الصفحة 671

[146] ومن ملحمته العلوية قوله:

لك هذا الشعر أنضِّدهوعلى أعتابك أُنشِدهُ
ولغيرك لا يحلو أبداًإنشاد الشعر ومقصدهُ
وهل الاشعار تروم مدىًلعلاك فيسهل مصعدهُ

إلى أن يقول:

أأبا السبطين وان جحدوك فرَبُ الفضل مُحسَّدهُ
فلأنت الخالد رغم يدراحت للقدر تنضِّده
أصداء حياتك شمس هدىًأبداً للتائه ترشدهُ
ما ضرك من عميت عيناهفراح لنورك يجحده
لعلاك بزعمهم سترواوعُلاك تأصَّل يجحده
إن كان تجاهل أقواملك قدراً رحت تشيّده
فالله وأحمد يعرفُهوجميع الخلق تمجدهُ
ما بعد مقال أبي الزهراءبحقك قول نعهده
لا يعرف شخصك غيرُ اللهوغيري حين أحدِّده
وبهذا القولِ يكون الفصــلُ وختم القول وأحمدَهُ
وصبرت على عظم البلوىولقلبك بان تجلُّده
تتجرعها غصصاً غصصاًكالليل تراكم مُلبدِه


الصفحة 672
ماذا سأعدِّدُ من نباًقد كنت تراه وتشهده
يوم (المختار) و (حادثهُ)أم (حقك) خصمك يجحده
أم (إرث) حليلتك (الزهراء) وذا القرآن يؤكِّده
دفع الاقوام به (نصاً)مذ أضحت عنها تُبعدُه
أم (ردك) حين شهدت لهابحديث النِّحلة توَرِّدْه
أم تلك (النار) وقد لهبتبالباب لبيتك تعبدُهُ
أم (كسر الضلع) لفاطمةأم ذاك (المحسن) تفقدهُ
لتبايع أو لهم فأبيتوحقك رحت تؤكده
ووراءك بنتُ نبيهمتعدو والصوت تردده
وتصيح ألا خلوا الكراروذاك الصوت تصعِّدهُ
أو لا فسأدعوا الله علىقوم تعصيه وتجحده
وأنت للمسجد مُعوِلَةًولذاك الجمع تهدده
فهنالِك كفّوا غيَّهممُذ لاحَ السخط وموعده
ورجعت وعادت مثقلةوالهم يزيد توقده
وغدت تشكو المختار لِماقد نالته وتعدِّدُه
وبكت ألماً لمصيبتهاوالحزنُ تفجّر مكمدهُ
ليلا ونهاراً ما فتنتببكاها وهي تشدِّده


الصفحة 673
فأراد القوم لها منعاًعما تأتيه وتقصدهُ
قالوا آذتنا فاطمةًببكاء منها توجدِه
فلتبك نهاراً والدَهاأولا فبليل موعده
فأبت وغدت لـ(بقيع الغرقد)ثم نهاراً تشهدُه
وهناك يظل (أراكتها)تخذت مأوى تتعهده
وتعود الليلَ تؤم الدار لذاك الندب تجدده
فسعوا في قطع أراكتهاشُلّت لمعاديها يدهُ
فبنى الكرار لها (بيتاً)للحزن أقيم مشيَّده
وكذاك تواصل منها الحزن وزاد القلبُ توقّدُه
وتضاعف منها السقم وقدأودى بالجسم تشدُّده
فقضت والقلبُ به شجنٌتبديه وطوراً تكمِده
وبليل قد دفنت سراًوبذا للسخط تؤكده(1)

إلى آخر الملحمة الشريفة التي تزيد على الألف بيت.

____________

1- الملحمة العلوية للشيخ جعفر الهلالي تحقيق محمد سعيد الطريحي: 94 مؤسسة الوفاء بيروت.


الصفحة 674

الصفحة 675

الشيخ
محمد سعيد المنصوري

لعل الشخصية الأدبية التي تميزت لدى الشاعر محمد سعيد المنصوري، هي نتاجٌ لثنائية أدبية جمعت بين شاعرية النجف التحقيقية، وبين الشاعرية الخوزستانية المرهفة الممتدة من مدرسة الحاج هاشم الكعبي.

وفي ثنائية المنصوري الشاعرية التي مارسها في مولده الخوزستاني ومنشأه النجفي، قد أعطت لقصيدته الشعرية صفاءً خزوستانياً وتحقيقاً نجفياً، لذا أدرك ـ ومن كان هذا حاله ـ أن المأساة التي يجب أن يتبناها

الصفحة 676
الشاعر لتقديم تاريخ أمة كاملة، هي مأساة السيدة الزهراء (عليها السلام) وهي المأساة التي طغت بالفعل على رثائيات قصائده، فقدّم مجموعة رائعة من رثاء السيدة (عليها السلام) مؤكداً فيها على اسقاط المحسن (عليه السلام).

