ويكفي في الدلالة على بطلان هذا القول ما تقدم في الحراسة، ويضاف اليه أن روايته من كلام عطية بن سعد ولم يسندها الى النبي صلى الله عليه وآله، والآيات المذكورة فيها هي الآيات 1 الى 67 من سورة المائدة، ولم يقل أحدٌ إن هذا الآيات نزلت في قصة ولاء ابن سلول لليهود، الذي توفي قبل نزول سورة المائدة!
أنها نزلت على أثر محاولة شخص اغتيال النبي صلى الله عليه وآله، وقد تناقضت رواياتهم في ذلك، فذكر بعضها أن الحادثة كانت في غزوة بني أنمار المعروفة بذات الرقاع، وأن شخصاً جاء الى النبي صلى الله عليه وآله بقصد اغتياله وطلب منه أن يعطيه سيفه ليراه، فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله إياه بكل سهولة..! أو كان علقه وغفل عنه، أو دلى رجليه في البئر الخ.
ـ قال السيوطي في الدر المنثور: 2|298 ـ 299
وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أنمار نزل ذات الرقاع بأعلى نخل، فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه! فقال غورث بن الحرث: لأقتلن محمداً، فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال أقول له أعطنى سيفك، فإذا أعطانيه قتلته به!
فأتاه فقال: يامحمد أعطني سيفك أشِمْهُ، فأعطاه إياه فرعدت يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حال الله بينك وبين ما تريد، فأنزل الله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، الآية.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال: من يمنعك مني؟ قال: الله، فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه،
وأخرج ابن حبان وابن مردوية عن أبي هريرة قال: كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا له أعظم دوحة وأظلها فينزل تحتها، فنزل ذات يوم تحت شجرة، وعلق سيفه فيها فجاء رجل فأخذه فقال: يا محمد من يمنعك مني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله يمنعني منك، ضع عنك السيف فوضعه، فنزلت: والله يعصمك من الناس. انتهى.
وقال بعضهم: إن شخصاً أراد اغتيال النبي صلى الله عليه وآله فقبضوا عليه: ففي الدر المنثور: 2| 299: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل فقيل هذا أراد أن يقتلك! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لم ترع، ولو أردت ذلك لم يسلطك الله علي.. انتهى.
أولاً، أن غزوة ذات الرقاع أو بني أنمار كانت في السنة الرابعة من الهجرة (سيرة ابن هشام: 3|225) وهو تاريخٌ قبل نزول سورة المائدة بسنوات، كما أن بعض رواياتها بلا تاريخ، وبعضها غير معقول!
ثانياً، أن المصادر الأساسية التي روت قصة غورث وغزوة ذات الرقاع، لم تذكر نزول آية العصمة فيها، بل ذكر أكثرها تشريع صلاة الخوف والحراسة المشددة على النبي صلى الله عليه وآله حتى في الصلاة، وهو كافٍ لرد رواية نزول الآية فيها!
أما ابن هشام فقد ذكر أن الآية التي نزلت في قصة غورث هي قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا اليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم... (سيرة ابن هشام: 3|227، تحقيق السقا) ولكن ذلك لا يصح، لأن تلك الآية من سورة المائدة أيضاً!
وأما البخاري وغيره فقد رووا فيها تشريع صلاة الخوف وتشديد الحراسة!
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبره أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سمرة فعلق بها سيفه، قال جابر فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتاً! فقال لي من يمنعك مني؟ قلت له: الله، فها هو ذا جالسٌ، ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن أبى سلمة عن جابر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي صلى الله عليه وسلم معلقٌ بالشجرة، فاخترطه فقال له: تخافني؟ فقال لا. قال فمن يمنعك مني؟ قال الله. فتهدده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأقيمت الصلاة، فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الاخرى ركعتين.
وقال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر: اسم الرجل غورث بن الحرث. انتهى.
ـ وروى الحاكم نحوه: 3|29، وذكر فيه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله صلى بعد الحادثة صلاة الخوف بالحراسة المشددة! وقال عن الحديث: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وكذلك روى أحمد قصة غورث في: 3|364، و390، وذكر فيها صلاة الخوف ولم يذكر نزول الآية! وراجع أيضاً: 4|59، ورواها الهيثمي في مجمع الزوائد: 9 من|8، وفيها تفصيلاتٌ كثيرة وليس فيها ذكر نزول الآية!!
ـ وروى الكليني صيغة معقولة لقصة غورث، قال في الكافي: 8|127:
أبان عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وآله في غزوة ذات الرقاع تحت شجرة على شفير واد، فأقبل سيل فحال بينه وبين أصحابه، فرآه رجل
وهكذا لا تجد أثراً في هذه المصادر لنزول الآية في ذات الرقاع، أو في قصة غورث، بل تلاحظ أن النبي صلى الله عليه وآله صلى بعد الحادثة بالحراسة المشددة! فهل صار إلغاء الحراسة عند أصحاب هذا القول، أن النبي صلى الله عليه وآله لم يطمئن قلبه فأمر بتشديد الحراسة؟!
