الصفحة 97

(حكايات السيف.. والفتى)

لا سيف إلاّ ذوالفقار
ولا فتى إلاّ عليّ 


مكتوب فوق جفون الشمسِ

بأنك حين بزغتَ

                    انشقّ جدار في بيت اللهْ.. !

فزهوت على رمش الاصباحِ

               شروقاً ورديّاً

               وحماماً نجديّاً

                              ونخيلاً بَصْريّاً

وجريت بجنب الكعبة نيلاً مصريّاً

تؤتيك المعجزة خلوداً..

               ويرى فيك البيت المعمورُ صباهْ


وسمعنا أنك حين تنفستَ على الوادي المقفرِ

                         هفهفت الاغصانُ

                         وماسَ الريحانُ


الصفحة 98
               ونبت الفرح الاخضر في كل فَلاَهْ


وقرأنا.. أنك حين لمست الارض بقدميك

ملات الكون الساجى.. نوراً

وطفقت تؤذن في الافاقِ

وتَحْطم آلهة الشركِ

وتخْصف من وَرَقِ الجنةِ

لتواري للازمنة البدوية سوأتها

ورسولُ الله يذود عن البيتِ

لئلا يطّوّف أقحاح العربِ

حواليه عراهْ.. !


ويحكي أنك حين تجولت على البطحاءِ

انفجر الماء من الاحجار

وغنّت مكةُ لحناً عذريّاً

لروابيها الابكارِ

فقمتَ على ضفة «زمزمَ»

تبدع للتاريخ القابع تحت خيام الصمت الوثنيِّ

                                                  عقائدَهُ

                                                  وقصائدَهُ


الصفحة 99
                                                  وحكاياهْ... !


ويقال بأنك يا أكرم وجه

حين ومضتَ

تشيعت الافلاكُ

وحفّتك الاملاكُ

وكبّرت القبلةُ

لتؤديَ للقدوس الفرضَ الاولَ

يا أول فرض.. وصلاهْ


منقوش في ساق العرشِ

بأنك أنت الزمنُ الماضي، والحاضر، والمستقبلُ

والابدُ المجهول مداهْ.. !

وبأنك آدمنا الاولُ..

جئت لتمنح آدمَ.. بعد المعصيةِ

                    وبعد الموت الاكبرِ

               غفراناً.. وحياهْ.. !


فهل أنك يا مولاى عليّاً..

بشر حقاً.. أم أنت إلهْ.. ؟!!


الصفحة 100
هآنذا مفتون بك جداً يا عبدالله

                    فسبحان الله.. !


يا سِرًّا يتلالا في سُبُحات العرصات

ويلمس بأصابعه عليّينَ

وإكسير الملكوتِ

فتورق بالانجم والاقمار يداهْ.. !

مكتوب في اللّوح بأنك نَفْسُ نبيٍّ

ووزير رسول، وخليفته الاولُ، وأخوهُ

وأنك مجرى هذا الدين ومرساه.. !


ويقال بأن المأمور بتبليغ التنزيل

افترش الصحراءَ

وجمع وفود الرحمانِ

على شطآن غدير الوعي

وآخذ بيدك.. ونادى:

                              من كنت أنا مولاه.. فهذا مولاهْ !


فلماذا انحدر التاريخُ..

وفسقَ الزمنُ


الصفحة 101
وغاصت في الوحل المنتن قدماهْ.. ؟

ولماذا يتقوقع هذا العالمُ

تحت سقيفته الحبلى بالشبقِ

قروناً..

يتمرغ في علب الليل الفاجرِ

ملتذًّا بخطاياه.. ؟!


يا وتْراً في فتيان قريش.. ما أقواهُ

وبدرًا في هاشمَ.. ما أحلاهْ.. !

مَسْطورٌ أن المؤمن يحمل وُدّاً لك

                              في القلبِ

                              وفي الكبدِ

                              وفي دمه الدافقِ

                              وجميع خلاياهْ.. !


يا وَجهاً.. أنظر في القرآن فألقاهْ

                         وفي السنّة.. فأراهْ

فيصرخ قلبي: إني أهواهْ

فيُحسد.. ويلامُ.. ويُعذلُ

ويعنّفه القومُ


الصفحة 102
فيكتم في رئتيه هواهْ


صدّقني.. إني أتدبر في الوحى

                    فأدرك أنك معناه

وحين درست المنطقَ

أيقنت بأنك صغراه.. وكبراهْ

وحين عَقلت وأُلهمت العشقَ

شعرت بأنك نار العشق المؤصدةُ

ولهبُ الشغفِ الحارقُ.. ولظاهْ

وحين استيقظتُ على دغدغة السَّحَرِ

وجدتُ بأنك ألقُ الفجرِ الصادقِ

                              وضياهْ..

ومنذ علمت بأنّ هناك ربيعاً

آمنت بأنك نرجسهُ..

                    وشقائقهُ

                    وزنابقهُ

                         ونداهْ

فهبني أطبقت القلب على جمر هوايَ

فمن ذا يملك أن يغلق هذا الوردَ

                                   على رائحة شذاهْ.. ؟!



الصفحة 103
يحكون بأنك يا ابنَ أبي طالبَ

أولُ من آمن باللهِ.. عليك سلامُ اللهْ.. !

هل كنت صبياً يلهو.. ؟!

أم كنت الغضب الاتي

يرسم للجيل خطاهْ.. ؟

وهل كان مبيتاً فوق فراش الهجرةِ

أم إيلافاً في ليل قريش

وصعودًا نحو الصحو المطلقِ بعد المحوِ

وقد خسر العقلُ العربيُّ تجارتَهُ

وأضاع طريق الابرِيسَمِ

ورمى في البحر قوارير العطرِ

وهشّم فضته.. وزمرُّدَهُ

                    وزَبرجدَهُ

                         ومراياهْ.. ؟!


