مكة، والنبي صلى الله عليه وآله لم يرجع بعد الغدير الى مكة.. وقد جهلا أو تجاهلا أبطح المدينة المشهور!

ثم قالا: إن الرواية تدعي أن الآية نزلت في المدينة، مع أن سورة المعارج مكية.. وقد تجاهلا أن جوَّ السورة الى الآية 36 على الأقل مدني، وأن هذا الحديث دليل على مدنيتها.

ثم لو صح كونها مكية، فقد يتكرر نزول الآية لبيان تفسيرها أو تأويلها، فتكون الحادثة تأويلاً لها. وقد روى المفسرون نزول آية (إنا أعطيناك الكوثر) في عدة مواضع تسليةً لقلب الرسول صلى الله عليه وآله.

فما المانع أن يكون تأويلها قد تحقق في (عشيرة العذاب الواقع) فتحقق في الأب النضز بن الحارث عندما قتله النبي صلى الله عليه وآله في بدر، ثم تحقق في الإبن جابر عندما قتله الله بحجر من السماء في أبطح المدينة، وأن يكون جبرئيل عليه السلام أكد الآية كلما تحقق تأويلها.

ثم من حق الباحث أن يقول لهما: لو سلمنا أن ذكر نزول الآية في الحادثة خطأ، أو زيادة، فما ذنب بقية الحديث! ولماذا يردونه كله ولا يقتصرون على رد زيادته وهو نزول الآية بمناسبته؟!

ـ وقد ناقش صاحب تفسير الميزان 6|54 تضعيف صاحب المنار للحديث فقال:

وأنت ترى ما في كلامه من التحكم. أما قوله إن الرواية موضوعة وسورة المعارج هذه مكية، فيعول في ذلك على ما في بعض الروايات عن ابن عباس وابن الزبير أن سورة المعارج نزلت بمكة، وليت شعري ما هو المرجح لهذه الرواية على تلك الرواية، والجميع آحاد.

سلمنا أن سورة المعارج مكية كما ربما تؤيده مضامين معظم آياتها، فما هو الدليل على أن جميع آياتها مكية؟ فلتكن السورة مكية والآيتان خاصة غير مكيتين.

كما أن سورتنا هذه أعني سورة المائدة مدنية نازلة في آخر عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وقد

الصفحة 312
وضعت فيها الآية المبحوث عنها، أعني قوله تعالى: ياأيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، الآية، وهو كغيره من المفسرين مصرون على أنها نزلت بمكة في أول البعثة!...

وأما قوله وما حكاه الله من قول بعض كفار قريش الى آخره، فهو في التحكم كسابقه، فهب أن سورة الأنفال نزلت قبل المائدة ببضع سنين، فهل يمنع ذلك أن يوضع عند التأليف بعض الآيات النازلة بعدها فيها، كما وضعت آيات الربا وآية: واتقوا يوماً ترجعون فيه الى الله: البقرة ـ 281، وهي آخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وآله عندهم، في سورة البقرة النازلة في أوائل الهجرة، وقد نزلت قبلها ببضع سنين؟

ثم قوله إن آية: وإذا قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق، الآية، تذكيرٌ لما قالوه قبل الهجرة، تحكمٌ آخر من غير حجة، لو لم يكن سياق الآيه حجة على خلافه، فإن العارف بأساليب الكلام لا يكاد يرتاب في أن هذا أعني قوله: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، لاشتماله على قوله: إن كان هذا هو الحق من عندك بما فيه من اسم الاشاره وضمير الفصل والحق المحلى باللام، وقوله من عندك، ليس كلام وثني مشرك يستهزىء بالحق ويسخر منه، إنما هو كلام من أذعن بمقام الربوبية، ويرى أن الأمور الحقة تتعين من لدنه وأن الشرائع مثلاً تنزل من عنده، ثم إنه يتوقف في أمر منسوب الى الله تعالى يدعي مدع أنه الحق لا غيره، وهو لا يتحمل ذلك ويتحرج منه، فيدعو على نفسه دعاء منزجر ملول سئم الحياة.

وأما قوله: وظاهر الرواية أن الحارث بن النعمان هذا كان مسلماً فارتد، ولم يعرف في الصحابة، تحكمٌ آخر، فهل يسع أحداً أن يدعي أنهم ضبطوا أسماء كل من رأى النبي صلى الله عليه وآله، وآمن به، أو آمن به فارتد!

وإن يكن شيء من ذلك فليكن هذا الخبر من ذلك القبيل.

وأما قوله والأبطح بمكة والنبي صلى الله عليه وآله لم يرجع من غدير خم الى مكة، فهو يشهد

الصفحة 313
على أنه أخذ لفظ الأبطح اسماً للمكان الخاص بمكة، ولم يحمله على معناه العام وهو كل مكان ذي رمل.. ولا دليل على ما حمله عليه، بل الدليل على خلافه وهو القصة المسرودة فى الرواية وغيرها...

قال في مراصد الاطلاع: أبطح بالفتح ثم السكون وفتح الطاء والحاء المهملة: كل مسيل فيه رقاق الحصى فهو أبطح....

على أن الرواية بعينها رواها غير الثعلبي، وليس فيه ذكر من الأبطح، وهي ما يأتي من رواية المجمع من طريق الجمهور وغيرها.

وبعد هذا كله، فالرواية من الآحاد وليست من المتواترات، ولا مما قامت على صحتها قرينة قطعية، وقد عرفت من أبحاثنا المتقدمه أنا لا نعول على الآحاد في غير الأحكام الفرعية، على طبق الميزان العام العقلائي، الذي عليه بناء الإنسان في حياته، وإنما المراد بالبحث الآنف بيان فساد ما استظهر به من الوجوه التي استنتج منها أنها موضوعة. انتهى.