ومن تخبطهم في قصة غورث وآية التبليغ، ما تراه من الرد والبدل بين ابن حجر والقرطبي، فقد قال القرطبي إن كون النبي وحده في القصة يدل على عدم حراسته حينذاك، وأن الآية نزلت قبلها!!
فأجابه ابن حجر: لا، فالآية نزلت يومذاك فألغى الحرس، أما قبلها فكان أحياناً يضغف إيمانه فيتخذ الحرس، وأحياناً يقوى فيلغيه، وفي قصة غورث كان بلا حراسة لقوة إيمانه يومذاك!!
ـ قال في فتح الباري: 8|2752
قوله باب تفرق الناس عن الإمام عند القائلة والإستظلال بالشجر.
ذكر فيه حديث جابر الماضي قبل بابين من وجهين، وهو ظاهر فيما ترجم له، وقد تقدمت الإشارة الى مكان شرحه.
قال القرطبي: هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان في هذا الوقت لا يحرسه أحدٌ من الناس، بخلاف ما كان عليه في أول الأمر، فإنه كان يحرس حتى نزل قوله تعالى: والله يعصمك من الناس.
فاعجب لابن حجر الذي لم يلتفت الى أن الآية من سورة المائدة التي نزلت سنة عشر، وأن غزوة ذات الرقاع سنة أربع، وأن مجىَ أبي هريرة الى المدينة سنة سبع، وغفل عن تشديد الحراسة وصلاة الخوف في ذات الرقاع، وهو مع ذلك يشرح رواية البخاري في صلاة الخوف!!
وما ذلك إلا لأن ذهنه مملوء بما زرَّقوه فيه من ربط آية العصمة بالحراسة، لإبعادها عن الغدير!!
وأخيراً، فقد تقدمت روايات حراسة النبي صلى الله عليه وآله في تبوك، وهي بعد غزوة ذات الرقاع بنحو ست سنوات، ونضيف اليها هنا حراسته في فتح مكة الذي كان بعد هذه الحادثة، بنحو أربع سنوات، فقد روى البخاري أن المسلمين كانوا يحرسون النبي صلى الله عليه وآله حينئذ! قال في صحيحه: 5|91: عن هشام عن أبيه قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فبلغ ذلك قريشاً، خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران، فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة، فقال أبو سفيان ما هذه، لكأنها نيران عرفة؟! فقال بديل بن ورقاء: نيران بنى عمرو! فقال أبو سفيان عمرو أقل من ذلك! فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركوهم فأخذوهم، فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم... انتهى.
لم يعين أصحابه تاريخ نزول الآية، ولا ربطوها بالحراسة، ولكنهم قالوا إنها عامة تؤكد على النبي صلى الله عليه وآله وجوب تبليغ الرسالة، وإلا فإنه لم يبلغها!
ـ ففي الدر المنثور: 2|299: وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه سيكفيه الناس ويعصمه منهم، وأمره بالبلاغ، وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قيل له: لو احتجبت فقال: والله لا يدع الله عقبي للناس ما صاحبتهم. انتهى.
وهذا القول يشبه القول الأول، ويرد عليه ما تقدم، وأن رواياته غير مسندة، وأنه لا ينطبق على معنى الآية، ولا يكفي لتصحيح القضية الشرطية فيها، كما ستعرف.
القول الموافق لرأي لأهل البيت عليهم السلام
ـ قال في الدر المنثور: 2|298: وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم في علي بن أبي طالب.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك ـ أن علياً مولى المؤمنين ـ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس! انتهى.
ـ المعيار والموازنة|213
وعن جابر بن عبد الله وعبد الله بن العباس الصحابيين قالا: أمر الله محمداً أن ينصب علياً للناس ويخبرهم بولايته، فتخوف رسول الله أن يقولوا حابى ابن عمه
فقام رسول الله بولايته يوم غدير خم. انتهى. وقال في هامشه:
وروى السيوطي في الدر المنثور عن الحافظ ابن مردويه وابن عساكر بسنديهما عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم...
أقول: ورواه أيضاً بأسانيد الحافظ الحسكاني في الحديث 211 وتواليه من شواهدالتنزيل 1 | 157. ورواه أيضاً ابن عساكر في الحديث (585 ـ 586) من ترجمة أميرالمؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق: 2|85 ط 1.
وقد روى الخطيب والحافظ الحسكاني وابن عساكر وابن كثير والخوارزمي وابن المغازلي بأسانيد عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله عز وجل: اليوم أكملت لكم دينكم....
