الطائفة الاَُولَى: التصريح بأسمائهم
1. روى الطبري: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «نزلت هذه الآية في خمسة: فيّ، وفي عليّ رضي اللّه عنه، وحسن رضي اللّهعنه، وحسين رضي اللّه عنه، وفاطمة رضي اللّه عنها: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) ».
2. عن أبي سعيد، عن أُم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انّ هذه الآية نزلت في بيتها (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) قالت: وأنا جالسة على باب البيت، فقلت: أنا يا رسول اللّه ألست من أهل البيت ؟ قال: «إنّك إلى خير، أنت من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)» قالت: وفي البيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي اللّه عنهم.
وفي «الدر المنثور» ما يلي:
3. روى السيوطي عن ابن مردويه، عن أُم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في بيتي (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) وفي البيت سبعة: جبريل، وميكائيل (عليهما السلام)، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين رضي اللّه عنهم؛ وأنا على باب البيت، قلت: يا رسول اللّه ألست من أهل البيت ؟ قال: «إنّك إلى خير، إنّك من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)».
4. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن أبي سعيد الخدري ـ رضي اللّه عنه ـ، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «نزلت هذه الآية في خمسة: فيّ،
الطائفة الثانية: إدخالهم تحت الكساء
إدخالهم تحت الكساء أو «مرط أو ثوب» أو «عباءة أو قطيفة»: فقد وردت حوله هذه الروايات:
5. أخرج الطبري قال: قالت عائشة: خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات غداة وعليه مِرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) .
6. أخرج الطبري قال: عن أُمّ سلمة قالت: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندي وعلي وفاطمة والحسن والحسين فجعلت لهم خزيرة فأكلوا وناموا وغطّى عليهم عباءة أو قطيفة ثم قال: «اللّهمّ هوَلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».
7. أخرج الطبري: عن أبي عمار قال: إنّـي لجالس عند واثلة بن الاَسقع إذ ذكروا عليّاً رضي اللّه عنه فشتموه، فلمّا قاموا قال: اجلس حتى أخبرك عن هذا الذي شتموا، انّي عند رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ جاءه علي وفاطمة وحسن وحسين فألقى عليهم كساء له ثم قال: اللّهم هوَلاء أهل بيتي، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
8. أخرج الطبري: عن أبي عمار قال: سمعت واثلة بن الاَسقع يحدث قال: سألت عن علي بن أبي طالب في منزله، فقالت فاطمة: قد ذهب يأتي برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ جاء، فدخل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ودخلت، فجلس رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على الفراش وأجلس فاطمة عن يمينه وعليّاً عن يساره وحسناً وحسيناً بين يديه، فلفع عليهم بثوبه، وقال: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
9. أخرج الطبري: عن أبي سعيد الخدري عن أُمّ سلمة قالت: لمّا نزلت هذه الآية (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) دعا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّل عليهم كساءً خيبرياً، فقال: «اللّهم هوَلاء أهل بيتي، اللّهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»، قالت: أُمّ سلمة قلت: ألست منهم؟ قال: «أنت إلى خير».
10. أخرج الطبري: عن أبي هريرة، عن أُم سلمة: قالت: جاءت فاطمة إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدة تحلها على طبق، فوضعته بين يديه فقال: «أين ابن عمك وابناك؟» فقالت: «في البيت» فقال: «ادعيهم»، فجاءت إلى علي فقالت: «أجب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت وابناك»، قالت أُمّ سلمة: فلما رآهم مقبلين مدَّ يده إلى كساء كان على المنامة فمدّه وبسطه وأجلسهم عليه، ثم أخذ بأطراف الكساء الاَربعة بشماله فضمه فوق روَوسهم وأومأ بيده اليمنى إلى ربِّه، فقال: «هوَلاء أهل البيت فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».
11. أخرج الطبري: عن عمر بن أبي سلمة، قال: نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت أُمّ سلمة: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) فدعا حسناً وحسيناً وفاطمة فأجلسهم بين يديه، ودعا علياً فأجلسه خلفه، فتجلّل هو وهم بالكساء، ثم قال: «هوَلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»، قالت أُم سلمة: أنا معهم، قال: «مكانك، وأنت على خير».
13. أخرج الطبري: عن حكيم بن سعد قال: ذكرنا علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه عند أُم سلمة، قالت: فيه نزلت (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) قالت أُم سلمة: جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بيتي فقال: لا تأذني لاَحد، فجاءت فاطمة فلم استطع أن أحجبها عن أبيها، ثم جاء الحسن فلم استطع أن أمنعه أن يدخل على جدّه وأُمّه، وجاء الحسين فلم استطع أن أحجبه، فاجتمعوا حول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على بساط فجللهم نبي اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بكساء كان عليه ثم قال: «هوَلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»، فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط. قالت فقلت: يا رسول اللّه: وأنا؟ قال: «إنّك إلى خير».
