والمقصود من نقل عبارته. ما ذكره في ذيل كلامه من اعترافه بأنّ المعاداة التي كانت بين السيّدة فاطمة (عليها السلام) وبين الخليفة أوجبت خفاء القبر.
أما التعليل بعدم البناء والتجصيص فعليل جدّاً، إذ مع ذلك لم يخف قبر أحد من الأئمة (عليهم السلام)، مضافاً بأنّ الداعي على التحفّظ على مثل ذلك قويّ جدّاً.
قال ابن أبي الحديد: وأمّا إخفاء القبر.. وكتمان الموت.. وعدم الصلاة.. وكل ما ذكره المرتضى فيه، فهو الذي يظهر ويقوي عندي ; لأنّ الروايات به أكثروأصحّ من غيرها، وكذلك القول في موجدتها وغضبها(1).
ولنعم ما قال القاضي أبو بكر بن أبي قريعة (المتوفى 367):
يا من يسائل دائباً(2) | عن كل معضلة سخيفه |
لا تكشفن مغطّأً | فلربما كشَّفت جيفه |
ولربّ مستور بدا | كالطبل من تحت القطيفه |
إنّ الجواب لحاضر | لكنّني أخفيه خيفه |
لو لا اعتداد(3) رعية | ألغى(4) سياستها الخليفه |
وسيوف أعداء بها | هاماتنا أبداً نقيفه |
لنشرت من أسرار آ | ل محمد جملا طريفه |
تغنيكم عمّا رواه | مالك وأبو حنيفه |
واُريكم أن الحسين | اُصيب في يوم السقيفه |
ولأيّ حال لحّدت | بالليل فاطمة الشريفه |
ولما حمت شيخيكم | عن وطي حجرتها المنيفه |
آوه لبنت محمد | ماتت بغصّتها أسيفه(5) |
____________
1. شرح نهج البلاغة: 16 / 286.
2. خ. ل: ذائباً.
3. خ. ل: اعتداء.
4. خ. ل: ألقى.
5. كشف الغمة: 1 / 505، عنه بحار الأنوار: 43 /190. ورواها الصفدي في ترجمة ابن أبي قريعة عدا الأبيات الأربعة الأولى، راجع الوافي بالوفيات: 3 / 227 ـ 228.
وفي كتاب نهاية التنوية في إزهاق التمويه، للسيد هادي بن إبراهيم الوزير (المتوفى 822) ص 135، وفي الصفحة الأخيرة من كتاب قواعد عقائد آل محمد (عليهم السلام) للديلمي الزيدي (المتوفى 711) نسبت الأبيات للإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، مع اختلاف يسير.
فقال: " إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها.. وحرام على من يتولاهم أن يصلّي على أحد من ولدها "(1).
عن أبي جعفر الباقر عن أبيه (عليهما السلام)، عن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه قال: لما مرضت فاطمة بنت رسول الله (عليها السلام) مرضتها التي توفّيت فيها وثقلت، جاءها العباس بن عبد المطلب عائداً فقيل له: إنّها ثقيلة وليس يدخل عليها أحد.. فانصرف إلى داره وأرسل إلى عليّ (عليه السلام)، فقال لرسوله: قل له: يا ابن أخ! عمّك يقرؤك السلام ويقول لك: لله قد فجأني من الغمّ بشكاة حبيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وقرّة عينيه وعينيّ فاطمة، ماهدّني، وإنّي لأظنّها أوّلنا لحوقاً برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يختار لها ويحبوها ويزلفها لربّه.
فإن كان من أمرها ما لابدّ منه، فاجمع ـ أنا لك الفداء ـ المهاجرين والأنصار حتى يصيبوا الأجر في حضورها والصلاة عليها.. وفي ذلك جمال الدين..!!
فقال علي (عليه السلام) لرسوله ـ وأنا حاضر عنده ـ: " أبلغ عمّي السلام وقل: لا عدمت إشفاقك وتحيّتك، وقد عرفت مشورتك ولرأيك فضله. إنّ فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تزل مظلومة، من حقّها ممنوعة، وعن ميراثها مدفوعة، لم
____________
1. أمالي الصدوق: 523 (658)، عنه بحار الأنوار: 43 / 209 ; المناقب: 3 / 363 ; روضة الواعظين: 169 (153) ; العوالم: 11 / 515.
