كما أن الأحاديث التي تذكر مايكون بعدهم تدل على أن مدتهم طويلة، فبعضها ذكر أنه يكون بعدهم الهرج والفوضى والنفاق، وأشار الى انهيار الأمة.. وبعضها ذكر أن زمنهم يمتد مادامت الأرض، وأن مدتهم إذا تمت ساخت الأرض بأهلها.. وهذا يؤيد نظرية امتداد عصر هؤلاء الأئمة عليهم السلام الى آخر الدنيا، كما نصت أحاديثنا.
ـ قال أبو الصلاح الحلبي المتوفى سنة 437 في كتابه تقريب المعارف|173:
ورووا عن عبد الله بن أبي أمية مولى مجاشع، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يزال هذا الدين قائماً الى اثني عشر من قريش، فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها. انتهى. ونحوه في إعلام الورى|364، وهو موافق لما في مصادرنا عن أهمية وجود الحجة لله تعالى في أرضه في كل عصر..
ـ ففي الكافي: 1|179 و 534
عن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت.
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني واثنا عشر من ولدي وأنت يا علي زرُّ الأرض، يعني أوتادها وجبالها، بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الإثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها، ولم ينظروا. انتهى.
وعلى هذا التفسير الذي يساعد عليه نص الحديث، يكون هدف النبي صلى الله عليه وآله من طرح الأئمة الإثني عشر في أهم تجمع للمسلمين في حجة الوداع، هو: توجيه الأمة اليهم لو أنها أخذت بحظها وأطاعته فيهم !
بل يمكن القول: إنه يتعين تفسير الحديث بالائمة الإثني عشر من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، لأن كل تفسير له بغيرهم لا يصح لكثرة الإشكالات التي ترد عليه.
قال بعض المحققين: إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده صلى الله عليه وآله اثنا عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة... فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان، علم أن مراد رسول الله صلى الله عليه وآله من حديثه هذا الأئمة الإثنا عشر من أهل بيته وعترته، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أن يحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن عبد العزيز، ولكونهم من غير بني هاشم، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال كلهم من بني هاشم في رواية عبد الملك، عن جابر، وإخفاء صوته صلى الله عليه وآله في هذا القول يرجح هذه الرواية، لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم.
ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية، لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلة رعايتهم الآية: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى، وحديث الكساء.
فلا بد من أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الإثني عشر من أهل بيته وعترته صلى الله عليه وآله، لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم وأتقاهم، وأعلاهم نسباً، وأفضلهم حسباً، وأكرمهم عند الله....
ويؤيد هذا المعنى، أي أن مراد النبي صلى الله عليه وآله الأئمة الإثني عشر من أهل بيته، ويشهد له ويرجحه: حديث الثقلين، والأحاديث المتكثرة المذكورة في هذا الكتاب، وغيرها....
وفي نهج البلاغة من خطبته على كرم الله وجهه: أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا، كذباً وبغياً علينا أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم.. بنا يستعطى الهدى، وبنا يستجلى العمى.
وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وآله، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرف عن مواضعه، ولا في البلاد شيء أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر.
ولكن عامة الشراح السنيين لا يقبلون هذا التفسير، ويحذرون أتباعهم من أن يقنعهم الشيعة بأن النبي صلى الله عليه وآله قد نص على الأئمة الإثني عشر من عترته !!
ويقولون لأتباعهم: إن حديث الأئمة الإثني عشر صحيحٌ مئة بالمئة، لكن لا تقبلوا تفسير الشيعة، ونحن إن شاء الله نفسره لكم تفسيراً صحيحاً..
ولكنهم الى يومنا هذا لم يستطيعوا أن يقدموا لهم تفسيراً مقنعاً للحديث، ولن يستطيعوا.. لأنهم يريدون تطبيق هؤلاء الإثني عشر على الخلفاء الذين حكموا بعد النبي صلى الله عليه وآله من الخلفاء الأربعة، وعبد الله بن الزبير، وسلسلة خلفاء بني سفيان وبني مروان، ثم بني العباس.. وربما غيرهم من أمويي الأندلس، والسلاجقة، والمماليك، والأتراك !!
وعندما يجدونهم أضعاف العدد المطلوب، يلجؤون الى الفرضيات، فيختارون أحسن الخلفاء الأمويين، والعباسيين ويخلعون عليهم صفة الأئمة الربانيين، فيثبتون هذا ويحذفون ذاك! اختياراً وحذفاً (كيفياً) لمجرد تكميل العدد!
وبعضهم لا يكمل معه العدد ممن اختارهم فيقول: إن الباقين سوف يأتون!
ومن الواضح أنها تطبيقاتٌ لا تقف عند حد، ولا تستند الى أساس، وأن الذي يسلكها يكلف نفسه شططاً، كمن يكلف نفسه بأن يختار اثني عشر شخصاً من رؤساء المسلمين وملوكهم المعاصرين، ويقول عنهم إنهم قادةٌ ربانيون اختارهم الله تعالى، ووعد الأمة بهم على لسان رسوله صلى الله عليه وآله !
