |
ولبيتِ احزاني البعيد توجّهوا | بمعاول واسته للغبراء |
وتعمّدوا قطع الأراكة بعده | ظلماً وذا أمر يثير شجائي |
فبقيت لا بيتاً ولا ظلاّ ولا | من طاقة عندي لحمل ردائي |
فعليك الف تحيّة وتحيّة | حتّى يحين الى الجليل لقائي |
[149] وله أيضاً:
يا طالباً من بضعة المختار | ان تبكي باللّيل أو النّهار |
تقول قد أقضَّت المضاجع | من نوحها واجرت المدامع |
ان كنت حقاً باكياً شجاها | هلاّ كففت النفس عن أذاها |
غصبت منها النّحلة المعلومه | فأصبحت مظلومةً مهمومه |
ومنك كان الأمر للخطاب | بكسر ضلع الطهر خلف الباب |
فأسقطت محسنها قتيلا | وذاك أمرٌ أغضب الجليلا |
وضربُ متنيها مع اليدين | ولطمة الخد وجرح العين |
ابكى رسول الله والكرّارا | وأحزن الأملاك والأبرار |
وثم تأتي قصّةُ المسمار | مذردّ ذاك العلج باب الدّار |
فكم شكت حرارةَ المصاب | لبارء الكون من الصّحاب |
حتى مضت لربّها قتيلة | كئيبةً حزينةً نحيله |
وألحدت باللّيل بنت الهادي | وذاك رزء فتَّ في الاعضادِ |
الشيخ محسن الفاضلي
إذا اعتاد البعض أن يقتصر على خطابته التقليدية ليتعامل مع مستمعيه فقط، فان الشيخ محسن الفاضلي قد انفتح في منبره الحسيني على قصيدته الرثائية ليتعامل مع أجيال، واستطاع أن يعبّر عن هواجسه الفاطمية في عدة أبيات أثبت فيها واقعة الاسقاط بعد تحقيق موضوعي في هذا الباب ـ فضلا عن كون الواقعة صارت من مرتكزات الأمة ومسلماتها ـ ففي ثنائه على السيدة الزهراء (عليها السلام) يعرّج على مظلوميتها التي بدأت بفاجعة الاسقاط وانتهت بشهادتها لتنفتح سلسلة المصائب على آلها الميامين وأتباعها المضطهدين.
[150] قال:
تَوَسَّلْتُ بالحوراءِ فاطمةَ الزَّهرا | لتُلهمَني حتّى أقولَ بها شعرا |
فجاء بحَمد اللهِ ما كنتُ أبتغي | فأبَدَيتُ للمعبودِ خالِقي الشُّكْرا |
أجَلْ هي روحُ المصطفى كُفو حيدر | واُمُّ أبيها هَلْ ترى مثلَه فَخْرا |
او المثلُ الأعلى بكل خِصالِها | جلا لا كمالا عفَّةً شرَفا قَدْرا |
حوت مكرمات لا تَخَلْ غيرَها حوت | فمَن بالسَّامنها الأقل لَنا أحْرى |
وسيلَتُنا أكرمْ بها من وسيلة | شفيعتُا نعم الشفيعةُ في الأُخرى |
ايا قاتل الله الذي راعَها وقد | عليها قَسى ظلما ورَوَّعَها عصرا |
وسوَّد متنَيها وأحرق بابَها | واسقطَها ذاك الجنين على الغبرا |
أيا مَن تواليها أتنسى مصابَها | وتسلوا وقد أمست ومقلتُها حَمرا |
من الضربِ ضربِ الرجس يومَ تمانعت | بان يذهبوا بالمرتضى بعلها قسْرا(1) |
____________
1- الشاعر خص كتابنا بأبياته هذه مشكوراً.
الشيخ صالح الطرفي
استطاع الشيخ هاشم الكبعي أن يترك بقايا مدرسته الشعرية في بلاده المبدعة، واستطاعت بلاده الخوزستانية أن تحتفظ بأساسيات هذه المدرسة لتؤسس مدرستها المتميزة بها، وارتبطت هذه المدرسة فكرةً ومضموناً بالمدرسة الأدبية الامامية، واستقلت بشخصيتها الأدبية الفنية عن المدارس الأدبية الأخرى.
