الاِمامة والاِختلاف في العبادة

النقطة الاَولى: أن الاَنبياء عندما يرسلهم الله سبحانه وتعالى إلى عباده كانوا يقومون بمهمات ذات بعدين رئيسيين:

أحدهما: البلاغ والاِنذار لهؤلاء الناس فيبيّنوا الرسالة بتفاصيلها المطلوبة، وهذا ما قام به رسول الله صلى الله عليه وآله في الرسالة الخاتمة، وقام به الاَنبياء السابقون ـ أيضاً ـ في الرسالات الاَخرى.

ثانيهما: مواجهة ظاهرة الاِختلاف في المجتمع الاِنساني والعمل على حله، لاَن الله تعالى يقول: (...فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيَما اخْتَلَفُواْ فِيهِ...)(1)

وتدخل مهمة التزكية والتطهير ومهمة التعليم، كنتيجة لهاتين المهمتين الرئيسيتين.

إذن، قضية الاِختلاف هي قضية مهمة جداً يواجهها الاَنبياء في عملهم وحركتهم، والاِختلاف هنا هو أختلاف في المثل العليا التي يتخذها هؤلاء الناس للعبادة وفهمهم للحياة والكون وحركتهم

____________

(1) البقرة:213.


الصفحة 26
الاجتماعية، حيث يتخذ هؤلاء الناس لهم الآلهة المصطنعة ـ والمثل المحدودة، أو التكرارية(1) والاَسماء المزيفة المستلهمة من القوى الموجودة في هذا الكون، أو الشهوات والاَهواء والميول، أو الطغاة والمستكبرين والمترفين، أو من تقليد الاَباء والاَجداد ـ يعبدونها من دون الله.

ولما كان عمر الرسول محدوداً ـ عادة ـ لايستوعب الزمان الكافي لحل هذا النوع من الاَختلاف خارجياً، بحيث يمكّنه من إزاحة جميع العوائق والموانع التي تقوم أمام الرسالة في حركتها الاجتماعية والاِنسانية، تصبح الرسالة بحاجة إلى قيادة معصومة للحركة الاجتماعية وإدامة العمل لحل هذا النوع من الاِختلاف، وهذه الحاجة ثابتة في كل الرسالات الاِلهية، فكيف إذا كانت الرسالة رسالة خاتمة طويلة، يراد لها أن تعم الاَرض كلها، وتزيل جميع الآلهة المصطنعة، والاَمثلة التي يبتدعها الاِنسان وتنتصب في وسط الطريق.

لذا كانت الحاجة قائمة لوجود القائد وهو الاِنسان الكامل الذي نعبر عنه بالاِمام، ليقود معركة تحرير الاِنسان من كل هذه الآلهة

____________

(1) إصطلاح إستخدمه الشهيد الصدر قدس سره في بحثه حول التفسير الموضوعي، عندما طرح فكرة المثل الاَعلى في العبادة:184.


الصفحة 27
والقيود، وتحقيق العبادة المطلقة لله تعالى، دون غيره من الآلهة، وهو المثل الاَعلى للحق، لاَن معركة التحرير هذه تحتاج إلى شخص يتصف بالاستيعاب الكامل والرؤية الواضحة للرسالة من ناحية، والشعور العالي بالمسؤولية أمام الله تعالى في إدامة المعركة والاِدارة القوية في إدارة المعركة التي تعتمد على جهاد النفس من ناحية أخرى.