أولاً:
لأن هؤلاء الأئمة الربانيين الموعودين مختارون من الله تعالى، فلا بد أن يكونوا متفقين، لأنهم جميعاً على خط واحد وهدى من ربهم ونبيهم.
بينما خلفاء السنيين وأئمتهم مختلفون متقاتلون..
فهل سمعتم بالحرب والقتال بين الأنبياء عليهم السلام حتى تقنعونا بإمكانها بين الأئمة الربانيين عليهم السلام وأن بعضهم يكيد للآخر ويفسقه ويكفره، ويذبحه ذبح الخروف، أو يسمل عينيه ويقطع لسانه ويديه ورجليه !!
وثانياً:
لأنهم بإعطاء صفة الإمام من الله تعالى للخليفة الذي يحبونه، ابتداءً من الخليفة عمر بن الخطاب.. الى السلطان سليم العثماني، يصيرون ملكيين أكثر من الملك، وخليفيين أكثر من الخليفة، ويثبتون لهم ما لم يدعه أحد منهم لنفسه!
فلو كان أحدهم إماماً ربانياً مختاراً من الله تعالى مبشراً به من رسوله.. لعرف نفسه وادعى هو ذلك! حيث لا يمكن أن يكون شخص إماماً وحجة لله على عباده وحاكماً باسمه.. ثم لا يعرف هو نفسه مقامه الإلَهي العظيم !!
ولا نجد أحداً من هؤلاء الخلفاء ادعى أنه إمامٌ من الله تعالى غير الأئمة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله.
وثالثاً:
ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وآله قال إنهم يكونون من بعده، ولم يقل إنهم يحكمون.. فلماذا يلزمون أنفسهم بالعثور على الأئمة الإثني عشر الموعودين في الحكام فقط.. وإذا ألزم الباحث نفسه في مسألة بما لا يلزم فيها، فقد تورط فيها وأقام في ورطته!
ورابعاً:
إن الذين يعدونهم أئمة ربانيين، مبشراً بهم من رب العالمين، قد ثبت أن أكثرهم قد لعنهم الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وآله !!
فهل رأيتم أمةً يحكمها بأمر الله تعالى الملعونون على لسان نبيها؟ !!
وكيف يلعن الله تعالى أشخاصاً ويحكم عليهم بالطرد من رحمته لخبثهم، ثم يختارهم أو يختار من أولادهم أئمةً ربانيين، هداةً لعباده، وحكاماً لبلاده !!
ـ ولعل أقدمها قول ابن حبان الذي نقله عنه في عون المعبود في شرح سنن أبي داود: 11| 361، قال:
وأما: الخلفاء اثنا عشر، فقد قال جماعة منهم أبو حاتم بن حبان وغيره: إن آخرهم عمر بن عبد العزيز، فذكروا الخلفاء الأربعة، ثم معاوية، ثم يزيد ابنه، ثم معاوية بن يزيد، ثم مروان بن الحكم، ثم عبد الملك ابنه، ثم الوليد بن عبد الملك، ثم سليمان بن عبد الملك، ثم عمر بن العزيز. وكانت وفاته على رأس المائة. انتهى.
ولكن هذا التفسير الأموي لابن حبان وجماعته، قد نسخه العلماء الذين جاؤوا من بعدهم وأحبوا العباسيين، فأدخلوا بعضهم في بشارة النبي صلى الله عليه وآله، وخذفوا بني أمية، كلاً أو بعضاً !
ويلاحظ أن هذا التفسير حذف اسم الإمام المهدي عليه السلام مع أنه مبشرٌ به بأحاديث صحيحة عندهم، ويشمله قول جده صلى الله عليه وآله (من بعدي اثنا عشر إماماً).
كما حذفوا اسم الإمام الحسن عليه السلام مع أنه بايعه المسلمون ماعدا أهل الشام وحكم ستة أشهر، وقد أثبته السنييون المتأخرون عنهم.
بل كان يجب أن يثبتوا اسمه واسم أخيه الحسين عليهما السلام لأن النبي صلى الله عليه وآله شهد بأنهما إمامان قاما أم قعدا، وشهد بأنهما سيدا شباب أهل الجنة.
كما عدوا منهم على هذا التفسير معاوية بن يزيد (معاوية الثاني) الذي ولوه الخلافة بعد أبيه يزيد، فخطب خطبته الأولى والأخيرة، وتبرأ فيها من ظلم أبيه يزيد وجده معاوية! وشهد بأن الخلافة حقٌّ شرعي لعلي عليه السلام، وأن معاوية ظلمه وغصبها منه، ثم عزل نفسه عنها، فقتله بنو أمية!
فلو كان هذا الشخص من الأئمة الإثني عشر الربانيين لعرف هو ذلك، وما خلع نفسه وعرَّضها لغضب أسرته الحاكمة الباطشة !
