المدخل
المناسبة
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، والصلاة والسلام على أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام،والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا بقية الله في أرضه (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، والسلام على شهداء الاِسلام في كل مكان منذ الصدر الاول للاِسلام وحتى شهداء هذا العصر.
في البداية أتقدم بالتعازي الحارة، لمناسبة ذكرى شهادة سيدنا ومولانا أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، حيث صادفت هذه الذكرى يوم أمس ونحن وإن كنا ننتمي إلى الاِسلام وإلى النبي وأهل بيته الكرام بصورة عامة،ولكننا ننتمي إلى هذا الاِمام الهمام الذي كان له دور عظيم في حياتنا وحياة المسلمين عموماً، فإن الاِمام
الحديث عن الاِمام الصادق عليه السلام حديث واسع، ونحن نعيش هذه الاَيام ذكرى شهادته، ولذلك أحاول أن أبدأ بموضوع مهم بمناسبة هذه الذكرى، يرتبط بأئمة أهل البيت عليهم السلام، وهذا الموضوع وهو بحث
ومن هذا المنطلق سوف أشير إلى عدة أبعاد، وأحاول في هذا المجلس الشريف أن أتناول هذه الاَبعاد حول أهل البيت عليهم السلام، لاَن هذا المجلس الشريف ـ وببركة أنفاس الشهداء والعلماء وأرواحهم الطاهرة، وإخلاص الاَخوة الاَعزاء الذين لازالوا يتفضلون علينا بالحضور في هذا المجلس والمشاركة فيه ـ أصبح مجلساً ثقافياً مهيئاً لتناول مثل هذه الموضوعات الفكرية والعقائدية.
وسوف أكتفي فيه هذه الليلة بذكر موضوع البحث وبعض خصائصه على أن نبدأ إذا وفقنا الله تعالى في تناول هذا البحث في الليالي الآتية، كلما سنحت الفرصة لذلك.
موضوع البحث
أهل البيت عليهم السلام كما نعرف كان دورهم الاَساس هو الاِمامة وامتداداً للرسالة الاِلهية الخاتمة التي جسدت التكامل في وحدة النبوة والاِمامة، وكان وجودهم تعبيراً عن امتداد هذه الرسالة في خط الاِمامة، هذا هو العنوان العام في دور أهل البيت عليهم السلام، ولكن هذا العنوان العام قد يعتريه شيء من الغموض، مما نحتاج فيه إلى هذا البحث، وهذا الغموض هو أن المتبادر إلى الاَذهان دائماً أن الاِمامة هي: عبارة عن (الخلافة) المتمثلة بولاية الاَمر وقيادة التجربة الاِسلامية والحكم الاِسلامي، ومن ثم فقد يأتي هذا السوَال إذا كانت الامامة هي عبارة عن الخلافة والولاية والحكم، فأهل البيت عليهم السلام قد حرموا من هذه الخلافة كما نعرف، باستثناء فترات محدودة وقصيرة جداً في التاريخ الاِسلامي، وهي فترة أمير المؤمنين عليه السلام وخلافة الاِمام الحسن عليه السلام وهي مدة قصيرة جداً، وإن كنا ننتظر الخلافة المطلقة لهم التي يقوم بأعبائها إمامنا وسيدنا الحجة بن الحسن (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وبإستثناء ذلك فأن هذه القرون العديدة التي مضت في تاريخ الاِسلام وهي حوالي أربعة عشر قرناً من الزمن، وما يمكن أن نفترض من قرون أخرى تأتي حتى يظهر سيدنا الاِمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ويتولى أهل البيت عليهم السلام هذا الدور، لم يتسلم أهل البيت (الخلافة)، فهل أن ذلكونحن نحاول في هذا البحث أن نبين الاَبعاد والاَدوار الواقعية المتعددة لاَهل البيت عليهم السلام في الحياة الاِسلامية العامة، مضافاً إلى دور الخلافة وقيادة التجربة الاِسلامية وولاية الاَمر.