وهذا السبب هو ما أشار إليه الشهيد الصدر قدس سره في حديثه حول ضرورة الاِمامة بعد الرسول، وقد أعطى الاِمامة مضموناً شاملاً، يتحد مع النبوة أحياناً، عندما تكون الحاجة إلى النبي والقائد معاً، ويفترق عنها أحياناً أخرى، عندما تكون الحاجة إلى القائد وحده، ولكنه على أي يرتبط بهذه المهمة الخاصة وهي قيادة المعركة، وهو ما عبر عنه الشهيد الصدر قدس سره بقيادة المعركة التي يواجهها الاَنبياء في المجتمعات الاِنسانية، لاِزالة كل الاَمثلة المزيفة والآلهة المصطنعة الذي يخترعها الاِنسان ويبتدعها، سواء كانت هذه الاَمثلة المصطنعة والآلهة المزيفة عبارة عن طواغيت يحكمون بين الناس أو كانت شهوات وهوى يتحكم في مسيرة هؤلاء الناس، أو كانت أفكار منحرفة يختلقها الاِنسان ويبتكرها، فيجعلها مثالاً له يقتدي ويهتدي به، فيتحول إلى

الصفحة 28
إله يعبده من دون الله، كما قال تعالى: (إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَآ أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَـنٍ...)(1) فهي معركة إزاحة هذه الآلهة المصطنعة عن طريق الهدى والصلاح والخير الذي يقوده الاَنبياء(2)

وهذه المعركة عمرها أطول من عمر النبي، فإن عمر الرسول مهما طال زمانه، لا يستوعب زمان الاِختلاف، لاَن الله تعالى جعل قضية الاِختلاف بين الناس سنّة من السنن الطبيعية التي تحكم حركة التاريخ في كل الاَدوار، فقضية الاَختلاف، قضية قائمة لا يختلف فيها زمان عن زمان، ولا تنتهي هذه القضية إلا بنهاية حركة البشرية، والقرآن الكريم يشير إلى ذلك ـ أيضاً ـ في قوله تعالى: (وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَحِدَةً وَلاَيَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ*إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ...)(3)

إذن، فالمعركة ضد الاِختلاف تحتاج إلى من يقودها، وزمنها أطول من زمن النبي، ولو كانت هذه المعركة تنتهي بزمن النبي كان يمكن

____________

(1) النجم:23.

(2) التفسير الموضوعي:195ـ 196.

(3) هود: 118 ـ 119.


الصفحة 29
للنبي أن ينهي المعركة ولا نحتاج إلى من يقودها من بعده، ولكنه لما كانت هذه القضية هي سنّة تحكم حركة التاريخ، فنحتاج إلى من يقود هذه المعركة، معركة إزاحة الآلهة المزيفة والمصطنعة أمام الحركة التكاملية للاِنسان.

وقيادة هذه المعركة تارة تكون من قبل نبي يقوم بدور الاِمام ـ أيضاً ـ كما في كثير من الاَنبياء السابقين التابعين، وأخرى تكون من قبل الاِمام الذي لا يتصف بعنوان النبوة لعدم الحاجة إليها، ولما كانت الرسالة الاِسلامية هي الرسالة الخاتمة، الكاملة، المحفوظة، ونبوة محّمد صلى الله عليه وآله لا نبوة بعدها، اقتضى أن يكون الدور للاِمامة التي لا تتصف بالنبوة.

والشواهد على هذه الحقيقة عديدة وليست مجرد الآيات القرآنية التي أشرت إليها، وإن كانت تكفي هذه الآيات أن تكون شاهداً ودليلاً عليها، ولكن الواقع التاريخي شاهد ـ أيضاً ـ على هذه الحقيقة، فإن ظاهرة الاَختلاف ظاهرة قائمة وثابتة في التاريخ الاِنساني ـ كما ذكرنا ـ كما أنها ظاهرة ثابتة في التاريخ الاِسلامي في زمن النبي وبعده، ولا يمكن لاَحد من الناس أن ينكرها أو يخفيها، وهذه القضية ليست مجرد قضية نظرية، وإنما هي قضية ذات واقع قائم في المجتمع

الصفحة 30
الاِنساني والاِسلامي كله، وهذا هو ما نواجهه ـ أيضاً ـ في هذا العصر والزمان.