كما أن هذا التفسير تجاهل حديث (سفينة) الثابت عندهم القائل إن الخلافة ثلاثون سنة، وبعدها الملك العضوض، وقد صححه المحدثون، وأخذ به المفسرون الآخرون.. الى آخر الإشكالات عليه !
ويطول الكلام لو أردنا أن نستقصي محاولات كبار علمائهم تفسير الحديث الشريف، ولكن الذي يسهل الأمر أن كلامهم في ذلك متشابه، وأنه ما زال الى اليوم يدور في محور التفسير الأموي !!
وفيما يلي نماذج من تفاسيرهم وما يرد عليها:
ـ قال السيوطي في تاريخ الخلفاء |10:
قال القاضي عياض: لعل المراد بالإثني عشر في هذه الأحاديث وما شابهها أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والإجتماع على من يقوم بالخلافة، وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس الى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة، زمن الوليد بن يزيد، فاتصلت بينهم، الى أن قامت الدولة العباسية، فاستأصلوا أمرهم.
قيل في الحديث وأرجحه، لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة: كلهم يجتمع عليه الناس.
قلت: وعلى هذا فقد وجد من الإثنا عشر خليفة: الخلفاء الأربعة، والحسن، ومعاوية، وابن الزبير، وعمر بن عبد العزيز، هؤلاء ثمانية.
ويحتمل أن يضم اليهم المهتدي من العباسيين، لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية، وكذلك الظاهر، لما أوتيه من العدل، وبقي الإثنان المنتظران: أحدهما المهدي، لأنه من آل بيت محمد صلى الله عليه وسلم. انتهى.
ولكن السيوطي وابن حجر أخذا بزيادة (وكلهم تجتمع عليهم الأمة) التي تقدم أنها لم تثبت، وأن الألباني الوهابي وغيره قالوا إنها منكرة.
كما أنهما تجاوزا حديث سفينة الذي صح عندهم، والذي يحدد المدة الزمنية للخلافة الراشدة بثلاثين سنة! وبذلك يصير المطلوب لهم أحد عشر حاكماً في ثلاثين سنة، ويبطل انتقاء أحد من الحكام الأمويين والعباسيين !
مضافاً الى أن نقل السيوطي لكلام عياض وابن حجر لم يكن دقيقاً مع الأسف! فقد تجاهل كلام ابن حجر الذي عدهم الى الثاني عشر من بني أمية، فقال (والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك) بينما أوصلهم السيوطي في بني أمية الى ثمانية، ووضع فيهم اثنين من خلفاء بني العباس !!.. واليك فقرات من كلام ابن حجر في فتح الباري لتعرف الخلل في نقل السيوطي عنه! قال:
قال ابن بطال عن المهلب: لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث يعني بشىَ معين! فقوم قالوا: يكونون بتوالي إمارتهم.
وقوم قالوا: يكونون في زمن واحد كلهم يدعي الإمارة !
قال: ولو أراد غير هذا لقال: يكون اثنا عشر أميراً يفعلون كذا، فلما أعراهم من الخبر، عرفنا أنه أراد أنهم يكونون في زمن واحد. انتهى (أي كلام ابن بطال). وهو كلام من لم يقف على شيء من طرق الحديث غير الرواية التي وقعت في البخاري هكذا مختصرة، وقد عرفت من الروايات التي ذكرتها من عند مسلم وغيره أنه ذكر الصفة التي تختص بولايتهم، وهو كون الإسلام عزيزاً منيعاً.
وفي الرواية الأخرى صفة أخرى وهو أن كلهم يجتمع عليه الناس، كما وقع عند أبي داود، فإنه أخرج هذا الحديث من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن جابر بن سمرة بلفظ: لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة. وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن الأسود بن سعيد عن جابر بن سمرة بلفظ: لا تضرهم عداوة من عاداهم.
وقد لخص القاضي عياض ذلك فقال: توجه على هذا العدد سؤالان:
أحدهما: أنه يعارضه ظاهر قوله في حديث سفينة، يعني الذي أخرجه أصحاب السنن وصححه بن حبان وغيره: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً. الثلاثون سنة لم يكن فيها إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن بن علي.
والثاني: أنه ولي الخلافة أكثر من هذا العدد.
قال والجواب عن الأول: أنه أراد في حديث سفينة: خلافة النبوة، ولم يقيده في حديث جابر بن سمرة بذلك.
وعن الثاني: أنه لم يقل لا يلي إلا اثنا عشر، وإنما قال يكون اثنا عشر، وقد ولي هذا العدد، ولا يمنع ذلك الزيادة عليهم.
قال: وهذا إن جعل اللفظ واقعاً على كل من ولي، وإلا فيحتمل أن يكون المراد من يستحق الخلافة من أئمة العدل، وقد مضى منهم الخلفاء الأربعة، ولا بد من تمام العدة قبل قيام الساعة.