14. روى السيوطي: وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن أُم سلمة رضي اللّه عنهما زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ببيتها على منامة له عليه كساء خيبري، فجاءت فاطمة رضي اللّه عنها ببرمة فيها خزيرة، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «ادعي زوجك وابنيك حسناً وحسيناً»، فدعتهم، فبينما هم يأكلون إذ نزلت على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بفضلة أزاره فغشاهم إياها، ثم أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء ثم قال: «اللّهم هوَلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»، قالها ثلاث مرات، قالت أُم سلمة ـ رضي اللّه عنها ـ: فأدخلت رأسي في الستر، فقلت: يا
15. روى السيوطي: وأخرج الطبراني عن أُم سلمة ـ رضي اللّه عنها ـ انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة ـ رضي اللّه عنها ـ: «إئتني بزوجك وابنيه»، فجاءت بهم، فألقى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم كساءً فدكياً ثم وضع يده عليهم، ثم قال: اللّهم إنّ هوَلاء أهل محمد وفي لفظ: آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد». قالت أُم سلمة ـ رضي اللّه عنها ـ: فرفعت الكساء لاَدخل معهم فجذبه من يدي وقال: «إنّك على خير».
16. روى السيوطي: وأخرج الطبراني عن أُم سلمة ـ رضي اللّه عنها ـ قالت: جاءت فاطمة ـ رضي اللّه عنها ـ إلى أبيها بثريدة لها، تحملها في طبق لها حتى وضعتها بين يديه، فقال لها: «أين ابن عمك؟» قالت: «هو في البيت». قال: «اذهبي فادعيه وابنيك»، فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما في يد وعلي ـ رضي اللّه عنه ـ يمشي في أثرهما حتى دخلوا على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأجلسهما في حجره وجلس علي ـ رضي اللّه عنه ـ عن يمينه وجلست فاطمة ـ رضي اللّه عنها ـ عن يساره، قالت أُمّ سلمة ـ رضي اللّه عنها ـ: فأخذت من تحتي كساء كان بساطناً على المنامة في البيت.(1)
17. روى السيوطي: وأخرج ابن مردويه والخطيب عن أبي سعيد الخدري ـ رضي اللّه عنه ـ قال: كان يوم أُمّ سلمة أُم الموَمنين ـ رضي اللّه عنها ـ فنزل جبرئيل (عليه السلام) على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الآية (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) قال: فدعا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بحسن وحسين وفاطمة وعلي فضمهم إليه ونشر عليهم الثوب، والحجاب على أُم
____________
1. واجمال الحديث وابهامه يرتفع بالرجوع إلى سائر ما روي عن أُم سلمة في ذلك المضمار.
18. روى السيوطي: وأخرج الترمذي وصحّحه، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصحّحه، وابن مردويه والبيهقي في سننه، من طرق، عن أُمّ سلمة ـ رضي اللّه عنها ـ قالت: في بيتي نزلت: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين فجلّلهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بكساء كان عليه ثم قال: «هوَلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً».
19. روى السيوطي: وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، ومسلم، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم عن عائشة ـ رضي اللّه عنها ـ قالت: خرج رسول اللّه ص غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود، فجاء الحسن والحسين ـ رضي اللّه عنهما ـ فأدخلها معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) .
20. روى السيوطي: وأخرج ابن جرير والحاكم وابن مردويه، عن سعد قال: نزل على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) الوحي، فأدخل علياً وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ثم قال: «اللّهم هوَلاء أهلي وأهل بيتي».
21. روى السيوطي: وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، والبيهقي في سننه، عن واثلة ابن الاَسقع ـ رضي اللّه عنه ـ قال: جاء رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى فاطمة ومعه حسن وحسين وعلي، حتى دخل فأدنى علياً وفاطمة فأجلسهما بين يديه
الطائفة الثالثة: تعيينهم بتلاوة الآية على بابهم
22. أخرج الطبري: عن أنس، انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر كلّما خرج إلى الصلاة، فيقول: الصلاة أهل البيت: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) ».
23. أخرج الطبري: أخبرني أبو داود، عن أبي الحمراء، قال: رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة فقال: الصلاة الصلاة: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) .
24. أخرج الطبري: عن يونس بن أبي إسحاق باسناده، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مثله.
25. روى السيوطي: أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسّنه، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصحّحه، وابن مردويه، عن أنس ـ رضي اللّه عنـه ـ أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمرّ بباب فاطمة ـ رضي اللّه عنها ـ إذا خرج إلى صلاة الفجر ويقول: «الصلاة يا أهل البيت: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) ».
26. روى السيوطي: أخرج ابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري ـ رضي اللّه عنه ـ قال: لما دخل علي رضي اللّه عنه بفاطمة رضي اللّه عنها جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعين صباحاً إلى بابها يقول: «السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته،
27. روى السيوطي: أخرج ابن جرير، وابن مردويه، عن أبي الحمراء رضي اللّه عنه قال: حفظت من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرّة يخرج إلى صلاة الغداة إلاّ أتى إلى باب علي رضي اللّه عنه فوضع يده على جنبّتي الباب ثم قال: «الصلاة الصلاة: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) ».
28. روى السيوطي: وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس ـ رضي اللّه عنهمـا ـ قال: شهدنا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه عند وقت كل صلاة، فيقول: «السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته أهل البيت (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) الصلاة رحمكم اللّه» كل يوم خمس مرّات.
29. روى السيوطي: وأخرج الطبراني عن أبي الحمراء رضي اللّه عنه، قال: رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يأتي باب علي وفاطمة ستة أشهر فيقول: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) .(1)
جولة حول ما رواه العلمان
قد تعرفت على أكثر ما رواه الطبري والسيوطي في تفسيرهما، وتركنا بعض ما نقلاه في ذلك المجال عن أعلام التابعين، وما رويناه ينتهي اسناده إلى
____________
1. لاحظ للوقوف على مصادر هذه الروايات تفسير الطبري: 22| 5 ـ 7، والدر المنثور: 5|198 ـ 199.