فلما أتته وقالت له ذلك، قال: صدقتِ، قال: فدعا بكتاب فكتبه لها بردّ فدك، فقال: فخرجت والكتاب معها فلقيها عمر، فقال: يا بنت محمد! ما هذا الكتاب الذي معك؟ فقالت: " كتاب كتب لي أبو بكر بردّ فدك ". فقال: هلمّيه إليّ، فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله ـ وكانت حاملة بابن اسمه المحسن ـ فأسقطت المحسن من بطنها، ثم لطمها، فكأنّي أنظر إلى قرط في أُذنها حين نقفت، ثم أخذ الكتاب فخرقه.. فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة مما ضربها عمر ثم قبضت ".
فلما حضرته(2) الوفاة دعت عليا (عليه السلام) فقالت: " إما تضمن وإلا أوصيت إلى ابن الزبير "(3)، فقال علي (عليه السلام): " أنا أضمن وصيّتك يا بنت محمد! " قالت: " سألتك بحقّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أنا متّ ألا يشهداني و لا يصلّيا عليَّ ".
قال: " فلك ذلك " فلما قبضت (عليها السلام) دفنها ليلا في بيتها، وأصبح أهل المدينة
____________
1. أمالي الطوسي: 1 / 156 ـ 155 (طـ النجف) ; بحار الأنوار: 43 / 209 ـ 210.
2. كذا والظاهر: حضرتها.
3. قال المحدّث الخبير الشيخ عبّاس القمي: إنّي أحتمل.. أن لفظ ابن، زيدَ من النسّاخ. وإن كان صحيحاً أرادت صلوات الله عليها هذا الرجل (أي ابن الزبير بن عبد المطلب) لا عبد الله بن الزبير بن العوام لأنه كان عند وفاة فاطمة (عليها السلام) طفلا صغيراً... مع أنه كان منحرفاً عن أهل البيت (عليهم السلام) لاحظ: سفينة بحار الأنوار: 1 / 543 ـ زبر ـ.
وروى الخصيبي وصيتها بذلك و قولها (عليها السلام):
" لا يصلّي عليّ أُمّة نقضت عهد الله وعهد أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وأمير المؤمنين بَعْلي وظلموني وأخذوا وراثتي وحرقوا(2) صحيفتي... وكذّبوا شهودي، وطفت عليهم في بيوتهم... فيجيبون ليلا ويقعدون عن نصرتنا نهاراً، ثم ينفذون إلى دارنا قنفذاً ومعه خالد بن الوليد ليخرجا ابن عمّي... فجمعوا الحطب ببابنا، وأتوا بالنار ليحرقوا البيت... فأخذ عمر السوط... فضرب به عضدي فالتوى على يدي حتى صار كالدملج وركل الباب برجله فردّه عليّ وأنا حامل فسقطت لوجهي والنار تسعر وصفق وجهي بيده حتى انتثر قرطي من أُذني، وجاء ني المخاض فأسقطت محسناً قتيلا بغير جرم.
فهذه أُمّة تصلّي عليّ؟!! وقد تبرّأ الله ورسوله منها وتبرأت منها..(3) ".
أقول: بل إنها (عليها السلام) أمرت أسماء أن لايدخل على جنازتها أحد حتى قبل دفنها، ولذا ردّت أسماءُ عائشةَ كما ورد في غير واحد من كتب العامّة(4).
____________
1. الاختصاص: 185، عنه بحار الأنوار: 29 / 192 ; العوالم: 11 / 426.
2. كذا والظاهر: خرقوا.
3. الهداية الكبرى: 178 ـ 179.
4. راجع السنن الكبرى: 4 / 35 ; كنز العمال: 13 / 686 ـ 687 ; ذخائر العقبي: 53 ; وفاء الوفاء: 3/904 ; نهاية الارب: 9 / 126 ـ 127 ; شرح المواهب للزرقاني: 3 / 206 ; الاستيعاب بهامش الإصابة: 4 / 379 ; جامع الأحاديث الكبير: 13 / 146 ; العوالم: 11 / 511 ; الغدير: 7 / 228، وروي انها (عليها السلام) ردّت عائشة حين جاءت لعيادتها. راجع كامل بهائي: 1 / 172.
تذييل
قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): " لما ماتت فاطمة (عليها السلام) قام عليها أمير المؤمنين (عليه السلام)وقال: اللّهمّ إنّي راض عن ابنة نبيّك.. اللّهم إنها قد أوحشت فآنسها.. اللّهم إنّها قد هجرت فصلْها.. اللّهمّ إنّها قد ظُلمت فاحكم لها وأنت خير الحاكمين "(1).
