ودعا عليّاً (عليه السلام) ورفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يد علي اليسري بيده اليمنى ورفع صوته بالولاء لعليّ (عليه السلام) على الناس أجمعين، وفرض طاعته عليهم، وأمرهم أن لا يتخلّفوا عليه بعده، وخبّرهم أنّ ذلك عن أمر الله عزّ وجلّ(2).
ثمّ نادى بأعلى صوته: " ألستُ أولى بكم منكم بأنفسكم..؟ قالوا: اللّهمّ بلى، فقال لهم ـ على النسق من غير فصل وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين (عليه السلام)فرفعهما حتّى بان بياض إبطيهما ـ: " فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللّهمَّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله "، ثمّ نزل (صلى الله عليه وآله وسلم)وكان وقت الظهيرة فصلّى ركعتين، ثمّ زالت الشمس فأذّن مؤُذِّنه لصلاة الظهر فصلّى بهم الظهر وجلس (عليه السلام) في خيمته وأمر عليّاً (عليه السلام) أن يجلس في خيمة له بإزائه، ثمّ أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً.. فيهنّئوه بالمقام ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين، ففعل الناس ذلك كلّهم، ثمّ أمر أزواجه وسائر نساء المؤمنين معه أن يدخلن عليه ويسلّمن عليه بإمرة المؤمنين، ففعلن، وكان فيمن أطنب في تهنيته بالمقام عمر بن الخطاب وأظهر له من المسرّة به: وقال فيما قال: بخ بخ لك يا علي! أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة(3)!.
الصحيفة الملعونة
واجتمع قوم من المنافقين وتحالفوا وتعاقدوا على أن لا يطيعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما عرض عليهم من ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعده، فلمّا
____________
1. اتفق الفريقان على نقل حديث الثقلين، راجع عبقات الأنوار، وخلاصة العبقات ج 1 و 2.
2. إرشاد القلوب: 331 ; عنه بحار الأنوار: 28/98.
3. الإرشاد: 1/175 ـ 177 ; عنه بحار الأنوار: 21/386 ـ 388.
قال حذيفة: حدّثتني أسماء بنت عميس الخثعيمة امرأة أبي بكر: إنّ القوم اجتمعوا في منزل أبي بكر فتآمروا في ذلك، وأسماء تسمعهم وتسمع جميع ما يدبّرونه في ذلك حتّى اجتمع رأيهم على ذلك، فأمروا سعيد بن العاص الأموي فكتب هو الصحيفة باتفاق منهم.
وأهمّ ما فيها: هذا ما اتّفق عليه الملأ من أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) من المهاجرين والأنصار بعد أن أجهدوا في رأيهم، وتشاوروا في أمرهم نظراً منهم إلى الإسلام وأهله، ليقتدي بهم من يأتي بعدهم.
إنّ الله لمّا أكمل دينه قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه من غير أن يستخلف أحداً وجعل الاختيار إلى المسلمين يختارون لأنفسهم من وثقوا برأيه ونصحه لهم، والذي يجب على المسلمين عند مضيّ خليفة من الخلفاء أن يجتمع ذوو الرأي والصلاح فيتشاوروا في أُمورهم، فمن رأوه مستحقّاً للخلافة ولّوه أُمورهم.
فإن ادّعى مدّع أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) استخلف رجلاً بعينه نصبه للناس ونصّ
____________
1. أقول: وهذا هو السرّ فيما قاله عمر قبل وفاته: لو كان أبو عبيدة حيّاً استخلفته... لو كان سالم حيّاً استخلفته. وفي بعض المصادر ذكر معاذ بن جبل أيضاً، راجع مسند أحمد: 1/18 ; الإمامة والسياسة: 1/28 ; الطبري: 4/277 ; الكامل لابن الاثير: 3/65 ; المستدرك للحاكم: 3/268 ; تاريخ الإسلام للذهبي: 3/56 و 172 ; شرح نهج البلاغة: 1/190 و 16/265 ; كنز العمّال: 5/738 و 12/675 و 13/215 ـ 216 ; العقد الفريد: 4/274 ; جامع الأحاديث: 13/369، 373، 379، 382، 399.
ولا يكون قربى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سبب استحقاق الخلافة والإمامة لأنّ الله يقول: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ )(1).
فمن كره ما ذُكر وفارق جماعة المسلمين فاقتلوه كائناً من كان!!..
ثمّ دُفعت الصحيفة إلى أبي عبيدة بن الجراح ليوجّه بها إلى مكّة(2).
ثمّ انصرفوا.. وصلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس صلاة الفجر، ثمّ جلس في مجلسه يذكر الله تعالى حتىّ طلعت الشمس، فالتفت إلى أبي عبيدة بن الجرّاح فقال له: " بخ بخ من مثلك وقد أصبحت أمين هذه الأُمّة! " ثمّ تلا: ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا يَكْسِبُونَ )(3) " لقد أشبه هؤلاء رجال في هذه الأُمة ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ) "(4).
ثمّ قال: " لقد أصبح في هذه الأُمّة في يومي هذا قوم ضاهوهم في صحيفتهم التي كتبوها علينا في الجاهلية وعلّقوها في الكعبة، وإنّ الله تعالى يمتّعهم ليبتليهم ويبتلي من يأتي بعدهم تفرقة بين الخبيث والطيّب، ولو لا أنّه سبحانه أمرني بالإعراض عنهم للأمر الذي هو بالغه لقدّمتهم فضربت أعناقهم.
قال حذيفة: فوالله لقد رأينا هؤلاء النفر ـ عند قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه المقالة ـ وقد أخذتهم الرعدة فما يملك أحد منهم نفسه شيئاً، ولم يخفَ على أحد
____________
1. الحجرات (49): 13.