1. أبو سعيد الخدري.
2. أنس بن مالك.
3. ابن عباس.
4. أبو هريرة الدوسي.
5. سعد بن أبي وقاص.
6. واثلة بن الاَسقع.
7. أبو الحمراء، أعني: هلال بن الحارث.
8. أُمّهات الموَمنين: عائشة وأُم سلمة.
أيصح بعد هذا لمناقش أن يشك في صحة نزولها في حق العترة الطاهرة؟! وليس الطبري والسيوطي فريدين في نقل تلك المأثورة، بل سبقهما، أصحاب الصحاح والمسانيد فنقلوا نزول الآية في حقهم صريحاً أو كناية، ولا بأس بنقل ما جاء في خصوص الصحاح حتى يعضد بعضه بعضاً فنقول:
30. أخرج الترمذي: عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي اللّه عنه ـ، قال: لمّا نزلت هذه الآية: (فَقُلْ تَعالَوا نَدعُ أبناءَنا وأبناءَكُمْ ونساءَنا ونساءَكُمْ)(1) الآية، دعا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: «اللّهم هوَلاء أهلي».
____________
1. آل عمران: 61.
وفي رواية انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة ثم قال: «اللّهم هوَلاء أهل بيتي وحامَّتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». قالت أُم سلمة: وأنا معهم يا رسول اللّه ؟ قال: «إنّك إلى خير».
32. أخرج الترمذي: عن عمر بن أبي سلمة قال: نزلت هذه الآية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) في بيت أُم سلمة، فدعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّلهم بكساء، وعليٌّ خلف ظهره، ثم قال: «اللّهم هوَلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً». قالت أُم سلمة: وأنا معهم يا نبي اللّه؟ قال: «أنت على مكانك وأنت على خير».
33. أخرج الترمذي: عن أنس بن مالك: انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمرُّ بباب فاطمة إذا خرج إلى الصلاة حين نزلت هذه الآية قريباً من ستة أشهر يقول: الصلاة أهل البيت (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) .
34. أخرج مسلم: عن عائشة قالت: خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليه مِرط مُرَحَّل أسود، فجاءه الحسن فأدخله، ثم جاءه الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة
35. أخرج مسلم: عن زيد بن أرقم: قال يزيد بن حيان: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، رأيت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصلّيت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: يا ابن أخي، واللّه لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما حدثتكم فاقبلوا ومالا فلا تكلّفونيه، ثم قال: قام رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى: خماً، بين مكة والمدينة، فحمد اللّه وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: «أمّا بعد: ألا أيّـها الناس، إنّما أنا بشر، يوشك أن يأتيني رسول ربّـي فأُجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أوّلهما: كتاب اللّه فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب اللّه، واستمسكوا به، فحث على كتاب اللّه ورغّب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساوَه من أهل بيته؟ قال: نساوَه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده قال: ومن هم؟ قال: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كل هوَلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم، زاد في رواية «كتاب اللّه فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل».
وفي أُخرى نحوه: غير أنّه قال: «وإنّـي تارك فيكم ثقلين أحدهما: كتاب اللّه وهو حبل اللّه فمن اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة، وفيها فقلنا: من أهل بيته؟ نساوَه قال: لا وأيم اللّه انّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها، أهل بيته: أصله وعصبته الذين حرموا
هذا ما رواه أصحاب الصحاح حول نزول الآية في حق العترة الطاهرة وتركنا ما رواه الاِمام أحمد في مسنده روماً للاختصار، وفي هذا غنى وكفاية لمن رام الحق واتبعه وعرف الباطل فاجتنبه، ومن أراد التوسع فعليه الرجوع إلى المصادر التالية:
1. العمدة للمحدث الحافظ يحيى بن سعيد المتوفّـى عام 600 هـ الطبعة الحديثة.(2)
2. بحار الاَنوار: 35|206 ـ 226.
3. غاية المرام: 287و 294، فقد أورد فيه واحداً وأربعين حديثاً من كتب أهل السنّة، وأربعاً وثلاثين من كتب الشيعة.
4. تفسير البرهان: 3|309 ـ 325، فقد أورد فيه خمساً وستين حديثاً.
5. نور الثقلين: 4|270 ـ 277، أورد فيه خمسة وعشرين حديثاً.
6. إحقاق الحق: 2|502 ـ 544، فقد نقل نزول الآية في حق العترة الطاهرة عن كتب أهل السنة حديثاً وتفسيراً، ثم استدرك ما فاته في الجزء التاسع والرابع
عشر.
____________
1. راجع للوقوف على هذه المأثورات جامع الا َُصول لابن الاَثير: 10| 100 ـ 103، وصحيح مسلم: 7|122 ـ 123.
2. حُقّق تحقيقاً أنيقاً ونشر من قبل موَسسة الاِمام الصادق (عليه السلام) في عام 1412 هـ.
وبعد هذا، حان حين البحث عن دلائل القول الآخر: وهو نزول الآية في نسائه.
نزولها في نسائه عليه الصلاة والسلام
قد تعرفت على دلائل القول وقرائنه وموَيداته وأحاديثه المتواترة التي أطبق على نقلها تسع وأربعون(1) صحابياً وصحابية من أُمهات الموَمنين، وقد تلقته الا َُمّة بالقبول في القرون الماضية، وأمّا القول الثاني أعني نزولها في نسائه وزوجاته ص فقد نسب إلى أشخاص نقل عنهم، منهم:
1. ابن عباس.
