الإهداء
إليكَ..
يا من لم يُوْلَّدْ مثله مولود بضغط.. ثم زجر.. ثم مسمار..!
يا من لم يستضئ من دهر سوى البلاء.. ولم يُستقبل منه إلاّ الجفاء.. ولم يورّث إلاّ العناء..!
يا من أسقطوا بسقطه كل مثل الإنسانيّة.. ومبادِ الرحمة.. واُسس الشرف..!
يا من حرموه من أن يستهلّ ولو بصرخة.. أو يتظلّم ولو بآه.. أو يتكلّم ولو ببنت شفه..!
يا من كمّموا صرخته.. وخنقوا عبرته.. وأطفئوا بصيص نظرته..!
يا من تمثّلت بشهادته كل معاني القسوة.. والحقد.. والجناية..!
يا من أعدموا به كل مثل الرحمة.. والحنان.. والحبّ..!
يا من بدمه اُمضي أحقّيّة الصادقين.. ومنه بزغ نور المستشهدين.. وبه بدء سجلّ الخالدين..!
يا من ولد مظلوماً.. ومات محروماً..!
يا من حُكم عليه بتعفير القبر وخفائه.. إلى يوم نشر لوائه..!
يا برهان الظلامة.. وعنوان القداسة.. وديوان الشرف..!
يا شريك اُمه في الشهادة.. وصنو أبيه في الظلامة.. وسبّاق اخويه في الجهاد..!
يا قتيل الهدف.. والمبدء.. والولاء..!
إليكَ..
عبد اُمِّـك وأبيك
قال الله تبارك وتعالى:
( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ )
الأحزاب (33): 53
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
" ألا إنّ فاطمة (عليها السلام) بابها بابي وبيتها بيتي، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله "
الطرف: 19، عنه بحار الأنوار: 22/477
قال سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
" واعلموا أنّكم لن تعرفوا الرشد حتّى تعرفوا الّذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتّى تعرفوا الّذي نقضه، ولن تمسكوا به حتّى تعرفوا الّذي نبذه.. "
نهج البلاغة: 63 الخطبة 147، الكافي: 8/390، بحار الأنوار: 77/371
عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام):
" من لم يعرف سوء ما اُتي إلينا من ظلمنا وذهاب حقّنا، وما رُكبنا به، فهو شريك من أتى إلينا فيما ولينا به.. "
عقاب الأعمال: 208، بحار الأنوار: 27/55
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطاهرين، لا سيّما ابن عمه وصهره وسيد اوصيائه وخليفته ـ بلا فصل ـ من بعده أمير المؤمنين و يعسوب الدين وامام المتقين واول المظلومين وكذا ابنته سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، السيدة الجليلة، ذات الأحزان الكثيرة في المدة القليلة، المظلومة المغصوبة، المضطهدة المقهورة، الصدّيقة الشهيدة، الإنسية الحوراء، فاطمة الزهراء (عليها السلام). واللعن الدائم على أعدائهم ومخالفيهم ومعانديهم وظالميهم وغاصبي حقوقهم ومنكري فضائلهم ومناقبهم ومدّعي شؤونهم ومراتبهم، من الأولين والآخرين أجمعين، إلى يوم الدين.
لا ريب أن لبعض الحوادث التاريخية موقعية خاصة في المعارف الدينية بحيث يستند إليها في المباحث الكلامية، فلا يكون الفحص فيها والتحقيق حولها من شؤون أهل السيرة خاصة، بل المتكلمون والمحدثون وغيرهم يبحثون عن مدى صحتها وكيفية وقوعها.. لأهميتها عندهم ; ومن هذه الوقائع ما وقع بعد وفاة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكيفية البيعة لأبي بكر وموقف أهل البيت (عليهم السلام) مع تلك البيعة وكذا سائر المسلمين..
ويلزمنا أن نذكر قبل الشروع، أنا لا نرضى بالتفرقة بين المسلمين ونبرأ إلى الله ممن يوقع بينهم العدواة والشحناء.. ولكن هل يوجب هذا أن نسدّ باب التحقيق؟!