ولهذا.. يا ذاالقرنينِ

فانك قافلة العصمةِ

               والحادي..

والقربانُ الاول في تسيار الرحلةِ

والموال المخنوق بصدر البادية المفجوعةِ

                                             والاهْ.. !


الصفحة 104

وصدقني.. أنك حين خطبت الزهراءَ

كأني.. أبصرت الحسنَ

يقيء الكبد المسمومَ

على حصيات بقيع الغرقدِ

ورأيت حسينا

فوق رمال الطفِّ المدهوشةِ

               تنزف شفتاهْ.. !

ولهذا.. حين يفتش شعراءُ العالمِ

عن مأساة تُبكي الجمهورَ..

فتلك المأساهْ.. !


يا من نزلت فيك الاياتُ

امددْ لي يدك البيضاءَ

فاني أبحث في بحر الظلمات

على أبواب القرن الحادي والعشرين الداهمِ

                         عن حبل نجاهْ


يا فارسَ أمتنا الضاري

يحكون بأنك في بدر

لم تكتبْ فردًا في تعداد الجيش


الصفحة 105
لانك كنت ملائكةً

وخيولاً..

وسيوفاً..

وسهاماً..

               ورُماهْ.. !

ولهذا سمتك «ابنةُ أسد» «حيدرةً»..

وأسميك أنا.. قنبلةً

تتفجر في عصر الجبن الباهظِ

                              ذرات

ثم تعود لتنشطر نواةً

                         بعد نواهْ.. !


بل يحكى أنك.. يا مولانا

حين تصلي.. تتصدق أيضاً

في السر.. وفي العلنِ

وتبسط كفيكَ

وتُؤتى للفقراء زكاهْ.. !

ولهذا.. لما برز الايمانُ جميعاً

                         للكفر جميعاً

يومَ الاحزابِ..

          وعاجله بالسيف البتَّارِ

تأ نَّى.. وابتعد قليلاً.. !


الصفحة 106
حتى لا يفقد في غمرات النصرِ الساحِق

                                   تقواهْ.. !


ويحكى أنك.. في «خَيبَر»

داهمتَ الحصنَ المستحكمَ

وَدَحوْتَ البابَ الضَّخمَ..

وأدهشتَ الاحبارَ بربّانيَّتِكَ العليا

               ونسختَ التوراهْ.. !

فانكمش بنو إسرائيلَ

وكُبكبتِ الكهَّانُ

ومات من الذعر المطبق (أبناءُ اللهْ).. !!

ولهذا.. يركع كل يهوديٍّ

بجوار جدار المبكى يتذكر هذا القهرَ

ويندبُ قَتلاهْ.. !


ويحكى أيضاً ـ مع ذلك ـ أن العربَ

ـ وقد قرأوا تاريخاً آخَرَ ـ

يقفون الان على باب القدس أذلاءَ

يغازل قادتَهم (نصفُ رئيس).. !

شبَّ على فضلات القيصرِ والشاهْ.. !!


بأبي أفيدكَ..


الصفحة 107
بنفسي أفديك..

          وأفديك بقومي.. ياابنَ الشَّرفِ الباذخِ..

هآنذا وطن مذبوحٌ

بسيوف قبائله الابقةِ

فمن ذا يثأر لدماهْ.. ؟!


هاهي خمَّاراتُ عواصمنا

ملاى بخوارج هذا العصرِ

يقومون الليل.. مجوناً.. !

وينامون على أرصفة العهرِ

وكل منهم يحلمُ..

          ويغنّي في الحلم على ليلاهْ.. !


وها هو واقعنا المرُّ

وهذا عالمنا العربيُّ

وتلك أمانيه الكبرى..

               وثقافتهُ

               وحضارتهُ

               ورؤاهُ.. !


فماذا يمنع أشقاها

أن يَخْضب هذي من هذي.. !


الصفحة 108
علّ القمر الغائبَ خلف السحب الدكناءِ

                              يعود إلينا من منفاهْ.. ؟!


ويحكى أنك.. في خير ليالي العام

ـ وقد تبعتك صوائحُ

               ونوائحُ

حتى عتباتِ الشفق المشتعلِ ـ

توهجتَ دماءًا.. في المحرابِ

فأجفلَ.. !

     وتلقى رأسك بين ذراعيه

     ومسح جبينك بأنامل شفتيهِ

     وأرخى لك فجراً لتميل عليهِ

               ووسّدك حناياهْ.. !


فلينطفىء الصبح بعيني غانية الكوفةِ

ولْيغربْ شبح فتاها المخدوعِ

          فبئس المهرُ

                    وبئس الفكرُ

                              وبئس الدهرُ

ولا حول ولا قوةَ إلا باللهْ..

لا حولَ..


الصفحة 109
          ولا قوةَ

                    إلا باللهْ.. !!