الاِمامة والاِختلاف في التأويل

النقطة الثانية: إن الرسالات الاِلهية تواجه ـ عادة مع غض النظر عن الاِختلاف الاَول الذي ذكرناه في النقطة الاَولى ـ بعد ثبوتها ورسوخ أقدامها نوعاً آخر من الاِختلاف وهو الاِختلاف في تفسير هذه الرسالة، وفهم مداليها وتأويلها وتجسيد المصاديق الخارجية فيها، وهذا نوع آخر من الاِختلاف، أشار إليه القرآن الكريم في كثير من الآيات الكريمة التي تحدث فيها عن أهل الكتاب وما اختلفوا فيه من تأويل الكتاب، منها قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَـبِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلََئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَـمَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ*أُوْلََئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلـَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ*ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَـبَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِى الْكِتَـبِ لَفِى شِقَاقِ بَعِيدٍ)(1)

____________

(1) البقرة:174 ـ 176.


الصفحة 31
وقوله تعالى: (وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِىَ إِسْرََءِيلَ الْكِتَـبَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَـهُم مِنَ الطَّيِّبَـتِ وَفَضَّلْنَـهُمْ عَلَى الْعَـلَمِينَ*وَءَاتَيْنَـهُم بَيِّنَـتٍ مِنَ الاََْمْرِ فَمَا اخْتَلَفُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـمَةِ فِيَما كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)(1) كما أن بعض الآيات القرآنية أشارت ـ أيضاً ـ إلى كلا النوعين من الاِختلاف، كما في قوله تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيَما اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنـتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(2)

وهذا النوع من الاِختلاف هو معركة أخرى تخوضها الرسالات الاِلهية ـ عادة ـ وهو غير الاِختلاف الناشىء من تحريف أصل الرسالة بمعنى ضياع بعض معالمها المهمة، والذى حفظ في الرسالة الاِسلامية، فهو تحريف في التطبيق والفهم، ويحتاج ـ أيضاً ـ إلى قيادة

____________

(1) الجاثية:16ـ 17.

(2) البقرة:213.


الصفحة 32
معصومة في فهمها الكامل للرسالة وفهم مضمونها وآفاقها، وفي معرفتها لتفاصيلها التي لايمكن ـ عادة ـ للنبي أن يبينها لجميع الناس ـ كما تدل على ذلك شواهد كثيرة(1) ـ وكذلك معصومة في حرصها على الرسالة وقيمها ومُثلها ومبادئها وصبرها واستقامتها في هذا الطريق، وتحمّلها لمسؤوليتها وأعبائها.

وقد كان يتم ذلك ـ أيضاً ـ عن طريق النبوات التابعة من الرسالات الاِلهية الاَخرى، أو الاَوصياء الذين كانوا يتحملون هذا الدور من الاِمامة ـ أيضاً ـ وأما في الرسالة الخاتمة فقد تمحّض هذا الاَمر في دور الاَمامة.

وهذا النوع من الاِختلاف هو الذي يفسر لنا ما ورد في أحاديث عديدة عن رسول الله صلى الله عليه وآله، عندما كان يتحدث مع علي عليه السلام، وغيره عن مستقبل الايام في التاريخ الاِسلامي وتطورات الاَحداث فيه، حيث كان هناك معركتان إحداهما على التنزيل كان يقودها رسول الله صلى الله عليه وآله في مواجهة المشركين وأهل الكتاب، ومعركة أخرى هي معركة على

____________

(1) ذكرنا هذه الحقيقة مع بعض شواهدها في بحثنا عن التفسير في زمن النبي (علوم القرآن) وفي بحثنا عن التفسير عند أهل البيت، وسوف نتناول هذا الموضوع مرة أخرى بصورة تفصيلية في البحث عن المرجعية الفكرية لاَهل البيت عليهم السلام.