الحقّ أن السكوت أمام هذه الحوادث والحمل على الصحة في جميع ما صدر من الصحابة يمنعنا من الوصول إلى الحقائق، بل يوقعنا في الخطأ في فهم المعارف الدينية، فيجب علينا طرح العصبية والاهواء وملاحظة الأدلة المقبولة عند الجميع.. ثم القضاء بالإنصاف.
قال الله تبارك وتعالى: ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبابِ )(1).
ثم إني رأيت كثيراً ما عند مراجعتي للكتب الاعتقادية والكلامية ـ فضلاً عن التاريخية والحديثية ـ ذكر وقعة الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام) عند امتناع أمير المؤمنين (عليه السلام) عن البيعة لأبي بكر، كما وقد احتج بها، ووجدت جملة من أعلام أهل السنة يصرّون على إنكارها وردّ الروايات الواردة فيها وتضعيفها وإن كانت في الكتب المعتبرة عندهم وجاءت عن ثقاتهم، فانكشف لي أهمية هذا الموضوع وأنّه لم يكن مجرّد قضيّة تاريخية فحسب، كيف ولها آثار مهمّة في عقائدنا وفي مبحث الأمامة الكبرى ; إذ بها يثبت عدم بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)لأبي بكر اختياراً، وإنما بايع إجباراً بعد أن وصل الحال الى ان أحرقوا باب الدار وأرادوا إحراق البيت على أهله.. وجرّوه إلى المسجد.. وفُعل ما فُعل بحليلته.. وفقد ناصره وجنده و.. وهذا الذي يؤكّد عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبه، كما يأتي قوله (عليه السلام): " مازلت مظلوماً منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ".
قال ابن أبي الحديد ـ بعد ذكر شكوى أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: " ما زلت
____________
1. الزمر (39): 18.
وكان المرتضى ـ يريد السيد المرتضى صاحب الشافي ـ إذا ظفر بكلمة من هذه فكأنّما ظفر بملك الدنيا، ويودعها في كتبه وتصانيفه(1).
ومن تصفّح كتب العامة يجد أن طائفة منهم يحكون بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام)لأبي بكر بنحو من التدليس والتحريف ويوقعون القارئين الغافلين عن الحقائق في الاشتباه فيتوهّمون:
أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وإن كان لا يرى أبا بكر أهلاً للخلافة ولكنّه رضي ببيعة النّاس له.
ولم ينافس خيراً ساقه الله إلى أبي بكر!!
والمبايعة له وقعت في حال الاختيار!!
بل نادى أبو بكر واستقال الناس بيعتهم.. ولكن أمير المؤمنين (عليه السلام) وبقيّة المسلمين أبوا عن الإقالة!!
نعم، هذه وامثالها ـ وما أكثرها ـ أكاذيب اختلقها أقوام ونقلها آخرون من دون تدبّر وتفهّم، تشبّثوا بها.. لكنهم غافلون: ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ )(2).
فإذا أثبتنا بالدليل القطعي مظلوميتهم.. وأنه (عليه السلام) لم يبايع أبا بكر بالطوع والاختيار، لا يبقى مجال لهذه الخزعبلات والتسويلات.
ومن هنا ترى القوم قد غضبوا على فاطمة (عليها السلام) ـ التي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها(3) ـ، إذ هي الّتي كشفت للناس عن الحقائق المخفيّة،
____________
1. شرح نهج البلاغة: 10/286.
2. الصف (61): 8.
3. راجع البداية والنهاية: 5/307 لتعرف جهالة ابن كثير وتحكّمه وتجاهله لمقام السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في هذه القضية.
بدفاعها عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قبل إخراجه وعند إخراجه من البيت..
وبحضورها في المسجد واعتراضها على أبي بكر..
وببكائها ليلاً ونهاراً..!
وبايرادها الخطبة الفدكية الرائعة، ليعرف الناس الحق والباطل..
وبإيصالها بدفنها ليلاً.. و..