قال: ويعضد هذا التأويل قوله في حديث آخر في مسلم: ستكون خلفاء فيكثرون.
قال: ويحتمل أن يكون المراد أن يكون الإثنا عشر في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره والإجتماع على من يقوم بالخلافة، ويؤيده قوله في بعض الطرق: كلهم تجتمع عليه الأمة، وهذا قد وجد فيما اجتمع عليه الناس الى أن أضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد، فاتصلت بينهم الى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم. وهذا العدد موجود صحيح إذا اعتبر.
قال: وقد يحتمل وجوهاً أخر.. والله أعلم بمراد نبيه. انتهى. (أي كلام عياض)
والإحتمال الذي قبل هذا، وهو اجتماع اثني عشر في عصر واحد كلهم يطلب الخلافة، هو الذي اختاره المهلب كما تقدم. وقد ذكرت وجه الرد عليه، ولو لم يرد إلا قوله كلهم يجتمع عليه الناس، فإن في وجودهم في عصر واحد يوجد عين الافتراق، فلا يصح أن يكون المراد.
ويؤيد ما وقع عند أبي داود: ما أخرجه أحمد والبزار من حديث بن مسعود بسند حسن، أنه سئل كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال: سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل.
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث وتطلبت مظانه، وسألت عنه فلم أقع على المقصود به، لأن ألفاظه مختلفة، ولا أشك أن التخليط فيها من الرواة، ثم وقع لي فيه شيء وجدت الخطابي بعد ذلك قد أشار اليه، ثم وجدت كلاماً لأبي الحسين بن المنادي وكلاماً لغيره.
وأول بني أمية يزيد بن معاوية، وآخرهم مروان الحمار، وعدتهم ثلاثة عشر، ولا يعد عثمان ومعاوية ولا ابن الزبير، لكونهم صحابة! فإذا أسقطنا منهم مروان بن الحكم للاختلاف في صحبته، أو لأنه كان متغلباً بعد أن اجتمع الناس على عبد الله بن الزبير، صحت العدة.
وعند خروج الخلافة من بني أمية وقعت الفتن العظيمة والملاحم الكثيرة، حتى استقرت دولة بني العباس، فتغيرت الأحوال عما كانت عليه تغيراً بيناً.
قال: ويؤيد هذا ما أخرجه أبو داود من حديث بن مسعود رفعه: تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن هلكوا فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاماً. (لا أعرف من صححه غير الألباني)
قلت: لكن يعكر عليه أن من استقرار الملك لبني أمية عند اجتماع الناس على معاوية سنة إحدى وأربعين، الى أن زالت دولة بني أمية فقتل مروان بن محمد في أوائل سنة اثنتين وثلاثين ومائة، أزيد من تسعين سنة...
قال: وأما الوجه الثاني فقال أبو الحسين بن المنادي في الجزء الذي جمعه في المهدي: يحتمل في معنى حديث: يكون اثنا عشر خليفة، أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، فقد وجدت في كتاب دانيال: إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر، ثم خمسة من ولد السبط الأصغر، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر، ثم يملك بعده ولده، فيتم بذلك اثنا عشر ملكاً، كل واحد منهم إمام مهدي.
قال ابن المنادي: وفي رواية أبي صالح عن بن عباس: المهدي اسمه محمد بن
وعن كعب الأحبار: يكون اثنا عشر مهدياً، ثم ينزل روح الله فيقتل الدجال.
قال: والوجه الثالث: أن المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام الى يوم القيامة، يعملون بالحق وإن لم تتوال أيامهم.
ويؤيده ما أخرجه مسدد في مسنده الكبير، من طريق أبي بحر أن أبا الجلد حدثه أنه لا تهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل بيت محمد، يعيش أحدهما أربعين سنة والآخر ثلاثين سنة. وعلى هذا فالمراد بقوله: ثم يكون الهرج، أي الفتن المؤذنه بقيام الساعة، من خروج الدجال ثم يأجوج ومأجوج الى أن تنقضي الدنيا. انتهى كلام بن الجوزي ملخصاً بزيادات يسيرة. (وتابع ابن حجر:)
والوجهان الأول والآخر قد اشتمل عليهما كلام القاضي عياض، فكأنه ما وقف عليه، بدليل أن في كلامه زيادة لم يشتمل عليها كلامه.
وينتظم من مجموع ما ذكراه أوجه، أرجحها الثالث من أوجه القاضي لتأييده
بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة: كلهم يجتمع عليه الناس.
وإيضاح ذلك أن المراد بالإجتماع انقيادهم لبيعته. والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، الى أن وقع أمر الحكمين في صفين فسمى معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده يزيد، ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك، ثم لما مات يزيد وقع الإختلاف، الى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل بن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز، فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين. والثاني
ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح، ولم تطل مدته، مع كثرة من ثار عليه، ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته، لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس، واستمرت في أيديهم متغلبين عليها الى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك، وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض، الى أن لم يبق من الخلافة إلا الإسم في بعض البلاد، بعد أن كانوا في أيام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً ويميناً مما غلب عليه المسلمون، ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الإمارة على شيء منها إلا بأمر الخليفة. ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك.