ومن أراد المزيد فعليه بما ألفه علماء المسلمين في هذا الحديث قرناً بعد قرن مثل رسالة الحافظ ابن عقدة، وحديث الغدير للطبري المفسر والمورخ الشهير، وحديث الغدير للحافظ الدارقطني، والذهبي، وعبيد الله الحسكاني، ومسعود السجستاني وغيرهم. وعليك بكتاب الغدير، وحديث الغدير من كتاب عبقات الأنوار، فإن فيهما ما تشتهيه الأنفس. انتهى.
ـ وفي تفسير الميزان: 6|54
وعن تفسير الثعلبي قال قال جعفر بن محمد: معنى قوله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، في فضل علي، فلما نزلت هذه أخذ النبي صلى الله عليه وآله بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
ـ وفي الغدير: 1|214
نزلت هذه الآية الشريفة يوم الثامن عشر من ذي الحجة ن سنة حجة الوداع (10هـ) لما بلغ النبي الأعظم صلى الله عليه وآله غدير خم، فأتاه جبرئيل بها على خمس ساعات مضت من النهار فقال: يا محمد إن الله يقرؤك السلام ويقول لك: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ـ في علي ـ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، الآية. وكان أوائل القوم وهم مائة ألف أو يزيدون قريباً من الجحفة فأمر أن يرد من تقدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، وأن يقيم علياً عليه السلام علماً للناس، ويبلغهم ما أنزل الله فيه، وأخبره بأن الله عز وجل قد عصمه من الناس.
وما ذكرناه من المتسالم عليه عند أصحابنا الإمامية، غير أنا نحتج في المقام بأحاديث أهل السنة في ذلك. انتهى.
وقد ذكر الأميني رحمه الله ثلاثين مؤلفاً من السنيين رووا أن الآية نزلت في ولاية علي عليه السلام نذكر عدداً منهم باختصار:
1 ـ الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى 310، أخرج بإسناده في كتاب (الولاية) في طرق حديث الغدير، عن زيد بن أرقم قال: لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم في رجوعه من حجة الوداع، وكان في وقت الضحى وحر شديد، أمر بالدوحات فقمَّت، ونادى الصلاة جامعة، فاجتمعنا فخطب خطبة بالغة ثم قال: إن الله تعالى أنزل إلي: بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس....
2 ـ الحافظ ابن أبي حاتم أبو محمد الحنظلي الرازي المتوفى 327.
4 ـ الحافظ أبو بكر الفارسي الشيرازي المتوفى 407، روى في كتابه ما نزل من القرآن في أميرالمؤمنين، بالإسناد عن ابن عباس...
5 ـ الحافظ ابن مردويه المولود 323 والمتوفى 416، أخرج بإسناده عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت يوم غدير خم في علي بن أبي طالب، وبإسناد آخر عن ابن مسعود أنه قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك ـ أن علياً مولى المؤمنين...
6 ـ أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري المتوفى 427، روى في تفسيره الكشف والبيان..
7 ـ الحافظ أبو نعيم الإصبهاني المتوفى 430، روى في تأليفه: ما نزل من القرآن في علي....
8 ـ أبو الحسن الواحدي النيسابوريالمتوفى 468، روى في أسباب النزول|150 ....
9 ـ الحافظ أبو سعيد السجستاني المتوفى 477، في كتاب الولاية بإسناده من عدة طرق عن ابن عباس....
10 ـ الحافظ الحاكم الحسكاني أبو القاسم روى في شواهد التنزيل لقواعد التفصيل والتأويل، بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وجابر....
11 ـ الحافظ أبو القاسم ابن عساكر الشافعي المتوفى 571، أخرج بإسناده عن أبي سعيد الخدري....
12 ـ أبوالفتح النطنزي أخرج في الخصائص العلوية، بإسناده عن الإمامين محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق...
13 ـ أبو عبد الله فخر الدين الرازي الشافعي المتوفى 606، قال في تفسيره الكبير 3
14 ـ أبو سالم النصيبي الشافعي المتوفى 652، في مطالب السؤول|16...
15 ـ الحافظ عز الدين الرسعني الموصلي الحنبلي المولود 589....
16 ـ شيخ الإسلام أبوإسحاق الحمويني المتوفى 722، أخرج في فرايد السمطين عن مشايخه الثلاثة: السيد برهان الدين إبراهيم بن عمر الحسيني المدني، والشيخ الإمام مجد الدين عبدالله بن محمود الموصلي، وبدرالدين محمد بن محمد بن أسعد البخاري، بإسناد هم عن أبي هريرة: أن الآية نزلت في علي.
17 ـ السيد علي الهمداني المتوفى 786، قال في مودة القربي: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فلما كان بغدير خم نودي الصلاة جامعة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة وأخذ بيد علي، وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟
قالوا: بلى يا رسول الله.