***

وكلام صاحب الميزان في رد تضعيف رشيد رضا للحديث كلامٌ قوي، لكن ليته بدل أن يضعِّفه هو بدعوى أنه من أخبار الآحاد، اطلع على مصادره ورواته.. وعلى بحث الأميني حوله في المجلد الأول من الغدير، وبحث السيد النقوي الهندي في عبقات الأنوار: 7 و 8، وغيرهما.

ـ ونورد فيما يلي خلاصةً لما كتبه صاحب الغدير رحمه الله في: 1|239، قال:

ومن الآيات النازلة بعد نص الغدير، قوله تعالى من سورة المعارج: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج.

وقد أذعنت به الشيعة وجاء مثبتاً في كتب التفسير والحديث لمن لا يستهان بهم من علماء أهل السنة، ودونك نصوصها.


الصفحة 314
ثم أورد صاحب الغدير نصوص ثلاثين مؤلفاً رووا الحديث بعدة طرق، وفيهم محدثان أقدم من الثعلبي كما تقدم..ثم أفاض في رد الوجوه التي ذكرها ابن تيمية في كتابه منهاج السنة: 4|13، وأجاب عنها، ونورد فيما يلي خلاصتها، قال:

الوجه الأول: إن قصة الغدير كانت في مرتجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وقد أجمع الناس على هذا، وفي الحديث: أنها لما شاعت في البلاد جاءه الحارث، وهو بالأبطح بمكة، وطبع الحال يقتضي أن يكون ذلك بالمدينة، فالمفتعل للرواية كان يجهل تاريخ قصة الغدير.

الجواب: أولاً ما سلف في رواية الحلبي في السيرة، وسبط ابن الجوزي في التذكرة، والشيخ محمد صدر العالم في معارج العلى، من أن مجئ السائل كان في المسجد ـ إن أريد منه مسجد المدينة ـ ونص الحلبي على أنه كان بالمدينة، لكن ابن تيمية عزب عن ذلك كله، فطفق يهملج في تفنيد الرواية بصورة جزمية.... فحسب اختصاص الأبطح بحوالي مكة، ولو كان يراجع كتب الحديث ومعاجم اللغة والبلدان والأدب لوجد فيها نصوص أربابها بأن الأبطح كل مسيل فيه دقاق الحصى

ـ روى البخاري في صحيحه: 1|181، ومسلم في صحيحه: 1|382

عن عبد الله ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء بذي الحليفة فصلى بها.

الوجه الثاني: أن سورة المعارج مكية باتفاق أهل العلم، فيكون نزولها قبل واقعة الغدير بعشر سنين أو أكثر من ذلك.

الجواب: أن المتيقن من معقد الإجماع المذكور هو نزول مجموع السورة مكياً، لا جميع آياتها، فيمكن أن يكون خصوص هذه الآية مدنياً، كما في كثير من السور.

ولا يرد عليه أن المتيقن من كون السورة مكية أو مدنية، هو كون مفاتيحها كذلك أو الآية التي انتزع منها اسم السورة، لما قدمناه من أن هذا الترتيب هو ما اقتضاه التوقيف، لا ترتيب النزول، فمن الممكن نزول هذه الآية أخيراً، وتقدمها

الصفحة 315
على النازلات قبلها بالتوقيف، وإن كنا جهلنا الحكمة في ذلك، كما جهلناها في أكثر موارد الترتيب في الذكر الحكيم، وكم لها من نظير ومن ذلك:

1 ـ سورة العنكبوت، فإنها مكية إلا من أولها عشرة آيات، كما رواه الطبري في تفسيره في الجزء العشرين|86، والقرطبي في تفسيره 13|323

. 2 ـ سورة الكهف، فإنها مكية إلا من أولها سبع آيات، فهي مدنية...كما في تفسير القرطبي 10|346، وإتقان السيوطي 1|16...

ثم عدد الأميني سبع عشرة سورة مكية فيها آيات مدنية، وسوراً مدنية فيها آيات مكية..

الوجه الثالث: أن قوله تعالى: وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، نزلت عقيب بدر بالإتفاق قبل يوم الغدير بسنين.

الجواب: كأن هذا الرجل يحسب أن من يروي تلك الأحاديث المتعاضدة يرى نزول ما لهج به الحارث بن النعمان الكافر من الآية الكريمة... في اليوم المذكور.

والقارئ لهاتيك الأخبار جد عليم بمينه في هذا الحسبان، أو أنه يرى حجراً على الآيات السابق نزولها أن ينطق بها أحدٌ، فهل في هذه الرواية غير أن الرجل المرتد الحارث أو جابر تفوه بهذه الكلمات؟ وأين هو من وقت نزولها، فدعها يكن نزولها في بدر أو أحد، فالرجل أبدى كفره بها كما أبدى الكفار قبله إلحادهم بها!

لكن ابن تيمية يريد تكثير الوجوه في إبطال الحق الثابت.

الوجه الرابع: أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون بمكة، ولم ينزل عليهم العذاب هناك لوجود النبي صلى الله عليه وآله، لقوله تعالى: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون.

الجواب: لا ملازمة بين عدم نزول العذاب في مكة على المشركين، وبين عدم نزوله هاهنا على الرجل، فإن أفعال المولى سبحانه تختلف باختلاف وجوه الحكمة.


الصفحة 316
ثم أورد الأميني عدداً من الذين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وآله فعذبهم الله تعالى، ثم قال: ولو كان وجود الرسول صلى الله عليه وآله مانعاً عن جميع أقسام العذاب بالجملة، لما صح ذلك التهديد، ولما أصيب النفر الذين ذكرناهم بدعوته، ولما قتل أحد في مغازيه بعضبه الرهيف، فإن كل هذه من أقسام العذاب، أعاذنا الله منها.