فعلى هذا يكون المراد بقوله: ثم يكون الهرج، يعني القتل الناشيء عن الفتن وقوعاً فاشياً يفشو ويستمر ويزداد على مدى الأيام، وكذا كان. والله المستعان.
والوجه الذي ذكره بن المنادي ليس بواضح، ويعكر عليه ما أخرجه الطبراني من طريق قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده رفعه: سيكون من بعدي خلفاء ثم من بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ثم يؤمر القطحاني فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه. فهذا يرد على ما نقله بن المنادي من كتاب دانيال.
وأما ما ذكره عن أبي صالح فواهٍ جداً، وكذا عن كعب....
فالأولى أن يحمل قوله: يكون بعدي اثنا عشر خليفة، على حقيقة البعدية فإن
ولا يقدح في ذلك قوله: يجتمع عليهم الناس، لأنه يحمل على الأكثر الأغلب، لأن هذه الصفة لم تفقد منهم إلا في الحسن بن علي وعبد الله بن الزبير، مع صحة ولايتهما، والحكم بأن من خالفهما لم يثبت استحقاقه إلا بعد تسليم الحسن، وبعد قتل بن الزبير. والله أعلم.
وكانت الأمور في غالب أزمنة هؤلاء الإثني عشر منتظمة، وإن وجد في بعض مدتهم خلاف ذلك فهو بالنسبة الى الإستقامة نادر. والله أعلم.
وقد تكلم ابن حبان على معنى حديث تدور رحى الإسلام، فقال: المراد بقوله: تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين، انتقال أمر الخلافة الى بني أمية وذلك أن قيام معاوية عن علي بصفين حتى وقع التحكيم، هو مبدأ مشاركة بني أمية ثم استمر الأمر في بني أمية من يومئذ سبعين سنة، فكان أول ماظهرت دعاة بني العباس بخراسان سنة ست ومائة، وساق ذلك بعبارة طويلة، عليه فيها مؤاخذات كثيرة، أولها دعواه أن قصة الحكمين كانت في أواخر سنة ست وثلاثين، وهو خلاف ما اتفق عليه أصحاب الأخبار، فإنها كانت بعد وقعة صفين بعدة أشهر، وكانت سنة سبع وثلاثين. والذي قدمته أولى بأن يحمل الحديث عليه. والله أعلم. انتهى.
وقد رأيت أن ما اختاره ابن حجر غير ما نسبه اليه السيوطي..
ورأيت تحيرهم جميعاً وكثرة احتمالاتهم، وتضاربها! وأن أكثرهم أخذوا زيادة
والنتيجة التي يخرج منها القارىء لتفاسيرهم: أنهم يضيعون عليه الحديث الذي أرادوا أن يفسروه، وهو حديث صحيحٌ عندهم صريحٌ بالبشارة النبوية باثني عشر إماماً ربانيين، هداةٍ مهديين، قيمين على الأمة، ولكنهم يصرون على تلبيس الحديث لحكام بني أمية، وعلى خلطه بزيادةٍ وأحاديث غير ثابتة، لا يستقيم لها معنى، ولا أثر فيها للبلاغة النبوية !!
وإذا أردت مزيداً من الأمثلة على ضياعهم فاقرأ عون المعبود 11|362 ـ 364:
قال: بعض المحققين: قد مضى منهم الخلفاء الأربعة، ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة. وقيل: إنهم يكونون في زمانٍ واحد يفترق الناس عليهم.
وقال التوربشتي: السبيل في هذا الحديث وما يعتقبه في هذا المعنى، أن يحمل على المقسطين منهم، فإنهم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة، ولا يلزم أن يكونوا على الولاء.
وإن قدر أنهم على الولاء، فإن المراد منه المسمون على المجاز! كذا في المرقاة.
وقال الشيخ الأجل ولي الله المحدث في قرة العينين في تفضيل الشيخين: وقد استشكل في حديث: لا يزال هذا الدين ظاهراً الى أن يبعث الله اثني عشر خليفةً كلهم من قريش، ووجه الإستشكال: أن هذا الحديث ناظرٌ الى مذهب الإثني عشرية الذين أثبتوا اثني عشر إماماً.
والأصل أن كلامه صلى الله عليه وآله بمنزلة القرآن يفسر بعضه بعضاً، فقد ثبت من حديث عبد
وقد وقعت أغلاطٌ كثيرةٌ في بيان معنى هذا الحديث، ونحن نقول ما فهمناه على وجه التحقيق:
إن ابتداء هذه المدة من ابتداء الجهاد في السنة الثانية من الهجرة...!!
وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ففي سنة خمس وثلاثين من ابتداء الجهاد وقعت حادثة قتل ذي النورين وتفرق المسلمين....