ولعل من أهمّ ما صنعته بالهيئة الحاكمة وصيتها الخطيرة التي تُعدّ ـ بحقّ ـ من أهمّ ما أبقاه لنا التاريخ سنداً و مسنداً لبيان فداحة المصاب.. وكانت سبباً لكل ما أكنّه القوم من حقد وضغينة في صدورهم مما لا يعلمه إلا الله..
والا فلماذا لم يصلّ عليها أبو بكر وعمر؟! وكذا سائر النّاس الذين خذلوها وخذلوا بعلها وقعدوا عن نصرة عترة نبيّهم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
ولماذا اخفي قبرها إلى يومك هذا؟!
ولم تأخرت بيعة علي (عليه السلام) للقوم ستة اشهر؟!
ولم..؟!
ثم إنّي رأيت أنْ أوّلف كتاباً يشتمل على مصادر وصمة الهجوم من كتب الفريقين بحيث يكون كافياً لمن أراد الوقوف على الحقّ والصواب، وهادياً لمن اجتنب الاعتساف، مع اعترافي بالعجز والقصور وعدم احصاءي لكل ما هو المقصود.
ثم رأيت إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يجري على أهل بيته (عليهم السلام) في روايات كثيرة فقدّمته في الفصل الاول، وحيث كان بعض ما وقع قبل وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) مرتبطاً بما نحن فيه لذا أوردته في الفصل الثاني، ورأيت أن أسرد الوقائع بحسب وقوعها
وإن كانت للمؤلّف المذكور في العنوان رواية من الروايات التي سبق بيانها فنشير إلى رقمها.
وأتبعته بما وصل لي من شكوى أمير المؤمنين (عليه السلام) والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وايصائها بالدفن ليلاً في الفصل الخامس. ثم ذكرت بعض ما أُورد من الشبهات في وقوع تلك القضايا وأجبت عنها مجملاً في الفصل السادس.
تنبيهات:
الاولى: كان مسعاي أن تكون أُصول المطالب المنقولة ممّا اتّفقت عليه كتب الفريقين، وإن كانت بعض الجزئيات مختصّة بأحدهما، الا أن ما نستدل به موجود في كتب القوم غالباً، نعم إنّهم فتحوا لأنفسهم باب التأويلات، ويجيبون عمّا يستدل الشيعة به بما يتفردون بنقله، وهذا كما ترى لا يفيد شيئاً.
الثانية: ان المقصود الاولى في هذا الكتاب ذكر نصوص الروايات وكلمات القدماء والاحتجاج بها، وذكرنا لبعض المتأخّرين إنّما كان استطراداً، سيّما إذا روى رواية لم نجدها في كتب القدماء، أو أشار إلى إجماع أو شهرة. وذكرنا بعض المتأخّرين من أهل السنّة ليُعلم مدى اعتبار الروايات وقيمتها عند متأخريهم.
الثالثة: إذا راجعت البحار طبع بيروت، فهو ينقص عمّا طُبع في ايران من مجلد 57 إلى آخره ثلاث مجلدات، فمجلد 54 طبع بيروت يوافق 57 طبع ايران.
الرابعة: لم نقتصر في رمز (خ) على بيان اختلاف النسخ ـ كما هو المتعارف ـ بل عمناه لما اذا كان منشاءه اختلاف الفاظ الروايات باختلاف مصادره، أو لتعدد نسخ البدل بسبب تعدد الطبعات لكتاب واحد.
والمرجوّ لمن راجع هذا الكتاب أن ينظر إليه بعين الأنصاف ويحذر عن الاعتساف، إذ نحن لا نريد إلاّ بيان الواقع والحق، والله من وراء القصد.
الوحي يحذِّر.. ويخبر
إيصاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأهل بيته (عليهم السلام)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أُذكِّركم الله في أهل بيتي "(1).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " أيها الناس! لا تأتوني غداً بالدنيا تزفّونها زفّاً ويأتي أهل بيتي شعثاً غبراً مقهورين مظلومين تسيل دماؤهم... أيّها الناس! الله.. الله في أهل بيتي "(2).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " استوصوا بأهل بيتي خيراً فإنّي أخاصمكم عنهم غداً.. ومن أكن خصمه أخصمه ومن أخصمه دخل النار "(3).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " احفظوني في عترتي وذرّيتي، فمن حفظني فيهم حفظه الله، ألا لعنة الله على من آذاني فيهم.. " ـ ثلاثاً ـ(4).