فقال: ألا من أنا مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: هنيئاً لك يا علي بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. وفيه نزلت: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك. الآية.
18 ـ بدرالدين بن العيني الحنفي المولود 762 والمتوفى 855، ذكره في عمدة القاري في شرح صحيح البخارى 8|584 في قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل. عن الحافظ الواحدي....
من العجيب أن يبقى القول الموافق لأهل البيت عليهم السلام في سبب نزول آية التبليغ حياً في مصادر إخواننا السنيين، لأنه ينسف الأسس التي بذل القرشيون جهودهم ليقنعوا بها المسلمين في مسألة الإمامة والخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله !
قال الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث االصحيحة 5|644:
عصمته في من الناس.
كان يحرس حتى نزلت هذه الآية: والله يعصك من الناس، فأخرج رسول الله في رأسه من القبة، فقال لهم: ياأيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله).
أخرجه الترمذي: 2|175، وابن جرير: 6|199، والحاكم: 2|3، من طريق الحارث بن عبيد عن سعيد الجريري، عن عبد بن شقيق، عن عائثة قالت: فذكره.
وقال الترمذي: حديث غريب. وروى بعضهم هذا الحديث عن الجريري عن عبد الله بن شقيق قال: كان النبي يحرس.. ولم يذكروا فيه: عن عائشة.
قلت: وهذا أصح، لأن الحارث بن عبيد ـ وهو أبو قدامة الأيادي ـ فيه ضعف من قبل حفظه، أشار إليه الحافظ بقوله: صدوق يخطىَ.
وقد خالفه بعض الذين أشار إليهم الترمذي، ومنهم إسماعيل ابن علية الثقة الحافظ، رواه ابن جرير بإسنادين عنه عن الجريري به مرسلاً.
قلت: فهو صحيح مرسلاً، وأما قول الحاكم عقب المسند عن عائشة: صحيح الإسناد فمردود، لما ذكرنا، وإن تابعه الذهبي.
نعم الحديث صحيح، فإن له شاهداً من حديث أبي هريرة قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا نزل منزلاً نظروا أعظم شجرة يرونها فجعلوها للنبي فينزل تحتها وينزل أصحابه بعد ذلك في ظل الشجر، فبينما هو نازل تحت شجرة وقد علق السيف عليها إذ جاء أعرابي فأخذ السيف من الشجرة ثم دنا من النبي وهو نائم فأيقظه، فقال: يا محمد من يمنعك مني الليلة؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: الله. فأنزل الله: يا
وله شاهدان آخران عن سعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي مرسلاً.
واعلم أن الشيعة يزعمون ـ خلافاً للأحاديث المتقدمة ـ أن الآية المذكورة نزلت يوم غدير خم في علي رضي الله عنه ويذكرون في ذلك روايات عديدة مراسيل ومعاضيل أكثرها، ومنها عن أبي سعيد الخدري ولايصح عنه كما حققته في الضعيفة (4922) والروايات الأخرى أشار إليها عبد الحسين الشيعي في مراجعاته|38 دون أي تحقيق في أسانيدها كما هي عادته في سرد أحاديث كتابه، لأن غايته حشد كل ما يشهد لمذهبه سواء صح أو لم يصح، على قاعدتهم: الغاية تبرر الوسيلة! فكن منه ومن رواياته على حذر، وليس هذا فقط، بل هو يدلس على القراء ـ إن لم أقل يكذب عليهم ـ فإنه قال في المكان المشار إليه في تخريج أبي سعيد هذا المنكر بل الباطل: أخرجه غير واحد من أصحاب السنن كالإمام الواحدي..!
ووجه كذبه: أن المبتدئين في هذا العلم يعلمون أن الواحدي ليس من أصحاب السنن الأربعة، وإنما هو مفسر يروي بأسانيده ما صح وما لم يصح، وحديث أبي سعيد هذا مما لم يصح، فقد أخرجه من طريق فيه متروك شديد الضعف! كما هو مبين في المكان المشار إليه من الضعيفة.
وهذه من عادة الشيعة قديماً وحديثاً، أنهم يستحلون الكذب على أهل السنة عملاً في كتبهم وخطبهم، بعد أن صرحوا باستحلالهم للتقية، كما صرح بذلك الخميني في كتابه كشف الأسرار، وليس يخفى على أحد أن التقية أخت الكذب ولذلك قال أعرف الناس بهم شيخ الإسلام ابن تيمية: الشيعة أكذب الطوائف وأنا
وقد كان أصرح منه في الكذب الخميني فإنه صرح في الكتاب المذكور|149 أن آية العصمة نزلت يوم غدير خم بشأن إمامة علي بن أبي طالب، باعتراف أهل السنة، واتفاق الشيعة. كذا قال عامله الله بما يستحق. وسأزيد هذا الأمر بياناً في الضعيفة، إن شاء الله تعالى. انتهى.
