مقـدمـة
توجد ثلاث مسائل في عمل الأنبياء والرسل عليهم السلام لم يعطها الباحثون حقها في
تدوين سيرتهم، ودراسة أعمالهم:
المسألة الأولى:
أن أصل مهمتهم عليهم السلام هو تبليغ الناس رسالة ربهم فقط.. فالمحور الذي تدور عليه أعمالهم هو التبليغ والأداء، من أجل إقامة الحجة لربهم عز وجل على عباده..
فالرسول مبلغُ رسالة ومؤديها.. وهو يتقي ربه سبحانه ويخاف من غضبه وعذابه إن هو قصر في الأداء، أو خالف حرفاً مما كلف بأن يؤديه!
ولذا تراه يُشْهِدُ الناس على أنه أدى اليهم، ليشهدوا له عند ربه.
والرسول مبلغٌ، وليس له إجبار الناس على قبول الهدى، ولا على الإلتزام به.. ولا يمكنه ذلك.
وإجبارهم يتنافى مع أصول الإمتحان، وما يلزمه من حرية اختيار.
والمسألة الثانية:
أن هدف الأنبياء والرسل عليهم السلام يتركز على القضايا (الكبرى) في حياة الناس ومسار المجتمعات.. فالرسول عليه السلام مهندسٌ رباني، ولكنه مهندسُ مدنٍ ومجتمع، ومسيرة تاريخ.
وأعماله يجب أن ينظر اليها بهذا المنظار، وأن تقاس بهذا المقياس، وأن يسأل الباحث نفسه: ماذا كان سيحدث في ثقافة الناس ومسار التاريخ، لو لم يبعث هذا الرسول، وماذا حدث بسبب بعثته وأدائه لرسالته؟
أو يسأل نفسه: كيف كانت حالة العالم الوثنية اليوم، لو لم يبعث إبراهيم عليه السلام ويرسي أساس التوحيد، ويزرع كلياته في مسيرة المجتمع الإنساني؟ !
أو كيف كانت حالة الجزيرة العربية، والبلاد العربية، والعالم في عصرنا، لو لم يبعث نبينا صلى الله عليه وآله، ولم يحدث هذا المد الأخير من التوحيد والحضارة؟ !
لقد كان عمله صلى الله عليه وآله تكوين أمة، ودفعها لتأخذ موقعها في مصاف أمم العالم، بل في ريادتها.. بأحسن ما يمكن من مقومات الأمة، مضموناً وشكلاً..
كان عمله إنشاء سفينة، وإطلاقها في بحر شعوب العالم وفي مجرى التاريخ.. وكان حريصاً أن يكون ربانها بعده أهل بيته، الذين اصطفاهم الله وطهرهم، وأورثهم الكتاب.. ولكن إن لم تقبل الأمة بقيادتهم، فليكن الربان من يكون، حتى يبلغ الله أمره في هذه الأمة، ثم يبعث فيها المهدي الموعود عليه السلام.
والمسألة الثالثة:
أن الجانب الذاتي في الرسول عليه السلام موجودٌ ومؤثرٌ دون شك، فهو مفكرٌ، نابغٌ، مخطط ٌ، فاعلٌ مختار.. ولكن الذاتية في عمله ضئيلة جداً!
وما يقابل الذاتية هنا ليس الآلية، فإن إطاعة الرسول عليه السلام لما يوحى اليه إنما هو عن قناعةٍ، وإيمانٍ، وتَعَبُّد.
الرسول يجتهد في أمورٍ، شخصية أو عامة.. ولكن مساحة الأمور التي يسمح لنفسه أن يجتهد فيها ويعمل فيها برأيه، جزءٌ قليلٌ من مساحة عمله الواسع الكبير!
فمثله كمثل مهندسٍ أرسله رئيسه لتنفيذ مشروع كبير، وهو مقتنعٌ أن عليه أن يتصل دائماً برئيسه، ليأخذ منه التعليمات الحكيمة الصحيحة، حتى لا يقع في أخطاء ضارة.. فهو يعمل ويفكر وينفذ، ولكنه على اتصالٍ دائم بمركزه، يأخذ منه مراحل الخارطة، ويستشيره في رفع إشكالات التنفيذ!
