الصفحة 279
وهو أسكن زوجاته فيها..

نقول:

هذا صحيح، لكن ذلك، أعني إسكان النبي (صلى الله عليه وآله)، لهن وسكناه معهن، لا يجدي في جعل الزوجات من «أهل البيت»، حسبما أشرنا إليه. ولا يجعلهن داخلات في هذا العنوان، إذا كان عنواناً خاصاً بجماعة بأعيانهم وأشخاصهم، لاختصاصهم بحيثية وخصوصية أوجبت اختصاص العنوان بهم.

فقوله: «إن قوله تعالى: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ) دليل على ذلك».. لا يصلح دليلاً. كما هو واضح..

تشريف الله للنساء:

قوله: «إن الله تعالى شرف النساء وبيوتهن في نفس الآية بآيات الله والحكمة..».

أقول:

1 ـ في هذه الآية تشريف لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولمن يشترك مع الرسول (صلى الله عليه وآله) في كونه من أهل بيت النبوة، بما هو بيت نبوة يكون له قداسة خاصة لا يصل إليها سواهم..

أما بيوت السكنى، فلا تشريف لمن يسكنها لمجرد سكناه، بل شرفه بالتزامه بأوامر الله سبحانه ونواهيه..

والنساء الذين هن في بيوت السكنى إن التزمن بما يطلب منهن فإن

الصفحة 280
الله أعد للمحسنات منهن أجراً عظيماً، وإن كان الأمر على خلاف ذلك، فلسوف يضاعف لهن العذاب ضعفين..

فهذا من قبيل الحث لهن على الالتزام بالأوامر والزواجر الإلهية، فالمخالف بعد قيام الحجة عليه وسماعه آيات الله والحكمة، ولاسيما إذا كانت تتلى في البيت الذي هو فيه ويسمعها، ثم يصد عنها فإنه يكون من أشقى الأشقياء، ولا تكون تلاوة تلك الآيات في بيته ـ والحالة هذه ـ تشريفاً ولا تكريماً له، فلتقرأ الآيات التي قبل الآية المذكورة، فإن الأمر أوضح من أن يخفى..

2 ـ ثم ما هو الميزان والضابطة في الذكر التشريفي، والتكريمي، والذكر الموجب للمهانة والتحقير، فإن من الواضح: أن آيات الأمر والزجر، والتحذير والترغيب، لا توجب تكريماً ولا تشريفاً للمذكور فيها، بل قد توجب مهانة له إذا كانت سبباً في توجه الأنظار إلى سلبيات ونقائص في شخصيته أو في سلوكه..

نساء النبي (صلى الله عليه وآله)، من أهل البيت:

قوله: «أولاً: ولقد اتضح لنا من كل ما سبق: إن نساء النبي جزء من أهل البيت».

أقول: إن ذلك لم يتضح بل اتضح خلافه..

على ما قد بيناه من فساد ما ذهب إليه في التأسيس لما سبق، وأما

الصفحة 281
ما ذكره من (اتضاح) فهو مبني على ما ادعاه، وقد ذكرنا أنها دعوى فاسدة..

بيت الرسول، هو بيت نسائه:

قوله: «ثانياً: وأما قوله بأن الله لم يرض حتى بنسبة البيت الذي هن ساكنات فيه إلى رسوله، فهو فاسد من وجهين:

1 ـ إن الرسول (صلى الله عليه وآله)، يسكن في ذلك البيت الذي تحدث عنه السيد، فهو بيت الرسول شئنا أم أبينا.

2 ـ القرآن الكريم يبطل هذا الكلام، وليت السيد يقرأ بقية سورة الأحزاب، فالله تعالى، وبعد عدد من الآيات يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً)(1).

وهذه الآية الكريمة تمنح بيوت النساء الشرف بنسبتها إلى رسول

____________

(1) سورة الأحزاب الآية53.


الصفحة 282
الله (صلى الله عليه وآله).. وتبين أنها بيوته (صلى الله عليه وآله)، واقعاً.. وتسلط الضوء على حرمة هذه البيوت، وأسلوب التعامل معها، وتوضح شيئاً من موقع زوجات الرسول في الأمة..