2. فلم تزل الصحيفة في الكعبة مدفونة إلى أوان عمر بن الخطاب فاستخرجها من موضعها وهي الصحيفة التي أشار إليها أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا توفي عمر، فوقف به وهو مسجّى بثوبه، فقال: " ما أحبّ إليّ أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجّى ".
3. البقرة (2): 79.
4. النساء (4): 108.
أقول: وإلى هذا أشار أُبي بن كعب في كلمته المشهورة: ألا هلك أهل العقدة والله ما آسي عليهم إنّما آسي على من يضلّون(2).
____________
1. إرشاد القلوب: 333 ـ 336 عنه بحار الأنوار: 28/101 ـ 106.
2. سنن النسائي: 2/88 ; مسند أحمد: 5/140 ; المستدرك للحاكم: 2/226 (وأشار إليها في 3/305) ; الطبقات لابن سعد: 3/ ق 2/61 ; حلية الأولياء: 1/252 ; شرح نهج البلاغة: 20/24 ; النهاية لابن الاثير: 3/270.
ورواها من الإمامية: الإيضاح ص 378 ; المسترشد: 28 ـ 29 ; الفصول المختارة: 90 عنه بحار الأنوار: 10/296 ; الصراط المستقيم: 3/154 و 257 عنه بحار الأنوار: 28/122.
ثم أنك تجد في غير واحد من المصادر التصريح أو الإشارة إلى تعاهد القوم على صرف الأمر من بني هاشم إلى أنفسهم، وفي كثير منها أُشير إلى الصحيفة، راجع كتاب سليم: 86 ـ 87، 92، 118 ـ 119، 164 ـ 165، 168، 222 ـ 226 ; تفسير العياشي: 1/274 ـ 275 و 2/200 ; المسترشد: 413 ; الكافي: 1/391، 420 ـ 421 و 4/545 و 8/179 ـ 180، 334، 379 ; تفسير القمي: 1/142، 173، 175، 301 و 2/289، 308، 356، 358 ; الاستغاثة: 171 ـ 172 ; الخصال: 171 ; معاني الاخبار: 412 ; أمالي المفيد: 112 ـ 113 ; المسائل العكبرية: 77 ـ 78 ; الفصول المختارة: 90 ; تقريب المعارف: 227، 367 (تبريزيان) ; المناقب: 3/212 ـ 213 ; بشارة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم): 197 ; الاحتجاج: 62 (في ضمن خطبة الغدير) 84 ـ 86، 150 ـ 151 ; شرح نهج البلاغة: 2/37، 60 (عن الشيعة) و 20/298 ; الاقبال: 445، 458 ; اليقين: 355 ; إرشاد القلوب: 332، 336، 341، 391 ـ 392 ; الصراط المستقيم: 1/290 و 2/94 ـ 95، 300، 3/118، 150، 153 ـ 154 ; مختصر البصائر: 30 ; المقنع للسد آبادي: 58، 115 ; التحصين: 537 ـ 538 ; مثالب النواصب: 92 ـ 96 ; تأويل الآيات: 139، 214، 532، 539، 554، 646، وراجع بحار الأنوار: 22/546 و 28/85، الباب الثالث، 280 و 30/12، 122، 125، 127 ـ 133، 162، 194، 216، 264 ـ 265، 271، 405 و31/416 ـ 417، 419 و 53/75.
أقول: ويدلّك على تعاقد القوم وتدبيرهم في أمر الخلافة من قبل أُمور:
الأوّل: إحالة كل واحد من أبي بكر وعمر وأبي عبيدة أمر الخلافة إلى الآخر وعرض البيعة عليه، من دون مشاورة سائر الناس، فهل يكون اتّفاق هؤلاء الثلاثة وبعض من عاونهم إجماع المسلمين؟!
وهل كانوا وكلاء المسلمين في انتخاب الخليفة؟! هل يكون اعتبار الشورى مختصاً بتشاور هؤلاء؟!
الثاني: إنكار عمر وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل مجيء أبي بكر لإغفال الناس عن أمر الخلافة، فما زال يتكلّم ويتوعّد المنافقين ـ بزعمه ـ، حتّى ازبدّ شدقاه(2)!!.. وسكوته بعد مجيء أبي بكر.
وفي رواية: وجلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلاً إليه(3)، بل في غير واحد من المصادر أنه دعا إلى بيعة أبي بكر عقيب ذلك من دون فصل(4).
الثالث: مسارعة أبي بكر إلى الكلام عقيب ذكر وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وترشيحه نفسه لأمر الخلافة، وفي رواية إنّه قال: ألا وإنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) قد مضى لسبيله، ولابدّ لهذا الأمر من قائم يقوم به، فدبّروا وانظروا وهاتوا ما عندكم رحمكم
____________
1. راجع الكافي: 8/179 ـ 180، 334 ; الصراط المستقيم: 3/153.
2. تاريخ الخميس: 2/167 ; جامع الاحاديث الكبير: 13/260.
3. كنز العمال: 7/245.
4. الطبقات لابن سعد: 2/ ق 2/54 ; مسند أحمد: 6/220 ; أنساب الأشراف: 2/238 ; السيرة، لابن كثير: 4/480 ; تاريخ الإسلام، للذهبي: 1/564 ; نهاية الارب: 18/387 ; مجمع الزوائد: 9/32 ; كنز العمال: 7/232 ; جامع الأحاديث: 13/16.
الرابع: مواضع من كلام عمر حين حكاية قضايا السقيفة، مثل قوله: هيأت كلاماً(2).. أو: وكنت قد زوّرت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها..