الوجه الخامس: أنه لو صح ذلك لكان آيةً كآية أصحاب الفيل، ومثلها تتوفر الدواعي لنقله، ولما وجدنا المصنفين في العلم من أرباب المسانيد والصحاح والفضايل والتفسير والسير ونحوها، قد أهملوه رأساً فلا يروى إلا بهذا الإسناد المنكر، فعلم أنه كذب باطل.

الجواب: إن قياس هذه التي هي حادثة فردية، لا تحدث في المجتمع فراغاً كبيراً يؤبه له، وورائها أغراض مستهدفة تحاول إسدال ستور الإنساء عليها كما أسدلوها على نص الغدير نفسه... مجازفةٌ ظاهرةٌ، فإن من حكم الضرورة أن الدواعي في الأولى دونها في الثانية....

وأما ما ادعاه ابن تيمية من إهمال طبقات المصنفين لها، فهو مجازفة أخرى، لما أسلفناه من رواية المصنفين لها من أئمة العلم، وحملة التفسير، وحفاظ الحديث، ونقلة التاريخ....

لم نعرف المشار إليه في قوله: بهذا الإسناد المنكر! فإنه لا ينتهي إلا الى حذيفة بن اليمان الصحابي العظيم، وسفيان بن عيينة المعروف بإمامته في العلم والحديث والتفسير، وثقته في الرواية.

وأما الإسناد إليهما، فقد عرفه الحفاظ والمحدثون والمفسرون المنقبون في هذا الشأن، فوجدوه حرياً بالذكر والإعتماد، وفسروا به آيات من الذكر الحكيم، من دون أي نكير، ولم يكونوا بالذين يفسرون الكتاب بالتافهات.

نعم: هكذا سبق العلماء وفعلوا، لكن ابن تيمية استنكر السند، وناقش في المتن لأن شيئاً من ذلك لا يلائم دعارة خطته.


الصفحة 317
الوجه السادس: أن المعلوم من هذا الحديث أن حارثاً المذكور كان مسلماً باعترافه بالمبادئ الخمسة الإسلامية، ومن المعلوم بالضرورة أن أحداً من المسلمين لم يصبه عذاب على العهد النبوي.

الجواب: إن الحديث كما أثبت إسلام الحارث، فكذلك أثبت ردته برده قول النبي صلى الله عليه وآله وتشكيكه فيما أخبر به عن الله تعالى، والعذاب لم يأته حين إسلامه، وإنما جاءه بعد الكفر والإرتداد... على أن في المسلمين من شملته العقوبة لما تجرؤوا على قدس صاحب الرسالة... ثم ذكر الأميني عدداً من الذين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وآله من المسلمين، منهم من ذكره مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع: أن رجلاً أكل عند النبي صلى الله عليه وآله بشماله، فقال: كل بيمينك. قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت! قال: فما رفعها الى فيه بعد.. الخ.!

الوجه السابع: أن الحارث بن النعمان غير معروف في الصحابة، ولم يذكره ابن عبد البر في الإستيعاب وابن مندة وأبو نعيم الإصبهاني وأبو موسى في تآليف ألفوها في أسماء الصحابة، فلم نتحقق وجوده.

الجواب: إن معاجم الصحابة غير كافلةٍ لاستيفاء أسمائهم، فكل مؤلف من أربابها جمع ما وسعته حيطته وأحاط به إطلاعه، ثم جاء المتأخر عنه فاستدرك على من قبله بما أوقفه السير في غضون الكتب وتضاعيف الآثار، وأوفى ما وجدناه من ذلك كتاب الإصابة بتمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني، ومع ذلك فهو يقول في مستهل كتابه: ومع ذلك فلم يحصل لنا من ذلك جميعاً الوقوف على العشر من أسامي الصحابة بالنسبة الى ما جاء عن أبي زرعة الرازي قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان، من رجل وامرأة، كلهم قد روى عنه سماعاً أو رؤية....

وبعد هذا كله فالنافي لشخصٍ لم يجد اسمه في كتب هذا شأنها خارجٌ عن ميزان النصفة، ومتحايد عن نواميس البحث، على أن من المحتمل قريباً أن مؤلفي معاجم الصحابة أهملوا ذكره لردته الأخيرة. انتهى.


الصفحة 318
ونضيف الى ما ذكره صاحب الغدير رحمه الله وما تقدم:

أولاً:

أن من الأدلة القوية على صحة هذا الحديث أنه لايمكن أن ينشأ من فراغ، وأن احتمال وضعه من قبل رواة الخلافة القرشية غير معقول، لأنهم لا يقدمون على وضع حديث يثبت أن ولاية علي عليه السلام نزلت من السماء قبل بيعة أبي بكر في السقيفة وأن الله تعالى عاقب من اعترض عليها بحجر من السماء، كما عاقب أصحاب الفيل الكفار!

كما أن القول بتسرب الحديث من مصادر الشيعة الى مصادر السنة بابٌ خطيرٌ عليهم.. فلو قبلوا بفتحه لانهار بناء صحاحهم كلها، ثم انهارت الخلافة القرشية وسقيفتها! وذلك لأن رواة هذه الأحاديث (الشيعية) هم رواة أصول عقيدة الخلافة القرشية وبناة قواعدها.. فهم مجبورون على توثيقهم وقبول رواياتهم، ومنها هذه الروايات التي تضر أصول مبانيهم!