وهذا المثل لمهمة هذا المهندس، مصغرٌ آلاف المرات عن مهمة الرسول عليه السلام.
أما مركز هداية الرسول عليه السلام، فلا يقاس أحدٌ بالله سبحانه، ولا فعل أحدٍ بأفعاله.
والمتأمل في سيرته صلى الله عليه وآله يلمس هذه الحقيقة لمساً، وأن الله تعالى كان يدير أمره من أول يومٍ الى آخر يوم، وكان هو يطيع وينفذ.. مسْلِماً أمره الى ربه، متوكلاً عليه، راضياً بقضائه وقدره..
ولذا جاءت النتائج فوق مايتصور العقل البشري، وفوق ما يمكن لكل مهندسي المجتمعات، ومنشئي الأمم، ومؤسسي الحضارات..
لقد استطاع الرسول صلى الله عليه وآله أن يحدث مداً عقائدياً حضارياً عالمياً في أقل مدة،
وما ذلك إلا بسبب أن إدارة الرسول صلى الله عليه وآله كانت من ربه عز وجل..
لقد كان القرآن يتنزل عليه باستمرار من أول بعثته الى قرب وفاته، وكان جبرئيل عليه السلام يأتيه دائماً، بآيات قرآنٍ أو وحيٍ غير القرآن، وأوامر وتوجيهات وأجوبة.. الخ.
وما أكثر الأمثلة في سيرته صلى الله عليه وآله على ذلك، فهي مليئةٌ بالتدخل الآلهي والرعاية في كبير أموره وصغيرها.. وهي تدل على أنه صلى الله عليه وآله ما كان يتصرف من عند نفسه إلا في تطبيق الخطوط العامة التي أوحيت اليه، أو تنفيذ الأوامر التفصيلية التي بلغه إياها جبرئيل عليه السلام.. وكثيراً ما كان يتوقف عن العمل، ينتظر الوحي!
وقد ورد أنه صلى الله عليه وآله قال: أوتيت الكتاب ومثله معه، أي ما كان جبريل يأتيه به من السنن ـ الإيضاح|215، وأن جبريل كان ينزل عليه بالسنة كما ينزل بالقرآن ـ الدارمي: 1|145.
وكانت هذه التوجيهات كانت تشمل أموره الشخصية أيضاً صلى الله عليه وآله، من زواجه وطلاقه، ولباسه وطعامه، ونومه ويقظته، ووضوئه وسواكه، فضلاً عن عطائه ومنعه، وحبه وبغضه.. كما كانت شاملة لحالات حله وترحاله، ورضاه وغضبه..
ـ روى في الكافي: 4|39،عن الإمام الصادق عليه السلام قصة شخص كافر جاء يحاج النبي صلى الله عليه وآله ويكذبه ويؤذيه ويتهدده، قال: (فغضب النبي صلى الله عليه وآله حتى التوى عرق الغضب بين عينيه، وتربد وجهه، وأطرق الى الأرض، فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال: ربك يقرؤك السلام ويقول لك: هذا رجلٌ سخيٌّ يطعم الطعام. فسكن عن النبي صلى الله عليه وآله الغضب ورفع رأسه، وقال له:
لو لا أن جبرئيل أخبرني عن الله عز وجل أنك سخيٌّ تطعم الطعام، لشردت بك، وجعلتك حديثاً لمن خلفك!
فقال له الرجل: وإن ربك ليحب السخاء؟
فقال: إني أشهد أن لا الَه إلا الله وأنك رسول الله، والذي بعثك بالحق لا رددتُ من مالي أحداً. انتهى.
ـ وروى في الكافي: 1|289، أن شخصاً سأل الإمام الباقر عليه السلام فقال:
حدثْني عن ولاية علي، أمن الله أو من رسوله؟
فغضب! ثم قال: ويحك! كان رسول الله صلى الله عليه وآله أخوف (لله) من أن يقول ما لم يأمره به الله! بل افترضها الله، كما افترض الصلاة والزكاة والصوم والحج. انتهى.
ولا نطيل الكلام بأمثلة ذلك، فهي موضوع مهمٌّ لرسالة دكتوراه، بل لعدة رسائل.