25/1/1997


الصفحة 110

(برديات فاطميّهْ)

المدد الاول:

زهراء يا أم الائمهْ يا أمّةً في خير أُمَّهْ

يا بضعة الهادي، وصَفوته، وفلذته، وأمَّهْ

وكريمة امرأة حَصَان فاقت الذُّكْرانَ همَّهْ

أفلت نجوم بنات حواء، وأنت طلعت نجمهْ

تتلالئين على الوجود، فشعّ بعد طويل عتمهْ

وتنافسين سواك علماً عزّ مطلبه، وحكمهْ

يا من وُلدْتِ من الكمال، فكنت سيدةً وقمّهْ

وخُلقت من أجل الخلود، فكنت كنيته وإسمَهْ

أعطاك ربك كوثرًا للمصطفى المبعوث رحمَهْ

وحباك بعلاً من به تمت على الثقلين نعمَهْ

قد خصك المولى بفضل أنت معدنه، وعصمَهْ

فحظيت منه بكلْمتين، ومريم حظيت بكلْمَهْ


المدد الثاني:

زهراء مدي للغريق يديك، وانتشلي الغريقْ

مدي يديك إلى احتشاد الغيم وانتزعي الشروق


الصفحة 111
أنا حائم حولى الحمى فقد الاحبَّة والصديق

قد كان لي عش، وكنت البلبل الحر الطليق

فأتى المغول مع المطامع والمقامع والحريق

جاءوا، فباركهم وأكرمهم «جناب الجاثليق» !

شرف يباح وأمّةٌ تُسبى، ودائرة تضيق

مليار يوسفَ أرهقتهم ظلمة الجب العميق

مليار هابيل بلا قبر ولا قلب شفيق

قابيلُ يشرب في جماجمهم، وأنَّى يستفيق

ويقرّب القربان للشيطان في طبق الفسوق

يا رأسه المنكوس خلف ستائر الزمن السحيق

ذب في الفناء فانه أولى لمن ضل الطريق

سبحان من جعل الغراب أحنّ منك على الشقيقْ !!


المدد الثالث:

فارت دماء السبط، يا زهراء، فاعتنقي الشهيدْ

الف وأربعةٌ مئين، وجرحه فوق الصعيد

يسقي الطفوف بكربلاءَ، فتزدهي فيها الورود

وهو الذبيح على الفرات من الوريد إلى الوريد

ما أقبح الانهار إذْ تجري على مر العهود !!

يَظمَى ابن فاطمة، وتلتذ البهائم والقرود

لو كنتُ نهراً، لامتنعت مدى الزمان على الورود

ونسفت شطآني، وأغرقت المعابر والسدود


الصفحة 112
حزناً على عطش القتيلِ، ودمعةً فوق الخدود

تهمي، وتحفر فوق وجه الكون تاريخاً مجيد

يُرضي البتولَ وتبتدي منه الحضارة من جديد

ويرى الوجود بأنه من دون وجهكَ لا وجود

فليبق ذكْركَ يا حسينُ، وتنمحي ذكرى يزيدْ


فاطمية:

مدد يا بنت النبي يا ام الحسن وحسين
دا انا قربكم مطلبي لكن أنوله منين
يا حُرقة القلب لمّا ينقسم نصّين
دَم الحبايب جرى ودموعهم الحايره.. !
يا بتعة السرّ مِدّي اِيديك للفُقَره
دانور جمالك ظهر يا اجمل من القمره
مدد يا بنت النبي يا فاطمه يا زهره
«الله..الله..يا بدوى جاب اليُسره»

الصفحة 113
النص:

يا ليت قلبيَ كان صخرهْ
فمسالك العشاقِ وعرهْ

زهراء.. أبهظني الغرام وهدني كمداً وحسرَه

فكتمت ناراً كلما خمدت، زكت لهباً وجمره

ورجوت طه أن يمس الجرح لطفاً منه مرّه.. !

وسألت آل محمد مدداً وميسرة ونُصره

وبذلت في إرضائهم ما لا يكاد يُعدّ كثره

وهو القليل بحقهم حتى ولو ضاعفتُ قدره !

يا زهو أرحام النبي، ونسله الباقي، وذكْرَه

يا شمس بيت الوحي، يا إصباحه الزاهي، وفجرَه

يا قبلة المقصود، يا أركان كعبته، وحِجْرَه

أنا طائف بين القواعد والمقام أبرّ نذرَه

دارت به الدنيا، فدار مطوّفاً سبعين دوره !

وسعى إليك ملبياً ومخضباً بالشوق نحره

وأقام في عرفاتَ يزدلف المشاعر والمبرّه

ورمى الجمار مكبّراً ومكسّراً في النفس جمره

ومشى إلى البيت الحرام، محلّقا في العيد شَعره

وأحلّ من إحرام حج ساغ زمزمه.. وعُمرَه


الصفحة 114
أدى مناسك حبكم فترقرقت في العين عَبره

يا ويح من عاداكمُ متولياً بالاثم كِبره

فلتت «لحبترَ» بيعة لم يخرجوا منها بعبره

لكنّ «قنفذهم» تقمصها وأولى الناس ظهره

لم يشفه ضلع البتول، فأتبع النكراء فجره !

وأراد كل الدين، أمّته، وسنّته، وذِكره

فاذا اشتفى من هاشم وأصاب سهم الموت سَحْره

عهدوا «لنعثلَ» بعدما حفروا «لذي القرنين»حُفره

صُرفت عن «النبأ العظيم»، ولدغة الثعبان فطره !

حتى إذا قصدته مذعنة، ملبّيةً، مقرَّه

نكث البغاة، وأعمل الطاغوت حيلته ومكره

كم من مريد عُمرةً لم يرتحل إلا لغدْرَه !


ومشت «أميةُ» في الورى تقضى بما تهوى ويكره

واستقطبوا «شيخ المَضيرة» مغدقين عليه أجره

حدّث «أخا دَوْس»، فانك ذو مخيِّلة وخبره

واسلك سبيلاً مُهّدت فمسالك الامجاد وعره

حدّثْ.. فانّ الاصفر الرنّان لا تعدوه قُدره !