2. عكرمة.
3. عروة بن الزبير.
4. مقاتل بن سليمان.
أمّا الاَوّل: فقد نقل عنه تارة، عن طريق سعيد بن جبير، وأُخرى عن طريق عكرمة، قال السيوطي في الدر المنثور: وأخرج ابن أبي حاتم، وابن عساكر من طريق عكرمة عن ابن عباس عن قوله: (إنّما يريد اللّه...) قال: نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقال أيضاً: أخرج ابن مردويه عن طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
____________
1. سيوافيك مصدره.
ونقل في الدر المنثور: أخرج ابن جرير وابن مردويه، عن عكرمة في قوله: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم...) إنّه قال ليس بالذي تذهبون إليه إنّما هو نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأمّا الثالث: أعني: عروة بن الزبير، فقال السيوطي: وأخرج ابن سعد عن عروة بن الزبير انّه قال: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) قال: أزواج النبي نزلت في بيت عائشة.
وأمّا الرابع: فقد نقل عنه في أسباب النزول.(1)
تحليل هذه النقول
أمّا نقله عن ابن عباس فليس بثابت، بل نقل عنه خلاف ذلك، فقد نقل السيوطي في «الدر المنثور» قال: وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس قال: شهدنا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تسعة أشهر يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول: «السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته أهل البيت (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) ».
وليس ابن مردويه فريداً في هذا النقل، فقد نقله عنه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل(2) بسند ينتهي إلى أبي صالح، عن ابن عباس: (إنّما يريد اللّه
____________
1. تفسير الطبري: 22|7 و 8؛ والدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي: 5|198؛ وأسباب النزول للواحدي: 204.
2. شواهد التنزيل: 2|30.
كما نقله الحافظ الحسين بن الحكم الحبري في «تنزيل الآيات» عن أبي صالح بمثل ما سبق.(1)
وممن رواه عن ابن عباس صاحب أرجح المطالب ص 54 طبع لاهور، والعلاّمة إسماعيل النقشبندي «في مناقب العترة».
أضف إلى ذلك أنّ من البعيد أن يخفى على ابن عباس حبر الا َُمّة ما اطّلع عليه عيون الصحابة وأُمّهات الموَمنين، وقد أنهى بعض الفضلاء السادة(2) عدد رواة الحديث من الصحابة إلى تسعة وأربعين صحابياً. وجمعها من مصادر الفريقين في الفضائل والمناقب.
وأمّا عكرمة
فقد ثبت تقوّله بذلك كما عرفت، لكنّ في نفس كلامه دليلاً واضحاً على أنّ الرأي العام يوم ذاك في شأن نزول الا َُمّة هو نزولها في حق فاطمة، وانّما تفرّد هو بذلك، ولاَجله رفع عقيرته في السوق بقوله: ليس بالذي تذهبون إليه وإنّما هو نساء النبي. أضف إلى ذلك: انّ تخصيص هذه الآية بالنداء في السوق وانّها نزلت في نساء النبي يعرب عن موقفه الخاص بالنسبة إلى من اشتهر نزول الآية في حقهم، وإلاّ فالمتعارف بين الناس أن الجهر بالحقيقة بشكل معقول لا بهذه
____________
1. تنزيل الآيات: 24 «مخطوط» منه نسخة في جامعة طهران. لاحظ إحقاق الحق: 14|53.
2. آية التطهير في حديث الفريقين.
هذا كله حول ما نقل عنه، وأمّا تحليل شخصيته وموقفه من الاَمانة والوثاقة، وانحرافه عن علي وانحيازه إلى الخوارج وطمعه الشديد بما في أيدي الا َُمراء فحدث عنه ولا حرج، ولاَجل إيقاف القارىَ على قليل مما ذكره أئمّة الجرح والتعديل في حقه نأتي ببعض ما ذكره الاِمام شمس الدين الذهبي نقّاد الفن في كتابيه: «تذكرة الحفاظ»، و «سير أعلام النبلاء»، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتب الجرح والتعديل.
نقل الاِمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي المتوفّـى 748هـ في «سير أعلام النبلاء» هذه الكلمات في حق عكرمة:
1. قال أيوب: «قال عكرمة: إنّـي لاَخرج إلى السوق فأسمع الرجل يتكلّم بالكلمة فينفتح لي خمسون باباً من العلم...» ما معنى هذه الكلمة؟ وهل يقولها إنسان يملك شيئاً من العقل والوقار ؟!
2. قال ابن لهيعة: وكان يحدّث برأي نجدة الحروري(1) وأتاه، فأقام عنده ستة أشهر، ثم أتى ابن عباس فسلّم، فقال ابن عباس: قد جاء الخبيث.
3. قال سعيد بن أبي مريم، عن أبي لهيعة، عن أبي الاَسود قال: كنت أوّل من سبّب لعكرمة الخروج إلى المغرب وذلك أنّـي قدمت من مصر إلى المدينة فلقيني عكرمة وسألني عن أهل المغرب، فأخبرته بغفلتهم، قال: فخرج إليهم وكان أوّل ما أحدث فيهم رأي الصفريّة.(2)
____________
1. هو نجدة بن عامر الحروري الحنفي من بني حنيفة رأس الفرقة النجدية، انفرد عن سائر الخوارج بآرائه.