وفي بعض الروايات: أُريد أن أُقدمها بين يدي أبي بكر(3).. فإنّها تدلّ على توطئتهم مسبقاً في أمر الخلافة، وتدبيرهم لها، نعم لتلبيس الأمر على الناس يقول عمر: والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلاّ قالها في بديهته.
أو قولته المشهورة: كانت بيعة أبي بكر فلتة.
وقد صرّح عثمان ـ في أوّل مرّة صعد المنبر ـ، بأنّ أبا بكر وعمر كانا يهيّئان أنفسهما للخلافة ; قال الجاحظ وغيره: إنّ عثمان صعد المنبر فارتجّ عليه.. فقال: إنّ أبا بكر وعمر كانا يعدّان لهذا المقام مقالاً.. سآتيكم الخطبة على وجهها!!(4).
الخامس: إنّ عمر هو الذي كان يحثّ أبا بكر أن يصعد المنبر، فلم يزل به حتّى صعد المنبر(5)، وفي رواية أنس: لقد رأيت عمر يزعج أبا بكر إلى المنبر إزعاجاً(6).. ثمّ تراه يصعد المنبر ويتكلّم قبل أبي بكر ويدعو الناس إلى
____________
1. كتاب الردّة، للواقدي: 31 ; الفتوح، لأحمد بن أعثم: 1/4 ; المواقف للإيجي، مع شرح الجرجاني: 3/575.
2. البخاري: 4/194 ; الطبقات: 2/ ق 2/55.
3. مسند أحمد: 1/56 ; البخاري: 8/27 ; السنن الكبرى، للبيهقي: 8/142 ; العقد الفريد: 4/258 (ط مصر) ; البداية والنهاية: 5/266 ; كنز العمال: 5/645.
4. أنساب الأشراف: 6/131 (ط دار الفكر) ; البيان والتبين للجاحظ: 1/345 (ط دار الكفر) ; شرح نهج البلاغة: 13/13 ; بحار الأنوار: 31/245.
5. البخاري: 8/126 ; سيرة ابن كثير: 4/492 ; البداية و النهاية: 5/268.
6. المغازي، للواقدي: 135 ; الآحاد والمثاني: 1/77 ; المصنف لعبد الرزّاق: 5/438.
السادس: تولّى عمر جميع الأُمور زمن خلافة أبي بكر، قال ابن عبد ربّه: وكان على أمره كلّه وعلى القضاء عمر بن الخطّاب(3).
بل خالفه في غير واحد من القضايا، فلم يجترئ أبو بكر أن يدافع عن نفسه ويردّ حكم عمر، فلمّا قيل له: أنت الخليفة أم عمر؟!
أجاب: بل عمر.. ولكنّه أبى!!
وفي رواية: بل هو إن شاء.
وفي اُخرى: بل هو ولو شاء كان.
وفي غيرها: الأمير عمر غير أنّ الطاعة لي!!
أو: إنّا لانجيز إلاّ ما أجازه عمر(4).
السابع: ولعلّه أهمّها ما قاله عمر قبل وفاته: لو كان أبو عبيدة حيّاً استخلفته..! لو كان سالم حيّاً استخلفته..! وفي بعض المصادر ذكر معاذ بن جبل(5)!
جيش أُسامة
ثم عقد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمرة لأُسامة بن زيد بن حارثة قبل وفاته، وأمّره.. وندبه أن يخرج بجمهور الأُمّة إلى حيث أُصيب أبوه من بلاد الروم، واجتمع رأيه على إخراج جماعة من مقدّمي المهاجرين والأنصار في معسكره حتّى لا يبقى
____________
1. البداية والنهاية: 5/268 ; كنز العمال: 5/600 ـ 601.
2. جامع الأحاديث: 13/100.
3. العقد الفريد: 4/255.
4. راجع كنز العمال: 1/315 و 3/914 و 12/546، 582 ـ 583 ; جامع الأحاديث: 13/60، 153، وقريب منه في: 13/175، 273.
5. تقدّمت مصادره قريباً.
فجمع أُولئك النفر ـ أي أصحاب الصحيفة ـ ومن مالأهم على علي (عليه السلام)وطابقهم على عدواته، ومن كان من الطلقاء والمنافقين ـ وكانوا زهاء أربعة آلاف رجل ـ فجعلهم تحت يدي أُسامة بن زيد مولاه وأمّرهُ عليهم(2)، وقد نص على ان فيهم أبي بكر وعمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، و..(3).
وجدّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في إخراجهم، [بل] وأمر أُسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف، وحثّ الناس على الخروج إليه والمسير معه، وحذّرهم من التلوّم والإبطاء عنه.. فبينا هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفّي فيها، فلمّا أحسّ
____________
1. الإرشاد: 1/180 ـ 181 ; عنه بحار الأنوار: 22/466.
2. إرشاد القلوب: 337 عنه بحار الأنوار: 28/107. راجع أيضاً كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الخصال: 371، عنه بحار الأنوار: 28/206.
3. شرح نهج البلاغة: 1/159 ـ 160 و 6/52، 9/196 ـ 197، 12/83، 17/183 (عن كثير من المحدثين) ; البداية والنهاية: 6/335 ; الطبقات لابن سعد: 2/ ق 1/136 و 2 / ق 2/41 و 4/ ق 1/46 ـ 47 ; تهذيب الكمال: 2/340 ; الكامل لابن الاثير: 2/317 ; تاريخ الخميس: 2/154 ; وفيات الأعيان: 8/374 ; جامع الأحديث: 13 / 211 ; فتح الباري: 8/115 (أواخر كتاب المغازي) ; تاريخ اليعقوبي: 2/76 ـ 77 و 113 ; السيرة الحلبية: 3/207 (بيروت) ; عيون الأثر: 2/352 ; نهاية الإرب: 17/370 و 19/46 ; تاريخ مدينة دمشق: 8/46 ; (ترجمة اسامة) تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) 714 ; أنساب الأشراف: 2/115. ومن طُرف الأخبار ما ذكره اليعقوبي في المقام من أنّ أبا بكر بعد أن استولى على الخلافة، وأراد تنفيذ جيش أُسامة، سأل أُسامة أن يترك له عمر يستعين به على أمره، فقال: ما تقول في نفسك؟!! فقال: يابن أخي فعل الناس ما ترى، فدع لي عمر وأنفذ لوجهك، تاريخ اليعقوبي: 2/127.