حدّث.. وآتيناك أطياناً، وقفطاناً، وإمره

حدّث.. فما «قصر العقيق» أقلَّ من «قصر المعرّه».. !

حدّث أيا شيخ الرواة، ولا تصن للدين عوره.. !

حدّث أيا فأر الحديث ! فكله من وحي هرّه !!


الصفحة 115
حدّث.. فكيسك لا يعي إلا أبو سفيانَ قَدره !

حدّث.. فداهية الشآم تحكمت يده بشعره !

دلِّسْ.. !! فلا حرجٌ إذا بلغت صحاح الزيف عشْره !

ما أعجبَ التاريخ.. يُروَى مسنداً لابي هريره !!


يا نبتة الروض النديّ، وتُربَهُ الزاكي، وبَذرَهْ

يا نسمة الدوح الوريف، ونبعه الصافي، وعطره

أنا شاعر.. يا كعبتي أهدى لال البيت شعره

سكرت قوافيه، فكنتم كأسه الوافي وخمره

هو من أحبّ ذوي الرسول، فَعُدّ هذا الحب وزرَهْ !!

وهجاه قوم يحسبون ولاء ذي القربى معرّه !

وقلاه أعراب الزمان، وأعلنوا في الارض كفره

وكأنهم لم يكفهم أن صادروا في الحقل بُرّه

فتكالبوا ليصادروا حتى عقيدته وفكره

جهلاَ بأن مع الفتى حججاً تسدّده وعتره !!


زهراءُ، إني عاشق أبلى بسوح العشق دهرَهْ

ومضى إليكِ مخلّفا بددًا فصيلته ومصرَه

مهدت أسبابَ الوصال، مودة فيكم... وهجره

أنا مدنف ذاعت له في محفل العشاق شهره

عاقرت فيه سلافتي فغدوت أوحده ووترَه

ورأيت طيفك في المنام، فكنت شامخةً وحُرّه


الصفحة 116
تتألقين من الجلال، وفي المحيّا الغضّ حُمره

وعليك تاج من كرامات الرسالة فيه دُرّه

ورأيت جنبك أحمداً وابنيْه جنبكما، وصِهرَه

لقد استقر الطُّور بي فرأيت وجه الله جهره !!


يا بنت خير المرسلين، تحنني جوداً وأُثْرَهْ

مُضناكِ أنحله الجوى وتجرع الالام مُرَّه

وبراه داء الوجد حتى شفّ مثل غشاء زهره

ودهته أوصاب الحياة، وشقّت العذال قبره

لكنه ألف العواصف والسماءَ المكفهرّه

وترصّد الانواء معتدًّا ومشتدًّا كصخرَه

ومضى يؤم المجد منتفضاً وملتهباً كثوره

ويبدد الظلماء نجماً بث في الافلاك سحره

يمضي.. ولا يهتم أن الشيب سيف فلّ عمره

أرزاؤه أخنت عليه، فأنقضت كالوزر ظهره

وأسَفَّت الدنيا فلم يفقد لما أبدته صبره

عبست، فلم يعبأ، وجرد لليالي الدهم صدره

كرّت، فأقبل بالمهنّد، يَمنة يفري ويَسره

واعتزّ، لم يُعط الدنيَّةَ، فانثنت لتغرّ غيرَه !!


زهراء.. شدّي للفتى المحفوف بالبأساء أزرَهْ

عَشرٌ وعشر، فوقها عشرون، في يُسر وعُسره


الصفحة 117
فحفظت عهداً قد عهدت على المسرّة والمضرّه

ونذرت قلبي للهوى وإليك قد سلمت أمره

وتشيعت لكِ مهجتي من قطبها حتى المجرّه

راقت رقائقها، فرقّت، وارتقت طوبى وسدره

وتضاءلت حتى غدت في لجة الفانين قطره

فتفتتت ذَرًّا، وبادت ذرةً من بعد ذره

باباً تراه إلى الشفاعة موصلا.. قصدتك عَبره

ولعلها تدنو إلى وادي المنى، وتزيح ستره

يا دفقة الحب المؤلّه، واختلاجته، وسرَّه

مُنّي عليَّ بنظرة فيها الرضا، أو بعض نظره !!

18 ـ 4 ـ 1997


الصفحة 118

(إشراقات)
في تجلي المشهد العلوي

يندر أن تبتسم الشمسُ

               لقافلة عربيَّهْ

تترفّع أن تتجلّى لعيون البؤساءِ

الحالمةِ ببشرى عذراءَ نقيَّهْ

وتحاذر أن تمسح بأصابعها

دمعاً يجري فوق خدود بدويَّهْ

يندر أن تلج الشمس الاكواخ الرثَّةَ

                         والدورَ الطينيَّهْ

وتجاهد ألاّ تُشرقَ

               فوق الابار المطمورةِ

               وخيام الرعي المهجورةِ

               وقفار الشرق الاميَّهْ

فالشمس تظن بأن خيوطَ أشعتها

أبياتُ قصيدة شعر مارقة


الصفحة 119
تتملص من قيد الوزنِ

وسلطان القافيةِ

ونحو الاجر وميّهْ..

لكنّ «عليّاً» مسَّ من الشمسِ شغاف القلبِ

                              فعشقتهُ

                              وسكنت خيمتَهُ

                              حتى باتت عَلَويَّهْ.. !


ويراك الصبح نبيلاً

               وجميلاً

                    وقويَّا

فيودّ بأن يتحول رجلاً

يدعَى منذ الان عليَّا..