في باقة من قصائده الرائعة استطاع الشيخ محمد سعيد المنصوري أن يثبت أن مأساة السيدة الزهراء (عليها السلام) تستوعب كل أحداث الأمة، واستطاع كذلك أن يؤكد إن القصيدة العربية لا زالت تحتفظ بحيويتها لتقدّم الحدث الفاطمي على أنه مسيرة أمة وملحمة تاريخ.

* * *

[147] له عدة قصائد منها:

بنتُ النبيّ غدت حزينهلفراق سلطان المدينه
وحنينها لمّا علىكلٌّ لها ابدى حنينه
وبكت ملائكة السّمالما بكى حامي عرينه
الله اكبر أحمدٌقضّى بمحنتِه سنينه
لم يعرفوا قدراً لهشجُّوا بأحجار جبينه
واليوم مات فحيدرٌمن حرقة يبكي قرينه
قد كان في نوب الزمانومحنة الدّنيا عدينه


الصفحة 677
ومذ انتهت ايّامه الغَرّاوحال الموت دونه
ناداه بعدك اظلمتدنياً لها قد كنت زينه
يا خاتم الرُّسُلِ الكرامومن سقى الظامي معينه
الكون بعدك موحشوبمثلك الدنيا ظنينه
فارقتنا من بعد مااحكمت للاسلام دينه
وتركتنا رهن الخطوبوبين أحقاد دفينه
يا ويل من ظلم البتولوعترة الهادي الأمينه
من بالفضيلة والتّقىوالمجد والعليا قمينه
أفّهَلْ جزاء محمّدمن تلكم الزمر اللعينه
غصب الشفيعة حقّهامنه ونحلتها الثمينه
ولبيتها مذ اقبلواوبلا وقار او سكينه
قتلوا هناك جنينهاوالمرء لا ينسى جنينه

[148] وله أيضاً:

ما نفّك صوت تزفّري وبكائييعلو لجانب حسرتي وعنائي
وكذاك آهاتي تَوَقّد في الحشاجمراً لرزء البضعة الزهراء
اسفاً عليها قد قضت ايّامهابعد النبيّ بنقمة الدُّخلاء
كسروا لها ضلعاً به كسّروايوم الطفوف اضالع الابناء


الصفحة 678
فبنت على ما نالها بأنينهاتحيي الليال قرينة الورقاء
ولقبر والدها تروح وتشتكيهمّ الفؤاد وما به من داء
وتقول يا خير العباد سجيّةًاصبحت لا اقوى على الأرزاء
ابتاه ميراثي زووه واسقطواحملي وها أنا قد سئمت بقائي
إذ لا ارى اجلا تطول سنينهإلاّ كسمِّ الحيّة الرقطاء
ما بين قوم ما رعوا من فيهماوصيتهم يا اشرف الآباء
هذا ابن عمّك والحوادث جمَّةٌمست عليه وكان فيه عزائي
ان ردّها في صبره فبقلبهما ليس يطفأ حرّه بالماء
ابتاه لو شاهدت ما عاينتهممّن عدوا وتقصّدوا إيذائي
لبكت دماً عيناك لي وتتابعتحسراةُ قلبك من عظيم بلائي
جسمي ذوى ركني هوى قلبي حوىألماً يُهدّدني بقرب فنائي
لم يبق من شيء يهيّج لوعتيإلاّ وقام بفعله أعدائي
قد حاولوا منعي البكاء بزعمهميُؤذيهم حنّي وشجو نِدائي
حتى بكاي عليك راموا قطعهمنّي وهذا أبسط الأشياء
ولبيتِ احزاني البعيد توجّهوابمعاول واسته للغبراء
وتعمّدوا قطع الأراكة بعدهظلماً وذا أمر يثير شجائي
فبقيت لا بيتاً ولا ظلاّ ولامن طاقة عندي لحمل ردائي


الصفحة 679
فعليك الف تحيّة وتحيّةحتّى يحين الى الجليل لقائي

[149] وله أيضاً:

يا طالباً من بضعة المختاران تبكي باللّيل أو النّهار
تقول قد أقضَّت المضاجعمن نوحها واجرت المدامع
ان كنت حقاً باكياً شجاهاهلاّ كففت النفس عن أذاها
غصبت منها النّحلة المعلومهفأصبحت مظلومةً مهمومه
ومنك كان الأمر للخطاببكسر ضلع الطهر خلف الباب
فأسقطت محسنها قتيلاوذاك أمرٌ أغضب الجليلا
وضربُ متنيها مع اليدينولطمة الخد وجرح العين
ابكى رسول الله والكرّاراوأحزن الأملاك والأبرار
وثم تأتي قصّةُ المسمارمذردّ ذاك العلج باب الدّار
فكم شكت حرارةَ المصابلبارء الكون من الصّحاب
حتى مضت لربّها قتيلةكئيبةً حزينةً نحيله
وألحدت باللّيل بنت الهاديوذاك رزء فتَّ في الاعضادِ


