من فضائل الإمام من القرآن الكريم
لعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هناك من الآيات القرآنية الكريمة التي نزلت في حق الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - ومن المفروض أن نتعرض لها، قبل الحديث الشريف، غير أننا نعتمد في هذه الآيات الكريمة على التأويل، والاستدلال بروايات ذكرت في أسباب النزول لهذه الآيات الكريمة، ومن ثم فعمادنا هنا قول علماء التفسير وأئمته - وليس قول جدنا ومولانا وسيدنا النبي المعصوم، صلى الله عليه وسلم - والمعروف أن تلك اجتهادات، وفوق كل ذي علم عليم، هذا فضلا عن أن كثيرا من الآراء التي دارت حول الإمامة لم تظهر على أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ظهرت بعد أن تكونت نظريات الفرق المختلفة حول الإمامة.
وأما هذه الآيات - غير آية المباهلة وآية المودة وغيرهما من الآيات التي تعرضنا لها من قبل - فسنذكر الآيات الكريمة التالية: -
1 - آية البقرة 207:
قال الله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله * والله رؤوف بالعباد).
روى الإمام القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن): قيل: نزلت في علي رضي الله عنه، حين تركه النبي صلى الله عليه وسلم، على فراشه، ليلة خرج إلى الغار (1).
____________
(1) تفسير القرطبي ص 829.
(فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل عليهما السلام: أني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر) فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله عز وجل إليهما، أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟
آخيت بينه وبين نبيي محمد، فبات على فراشه، يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض، فاحفظاه من عدوه، فنزلا، فكان جبريل عند رأس علي، وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب، يباهي الله عز وجل به الملائكة؟ فأنزل الله عز وجل على رسوله - وهو متوجه إلى المدينة - في شأن علي (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) (1).
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن سيدنا الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين، عليهما السلام، قال: إن أول من شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله، علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقال علي عليه السلام، عند مبيته على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم:
____________
(1) أسد الغابة 4 / 103 - 104.
(2) المستدرك للحاكم 3 / 4، فضائل الخمسة 2 / 311 - 312.
2 - آية البقرة 274:
قال الله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية * فلهم أجرهم عند ربهم * ولا خوف عليهم * ولا هم يحزنون).
وقال القرطبي في تفسيره: روي عن ابن عباس أنه قال: نزلت في علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، كانت معه أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهم سرا، وبدرهم جهرا (1).
وفي تفسير المنار: وأخر عبد الرازق وابن جرير وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنها نزلت في علي، كرم الله وجهه، كانت له أربعة دراهم، فأنفق بالليل درهما، وبالنهار درهما، وسرا درهما وعلانية درهما.
وفي رواية الكبي: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا؟ قال، حملني أن استوجب علي الله الذي وعدني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا إن ذلك لك) (3).
وروى ابن كثير في تفسيره (تفسير القرآن العظيم) بسنده عن ابن جبير عن أبيه قال: كان لعلي أربعة دراهم فأنفق درهما ليلا، ودرهما نهارا، ودرهما سرا، ودرهما علانية، فنزلت (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار * سرا وعلانية) - وكذا رواه ابن جرير، من طريق عبد الوهاب بن مجاهد، وهو ضعيف، لكن رواه ابن مردويه، من وجه آخر عن ابن عباس، أنها نزلت في علي بن أبي طالب (2).
وروى المحب الطبري في الرياض النضرة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار * سرا وعلانية)، قال:
نزلت في علي بن أبي طالب، كانت معه أربعة دراهم، فأنفق في الليل درهما،
____________
(1) تفسير المنار 3 / 77.
(2) تفسير ابن كثير 1 / 487.
وتابع ابن عباس مجاهد وابن النائب ومقاتل (1).
وروى الزمخشري في تفسيره: وعن ابن عباس: أنزلت في علي، لم يملك إلا أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلا، وبدرهم نهارا، وبدرهم سرا، وبدرهم علانية (2).
وذكره السيوطي في تفسيره (الدر المنثور في التفسير بالمأثور)، وقال:
أخرجه عبد الرازق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن عساكر، وذكره الهيثمي في مجمعه (4).
وروى ابن الأثير في أسد الغابة (4) بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى:
(الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية) قال: نزلت في علي بن أبي طالب، كان عنده أربعة دراهم، فأنفق في الليل واحدا، وفي العلانية واحدا.