فقد قال أهل البيت وشيعتهم إن النبي صلى الله عليه وآله نصب علياً عليه السلام ولياً للمسلمين من بعده، وأن ذلك كان بأمر ربه عز وجل، فلا مجال فيه لاختيار قريشٍ أو غير قريش.
وقالت قريش إنه لم ينصب أحداً، ولم يوص الى أحد، وأن (سلطانه) ترثه كل قبائل قريش الثلاث وعشرين، لأنه ابن قريش.
لذلك اختارت قريش بعده قرشياً من قبيلة تَيْم هو أبو بكر، ثم اختار أبو بكر قرشياً من قبيلة عَدِي هو عمر، ثم اختار عمر بواسطة الشورى قرشياً ثالثاً من بني أمية هو عثمان..
ولم يختاروا خليفة من الأنصار، لأنه ليسوا قرشيين فلا حق لهم في سلطان محمد صلى الله عليه وآله، ولم يختاروا من بني هاشم، لأن حقهم في سلطانه ليس أكثر من غيرهم من قبائل قريش، ولم تخترهم أكثرية قبائل قريش!
إنه موضوع بسيط، يدور حول وجود النص وعدم وجوده.. ولكنه موضوعٌ شائكٌ لا تحب فتحه قريش، لأنه يضع نظام خلافتها تحت الإستفهام.. وإذا فتَحْتَهُ
وآيات الغدير، جزءٌ من مجموع الآيات التي نزلت في علي وأهل البيت عليهم السلام، وقد ألَّفَ قدماء المفسرين والمحدثين حتى السنيين منهم، كتباً خاصة في الآيات التي أنزلها الله تعالى في أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله، وفي الأحاديث التي قالها فيهم النبي صلى الله عليه وآله الذي لاينطق عن الهوى! نذكر منها كتاب الحافظ أبي نعيم الأصفهاني باسم (ما نزل في علي من القرآن)، وكتاب النسائي صاحب الصحيح باسم (خصائص أمير المؤمنين علي)، وهما كتابان معروفان مطبوعان..
وأثناء بحثنا لآيات الغدير الثلاث: (بلغ ما أنزل اليك من ربك) و (اليوم أكملت لكم دينكم) و (سأل سائل بعذاب واقع) وجدناها مرتبطةً بخطب النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع ارتباطاً وثيقاً، فكان لا بد أن يشمل موضوعنا بحوثاً في هذه الخطب الست! وما فيها من تبليغه صلى الله عليه وآله الأمة وجوب اتباع الثقلين من بعده: القرآن والعترة، وبشارته الأمة في خطبة عرفات بأن الله تعالى حل مشكلة الحكم فيها، واختار لها من بعده اثني عشر إماماً ربانياً..
كذلك كان من اللازم أن نبحث العلاقة التي كانت قائمة بين النبي صلى الله عليه وآله وزعماء قريش في قضية حكم أهل بيته من بعده صلى الله عليه وآله.
وقد اخترنا للكتاب اسم (آيات الغدير) رغم اشتماله على هذه الموضوعات، لأنه الإسم الأنسب لها، وإن زادت عن تفسير آيات الغدير بالمعنى الإصطلاحي.
نرجو أن تكون بحوثاً مفيدة، وأن ينفعنا الله تعالى بها في آخرتنا، ويشملنا بسببها في شفاعة النبي وآله الطاهرين صلى الله عليه وآله.
مركز المصطفى للدراسات الإسلامية
علي الكوراني العاملي
في الثالث عشر من رجب المكرم 1419
الفصل الأول خلاصة آيات الغدير الثلاث
بحوث تمهيدية لتفسير آية العصمة من الناس
أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وآله قبل حجة الوداع، أن يدل أمته على حجهم، كما دلهم على صلاتهم، وزكاتهم، وصومهم، وأن يدلهم على إمامهم من بعده ويعلن عهده الى وصيه من عترته، وينصبه علماً لأمته.. لأنه تعالى لم يقبض نبياً من أنبيائه عليهم السلام إلا بعد أن يكمل له دينه، ويورث الكتاب الآلهي لوصيه، وينصبه علماً لأمته.