وفي زيارتها (عليها السلام): " اللّهمّ إنّها خرجت من دنياها مظلومة مغشومة قد ملئت داءً وحسرةً وكمداً وغصة تشكو إليك وإلى أبيها ما فعل بها "(2).
وفي رواية مولانا الرضا (عليه السلام): " كانت لنا أُمّ صالحة ماتت وهي عليهما ساخطة، ولم يأتنا بعد موتها خبر أنها رضيت عنهما ".
قال ابن طاووس ـ بعد هذه الرواية ـ: وعلماء أهل البيت (عليهم السلام)لا يحصى عددهم وعدد شيعتهم إلاّ الله تعالى. وما رأيت ولا سمعت عنهم أنهم يختلفون في: أنّ أبا بكر وعمر ظلما أمّهم فاطمة (عليها السلام) ظلما عظيماً(3).
وورد وصفها بالمظلومية في زياراتها مثل:
السلام عليك أيّتها المظلومة المغصوبة، السلام عليك أيتّها المضطهدة المقهورة(4)، المطلوبة بالأحقاد(5).
____________
1. الخصال: 588.
2. المزار الكبير: 79 ; بحار الأنوار: 100 / 197.
3. الطرائف: 252.
4. راجع مصباح المتهجّد: 712 ; المقنعة: 459 ; مصباح الزائر: 53 ; المزار الكبير: 80 ـ 81 ; الإقبال: 623 ـ 625 ; التهذيب: 6 / 9 ; البلد الأمين: 278 ; الفقيه: 2 / 573 ; بحار الأنوار: 100 / 195، 198 ـ 200.
5. المزار الكبير لابن المشهدي: 104.
تنبيهات
التنبيه الأوّل:
أشرنا إلى خفاء قبر السيدة فاطمة (عليها السلام) إلى الآن، ولكن قيل: غير واحد من الروايات تدلّنا إلى موضع قبرها.
أقول: ويرد عليه اولا: كلّما جاء في هذه الروايات هو الإشارة إجمالا إلى موضع أوسع من محدودة القبر نحو: البقيع.. بيتها.. المسجد. ولا تجد رواية ذكر فيها موضع القبر محدداً. ولذا اعترف بخفائه جمع من العامة نحو ابن أبي الحديد والسمهودي.. وغيرهما.
ثانياً: التعارض الموجود في هذ الروايات يمنعنا من أن نعرف حتى الموضع الاجمالي الوسيع المشتمل على القبر، ولا يمكن الجمع بينها بوجه ; ففي طائفة منها: أن قبرها (عليها السلام) بالبقيع(1)، وفي طائفة ثانية: أنّها دُفنت في بيتها وفي بعضها أنّ البيت صار في المسجد(2)، وفي طائفة ثالثة: أنّها دُفنت في الروضة المنوّرة، أو بين القبر والمنبر(3)، وبعضهم ذكروا الطوائف الثلاثة من
____________
1. الطبقات لابن سعد: 8 / 19 ; المزار للمفيد: 178 ; تاريخ بغداد: 1 / 138 ; روضة الواعظين: 150 ; الدرّة الثمينة: 2 / 403 ; شرح نهج البلاغة: 16 / 50 ; كشف الغمة: 1 / 501 ; ذخائر العقبي: 54 ; البداية والنهاية: 6 / 367 ; الفصول المهمة لابن الصباغ: 147، عيون الاخبار للقرشي: 72، 331 ; البلد الامين ص 278 ; تاريخ الخميس: 1 / 278 ; السيرة الحلبية: 3 / 394 ; نزل الأبرار: 134 ; ينابيع المودّة: 201، وفاء الوفاء، 3 / 905.
2. تاريخ المدينة لابن شبة: 1 / 107 ; قرب الاسناد: 161 ; الكافي: 1 / 461 ; معاني الأخبار: 268 ; عيون اخبار الرضا (عليه السلام): 1 / 311 ; الفقيه: 1 / 229 ; الاختصاص: 185 ; التهذيب: 3 / 255 ; الدرّة الثمينة: 2 / 360 ; الاقبال: 624 ; كشف الغمة: 1 / 501 ; ذخائر العقبي: 54 ; تاريخ الخميس: 1/278 ; نزل الأبرار: 134 ; ينابيع المودّة: 201.
3. معاني الاخبار: 267 ; المزار للمفيد: 179 ; دلائل الامامة: 46 ; روضة الواعظين: 152 ; الاقبال، ص 623 ; حبيب السير: 1 / 436.