ويودّ البحر بأن لو كان غديرًا

                              في خُمَّ

يُقل على شاطئه الفينان نبيَّا

ويودّ «أناسٌ»

أن لو قام رسولُ اللهِ

ونصَّب كلاًّ منهم ـ في ذاك اليوم ـ وليَّا

ويعاين جبرائيل السرّ المكنونَ

فيتمنّى أن لو كان وصيَّا..


الصفحة 120
وأودّ أنا.. أن لو كنت هناك

لاتملى وجهكَ..

وأمدَّ إليك يديَّا

ولاني مصريٌّ

أتمنى أن لو كان «عليٌّ» مصريَّا

وأخاف الساعةَ أن أفصح عن كلفي..

حتى لا أُتهم بأني صِرْت ـ كما الحسن بن الهانىء ـ

                                             زنديقاً.. وشعوبيَّا

بَلْ أخشى أن أُصلبَ

في ميزابِ الذهبِ على الكعبةِ

كالحلاجِ.. وأُحرقَ..

حين أجاهر وأقولُ بأن القرآن النازلَ

لم يصبح قرآناً

حتى أصبح شيعيَّا.. !!


هي ذي خيلٌ وفتوحٌ

تخرج من غار حراءْ

هو ذا فسطاط نبويٌّ

يهب العالم مدناً

                    وحضارات

ويضيء ليالي الصحراءْ

هو ذا ركب التاريخ يخفّف من مشيتهِ


الصفحة 121
ويُعرّش عند غدير

تختلط به كلمات الله مع الماءْ..

ها هي أفلاك الكون احتشدت

لتبايع رجلاً

محفورٌ في جبهته قَدَر الاشياءْ

خفتت كل الاصواتِ

وجلجل صوت الحق على الارضِ

فنبضت، واهتزت، وربت..

ثم غدت في طرفة عين.. خضراءْ

واختزنت ذاكرةُ العالمِ

أحداثَ اليوم الموعودِ

لتشهدها الاجيالُ

ويفطنَ مغزاها الحكماءْ..

وتدلّت من أغصان الغرقدِ

حبّاتُ ندًى فضيٍّ

وقفت تقطفها الزهراءْ..

هي ذى أودية سالت لعليٍّ

بالوحي على البطحاءْ..

فاندثرت أحلام قريش

وتلاشت محضَ هباءْ

وانهارت جدران سقيفتها

أنقاضاً..

فوق رؤوس الفرقاءْ..

فليتبجّحْ بالشورى المزعومةِ

          من شاءَ.. متى شاءْ

والمجد لمن تُوج خلفاً

                    رغم أنوف الخلفاءْ.. !!

22 ـ 4 ـ 1997


الصفحة 122

(المهدي توقف في)
«عين شمس»

عيناكِ هاتانِ.. أم فجران قد طلعا

مكحلين بليل.. يبسمان معا.. !

تحفّز القلب في صدري، فقلت له:

واضيعتاه لقلب في الهوى وقعا.. !

ما كل من يطلب العنقاء يدركها

ولا الجنون لمن هاموا بها شفعا

كم من مغنٍّ على غيداءَ تنكرهُ

ولاهث خلف ميعاد لها خُدعا

وناظم لؤلؤاً.. شعراً، فما حفلت

به الغواني، ولا سمع لهنّ وعى


الصفحة 123
لو كان «قيس» قسيَّ القلب معتبرًا

بقسوة الحب، في «ليلاه» ما فُجعا

فاحذر عيون المها تسلم إذا شَهرت

رموشها السودَ بيضاً تصرع السبُعا

وثب لرشدك تأمن من مكائدها

وارجع عن الغيّ، فالعقبى لمن رجعا.. !

أعوذ بالحسن من عينين صوبتا

إلى غريم صبَا مسنونةً شُرُعا

أسررتها، فدهتني من كنانتها

برمية أذهبت مني الحشا قِطعا

عانقت حتفي، وباهيت العَذُولَ بهِ

لا طاش سهم لعينيها ولا دُفعا.. !

واخترت هدر دمي زلفى لسافكه

وما فتئت بمن أجرى دمي وَلِعا

إني الشهيد الذي صلّى لقاتله

وأدمن الموت وصلاً للذي قُطعا

يا ربة النيل.. يا أسطورةً بُعثت

من عصر «إيزيسَ»تحكي الهم والجزعا

لمي عظامي وأوصالي، ولا تدعي

وجهي على الموج مكدوداً وممتقعا

كفاك ذحلاً من العشاق ما فعلت

عيناك بي.. قد قتلت الكون مجتمِعا.. !!


الصفحة 124

وطائف حول بيت الله مُئتزرًا

بخرقتيْ عابد.. بالامر قد صدعا

أعيته حمّى الهوى، والشوق أجهدهُ

وكعبة النحر أدمت قلبه وَلَعا

صلّى وراء مقام العشق منتظرًا

وعد الظهور، وعهداً مبرماً قُطعا

ولاذ بالركن تغلي في جوانحه

مشاعرٌ تصهر الاحشاء والضِّلَعا

من الصفا.. واشتعالُ الوجد يحرقه

لمروة الوصل.. لبّى ربّه، وسعى

وتابع الشوط، والمشعوقُ قبلته

فكلما سار.. زاد الشوط واتسعا

وخلفه الشعب جرح نازف خضلٌ

وموطن مُزقت أشلاؤه طمعا

وبين جنبيه آمال يهدهدها

وفي حناياه كون أكبرٌ جُمعا

:ضميره، وارتعاشُ الدفق في دمه

ونفسُه، وفؤادٌ واجف ضرعا

ناجى الاله بطرف خاشع دَمَعا

واستقبل البيت من فوق الصفا ودعا

يا زمزم الغيث كم أربيتِ هامدةً


الصفحة 125
فأينعت مكةٌ.. سهلاً ومرتَفَعا

ويا منى القصد، لم يقصدك ذو تَرَب

إلاّ رددتيه ميسوراً ومقتنعا

ويا نبياً أبى الطاغوتَ معتقَداً

وأنكر الجبتَ أن تُدعى وتُتّبعا

قد جئت أشكو لك الحكام قاطبةً

وأشجب السوء والفحشاء والقذعا

من عهد فرعونَ والارهابُ يحكمنا

والشعب إن ثار مغبون وإن خَضعا

كم أغرق النيل طاغوتاً، وكم حصدت

أيدي المنايا، وكم من منخر جُدعا

لكنما «مصرُ» ما انفكّت مكبّلةً

تعالج القيد.. مشدودًا، ومُتسِعا

تظن كل مليك رادها «عُمَرًا»