شكوى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً "(5).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إلى الله أشكوا المنكرين لفضلهم والمضيّعين لحرمتهم بعدي،
____________
1. سنن الدارمي: 2/432.
2. خصائص الأئمة (عليهم السلام): 74 ـ 75.
3. ذخائر العقبى: 18.
4. كشف الغمّة: 1/416.
5. المستدرك للحاكم: 4/466، 487.
عقاب من آذى أهل البيت (عليهم السلام)(2)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " الويل لظالمي أهل بيتي، عذابهم مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار "(3).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّ الله حرّم الجنّة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أغار عليهم أو سبّهم "(4).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " سته لعنتهم، لعنهم الله وكلّ نبيّ مجاب... والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله.. "(5).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " اشتدّ غضب الله على من آذاني في عترتي "(6).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " من آذاني في أهلي فقد آذى الله "(7).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " اشتدّ غضب الله على من أراق دمي وآذاني في عترتي "(8).
الضغائن المختفية
روى يونس بن حباب، عن أنس بن مالك قال: كنّا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
____________
1. كمال الدين: 261. والآية في سورة الشعراء (26): 227.
2. أقول: عقد السمهودي (المتوفى 911) في كتاب جواهر العقدين: 341 فصلاً في التحذير عن بغض أهل البيت (عليهم السلام) وعدواتهم ولعن من ظلمهم.
3. المناقب لابن المغازلي: 66، 403، ح 94.
4. ذخائر العقبى: 20.
5. المستدرك للحاكم: 1/36.
6. كنز العمّال: 12/93.
7. المصدر: 12/103.
8. المصدر: 1/267 و 10/435.
وزاد سليم: " أحقاد بدر و تراث أُحد... وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى، و لك بهارون أُسوة حسنة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه، فاصبر لظلم قريش إيّاك وتظاهرهم عليك، فإنّك بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه، وهم بمنزلة العجل ومن تبعه، وإنّ موسى أمر هارون حين استخلفه عليهم إن ضلّوا فوجد أعواناً أن يجاهدهم بهم، وإن لم يجد أعواناً أن يكفّ يده ويحقن دمه ولا يفرق بينهم "(1).
السهر الطويل
وروى أبو جعفر الاسكافي: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على فاطمة (عليها السلام)، فوجد علياً نائماً، فذهبت تنبهه، فقال: " دعيه! فربّ سهر له بعدي طويل وربّ جفوة لأهل بيتي من أجله شديدة.. " فبكت، فقال: " لا تبكي! فإنكما معي وفي موقف الكرامة عندي "(2).
____________
1. شرح نهج البلاغة: 4/107 ; كتاب سليم: 73 ـ 72. وراجع الرياض النضرة: 651 ; المناقب للخوارزمي: 65 ; مجمع الزوائد: 9/118 ; كنز العمال: 13/176 ; ينابيع المودة: 1/134، ورواه عن جمع من أهل السنّة في احقاق الحق: 6/181 ـ 186 وكشف اليقين: 451 ـ 450 والغدير 7/173.
2. شرح نهج البلاغة: 4/107.
عليّ (عليه السلام) يتمنّى الموت
عن أبي سعيد الخدري قال: ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً لعلي (عليه السلام) ما يلقى بعده من العنت فأطال، فقال له (عليه السلام): " أُنشدك الله والرحم ـ يا رسول الله! ـ لما دعوت الله أن يقبضني إليه قبلك..! قال كيف أسأله في أجل مؤجّل؟! "(1).
الظلم والتعب بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): " أما إنّك ستلقى بعدي جهداً "، قال (عليه السلام): " في سلامة من ديني "؟ قال: " في سلامة من دينك "(2).
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " يا علي! أبشر بالسعادة، فإنك مظلوم بعدي، ومقتول "(3).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنت وصيّي من بعدي، وأنت المظلوم المضطهد بعدي "(4).