2. هم فرقة من الخوارج أتباع زياد بن الاَصفر.
5. قال علي بن المديني: كان عكرمة يرى رأي نجدة الحروري.
6. وقال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين يقول: إنّما لم يذكر مالك عكرمة ـ يعني في الموطأ ـ قال: لاَنّ عكرمة كان ينتحل رأي الصفريّة.
7. وروى عمر بن قيس المكي، عن عطاء قال: كان عكرمة أباضياً.(1)
8. وعن أبي مريم قال: كان عكرمة بيهسياً.(2)
9. وقال إبراهيم الجوزجاني: سألت أحمد بن حنبل عن عكرمة، أكان يرى رأي الاَباضية؟ فقال: يقال: انّه كان صفرياً، قلت: أتى البربر ؟ قال: نعم، وأتى خراسان يطوف على الا َُمراء يأخذ منهم.
10. وقال علي بن المديني: حكى عن يعقوب الحضرمي عن جده قال: وقف عكرمة على باب المسجد فقال: ما فيه إلاّ كافر. قال: وكان يرى رأي الاباضية.(3)
وقال في «ميزان الاعتدال»(4) : وقد وثقه جماعة، واعتمده البخاري، وأمّا مسلم فتجنّبه، وروى له قليلاً مقروناً بغيره، وأعرض عنه مالك، وتحايده إلاّ في حديث أو حديثين.
عفان، حدثنا وهيب قال: شهدت يحيى بن سعيد الاَنصاري، وأيوب، فذكرا عكرمة فقال يحيى: كذاب، وقال أيوب: لم يكن بكذاب.
____________
1. هم أتباع عبد اللّه بن أباض، رأس الاَباضية.
2. فرقة من الصفرية أصحاب أبي بيهس هيصم بن جابر الضبغي رأس الفرقة البيهسية من الخوارج.
3. لاحظ سير أعلام النبلاء للذهبي: 5|18 ـ 22.
4. ميزان الاعتدال: 3|93 ـ 97.
سئل محمد بن سيرين عن عكرمة؟ فقال: ما يسوَني أن يكون من أهل الجنة ولكنّه كذّاب.
هشام بن عبد اللّه المخزومي: سمعت ابن أبي ذئب يقول: رأيت عكرمة وكان غير ثقة.
وعن بريد بن هارون قال: قدم عكرمة البصرة، فأتاه أيوب ويونس وسليمان التيمي، فسمع صوت غناء فقال: اسكتوا، ثم قال: قاتله اللّه لقد أجاد. وعن خالد بن أبي عمران قال: كنّا بالمغرب وعندنا عكرمة في وقت الموسم فقال: وددت أن بيدي حربة فاعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالاً.
وعن يعقوب الحضرمي عن جده قال: وقف عكرمة على باب المسجد فقال: ما فيه إلاّ كافر. قال: ويرى رأي الاَباضية، انّ عكرمة لم يدع موضعاً إلاّ خرج إليه: خراسان والشام واليمن ومصر وافريقية، كان يأتي الا َُمراء فيطلب جوائزهم.
وقال عبد العزيز الدراوردي: مات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد فما شهدهما إلاّ سودان المدينة.
وعن ابن المسيب أنّه قال لمولاه «برد»: لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس.
أفبعد هذه الكلمات المتضافرة الحاكية عن انحراف الرجل عن جادة
عروة بن الزبير
وأمّا عروة بن الزبير فيكفي في عدم حجية قوله، عداوَه لعلي وانحرافه عنه، ففي هذاالصدد يقول ابن أبي الحديد: روى جرير بن عبد الحميد، عن محمد بن شيبة قال: شهدت مسجد المدينة، فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليّاً (عليه السلام) فنالا منه، فبلغ ذلك علي بن الحسين «عليه السلام»، فجاء حتى وقف عليهما، فقال: أما أنت يا عروة فإنّ أبي حاكم أباك إلى اللّه فحكم لاَبي على أبيك، وأمّا أنت يا زهري فلو كنت بمكة لاَريتك كير أبيك.
وقد روي من طرق كثيرة: أنّ عروة بن الزبير كان يقول: لم يكن أحد من أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يزهو إلاّ علي بن أبي طالب، وأُسامة بن زيد.
وروى عاصم بن أبي عامر البجلي، عن يحيى بن عروة قال: كان أبي إذا ذكر عليّاً نال منه، وقال لي مرّة: يا بني واللّه ما أحجم الناس عنه إلاّ طلباً للدنيا، لقد بعث إليه أُسامة بن زيد أن أبعث إلي بعطائي فواللّه انّك لتعلم انّك لو كنت في فم أسد لدخلت معك. فكتب إليه: إنّ هذا المال لمن جاهد عليه، ولكن لي مالاً بالمدينة، فأصب منه ما شئت.
مقاتل بن سليمان
وهو رابع النقلة لنزول الآية في نسائه ص ويكفي في عدم حجية قوله ما نقله الذهبي في حقه في «سير أعلام النبلاء» قال: قال ابن عيينة: قلت لمقاتل: زعموا أنّك لم تسمع من الضحاك؟ قال: يغلق علي وعليه باب فقلت في نفسي: أجل باب المدينة.