حتى إذا سادها.. ألفته «مَنقرعا» !!

وكلهم فلتةٌ لم توق شِرَّتَها

وكلهم أعجفٌ في خيرها رتعا

قد يوصد الباب والطلاّب تقرعه

ويُفتح الباب رحباً، وهو ما قُرعا

مشيئة الخلق بعض من مشيئته

وربّ ضُرٍّ كرهنا أمرَه.. نفعا.. !


الصفحة 126
ويا أخا مصرَ.. يا شبلاً بساحتها

تقحم الهول والاخطار والفزعا

وطاول النجم مزهواً بقامته

ومسّ وجه الدجى فابيضّ والتمعا

وطارد الشمس في العلياء مقتنصا

فصادها هازئاً.. بالصيد ما قنعا

وزاحم الشهْب يقصيها بمنكِبه

وأرهف السمع للانباء.. فاستمعا

وأسدف الستر، فانجابت سرائره

كم من حجاب بلطف الله قد رُفعا

حتّام تخفي لاهل السّوْء سوأتهم

وتستر الجهل والتضليل والبدعا.. ؟!

وترتضي الصمت عفواً عن خبائثهم

لا يُصلح العفو من أوعى ومن جَمعا

يا ويحهم من طَغام ساء مخبرهم

حتى وإن قدسوا الاحاد والجُمَعا

راموا بها وحدة الاديان من هدموا

مساجد الذكر والاديارَ والبِيَعا.. !

ويحكمون كأن الله حكّمهم

وهم براء من المولى وما شَرعا

قل إنّ مصر العلا مذ طاوعت نفرًا

بها استخفوا، جفاها العزّ وامتنعا


الصفحة 127
من كل وَكس ومأبون وذي عُقَد

من ثديي الذل ميراث الخنا رضعا

ويرفعون شعار السلم معذرةً

لامة فرقوا أبناءها شِيَعا

قل إنّ «فرعونَ» باق في معابدها

وإنّ «هامانَ» في أهرامها قبعا

رمزان حيّان للطاغوت ما فتئا

يستعبدان بني الانسان ما وسعا

هذا على الكبر مجبول بطينته

وذا على الزيف والتدليس قد طُبعا

وذكّر الشعبَ أنْ سادت حضارتُه

وقوّم الفرد حتى بات مجتَمعا.. !

وانثر على النيل برديّاً به كُتبت

أجلى النقوش التي تنبيك ما وقعا

هنا الغزاة.. وهذا القبر يجمعهم

وفي السماء شهيد.. خرَّ فارتفعا.. !

واسأل «أبا الهوْل» محمولاً على حِقب

من الزمان الذي ما نام أو هجعا

من ألهم الشعب إذْ نحتت أناملُه

تمثاله الفذّ من صخر.. وقد ركعا.. ؟!

لم يركع المجد للفرعون، بل ركعت

أمجاد فرعونَ للشعب الذي اخترعا


الصفحة 128
كم أبدع الشعبُ وابتكرت قريحتُه

فلم يكن أجره إلاّ بأن قُمعا

يبني «سنمّارُ» قصراً لا تضارعه

قصور «عاد».. فلا يُجزى بما صَنعا.. !


يا حامدين لارض النيل فاتحها

وضاربين على خيل له قُرَعا

وناسبين له فضلاً ومنقبةً

وشاربين على نخب له جُرَعا

ناسين «عمْروا»، وسوطُ الجور في يده

يعاقب القوم أن بزّوا ابنه لُكعا

إن الولاة إذا لم يُنصفوا كُبتوا

لا يحرز السبقَ أعمى يشتكي ظَلَعا

يا للعتلّ !! يظن الدين مأدبةً

يصيب منها القِرى والرِيَّ والشبعا

وللزنيم !! وقد أقعى على شبَق

يستنزف اللذة الخرقاء والمتعا

وللجبان !! وقد أنجته عورتُهُ

لما أتاه «الفتى» بالسيف ملتمعا

وللدهاء !! وقد آتى «معاويةً»

حبلاً متينا شديد الازر.. فانقطعا.. !

كم من خبيث تفوت الغرَّ حيلتُه


الصفحة 129
وربَّ جان ثماراً وهو ما زرعا.. !

ذاك «ابن هند» وهذا «فرخ نابغة»

وكل طير على شكل له وقعا.. !

واهاً لشعب شقى دهرًا فأطربه

غرابُ بيْن بآي الله قد سجعا.. !

حطت به فوق وادي النيل مفتتحا

سقيفة سوقت قرآننا سلعا.. !

ما قيمة الفتح بالسيف الذي ذبحوا

به «حسينا» وآل البيت والشيعا.. ؟!