وهنا يحسن بنا أن نشير إلى أن هذا الموضوع هو من الاَبحاث التي يمكن أن يكتب الباحثون فيها موسوعة كاملة، نسميها بـ (موسوعة أهل البيت عليهم السلام)، ولدي أمل أن أكتب ذلك، إلا أن هذا البحث بالخصوص إنما هو في إطار التخطيط النظري له، والاَمل المستقبلي أن أكتب عدة كتب، كل كتاب قد يشتمل على عدة اجزاء، لبيان هذه الاَدوار، وأحد النماذج لهذه الكتب هو كتاب (دور أهل البيت عليهم السلام في بناء الجماعة الصالحة) الذي يعبر عن دور واحد من هذه الاَدوار، وقد وضعت الاَطار النظري والتخطيطي لاِنجازها، كما
وقد طرح عليَّ بعض الاَخوة الاَعزاء من وسطين مختلفين، أحدهما من وسط الحوزة العلمية، والآخر من وسط الجامعة، أن أقوم بشرح أفكاره على مستوى الفهرست والمنهج العام لهذا الموضوع، من خلال مجموعة من المحاضرات، لتشكل الاِطار العام لهذا البحث، وإذا هيأ الله تعالى لنا الفرصة لكتابته تفصيلاً، فنعما هو، وإلا فلعله يوجد في الكثير من الاَعزاء من الكتاب والباحثين والعلماء من تتهيأ له هذه الفرصة، إذا رأى في هذا البحث فائدة ومنفعة، وإني أعتقد أن فيه فائدة ومنفعة كبيرة جداً، ولاسيما في عصرنا الحاضر، الذي أصبح فيه مذهب أهل البيت عليهم السلام من الاَسماء البارزة التي يتطلع لها المسلمون من ناحية، والبشرية جمعاء من ناحية أخرى، ولاسيما بعد هذه المسيرة العظيمة المعطاء، مسيرة الشهداء والتضحيات، وقيام الدولة الاِسلامية في هذا البلد الكريم إيران (بلد أهل البيت) على يد علماء الاِسلام وعلى يد العالم الرباني الاِمام الخميني قدس سره،
ولا أريد في هذا الحديث أن أدعي أنني سوف أتي بشيء جديد مهم في المضمون، فقد يكون الكثير من المضامين والموضوعات التي سوف نتناولها بالبحث، من الموضوعات التي تناولها الباحثون في كتبهم وأبحاثهم، على أني لا أعلم ذلك لاَني ـ بسبب ضيق الوقت ـ لم أوفق إلى مراجعة البحوث ذات العلاقة بهذا الموضوع إلا بشكل محدود جداً، ومن ذلك بعض بحوث الشهيد الصدر، أو ما تبقى لدي من مخزون في الذاكرة للمصادر الاَصلية (القرآن الكريم والحديث الشريف(1) ولكن الجديد هو أن تنظيم هذه الاَبحاث وترتيبها ومنهجيتها وتكميلها وتطويرها في بعض الموارد هو الشيء الجديد وهو شيء مهم الذي نحتاجه في هذه المرحلة.
____________
(1) وقد أعانني في تخريج النصوص من مصادرها الاَصلية ولدي العزيز الفاضل السيد محمد صادق الحكيم.
تقسيم البحث
ونبدأ هذا البحث أولاً: بتمهيد يتركب من خطين رئيسين، لابد من الحديث فيهما قبل الشروع في أصل الموضوع:أولا: الحديث عن النظرية الاِسلامية في موقع أهل البيت عليهم السلام في الرسالة الاِسلامية، وهذا الموضوع من الموضوعات المهمة التي لابد أن نتناولها في التمهيد من أجل الدخول في هذا البحث.
ثانياً: هو تشخيص الاَهداف والاَدوار العامة لاَهل البيت على المستوى النظري مع الاِشارة إلى أدلة هذه الاَهداف والاَدوار من الكتاب الكريم والسنة التي وردتنا من النبي صلى الله عليه وآله وعن أهل البيت عليهم السلام.
نظرية الاِمامة
إذن، فهذه الرسالة ـ من ناحية ـ هي أعظم الرسالات الاِلهية، ويراد لها الاِستمرار والدوام أكثر مما يراد للرسالات الاِلهية الاَخرى، ولكن من ناحية أخرى نجد أن هذه الرسالة لم توضع لها ضمانات للاِستمرار والبقاء من خلال إرسال الاَنبياء التابعين، كما وضعت ضمانات للرسالات السابقة التي جاء بها الاَنبياء اُولي العزم، حيث أن هوَلاء الاَنبياء التابعين كانوا يقومون بمهمة إدامة زخم تلك الرسالة ومتابعة الاِشراف على تطبيقها ودعوة الناس إليها، لاَن عمر الرسول
____________
(1) الاَحزاب: 40.
(2) البحار21:208، حديث 1، مستدرك الحاكم3:109، صحيح البخارى3:58، راجع كتاب المراجعات:119، مراجعة رقم 28، وقد ذكر فيه مصادر علماء المسلمين.