ورواه عفان بن مسلم عن وهيب عن أيوب عن مجاهد عن ابن عباس مثله.
وروى الواحدي في أسباب النزول بسنده عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال: كان لعلي رضي الله عنه، أربع دراهم، فأنفق درهما بالليل، ودرهما بالنهار، ودرهما سرا، ودرهما علانية، فنزلت (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار * سرا وعلانية).
____________
(1) الرياض النضرة 2 / 273.
(2) تفسير الزمخشري 1 / 126 (المطبعة البهية المصرية - القاهرة 1343 هـ / 1925 م).
(3) مجمع الزوائد 6 / 324، فضائل الخمسة 1 / 275.
(4) أسد الغابة 4 / 104.
3 - آية المجادلة 12:
قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة * ذلك خير لكم وأطهر * فإن لم تجدوا * فإن الله غفور رحيم).
وفي تفسير ابن كثير: قال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: نهوا عن مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تصدقوا، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب، قدم دينار صدقة تصدق به، ثم ناجى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن عشر خصال، ثم أنزلت الرخصة.
وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد، قال علي رضي الله عنه: آية في كتاب الله عز وجل، لم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، كان عندي دينار، فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا ناجيت صلى الله عليه وسلم، تصدقت بدرهم، فنسخت، ولم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، ثم تلا هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) - الآية.
وروى ابن جرير بسنده عن علي بن علقمة الأنصاري عن علي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ما ترى، دينار؟ قال: لا يطيقون، قال: نصف دينار؟
قال: لا يطيقون، قال: ما ترى؟ قال: شعيرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لزهيد، قال: فنزلت: (أأشفقتم أن تقدموا بين نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا وتاب الله
____________
(1) أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري: أسباب النزول ص 58 (ط الحلبي - القاهرة 1388 هـ / 1968 م).
وروى الترمذي بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) - إلى آخرها، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ما ترى، دينار، قال: لا يطيقونه، وذكره بتمامه مثله - ثم قال هذا حديث حسن غريب، ثم قال: ومعنى قوله شعيرة:
يعني وزن شعيرة من ذهب (1).
ورواه الفخر الرازي في التفسير الكبير، ورواه الطبري في تفسيره، والمتقي الهندي في كنز العمال، وقال: أخرجه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، والدورقي، وابن حبان، وابن مردويه وسعيد بن منصور.
وذكره السيوطي في تفسيره، والمحب الطبري في ذخائره، وقال: أخرجه أبو حاتم (2).
وروى الترمذي في صحيحه بسنده عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: لما نزلت (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة)، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ما ترى دينار؟ قلت: لا يطيقونه، قال:
فنصف دينار، قلت: لا يطيقونه، قال: فكم، قلت: شعيرة، قال: إنك لزهيد، قال: فنزلت (أأشفقتم أن تقدموا بين نجواكم صدقات) - الآية، قال: فبي خفف الله عن هذه الأمة - قال الترمذي: ومعنى قوله: شعيرة، يعني وزن شعيرة من ذهب (3).
وروى النسائي في الخصائص بسنده عن علي بن علقمة عن علي رضي الله
____________
(1) تفسير ابن كثير 4 / 509 - 510، تحفة الأحوذي 9 / 192.
(2) تفسير الطبري 28 / 15، كنز العمال 1 / 268، ذخائر العقبى ص 109.
(3) صحيح الترمذي 2 / 227.
وروى الإمام الطبري في تفسيره (2) بسنده عن ليث عن مجاهد قال قال علي عليه السلام: (إن في كتاب الله عز وجل الآية، ما عمل أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي) (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة)، قال: فرضت، ثم نسخت.
وذكره الفخر الرازي في تفسيره، وقال في آخره: وروى ابن جريج والكلبي وعطاء عن ابن عباس: أنهم نهوا عن المناجاة حتى يتصدقوا، فلم يناجه أحد، إلا علي، تصدق بدينار، ثم نزلت الرخصة، وقال القاضي:
والأكثر في الروايات على أن علي بن أبي طالب تفرد بالتصدق قبل المناجاة، ثم ورد النسخ، وإن كان قد روي أيضا أن أفاضل الصحابة وجدوا الوقت، وما فعلوا ذلك.
وروى الواحدي في أسباب النزول: وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن في كتاب الله الآية ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول) - الآية، كان لي دينار فبعته، وكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفد، فنسخت بالآية الأخرى، (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) (3).