وفي حديث مولانا علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " قال لي جبرائيل: يا محمّد! إن أخاك مضطهد بعدك مغلوب على أُمّتك، متعوب من أعدائك.. "(5).
وعن مولانا الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليها السلام): " إنّ زوجك يلاقي بعدي.. كذا ويلاقي بعدي.. كذا.. " فخبّرها بما يلقى بعده،
____________
1. شرح نهج البلاغة: 4/108.
2. المستدرك للحاكم: 3/140 ; كنز العمال: 11/617.
3. امالي الصدوق: 368، عنه بحار الأنوار: 38/103.
4. كنز الفوائد: 2/56، عنه بحار الأنوار: 27/230.
5. كامل الزيارات: 263، عنه بحار الأنوار: 28/58.
علي (عليه السلام) يُملأ غيظاً
روى سدير الصيرفي عن أبي جعفر محمّد بن علي (عليه السلام) قال: اشتكى علي (عليه السلام)شكاة، فعاده أبو بكر وعمر وخرجا من عنده فأتيا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فسألهما: " من أين جئتما؟ " قال(2) : عدنا علياً، قال: " كيف رأيتماه؟ " قالا: رأيناه يُخاف عليه مما به، فقال: " كلا إنه لن يموت حتى يوسع غدراً وبغياً، وليكوننّ في هذه الاُمّة عبرة يعتبر به الناس من بعده "(3).
وفي رواية: إنه عاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام)، فقال عمر: يا رسول الله! ما علي إلا لما به، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا والذي نفسي بيده ـ يا عمر ـ لا يموت حتى يُملأ غيظاً ويُوسَّع غدراً ويوجد من بعدي صابراً(4).
ورووا عن القاسم بن جندب عن أنس بن مالك قال: مرض علي (عليه السلام)فثقل، فجلست عند رأسه فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه الناس فامتلأ البيت، فقمت من مجلسي، فجلس فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فغمز أبو بكر عمر فقام فقال: يا رسول الله إنّك كنت عهدت إلينا في هذا عهداً وإنّا لا نراه إلا لما به، فإن كان شيء فإلى مَنْ؟ فسكت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يجبه، فغمزه الثانية فكذلك، ثم الثالثة. فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأسه ثم قال: " إنّ هذا لا يموت من وجعه هذا ولا يموت حتّى تملياه
____________
1. تأويل الآيات: 645، عنه بحار الأنوار: 24/230 و 36/164.
2. كذا، والظاهر: قالا.
3. شرح نهج البلاغة: 4/106.
4. المناقب: 3/216.
وفي رواية سليم: " ثمّ تجداه صابراً قوّاماً، ولا يموت حتّى يلقى منكما هنات وهنات، ولا يموت إلاّ شهيداً مقتولاً "(2).
غدر الأُمّة بأمير المؤمنين (عليه السلام)
قيل لامير المؤمنين (عليه السلام) في علة جلوسه عنهم قال (عليه السلام): " إنّي ذكرت قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ القوم نقضوا أمرك واستبدّوا بها دونك وعصوني فيك، فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر، فإنهم سيغدرون بك وأنت تعيش على ملّتي وتُقتل على سنّتي.. "(3).
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " يابن اليمان! إنّ قريشاً لاح(4) صدورها ولا ترضى قلوبها ولا تجرى ألسنتها ببيعة عليّ وموالاته إلاعلى الكره والعيّ والطغيان "(5).
وعنه (عليه السلام): " قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): عليك بالصبر حتى ينزل الأمر، ألا وإنهم سيغدرون بك لا محالة فلا تجعل لهم سبيلاً إلى إذلالك وسفك دمك، فإنّ الأُمّة ستعذر بك بعدي.. كذلك أخبرني جبرئيل عن ربّي "(6).