وكلمة (بعده) لا تعني بعد وفاته (صلى الله عليه وآله)، بالضرورة كما قال السيد جعفر ـ والله العالم ـ بل قد تعني حتى في حال طلاقه لهن».

أقول:

أولاً: إننا لم نستدل بهذه الاحتمالات، ولم نجعلها ملاك الرفض، والقبول، بل ذكرنا ذلك بعنوان «إحتمالات لها ما يبررها».

وثانياً: إن هذا الرجل لم يلتفت إلى ما نهدف إليه في كلامنا: فإننا نريد أن نقول: إنه تعالى هنا، حينما كان يتحدث عن الزوجات، ويأمرهن وينهاهن، مشدداً عليهن في ذلك، ومتوعداً التي تخالف منهن بالعذاب ضعفين، ومبشراً من تطيع منهن بالثواب الجزيل والعظيم، فإنه لم يشرفهن بنسبة البيوت الساكنات فيه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) رغم أنه بيته، وهو الذي أسكنهن فيه. مع أنه قد كان من الممكن أن يقول لهن: واذكرن ما يتلى في بيوت النبي. لأن المقام مقام التشدد والتشديد عليهن كما قلنا..

ولعل سبب نسبة البيوت إليهن ـ كما ذكره بعض الأخوة ـ هو أن ذلك أقوى في الزجر والتحذير، فإن من تنزل الآيات في بيته، لا بد أن يتأثر بها، بخلاف ما لو كان الحديث عن بيوت غيره، لعدم وجود إشارة

الصفحة 283
واضحة إلى أن هذا البيت بيته.

وأما الآية التي تنهى الناس عن دخول بيوت النبي (صلى الله عليه وآله)، إلا أن يؤذن لهم، فهي في مقام التشدد على المؤمنين الذين يؤذون رسول الله في أهله.. فنسبة البيوت إليه (صلى الله عليه وآله)، تكون أدعى في الزجر، وأوقع في النفوس مما لو نسبت لغيره (صلى الله عليه وآله).

وثالثاً: إن نسبة البيوت له (صلى الله عليه وآله)، في تلك الآية تفيد تعظيم هذه البيوت به (صلى الله عليه وآله)، فيكون الإقدام على المساس بها إقداماً على المساس برسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه.. بواسطة زوجته، ولا يرضى أحد بأن يتطفل أحد على زوجته حتى لو كانت شر زوجة، لأنها عرضه وناموسه وشرفه و.. و..

ورابعاً: إن هذه البيوت هي بيوت النبي، وقد أسكن بها أزواجه، ثم نسبها إليهن في هذه الآيات، ولم ينسبها للنبي (صلى الله عليه وآله)، والسؤال هو: لماذا لم ينسبها إليه (صلى الله عليه وآله) كما نسبها في آية نهي المؤمنين عن دخول بيوت النبي إلا بإذنه؟..

فإن لم يكن هو خصوص ما تقدم من أن ذلك أقوى في تحريضهن على تذكر ما ينزله الله تعالى فيها، وأدعى للإنزجار بزواجرها، والإئتمار بأوامرها، فلا بد أن يضاف إلى ذلك: أن المقصود هو إبعاد شخص النبي (صلى الله عليه وآله) عن بيت قد تصدر من ساكنيه بعض الهفوات، فلا يريد الله سبحانه أن يلحق نبيه حتى ولو في مستوى التوهم أي حزازة، تنشأ عن الإلماح إلى أنه (صلى الله عليه وآله) في جملة ساكني تلك البيوت، الذين يحتمل في حقهم

الصفحة 284
ذلك الاحتمال الذي يبغضه الله تعالى..

وخامساً: قوله: «إن آية: أمر المؤمنين بعدم الدخول إلا بعد الإذن توضح شيئاً من موقع زوجات الرسول في الأمة..».

يدعونا للسؤال: كيف؟.. وبماذا؟ ولماذا؟ خصوصاً، بعد أن عرفنا أن دلالتها على ضد ذلك أوضح، وهي فيه أصرح.