ونقول للباحث الألباني: أولاً: دع عنك التهم والشتائم وإصدار الأحكام، وتصنيف من هم أصدق الطوائف الإسلامية ومن هم أكذبها، فإن السنيين والشيعيين فيهم أنواع الناس.. ولكن النواصب لهم حكم خاص..
ولا تنس أيها الباحث أن ابن تيمية الذي لم ينصف علي بن أبي طالب عليه السلام لا يمكنه أن ينصف شيعته.. وقد دافعتَ أنت عن علي عليه السلام ورددت ظلم ابن تيمية وإنكاره حديث الغدير (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) فصححت الحديث واعترفت مشكوراً بالحق، وكتبت صفحات في ذلك في أحاديثك الصحيحة 5|330 برقم 1750، ثم قلت في|344:
إذا عرفت هذا فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته: أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعَّف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر فزعم أنه كذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها، ويدقق النظر فيها. والله المستعان.
أما ما يذكره الشيعة في هذا الحديث وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله قال في علي رضي الله عنه: إنه خليفتي من بعدي، فلا يصح بوجه من الوجوه، بل هو من أباطيلهم الكثيرة التي دل الواقع التاريخي على كذبها، لأنه لو فرض أن النبي قاله لوقع كما قال لأنه (وحي يوحى) والله سبحانه لا يخلف وعده!! انتهى.
فقوله صلى الله عليه وآله: عليٌّ خليفتي من بعدي مثل قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، وإذا كان الأول إخباراً عما سيقع فكذلك الثاني، فكيف تحقق عكسه وصار معنى: من كنت سيده فعلي سيده، أنَّ الرعية أجبروا سيدهم على بيعتهم؟!
إن الإخبار في الحديثين تشريعي أيها المحدث، وبيانٌ لتكليف المسلمين وما يجب عليهم، وليس هو إخباراً غيبياً، حتى لا يصح وقوع غيره!
ونقول له ثانياً: عندما ضعَّفت حديث سبب نزول آية (والله يعصمك من الناس) هل جمعت طرقه ودققت النظر فيها فقلت (مراسيل ومعاضيل أكثرها) ؟
هل رأيت طرق الثعلبي، وأبي نعيم، والواحدي، وأبي سعيد السجستاني، والحسكاني، وأسانيدهم؟ فوجدتها كلها مرسلةً أو ضعيفةً أو معضلةً، ووجدت في رواتها من لم تعتمد أنت عليهم! أم وقعت فيما وقع فيه ابن تيمية مما انتقدته عليه؟!
على أي حالٍ، لم يفت الوقت، فنرجو أن تتفضل بملاحظة ماكتبناه في تفسير الآية، وأن تدقق الطرق والأسانيد التي قدمناها، وتبحثها بموازينك التي تريدها، بشرط أن لا تناقض ماكتبته في كتبك، ولا تضعِّف راوياً هنا لأنه روى فضيلةً لعلي، وقد اعتمدت عليه وقبلت روايته في مكان آخر!
ونذكر فيما يلي أسانيد مصدرٍ واحد هو: كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني
244 ـ أخبرنا أبو عبد الله الدينوري قراءة (قال:) حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق (بن ابراهيم) السني قال: أخبرني عبد الرحمان بن حمدان قال: حدثنا محمد بن عثمان العبسي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون قال: حدثنا علي بن عابس عن الاعمش عن أبي الجحاف (داود بن أبي عوف) عن عطية: عن أبي سعيد الخدري قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك).
245 ـ أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ جملة (قال: أخبرنا) علي بن عبد الرحمان بن عيسى الدهقان بالكوفة قال: حدثنا الحسين بن الحكم الحبري قال: حدثنا الحسن بن الحسين العرني قال: حدثنا حبان بن علي العنزي قال: حدثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز وجل: يا ايها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك الآية (قال:) نزلت في علي أمر رسول الله صلى الله عليه أن يبلغ فيه فأخذ رسول الله بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
246 ـ رواه جماعة عن الحبري وأخرجه السبيعي في تفسيره عنه فكأني سمعته من السبيعي ورواه جماعة عن الكلبي.
وطرق هذا الحديث مستقصاة في كتاب دعاء الهداة الى أداء حق الموالاة من تصنيفي في عشرة أجزاء.