ودعا النبي صلى الله عليه وآله المسلمين الى الحج معه، ليعلمهم مناسك حجهم، ويقيم لهم علياً عليه السلام علماً من بعده.. ولكنه كان يخشى أن تعارض ذلك قريش، لحسدها القديم لبني هاشم، وأن يطعنوا في نبوته، ويتهموه بأنه يريد تأسيس ملك لأسرته كملك كسرى وقيصر.. فيؤدي ذلك الى حدوث حركة ردة في الأمة.
وحج النبي صلى الله عليه وآله حجة الوداع، وبلغ الأمة فريضة الحج، وخطب في مكة وعرفات ومنى خمس خطب.. بين فيها للأمة معالم دينها، وبشرها بالأئمة الإثني عشر من أهل بيته عليهم السلام، وشدد على أنه لا أمان للمسلمين من الضلال إلا بالتمسك بالثقلين: القرآن والعترة.
وبسبب حساسية قريش، لم يكرس النبي صلى الله عليه وآله ولاية العترة الطاهرة بشكل رسمي ولم يأخذ البيعة من المسلمين لعلي عليه السلام.
وفي طريق عودته صلى الله عليه وآله من حجة الوداع نزل عليه جبرئيل عليه السلام بقوله تعالى بالآية الأولى (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك...الخ.) فأوقف النبي صلى الله عليه وآله المسلمين في الجحفة عند غدير خم، وبلغهم ما أمره به ربه، وأصعد علياً عليه السلام معه على المنبر، ورفع بيده معلناً ولايته من بعده، وأمر أن تنصب له خيمة، وأن يهنئه المسلمون بالولاية، فهنؤوه وبايعوه.. فنزلت عند ذلك آية إكمال الدين وإتمام النعمة بولاية العترة الطاهرة، وهي قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً...الخ. وذلك في يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجة.
وقبل وصول النبي صلى الله عليه وآله الى المدينة وبعده، بدأت تحركات قريش والمنافقين، ولكن الله تعالى أحبطها، وعصم رسوله من ارتداد الأمة على نبوته في حياته، وذلك بوسائل متعددة، كان منها أن أنزل العقاب على عدد من المعترضين على النبي صلى الله عليه وآله، وكان أحدهم جابر بن النضر بن الحارث من بني عبد الدار، الذي كان أبوه زعيم بني عبد الدار، وحامل لواء قريش يوم بدر.
قال أبو عبيد الهروي في كتابه غريب القرآن:
لما بلَّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم غدير خم ما بلَّغ، وشاع ذلك في البلاد، أتى جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري، فقال:
يا محمد! أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إلَه إلا الله وأنك رسول الله، وبالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، فقبلنا منك. ثم لم ترض بذلك، حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه! فهذا شيء منك أم من الله؟!
فولى جابر يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم! فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر، فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل الله تعالى: سأل سائلٌ بعذابٍ واقع.. الخ.
ومع أن عدداً من مصادر السنيين توافقنا على تفسير الآيات الثلاث بقصة الغدير وإعلان النبي صلى الله عليه وآله ولاية علي والعترة الطاهرة عليهم السلام.. ولكن أكثر مفسريهم ومحدثيهم فسروها بوجوه أخرى، متعددةٍ ومتضاربة، كما سترى.
لذلك حررنا بعض البحوث التمهيدية اللازمة لتفسير هذه الآيات الكريمة.
البحـث الأول
خلافة النبي صلى الله عليه وآله كانت مطروحة في حياته
مضافاً الى منطق الأمور، توجد أدلةٌ ملموسةٌ تدل على أن الخلافة وولاية الأمر بعد النبي صلى الله عليه وآله كانت مطروحةً من أول بعثته والى آخر حياته الشريفة، وأن الكلام كان يجري في من يخلفه بشكل طبيعي.. لا كما تقول مصادر السنيين من أن النبي صلى الله عليه وآله لم يوص الى أحد، وأن المسلمين لم يطرحوا هذا الموضوع معه أبداً، ولا سألوه عنه حتى مجرد سؤال! !
وهذه الأدلة غير ما ثبت من نصوص النبي صلى الله عليه وآله على إمامة العترة من بعده عليهم السلام.