أقول: لنا أن نتسأل من اعلام أهل السنّة الذين دوّنوا هذه الرواية في كتبهم، ما هذه الفتن التي أقبلت.. يتبع آخرها أوّلها؟! أليست إشارة إلى ما صنعه أصحاب السقيفة؟ بلى وكانوا هم السبب لوقوع جميع الفتن التي أحدثت بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا وبعد هذا اليوم.. يتبع آخرها أوّلها.
ثم أنه قد خلا أبو بكر وعمرو أبو عبيدة باُسامة وجماعة من أصحابه ـ وكانوا في الطريق ـ فقالوا: إلى أين ننطلق ونخلي المدينة، ونحن أحوج ما كنّا إليها وإلى المقام بها؟! فقال لهم اسامة: وما ذلك؟ قالوا: إنّ رسول الله قد نزل به الموت، والله لئن خلينا المدينة لتحدثن بها أُمور لا يمكن إصلاحها، ننظر ما يكون من أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم المسير بين أيدينا!، فرجع القوم إلى المعسكر الأوّل، وأقاموا به وبعثوا رسولاً يتعرف لهم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأتى الرسول إلى عائشة فسألها عن ذلك سرّاً، فقالت: امض إلى أبي وعمر ومن معهما وقل لهما: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ثقل فلا يبرحن أحد منكم، وأنا أُعلمكم بالخبر وقتاً بعد وقت..
____________
1. الإرشاد: 1/181 ; عنه بحار الأنوار: 22/467 ـ 468. راجع أيضاً: سنن الدارمي: 1/36 ـ 37 ; الطبري: 3/188 ; مسند أحمد: 3/488 ـ 489 ; شرح نهج البلاغة: 10/183 ; البداية والنهاية: 5/243 ـ 244 ; الكامل لابن الأثير: 2/318 ; الطبقات: 2/ ق 2/10 ; البدء والتاريخ: 5/56 ; أنساب الأشراف: 2/214 ; تاريخ الإسلام للذهبي: 1/545 ; نهاية الارب: 18/362 ; المنتظم: 4/14 ـ 15 ; تاريخ الخميس: 2 / 161 ; مجمع الزوائد: 9/24 ; كنز العمال: 12/262.
فلما أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ليلته أذّن بلال ثمّ أتاه يخبره كعادته فوجده قد ثقل، ومُنع من الدخول إليه، فأمرت عائشة صهيباً أن يمضي إلى أبيها فيعلمه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ثقل في مرضه وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس، فاخرج أنت إلى المسجد فصلِّ بالناس، فإنّها حالة تهنئك وحجّة لك بعد اليوم.
فلم يشعر الناس ـ وهم في المسجد ينتظرون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو عليّاً (عليه السلام)يصلّي بهم كعادته التي عرفوها في مرضه ـ إذ دخل أبو بكر المسجد وقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ثقل وقد أمرني أن أُصلّي بالناس..! فقال له رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وأنّى ذلك! وأنت في جيش أُسامة، ولا والله لا أعلم أحداً بعث إليك ولا أمرك بالصلاة..!
ثمّ نادى الناس بلال فقال: على رسلكم ـ رحمكم الله ـ لأستأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك، ثمّ اسرع حتّى أتى الباب فدقّه دقّاً شديداً فسمعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: " ما هذا الدقّ العنيف؟!، فانظروا ما هو؟ "، قال فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بلال، قال ما وراءك يا بلال؟ فقا ل: إنّ أبا بكر قد دخل المسجد وقد تقدّم حتّى وقف في مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وزعم أنّ
ثمّ خرج معصوب الرأس يتهادى بين عليٍّ والفضل بن العباس، ورجلاه تجرّان في الأرض حتّى دخل المسجد ـ وأبو بكر قائم في مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وقد أطاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا ـ وأكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي بلال، فلمّا رأى الناس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دخل المسجد ـ وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض ـ أعظموا ذلك، وتقدّم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجذب أبا بكر من ورائه فنحّاه عن المحراب، وأقبل أبو بكر والنفر الذين كانوا معه فتواروا خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأقبل الناس فصلّوا خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو جالس(1)، فكبّر وابتدأ الصلاة التي كان ابتدأها أبو بكر، ولم يبن على ما مضى من فعاله، فلمّا سلّم انصرف إلى منزله، واستدعى أبا بكر
____________
1. إلى هنا جاء في إرشاد القلوب: 338 ـ 340 ; عنه بحار الأنوار: 28/108 ـ 110. أقول: صرّح اللمعاني المعتزلي: أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) نسب إلى عائشة بأنّها أرسلت إلى أبيها ليصلّي بالناس، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لم يعيّن للصلاة أحداً، بل قال: " ليصلّ بهم أحدهم ". وقال اللمعاني أيضاً: إنّها أرسلت إلى أبيها وأعلمته بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يموت عن قريب، فرجع أبو بكر عن جيش أسامة. راجع شرح نهج البلاغة: 9/196 ـ 199. نعم طائفة من أهل السنة يريدون إخفاء الواقع فتارة يقولون: أقبل رسول أُمّ أيمن فأخبر أُسامة بموت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما في عيون الأثر: 2/353، وأُخرى يقولون: أرسلت إليهم زوجة أُسامة كما في تاريخ الإسلام للذهبي: 3/19.