وقيل: إنّه قال: سلوني عمّـا دون العرش، فقالوا: أين أمعاء النملة؟ فسكت، وسألوه لما حج آدم من حلق رأسه؟ فقال: لا أدري. قال وكيع: كان كذّاباً.
وعن أبي حنيفة قال: أتانا من المشرق رأيان خبيثان: جهم معطل(2) ومقاتل مشبّه، مات مقاتل سنة نيف وخمسين ومائة، وقال البخاري: مقاتل لا شيء البتة. قلت: اجمعوا على تركه.(3)
تجد اتفاق المتكلمين من الاَشاعرة والمعتزلة ومن قبلهم على أنّ القول بالتشبيه انّما تسرب إلى الاَوساط الاِسلامية من مقاتل، فهو الزعيم الركن بالقول
____________
1. شرح النهج لابن أبي الحديد: 4|102؛ وراجع سير أعلام النبلاء: 4|421 ـ 437 ما يدل على كونه من بغاة الدنيا وطالبيها، وقد بنى قصراً في العقيق وأنشد شعراً في مدحه، وكان مقرباً لدى الاَمويين خصوصاً عبد الملك بن مروان.
2. التعطيل: هو انّ لا تثبت للّه الصفات التي وصف بها نفسه أو وصفه بها رسوله (صلى الله عليه و آله وسلم) والتشبيه:أن يُشبَه اللّه سبحانه وتعالى بأحد من خلقه.
3. سير أعلام النبلاء: 7|202.
وقال الذهبي أيضاً في «ميزان الاعتدال»(1) ، ما هذا تلخيصه: قال النسائي: كان مقاتل يكذب.
وعن يحيى: حديثه ليس بشيء. وقال الجوزجاني: كان دجّالاً جسوراً.
وقال ابن حبان: كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم، وكان يشبّه الرب بالمخلوقات، وكان يكذب في الحديث.
وعن خارجة بن مصعب: لم استحل دم يهودي، ولو وجدت مقاتل بن سليمان خلوة لشققت بطنه.
وقال ابن أبي حاتم: حديثه يدل على أنّه ليس بصدوق.
مشكلة السياق ؟!
قد تعرفت على ما هو المراد من أهل البيت في الآية الشريفة من خلال الامعان فيها وفي ظل الروايات الواردة في كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غير انّهناك مشكلة باسم مشكلة السياق وهي انّالآية وردت في ثنايا الآيات المربوطة بنساء النبي ص على وجه يكون قبلها وبعدها راجعاً إليهنّ ومع ذلك كيف يمكن أن تكون هذه الآية راجعة إلى أهل البيت بالمعنى الذي عرفت؟
وبعبارة أُخرى: إنّ آية التطهير جزء من الآية الثالثة الثلاثين، التي يرجع صدرها وذيلها إلى نساء النبي، فعندئذ كيف يصح القول بأنّـها راجعة إلى
____________
1. ميزان الاعتدال: 4|172 ـ 175.
والجواب: لا شك أنّ السياق من الاَُمور التي يستدل بها على كشف المراد ويجعل صدر الكلام ووسطه وذيله قرينة على المراد، ووسيلة لتعيين ما أُريد منه، ولكنه حجة إذا لم يقم دليل أقوى على خلافه، فلو قام ترفع اليد عن وحدة السياق وقرينيّته.
وبعبارة أُخرى: إنّ الاعتماد على السياق إنّما يتم لو لم يكن هناك نص على خلافه، وقد عرفت النصوص الدالة على خلافه.
أضف إليه أنّ هناك دلائل قاطعة على أنّ آية التطهير آية مستقلة نزلت كذلك ووقعت في ثنايا الآية المربوطة بأزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمصلحة كان صاحب الشريعة أعرف بها.(1) وإليك الدلائل الدالة على استقلالها:
الدليل الاَُوّل
أطبقت الروايات المنتهية إلى الاَصحاب وأُمّهات الموَمنين والتابعين لهم بإحسان على نزولها مستقلة، سواء أقلنا بنزولها في حق العترة الطاهرة أو زوجات النبي أو أصحابه، فالكل ـ مع قطع النظر عن الاختلاف في المنزول فيه ـ
____________
1. نقل السيوطي عن ابن الحصّار: إنّ ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنّما كان بالوحي كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ضعوا آية كذا في موضع كذا. لاحظ الاِتقان: 1|194، الفصل الثامن عشر في جمع القرآن وترتيبه من طبعة مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم.
ويروي أبو سعيد الخدري، عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «نزلت هذه الآية في خمسة: فيَّ وفي علي وفاطمة وحسن وحسين (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) ».
وروت عائشة: خرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) . إلى غير ذلك من النصوص.
حتى انّ ظاهر كلام عكرمة وعروة بن الزبير نزولها مستقلة بقول السيوطي: كان عكرمة ينادي في السوق (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) نزلت في نساء النبي.
وأخرج ابن سعد عن عروة بن الزبير أنّه قال: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) قال: أزواج النبي، نزلت في بيت عائشة.(1)
فالموافق والمخالف اتفقا على كونها آية مستقلة إمّا نزلت في بيت أُمّ سلمة أو بيت عائشة، وإمّا في حق العترة أو نسائه.
وعلى ذلك تسهل مخالفة السياق، والقول بنزولها في حق العترة الطاهرة، وانّ الصدر والذيل راجعان إلى نسائه ص لا ما ورد في ثناياها، فهو راجع إلى غيرهن.
____________
1. لاحظ: 389 ـ 402 من هذا الجزء.