هذا السوَال هو الذي يفرض الحديث عن قضية ضرورة وجود الاِمامة، وموقع ودور أئمة أهل البيت عليهم السلام من الرسالة الخاتمة، حيث شاء الله تعالى أن يكون استمرار الرسالة الخاتمة عن طريق نظرية (الامامة)، وأن تكون هذه الاِمامة في أهل البيت سلام الله عليهم.
وهذا الموضوع وإن كان يحتاج إلى بحث وشرح واسع، وسوف أشير إليه في حدود الاِثارة وبعض خطوطه العامة فيما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ حيث نحاول معالجة ثلاثة أسئلة رئيسية:
الاَول: ما هي ضرورة وجود الاِمامة في الرسالة الخاتمة.
الثاني: لماذا كان استمرار الاِمامة في الرسالة الخاتمة في خصوص أهل البيت عليهم السلام ؟ ولمَ يوضع هذا الدوام بصيغة أوسع وأشمل من هذه الاَسرة الشريفة وهم (أهل البيت)، ووضعت الاِمامة والاِختصاص في خصوص (آل النبي محمد صلى الله عليه وآله).
الثالث: لماذا اختصت الاِمامة بخصوص الاَئمة الاِثني عشر المعروفين من أهل البيت عليهم السلام.
أحدهما: تفسير هذه الظاهرة، لاَن الظواهر الاِلهية والاِسلامية بصورة عامة ليست ظواهر اعتباطية، أو مجرد قضايا تعبدية، وإنما هي ظواهر لابد أن يكون وراءها حكمة ومصالح تفسر هذه الظواهر.
والبعد الآخر: هو الاِستدلال على ثبوت هذه الظاهرة في الاِسلام وهذا الاِختصاص بأهل البيت عليهم السلام، وهو بحث تناوله علمائنا في مختلف العصور، عندما كانوا يتناولون عقيدة الاِمامة.
وهذا التصور النظري الخاص للاِستمرار، من الاِمتيازات التي اختصت بها مدرسة أهل البيت عليهم السلام على المدارس الاَخرى، لاَن المدارس الاَخرى تدعي أن الرسالة الاِسلامية كان استمرارها بطريق أوسع، ولم يكن الاِختصاص بأهل البيت عليهم السلام.
هنا نحتاج ـ أيضاً ـ من الناحية النظرية أن نتبين هذا الموقع الخاص لاَهل البيت عليهم السلام في قضية استمرار وإدامة هذه الرسالة.
فأولاً: نحتاج بالنسبة إلى النظرية أن نتبين دور الاِمامة وضرورتها في الرسالة الخاتمة من أجل ملاَ هذا الفراغ ببيان خصوصياته وهو فراغ ضرورة استمرار الرسالة، حيث اُريد لهذه الرسالة الخاتمة أن تكون رسالة أبدية تنتهي بعمر البشرية.
وثالثاً: نحتاج أن نتبين اختصاص أهل البيت عليهم السلام بخصوص هذا العدد المحدود، وهو الاَئمة الاِثني عشر عليهم السلام.
هذا كله في ما يتعلق بموضوع أصل النظرية، وهو الاَمر الاَول الذي سوف نتناوله في فصول ثلاثة على المستوى النظري.
الاَول: البحث في ضرورة (الاِمامة) وموقعها في الرسالة الاِسلامية.
الثاني: في اختصاص (الاِمامة) بخصوص (أهل البيت عليهم السلام).
الثالث: في اختصاص أهل البيت بالاِئمة الاَثني عشر من أهل البيت.
الاَهداف والاَدوار
الدور الاَول: حفظ الحياة الانسانية، لما ورد في شأن الاِمامة وأهل البيت عليهم السلام بأنهم أمان لاَهل الارض.
الدور الثاني: قيادة التجربة والحكم الاِسلامي وولاية الاَمر.
الدور الثالث: المرجعية الدينية والفكرية للمسلمين.
الدور الرابع: المحافظة على الشريعة الاِسلامية، وبقاء هذه الرسالة محفوظة ومنزهة عن التحريف والتزوير.
الدور الخامس: المحافظة على وجود الاَمة الاِسلامية ووحدتها وحيويتها.
الدور السادس: بناء الجماعة الصالحة، ولذلك فإن موضوع بناء الجماعة الصالحة يكون أحد الاَدوار والاَهداف التي استهدفها أهل البيت عليهم السلام في الحياة الاِسلامية.