____________
(1) تهذيب الخصائص ص 85 - 86.
(2) تفسير الطبري 28 / 14.
(3) الواحدي: أسباب النزول ص 276.
وعن ابن عمر: لعلي ثلاث، ولو كانت لي واحدة منهن، أحب إلي من حمر النعم، تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوى (1).
وروى المحب الطبري في الرياض النضرة عن علي عليه السلام أنه قال:
آية في كتاب الله عز وجل لم يعمل بها أحد بعدي، آية النجوى، كان لي دينار، فبعته بعشرة دراهم، فلما أردت أن أناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدمت درهما، فنسختها الآية الأخرى (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات).
قال أخرجه ابن الجوزي في أسباب النزول.
وروى النسفي (2) في تفسيره (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) قال علي رضي الله عنه: هذه آية من كتاب الله ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، كان لي دينار فصرفته، فكنت إذا ناجيته صلى الله عليه وسلم، تصدقت بدرهم، وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشر مسائل، فأجابني عنها، قلت: يا رسول الله، ما الوفاء، قال: التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله، قلت: وما الفساد؟ قال: الكفر والشرك بالله، قلت: وما الحق؟ قال: الإسلام والقرآن والولاية إذا انتهت إليك، قلت: وما الحيلة؟ قال: ترك الحيلة، قلت: وما علي؟ قال: طاعة الله وطاعة رسوله، قلت: وكيف أدعو الله تعالى؟ قال: بالصدق واليقين، قلت: وماذا أسأل الله؟ قال: العافية، قلت: وما أصنع لنجاة نفسي؟ قال: كل حلالا، وقل
____________
(1) تفسير الزمخشري 2 / 443.
(2) تفسير النسفي 4 / 235.
وفي تفسير الظلال: وقد عمل بهذه الآية الإمام علي - كرم الله وجهه - فكان معه - كما روي عنه - دينار، فصرفه دراهم، وكان كلما أراد خلوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، لأمر، تصدق بدرهم، ولكن الأمر شق على المسلمين، وعلم الله ذلك عنهم، وكان الأمر قد أدى غايته، وأشعرهم بقيمة الخلوة التي يطلبونها، فخفف الله عنهم، ونزلت الآية التالية (أأشفقتم......) برفع التكليف، وتوجيههم إلى العبادات والطاعات المصلحة للقلوب (1).
وفي تفسير القرطبي: روى الترمذي بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة)، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ما ترى، دينارا؟ قلت: لا يطيقونه، قال: فنصف دينار؟ قلت: لا يطيقونه، قال: فكم؟ قلت: شعيرة، قال: إنك لزهيد، قال: فنزلت: (أأشفقتم أن تقدموا بين نجواكم صدقات) - الآية، قال: فبي خفف الله عن هذه الأمة.
وروي عن مجاهد: أن أول من تصدق في ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وناجى النبي صلى الله عليه وسلم، وروي أنه تصدق بخاتم.
وذكر القشيري وغيره عن علي بن أبي طالب أنه قال: في كتاب الله عز وجل آية ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، وهي (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة)، كان لي دينار فبعته، فكنت إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفد، فنسخت بالآية الأخرى (أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) - الآية. وكذلك قال ابن عباس: نسخها الله بالآية التي بعدها. وقال ابن عمر: لقد كانت لعلي
____________
(1) في ظلال القرآن 6 / 3512.
4 - آية الحاقة 12:
قال الله تعالى: (وتعيها أذن واعية)، قال السيوطي في تفسيره: أخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن مكحول قال: لما نزلت (وتعيها أذن واعية) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سألت ربي أن يجعلها أذن علي)، قال مكحول فكان علي يقول: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، شيئا فنسيته.
وروى الواحدي في أسباب النزول: حدثنا أبو بكر التميمي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، أخبرنا الوليد بن أبان، أخبرنا العباس الدوري، أخبرنا بشر بن آدم، أخبرنا عبد الله بن الزبير قال: سمعت صالح بن هشيم يقول:
سمعت بريدة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعلي: إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك وتعي، وحق على الله أن تعي، فنزلت (وتعيها أذن واعية) (2).
وروى الإمام الطبري في تفسيره بسنده عن بريدة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: يا علي، إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك وأن تعي، وحق على الله أن تعي - فنزلت (وتعيها أذن واعية) (3) - كما رواه بطريق آخر عن بريدة الأسلمي باختلاف يسير (4).