الدليل الأول:
ماورد في سيرة النبي صلى الله عليه وآله من أنه كان يعرض نفسه على القبائل في أول بعثته، ويطلب منها أن تحميه لكي يبلغ رسالة ربه.. وأن بعض القبائل قبلت عرضه بشرط أن يكون الأمر لها من بعده، فأجابها النبي صلى الله عليه وآله بأنه مجرد رسول والأمر ليس له، بل هو لله تعالى يجعله لمن يريد!
وأبرز ما وجدنا من ذلك: حديث بني عامر بن صعصعة، وحديث كندة، وكلاهما في أول البعثة، وحديث عامر بن الطفيل، وهو في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وآله !
ـ ففي سيرة ابن هشام: 2|289:
أتى بني عامر بن صعصعة فدعاهم الى الله عز وجل، وعرض عليهم نفسه، فقال
قال: الأمر الى الله، يضعه حيث يشاء.
قال فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك! فأبوا عليه.
فلما صدر الناس، رجعت بنو عامر الى شيخ لهم، قد كانت أدركته السن حتى لا يقدر أن يوافى معهم المواسم، فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم، فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم، فقالوا: جاءنا فتىً من قريش ثم أحد بني عبد المطلب، يزعم أنه نبي يدعونا الى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به الى بلادنا، قال: فوضع الشيخ يديه على رأسه، ثم قال: يا بني عامر هل لها من تلافٍ؟! هل لذناباها من مُطَّلب؟! والذي نفس فلانٍ بيده ما تقوَّلها إسماعيليٌّ قط، وإنها لحق، فأين رأيكم كان عنكم! انتهى.
ورواه الطبري في تاريخه: 2|84، وابن كثير في سيرته: 2|158، وحكاه في الغدير: 7| 134، عن سيرة ابن هشام: 2|32، والروض الأنف: 1|264، وبهجة المحافل لعماد الدين العامري 1|128، والسيرة الحلبية: 2|3، وسيرة زيني دحلان: 1|302، بهامش الحلبية، وحياة محمد لهيكل|152.
وأما حديث قبيلة كندة، فرواه ابن كثير في سيرته: 2|159 قال:
قال عبد الله بن الأجلح: وحدثني أبي عن أشياخ قومه، أن كندة قالت له: إن ظفرت تجعل لنا الملك من بعدك؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الملك لله، يجعله حيث يشاء.
فقالوا: لا حاجة لنا فيما جئتنا به!. انتهى.
وأما حديث عامر بن الطفيل شيخ مشايخ قبائل غطفان، فرواه ابن كثير أيضاً في سيرته: 4| 114، قال:
ـ يا محمد، ما تجعل لي إن أسلمت؟
ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم.
ـ قال عامر: أتجعل لي الأمر إن أسلمت، من بعدك؟
ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس ذلك لك، ولا لقومك، ولكن لك أعنة الخيل.
ـ قال: أنا الآن في أعنة خيل نجد، إجعل لي الوَبَر، ولك المَدَر.
ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا.
ـ فلما قفل من عنده، قال عامر: أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً!
ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يمنعك الله.
ـ وفي ص 112، قال: وكان عامر بن الطفيل قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أخيرك بين ثلاث خصال: يكون لك أهل السهل ويكون لي أهل الوبر، وأكون خليفتك من بعدك، أو أغزوك بغطفان بألف أشقر وألف شقراء!
قال فطَعَن (أصيب بالطاعون) في بيت امرأة فقال: أغُدَّةٌ كغدة البعير، وموتٌ في بيت امرأة من بني فلان! (وفي رواية في بيت سلولية) ائتوني بفرسي، فركب، فمات على ظهر فرسه!. انتهى.
الدليل الثاني:
أن بيعة النبي صلى الله عليه وآله للأنصار تضمنت ثلاثة شروط:
الأول:
أن يحموه مما يحمون منه أنفسهم.
الثاني:
أن يحموا أهل بيته وذريته مما يحمون منه أهل بيوتهم وذراريهم.
الثالث: أن لا ينازعوا الأمر أهله.
وهذا يعني أن يطيعوا من يختاره الله تعالى للقيادة بعد نبيه صلى الله عليه وآله، وأن مبدأ الإختيار الآلهي للأئمة بعد النبي صلى الله عليه وآله كان مفروغاً عنه من أول الرسالة.