ولكن الله تعالى بعد ذلك جعل أمر الخلافة منتظماً، وأمضى الجهاد الى ظهور بني العباس، وتلاشي دولة بني أمية...
فتارةً أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن خلافة النبوة، وخصصه بثلاثين سنة، والتي بعدهم عبرها بملكٍ عضوضٍ، وتارة عن خلافة النبوة، والتي تتصل بها كليهما معاً، وعبرها باثني عشر خليفة...
فالتحقيق في هذه المسألة: أن يُعتبروا بمعاوية وعبد الملك وبنيه الأربع (كذا) وعمر بن عبد العزيز، ووليد بن يزيد بن عبد الملك، بعد الخلفاء الأربعة الراشدين.
وقد نقل عن الإمام مالك أن عبد الله بن الزبير أحق بالخلافة من مخالفيه، ولنا فيه نظر، فإن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما قد ذكرا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن تسلط ابن الزبير واستحلال الحرم به مصيبةٌ من مصائب الأمة، أخرج حديثهما أحمد عن قيس بن أبي حازم قال: جاء ابن الزبير الى عمر بن الخطاب يستأذنه في الغزو، فقال عمر: أجلس في بيتك فقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فرد ذلك عليه، فقال له عمر: في الثالثة أو التي تليها: أقعد في بيتك، والله إني لأجد بطرف المدينة منك وأصحابك أن تخرجوا فتفسدوا علي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرجه الحاكم.
ويزيد بن معاوية ساقطٌ من هذا البين، لعدم استقراره مدة يعتد بها، وسوء سيرته. والله أعلم. انتهى.
وأنت ترى أن صاحب قرة العينين اعترف بأن ملك بني أمية ملكٌ عضوضٌ، وأن خلافتهم ليست خلافة نبوة.. ومع ذلك فسر بهم الحديث، وطبق عليهم البشارة النبوية بالائمة الإثني عشر الربانيين القيمين بأمر الله تعالى على أمة نبيه !
كما ترى أنه حذف منهم الإمام الحسن والإمام المهدي عليهم السلام، وحذف ابن الزبير الذي أثبته الإمام مالك وآخرون... الخ. !
وهو مع ذلك ينتقد الذين غلطوا في تفسيره فيقول (وقد وقعت أغلاطٌ كثيرةٌ في بيان معنى هذا الحديث) ووعد الناس بأن يرفع المعضلة، ويحل المشكلة !!
ثم اقرأ ما قاله ابن كثير في البداية والنهاية: 3|248:
ذكر الأخبار عن الأئمة الإثني عشر الذين كلهم من قريش. وليسوا بالإثني عشر الذين يدعون إمامتهم الرافضة، فإن هؤلاء الذين يزعمون لم يل أمور الناس منهم إلا علي بن أبي طالب وابنه الحسن، وآخرهم في زعمهم المهدي المنتظر بسرداب سامرا، وليس له وجودٌ ولا عين ولا أثر.
بل هؤلاء الأئمة الإثنا عشر المخبر عنهم في الحديث: الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وعمر بن عبد العزيز بلا خلاف بين الأئمة على كلا القولين لأهل السنة في تفسير الإثني عشر. انتهى.
ولعله يقصد بالقولين القول بتتابعهم زمنياً، وعدمه، ولكنهما وجهان في كل واحد منهما عددٌ من الأقوال.. وقد ذكر هو جملةً منها، ثم أشار ابن كثير الى
الخلافة بعدي ثلاثون سنة. ثم بعدهم الحسن بن علي كما وقع، لأن علياً أوصى اليه وبايعه أهل العراق، وركب وركبوا معه لقتال أهل الشام، حتى اصطلح هو ومعاوية كما دل عليه حديث أبي بكرة، في صحيح البخاري. ثم معاوية، ثم ابنه يزيد بن معاوية، ثم ابنه معاوية بن يزيد، ثم مروان بن الحكم، ثم ابنه عبد الملك بن مروان ثم ابنه الوليد بن عبد الملك، فهؤلاء خمسة عشر، ثم الوليد بن يزيد بن عبد الملك.
فإن اعتبرنا ولاية الزبير قبل عبد الملك صاروا ستة عشر، وعلى كل تقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز، فهذا الذي سلكه على هذا التقدير يدخل في الإثني عشر يزيد بن معاوية، ويخرج منهم عمر بن عبد العزيز، الذي أطبق الأئمة على شكره وعلى مدحه، وعدُّوه من الخلفاء الراشدين، وأجمع الناس قاطبةً على عدله وأن أيامه كانت من أعدل الأيام، حتى الرافضة يعترفون بذلك.
فإن قال: أنا لا أعتبر إلا من اجتمعت الأمة عليه، لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالب ولا ابنه، لأن الناس لم يجتمعوا عليهما، وذلك أن أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما، وعدَّ معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد، ولم يقيد بأيام مروان ولا ابن الزبير، فإن الأمة لم تجتمع على واحد منهما.