نبئت أن «عليّاً» يمتطي فرساً

وعنده الذكْر والصمصام قد جُمعا

وحوله فتية في قلبهم ورعٌ

تذاكروا «النهج» فازدادوا به ورعا

وشايعوا الال، آل البيت، واتخذوا

منازل الوحي مصطافاً ومرتبعا

وناشدوا الشمس خلف الغيم قائمةً

أن تخرق الغيم والاستار والقَزَعا

محجوبةً عنهمُ، مذخورةً لهُمُ

خلف السحاب الذي إن أوذن انقشعا

يا رُبّ باد إلى الابصار.. لم تَرَهُ

ورُبّ خاف بظهر الغيب قد سطعا !


الصفحة 130
متى تجليتَ يا مهديَّ أمتنا

و«طورُ سينينَ» من وجد به خشعا

أوإن ظهرت على«حوريبَ» فانصدعت

أركانه الشمُّ خوفاً منك أو طمعا

أو إن بلغت ضفافاً زغردت فرحا

و«عينُ شمس» تحيّي البدر أَن طلعا

تجدْ على النيل أكباداً مُحرَّقةً

من لاهب الشوق، والانجاب، والتبعا

ومنبراً مورق الاعواد شيده

قوم رأوا فيك صوت العدل مرتفعا

موطئون لامر الله، قد زحفوا

عرمرماً ثائر النقعاء مُدَّرِعا

فخض غمار الوغى، فالخيل شاخصةٌ

قد سدّت الافْق والوديان والتّلعا

وارفع لواء الهدى من بعد ما سقطت

رايات مُلك عضوض بادَ وانتُزعا

يا مَظهر الحق فوق الارض عاينه

أهل الكشوف.. (وما راء كمن سَمعا).. !

اظهر على ظهرها، واسلك مناكبها

واجعل من القفر روضاً زاهراً مَرِعا

لو ضاقت الارض ـ والافلاك قد خُلقت

لكم، ولولاكم الخلاق ما بَدَعا ـ


الصفحة 131
فاهبط بمصرَ التي فيها الذي سألوا

واسأل تجدْ أرضها الخضراء منتجعا

وانزل على الرحب تَسعدْ فيك أفئدةٌ

قد ملّت الحزن والالام والوجعا

فإن تروّت قلوب الشعب وامتلات

فانزل على العين، علّ العينَ أن تسعا !

يا عين قَرّي إذا ما الشمس قد ظهرت

واستشعريعا، فباب الغيب قد شُرعا

ليسا سواءًا.. صباح يزدهي أَلَقاً

وحالكُ الليل.. إن أعطى وإن مَنَعا.. !!

12/8/1997


الصفحة 132

(أيهذا المرصع باللازوَردي.. !!)

حملقي في المدى.. وانظري يا مدينهْ

عَلَّ عرسَ السماء يزف إلينا

من الغيب نجماً يصلي

وينثر فوق الحجاز غدًا ياسمينَهْ

واحفري بين عينيك بحرًا

بلا ضفتينِ..

وكوني الشواطىءَ..

كوني الموانيءَ

كوني جزيرة دفء

وحضناً وثيرًا..

لترسوَ فيه السفينهْ..

أقلع الصبح منذ الصباحِ

وأبحرت الشمس فجرًا إليكِ

وبات الحبيب يصوغ أماني الوصالِ

ويطلي بلون النهار جفونَهْ..

قد ضممناه بين الحنايا

رجاءً فريدًا..


الصفحة 133
وعشنا نهدهده في القلوبِ

ونمسح بالاقحوان جبينَهْ

قد عشقناه قبل الوصولِ

وبتنا على عتبات «الرضا»

نرقب القادمين إلى الارضِ

فوجاً.. ففوجاً

وهم يحملون خزائن أمّ الكتابِ

وذخرَ الكنوزِ الدفينَهْ

إنه الله أبدع وجهاً جميلاً

وسماه باسم النبيّ الكريمِ

وصلّى عليهِ

وكحّل بالمعجزاتِ عيونَهْ

فان لم يكنه «الجوادُ»..

فمن ذا يحق له في الورى

أن يكونَهْ.. !!


«مكةٌ» أرهفت سمعها

للنشيد المذهّبِ

.. والموج.. والوحي.. والمستحيلْ

أيهذا الصبيّ المتوج بالعلم والحُكمِ

يحمل في راحتيه النجومَ

ويخطو كما الحلم بين النخيلْ


الصفحة 134
أيهذا الموشح بالمخمل اليثربيِّ

يزقزق كالعندليب على الغصنِ

في دوحة المصطفى

          أيهذا الصبيّ الجميلْ.. !!

يا ابن «سبع» سما

فوق عرش الملوكِ

وخبّأ في مقلتيه الامامةَ

ثم تولى ليدفن بين ضلوع الثريّا

أباه القتيلْ..

من سيمتار قمحاً وماءًا

ويقصد باب «قريش»

ويمنح تلك المراعي صباها

ويرسم فوق خدود الخيامِ

اشتعال الشروقِ، وزهو المرايا

ووهج الحقولْ.. ؟!

قد تناءى عن «البيت» وجه القبيلةِ

في رحلة الموتِ

ثم استراحت قوافلنا عند «طوس»

وسوّت على العشب مهدًا طريًّا

لتسجد بين يديه الفصولْ

ما الذي يحدث الان لو أن «جبريلَ» يأتي

ويمثل بشراً سوياً نراهُ


الصفحة 135
وينفخ من روحه في قرانا

صدًى عبقريّاً

          فتنهض بعد الثبات الطويلْ !

مزقتنا حراب البوادي

وشقّت بطونَ الحواملِ

حتى استحمت بدمنا الحرامِ

رمالُ السهولْ..