ثانياً:

أن المتفق عليه في مصادر الشيعة والسنة أقوى من المختلف فيه.. لأنك عندما ترى أن مذاهب المسلمين كلها تروي حديثاً، يقوى عندك احتمال أن يكون صدر عن النبي صلى الله عليه وآله، وعندما يرويه بعضها ويرده بعضها تنزل عندك درجة الإحتمال ومما يزيد في درجة احتمال الصحة: أن يكون الطرف الراوي للحديث متضرراً منه ضرراً مؤكداً، ومتحيراً في كيفية التخلص منه!

وحديثنا من هذا النوع، فهو حديثٌ يتضرر منه أتباع خلافة قريش من المسلمين ويبغضه عَبَدَةُ قبيلة قريش من النواصب.

أما أتباع أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله فيحتجون به، وتخبت له قلوبهم.

ثالثاً:

أن الإختلاف في اسم الشخص الذي نزل عليه حجر السجيل، لا يضر في صحة الحديث، إذا تمت بقية شروطه.. خاصةً أن اسمه صار سوأةً على أقاربه وعشيرته، ولا بد أنهم عملوا على إخفائه ونسيان أمره، حتى لا يعيرهم به المسلمون، كما قال الاميني.


الصفحة 319
على أن للباحث أن يرجح أن اسم المعترض هو: جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العبدري، وليس الحارث بن النعمان الفهري.. بدليل أن الحافظ أبي عبيد الهروي المتوفى سنة 223، ضبطه في تفسيره بهذا الإسم، وكل العلماء السنيين يحترمون علم أبي عبيد، وخبرته بالأحاديث، وقدم عصره.

وجابر بن النضر شخصيةٌ قرشية معروفة، لأنه ابن زعيم بني عبد الدار، حامل لواء قريش يوم بدر.. فلا يبقى لابن تيمية والنواصب حجةٌ في رد الحديث!

على أن الباقين الذين وردت أسماؤهم في روايات الحديث، كالحارث الفهري وغيره، ترجم لهم المترجمون للصحابة أيضاً، أو ترجموا لمن يصلحوا أن يكونوا أقارب لهم.

المسألة السادسة: طرق وأسانيد حديث حجر الغدير

أولاً: طرق وأسانيد المصادر السنية

الطريق الأول:

حديث أبي عبيد الهروي في كتابه: غريب القرآن، وقد تقدم، وهو بمقاييس أهل الجرح والتعديل السنيين بقوة المسند المقبول.

الطريق الثاني:

حديث الثعلبي عن سفيان بن عيينة.. وله أسانيد كثيرة، وأكثر الذين ذكرهم صاحب الغدير، رووه عن الثعلبي بأسانيدهم اليه، أو نقلوه من كتابه.

ـ وذكر السيد المرعشي عدداً منهم في إحقاق الحق: 6|358، قال:

ـ العلامة الثعلبي في تفسيره (مخطوط): روى بسنده عن سفيان بن عيينة رحمه الله سئل عن قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع، فيمن نزلت؟ فقال للسائل: لقد سألتني عن مسألة لم يسألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي، عن جعفر بن محمد عن آبائه رضي الله عنهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد علي رضي الله عنه وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فشاع ذلك فطار في البلاد، وبلغ ذلك الحارث (خ. الحرث) بن النعمان الفهري، فأتي رسول الله

الصفحة 320
صلى الله عليه وسلم على ناقة له، فأناخ راحلته ونزل عنها، وقال: يا محمد أمرتنا عن الله عز وجل أن نشهد أن لا إلَه إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا منك، وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلنا منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا منك، وأمرتنا أن نصوم رمضان وأمرتنا بالحج فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضله علينا فقلت من كنت مولاه فعلي مولاه! فهذا شيء منك أم من الله عز وجل؟!

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي لا إلَه إلا هو إن هذا من الله عز وجل.

فولى الحارث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل الى راحلته حتى رماه الله عز وجل بحجر سقط على هامته فخرج من دبره فقتله، فأنزل الله عز وجل (سئل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج).

ـ ومنهم العلامة الحمويني في فرائد السمطين (المخطوط) قال:

أخبرني الشيخ عماد الدين عبد الحافظ بن بدران بن شبل المقدسي بمدينة نابلس فيما أجازني أن أرويه عنه، عن القاضي جمال الدين عبد القاسم بن عبد الصمد بن محمد الأنصاري إجازة، عن عبدالجبار بن محمد الخوارزمي البيهقي إجازة، عن الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي رحمه الله قال: قرأت على شيخنا الأستاد أبي إسحاق الثعلبي رحمه الله في تفسيره أن سفيان بن عيينة.. فذكر الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.

ـ ومنهم العلامة الزرندي في نظم درر السمطين|93 ط. مطبعة القضاء:

روى الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.

ـ ومنهم العلامة ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة|24 ط. الغري

روى الحديث نقلاً عن الثعلبي بعين ماتقدم عن تفسيره بلا واسطة.

ـ ومنهم العلامة عبد الرحمن الصفوري في نزهة المجالس 2|209 ط. القاهرة:

روى الحديث نقلاً عن تفسير القرطبي بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.


الصفحة 321
ـ ومنهم العلامة السيد جمال الدين عطاء الله الشيرازي الهروي في الأربعين حديثاً

(مخطوط) روى الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي، لكنه زاد بعد قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله: وأدر الحق معه حيث كان، وفي رواية اللهم أعنه وأعن به وارحمه وارحم به، وانصره وانصر به.

ـ ومنهم العلامة عبدالله الشافعي في المناقب|205 مخطوط

روى الحديث بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي.