الصفحة 33
التأويل الذي كان يخبر الرسول عن دور الاِمام علي عليه السلام في قيادتها، فقد روى سعيد بن المسيب، عن سعيد بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله قال: «يا عليّ أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي، تقضي ديني وتنجز عدتي وتقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل، يا عليّ حبّك إيمان وبغضك نفاق ولقد نبّأني اللّطيف الخبير أنه يخرج من صلب الحسين تسعة من الاَئمة، معصومون مطهّرون، ومنهم مهديّ هذه الاَمة، الّذي يقوم بالّدين في آخر الزمان كما قمت به في أوله»(1)

إذن، فهذه المعركة هي قضية حقيقية قائمة في التاريخ الرسالي والتاريخ الاِسلامي وقد ذكرها القرآن الكريم على مستوى تاريخ الاَنبياء ـ أيضاً ـ وأكدتها الاَحداث التي جرت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كحقيقة من الحقائق التاريخية، أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وآله في مستقبل الاَيام.

____________

(1) البحار36:331، حديث 190، وقد ورد مضمون القتال على التأويل والقتال على التنزيل في عدد من النصوص التي رواها الفريقان.


الصفحة 34

الاِمامة والولاية

النقطة الثالثة: إن الرسالة الخاتمة إمتازت بإمتيازات عديدة لم تشبهها الرسالات الاِلهية السابقة وكان من جملة الاِمتيازات في الرسالة الخاتمة ـ كما ذكرنا سابقاً ـ هو أن الله تعالى شاء أن يحفظ هذه الرسالة بمضمونها الرسالي بصورة كاملة من خلال القرآن الكريم، ولذا لم تحتاج إلى النبوات التابعة، أما الرسالات السماوية الاَخرى فقد تعرضت للتحريف والضياع، لاَسباب يطول الحديث فيها(1)

وكان أحد الاِمتيازات المهمة ـ أيضاً ـ هو أنها تمكنت من أن تقيم الدولة الاِسلامية (الكيان السياسي الاِسلامي) في المجتمع الاِنساني في عصر صاحب الرسالة وبعده.

فقد دعت الرسالات السابقة إلى إقامة الحق والعدل بين الناس وإلى تحكيم ما أنزل الله تعالى بين الناس، فقد قال القرآن الكريم في سياق الحديث عن نزول التوراة: (...وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنْزَلَ اللهُ فَأُوْلـَئِكَ هُمُ الْكَـفِرُونَ) ، وقال في سياق الحديث عن نزول

____________

(1) لا أريد أن أتعرض هنا إلى جميع إمتيازات الرسالة الخاتمة على الرسالات السابقة، وقد أشرت إلى بعض هذه الاِمتيازات في بحث (العالمية والخاتمية والخلود) في رسالة الاِسلام، ولكن أريد أن أشير هنا إلى الاِمتيازات التي هي محل الشاهد في بحثنا هذا.


الصفحة 35
الاِنجيل: (...وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَآ أَنْزَلَ اللهُ فَأُوْلـَئِكَ هُمُ الظَّـلِمُونَ) ، كما قال في سياق الحديث عن نزول القرآن الكريم: (...وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَآ أَنْزَلَ اللهُ فَأُوْلـَئِكَ هُمُ الْفَـسِقُونَ)(1)

إذن، فقضية الدعوة إلى إقامة الحكم بين الناس ليست خاصة بخصوص الرسالة الاِسلامية، بل أن قضية إقامة الحكم بما أنزل الله بين الناس هي قضية ترتبط بكل الرسالات الاِلهية، ولكن شاء الله تعالى في حركة وتاريخ هذه الرسالات الاِلهية أن يقوم الحكم بين الناس كحالة سياسية اجتماعية خارجية، نعبّر عنها بقيام الدولة الاِسلامية، شاء الله تعالى أن يقوم ذلك في خصوص تاريخ الرسالة الخاتمة، دون بقية الرسالات الاَخرى.

فنوح عليه السلام لم يتمكن من تحقيق قيام دولة إسلامية، ولو بمستوى الاِسلام الذي جاء به نوح عليه السلام.

كما أن إبراهيم عليه السلام وهو شيخ الاَنبياء لم يتمكن أن يقيم هذا الكيان السياسي الاِسلامي، وموسى عليه السلام شاء الله تعالى أن يقبضه إليه قبل أن يتمكن من إقامة هذا الكيان السياسي الاِسلامي، بعد أن كان قد مهد

____________

(1) المائدة:44و45و47.