فعلى هذا نقول في مسلكه هذا عاداً للخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان ثم معاوية ثم يزيد بن معاوية ثم عبد الملك ثم الوليد بن سليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد ثم هشام، فهؤلاء عشرة، ثم من بعدهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق، ولكن
وهذا الحديث فيه المنع من تسمية معاوية خليفة، وبيان أن الخلافة قط انقطعت بعد الثلاثين سنة لا مطلقاً، بل انقطع تتابعها، ولا ينفي وجود خلفاء راشدين بعد ذلك، كما دل عليه حديث جابر بن سمرة.
وقال نعيم بن حماد: حدثنا راشد بن سعد، عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حذيفة بن اليمان قال: يكون بعد عثمان اثنا عشر ملكاً من بني أمية، قيل له: خلفاء؟ قال: لا، بل ملوك.
وقد روى البيهقي من حديث حاتم بن صفرة، عن أبي بحر قال: كان أبو الجلد جاراً لي، فسمعته يقول يحلف عليه: إن هذه الأمة لن تهلك حتى يكون فيها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق، منهم رجلان من أهل البيت، أحدهما يعيش أربعين سنة، والآخر ثلاثين سنة.
ثم شرع البيهقي في رد ما قاله أبو الجلد بما لا يحصل به الرد، وهذا عجيب منه !
وقد وافق أبا الجلد طائفةٌ من العلماء، ولعل قوله أرجح لما ذكرنا.
وقد كان ينظر في شيء من الكتب المتقدمة، وفي التوراة التي بأيدي أهل الكتاب ما معناه: إن الله تعالى بشر ابراهيم بإسماعيل، وأنه ينميه ويكثره ويجعل من ذريته اثني عشر عظيماً. انتهى.
ويقصد ابن كثير ما هو موجود في التوراة الفعلية ـ العهد القديم والجديد 1|25 ـ طبعة مجمع الكنائس الشرقية ـ في سفر التكوين، الإصحاح السابع عشر، قال:
19 ـ فقال الله: بل سارة امرأتك تلد لك ابناً وتدعو اسمه اسحق، وأقيم عهدي معه عهداً أبدياً، لنسله من بعده.
20 ـ وأما اسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره، وأكثره كثيراً جداً. اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة كبيرة.
21 ـ ولكن عهدي أقيمه مع اسحق، الذي تلده لك سارة في هذا الوقت، في السنة الآتية. انتهى.
وقد وردت ترجمتها عن كعب الأحبار (قيماً) وترجمها بعضهم (إماماً)..
فالنص موجودٌ في التوراة، وفي مصادر السنة، والشيعة، وهو مؤيدٌ لبشارة نبينا صلى الله عليه وآله، ولكنه لا يحل مشكلة المفسرين السنيين، بل يزيدها !
ومن أعقل هؤلاء الشراح وأكثرهم إنصافاً في هذا الموضوع: ابن العربي المالكي المتوفى سنة 543، فقد اعترف في عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي بأن تطبيق الحديث على هؤلاء يصل الى طريق مسدود، ورجح أن يكون الحديث ناقصاً لأن الموجود منه لا يفهم له معنى.. قال:
روى أبو عيسى عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون بعدي اثنا عشر أميراً كلهم من قريش. صحيح.
فعددنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر أميراً فوجدنا: أبا بكر، عمر، عثمان، علي، الحسن، معاوية، يزيد، معاوية بن يزيد، مروان، عبد الملك، مروان بن محمد بن مروان، السفاح، المنصور، المهدي، الهادي، الرشيد، الامين،المأمون، المعتصم، الواثق، المتوكل، المنتصر، المستعين، المعتز، المهتدي، المعتضد، المكتفي، المقتدر، القاهر، الراضي، المتقي، المستكفي
وإذا عددنا منهم اثني عشر انتهى العدد بالصورة الى سليمان بن عبد الملك.
وإذا عددناهم بالمعنى، كان معنا منهم خمسة: الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز، ولم أعلم للحديث معنى، ولعله بعض حديث !! انتهى.
وقد اتضح أن المفسرين السنيين بذلوا كل جهدهم لتفسير هؤلاء الأئمة الإثني عشر الموعودين في التوراة على لسان ابراهيم، ثم على لسان نبينا صلى الله عليه وآله، على ملوك بني أمية، ولكنهم واجهوا ثلاثة مشاكل أساسية لا حل لها:
الأولى:
زيادة عدد هؤلاء (الخلفاء) الذين يعترفون بأنهم ليسوا خلفاء النبي صلى الله عليه وآله بل خلفاء الهواء! على الإثني عشر، الأمر الذي يدخلهم في بوابة الحذف والإثبات التي لا ضابط لها، ولا آخر !