أقول: ويؤيد كلامه في عدم تعيين الامام للصلاة ما ذكره المقدسي (المتوفى 355) في البدء والتاريخ: 5/57، فإنّه قال: وإذا وجد ثقلاً قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " مروا الناس فليصلّوا ". وكذا ابن كثير في السيرة النبوية: 4/459 ; والزهري في المغازي: 131.
رزية يوم الخميس
وعندما أفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نظر إلى من كان حوله ثمّ قال: " ائتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً "، ثمّ أُغمي عليه، فقال عمر: إنّه يهجر!!(2) لا تأتوه بشيء فإنّه قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله..! فاختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم رسول الله.. ومنهم من يقول ما قال عمر.. فلمّا كثر اللغط والاختلاف قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
____________
1. الإرشاد: 1/183 ـ 184 عنه بحار الأنوار: 22/468. أقول: ذكر الطبري والمقدسي وغيرهما أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال عقيب تلك الصلاة: " أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها.. " راجع تاريخ الطبري: 3/198 ; البدء والتاريخ: 5/61 ; وأشار إليه النويري بقوله عقيب ذكر الصلاة: فحذّر (أي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) الناس من الفتن، نهاية الإرب: 18/368. وقال العصامي المكّي: فكلّمهم رافعاً صوته حتى خرج صوته من باب المسجد يقول: " أيها الناس! سعرت النار..، وأقبلت الفتن كالليل المظلم.. ". سمط النجوم ا لعوالي: 2/241.
2. الإرشاد: 1/183 ـ 184 عنه بحار الأنوار: 22/468.
قال بعضهم: ألا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله؟ فقال: " أ بعد الذي قلتم..؟! لا، ولكنّي أُوصيكم بأهل بيتي خيراً "، وأعرض بوجهه عن القوم فنهضوا، وبقي عنده العباس والفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب وأهل بيته خاصّة، فقال له العبّاس: يا رسول الله! إن يكن هذا الأمر فينا مستقراً من بعدك فبشرّنا، وإن كنت تعلم إنّه نُغلب عليه فأوص بنا، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنتم المستضعفون من بعدي "(2).
فكان ابن عباس يقول: إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(3).
أقول: الكلام حول هذه الرزية طويل الذيل(4) ولكن لا يسعنا ترك أُمور:
الأول: لا ريب في كون هذا العمل من عمر مصداقاً لمخالفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
____________
1. مسند أحمد: 1/293، 324 ـ 336 ; صحيح البخاري: 4/31 و 5/137 و 7/9 و 8/161 ; صحيح مسلم: 5/76 ; الطبري: 3/192 ـ 193 ; المستدرك: 3/477 ; شرح نهج البلاغة: 2/54 ـ 55 و 6/51 و 12/87 ; البداية والنهاية: 5/247 ـ 248 ; مجمع الزوائد: 9/33 ـ 34 ; كنز العمال: 5/644 و 7/243 الملل والنحل للشهرستاني: 1/22 ; الكامل لابن الأثير: 2/320 ; الطبقات لابن سعد: 2/ ق 2/36 ـ 38 ; البدء والتاريخ: 5/59 ; السيرة النبوية لابن كثير: 4/450 ـ 451 ; نهاية الارب: 18/373 ـ 375 ; أنساب الأشراف: 2/236 ; تاريخ الإسلام للذهبي: 1/551 ـ 552. بحار الأنوار: 30/529 ـ 536، (عنهم بأسانيد عديدة).
2. الإرشاد: 1/184 ـ 185، عنه بحار الأنوار: 22/468.
3. مسند أحمد: 1/325، 336 ; البخاري: 5/137 و 7/9 ; صحيح مسلم: 5/76.
4. راجع بحار الأنوار: 30/529 والكتب الكلاميّة.
الثاني: إنّ ما اعتذر به المخالفون عن عمر(5) لا يجدي شيئاً بعد ملاحظة الرواية بأنحائها المختلفة ; فقد روى الطبراني بإسناده عن عمر بن الخطّاب قال: لمّا مرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " ادعوا لي بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبدا " فكرهنا ذلك أشدّ الكراهة، ثمّ قال: " ادعوا لي بصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعد أبداً ". فقال النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! فقلت: إنّكنّ صويحبات يوسف (عليه السلام)، إذا مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عصرتنّ أعينكنّ وإذا أصبح(6) ركبتنّ عنقه. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " دعوهنّ فإنّهنّ خير منكم "(7).
وروى في موضع آخر: فقالت امرأة ممّن حضر: ويحكم! عهد
____________
1. النجم (53): 3.
2. النساء (4): 115.
3. الأحزاب (33): 1.
4. الأحزاب (33): 36.
5. راجع شروح البخاري في أوائل كتاب المغازي نحو فتح الباري: 8/101 ـ 102.
6. كذا والظاهر صحّ كما في كنز العمّال.
7. المعجم الأوسط: 6/162 (ط الرياض) ; عنه جامع الأحاديث: 13/263 (ص 259) ونقلها في كنز العمّال: 5/644 مع حذف قول عمر: فكرهنا ذلك أشدّ الكراهة!