يقول الطبرسي: من عادة الفصحاء في كلامهم انّهم يذهبون من خطاب إلى غيره ويعودون إليه، والقرآن من ذلك مملوء، وكذلك كلام العرب وأشعارهم.(1)
قال الشيخ محمد عبده: إنّ من عادة القرآن أن ينتقل بالاِنسان من شأن إلى شأن ثم يعود إلى مباحث المقصد الواحد المرة بعد المرة.(2)
وروي عن الاِمام جعفر الصادق (عليه السلام): «إنّ الآية من القرآن يكون أوّلها في شيء وآخرها في شيء».(3)
ولاَجل أن يقف القارىَ على صحة ما قاله هوَلاء الاَكابر نأتي بشاهد، فنقول: قال سبحانه ناقلاً عن «العزيز» مخاطباً زوجته: (إِنّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ x يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِين) .(4) نرى أنّ العزيز يخاطب أوّلاً امرأته بقوله: (إِنّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ) وقبل أن يفرغ من كلامه معها، يخاطب يوسف بقوله: (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا) ... ثم يرجع إلى الموضوع الاَوّل ويخاطب زوجته بقوله: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ) ... فقوله (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ
____________
1. مجمع البيان: 4|357.
2. تفسير المنار: 2|451.
3. الكاشف: 6|217.
4. يوسف: 28 ـ 29.
والضابطة الكليّة لهذا النوع من الكلام هو وجود التناسب المقتضي للعدول من الاَوّل إلى الثاني، ثم منه إلى الاَوّل، وهي أيضاً موجودة في المقام، فإنّه سبحانه يخاطب نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخطابات التالية:
1. (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين) .
2. (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن...) .
3. (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاَُولى) .
فعند ذلك صح أن ينتقل إلى الكلام عن أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وذلك لوجهين:
1. تعريفهنّ على جماعة بلغوا في التورع والتقى، الذروة العليا، وفي الطهارة عن الرذائل والمساوىَ، القمة. وبذلك استحقوا أن يكونوا أُسوة في الحياة وقدوة في مجال العمل، فيلزم عليهن أن يقتدين بهم ويستضيئنّ بضوئهم.
2. التنبيه على أنّ حياتهنّ مقرونة بحياة أُمّة طاهرة من الرجس ومطهرة من الدنس، ولهن معهم لحمة القرابة ووصلة الحسب، واللازم عليهن التحفّظ على شوَون هذه القرابة بالابتعاد عن المعاصي والمساوىَ، والتحلّـي بما يرضيه سبحانه ولاَجل ذلك يقول سبحانه: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) ، وما هذا إلاّ لقرابتهن منه ص وصلتهن بأهل بيته. وهي لا تنفك عن المسوَولية الخاصة، فالانتساب للنبي الاَكرم ص ولبيته الرفيع، سبب المسوَولية ومنشوَها،
ولقد قام محقّقو الاِمامية ببيان مناسبة العدول في الآية، نأتي ببعض تحقيقاتهم، قال السيد القاضي التستري: «لا يبعد أن يكون اختلاف آية التطهير مع ما قبلها على طريق الالتفات من الاَزواج إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته «عليهم السلام» على معنى أنّ تأديب الاَزواج وترغيبهن إلى الصلاح والسداد، من توابع إذهاب الرجس والدنس عن أهل البيت (عليهم السلام)، فالحاصل نظم الآية على هذا: انّ اللّه تعالى رغب أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى العفة والصلاح بأنّه إنّما أراد في الاَزل أن يجعلكم معصومين يا أهل البيت واللائق أن يكون المنسوب إلى المعصوم عفيفاً صالحاً كما قال: (والطّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ)(1). (2)
وقال العلاّمة المظفر: وإنّما جعل سبحانه هذه الآية في أثناء ذكر الاَزواج وخطابهن للتنبيه على أنّه سبحانه أمرهن ونهاهن وأدّبهن إكراماً لاَهل البيت وتنزيهاً لهم عن أن تنالهم بسببهن وصمة، وصوناً لهم عن أن يلحقهم من أجلهن عيب، ورفعاً لهم عن أن يتصل بهم أهل المعاصي، ولذا استهل سبحانه الآيات بقوله: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) ضرورة أنّ هذا التميّز انّما هو للاتصال بالنبي وآله، لا لذواتهن فهن في محل، و أهل البيت في محل آخر، فليست الآية الكريمة إلاّ كقول القائل: يا زوجة فلان لست كأزواج سائر الناس فتعفّفي، وتستّـري، وأطيعي اللّه تعالى، إنّما زوجك من بيت أطهار يريد اللّه حفظهم من الاَدناس وصونهم عن النقائص.(3)
____________
1. النور: 26.
2. إحقاق الحق: 2|570.
3. دلائل الصدق: 2|72.
الدليل الثاني
إنّ لسان الآيات الواردة حول نساء النبي لسان الاِنذار والتهديد، ولسان الآية المربوطة بأهل بيته لسان المدح والثناء، فجعل الآيتين آية واحدة وإرجاع الجميع إليهن ممّا لا يقبله الذوق السليم، فأين قوله سبحانه: (يا نساء النبي من يأت منكنَّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب) من قوله: (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) ؟!
كما انّ لسان القرآن في أزواج النبي، لسان المدح والانذار ويكفيك الاِمعان في آيات سورة التحريم فلاحظ.