الصفحة 36
له بإخراج بني إسرائيل من سلطة فرعون، وجاء بألواح التوراة، ليحقق ذلك، ولكنهم رفضوا الاِستمرار في المسيرة ودخول الاَرض المقدسة، لتحقيق هذه المهمة الاِلهية الصعبة، فكتب الله عليهم أن يتيهوا في الاَرض أربعين سنة(1)

وكذلك الحال في النبي عيسى عليه السلام، حيث رفعه الله قبل أن يحقق هذا الهدف الاِسلامي العظيم.

ولم يتمكن الحواريون من أن يقوموا بذلك ـ أيضاً ـ فولدت الرهبانية والاِنعزال، وانحرفت المسيحية على يد بولس، عندما تحولت إلى الحكم والسلطان والقيصرية.

وشاء الله تعالى أن يكون ذلك من امتيازات نبوة محمد صلى الله عليه وآله.

إذن، فهذا من الامتيازات الخاصة التي امتازت بها الرسالة الاِسلامية(2) .

____________

(1) وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم في سورة المائدة الآيات 21 ـ 26.

(2) هذا بحث عميق وفيه الكثير من التفاصيل، وقلت انني أشير هنا إلى العناوين الكلية، ومن هذه التفاصيل تفسير ظاهرة قيام الدول التي أقامها بعض الاَنبياء، كداود وسليمان عليهما السلام، وغيرهما من الاَنبياء الذين أقاموا دولاً، وأشار القرآن الكريم إلى ذلك، عندما يتحدث عن تفضيل ونعم الله على بني إسرائيل بقوله تعالى: (...إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا...) ، المائدة:20، فأن بعض هؤلاء الاَنبياء أقاموا دولة، ولكن هذه الدولة التي أقاموها تختلف بحسب مضمونها وهويتها وخصوصياتها عن هذه الدولة الاِسلامية التي أقامها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس بحسب سعتها ودائرة وجودها وتفاصيلها، بل بحسب الهوية والمضمون ـ أيضا ـ وهذا بحث أشرت له بصورة موجزة ـ أيضاً ـ في بحث (العالمية والخاتمة والخلود) كصفات للرسالة الاِسلامية.


الصفحة 37
إذن، فعندما تكون من خصائص هذه الرسالة وجود هذه الدولة، فهذه الدولة تحتاج إلى قيادة تقودها، وهذه القيادة لابد أن تكون في منذ البداية معصومة، لتتخذ الدولة صيغتها الاِسلامية الكاملة في

الصفحة 38
التطبيق المتميزة عن الصيغ الاَخرى، وهذا إنما يتحقق من خلال الاِمامة.

لاَن مثل هذه الدولة، ومثل هذه التجربة لا يمكن أن تقاد وبصورة كاملة وصحيحة، بحيث تحقق كل الاَهداف التي جاءت بها الرسالة، إلاّ بمثل هذه القيادة التي نعبّر عنها بالاِمامة.

وهنا ينفتح أمامنا باب بحث الخلافة الاِلهية، فأن بحث الخلافة الذي هو من الاَبحاث الكلامية المهمة التي يتناولها علماؤنا، ويستدلون فيها على تشخيص من يتولى الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ويقوم بإدارة هذه الدولة، هذا البحث فيه بعدان:

بُعد يرتبط بالجانب العقائدي وهو إستمرار الرسالة في الاِمامة وعصمة هذه الاِمامة كعصمة الرسالة وهو ما نريد أن نشير إليه في هذه الحديث، وبُعد آخر يرتبط بالجانب التاريخي والسياسي والنصوص التي وردت في ذلك، والتحولات الاجتماعية والظروف السياسية التي اقترنت بهذا الموضوع، وهذا البعد له حديث آخر غير هذا الحديث(1) .

____________

(1) سوف نتناوله بشي من التفصيل، عندما نتحدث عن دور أئمة أهل البيت في قيادة الحكم الاِسلامي.