ـ ففي صحيح البخاري: 8|122
عن عبادة بن الصامت قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم.
ـ ورواه مسلم: 6|16 والنسائي: 7|137، بعدة روايات، وعقد باباً بعنوان
(باب البيعة على أن لا ننازع الأمر أهله)
ـ ورواه ابن ماجة: 2|957، وأحمد: 5|316، وفي ص 415 وقال (قال سفيان: زاد بعض الناس: ما لم تروا كفراً بواحاً). ورواه البيهقي في سننه: 8|145.
ورووا روايات فيها الزيادة التي ذكرها سفيان، وزيادة أخرى.. كما في صحيح البخاري: 8|88 قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعنا، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم من الله فيه برهان. انتهى.
ورواه البيهقي في سننه: 8|145
ـ وروى أحمد في مسنده: 5|321: عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليك السمع والطاعة، في عسرك ويسرك، ومنشطك ومكرهك، وأثرة عليك، ولا تنازع الأمر أهله، وإن رأيت أنه لك. انتهى.
وهاتان الزيادتان محل شكٍ، لأن البيعة كانت قبل الهجرة، ولم يكن فيها استثناء من الطاعة، ولم تكن مسألة إثرة القرشيين على الأنصار مطروحة أبداً إلا بعد بيعة أبي بكر، واعتراض رئيس الأنصار صاحب السقيفة سعد بن عبادة، وما جرى له.. وهذا يوجب الاطمئنان بأن زيادتي الإستثناء والأثرة نشأتا من جو علاقة الأنصار مع الخلافة القرشية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله.
ـ قال في مجمع الزوائد: 6|49
عن عبادة بن الصامت أن أسعد بن زرارة قال: يا أيها الناس، هل تدرون على ما تبايعون محمداً صلى الله عليه وسلم؟ إنكم تبايعونه أن تحاربوا العرب والعجم، والجن والإنس! فقالوا: نحن حرب لمن حارب، وسلم لمن سالم.
قالوا: يارسول الله إشترط.
قال: تبايعوني على أن: تشهدوا أن لا إلَه إلا الله، وأني رسول الله، وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة، والسمع والطاعة، وأن لا تنازعوا الأمر أهله، وأن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم.
وعن حسين بن علي قال: جاءت الأنصار تبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على العقبة فقال: يا علي قم فبايعهم، فقال علي: ما أبايعهم يا رسول الله؟
قال: على أن يطاع الله ولا يعصى، وعلى أن تمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وذريته، مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم. انتهى.
وستأتي روايته من مصادر أخرى في (مهمة نبينا صلى الله عليه وآله في التبليغ).
الدليل الثالث:
حديث الدار المعروف، الذي ورد في تفسير قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين).
ولا بد هنا من التنبيه على أمرٍ مهم، وهو أن مدوني السيرة النبوية الشريفة طمسوا مرحلة دعوة بني هاشم من السيرة، مع أنها منصوصة فيالقرآن، واخترعوا بدلها مرحلة ما قبل بيت الأرقم، وما بعد بيت الأرقم... ورووا فيها الصحيح وغير
وتدل الآية الكريمة على أن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وآله في المرحلة الأولى أن يدعو بني هاشم فقط.. فماذا فعل النبي صلى الله عليه وآله في هذه المرحلة؟
وهل استمرت مدتها شهوراً، أو سنوات، حتى نزل الأمر بتوسيع نطاق الدعوة؟
وما معنى الأمر الإلَهي: أن تكون نبوة الرسول صلى الله عليه وآله أولاً لبني هاشم خاصة، وبعدها لقريش والعرب والناس عامة؟
وما معنى أن قريشاً اتخذت قراراً بمحاصرة بني هاشم، فالتفوا جميعاً حول النبي صلى الله عليه وآله، مؤمنهم وكافرهم، وتحملوا الحصار الشامل الذي استمر من السنة السادسة أو السابعة، الى السنة الحادية عشرة للبعثة.. ولم يقل أحد منهم آخ!