الدليل الثالث
إنّ قوله سبحانه: (إنّما يريد اللّه...) في المصاحف جزء من الآية الثالثة والثلاثين فلو رفعناه منها لم يتطرق أيّ خلل في نظم الآية ومضمونها وتتحصل من ضم الآية الرابعة والثلاثين إلى ما بقيت، آية تامة واضحة المضمون، مبينة المرمى منسجمة الفاصلة، مع فواصل الآيات المتقدمة عليها، وإليك تفصيل الآية في ضمن مقاطع:
ألف. (وقرن في بيوتكن ولا تبرَّجن تبرُّج الجاهلية الاَُولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن اللّه ورسوله) .
ب. (إنّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً) .(1)
____________
1. الاَحزاب: 33.
فلو رفعنا قوله: (إنّما يريد اللّه) وضممنا ما تقدم عليه بما تأخر، جاءت الآية تامة من دون حدوث خلل في المعنى والنظم، وهذا دليل على أنّ قوله تعالى: (إنّما يريد اللّه) آية مستقلة وردت في ضمن الآية لمصلحة ربما نشير إليها.
إنّ الاَحاديث على كثرتها صريحة في نزول الآية وحدها، ولم يرد حتى في رواية واحدة نزولها في ضمن آيات نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا ذكره أحد حتى القائل باختصاص الآية بأزواج النبي كما ينسب إلى عكرمة وعروة، فالآية لم تكن حسب النزول جزءاً من آيات نساء النبي ولا متصلة بها، وانّما وضعت إمّا بأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو عند التأليف بعد الرحلة.
ويوَيده أنّ آية (وقرن في بيوتكن) باقية على انسجامها واتصالها لو قدّر ارتفاع آية التطهير من بين جملها.(2)
وليس هذا أمراً بدعاً فله نظير في القرآن الكريم.
فقد تضافرت السنّة، وروى الفريقان أن قولــه سبحانــه: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَـرُوا مِنْ دِينِكُـمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِسْلاَمَ دِيناً)(3) نزلت في غدير خم عندما نصّب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً إماماً للا َُمّة وولياً للموَمنين، مع أنّه في المصاحف جزء الآية الثالثة من «سورة المائدة» التي تبيّـن أحكام اللّحوم، وإليك نفس الآية في
مقاطع ثلاثة:
____________
1. الاَحزاب: 34.
2. الميزان: 16|330.
3. سورة المائدة: 3.
ب. (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاِسلام ديناً) .
ج. (فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْـرَ مُتَجَانِف لاِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .(2)
فإذا رفعنا الجزء الثاني يحصل من ضم الاَوّل إلى الثالث آية تامة من دون طروء خلل في مضمونها ونظمها، وذلك دليل على أنّ الجزء الثاني آية مستقلة وردت في ضمن آية أُخرى بتصويب صاحب الشريعة الغراء أو بتصويب من جامعي القرآن بعد رحلته ص.
أضف إلى ذلك أنّ مضمون الآية ـ أعني: أحكام اللحوم ـ قد ورد في آيات أُخر من دون أن تشتمل على هذه الزيادة، فهذه قرينة على أنّ ما ورد في الاَثناء ليس من صميم الآية في سورة المائدة، وإنّما وضع في أثنائها بأمر من النبي الاَكرم لمصلحة عامة نشير إليها.
ما هو السر في جعلها جزءاً من آية أُخرى
قد اتضح مما ذكرنا أن القرآن الكريم إنّما انتقل إلى موضوع أهل البيت
____________
1. سورة المائدة: 3.
2. سورة المائدة: 3.
ولكن يبقى هنا سوَال آخر، وهو أنّه إذا كانت الآية، آية مستقلة فلماذا جاءت في المصحف جزءاً من آية أُخرى، ولم تكتب بصورة آية تامّة في جنب الآيات الا َُخرى ؟
الجواب: التاريخ يطلعنا بصفحات طويلة على موقف قريش وغيرهم من أهل البيت (عليهم السلام)، فإنّ مرجل الحسد ما زال يغلي والاتجاهات السلبية ضدهم كانت كالشمس في رابعة النهار، فاقتضت الحكمة الاِلهية أن تجعل الآية في ثنايا الآيات المتعلّقة بنساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أجل تخفيف الحساسية ضد أهل البيت، وان كانت الحقيقة لا تخفى على من نظر إليها بعين صحيحة، وأنّ الآية تهدف إلى جماعة أُخرى غير نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما بيّناه قبل قليل.
وللسيد عبد الحسين شرف الدين هنا كلام ربّما يفصل ما أجملناه فإنّه ـ قدّس اللّه سرّه ـ بعد ما أثبت أنّ قوله سبحانه: (إنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصلاةَ وَيُوَْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(1) منزل في حق الاِمام أمير الموَمنين (عليه السلام) طرح سوَالاً، وهو أنّه إذا كان أمير الموَمنين «عليه السلام» هو المراد من الآية فلماذا عبر عن المفرد بلفظ الجمع؟
فقال: إنّ العرب قد تعبّـر عن المفرد بلفظ الجمع لنكتة التعظيم حيث يستوجب، ثم قال: وعندي في ذلك نكتة ألطف وأدق، وهي أنّه إنّما أُتي بعبارة الجمع دون عبارة المفرد بُقياً منه تعالى على كثير من الناس، فإنّ شانئي علي
____________
1. المائدة: 55.
____________