ثالثاً: قد صرّح بذلك ابن عبّاس حينما قال:.. وانسدّ القبر واستوى بالأرض، فلم يُعلم أين كان إلى يوم القيامة(3)
التنبيه الثاني:
من أهم الروايات التي اعتمدنا عليها في المقام ما رواه جمع من أعاظم العامة عن عائشة: انها قالت: إنّ فاطمة (عليها السلام) سألت أبا بكر ـ أو: أرسلت إلى أبي بكر تسأله ـ ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا نورّث ما تركنا صدقة... فأبي أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته، فلم تكلّمه حتى توفّيت وعاشت بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ستّة أشهر فلمّا توفّيت دفنها زوجها عليّ (عليه السلام) ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها(4).
____________
1. تاريخ الائمة لابن أبي الثلج: 31 ; الفقيه: 2 / 572 ; التهذيب: 6 / 8 ; مصباح المتهجد: 711 ; إعلام الورى: 152 ; تاج المواليد: 23 ; المناقب 3 / 357، 363، 365 ; الوسيلة لابن حمزة: 197 ; تهذيب الاسماء واللغات للنووي: 2 / 353 ; خلاصة الوفاء: 423 ـ 427.
2. الطبقات لابن سعد: 8 / 19 ; تاريخ المدينة لابن شبة: 1 / 105 ; مصباح الانوار: 257 (مخطوط) عنه بحار الأنوار: 82 / 27 ; الاصابة: 4 / 380 ; خلاصة الوفاء: 423 ; شرح المواهب اللدنية اللزرقاني: 3 / 207، وفاء الوفاء: 3 / 901.
3. بحار الأنوار: 43/214 ـ 215، وراجع إحقاق الحق: 10/453 ـ 454 عن مودّة القربى للهمداني.
4. راجع الطبقات لابن سعد: 2 / ق 2 / 86 و 8 / 19 ; مسند أحمد: 1 / 9 ; المصنف، عبد الرزاق: 5/472 ; صحيح البخاري: 5 / 82 (وراجع 4 / 42) ; صحيح مسلم: 5 / 154 ; تاريخ المدينة المنوّرة، لابن شبة: 1 / 196 ـ 197 ; تاريخ الطبري: 3 / 207 ـ 208 ; شرح نهج البلاغة: 6 / 46 ; كفاية الطالب: 370 ; شرح صحيح مسلم، للنووي: 12 / 77 ـ 80 ; نهاية الارب: 18 / 396 ـ 397 ; البداية والنهاية: 5 / 306 ; كنز العمال: 5 / 604 و 7 / 242 ; تاريخ الخميس: 2 / 174.
ثانياً: نحن نقطع بأنّها ـ وإن كانت ذات سياسة وتدبير(2)، كما قيل لكنّها ـ لو علمت بأنّه يضرّها وأباها نقل بعض خصوصيات القضية لسكتت عن ذكرها أو سلكت في بيانها منهجاً آخر.. ولعل يد الغيب أنطقتها..!
ثالثاً: إنّها تريد أن تحصر وجه غضب السيدة فاطمة (عليها السلام) فيما يرتبط بفدك وما بقي من خمس خيبر.. لماذا؟ لتقول: إنّ السيّدة فاطمة (عليها السلام) تهمّها الدنيا وزخارفها.. ولم تغضب إلاّ لها. ثم تمحو بذلك ذكر الخلافة عن الأذهان، وتُنسي قضايا الهجوم والإحراق والضرب وإسقاط الجنين والأهمّ من كل ذا وذاك هو انحراف مسير الاسلام وغصب الخلافة، وظلم الوصيّ و..ولعل الغرض من بيان غصب فدك هو أن يعرف الناس عدم صلاحية من تولّى الخلافة لذلك علماً وعملا، ولذا تراها تهتمّ في الخطبة الفدكيّة بأمر الخلافة غاية الاهتمام، بل وعند عيادة النساء لها، وصرّحت السيدة بجهات غضبها كما في وصيتها التي قدّمنا ذكرها وعدّت منها هجوم المنافقين على بيتها، والجنايات الصادرة منهم حينذاك وقد أشار إليها الإمام الصادق (عليه السلام) وقد مرّ(3)، بل فيما رواه ابن قتيبة أيضاً إشعار بذلك، فراجع.
رابعاً: هذه الرواية عن عائشة دليل قويّ على إبطال قول من يدّعي أنّ
____________
1. راجع شرح نهج البلاغة: 9 / 198.
2. كانت رجلة العرب، لو كانت لأبيها مثلها ذكراً لما خرجت الخلافة من بيته (الأمتاع والمؤانسة: 3/199).