استطاع الشاعر صالح الطرفي أن يقدّم هذه المدرسة الخوزستانية ـ فكرة ومضموناً ـ في قصيدته الرثائية، فمأساة السيدة فاطمة (عليها السلام) وقضية الاسقاط
[151] قال في قصيدته:
حنيني لطفل قد تفتّح برعمَّاً | ولما يرى الدنيا يجيىء مقطّعا |
لام ثكول ما أتت بجناية | وقد فقدت ارثا بحقد مضيّعا |
ترى محسنا من بين باب وحائط | فخرت كما خر الجنين مروعا |
بظلع له روحي الفداء مهشّم | به اتخذ البسمار للكسر موضعا |
لقد كان ذاك الطود يدرى بما جرى | ولكن زوى عينا تراها ومسمعا |
وحين دعت بنت الرسول لفضّة | تزلزل هدّا اللندا وتضعضعا |
فلبّت دعاءَ الطهر عدواً بصيحة | لكارثة في الام ثم ابنها معا |
لقد كان ذاك الفعل بعد جريمة | بها غصبوها نحلة الوحي اجمعا |
لكِ الله في شكواكِ يا ام محسن | وانتِ ترين السقط ظلماً تجرعا |
وليس لما يجني الطغاة مدافع | سوى من له اوصى النبي بما رعى |
ولو لم تكن تلك الوصية برزخاً | لكانت بهم ارض المدينة بلقعا |
ولكنّ حكم الله يبني قواعداً | بها لجدكم قد جاءِ بالفخر ارفعا(1) |
____________
1- الشاعر خص الكتاب بقصيدته هذه مشكوراً.
احسان محمد شاكر
إذا كانت الهجرة في التقليديات السياسية هي تغييب للشخصية الفكرية، فان الهجرة العراقية قد تعدّت حدود هذه التعريفات، وإذا كانت الهجرة اخماد للصوت والتعبير، فان الهجرة العراقية قد تجاوزت حدود هذه التقليدية إلى واقعية لا يمكن الغض عنها، فالهجرة العراقية كانت سفارة ولاء تجول في أرجاء المعمورة لتعرّفها في علي وآل علي، وكأن الشخصية العراقية التي بحثت عن وجودها المضيّع، تجده في منهج ساداتها الميامين من آل البيت (عليهم السلام).
فالاطروحة الولائية التي يقدّمها الشاعر احسان محمد شاكر، هي تعريف بهذه الحركة الثورية الفكرية، فسياحته الادبية بين أرجاءالبلدان الإسلامية، تبرز أهميتها في تقديم القضية العراقية ضمن فاجعة ساداتهم المظلومين، فهي امتداد لهذا الحيف الذي نال آل الله، والتشريد الذي لاقاه أتباعهم من الأمة العراقية هي استطرادٌ لتاريخ مضطهد مظلوم عاشه آل البيت (عليهم السلام) وامتدت آثاره إلى أتباعهم المضطهدين، وأدرك الشاعر أن القضية العراقية بكل امتداداتها قد تشكلت من معالم مأساة السيدة الزهراء (عليها السلام)، فكانت هذه المأساة شعار لمظلمة هذه الأمة المقهورة، فرثاء قضية السيدة الزهراء (عليها السلام) رثاء للمعاناة العراقية المفجعة هذه هي هواجس الشاعر وهذه هي أبعاد ملحمته الحسينية ـ الفاطمية قدّمت للامة قراءة لمأساة السيدة الزهراء (عليها السلام)، لتقدّم فصلا من مشاهد القهر والبطش لأمة الزهراء من أهل العراق العلوية.
قف بوادي الطفوف، واسمع شجاه | واسجدِ القلبَ ثَمّ، والثم ثراه |
وتجلد، وما أراك فلست الـصخر | قـلـبـاً، وقـد بدا عرْشاه |
طـف بـه خاشعـاً فتلك عروشُ | دونها للهداة خـرّت جـباهُ |
لـيـت شـعري، ماذا أقول بواد | وعليٌ يَـسـتافُ بَعرَ ضباه |
وبـه أسمـع الـكليم نـداءَ الـ | ـوحي ليلَ التكليم: اني الله |
فاخلع النعل -يا بن عمران- هذا | وادي قـدس أنى بنعلِ تطاه؟ |
جبـلت طـيـنة الـنـبيين طُراً | مـن ثـراه وبوركت أرجاهُ |
وعـلا شـأنـه بـانـباءِ صدق | فســأنبيك، فاسـتمـع أنباه |