وسادساً: قد ورد في نفس آية النهي عن دخول بيوت النبي (صلى الله عليه وآله) إلا بإذنه، ما يشير إلى أن الحديث مع النساء قد يؤثر في طهارة قلوبهن، وذلك لا يتلاءم مع ذلك التشريف والتكريم لهن، بل ذلك يمثل وضع علامة استفهام على مدى التزامهن بالأحكام الشرعية..

وسابعاً: بالنسبة لكلمة «من بعده» التي ليس لها دور في موضوع البحث.

نقول:

1 ـ إنهم يقولون: إنها رد على طلحة حينما قال: لئن مات رسول الله لنجلسن بين خلاخيلهن الخ.. فجاءت الآية رداً عليه..

2 ـ لو صح ما قاله هذا المستدل للزم أن يمنع (صلى الله عليه وآله)، من تزويج النساء اللواتي طلقهن في حال حياته، ولكنه لم يحرك ساكناً في هذا المجال..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين..


الصفحة 285

الرسالة الثانية:


أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة علامتنا الصادق الورع، الذي لا تأخذه في الله لومة لائم.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وبعد..

يطيب لي أن أهنئكم ونفسي وكل الغيورين على الإسلام الحنيف. بإظهاركم للحق ونصركم للحقيقة، «في قضية علم الأنبياء بالغيب»، معتصمين بحبل الله المتين، ومتسلحين بكتابه الكريم، وذكره الحكيم. وأشد على يديكم سائلاً الله تعالى أن يكتبكم عنده من الهداة المهديين، المتقين القائلين قولاً سديداً، المبلغين رسالات الله العظيم، الواثقين بركنه المكين، والمستمسكين بعروته الوثقى، والسائرين على صراطه المستقيم إنه هاد كريم غفور رحيم.


الصفحة 286
وعودة إلى تساؤلي الذي طرحته عليكم حول «آية التطهير» أحب أن أخبركم أنني وجدت «آية التطهير» غير متضمنة لإرادة إلهية تكوينية بعصمة «أهل البيت» وأن معناها ـ لغوياً ـ لا يحتمل هذا التفسير وإليكم بيان ذلك:

يقول السيد جعفر مرتضى في كتابه: «أهل البيت» (عليهم السلام) في آية التطهير. ص64: «ويظهر من كلام العلماء الأبرار (رضوان الله عليهم) أن الإرادة الألهية المعبر عنها بقوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ..) قد تعلقت أولاً وبالذات بإذهاب الرجس والتطهير..

ولكن الظاهر: هو أنها قد تعلقت أولاً وبالذات بأمر آخر وهو نفس الأوامر والزواجر التي توجهت إلى زوجات النبي (صلى الله عليه وآله).

بيان ذلك:

أنه تعالى قال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) ولم يقل: إنما يريد الله إذهاب الرجس.

فكلمة «إنما» تفيد حصر المقصود والغاية من الأمر والنهي لنساء النبي (صلى الله عليه وآله)، في حفظ «أهل البيت» وتطهيرهم.

واللام في «ليذهب» هي لام كي، وهي تفيد التعليل، أي أن ما بعدها يكون علة لما قبلها، كقولك: «جئت لأكرمك» فمدخول اللام وهو الإكرام علة لما قبلها وهو المجيء..


الصفحة 287
فما ذكره البعض من أن متعلق الإرادة هو نفس إذهاب الرجس، ليس على ما يرام بل متعلق الإرادة شيء آخر، ويكون الإذهاب علة لتعلق الإرادة به.

وذلك الشيء المتعلق للإرادة هنا هو نفس التكاليف، والأوامر والنواهي الصادرة لزوجات الرسول (صلى الله عليه وآله)، فإن الله سبحانه قد أراد منهن ذلك لأجل إذهاب الرجس.

وبتعبير آخر: إذهاب الرجس عن «أهل البيت» علة لإرادة الله سبحانه من زوجات النبي (صلى الله عليه وآله) ـ بالإرادة التشريعية ـ أن يفعلن كذا، أو يتركن كذا.