الصفحة 39
إذن، فنحن عندما نتحدث عن موضوع الخلافة، وأن هذه الخلافة لابد أن يقوم بها الاِمام المعصوم، وتكون تجسيداً واستمراراً للحكم الاِلهي النبوي، عندما نتحدث عن هذا الموضوع، لا نتحدث عن أمر تاريخي ذهب مع الزمن وانتهى وقته، وإنما نتحدث عن أمر عقائدي، يرتبط بفهمنا للاِسلام وللرسالة الاِسلامية، ولتكامل هذه الرسالة، وهذا قضية مهمة جداً.

إذن، فالنقطة الثالثة في ضرورة الاِمامة، هي ضرورة وجود قيادة معصومة للحكم الاِسلامي والكيان السياسي.

لاَن هذا الكيان السياسيي من أجل أن يكون قادراً على تطبيق الحق والعدل على البشرية بصورة كاملة ودقيقة، تتناسب مع الهدف الكبير لهذه الرسالة الاِسلامية، لابد له من وجود قائد معصوم لهذا الكيان السياسي الاِسلامي حتى يمكن تحقيق هذا الهدف الكبير، ولذلك نعتقد بظرورة الاِمامة المعصومة من أجل تحقيق هذا الهدف.

العصمة والاِمام المهدي

نحن نعتقد أنه بسبب عدم تولي الاِمامة المعصومة لقيادة الحكم الاِسلامي لتحقيق هذا الهدف العظيم في إقامة الحق والعدل الكامل،

الصفحة 40
شهد التاريخ الاِسلامي هذا القدر الكبير من الاِنحراف في مجال تطبيق العدل والحق، بحيث جعل الرسالة الاِسلامية كلها في موضع الشك والريب بسبب الظلم والاستبداد والطغيان الذي مارسه الحكام المسلمون في عدة قرون من الزمن، في العهود الاَموية والعباسية والعثمانية، ولولا الفترة القصيرة للقيادة المعصومة لرسول الله صلى الله عليه وآله وللاِمام علي عليه السلام التي تمكنت أن تبين الوجه الناصع الحقيقي لطبيعة الحكم الاِسلامي، لكان مواجهة هذه الشبهة واقعياً وعملياً أمراً عسيراً، ولاسيما وأن فترة الخلافة الاَولى بعد رسول الله التي كانت تتسم بالاِعتدال النسبي، شهدت الاِضطراب والتذبذب في صيغة الحكم الاِسلامي، وفي النتائج المروعة التي انتهت إليها في خلافة الخليفة الثالث، ومن هنا كانت وجود فكرة الاِمام المنتظر(عج) الذي يملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، فكرة مطروحة منذ البداية في الرسالة الاِسلامية وهي مما يجمع عليها المسلمون، وذلك من أجل تحقيق هذا الهدف الكبير في الحكم والانتشار وفي الكيف والتطبيق الكامل للحكم الشرعي، وعندئذً تكون كل المساعي التي بذلها أئمة أهل البيت عليهم السلام وهم بعيدون عن قيادة الحكم الاِسلامي والتجربة الاِسلامية، وكذلك كل المساعي

الصفحة 41
الاَخرى التي بذلها ويبذلها العلماء المجاهدون والمؤمنون في طول التاريخ الاِسلامي، كل هذه المحاولات إنما هي تمهيد لظهور هذه الدولة المباركة الكريمة التي تملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً.


الصفحة 42

الصفحة 43

نظريةالاِمامة

الفصل الثاني:
الاِمامة في أهل البيت عليهم السلام


الصفحة 44

الصفحة 45
أما جواب السؤال الثاني: وهو أنه إذا سلمنا بضرورة استمرار خط الاِمامة بعد الرسالة الخاتمة، فلماذا كان خط الاِمامة مستمراً في خصوص أهل البيت عليهم السلام، وهذه الاَسرة الشريفة الطيبة، هل أن القضية مجرد قضية تشريف وتكريم لرسول الله صلى الله عليه وآله، فجعلت الاِمامة في أهله وأسرته، أو أن هناك شيئاً أهم وأعظم وأوسع من ذلك بالنسبة لاستمرار الاِمامة في أهل البيت عليهم السلام ؟