وما معنى أنه عندما كانت تقع شدائد على المسلمين، لا ينهض بحملها إلا بنو هاشم؟ ! فقد انهزم المسلمون جميعاً في أحد، ولم يثبت غير بني هاشم!
ثم انهزموا في حنين وهم عشرة آلاف.. فلم يثبت غير بني هاشم! !
إن هذه الحقائق والظواهر تفسر الحديث الذي روته مصادرنا (بعثت الى أهل بيتي خاصة، والى الناس عامة).
كما تدل آية (أنذر عشيرتك الأقربين) على أن إنذار بني هاشم كان مبرمجاً من الله تعالى.. ويدل حديث الدار على أن تعيين وصي النبي صلى الله عليه وآله وخليفته من بينهم، كان عملاً مبكراً، من ضمن ذلك البرنامج..
ـ فقد قال السيوطي في الدر المنثور: 5|97
وأخرج ابن إسحق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي في الدلائل، من طرقٍ، عن علي رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنذر عشيرتك الأقربين، دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ياعلي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني مهما أبادؤهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتُّ عليها حتى جاء
ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا اليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به، فلما وضعته تناول النبي صلى الله عليه وسلم بضعة من اللحم فشقها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحي الصحفة، ثم قال: كلوا بسم الله، فأكل القوم حتى نهلوا عنه، ما ترى إلا آثار أصابعهم!
والله إنْ كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم.
ثم قال: إسق القوم ياعلي، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعاً!
وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله!
فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم بدره أبو لهب الى الكلام، فقال: لقد سحركم صاحبكم! فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما كان الغد قال: يا علي إن هذا الرجل قد سبقني الى ما سمعت من القول، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم، فعدْ لنا بمثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب، ثم اجمعهم لي، ففعلت ثم جمعتهم، ثم دعاني بالطعام فقربته، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا وشربوا حتى نهلوا، ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئنكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يُوَازِرُنِي على أمري هذا؟
فقلت وأنا أحدثهم سناً: إنه أنا، فقام القوم يضحكون.
ثم رواها السيوطي بسند آخر عن ابن مردويه عن البراء بن عازب، قال: لما نزلت
ولكن السيوطي بتر الحديث هنا، ولم يذكر بقية كلام النبي صلى الله عليه وآله.. وهو أسلوبٌ دأب رواة خلافة قريشٍ على ارتكابه في حديث الدار، لأن بقية الحديث تقول إن الله أمر رسوله من ذلك اليوم أن يختار وزيره وخليفته من عشيرته الأقربين!
ـ قال الأميني في الغدير: 1|207
وها نحن نذكر لفظ الطبري بنصه حتى يتبين الرشد من الغي قال في تاريخه: 2| 217 من الطبعة الأولى: إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟
قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإني لأحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه.
فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.
ـ وقال الأميني: 2|279
وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الإسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي، المتوفى 240، في كتابه نقض العثمانية، وقال: إنه روي في الخبر الصحيح.
ورواه الفقيه برهان الدين في (أنباء نجباء الأبناء)|46 ـ 48
وابن الأثير في الكامل 2|24
وأبو الفداء عماد الدين الدمشقي في تاريخه 1|116
وشهاب الدين الخفاجي في شرح الشفا للقاضي عياض 3|37 (وبتر آخره)
وقال: ذكر في دلايل البيهقي وغيره بسند صحيح.
والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره|390
وفي|397، عن الحفاظ الستة: ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي.
وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3|254. انتهى.
ثم شكا صاحب الغدير من الذين حرفوا الحديث لإرضاء قريش، ومنهم الطبري الذي رواه في تفسيره بنفس سنده المتقدم في تاريخه، ولكنه أبهم كلام النبي صلى الله عليه وآله في حق علي عليه السلام فقال: ثم قال: إن هذا أخي، وكذا وكذا! !.
وتبعه على ذلك ابن كثير في البداية والنهاية: 3 |40، وفي تفسيره: 3|351. انتهى.