وفي رواية قال: سمعت علياً يقول: " أما وربّ السماء والأرض.. ـ ثلاثاً ـ
____________
1. تقريب المعارف، عنه بحار الأنوار: 30/389 ; الصراط المستقيم: 3/11 (مختصراً) ; وراجع الخصائص للسيوطي: 2/124 ; المستدرك للحاكم: 3/139 ; مختصر تاريخ دمشق: 18/33.
2. كتاب سليم: 144، عنه بحار الأنوار: 30/315.
3. المناقب: 1/272.
4. خ. ل: تنشرح.
5. الغيبة للنعماني: 94 (ص 143 طبعة اخرى).
6. كامل بهائي: 1/315 ; الخصال: 262، عنه بحار الأنوار: 28/209.
وعنه (عليه السلام): " أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبيّ الأُمّي إليّ: إنّ الأُمّة ستغدر بك من بعدي "(2).
عن عبد الله بن الغنوي: إنّ علياً (عليه السلام) خطب بالرحبة فقال: " أيّها النّاس! إنكم قد أبيتم إلاّ أن أقولها: وربّ السماء والأرض إنّ من عهد النبي الأُميّ إليّ: أن الأُمّة ستغدر بك بعدي ".
قال ابن أبي الحديد: وقد روى أكثر أهل الحديث هذا الخبر بهذا اللفظ أو بقريب منه(3).
وفي رواية: " وأمّا التي أخافها عليك فغدرة(4) قريش بك بعدي يا علي "(5).
____________
1. شرح نهج البلاغة: 6/45.
2. تجد الرواية ـ مع اختلاف يسير ـ في الإرشاد: 1/284 ـ 285 ; عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 67 ; المناقب: 3/216 ; الجمل: 123 ـ 171 ; ارشاد القلوب: 383 ; الاحتجاج: 75، 190 ; إعلام الورى: 33 ; الطرائف: 427 ; نهج الحق: 330 ; كنز الفوائد: 2/175 ; الغارات: 335 ; اليقين: 337 ; تقريب المعارف: 150 ; الشافي: 3/225 ـ 226 ; تلخيص الشافي: 3/50 ـ 51 ; ورواه عن جمع منهم في بحار الأنوار: 28/41، 45، 50، 65، 75، 191، 375 و 29/453 ـ 444.
ومن أهل السنة: المستدرك: 3/140، 142 ; البداية والنهاية: 6/244 و 7/360 ; كنز العمال: 11/297، 617 ; مجمع الزوائد: 9/137 ; مختصر تاريخ دمشق: 18/44 ـ 45 ; وراجع إحقاق الحقّ: 7/325 ـ 330 ; الغدير: 7/173 عن غير واحد من أهل السنّة وحكموا بصحّتها.
3. شرح نهج البلاغة: 4/107.
4. خ. ل: فغدر.
5. المناقب: 3 / 262، عنه بحار الأنوار: 39 / 76، الخصال: 415، عنه بحار الأنوار 40 / 29، 35 اقول: راجع أيضاً بحار الأنوار: 28 / 37 ـ 85، الباب الثاني.
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يهيّئ أهل بيته لتلقّي الظلامة والاضطهاد
لقد كانت السيدة الزكية فاطمة الزهراء (عليها السلام) تعلم ما يجري عليها وعلى بعلها.. كيف لا؟! وقد أخذ الله عهدهم على تلك المصائب في عالم الأظلّة والأشباح(1) ولعلّه إليه أشار مولانا أبو جعفر (عليه السلام) بقوله: " السلام عليك يا ممتحنة ; امتحنك الّذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك به صابرة "(2).
وأخبر الله تعالى نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة المعراج بما يجري عليه وعلى أهل بيته (عليهم السلام)، وأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أهل البيت (عليهم السلام).. بل وسائر الناس مراراً في مجالس شتّى. بل وأخذ العهد منهم ـ على الصبر ـ بمحضر من الملائكة المقرّبين (عليهم السلام) بأمر الله تعالى قبل وفاته، ولذا ترى السيّدة فاطمة (عليها السلام) خائفة عمّا يجري عليها بعد أبيها فتبكي وتقول: " يا أبة! أخشى الضيعة بعدك.. "(3) وإليك ما أخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بوقوعه:
دخول الذلّ بيت سيّدة نساء العالمين..!!