الثالث: لنا أن نسائل عمر: لماذا لم يكن القرآن كافياً لحلّ معضلات الأُمّة حينما اختارك أبو بكر للخلافة؟! ولماذا لم تقل إنّه يهجر، مع أنّه غشي عليه أثنـاء كتابة عثمان الوصاية؟! ولماذا لم تكتف بالقرآن حين جعلتَ الأمر شورى بين ستّة من الصحابة؟! ولماذا..؟!
الرابع: روى الخطيب البغدادي وغيره ضمن رواية: أنّ عمر قال لابن عبّاس: يا عبد لله عليك دماء البدن إن كتمتنيها.. هل بقي في نفسه [أي أمير المؤمنين (عليه السلام)] شيء من أمر الخلافة؟ قلت: نعم. قال: أيزعم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نصّ عليه؟ قلت: نعم، وأزيدك سألت أبي عمّا يدّعيه، فقال: صدق. فقال عمر: لقد كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمره ذرو(2) من قول لا يثبت حجّة ولا يقطع عذراً، ولقد كان يَربَعُ(3) في أمره وقتاً ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرّح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطةً على الإسلام!! لا وربّ هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبداً، ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها فعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّي علمت ما في نفسه فأمسك، وأبي الله إلاّ إمضاء ما حتم.
ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر في تاريخ بغداد مسنداً(4).
____________
1. المعجم الكبير: 11/36 (ط دار إحياء التراث العربي).
2. الذَرْو من الكلام كأنّه طرف من الخبر كما في كتاب العين: 8/193 وفي لسان العرب: 14/286: وأتانا ذَرْوٌ من خبر: وهو اليسيرُ منه.
3. خ. ل: يزيغ.
4. شرح نهج البلاغة: 12/20 ـ 21، عنه بحار الأنوار: 30/555 ـ 556 و 38/156.
ادعوا لي خليلي
ثمّ حجب الناس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وثقل في مرضه، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام)لا يفارقه إلاّ لضرورة، فقام في بعض شؤونه فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إفاقةً فافتقد عليّاً (عليه السلام)، فقال ـ وأزواجه حوله ـ: " ادعوا لي أخي وصاحبي "، وفي بعض الروايات: " خليلي "، وعاوده الضعف، فأصمت، فقالت عائشة: ادعوا له أبا بكر..! فُدعي ودخل عليه وقعد عند رأسه، فلمّا فتح عينه نظر إليه فأعرض عنه بوجهه، فقام أبو بكر فقال: لو كان له إليّ حاجة لأفضى بها إليّ، فلمّا خرج أعاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)القول ثانية، وقال: " ادعوا لي أخي وصاحبي "، فقالت حفصة: ادعوا له عمر!، فدعي فلما حضر ورآه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعرض عنه، فانصرف، ثم قال: " ادعوا لي أخي وصاحبي "، فقالت أُمّ سلمة رضي الله عنها، ادعوا له عليّاً (عليه السلام)، إنّه لا يريد غيره، فدُعي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلمّا دنا منه أومأ إليه فأكبّ عليه فناجاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طويلاً، ثمّ قام فجلس ناحية حتى أغفى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما أغفى خرج، فقال له النّاس: ما الذي أوعز إليك يا أبا الحسن؟ فقال: " علّمني ألف باب، من العلم، فتح لي من كلّ باب ألف باب.. وأوصاني بما أنا قائم به إن شاء الله تعالى "(1).
ثمّ ثقل وحضره الموت ـ وأمير المؤمنين (عليه السلام) حاضر عنده ـ فلمّا قرب خروج نفسه قال له: " ضع يا علي رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله.. "(2).
____________
1. الإرشاد: 1/185 ـ 186 ; عنه بحار الأنوار: 22/470 ; راجع أيضاً مسند أحمد: 1/356 ; المناقب للخوارزمي: 68 ; الرياض النضرة: 608 ; ذخائر العقبى: 68، 72 ; مختصر تاريخ دمشق: 18/20 ـ 21 ; وروي عن جماعة من أهل السنة في غير واحد من مصادرنا نحو: المناقب: 1/236 ـ 237 ; متشابه القرآن: 2/43 ; الطرائف: 154 ; كشف الغمة: 1/102 ; إرشاد القلوب: 234 ; الصراط المستقيم: 3/165.
2. الارشاد: 1/185 ـ 186، عنه بحار الأنوار: 22/470.
قال أبو جعفر (عليه السلام): " لمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بات آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بأطول ليلة حتّى ظنّوا أن لا سماء تظلّهم، ولا أرض تقلّهم، لانّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتر الأقربين والأبعدين في الله "(2).
عمر ينكر وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
روى جميع أصحاب السيرة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا تُوفّي كان أبو بكر في منزله بالسُّنْح(3)، فقال عمر بن الخطاب: ما مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يموت حتّى يظهر دينه على الدين كلّه وليرجعنّ فليقطعنّ أيدي الرجال وأرجلهم ممن أرجف بموته.. لا أسمع رجلاً يقول مات رسول الله إلاّ ضربته بسيفي.. فلا يزال يتكلّم ويتوعّد المنافقين ـ بزعمه ـ حتّى ازبدّ شدقاه(4)، فجاء أبو بكر وكشف عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: بأبي وأمي طبت حيّاً وميّتاً، والله لا يذيقك الله الموتتين أبداً، ثمّ خرج والناس حول عمر وهو يقول لهم: إنّه لم يمت ويحلف، فقال له: أيّها الحالف! على رسلك، ثمّ قال: من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت، قال الله تعالى: ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ
____________
1. الارشاد: 1/187 ; إعلام الورى: 136، عنه بحار الأنوار: 22/528، وراجع الطبقات: 2/ ق 2/50 ـ 51.
2. الكافي: 1/451 عنه بحار الأنوار: 22/537.
3. موضع بعوالي المدينة.