ـ وقال في هامش بحار الأنوار: 32|272: وناهيك من ذلك مؤاخاته مع رسول الله صلى الله عليه وآله بأمر من الله عز وجل في بدء الإسلام حين نزل قوله تعالى: وأنذر عشيرتك الأقربين ... راجع تاريخ الطبرى: 2|321، كامل ابن الأثير: 2|24، تاريخ أبي الفداء: 1|116، والنهج الحديدي: 3|254، ومسند الإمام ابن حنبل: 1|159، وجمع الجوامع ترتيبه: 6| 408، وكنز العمال: 6|401.
وهذه المؤاخاة مع أنها كانت بأمر الله عز وجل، إنما تحققت بصورة البيعة والمعاهدة (الحلف) ولم يكن للنبي صلى الله عليه وآله أن يأخذ أخاً ووزيراً وصاحباً وخليفةً غيره، ولا لعلي أن يقصر في مؤازرته ونصرته والنصح له ولدينه، كمؤازرة هارون لموسى على ما حكاه الله عز وجل في القرآن الكريم.
ولذلك ترى رسول الله صلى الله عليه وآله حين يؤاخي بعد ذلك المجلس بين المهاجرين بمكة، فيؤاخي بين كل رجل وشقيقه وشكله: يؤاخي بين عمر وأبي بكر، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير وعبد الله بن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة، وبين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة الكلبي (راجع سيرة ابن هشام: 1|504 المحبر| 71 ـ 70 البلاذرى: 1|270) يقول لعلي عليه السلام:
ثم قال له: وإذا ذاكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله، ولا يدعيها بعدي إلا كاذب مفتر (الرياض النضرة: 2|168 منتخب كنز العمال: 5|45 و 46).
ولذلك نفسه تراه صلى الله عليه وآله حينما عرض نفسه على القبائل فلم يرفعوا اليه رؤوسهم، ثم عرض نفسه على بني عامر بن صعصعة قال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس بن عبد الله بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال لرسول الله: أرأيت إن بايعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟
قال: الأمر الى الله يضعه حيث يشاء.
قال فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا، لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه (راجع سيرة ابن هشام: 1|424 الروض الأنف: 1|264 بهجة المحافل: 1|128، سيرة زيني دحلان: 1|302 السيرة الحلبية: 2|3). فلولا أنه صلى الله عليه وآله كان تعاهد مع علي عليه السلام بالخلافة والوصاية بأمر من الله عز وجل قبل ذلك، لما ردهم بهذا الكلام المؤيس، وهو بحاجة ماسة من نصرة أمثالهم. انتهى.
ـ وفي دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي: 1|15
وروينا أيضاً عن علي بن أبي طالب صلى الله عليه أنه قال: لما أنزل الله عز وجل: وأنذر عشيرتك الأقربين، جمع رسول الله صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب على فخذ شاة وقدح من لبن، وإن فيهم يومئد عشرة ليس منهم رجل إلا أن يأكل الجذعة ويشرب الفرق، وهم بضع وأربعون رجلاً، فأكلوا حتى صدروا وشربوا حتى ارتووا، وفيهم يومئذ أبو لهب، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله:
يا بني عبد المطلب أطيعوني تكونوا ملوك الأرض وحكامها، إن الله لم يبعث نبياً إلا جعل له وصياً ووزيراً ووارثاً وأخاً وولياً، فأيكم يكون وصيي ووارثي ووليي وأخي ووزيري؟
فلما انصرفوا قال لهم أبو لهب: لو لم تستدلوا على سحر صاحبكم إلا بما رأيتم، أتاكم بفخذ شاة وقدح من لبن فشبعتم ورويتم! وجعلوا يهزؤون ويقولون لأبي طالب: قد قدم ابنك اليوم عليك. انتهى.
ولا بد أن تكون حادثة دعوة النبي صلى الله عليه وآله لبني هاشم قد شاعت في قريش، ثم في العرب، فقالوا إن النبي الجديد جمع عشيرته وأنذرهم ودعاهم الى دينه، وإنه طلب منهم شخصاً يكون له وزيراً وخليفةً من بعده، فأجابه ابن عمه الشاب الغلام.. فاتخذه وزيراً وخليفة!
وكيف يقبل عاقل أنهم يروون عنه صلى الله عليه وآله أحاديث عن مستقبل الأمة في كل الأمور، إلا في أمر الخلافة والإمام الشرعي من بعده؟!