ـ ومنهم العلامة القندوزي في ينابيع المودة|274 ط. اسلامبول

روى الحديث عن الثعلبي بعين ما تقدم عنه في تفسيره.

ـ ومنهم العلامة الأمرتسري في أرجح المطالب|568 ط. لاهور

روى الحديث من طريق شهاب الدين الدولت آبادي، والسيد السمهودي في جواهر العقدين، وجمال الدين المحدث صاحب روضة الأحباب في أربعينه

ـ وعبد الرؤوف المناوي في فيض القدير

ـ ومحمد بن محمد القادري في الصراط السوي

ـ والحلبي في إنسان العيون

ـ وأحمد بن الفضل بن محمد باكثير في وسيلة الامال

ـ ومحمد بن إسماعيل الامير في الروضة الندية

ـ والحافظ محمد بن يوسف الكنجي في كفاية الطالب بعين ما تقدم عن تفسير الثعلبي. انتهى.

سندا القاضي الحسكاني الى ابن عيينة

ـ قال في شواهد التنزيل: 2|382

1030 ـ أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي أخبرنا أبو بكر الجرجرائي، حدثنا أبو أحمد البصري قال: حدثني محمد بن سهل حدثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصاري،

الصفحة 322
حدثنا محمد بن أيوب الواسطي، عن سفيان بن عينية، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: عن علي قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علياً يوم غدير خم فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. طار ذلك في البلاد، فقدم على رسول الله النعمان بن الحرث الفهري فقال: أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إلَه إلا الله وأنك رسول الله، وأمرتنا بالجهاد والحج والصلاة والزكاة والصوم فقبلناها منك، ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت: من كنت مولاه معلي مولاه، فهذا شيء منك أو أمر من عند الله؟!!

فقال: أمرٌ من عند الله.

قال: الله الذي لا إلَه إلا هو إن هذا من الله؟

قال: الله الذي لا إلَه إلا هو إن هذا من الله.

قال: فولى النعمان وهو يقول (اللهم) إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فرماه الله بحجر على رأسه فقتله، فأنزل الله تعالى (سأل سائل).

1031 ـ حدثونا عن أبي بكر السبيعي، حدثنا أحمد بن محمد بن نصر أبو جعفرالضبعي، قال: حدثني زيد بن إسماعيل بن سنان، حدثنا شريح بن النعمان حدثنا سفيان بن عيينة، عن جعفر عن أبيه، عن علي بن الحسين قال: نصب رسول الله صلى الله عليه وآله علياً يوم غدير خم (و) قال: من كنت مولاه فعلي مولاه. فطار ذلك في البلاد. الحديث به، سواء معنى.

الطريق الثالث: للقاضي الحسكاني عن جابر الجعفي

ـ قال في شواهد التنزيل: 2|382

1032 ـ و (رواه أيضاً) في (التفسير) العتيق (قال): حدثنا إبراهيم بن محمد الكوفي قال: حدثني نصر بن مزاحم، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن محمد بن علي قال: أقبل الحارث بن عمرو الفهري الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إنك أتيتنا

الصفحة 323
بخبر السماء فصدقناك وقبلنا منك. فذكر مثله الى قوله: فارتحل الحارث، فلما صار ببطحاء (مكة) أتته جندلة من السماء فشدخت رأسه، فأنزل الله (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين) بولاية علي عليه السلام.

وفي الباب عن حذيفة، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة، وابن عباس.

الطريق الرابع: للقاضي الحسكاني عن حذيفة بن اليمان

ـ قال في شواهد التنزيل: 2|383

1033 ـ حدثني أبو الحسن الفارسي، حدثنا أبو الحسن محمد بن إسماعيل الحسني، حدثنا عبد الرحمان بن الحسن الأسدي، حدثنا إبراهيم.

وأخبرنا أبو بكر محمد بن محمد البغدا دي، حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الشيباني، حدثنا عبد الرحمن بن الحسن الأسدي، حدثنا إبراهيم بن الحسن الكسائي، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سفيان بن سعيد، حدثنا منصور، عن ربعي، عن حذيفة بن اليمان قال: لما قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي: من كنت مولاه فهذا مولاه. قام النعمان بن المنذر الفهري (كذا) فقال: هذا شيء قلته من عندك أو شيء أمرك به ربك.

قال: لا، بل أمرني به ربي.

فقال: اللهم أنزل علينا حجارة من السماء. فما بلغ رحله حتى جاءه حجرٌ فأدماه فخر ميتاً، فأنزل الله تعالى (سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع) و ( الطريقان) لفظهما واحد.

الطريق الخامس: للقاضي الحسكاني عن أبي هريرة

ـ قال في شواهد التنزيل: 2|383

1034 ـ وأخبرنا عثمان أخبرنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب البحلي قال: حدثنا أبو عمارة محمد بن أحمد المهدي، حدثنا

الصفحة 324
محمد بن أبي معشر المدني، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعضد علي بن أبي طالب يوم غدير خم، ثم قا ل: من كنت مولاه فهذا مولاه. فقام إليه أعرابي فقال: دعوتنا أن نشهد أن لا إلَه إلا الله وأنك رسول الله فصدقناك، وأمرتنا بالصلاة والصيام فصلينا وصمنا، وبالزكاة فأدينا، فلم يقعنك إلا أن تفعل هذا! فهذا عن الله أم عنك؟

قال: عن الله، لا عني.

قال: الله الذي لا إلَه إلا هو لهذا عن الله لا عنك؟!

قال: نعم، ثلاثاً، فقام الأعرابي مسرعاً الى بعيره، وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، الآية، فما استتم الكلمات حتى نزلت نارٌ من السماء فأحرقته، وأنزل الله في عقب ذلك: سأل سائل، الى قوله دافع. انتهى.