كان يمكن أن يفترض نظرياً أن يكون الاَئمة المعصومون في أسرة ووسط آخر غير هذا البيت الشريف، كما عرفنا في التاريخ الاِنساني والرسالي وجود أسر وجماعات أخرى كان فيها أئمة معصومون، كما هو الحال في إسحاق وإسماعيل من ذرية إبراهيم عليه السلام، وكما في الاَنبياء من ذرية يعقوب الذي يسمى في القرآن الكريم بإسرائيل، فأن هؤلاء كانوا يتصفون بالعصمة ـ أيضاً ـ وكان بعضهم له دور الاِمامة في حركته الرسالية، ومن ثم فلماذا كان إختصاص الاِمامة في خصوص

الصفحة 46
أهل البيت عليهم السلام، فهل أن القضية ـ كما أشرنا ـ هي قضية تكريم وتشريف لرسول الله صلى الله عليه وآله باعتباره الرسول الخاتم، فأراد الله تعالى أن يكرَّمه ويشرّفه بذلك، ويجعل ذلك نعمة منه سبحانه وتعالى على هذا العبد الصالح الذي أفنى كل وجوده في سبيل الاِسلام وفي سبيل الله وفي سبيل تكامل مسيرة الاِنسان، أو أن تكون القضية تعويض إلهي عن الجهود التي بذلها في سبيل الله والحق والعدل والاِنسانية، كما قد يفهم ذلك من قوله تعالى: (...قُل لاََّ أَسْــََلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى...)(1) فيكون أجراً له على ذلك، وإنما اختص هذا الاَجر به دون بقية الاَنبياء الذين أكد القرآن على أنهم لا يبغون أجراً على رسالتهم إلا الاِيمان بالله تعالى، لاَن النبي صلى الله عليه وآله قد بذل جهداً لم يبذل مثله أحد من الاَنبياء، وقد تحمل من الآلام والمحن ما لم يتحمله أحد قبله ولا بعده... أو أن هناك شيئاً آخر غير موضوع التكريم والتشريف؟

هنا يمكن أن نشير بهذا الصدد إلى عدة نقاط ـ أيضا ـ مع قطع النظر عن الروايات التي وردت في هذا الموضوع والاِستدلال على إمامة أهل البيت عليهم السلام من خلال النصوص الشريفة التي دلت على

____________

(1) الشورى:23.


الصفحة 47
إمامتهم(1) .

التكريم والتشريف

النقطة الاَولى: هي قضية التكريم والتشريف التي أشرنا إليها في طرح السؤال، حيث نلاحظ من خلال القرآن الكريم ومسيرة التاريخ الرسالي لكل الرسالات الاِلهية أن الله تعالى شاء بلطفه وكرمه وفضله على أنبيائه بأن يجعل من ذرياتهم أئمة وهداة يقومون بهذا الواجب الاِلهي تكريماً لهم ونعمة منه تعالى عليهم، وكان هذا التكريم في الوقت نفسه رغبة وأمنية من أمنيات الاَنبياء أنفسهم، تعبر عن حالة فطرية في الاِنسان الكامل هي الاِتجاه والرغبة إلى البقاء والاِستمرار من خلال ذريته، وقد أكد هذه الحقيقة الفطرية القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة في عدة مواضع(2)

____________

(1) هذا البحث له محله الخاص، وهو بحث كلامي عقائدي له أساليبه وأدلته وبراهينه الخاصة به ـ أيضاً ـ نتناوله في محله، وإنما نريد في هذا البحث أن نفسر هذه الظاهرة، ظاهرة تعيين الاِمامة وتشخيصها في خصوص أهل البيت عليهم السلام تفسيراً ينسجم مع الاَطر العامة التي جاء بها الاِسلام، وأكدها القرآن الكريم، وترتبط ـ أيضاً ـ بمسيرة الاِنسان وتكامله.