247 ـ أخبرنا أبو بكر السكري قال: أخبرنا أبو عمرو المقري قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثني أحمد بن أزهر قال: حدثنا عبد الرحمان بن عمرو بن جبلة قال: حدثنا عمر بن نعيم بن عمر بن قيس الماصر قال: سمعت جدي قال: حدثنا عبد الله بن أبي أوفى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم وتلا هذه
248 ـ أخبرنا عمرو بن محمد بن أحمد العدل بقراءتي عليه من أصل سماع نسخته قال: أخبرنا زاهر بن أحمد قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا المغيرة بن محمد قال: حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال: حدثني أبي قال: سمعت زياد بن المنذر يقول: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي وهو يحدث الناس إذ قام إليه رجل من أهل البصرة يقال له: عثمان الاعشى ـ كان يروي عن الحسن البصري ـ فقال له: يا ابن رسول الله جعلني الله فداك إن الحسن يخبرنا أن هذه الآية نزلت بسبب رجل ولا يخبرنا من الرجل (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك). فقال: لو أراد أن يخبر به لأخبر به ولكنه يخاف إن جبرئيل هبط على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على صلاتهم، فدلهم عليها. ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على زكاتهم، فدلهم عليها. ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على صيامهم، فدلهم. ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على حجهم، ففعل. ثم هبط فقال: إن الله يأمرك أن تدل أمتك على وليهم على مثل ما دللتهم عليه من صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجهم ليلزمهم الحجة في جميع ذاك. فقال رسول الله: يا رب إن قومي قريبو عهد بالجاهلية، وفيهم تنافس وفخر، وما منهم رجل إلا وقد وتره وليهم، وإني أخاف، فأنزل الله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) يريد فما بلغتها تامة (والله يعصمك من الناس) فلما ضمن الله (له) بالعصمة وخوفه أخذ بيد علي بن أبي طالب ثم قال: يا أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه.
249 ـ حدثني علي بن موسى بن إسحاق عن محمد بن مسعود بن محمد قال: حدثنا سهل بن بحر قال: حدثنا الفضل بن شاذان، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة عن الكلبي عن أبي صالح: عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا: أمر الله محمداً أن ينصب علياً للناس ليخبرهم بولايته فتخوف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا حابا ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه فأوحى الله إليه: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) الآية، فقام رسول الله بولايته يوم غدير خم.
250ـ حدثني محمد بن القاسم بن أحمد في تفسيره قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الفقيه قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن عبد الله البرقي عن أبيه عن خلف بن عمار الاسدي عن أبي الحسن العبدي عن الاعمش عن عباية بن ربعي: عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (وساق) حديث المعراج الى أن قال: وإني لم أبعث نبياً إلا جعلت له وزيراً وإنك رسول الله، وإن علياً وزيرك. قال ابن عباس: فهبط رسول الله فكره أن يحدث الناس بشىَ منها إذ كانوا حديثي عهد بالجاهلية، حتى مضى (من) ذلك ستة أيام، فأنزل الله تعالى: فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك، فاحتمل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى كان يوم الثامن عشر أنزل الله عليه (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بلالاً حتى يؤذن في الناس أن لا يبقى غداً أحداً إلا خرج الى غدير خم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس من الغد فقال: يا أيها الناس إن الله أرسلني إليكم برسالة، وإني ضقت بها ذرعاً مخافة أن تتهموني وتكذبوني حتى عاتبني ربي فيها بوعيد أنزله علي بعد وعيد، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها حتى رأى الناس بياض إبطيهما ثم قال: أيها الناس الله مولاي وأنا مولاكم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. وأنزل الله (اليوم أكملت لكم دينكم). انتهى.
رأي أهل البيت عليهم السلام في الآية
ـ في تفسير العياشي: 1|331
عن أبي صالح، عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا: أمر الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وآله أن ينصب علياً عليه السلام علماً للناس، ويخبرهم بولايته، فتخوف رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقولوا حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله اليه: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس..
ـ وفي الكافي: 1|290:
محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين جميعاً، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: فرض الله عز وجل على العباد خمساً، أخذوا أربعاً وتركوا واحدة، قلت: أتسميهن لي جعلت فداك؟
فقال: الصلاة، وكان الناس لا يدرون كيف يصلون، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد أخبرهم بمواقيت صلاتهم.
ثم نزلت الزكاة فقال: يا محمد أخبرهم من زكاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم.
ثم نزل الصوم، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان يوم عاشورا بعث الى ما حوله من القرى فصاموا ذلك اليوم، فنزل شهر رمضان بين شعبان وشوال.
ثم نزل الحج، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: أخبرهم من حجهم ما أخبرتهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم.
ثم نزلت الولاية.... وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام فقال عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله: أمتي حديثو عهدٍ بالجاهلية، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل ويقول قائل، فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني، فأتتني عزيمة من الله عز وجل بتلة، أوعدني إن لم أبلغ أن يعذبني، فنزلت: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي
فقالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وأديت ما عليك، فجزاك الله أفضل جزاء المرسلين.