وقد ذكر الحسكاني كما رأيت طريقين آخرين الى سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، ولم يذكر سندهما.. ولعلهما الطريقان الموجودان في تفسير فرات الكوفي.

***

ثانياً: طرق وأسانيد مصادرنا الى سفيان بن عيينة

أسانيد فرات بن ابراهيم الكوفي الى سفيان بن عيينة

ـ تفسير فرات الكوفي ص 505

3 ـ فرات قال: حدثني محمد بن أحمد ظبيان معنعناً: عن الحسين بن محمد الخارفي قال: سألت سفيان بن عيينة عن: سأل سائل، فيمن نزلت: قال: يا ابن أخي سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، لقد سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن مثل الذي سألتني عنه، فقال: أخبرني أبي عن جدي عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما كان يوم غدير خم، قام رسول الله صلى الله عليه وآله خطيباً فأوجز في خطبته، ثم دعا علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذ بضبعه ثم رفع بيده حتى رئي بياض إبطيهما وقال: ألم أبلغكم

الصفحة 325
الرسالة؟ ألم أنصح لكم؟ قالوا: اللهم نعم، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله. ففشت في الناس فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فرحل راحلته ثم استوى عليها ـ ورسول الله صلى الله عليه وآله إذ ذاك بمكة ـ حتى انتهى الى الأبطح، فأناخ ناقته ثم عقلها ثم جاء الى النبي صلى الله عليه وآله فسلم فرد عليه النبي صلى الله عليه وآله فقال:

يا محمد إنك دعوتنا أن نقول لا إلَه إلا الله فقلنا! ثم دعوتنا أن نقول إنك رسول الله فقلنا، وفي القلب ما فيه، ثم قلت صلوا فصلينا، ثم قلت صوموا فصمنا فأظمأنا نهارنا وأتعبنا أبداننا، ثم قلت حجوا فحججنا، ثم قلت إذا رزق أحدكم مأتي درهم فليتصدق بخمسة كل سنة، ففعلنا.

ثم انك أقمت ابن عمك فجعلته علماً وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله، أفعنك أم عن الله؟! قال: بل عن الله ـ قال فقالها ثلاثاً ـ قال: فنهض، وإنه لمغضب وإنه ليقول: اللهم إن كان ما قال محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء، تكون نقمة في أولنا وآية في آخرنا، وإن كان ما قال محمد كذباً فأنزل به نقمتك.

ثم أثار ناقته فحل عقالها ثم استوى عليها، فلما خرج من الأبطح رماه الله تعالى بحجر من السماء فسقط على رأسه وخرج من دبره، وسقط ميتاً فأنزل الله فيه: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع، من الله ذي المعارج. انتهى.

أسانيد محمد بن العباس الى سفيان بن عيينة

ـ تأويل الآيات: 2|722

قال محمد بن العباس رحمه الله: حدثنا علي بن محمد بن مخلد، عن الحسن بن القاسم، عن عمر بن الأحسن، عن آدم بن حماد، عن حسين بن محمد قال: سألت سفيان بن عيينة عن قول الله عز وجل: سأل سائل، فيمن نزلت؟ فقال... بنحو رواية فرات الأخيرة.


الصفحة 326

سند الشريف المرتضى الى سفيان بن عيينة

ـ مدينة المعاجز: 1|407

270 ـ السيد المرتضى في عيون المعجزات: قال: حدث أبو عبد الله محمد بن أحمد قال: حدثنا أبي قال: حدثني علي بن فروخ السمان قال: حدثني يحيى بن زكرياء المنقري قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: حدثني عمر بن أبي سليم العيسى، عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه وآله علياً يوم غدير خم وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه...

قلت: قد ذكرت في معنى هذا الحديث رواية المفضل بن عمر الجعفي، عن الصادق عليه السلام في كتاب البرهان في تفسير القرآن بالرواية عن أهل البيت في قوله تعالى: قل فلله الحجة البالغة من سورة الأنعام.

وفي سورة المعارج في قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع، رواية اخرى.

سند منتجب الدين الرازي الى سفيان بن عيينة

ـ الأربعون حديثاً لمنتجب الدين الرازي ص 82

الحكاية الخامسة: أنا أبو العلاء زيد بن علي بن منصور الأديب والسيد أبوتراب المرتضى بن الداعي بن القاسم الحسني قال: أنا الشيخ المفيد عبد الرحمن بن أحمد الواعظ الحافظ املاءً: أنامحمد بن زيد بن علي الطبري أبو طالب بن أبي شجاع البريدي بآمل بقراءتي عليه، أنا أبو الحسين زيد بن إسماعيل الحسني، أنا السيد أبوالعباس أحمد بن إبراهيم الحسني، أنا عبدالرحمن بن الحسن الخاقاني، أناعباس بن عيسى، نا الحسن بن عبد الواحد الخزاز، عن الحسن بن علي النخعي، عن رومي بن حماد المخارقي قال: قلت لسفيان بن عيينة: أخبرني عن (سأل سائل) فيمن أنزلت ط قال: لقد سألتني عن مسألة ماسألني عنها أحد قبلك، سألت عنها جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام فقال: لقد سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك، حدثني أبي عن آبائه عليهم السلام قال: لما حج النبي صلى الله عليه وآله حجة الوداع فنزل بغدير خم، نادى في

الصفحة 327
الناس فاجتمعوا فقال: ياأيها الناس ألم أبلغكم الرسالة؟ قالوا: اللهم بلى. قال: أفلم أنصح لكم؟ قالوا: اللهم بلى. قال: فأخذ بضبع علي عليه السلام فرفعه حتى رؤي بياض إبطيهما، ثم قال: أيها الناس من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