3. راجع: 451.
التنبيه الثالث:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة "(1).
وروى أهل السنّة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): " من مات بغير إمام " أو: " وليس في عنقه بيعة "، أو: " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهليّة "(2).
فبضيمة رواية عائشة إلى هذه الروايات ماذا يستنتج؟
هل يتفوّه أحد بأن فاطمة (عليها السلام) لم تعرف إمام زمانها؟ أم إنّها بايعت أبا بكر..؟! أم ماتت حين ماتت ولا بيعة لها ولا امام ـ والعياذ بالله ـ؟!
بل نجدها هَجَرتْ أبا بكر وغضبتْ عليه وماتتْ وهي غضبى عليه، كما صرّحت بذلك عايشة.
ماذا يُجيبنا اعلام العامة؟
من وردت في حقّها آية التطهير وغيرها من الآيات، ومن كانت أُجرة الرسالة محبّتها، وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّها: هي بضعة منّى وإنّ الله يغضب لغضبها
____________
1. الروايات الواردة بهذا المضمون كثيرة، راجع الكافي: 1 / 371، 376 ـ 378، 397 و 2 / 20 ـ 21 و 8 / 146 ; بحار الأنوار: 23 / 76 باب وجوب معرفة الإمام. وصرّح بتواترها الشيخ المفيد في الإفصاح ص 28 والسيّد ابن طاووس في الإقبال ص 460 وباتّفاق الفريقين على نقلها في الصراط المستقيم: 1 / 196 والصوارم المهرقة: 89.
2. راجع مسند أحمد: 1 / 275، 297، 310 و 2 / 70، 83، 93، 123، 154، 296، 306، 488 و 3 / 446 و 4 / 96 ; السنن للدارمي: 2 / 241، صحيح البخاري: 8 / 87، 105 ; صحيح مسلم: 6 / 21 ـ 22 ; السنن للنسائي: 7 / 123 ; السنن للبيهقي: 8 / 156 ـ 157 و 10 / 234 ; شرح نهج البلاغة: 8 / 123 ; كنز العمال: 1 / 103، 385 و 2 / 207 ـ 208.
هل يمكن أن يقال إنّها لم تعرف إمام زمانها؟!
شبهات وردود
شبهات.. وردود
الاُولى: هل يصح أن ينسب ظلم أهل البيت (عليهم السلام) وإهانتهم إلى الصحابة؟
لاينقضي تعجبي من قوم لا يرون دون ما ذهبوا إليه مذهباً ـ لشدّة تعصبهم ـ ويتحفظون على ما أخذوا عن آبائهم وكبرائهم.. من دون فحص وتحقيق وتمييز حقّه عن باطله، مع أن الله تبارك وتعالى يقول:( اَلَّذِيْنَ يَسْتَمِعُوْنَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُوْنَ أَحْسَنَهُ )(1) ويذمّ من اتبع الآباء والكبراء وقلّدهم من دون بصيرة فيقول: (قالُوْا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنَا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُوْنَ )(2) وقال ـ عزّ من قائل ـ: ( وَقالُوا رَبَّنا إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّوْنَا السَّبِيْلا )(3) فلابدّ للإنسان من الفحص والبحث كي يكون في معتقداته على بصيرة ويقين لا عن تقليد وظن أو تعصّب وعناد.
إنّ الكثير من أهل السنّة لا يجوزّون الكلام فيما وقع بين الصحابة من
____________
1. الزمر (39): 18.
2. البقرة (2): 170.
3. الاحزاب (33): 67.
قال النسفي (المتوفى 537) في العقائد:.. ويكفّ عن ذكر الصحابة إلاّ بخير. وقال التفتازاني (المتوفى 793) في شرحه:.. وما وقع بينهم من المنازعات والمحاربات فله محامل وتأويلات(2).
وقال القطفي ـ المعروف بـ: ابن سيد الكل (المتوفى 697) ـ: وكل أمر روي عن الصحابة فيه تأثيم وعصيان يجب أن ينفيه ويبطله إن ورد ورود الآحاد، وإن ورد ورود التواتر وجب تأويله وإخراجه عن ظاهره، لأنّه من ثبت إيمانه وبرّه وعدالته لايجوز أن يفسق بأخبار الآحاد والظواهر..(3).