الصفحة 680

الصفحة 681

الشيخ محسن الفاضلي

إذا اعتاد البعض أن يقتصر على خطابته التقليدية ليتعامل مع مستمعيه فقط، فان الشيخ محسن الفاضلي قد انفتح في منبره الحسيني على قصيدته الرثائية ليتعامل مع أجيال، واستطاع أن يعبّر عن هواجسه الفاطمية في عدة أبيات أثبت فيها واقعة الاسقاط بعد تحقيق موضوعي في هذا الباب ـ فضلا عن كون الواقعة صارت من مرتكزات الأمة ومسلماتها ـ ففي ثنائه على السيدة الزهراء (عليها السلام) يعرّج على مظلوميتها التي بدأت بفاجعة الاسقاط وانتهت بشهادتها لتنفتح سلسلة المصائب على آلها الميامين وأتباعها المضطهدين.

* * *


الصفحة 682
في أبياته هذه قدّم ملخّصاً لمظلوميتها (عليها السلام).

[150] قال:

تَوَسَّلْتُ بالحوراءِ فاطمةَ الزَّهرالتُلهمَني حتّى أقولَ بها شعرا
فجاء بحَمد اللهِ ما كنتُ أبتغيفأبَدَيتُ للمعبودِ خالِقي الشُّكْرا
أجَلْ هي روحُ المصطفى كُفو حيدرواُمُّ أبيها هَلْ ترى مثلَه فَخْرا
او المثلُ الأعلى بكل خِصالِهاجلا لا كمالا عفَّةً شرَفا قَدْرا
حوت مكرمات لا تَخَلْ غيرَها حوتفمَن بالسَّامنها الأقل لَنا أحْرى
وسيلَتُنا أكرمْ بها من وسيلةشفيعتُا نعم الشفيعةُ في الأُخرى


الصفحة 683
ايا قاتل الله الذي راعَها وقدعليها قَسى ظلما ورَوَّعَها عصرا
وسوَّد متنَيها وأحرق بابَهاواسقطَها ذاك الجنين على الغبرا
أيا مَن تواليها أتنسى مصابَهاوتسلوا وقد أمست ومقلتُها حَمرا
من الضربِ ضربِ الرجس يومَ تمانعتبان يذهبوا بالمرتضى بعلها قسْرا(1)

____________

1- الشاعر خص كتابنا بأبياته هذه مشكوراً.


الصفحة 684

الصفحة 685

الشيخ صالح الطرفي

استطاع الشيخ هاشم الكبعي أن يترك بقايا مدرسته الشعرية في بلاده المبدعة، واستطاعت بلاده الخوزستانية أن تحتفظ بأساسيات هذه المدرسة لتؤسس مدرستها المتميزة بها، وارتبطت هذه المدرسة فكرةً ومضموناً بالمدرسة الأدبية الامامية، واستقلت بشخصيتها الأدبية الفنية عن المدارس الأدبية الأخرى.

استطاع الشاعر صالح الطرفي أن يقدّم هذه المدرسة الخوزستانية ـ فكرة ومضموناً ـ في قصيدته الرثائية، فمأساة السيدة فاطمة (عليها السلام) وقضية الاسقاط

الصفحة 686
تأكدت في قصيدة الشاعر الطرفي على انها من مسلمات هذه المدرسة التي ترجع في أصولها إلى المدرسة الكعبية يوم كان الحاج هاشم الكعبي يثبت من خلال أدبياته واقعة الاسقاط على أنها من مسلمات الضمير الشيعي بل هي من مرتكزات التاريخ الإسلامي الذي أثبت في شهادته مجريات الاحداث الفاطمية ورسّخ في وجدانيات الأمة حقيقة هذه الوقائع، فان خصوصيات الظرف السياسي المرتجل يوم ذاك والتوجهات السياسية الحادة للبعض يثبت الحدث وتفاصيل الواقعة، لذا فان قصيدة الشاعر الطرفي جاءت تأكيداً على بيانية التاريخ ومسلّمات الأمة.