والثانية:
أنهم يشعرون أن هذا الثوب الالَهي لايمكن إلباسه لجماعتهم.. وأنهم مهما دافعوا عن سيرة هؤلاء (الخلفاء غير الخلفاء) وتستروا على تاريخهم، ففيهم مفضوحون، لابد من الإعتراف بسوئهم، ولا يمكن أن يكون أحدهم إماماً ربانياً، وقيماً عظيماً على الأمة، موعوداً من الله تعالى على لسان أعظم الأنبياء عليهم السلام.
والثالثة:
أنهم بهذا التفسير يدعون لهؤلاء الملوك منصباً ربانياً لم يدعوه هم لأنفسهم! فيصيرون بذلك كمن يدعي نبوة لنبيٍّ، والنبي المزعوم ينكرها !!
وأخيراً، فقد نصح المفسرون السنيون أتباعهم أن لا يأخذوا بتفسير الشيعة، ووعدوهم بأن يفسروا لهم الحديث الشريف بأصح من تفسير الشيعة، وقد رأينا أنهم داروا في تفسيره كثيراً، وراوحوا مكانهم..
ومن حقنا أن نقول لهم: إذا لم تفسروه، فاعذرونا أن نفسره بالأئمة من أهل بيت النبي وعترته الطاهرين صلى الله عليه وآله، وأولهم علي عليه السلام وآخرهم المهدي الموعود عليه السلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: بنا بدأ الله وبنا يختم.
تورط الشراح في حديث سفينة
سفينة مولى أم سلمة، وثقه علماء الجرح والتعديل السنيون، وروى عنه البخاري وغيره من أصحاب الصحاح حديثاً يتعلق بالموضوع وصححوه.
ـ قال الترمذي: 3|341
عن سعيد بن جمهان قال حدثني سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك (عضوضٌ).
ثم قال لي سفينة: أمسك عليك خلافة أبي بكر، ثم قال وخلافة عمر، وخلافة عثمان، ثم قال أمسك خلافة علي، فوجدناها ثلاثين سنة.
قال سعيد: فقلت له: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم؟
قال: كذب بنو الزرقاء، بل هم ملوكٌ من شر الملوك.
وفي الباب عن عمر وعلي قالا: لم يعهد النبي صلى الله عليه وسلم في الخلافة شيئاً . هذا حديث حسن، قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان، لا نعرفه إلا من حديثه. انتهى. ورواه أحمد في مسنده: 5|220، و221، بدون كلام سفينة عن ملوك بني أمية. وقال عنه الحاكم: 3|71 وقد أسندت هذه الروايات بإسناد صحيح مرفوعاً الى النبي 9. انتهى.
ـ ورواه ابن كثير في البداية والنهاية: 3|198 ثم روى بعده عن عبد الرحمن أبي بكرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خلافة نبوة ثلاثون عاماً، ثم
وإذا صح حديث سفينة فهو إخبارٌ نبويٌّ عن انحراف الأمة بعد الثلاثين سنة، وعدم شرعية الحكم فيها.
وبما أن عدد الحكام في هذه الفترة لم يزيدوا عن خمسة، فلا بد أن يكون الأئمة الإثنا عشر من غير الحاكمين، أو تكون تكملتهم من غيرهم !
فحديث سفينة يحكم بخطأ جعل الأئمة الإثني عشر من الحكام، كما هو واضح.
ولكن أكثر الشراح أشربوا في قلوبهم حب بني أمية، وارتكبوا كل تناقض لجعل ملكهم العضوض إمامةً ربانية، وجعل حكامهم المعروفين بسلوكهم وبطشهم، أئمةً ربانيين، مبشراً بهم على لسان رسول رب العالمين !!
والذي يزيدك اطمئناناً بما قلناه، أنهم قبلوا حديث سفينة (الخلافة ثلاثون سنة) وقد فسره راويه ونفى الخلافة عن بني أمية، وقال إنهم ملوكٌ شر ملوك!
ومع ذلك جعلوهم أئمة ربانيين، اختارهم الله تعالى لقيادة هذه الأمة !
ومنهم من حاول نفي تفسير سفينة وقال إنه زيادةٌ لم تثبت، مثل الألباني! وكذلك لم يثبت عندهم كل ما في تاريخ بني أمية من ظلمٍ عضوضٍ للناس !!
ـ قال العيني في عمدة القاري: 16|74
فإن قلت: يعارض حديث سفينة ما رواه مسلم من حديث جابر بن سمرة: لا يزال هذا الدين قائماً ما كان اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، الحديث.
قلت: قيل إن الدين لم يزل قائماً حتى ولي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، وأراد بهذا خلافة النبوة، ولم يرد أنه لا يوجد غيرهم.
وقيل: هذا الحديث فيه إشارة بوجود اثني عشر خليفة عادلين من قريش، وإن لم يوجدوا على الولاء ، وإنما اتفق وقوع الخلافة المتتابعة بعد النبوة في ثلاثين سنة، ثم قد كان بعد ذلك خلفاء راشدون منهم عمر بن عبد العزيز، ومنهم المهتدي بأمر الله العباسي، ومنهم المهدي المبشر بوجوده في آخر الزمان. انتهى.