الدور السابع: تجسيد القدوة والاَسوة في السلوك الاِسلامي
وقد يستحق كل واحد من هذه الاَدوار بحثاً أو كتاباً مستقلاً، ولكننا في هذا الاِستعراض سوف نحاول التلخيص والاِقتصار على القضايا الرئيسية مع الاِشارة إلى أدلتها وذكر العناوين التي يمكن أن تكون مجالاً للبحث التفصيلي مع الاِشارة إلى بعض المصادر التي تناولت هذه الاَبحاث التفصيلية.
المواقف
وبعد هذا العرض، نأتي إلى معالجة الاَسئلة الذين أثرناها في الاَمر
نظرية الاِمامة
الفصل الاَول:
ضرورة الاِمامة
أما عدم الاِستمرار من خلال النبوات التابعة، فلاَن الاستمرار للنبوة في الرسالات السابقة كان أمراً طبيعياً، وذلك للوصول بالرسالة والاِنسانية معاً إلى مرحلة التكامل الرسالي والاِنساني، فكان من الضروري أن يأتي أنبياء تابعون للرسالة الاِلهية التي يرسل الله تعالى بها نبياً من الاَنبياء أولي العزم، لاَن الرسالات الاِلهية كانت تتعرض إلى التحريف فيها لدرجة تفقدها دورها الرسالي المطلوب من ناحية، كما أن الرسالات لم تبلغ التكامل الرسالي المفروض الذي بلغته في الرسالة الخاتمة من ناحية أخرى، والاِنسانية لم تبلغ مرحلة التكامل الرسالي في ثبات الاَصول والمبادىء الاَساسية للرسالات الاِلهية في
أما في الرسالة الخاتمة وبعد فرض تكاملها الرسالي والاِنساني معاً، سواء على مستوى النظرية أو ثبات الاَصول والمبادىء الاَساسية للرسالة، فنحن لسنا بحاجة إلى أنبياء تابعين، ولذا أنقطعت النبوة(1) .
وأما لماذا كان هذا الاِستمرار من خلال خط الاِمامة في الرسالة الخاتمة؟
فقد أشرنا في حديثنا إلى أنه قد يبدو لاَول وهلة أن الحاجة في الرسالة الخاتمة إلى الاِستمرار والبقاء ـ بسبب أهميتها وجلالتها وسموها وامتيازاتها على الرسالات السابقة ـ أكثر من الحاجة بالنسبة
____________
(1) عالجنا هذا الموضوع في بحثنا حول خصائص الرسالة الاِسلامية (العالمية، الخاتمية، الخلود)، ولمزيد من التوضيح يمكن مراجعة البحث المذكور.
والسبب في ذلك هو أن هذه الرسالة، وإن أصبحت من حيث مضمونها ومحتواها الرسالي رسالة خاتمة وكاملة، ولا تحتاج عندئذ إلى متابعة على مستوى (الاَنبياء) لبيان أصل الرسالة وثبت الاَصول، لاَن النبي صلى الله عليه وآله أكملها في بلاغها وعرضها على الناس، وقد صرح القرآن الكريم بذلك: (...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ اْلاِِسْلـَمَ دِينًا...)(1) إذن، فالرسالة الخاتمة من هذه الناحية لا تحتاج إلى إكمال على مستوى البلاغ والتبشير والاِنذار الذي يتحمله الاَنبياء عادة، لمعالجة الاِنحرافات وتثبيت الاَصول والاَسس، نعم قد تحتاج إلى إكمال بيان بعض التفاصيل، ولكن ذلك وحده لا يحتاج إلى الاِمامة ودورها الكبير في النظرية الاِسلامية.
كما شاء الله سبحانه وتعالى أن تختص الرسالة الاِسلامية من بين الرسالات الاَخرى بضمانات ووسائل الحفظ من الضياع والتحريف
____________
(1) المائدة:3.
وهي بذلك لم تعد بحاجة إلى نبوات تابعة، ولكن مع ذلك كله، تبقى الرسالة الاِسلامية الخاتمة بحاجة إلى وجود متابعة لهاعلى مستويات أخرى، ومن أجل ذلك كان وجود الاِمامة وإستمرار الرسالة من خلالها ضرورة لازمة.
وبصدد توضيح ذلك، أشير إلى ثلاث نقاط رئيسية، لابد من الاِهتمام بها ومتابعتها وبحثها بدقة:
____________
(1) الحجر:9، عالجنا هذا الموضوع في بحث ثبوت النص القرآني من كتابنا علوم القرآن:99.
(2) أشرنا إلى هذا الدور في بحث التفسير عند أهل البيت عليهم السلام الذي نشر جانب منه في كتابنا علوم القرآن:307.