ويتضح ذلك: بملاحظة النظائر التي استعملت فيها لام «كي»، بدل «أن» في القرآن الكريم وغيره.

وذلك مثل قوله تعالى في ذيل آية الوضوء والتيمم: (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(1).

أي أن أمره تعالى لكم بالتيمم بدلاً عن الوضوء إنما هو لأجل أن يطهركم..

____________

(1) سورة المائدة الآية6.


الصفحة 288
فالتطهير علة لإرادة هذا الأمر منهم بالإرادة التشريعية.

وفي مورد آخر نجد: أنه تعالى، بعد أن ذكر بعض التشريعات والأحكام، قال: (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)(1).

وقال تعالى في موضع آخر: (بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ)(2).

وفي مورد آخر يقول تعالى: (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(3).

ومما يزيد الأمر وضوحاً: أننا نجد آيتين قد تعرضتا لأمر واحد ولكن إحداهما قد جاءت بـ «أن» والأخرى بلام «كي» التي تقدر بعدها أن.

فبعد أن ذكر الله سبحانه قول اليهود والنصارى في عزير والمسيح، قال: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَ أَنْ يُتِمَّ

____________

(1) سورة النساء الآية26.

(2) سورة القيامة الآية5.

(3) سورة التوبة الآية55.


الصفحة 289
نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(1).

وقال تعالى في مورد آخر: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلاَمِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(2).

حيث إنه في المورد الأول (أي في سورة التوبة) قد تعلقت إرادتهم مباشرة في إطفاء نور الله، فاستعمل الله كلمة «أن» وقال: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا..).

أما في هذا المورد الأخير فقد تعلقت إرادتهم بالافتراء على الله لأجل أن يطفئوا، فالإطفاء كان داعياً لهم، وعلة وسبباً لتعلق إرادتهم بالافتراء والكذب فاستعمل اللام فقال: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا..).

ثم رأيت أن الراغب الأصفهاني قد أشار إلى ذلك أيضاً، فقال: «يريدون أن يطفئوا نور الله، يريدون ليطفئوا نور الله. والفرق بين الموضعين: أن في قوله: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا) يقصدون إطفاء نور الله.

____________

(1) سورة التوبة الآية31 و32 .

(2) سورة الصف الآية7و8 .


الصفحة 290
وفي قوله: (لِيُطْفِئُوا) يقصدون أمراً يتوصلون به إلى إطفاء نور الله»(1).

والأمر في آية التطهير كذلك أيضاً كما أوضحناه» انتهى كلام السيد جعفر مرتضى..

أقول: وأعتقد أن تحليل السيد مرتضى للآلية اللغوية للآية ـ إن صح التعبير ـ سليم إلى حد كبير. ولكن الخلاف معه هو في فهم «أهل البيت».

فإنما مرتبطة تمام الارتباط بأوامر الله تعالى ونواهيه للنساء. وهي تربط هذه الأوامر والنواهي بعبارة التطهير، وتجعل عبارة التطهير جزء لا يتجزأ منها، أي من آيات النساء.

و«إنما» أداة حصر وتوكيد، تقيّد المعنى، ولذا فهي لا تأتي عادة لتبتدئ وتفتتح الخطاب في موضوع جديد، لم يفكر فيه السامع، بل تأتي ضمن موضوع يفكر فيه السامع ـ عادة ـ لتحصر فكره في جهة معينة.

فالله تعالى يريد أن يحصر فكر نساء النبي (صلى الله عليه وآله) في سبب نزول هذه الأوامر والنواهي المشددة عليهن، في أن الله أراد بهذه الأوامر تطهيرهن وصونهن، لا إرهاقهن بها، وجعل الحرج عليهن، وتعسير سير حياتهن؛ فـ «إنما» بلا ريب مرتبطة مع ما قبلها.

____________

(1) المفردات للراغب ص305.


الصفحة 291
وهذا ينسجم مع ما قاله السيد جعفر مرتضى في ص73 من كتابه ذاته، إذ يقول: «بيان ذلك أن كلمة «إنما» تثبت ما نفته «ليس» عند الزجّاج وغيره، كقوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ)(1).. انتهى كلام السيد..