* * *

[151] قال في قصيدته:

حنيني لطفل قد تفتّح برعمَّاًولما يرى الدنيا يجيىء مقطّعا
لام ثكول ما أتت بجنايةوقد فقدت ارثا بحقد مضيّعا
ترى محسنا من بين باب وحائطفخرت كما خر الجنين مروعا


الصفحة 687
بظلع له روحي الفداء مهشّمبه اتخذ البسمار للكسر موضعا
لقد كان ذاك الطود يدرى بما جرىولكن زوى عينا تراها ومسمعا
وحين دعت بنت الرسول لفضّةتزلزل هدّا اللندا وتضعضعا
فلبّت دعاءَ الطهر عدواً بصيحةلكارثة في الام ثم ابنها معا
لقد كان ذاك الفعل بعد جريمةبها غصبوها نحلة الوحي اجمعا
لكِ الله في شكواكِ يا ام محسنوانتِ ترين السقط ظلماً تجرعا
وليس لما يجني الطغاة مدافعسوى من له اوصى النبي بما رعى
ولو لم تكن تلك الوصية برزخاًلكانت بهم ارض المدينة بلقعا
ولكنّ حكم الله يبني قواعداًبها لجدكم قد جاءِ بالفخر ارفعا(1)

____________

1- الشاعر خص الكتاب بقصيدته هذه مشكوراً.


الصفحة 688

الصفحة 689

احسان محمد شاكر

إذا كانت الهجرة في التقليديات السياسية هي تغييب للشخصية الفكرية، فان الهجرة العراقية قد تعدّت حدود هذه التعريفات، وإذا كانت الهجرة اخماد للصوت والتعبير، فان الهجرة العراقية قد تجاوزت حدود هذه التقليدية إلى واقعية لا يمكن الغض عنها، فالهجرة العراقية كانت سفارة ولاء تجول في أرجاء المعمورة لتعرّفها في علي وآل علي، وكأن الشخصية العراقية التي بحثت عن وجودها المضيّع، تجده في منهج ساداتها الميامين من آل البيت (عليهم السلام).


الصفحة 690
فالعراق العلوية التي تضم كوفة علي قديماً، هي اليوم تحمل اطروحة علي لتبثها في عالم مقهور حجبت عنه رؤية علي وآله الطيبين، فبات يعيش على فتات التنظير وتقليديات التهميش "المقدس"، والهجرة العراقية الثورية التي اكتسحت حدود الحواجز الفكرية تمتد اليوم لتكتسح مخلّفات التثقيف المضاد الذي برمجته وجودات حاكمية تنازع حقوق آل الله في شرعيتهم الإلهية، وتحرّكت الهجرة العراقية التثقيفية على أساس أيد لوجيات مختلفة، فمن التنظير العلمي إلى الطرح الأدبي إلى الرؤى المنبثة هنا وهناك، تقدّم الفكر المعصومي على أنه البديل المنقذ لعالم مضيّع مقهور.

فالاطروحة الولائية التي يقدّمها الشاعر احسان محمد شاكر، هي تعريف بهذه الحركة الثورية الفكرية، فسياحته الادبية بين أرجاءالبلدان الإسلامية، تبرز أهميتها في تقديم القضية العراقية ضمن فاجعة ساداتهم المظلومين، فهي امتداد لهذا الحيف الذي نال آل الله، والتشريد الذي لاقاه أتباعهم من الأمة العراقية هي استطرادٌ لتاريخ مضطهد مظلوم عاشه آل البيت (عليهم السلام) وامتدت آثاره إلى أتباعهم المضطهدين، وأدرك الشاعر أن القضية العراقية بكل امتداداتها قد تشكلت من معالم مأساة السيدة الزهراء (عليها السلام)، فكانت هذه المأساة شعار لمظلمة هذه الأمة المقهورة، فرثاء قضية السيدة الزهراء (عليها السلام) رثاء للمعاناة العراقية المفجعة هذه هي هواجس الشاعر وهذه هي أبعاد ملحمته الحسينية ـ الفاطمية قدّمت للامة قراءة لمأساة السيدة الزهراء (عليها السلام)، لتقدّم فصلا من مشاهد القهر والبطش لأمة الزهراء من أهل العراق العلوية.


الصفحة 691
[152] واليك مرثيته الرائعة:

((مرثية الوادي المقدس))

قف بوادي الطفوف، واسمع شجاهواسجدِ القلبَ ثَمّ، والثم ثراه
وتجلد، وما أراك فلست الـصخرقـلـبـاً، وقـد بدا عرْشاه
طـف بـه خاشعـاً فتلك عروشُدونها للهداة خـرّت جـباهُ
لـيـت شـعري، ماذا أقول بوادوعليٌ يَـسـتافُ بَعرَ ضباه
وبـه أسمـع الـكليم نـداءَ الــوحي ليلَ التكليم: اني الله
فاخلع النعل -يا بن عمران- هذاوادي قـدس أنى بنعلِ تطاه؟
جبـلت طـيـنة الـنـبيين طُراًمـن ثـراه وبوركت أرجاهُ
وعـلا شـأنـه بـانـباءِ صدقفســأنبيك، فاسـتمـع أنباه