فقال: اللهم اشهد، ثلاث مرات.
ثم قال: يا معشر المسلمين هذا وليكم من بعدي، فليبلغ الشاهد منكم الغائب.
ـ وفي بحار الأنوار: 94|300
ومن الدعوات في يوم عيد الغدير ما ذكره محمد بن علي الطرازي في كتابه رويناه بإسنادنا الى عبد الله بن جعفر الحميري قال: حدثنا هارون بن مسلم عن أبي الحسن الليثي، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال لمن حضره من مواليه وشيعته: أتعرفون يوماً شيد الله به الإسلام، وأظهر به منار الدين، وجعله عيداً لنا ولموالينا وشيعتنا؟
فقالوا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو يا سيدنا؟
قال: لا.
قالوا: أفيوم الأضحى هو؟ قال: لا، وهذان يومان جليلان شريفان، ويوم منار الدين أشرف منهما وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله لما انصرف من حجة الوداع، وصار بغدير خم، أمر الله عز وجل جبرئيل عليه السلام أن يهبط على النبي وقت قيام الظهر من ذلك اليوم، وأمره أن يقوم بولاية أمير المؤمنين عليه السلام وأن ينصبه علماً للناس بعده، وأن يستخلفه في أمته، فهبط إليه وقال له: حبيبي محمد إن الله يقرؤك السلام ويقول لك: قم في هذا اليوم بولاية علي ليكون علماً لأمتك بعدك يرجعون إليه، ويكون لهم كأنت. فقال النبي صلى الله عليه وآله: حبيبي جبرئيل، إني أخاف تغير أصحابي لما قد وتروه، وأن يبدوا ما يضمرون فيه، فعرج وما لبث أن
فقام رسول الله صلى الله عليه وآله ذَعِراً مرعوباً خائفاً من شدة الرمضاء وقدماه تشويان، وأمر بأن ينظف الموضع ويقمَّ ما تحت الدوح من الشوك وغيره ففعل ذلك، ثم نادى بالصلاة جامعة فاجتمع المسلمون، وفيمن اجتمع أبو بكر وعمر وعثمان وسائر المهاجرين والأنصار، ثم قام خطيباً، وذكر الولاية فألزمها للناس جميعاً، فأعلمهم أمر الله بذلك.
ـ وفي دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي: 1|14
وروينا عن أبي جعفر محمد بن علي صلى الله عليه أن رجلاً قال له: يابن رسول الله إن الحسن البصري حدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله أرسلني برسالة فضاق بها صدري، وخشيت أن يكذبني الناس، فتواعدني إن لم أبلغها أن يعذبني.
قال له أبو جعفر: فهل حدثكم بالرسالة؟
قال: لا.
قال: أما والله إنه ليعلم ما هي، ولكنه كتمها متعمداً!
قال الرجل: يا بن رسول الله جعلني الله فداك وما هي؟
فقال: إن الله تبارك وتعالى أمر المؤمنين بالصلاة في كتابه، فلم يدروا ما الصلاة ولا كيف يصلون، فأمر الله عز وجل محمداً نبيه صلى الله عليه وآله أن يبين لهم كيف يصلون.
فأخبرهم بكل ماافترض الله عليهم من الصلاة مفسراً...
وأمر بالزكاة، فلم يدروا ما هي، ففسرها رسول الله صلى الله عليه وآله وأعلمهم بما يؤخذ من الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والزرع، ولم يدع شيئاً مما فرض الله من الزكاة إلا فسره لأمته، وبينه لهم.
وفرض عليهم الصوم، فلم يدروا ما الصوم ولا كيف يصومون، ففسره لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وبين لهم ما يتقون في الصوم، وكيف يصومون.
وأمر بالحج فأمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن يفسر لهم كيف يحجون، حتى أوضح لهم ذلك في سنته.
وكانت الفرائض ينزل منها شيء بعد شيء، تنزل الفريضة ثم تنزل الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز وجل: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا.
قال أبو جعفر: يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه الفريضة فريضة، قد أكملت لكم هذه الفرائض.
وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: أوصي من آمن بالله وبي وصدقني: بولاية علي بن أبي طالب، فإن ولاءه ولائي، أمٌر أمرني به ربي، وعهدٌ عهده إليَّ، وأمرني أن أبلغكموه عنه.
ـ وروى الحديث الأول في شرح الأخبار: 1|101، ونحوه في: 2|276، وفيه:
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرائيل أمتي حديثة عهدٍ بجاهلية، وأخاف عليهم أن يرتدوا، فأنزل الله عز وجل: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ـ في علي ـ فإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس.