أيّهذا الوليد هلالاً

يحلق في جنبات المساءِ

ويلمع فوق رموش الاصيلْ

كانت الخيل جمحت

على شاطىء الصمتِ

ثم ولدتَ..

فعاد الحجيج إلى كعبة الوجدِ

من كل فج عميق

وعادت لنا قبلتانا

وعادت إلينا الخيولْ

أيهذا «الجواد» المجنحُ

في عرصات الكرامِ

غمرت الوجود بفيض نداكَ

فلم تُبق في الكون شيئاً بخيلْ.. !

كانت الارض تطوي مدار السرابِ


الصفحة 136
فلما أتيتَ..

رأت فيك عيناً تفور حليباً،

وكوثر عسل، ودلتا، ونيلْ.. !

يا ابن «ماريّة» حسبُ «مصرَ» افتخارًا

بأن شايعتك حفيدًا

وحسب «الكنانة» أن صاهرت

جدك «المصطفى»..

          يا حفيد الرسولْ.. !!


هودج العشق يسري

على رفرف من حريرْ..

يخرق الستر في عالم الممكناتِ

ويُبصر وجه الملائكِ

في لجة النورِ..

ثم يلامس عرش الالهِ

ويرتاد مملكة السائحين

فيلقى النبيَّ.. ويلقى «عليًّا»

ويسبح في سلسبيل «حراء»

ويشرب من سُبُحات «الغديرْ»..

سدرة القدس تزهرُ من

غيث كفيك خصباً..

وتورق جودًا..


الصفحة 137
          يظلل هذا الصعيد الفقيرْ

يا «جواد الائمة» ميلادك

اجتاز كل المسافات حتى التجلّي..

فشفّ.. ورقَّ

ورش على كعبة الوالهين

الندى.. والعطورْ

«يثربٌ» لملمت حزنها

واستفاقت على بهجة العيدِ

لمّا ولجت «قُباءًا»..

وصليتَ فيه صلاة المسافرِ

نحو غد تشرق الشمس فيهِ

وتخضر صحراء «نجد»..

وتشدوا كروم «القطيفِ»..

وينشقّ بين جبال الجزيرةِ

ينبوع حُبٍّ..

وتجري البحورْ

أمّة تعلِكُ العوسج المرّ عشرين دهرًا

تناست ملامحها في الظلامِ

وأقفر تاريخها من رؤاهُ

فكن أنت فيه الحروف المضيئةَ

كن فيه حلماً نبيلاً

وكن أنت فيه السطورْ..


الصفحة 138
يا امتداد السّنا بين «طوس» و «بغدادَ»

عبر «المدينةِ»..

شابت نواصي الليالي

فهلاّ ترجلت يا سيدَ الفجرِ

حتى نصلي صلاة الصبا

ركعتين اثنتين.. !

فينهزم الشيب والعجز والليلُ

ثم نرفرف حول الشموعِ..

ونصبح في محضر العاشقينَ

فراشاً يطيرْ.. !

أيهذا الوليد المكلل بالغار

يخطر فوق الروابي

ويُهدي البساتين مجدًا

وينفح فصل الربيع رُواءًا

ويفرش عالمنا بالزهورْ..

أيهذا المرصع باللازورديِّ

واللوز.. والدرِّ..

يرفل في بردة من تراث الجِنانِ

ويمتد فيما وراء المكانِ

               وخلف الدهورْ

أيهذا المضمّخ بالمسكِ

يطلع من شرفات النبوة بين الرياحينِ


الصفحة 139
يحضن بين ذراعيه بشرى

                         وقاروة من عبيرْ

السماء أمامك مفتوحةٌ

فاعْلُ بالامة المستباحةِ

صوب المجراتِ..

وابزغ على الارض قسطاً وعدلاً

وهَدْياً.. ونورْ

أنت تاسع قدم تدبُّ

على مذبح العشقِ

نحو الخلاصِ..

ومامن وليد بِبيْت الرسالةِ

إلاّ تجلت بميلادهِ

جَلوةٌ من معاني الظهورْ.. !!

1/11/1997


الصفحة 140

(خراسان في ضوء القمر)

على باب «طوسَ» توقفت القافلهْ

تحمل الفجر والمجد والغيثَ

للتربة القاحلهْ..

ثم دقت خيامَ النبوةِ

               فوق السهولِ

وربطت خيول الامامةِ

               في حلقات الاصيلِ

وأذّن صوت لها في المدينةِ

حتى غدت آهلهْ..

شوقها كان أن تشرب الارضُ عسلاً

                    وتنبت فرحاً وأملاً

وشوق «الخليفةِ» كانَ

                    بأن يسقيَ «البدرَ» سُمًّا

                    فيغربَ خلف التلالِ

ويخفتَ في الغربة القاتلهْ.. !


لم يكن ليل «طوسَ» لينجابَ


الصفحة 141
               إلاّ بهذا القمرْ..

لم تكن كل تلك الرياض لتخضرَّ إلاّ

بمقدم ركب الربيعِ

               وعرس المطرْ..

لم تكن كل تلك السراديب تُضحي

                    وجوداً منيرًا

                    وكوناً كبيرًا

بغير الوصالِ

وغير وصول الصباح على

               صهوة الشمس بعد السفرْ..

ألا أيها الفارس المنتمي

               للبزوغ الجليلِ

أتيت تصارع فزع الغروبِ

وترفض أن يستبيح الظلامُ النهارَ

               فتعشَى عيونُ الطيورِ

               وتعمى قلوبُ البشرْ..

فيا ليتني كنت سيفاً

لقطّعت تلك الايادي

فلم تزرع السمَّ بين الورودِ