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " وأمّا ابنتي فاطمة ; فإنها سيّدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة منّي، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي
____________
1. راجع: 267.
2. التهذيب: 6/9 ; جمال الاسبوع: 32 ; مصباح المتهجّد: 711 ; المزار: 178 ; المزار الكبير: 79.
3. كتاب سليم: 69 ـ 70 ; كمال الدين: 263 ; كفاية الأثر: 63، 124 ; كشف الغمة: 1/153 و 2/468، 482 (بأسانيد عديدة) ; كشف اليقين: 269 ـ 270 (عن الدار قطني) ; الصراط المستقيم: 2/119 ; مجمع الزوائد: 8/253 و 9/165 ; ذخائر العقبى: 135 ـ 136.
وإنّي لمّا رأيتها، ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأنّي بها وقد دَخل الذلّ بيتها، وانتُهكت حرمتها، وغُصبت حقّها، ومنُعت ارثها، وكُسرت جنبها، وأُسقطت جنينها، وهي تنادي يا محمداه! فلا تجاب.. وتستغيث فلا تغاث.
فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية، تتذكر انقطاعَ الوحي عن بيتها مرة، وتتذكر فراقي أُخرى.. وتستوحش إذا جنّها اليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجّدت بالقرآن.. ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة.. فعند ذلك يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران فتقول:
يا فاطمة! إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة! اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين.
.. ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض، فيبعث الله عزّ وجلّ إليها مريم بنت عمران تمرضها وتؤنسها في علّتها، فتقول عند ذلك: يا رب اني سئمت الحياة وتبرمت بأهل الدنيا فألحقني بأبي.. فيلحقها الله عزّ وجل بي، فتكون أوّل من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم عليّ محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة فأقول عند ذلك:
اللّهمّ العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلّل من أذلها، وخلّد في نارك من ضرب جنبيها حتى ألقت ولدها.. فتقول الملائكة عند ذلك: آمين.. "(1).
____________
1. أمالي الصدوق: 114 ـ 113 (ط بيروت ص 100) ; المحتضر: 109 ; ارشاد القلوب: 296 ـ 295 ; بشارة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): 198 ـ 199 ; الفضائل لشاذان بن حبرئيل القمي: 10 ـ 9 ; بحار الأنوار: 43/172 و28/38 ; العوالم: 11/391 ; ورواه من أهل السنّة الجويني (المتوفى 730) في فرائد السمطين: 2/35 (ط المحمودي).
أنا حرب لمن حاربك
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " أشكو إلى الله جحود أُمتي لأخي، وتظاهرهم عليه، وظلمهم له، وأخذهم حقّه ".
قال: فقلنا له: يا رسول الله! ويكون ذلك؟! قال: " نعم، يقتل مظلوماً، من بعد أن يملأ غيظاً ويوجد عند ذلك صابراً ".
قال: فلمّا سمعت ذلك فاطمة أقبلت حتى دخلت من وراء الحجاب وهي باكية، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " ما يبكيك يا بنيّة؟ " قالت: " سمعتك تقول في ابن عمي وولدي ما تقول.. " قال:
" وأنت تُظلمين.. وعن حقّك تُدفعين.. وأنت أول أهل بيتي لحوقاً بي بعد أربعين. يا فاطمة! أنا سلم لمن سالمك وحرب لمن حاربك.. أستودعك الله وجبرئيل وصالح المؤمنين ".
قال ـ سلمان وهو راوي الحديث ـ: قلت: يا رسول الله! من صالح المؤمنين؟ قال: " علي بن أبي طالب "(1).
بكاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للطم خدّ فاطمة (عليها السلام)
عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: " بينا أنا و فاطمة والحسن والحسين عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ التفت إلينا فبكى، فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟!
فقال: أبكي مما يصنع بكم بعدي.
فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟!
قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدّها، وطعنة الحسن في
____________
1. اليقين: 488 ; بحار الأنوار: 36/264 ; العوالم: 11/393.