ولعل المثال الأوضح مما ذكره السيد على العلاقة بين «إنما» و«ليس» هو قوله تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوء بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآَنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً)(2).

والملاحظ أن كلمة «ليس» الوحيدة الواردة في الآيات الكريمة الموجهة لنساء النبي (صلى الله عليه وآله) هي في الآية الكريمة: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ).

وقد لا يفهم المرء للوهلة الأولى العلاقة بين «لستن» و«إنما»، أو العلاقة بين (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ)

____________

(1) سورة التوبة الآية60.

(2) سورة النساء الآية 17 و18.


الصفحة 292
و(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)..

ولكنهما ـ والله العالم ـ مرتبطتان تمام الارتباط، ويكون معنى الآيتين سوية: يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن والتزمتن بتكليفكن المشدد، واتبعتن أوامر الله تعالى ونواهيه التي شددها عليكن، لأن الله تعالى ـ وباعتباركن من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) ـ أراد لكن، باتباعكن هذه الأوامر، أن تحظين بطهارة أسمى من كل نساء الأمة، وأن تكن في سوية أرفع منهن وأعلى..

وأما عن اللام في «ليذهب» فهي ـ كما قال السيد مرتضى ـ تدل بشكل قطعي على إرادة تشريعية، ولا تدل على غير ذلك.

فالمسألة هي عبارة عن أوامر ونواهي إلهية موجهة لزوجات النبي (صلى الله عليه وآله)، وفي حالة اتباعهن لها، والتزامهن بهذه الأوامر والنواهي، فإن هذا يؤدي لإذهاب الرجس عن «أهل البيت» وتطهيرهم، أو عن جزء من «أهل البيت» وتطهير هذا الجزء بالأصح.

فوجود اللام يعني بشكل حتمي: أن هناك أوامر، وأن تنفيذ هذه الأوامر هو شرط أساسي، بل هو السبيل لتحقيق التطهير. وهذا يقتضي أنه في حال عدم التزام نساء النبي بهذه الأوامر بالشكل التام، فإن التطهير ـ تطهير «أهل البيت» ـ لن يتم بالشكل الكامل، وهذا ينفي مفهوم العصمة عن الآية.


الصفحة 293
والحقيقة أننا عندما نفهم معنى اللام نستطيع أن نقطع الشك باليقين، ونجزم بعدم وجود أمر تكويني بتطهير «أهل البيت» وإذهاب الرجس عنهم في «آية التطهير».

وعندما نفهم معنى اللام، ندرك تماماً مدى بطلان الرأي القائل بأن الله تعالى جعل إطاعة النساء للأوامر الإلهية الطريق أو الشرط لتطهير «أهل الكساء» وإذهاب الرجس عنهم.

وصدقاً، أنا لا أجد مبرراً لهذا الربط بين إطاعة النساء للأوامر، وتطهير «أهل الكساء». والذي يعني ـ كما أسلفنا ـ أنه إذا لم تطع كل النساء كل الأوامر ـ وهذا ما قد حصل ـ فإن خللاً سينتج في «عصمة» أو تطهير «أهل الكساء». وهذا ما لا يستسيغه العقل..

ثم إنها لا تزر وازرة وزر أخرى، وقد كانت زوجة لوط (عليه السلام)، وزوجة نوح وابنه كفاراً، وما أنقص ذلك من قيمة أنبياء الله شيئاً.

ومن يتأمل في أوامر الله تعالى ونواهيه لزوجات النبي يدرك تماماً أن هذه الأوامر والنواهي هي لتزكية وتطهير زوجات النبي أنفسهن، فماذا يفيد «أهل الكساء» أن تؤتي زوجات الرسول الزكاة، أو تقنت نساؤه لله، ويقمن الصلاة، ويعملن عملاً صالحاً؟!

وماذا يضر «أهل الكساء» أن لا تفعل نساء النبي ذلك! وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ما ضره أن نشأ في حجر آزر الكافر