4. جامع الأحاديث: 13/260.
أقول: لقد اتّفق اهل السير من العامة، على نقل هذه القضية، ولابدّ من ملاحظة أنّ عمر لم يكن جاهلاً بوفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واقعاً، كيف وقد صرّح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ لا سيما في حجّة الوداع وبعدها ـ بأنّه يموت عن قريب، فقال: " إنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأُجيب "(4). كما وان ظهور وصاياه (صلى الله عليه وآله وسلم)في دنوّ أجله ممّا لا يقبل الإنكار بوجه، بل قد فهم عمر ذلك حين نادى: حسبنا كتاب الله! أي نحن غير محتاجين إلى وصيّتك إذ يكفينا القرآن بعد وفاتك.
فما هذا الإنكار واللف والدوران إلاّ حيلة سياسيّة صدرت منه أولا وتبعه شرذمة من أصحابه ومن تواطى معه.. ولعلّها دبّرت بليل.
ويدلّك على ما ذكرنا ادّعاؤهم أنهم سمعوا هذه الآية من أبي بكر لأوّل مرّة، إذ نقلوا عن عمر أنّه قال: والله ما هو إلاّ أن سمعت أبا بكر تلاها [أي تلا قوله تعالى: ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ... )] فعقرت حتّى ما تقلّني رجلاي، وحتّى أهويت إلى الأرض، وفي رواية: فعثرت وأنا قائم حتّى خررت إلى الأرض،
____________
1. الزمر (39): 30.
2. آل عمران (3): 144.
3. مسند أحمد: 6/220 ; 3/196 ; سنن الدارمي: 1/39 ; البخاري: 4/194 ; سنن ابن ماجه: 1/520 ; اليعقوبي: 2/114 ; شرح نهج البلاغة: 2/40 ـ 41 ; البداية والنهاية: 5/262 ـ 264 ; مجمع الزوائد: 9/32 ـ 38 ; الدر المنثور: 2/81 و 4/318 ; كنز العمال: 7/226، 232 ـ 235 و 243 ـ 247 ; الطبقات: 2/ ق 2/53 ـ 57 ; البدء والتاريخ: 5/62 ـ 63 ; جامع الأحديث: 13/260 ـ 261.
4. مسند أحمد: 4/367 ; سنن الدارمي: 2/432 ; صحيح مسلم: 7/122 ; السنن الكبرى، للبيهقي: 2/148 و7/30 و 10/114 ; كنز العمال: 1/178 ; مجمع الزوائد: 9/164.
ونسبوا إلى ابن عباس أنّه قال: والله لكأنّ الناس لم يسمعوا أنّ الله أنزل هذه الآية حتّى تلاها أبو بكر، فتلقّاها منه النّاس كلّهم(2).
والحال أنّ هذه الآية نزلت يوم أُحد حين فرّ عمر مع من فر ـ بعد أن قالوا: قتل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)(3) ـ فكان عمر ممّن يقول بقتله هناك وينكره هنا!! بل عمر نفسه روى نزول هذه الآية الشريفة يوم أُحد حينما رجع بعد فراره إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(4).
ولا يصغى بعد وضوح الحال إلى مقالة الذين يخدعون أنفسهم فيقولون: عرضت عليه هذه الحالة للدهشة التي غلبته من وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!!
ويزيدك وضوحاً أن المستفاد من روايات أهل السنّة أنّ هذه الحيلة تلقّاها عمر من عايشة حين دخل هو والمغيرة عليها، فقال عمر: يا عايشة! ما لنبيّ الله؟ قلت [أي عايشة]: غشي عليه(5).
____________
1. صحيح البخاري: 5/143 ; كنز العمال: 7/226 و 234 ; جامع الأحاديث الكبير، للسيوطي: 13/12 ـ 13، 17 (عن عبد الرزّاق وابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والعدني والبخاري وابن حبان وأبي نعيم والبيهقي).
2. جامع الأحاديث: 13/12 ـ 13.
3. شرح نهج البلاغة: 14/276 ; السيرة النبويّة لابن كثير: 3/61، 68 (ط دار الكفر) ; تفسير ابن كثير: 1/418 (ط دار المعرفة) ; الدرّ المنثور: 2/81 ويأتي بعض مصادر فراره عند البحث عن تحريف السيرة.
4. المغازي للواقدي: 1/295 ; شرح نهج البلاغة: 15/22، 27 ; كنز العمال: 2/375 ـ 376 ; وراجع جامع الأحاديث: 14/41.
5. أنساب الأشراف: 2/237 (ط دار الفكر) ; تاريخ الاسلام للذهبي: 1/563. أقول: قد صرّحت عايشة في غير هذه الرواية أيضاً بأنّها ظنّتْ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) غشي عليه، وأنّ عمر والمغيرة لما دَخلا البيت نظر عمر إليه وقال: واغشياه ما أشدّ غشي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا أراد الخروج قال المغيرة: يا عمر مات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: كذبت بل أنت رجل تحوسك فتنة!! مسند أحمد: 6/219 ; كنز العمال: 7/232 ; مجمع الزوائد: 9/32. وفي رواية: فدخل أبو بكر، فقال: كيف ترين؟ قلت (أي عايشة): غشي عليه مجمع الزوائد: 9/32. أقول: ولعلّها نسيت بأنّها حدّثتنا أنّه لما قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " اللّهم الرفيق الأعلى ". فهمت وفاته في حديث يطول الكلام بذكره، راجع مسند أحمد: 1/89 ; صحيح البخاري: 5/138، 144 و 7/192 ; صحيح مسلم: 7/138.