قال: فشاع ذلك، فبلغ الحارث بن النعمان الفهري، فأقبل يسير على ناقة له حتى نزل بالأبطح فأناخ راحلته وشد عقالها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وهو في ملأ من أصحابه فقال: يا رسول الله والله الذي لا إلَه إلا هو إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إلَه إلا الله فشهدنا، ثم أمرتنا أن نشهد أنك رسوله فشهدنا، ثم أمرتنا أن نصلي خمساً فصلينا، ثم أمرتنا أن نصوم شهر رمضان فصمنا، ثم أمرتنا أن نزكي فزكينا، ثم أمرتنا أن نحج فحججنا، ثم لم ترض حتى نصبت ابن عمك علينا، فقلت: من كنت مولاه فهذا علي مولاه. هذا عنك أو عن الله تعالى؟!

قال النبي صلى الله عليه وآله: لا بل عن الله.

قال: فقام الحارث بن النعمان مغضباً وهو يقول: اللهم إن كان ما قال محمد حقاً فأنزل بي نقمة عاجلة.

قال: ثم أتى الأبطح فحل عقال ناقته واستوى عليها، فلما توسط الأبطح رماه الله بحجر فوقع وسط دماغه وخرج من دبره، فخر ميتاً، فأنزل الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع. وقد أورد أبو إسحاق الثعلبي إمام أصحاب الحديث في تفسيره هذه الحكاية بغير إسناد.

سند الطبرسي الى سفيان بن عيينة

ـ تفسير الميزان: 6|58

وفي المجمع أخبرنا السيد أبو الحمد قال: حدثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني قال: أخبرنا أبو عبد الله الشيرازي قال: أخبرنا أبو بكر الجرجانى قال: أخبرنا أبو أحمد البصرى قال: حدثنا محمد بن سهل قال: حدثنا زيد بن إسماعيل مولى

الصفحة 328
الأنصار قال: حدثنا محمد بن أيوب الواسطي قال: حدثنا سفيان بن عيينه، عن جعفر بن محمد الصادق، عن آبائه قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه وآله علياً يوم غدير خم قال من كنت مولاه فهذا على مولاه....

***

ثالثاً: طرق وأسانيد من مصادرنا من غير طريق سفيان بن عيينة

أسانيد محمد بن يعقوب الكليني

ـ الكافي: 1|422

47 ـ علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين (بولاية علي) ليس له دافع.

ثم قال: هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله. انتهى.

ومعنى قوله عليه السلام (هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله: أنه نزل بتأويلها، وهذا مثل قول ابن مسعود المتقدم في آية التبليغ أنهم كانوا يقرؤون على عهد النبي صلى الله عليه وآله (بلغ ما أنزل اليك ـ في علي) وما ورد عن ابن عباس في آيات الخندق أنه كان يقرأ (وكفى الله المؤمنين القتال ـ بعلي) فهذه ليست قراءات، لأنه لا يجوز إضافة أي حرفٍ الى نص كتاب الله تعالى، بل كلها تفاسير من الصحابة، أو تفسيرٌ نزل به جبرئيل عليه السلام فبلغهم إياها النبي صلى الله عليه وآله فكانوا يقرؤونها كالذي يشرح آيةً، أو كتبوها في تفاسيرهم كالهامش.

ـ وفي الكافي: 8|57

18 ـ عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم جالساً إذ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: إن فيك شبهاً من عيسى بن مريم، ولو لا أن تقول فيك طوائف من

الصفحة 329
أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك قولاً لا تمر بملأٍ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك، يلتمسون بذلك البركة.

قال: فغضب أعرابيان والمغيرة بن شعبة وعدةٌ من قريش معهم، فقالوا: ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلاً إلا عيسى ابن مريم، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله فقال: ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون، وقالوا ءآلهتنا خيرٌ أم هو ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون، إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل. ولو نشاء لجعلنا منكم ـ يعني من بني هاشم ـ ملائكة في الأرض يخلفون. قال: فغضب الحارث بن عمرو الفهري فقال: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك أن بني هاشم يتوارثون هرقلاً بعد هرقل، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذا ب أليم ....الى آخره، ولعل في متنه اضطراباً، وفيه:

ثم قال له: يا بن عمرو إما تبت وإما رحلت.

فقال: يا محمد، بل تجعل لسائر قريش شيئاً مما في يديك، فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب والعجم!

فقال له النبي صلى الله عليه وآله: ليس ذلك إلي، ذلك إلى الله تبارك وتعالى.

فقال: يا محمد قلبي ما يتابعني على التوبة، ولكن أرحل عنك، فدعا براحلته فركبها فلما صار بظهر المدينة، أتته جندلةٌ فرضخت هامته، ثم أتى الوحي الى النبي صلى الله عليه وآله فقال: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ـ بولاية علي ـ ليس له دافع، من الله ذي المعارج.

أسانيد فرات بن ابراهيم الكوفي

ـ تفسير فرات الكوفي ص 503

1ـ قال: حدثنا الحسين بن محمد بن مصعب البجلي قال: حدثنا أبو عمارة محمد بن أحمد المهتدي قال: حدثنا محمد بن معشر المدني، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: طرحت الأقتاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم

الصفحة 330
قال فعلا عليها فحمد الله وأثنى عليه، ثم أخذ بعضد علي بن أبي طالب عليه السلام فاستلها فرفعها، ثم قال: اللهم من كنت مولاه فعلي فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.