.. الى غير ذلك، وهو كما ترى، يوجب تحريف الواقع وصرفه عن وجهه.. بل لا يبقى لنا حقيقة تاريخية بل ولا دينية، ولما يبقى حجر على حجر، وعلى الاسلام السلام.. فما دأب عليه جمع من الناشرين والمحقّقين من حذف ما يوجب القدح في الصحابة أو ما يشتمل على فضائل أهل البيت (عليهم السلام) من كتب الحديث والتفسير والتاريخ ودواوين الشعراء المتقدّمين.. وغيرها ـ كما يظهر عند
____________
1. راجع تحقيق مواقف الصحابة: 1 / 130 ـ 142.
2. حاشية الكستلي على شرح العقائد:ص 187 (طـ استامبول).
3. الأنباء المستطابة: 122، بل زاد بعضهم:القول بأن أول ما بدأ به الأصحاب ظلم أهل البيت (عليهم السلام)، يوجب زوال ثقتنا فيما عولنا عليه من اتباع ذوي العقول، فتطوح الاعتقادات وتضعف النفوس عن قبول الروايات في الأصل وهو المعجزات. راجع تلبيس ابليس لابن الجوزي ص 98 (طـ دار الكتب العلمية).
والجواب عنه مضافاً إلى ما ذكرناه في المتن مفصلا ; وعدم جواز اتباع كل أحد في الدين:
أولا: يكفي من المعجزات القرآن الموجود بأيدينا.
ثانياً: قد تواتر نقل معجزاته (صلى الله عليه وآله وسلم) بحيث نقطع بصدورها عنه وقد ثبت في محله عدم الحاجة إلى وثاقة الراوي في الروايات المتواترة.
أليس ممّا قال الله تعالى شأنه: ( وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ )(2).
وكيف يمكن أن يقال بعدالة جميع الصحابة أو حسن الظن بهم بعد نزول آيات من القرآن في ذمّ جمع منهم، أو الدالة على وجود المنافقين بينهم؟ قال الله تعالى: ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرابِ مُنافِقُوْنَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِيْنَةِ مَرَدُوْا عَلَى النِّفَاقِ.. )(3) ( إذْ يُبَيِّتُوْنَ ما لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ.. )(4) ( فَإِذا بَرَزُوْا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُوْلُ.. )(5) ( ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُوْنَ بِاللهِ إنْ أَرَدْنا إِلاّ إِحْساناً وَتَوْفِيْقاً.. )(6) ( وَيَحْلِفُوْنَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُوْنَ.. )(7) ( وَيَحْلِفُوْنَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوْكُمْ وَاللهُ وَرَسُوْلُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوْهُ.. )(8)( يَحْلِفُوْنَ بِاللهِ ما قالُوْا وَلَقَدْ قالُوْا كَلِمَةَ الْكُفْرِ.. )(9) ( يَمُنُّوْنَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوْا قُلْ لا تَمُنُّوْا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ.. )(10) ( اتَّخَذُوْا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوْا عَنْ سَبِيْلِ اللهِ.. )(11)
____________
1. النساء (4): 58.
2. آل عمران (3): 144.
3. التوبة (9): 101.
4. النساء (4): 108.
5. النساء (4): 81.
6. النساء (4): 62.
7. التوبة (9): 56.
8. التوبة (9): 62.
9. التوبة (9): 74.
10. الحجرات (49): 17.
11. المنافقون (63): 2.
بل نستشعر من بعضهم مثل عمر بن الخطاب وحشة من سورة التوبة!! فقد روى السيوطي عن غير واحد منهم، عن ابن عباس: إن عمر قيل له: سورة التوبة، قال: هي إلى العذاب أقرب..! ما أقلعت عن الناس حتى ما كادت تدع منهم أحداً!!
وفي رواية أخرى قال: ما فُرغ من تنزيل براءة حتى ظننا أنّه لم يبق منا أحد إلاّ ستنزل فيه، وكانت تسمّى: الفاضحة(2)!
فإذا كان هذا حالهم في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).. فهل يحتمل أن يكون لوفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)تأثير في شدة تقواهم وتكامل عدالتهم؟!
ثم انه لا ريب في اجتماع شرف الصحبة والزوجية لأزواجه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهنّ أمهات المؤمنين.. وهنّ صحابيات.. ومع ذلك قال الله عزّ وجلّ فيهنّ: ( مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَة مُبَيّنَة يُضاعَفُ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ )(3) وفي سورة التحريم ـ بعد توبيخ حفصة وعائشة(4) ـ يضرب لهما مثلاً فيقول: ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِيْنَ كَفَرُوْا امْرَأَتَ نُوْح وَامْرَأَتَ لُوْط كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيْلَ ادْخُلاَ النّارَ مَعَ الدّاخِلِيْنَ )(5).