ولذا قال ابن أبي الحديد: إنّ عمر كان أجلّ قدراً من أن يعتقد ما ظهر عنه في هذه الواقعة، ولكنّه لما علم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد مات خاف من وقوع فتنة في الإمامة وتقلّب أقوام عليها، إمّا من الانصار أو غيرهم... فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس بأن أظهر ما أظهره... ومثل هذا الكلام يقع في الوهم فيصدّ عن كثير من العزم(2)..!!
ترك جنازة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ثمّ قال أبو بكر عقيب ذلك ـ مخاطباً أهل البيت (عليهم السلام) ـ: عندكم صاحبكم، وفي بعض النصوص: دونكم صاحبكم.. فأمرهم يغسلونه، ثمّ خرج!! فاجتمع إليه المهاجرون أو من اجتمع منهم فقال: انطلقوا إلى إخواننا من الأنصار فإنّ لهم في هذا الحقّ نصيباً(3).
والعجب من القوم ; اذ كان اللازم عليهم رعاية حرمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاشتغال بتجهيزه وتدفينه وإقامة الماتم على فقده.. لا ان يشتغلوا بمؤامرات ويحوكوا
____________
1. مسند أحمد: 6/220 ; كنز العمال: 7/232 ; جامع الأحاديث: 13/16.
2. شرح نهج البلاغة: 2/42 ـ 43.
3. السنن الكبرى للبيهقي: 8/145 ; أُسد الغابة: 3/222 ; مجمع الزوائد: 5/182 ; كنز العمال: 5/635 ; جامع الأحاديث: 13/102.
منها: ما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): " عقدوا لأنفسهم عقداً ضجّت به أصواتهم واختصّت به آراؤهم من غير مناظرة لأحد منّا بني عبد المطلّب أو مشاركة في رأي أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي، فعلوا ذلك.. وأنا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)مشغول، وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود، فإنّه كان أهمّها وأحقّ ما بدئ به منها فكان هذا أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزيّة وفاجع المصيبة وفقد من لا خلف منه إلاّ الله تبارك وتعالى فصبرت عليها "(1).
ومنها: ما قال (عليه السلام) في جواب القوم: " أفكنت أدع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسجّى لا أُواريه وأخرج أُنازع سلطانه؟! "(2).
ومنها: ما قالت السيدة فاطمة (عليها السلام): " ما رأيت كاليوم قطّ.. حضروا أسوأ محضر، وتركوا نبيّهم (صلى الله عليه وآله وسلم) جنازة بين أظهرنا، واستبدّوا بالأمر دوننا "(3).
ومنها: ما قاله مولانا الإمام أبو جعفر(عليه السلام): " فصلّوا عليه يوم الاثنين وليلة الثلاثاء حتّى الصباح ويوم الثلاثاء، حتّى صلّى عليه الأقرباء والخواص، ولم يحضر أهل السقيفة، وكان علي (عليه السلام) أنفذ إليهم بريدة، وإنّما تمّت بيعتهم بعد دفنه "(4).
ومنها: ما قاله أبو ذؤيب الهذلي: وقدمت المدينة ـ ولأهلها ضجيع بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلّوا بالإحرام ـ فقلت: مه؟! فقيل: قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. فجئت إلى المسجد فوجدته خالياً، فأتيت بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأصبته مُرْتجا
____________
1. الخصال: 372 ; عنه بحار الأنوار: 28/207 ; الاختصاص: 171 ; إرشاد القلوب: 349.
2. الاحتجاج: 74 ; وراجع الإمامة والسياسة: 1/19.
3. أمالي المفيد: 95 ; عنه بحار الأنوار: 28/232 ; وراجع الاحتجاج: 80.
4. المناقب: 1/239 ; عنه بحار الأنوار: 22/524 ـ 525.
ومنها: قول عبد الله بن الحسن: والله ما صلّيا [أي أبو بكر وعمر] على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولقد مكث ثلاثاً ما دفنوه!! إنّه شغلهم ما كانا يبرمان(2).
ومنها: ما رواه ابن شيبة (المتوفى 235) عن عروة أنّه قال: إنّ أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانا في الأنصار [يعني السقيفة] فدفن قبل أن يرجعا(3).
وقال الأعمش: قبض نبيّهم (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يكن لهم همّ إلاّ أن يقولوا: منّا أمير ومنكم أمير..! وما أظنّهم يفلحون(4).
قال ابن شهاب الزهري: توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين زاغت الشمس يوم الأثنين، فشغل الناس عن دفنه بشبّان الأنصار فلم يدفن حتّى كانت العتمة ولم يله إلاّ أقاربه، ولقد سمعت بنو غَنْم(5) صريف المساحي حين حُفر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وإنّهم لفي بيوتهم(6)..!
بل وروى الجميع عن عائشة أنّها قالت: والله ما علمنا بدفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)حتّى سمعنا صوت المساحي ليلة الأربعاء!!(7).
____________
1. مختصر تاريخ دمشق: 8/93. وذكرها بعضهم في ترجمة أبي ذؤيب.
2. تقريب المعارف: 251 ; عنه بحار الأنوار: 30/386.
3. المصنّف: 14/568، كنز العمال: 5/652 ; جامع الأحاديث: 13/267.
4. تقريب المعارف: 256 ; عنه بحار الأنوار: 30/290.
5. حيّ من تغلب (الصحاح: 5/1999).
6. الطبقات لابن سعد: 2/ ق 2/78 ـ 79.
7. مسند أحمد: 6/62، 242، 274 ; أنساب الأشراف: 2/244 ; الطبري: 3/213، 217 ; السنن للبيهقي: 3/409 ; الطبقات: 2/ ق 2/79 ; تاريخ الإسلام للذهبي: 1/582 ; السيرة النبوية لابن كثير: 4/538.