فقام إليه أعرابي من أوسط الناس فقال: يا رسول الله دعوتنا أن نشهد أن لا إلَه إلا الله فشهدنا وأنك رسول الله فصدقنا، وأمرتنا بالصلاة فصلينا، وبالصيام فصمنا، وبالجهاد فجاهدنا، وبالزكاة فأدينا، قال: ولم يقنعك إلا أن أخذت بيد هذا الغلام على رؤس الأشهاد، فقلت: اللهم من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله! فهذا عن الله أم عنك؟!

قال: هذا عن الله، لا عني.

قال: الله الذي لا إلَه إلا هو لهذا عن الله لا عنك؟!

قال: الله الذي لا إلَه إلا هو لهذا عن الله لا عني.

ثم قال ثالثة: الله الذي لا إلَه إلا هو لهذا عن ربك لا عنك؟

قال: الله الذي لا إلَه إلا هو لهذا عن ربي لا عني.

قال: فقام الأعرابي مسرعاً الى بعيره وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم.

قال: فما استتم الأعرابي الكلمات حتى نزلت عليه نارٌ من السماء فأحرقته، وأنزل الله في عقب ذلك: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع، من الله ذي المعارج.

2 ـ قال فرات: حدثني جعفر بن محمد بن بشروية القطان معنعناً، عن الأوزاعي، عن صعصعة بن صوحان والأحنف بن قيس قالا جميعاً: سمعنا ابن عباس رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله إذ دخل علينا عمرو بن الحارث الفهري قال: يا أحمد أمرتنا بالصلاة والزكاة أفمنك هذا أم من ربك يا محمد؟ قال: الفريضة من ربي وأداء الرسالة مني، حتى أقول: ما أديت إليكم إلا ما أمرني ربي.


الصفحة 331
قال: فأمرتنا بحب علي بن أبي طالب، زعمت أنه منك كهارون من موسى، وشيعته على نوق غر محجلةٍ يرفلون في عرصة القيامة، حتى يأتي الكوثر فيشرب ويسقي هذه الأمة، ويكون زمرة في عرصة القيامة، أبهذا الحب سبق من السماء أم كان منك يا محمد؟

قال: بلى سبق من السماء ثم كان مني. لقد خلقنا الله نوراً تحت العرش!

فقال عمرو بن الحارث: الآن علمت أنك ساحر كذاب! يا محمد ألستما من ولد آدم؟

قال: بلى، ولكن خلقني الله نوراً تحت العرش قبل أن يخلق الله آدم باثني عشر ألف سنة، فلما أن خلق الله آدم ألقى النور في صلب آدم، فأقبل ينتقل ذلك النور من صلب الى صلب، حتى تفرقنا في صلب عبد الله بن عبد المطلب وأبي طالب، فخلقنا ربي من ذلك النور، لكنه لكن لا نبي بعدي.

قال: فوثب عمرو بن الحارث الفهري مع اثني عشر رجلاً من الكفار، وهم ينفضون أرديتهم فيقولون: اللهم إن كان محمد صادقاً في مقالته فارم عمراً وأصحابه بشواظٍ من نار.

قال فرمي عمرو وأصحابه بصاعقة من السماء، فأنزل الله هذه الآية: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج. فالسائل عمرو وأصحابه.

4 ـ فرات قال: حدثنا أبو أحمد يحيى بن عبيد بن القاسم القزويني معنعناً، عن سعد بن أبي وقاص، قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وآله صلاة الفجر يوم الجمعة، ثم أقبل علينا بوجهه الكريم الحسن وأثنى على الله تبارك وتعالى، فقال: أخرج يوم القيمة وعلي بن أبي طالب أمامي، وبيده لواء الحمد، وهو يومئذ من شقتين شقة من السندس وشقة من الإستبرق، فوثب إليه رجل أعرابي من أهل نجد من ولد جعفر بن كلاب بن ربيعة، فقال: قد أرسلوني إليك لأسألك، فقال: قل يا أخا البادية.

قال: ما تقول في علي بن أبي طالب، فقد كثر الإختلاف فيه؟


الصفحة 332
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله ضاحكاً فقال: يا أعرابي، ولم يكثر الإختلاف فيه؟ عليٌّ مني كرأسي من بدني، وزري من قميصي.

فوثب الأعرابي مغضباً ثم قال: يا محمد إني أشد من علي بطشاً، فهل يستطيع علي أن يحمل لواء الحمد؟

فقال النبي صلى الله عليه وآله: مهلاً يا أعرابي، فقد أعطي علي يوم القيامة خصالاً شتى: حسن يوسف، وزهد يحيى، وصبر أيوب، وطول آدم، وقوة جبرئيل. وبيده لواء الحمد وكل الخلائق تحت اللواء، يحف به الأئمة والمؤذنون بتلاوة القرآن والأذان، وهم الذين لا يتبددون في قبورهم.

فوثب الأعرابي مغضباً وقال: اللهم إن يكن ما قال محمد فيه حقاً فأنزل علي حجراً. فأنزل الله فيه: سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج.

سندا محمد بن العباس

ـ تأويل الآيات: 2|722

ـ وقال أيضاً: حدثنا أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمد السياري، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه تلا: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ـ بولاية علي ـ ليس له دافع، ثم قال: هكذا هي في مصحف فاطمة عليها السلام.

ـ ويؤيده: ما رواه محمد البرقي، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ـ بولاية علي ـ ليس له دافع، ثم قال: هكذا والله نزل بها جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله. انتهى.

وقد تقدم أن عبارة (بولاية علي عليه السلام) تفسيرٌ للآية، وكانوا يكتبون ذلك في هامش مصاحفهم، كما ورد عن مصحف ابن عباس أنه كان فيه: وكفى الله المؤمنين القتال، بعلي عليه السلام.