ثم أليس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ثم ليختلجنّ دوني، فأقول: يا ربّ أصحابي.. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا
____________
1. النساء (4): 137. راجع أيضاً: سورة المنافقين (63) وسورة التوبة (9): 42، 95، 96، 107 وغيرها والمجادلة (58): 41، 18.
2. جامع الأحاديث: 14 / 47.
3. الأحزاب (33): 30.
4. راجع جامع الأحاديث: 14 / 61، 66.
5. التحريم (66): 10.
وفي رواية: ".. سيجاء برجال من أُمّتي، فيؤخد بهم ذات الشمال فأقول: يا ربّ أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم "(1).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطبة الغدير: " ألا لأُخبرنّكم ترتدّون بعدي كفّاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض "(2).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيّته لعلي (عليه السلام) والناس حضور حوله: " أما والله ـ يا علي! ـ ليرجعنّ أكثر هؤلاء كفّاراً يضرب بعضهم رقاب بعض، وما بينك وبين أن ترى ذلك إلا أن يغيب عنك شخصي.. يا علي! إنّ القوم يأتمرون بعدي يظلمون ويبيّتون على ذلك، ومن بَيَّتَ على ذلك فأنا منهم بريء، وفيهم نزلت ( بَيَّتَ طائِفَةٌ مُنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُوْلُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُوْنَ )(3) ".
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): " إن أُمّتي ستفتن من بعدي، فتتأول القرآن وتعمل بالرأي... وتحرّف الكتاب عن مواضعه، وتغلب كلمة الضلالة، فكن جليس بيتك حتّى تقلّدها، فإذا قلدتها جاشت عليك الصدور وقلبّت لك الأُمور، تقاتل حينئذ على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فليست حالهم الثانية بدون حالهم الأولى.. "
____________
1. قد ذكرنا مصادرها في أول الفصل الثاني.
2. بحار الأنوار: 32 / 290، أقول: هذه الجملة من الخطبة متكررة في كتب الفريقين، بل عقد كل من البخاري والترمذي وابن ماجه في كتاب الفتن ومسلم في كتاب الايمان لها باباً وتجدها في الصحاح الستة وغيرها من الكتب المعتبرة عند القوم في موارد كثيرة جدّاً مع اختلاف يسير: " ويلكم (أو ويحكم) لا ترجعن (أو لا ترجعوا) بعدي كفاراً (أو ضلاّلاً) يضرب بعضكم رقاب بعض ". وفي رواية النسائي: " لا اُلفينكم بعدما أرى ترجعون بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض ". السنن 7/128. ولها مصادر أُخرى ذكرناها أوائل الفصل الثاني.
3. بحار الأنوار: 22 / 487. والآيه في سورة النساء (4): 81.
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ قبل وفاته ـ: " أقبلت الفتن كقطع اللّيل المظلم، يتبع آخرها أوّلها "(2).
فترى أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر بحال أصحابه بعده وبما يقع في الأُمّة من الفتن، فكيف يجوز أن نأوّل هذه النصوص الصحيحة المتواترة الصريحة في ارتداد جمع منهم.
قال مالك بن أنس: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لشهداء أُحد: " هؤلاء أشهد عليهم ". فقال أبو بكر الصديق: ألسنا يا رسول الله بإخوانهم؟! أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا.. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي "(3).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّ من أصحابي من لا يراني بعد أن أُفارقه "(4).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا فتحت عليكم فارس وروم، أيّ قوم أنتم؟! " قال عبد الرّحمن بن عوف: نقول: كما أمرنا الله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أو غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون.. أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض "(5).
راجع أيضاً ما ذكروه في تفسير قوله تعالى: ( اتَّقُوْا فِتْنَةً لا تُصِيْبَنَّ الَّذِيْنَ
____________
1. شرح نهج البلاغة: 9 / 206.
2. مسند أحمد: 3 / 488 ـ 489 ; سنن الدارمي: 1 / 36 ـ 37 ; مجمع الزوائد: 9 / 24 ; كنز العمال: 12/262 ; البداية والنهاية: 5 / 243.
3. كتاب الموطّأ: 2 / 462.
4. مسند أحمد: 6 / 290، 298، 312، 317، وذكرها بعضهم في ترجمة عبد الرحمن بن عوف، راجع الاستيعاب وغيره.
5. صحيح مسلم: 8 / 212 ـ 213.