فلم يجد رسول الله صلى الله عليه وآله بداً من أن جمع الناس بغدير خم فقال: أيها الناس إن الله عز وجل بعثني برسالة فضقت بها ذرعاً فتواعدني إن لم أبلغها أن يعذبني، أفلستم تعلمون أن الله عز وجل مولاي وأني مولى المسلمين ووليهم وأولى بهم من أنفسهم؟
ثم قال أبو جعفر عليه السلام: فوجبت ولاية علي عليه السلام على كل مسلم ومسلمة. انتهى.
ورواه بنحوه في تفسير العياشي: 1|333، وفيه:
كنت عند أبي جعفر محمد بن على عليه السلام بالأبطح وهو يحدث الناس، فقام اليه رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعشى، كان يروي عن الحسن البصري..الخ. وقد تقدمت بعض رواياته في آية إكمال الدين، وهي في مصادرنا كثيرة وصحيحة.
ملاحظات عامة حول الأقوال المخالفة
الملاحظة الأولى:
. مع هذا فلم يرويا ولا روى غيرهما من أصحاب الصحاح شيئاً في تفسير الآية، ما عدا رواية الترمذي في الحراسة، والتي قال عنها إنها غريبة.
ونحن لا نرى أن عدم روايتهم لحديثٍ دليلاً ولا مؤشراً على ضعفه، فكم من حديثٍ هو أصح مما في الصحاح لم يرووه، وكم من حديثٍ روته الصحاح، وذكر له علماء الجرح والتعديل عللاً كثيرة.
لكنا نريد القول: إن أصحاب الصحاح حريصون على رد مذهب أهل البيت عليهم السلام، وهم يعرفون أن آية التبليغ هذه يستدل بها أهل البيت وشيعتهم على مذهبهم، فلو كان عندهم روايةٌ قويةٌ في ردها لرووها وكرروها، حتى لا تبقى روايات الشيعة بلا معارض قوي.
الملاحظة الثانية:
وهو أمر يوجب الشك في أن الغرض من سعة تلك الروايات واستثنائها تلك الفترة وحدها، هو التهرب من الفترة التاريخية التي نزلت فيها السورة!
الملاحظة الثالثة:
وعندما نواجه من كتاب الله تعالى آيةً يتفق المسلمون على أنها نزلت مرة واحدة في تاريخ واحد، ونجد أنهم يروون تاريخاً متفقاً عليه، وفيهم أهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله ويروي بعضهم أسباباً أخرى متعارضة مختلفاً فيها.. فإن السبب المجمع على روايته يكون أقوى وأحق بالإتباع والفتوى.
تقييم الأقوال المخالفة على ضوء الآية
في الآية خمس مسائل لا بد من تحديدها لمعرفة السبب الصحيح في نزولها:
المسألة الأولى: في المأمور به في الآية:
لا يستقيم معنى الآية الشريفة إلا بحمل (أنزل) فيها على الماضي الحقيقي، لأنها قالت (بلغ ما أنزل اليك) ولم تقل: بلغ ما سوف ينزل اليك.. وبيان ذلك:
ثانياً، أن الآية نزلت في آخر شهور نبوته صلى الله عليه وآله، وإذا حملنا الفعل على المستقبل يكون معناها: إنك إن لم تبلغ ما سوف ننزله عليك في هذه الشهور الباقية من نبوتك، فإنك لم تبلغ رسالة ربك أبداً! وهو معنى لم تجىء به رواية، ولم يقل به أحدٌ من علماء الشيعة، ولا السنة!
وإذا تعين حمل لفظ (أنزل اليك) على الماضي الحقيقي، دلَّ على أن الله تعالى كان أنزل على رسوله أمراً ثقيلاً، وأمره بتبليغه فكان الرسول يفكر في ثقله على الناس، وفي كيفية تبليغه لهم، فجاءت الآية لتقول له: لا تتأخر في التنفيذ، ولا تفكر في موقف الناس، هل يؤمنون أو يكفرون.. ولكن نطمئنك بأنهم سوف لن يكفروا، وسنعصمك منهم. وهذا هو تفسير أهل البيت عليهم السلام وما وافقه من أحاديث السنيين.
المسألة الثانية: فيما يصحح الشرط والمشروط به في التبليغ:
وقد اتضح ذلك من المسألة الأولى، وأنه لا معنى لقولك: يا فلان بلغ رسائلي التي سوف أرسلها معك، فإنك إن لم تفعل لم تبلغ رسائلي! لأنه من المعلوم أنه إن لم يفعل، فلم يبلغ رسائلك، ويكون كلامك من نوع قول الشاعر:
ـ قال في تفسير الميزان: 6|49:
فالكلام موضوع في صوره التهديد وحقيقته بيان أهميه الحكم، وأنه بحيث لو لم يصل الى الناس ولم يراع حقه كان كأن لم يراع حق شيء من أجزاء الدين.
فقوله: وإن لم تفعل فما بلغت، جملة شرطية سيقت لبيان أهميه الشرط وجوداً