(2) هذا بحث قرآني واجتماعي مهم يرتبط بدراسة علاقة الاِنسان بذريته، وشعوره بالبقاء والخلود من خلالها.

الصفحة 48
إذن، فهذه القضية هي قضية ترتبط بكلا الجانبين، الجانب الاِلهي الخالق المنعم الكريم الجواد المتفضل على أنبيائه، المجيب لدعائهم وندائهم، وبالجانب الاِنساني العبودي، المتمثل بهؤلاء الاَنبياء الذين أخلصوا لله تعالى في العبودية ـ أيضاً ـ فأنه من جملة إخلاصهم وإحساسهم بالعلاقة الاَكيدة مع الله تعالى، إنهم كانوا يتمنون على الله ويرجون منه ويدعونه في أن يجعل من ذرياتهم أئمة وهداة، يضمن لهم البقاء والاِستمرار في عبوديتهم لله تعالى ودورهم ومهمتهم في الحياة الاِنسانية.

فهذا إبراهيم عليه السلام وهو شيخ الاَنبياء، عندما خاطبه الله تعالى وابتلاه بكلمات من عنده، فجعله إماماً للناس (وَإِذِ ابْتَلَىَ إِبْرَهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا...)، كان أول شيء يطرحه على الله تعالى ويرجوه منه، عندما يحملّه الله تعالى هذه المسؤولية، هو أن تكون هذه الاِمامة في ذريته ـ أيضاً ـ (...قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَتِى قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّـلِمِينَ )(1)

وكذلك الحال في إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهما يقيمان دعائم البيت (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَـعِيلُ رَبَّنَا

____________

(1) البقرة:124.


الصفحة 49
تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ، هؤلاء في البداية يطلبون القبول من الله تعالى لهذا العمل العظيم، ثم يدعوانه تعالى أن يكونا مع ذريتهما من المسلمين المهتدين المنيبين إليه المقبولين لديه، (رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) .

ثم لا يكتفون بأن تكون هذه الذرية ذرية مسلمة مهتدية مقبولة، بل تترقى هذه الدعوة بأن يطلبوا أن تكون هذه الذرية ذرية تتحمل مسؤولية النبوة والرسالة ـ أيضاً ـ (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَـتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـبَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )(1)

ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله يفتخر ويقول: (أنا دعوة أبي إبراهيم عليه السلام)(2) يعني كان يرى نفسه في تحمله لهذه الرسالة إن ذلك كان إستجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام عندما كان يرفع القواعد في البيت.

____________

(1) البقرة:127 ـ 129.

(2) البحار12:92، حديث 1.


الصفحة 50

الاِمامة في الذرية سنة

النقطة الثانية: إننا نلاحظ في دراستنا لتاريخ الاَنبياء والمرسلين، أن هذا التكريم قد تحول إلى سنّة من السنن الواضحة في التاريخ الرسالي، وذلك عندما نرجع إلى القرآن الكريم ومفاهيمه وآياته وتصوره لحركة الرسالات الاِلهية والاَنبياء، ومن ذلك ما نقرأه في قوله تعالى: (وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَـهَآ إِبْرَهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَـتٍ مَّن نَشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ*وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَـنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَـرُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُـحْسِنِينَ*وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّـلِحِينَ*وَإِسْمَـعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَـلَمِينَ*وَمِنْ ءَابَآئِهِمْ وَذُرِّيَّـتِهِمْ وَإِخْوَنِهِمْ وَاجْتَبَيْنَـهُمْ وَهَدَيْنَـهُمْ إِلَى صِرَطٍ مُسْتَقِيمٍ )(1) فعندها نجد أن القرآن الكريم يتحدث عن إبراهيم عليه السلام وكيف جعل الله تعالى في ذريته النبوة، ويذكر مجموعة من أسماء الاَنبياء من ذريته بدون ترتيب زماني، ثم يشير إلى أمرين يمكن أن نفهم منهما هذه السنة التاريخية:

____________

(1) الاَنعام:83 ـ 87.