بل ترى قوماً من الصحابة يخافون على أنفسهم من النفاق، فكيف يجوز أن يقطع بإيمان جميعهم؟! قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)كلّهم يخاف النفاق على نفسه(3).
وترى عمر يسأل حذيفة: هل أنا من المنافقين أم لا(4)؟!
ويعرّض حذيفة بنفاق بعضهم حين يمرّ على جلسة عبد الله بن عمر، ـ كما روى البخاري عن إبراهيم عن الأسود ـ قال: كنّا في حلقة عبد الله، فجاء حذيفة حتى قام علينا فسلّم، ثم قال: لقد أُنزل النفاق على قوم خير منكم. قال الأسود: سبحان الله! إنّ الله يقول: ( إِنَّ الْمُنافِقِيْنَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النّارِ )(5)فتبسّم عبد الله، وجلس حذيفة في ناحية المسجد، فقام عبد الله فتفرق أصحابه، فرماني بالحصى فأتيته، فقال حذيفة: عجبت من ضحكه وقد عرف ما قلت(6).
بل صرّح ابن عباس بذلك حينما قال لعائشة: ما أخرجك علينا مع منافقي قريش؟ قالت: كان ذلك قدراً مقدوراً(7).
قال حذيفة بن اليمان:إنّ المنافقين اليوم شرّ منهم على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)،
____________
1. الأنفال (8): 25.
2. فتح الباري: 13 / 3.
3. البخاري: 1 / 17.
4. راجع جامع الأحاديث: 13 / 409 و 14 / 19 و 15 / 36.
5. النساء (4): 145.
6. البخاري: 5 / 184. وراجع ما رواه حذيفة في المنافقين: مسلم: 5 / 390 و8 / 122 ـ 123 ; مسند أحمد: 5 / 391 ; السنن الكبرى، للبيهقي: 8 / 198 و 9 / 33 ; فتجد أنه صرّح بنفاق بعض من حضر، وإن لم يذكروا اسمه ; ولكن ذكر المتقى الهندي أنه أبو موسى الأشعري، راجع كنز العمال: 14 / 86.
7. كتاب الفتن لنعيم بن حماد، ص 47، (ط مكة المكرمّة).
ولذا ترى بعضهم انتبهوا عن الغفلة في ذلك وجوّزوا عليهم الانحراف عن طريق الحق. قال التفتازاني (المتوفى 793) ـ وقد رأيت ما ذكره في شرح العقائد ـ: إنّ ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات ـ على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكورة على ألسن الثقات ـ يدلّ بظاهره على أنّ بعضهم قد حاد عن طريق الحق وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد، والحسد واللداد، وطلب الملك والرئاسة، والميل إلى اللذّات والشهوات، إذ ليس كلّ صحابي معصوماً.. ولا كلّ من لقي النبيّ بالخير موسوماً(2).
وقال أحمد أمين:.. وبعد، فإلى أيّ حدّ تأثر العرب بالإسلام؟ وهل أمحت تعاليم الجاهلية ونزعات الجاهلية بمجرّد دخولهم في الإسلام؟
الحقّ أن ليس كذلك.. وتاريخ الأديان والآراء يأبى ذلك... ومع كل هذه التعاليم، لم تمت نزعة العصبية وكانت تظهر بقوّة إذا بدا ما يهيّجها(3).
وقال محمد فريد وجدي: إنّ المؤرخين الأقدمين والمحدّثين حفظوا أمام حوادث الصدر الأول من هذه الأُمة ظاهراً من الأدب، وامتنعوا عن إبداء آرائهم في تلك الحوادث الهائلة التى كانت أكبر الحوادث الانقلابية في هذه الأُمة، لما احتوته من أسرار التقدم وعلل التأخر معاً، فجاء تاريخ ذلك العصر الفائض بالحياة مغمضاً مستوراً، وظنّ أكثر المسلمين أن الإنسان يأثم إن انتقد أحد
____________
1. صحيح البخاري: 8 / 100، كتاب الفتن، باب: إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج بخلافه، قريب منه كنز العمال: 1 / 367 ; البحر الزخّار المعروف بمسند البزاز: 7 / 303 ـ 304. ونحن ذكرنا بعض الروايات التي تفيد في المقام في الفصل الثاني، فراجع.
2. شرح المقاصد: 2 / 306 (ط اسلامبول 1305) كما نقله في خلفاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): 231. وقريب منه: الرد على الرافضة للإمام المقدسي (المتوفى 888): 143.
3. فجر الإسلام: 79 ـ 78.