وروى الإمام الطبري أيضا عن مكحول يقول: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وتعيها أذن واعية)، ثم التفت إلى علي عليه السلام، فقال: سألت الله أن
____________
(1) تفسير القرطبي ص 6472.
(2) أسباب النزول ص 294.
(3) تفسير الطبري 29 / 35.
(4) تفسير الطبري 29 / 36.
وروى الزمخشري في الكشاف عن النبي صلى الله عليه وسلم، عند نزول هذه الآية (وتعيها أذن واعية)، سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي، قال علي رضي الله عنه: (فما نسيت شيئا بعد، وما كان لي أن أنسى) (2) - وروى الفخر الرازي مثله في تفسيره كالكشاف.
وروى الحافظ ابن كثير في تفسيره (3): قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة الدمشقي، حدثنا العباس بن الوليد بن صبيح الدمشقي، حدثنا زيد بن يحيى، حدثنا علي بن حوشب: سمعت مكحولا يقول: لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وتعيها أذن واعية)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سألت ربي أن يجعلها أذن علي)، قال مكحول: فكان علي يقول: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، شيئا قط، فنسيته.
وروى ابن كثير أيضا في التفسير قال قال ابن أبي حاتم أيضا: حدثنا جعفر بن محمد بن عامر، حدثنا بشير بن آدم حدثنا عبد الله بن الزبير أبو محمد - يعني والد أبي أحمد الزبيري، حدثني صالح بن الهشيم، سمعت بريدة الأسلمي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعلي: إني أمرت أن أدنيك، ولا أقصيك، وأن أعلمك وأن تعي، وحق لك أن تعي، قال: فنزلت هذه الآية (وتعيها أذن واعية).
قال ابن كثير: ورواه ابن جرير عن محمد بن خلف عن بشر بن آدم، به - ثم رواه ابن جرير من طريق آخر عن داود الأعمى عن بريدة، به (4).
____________
(1) تفسير الطبري 29 / 35.
(2) تفسير الكشاف 2 / 485.
(3) تفسير ابن كثير 4 / 647 (دار الكتب العلمية - بيروت 1406 هـ / 1986 م).
(4) تفسير ابن كثير 4 / 647.
وعن الحسن (البصري) نحوه، ذكره الثعلبي قال: لما نزلت (وتعيها أذن واعية) قال النبي صلى الله عليه وسلم: سألت ربي أن يجعلها أذنك يا علي، قال علي: فوالله ما نسيت شيئا بعد، ما كان لي أن أنسى.
وقال أبو برزة الأسلمي، قال النبي صلى الله عليه وسلم، لعلي: يا علي، إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وحق على الله أن تعي (1).
وفي التفسير (الدر المنثور) للسيوطي قال: وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن مكحول قال: لما نزلت (وتعيها أذن واعية)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألت ربي أن يجعلها أذن علي، قال مكحول: فكان علي يقول: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، شيئا فنسيته.
وقال أيضا: وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي، وابن مردويه وابن عساكر وابن النجار، عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وحق لك أن تعي، فنزلت هذه الآية (وتعيها أذن واعية) (2).
وروى الهيثمي في مجمعه عن أبي رافع، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لعلي بن أبي طالب، عليه السلام: إن الله أمرني أن أعلمك، ولا أجفوك، وأن أدنيك، ولا أقصيك، فحق علي أن أعلمك، وحق عليك أن تعي.
____________
(1) تفسير القرطبي ص 6743.
(2) فضائل الخمسة 2 / 273 - 274.
وروى الحافظ أبو نعيم في حليته قال: حدثنا محمد بن مسلم، حدثني أبو محمد القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله، حدثني أبي عن أبيه جعفر عن أبيه محمد بن عبد الله عن أبيه محمد عن أبيه عمر عن أبيه علي قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي، إن الله أمرني أن أدنيك، وأعلمك لتعي، وأنزلت هذه الآية (وتعيها أذن واعية)، فأنت أذن واعية لعلمي) (3).
وروى أبو نعيم بسنده عن سليمان الأحمسي عن أبيه عن علي قال: والله ما نزلت آية، إلا وقد علمت فيما أنزلت، وأين أنزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا سؤالا (4).
وعن أبي البختري قال: سئل علي عن نفسه، فقال: كنت إذا سئلت أعطيت، وإذا سكت أبتديت (5).
وعن المنهال بن عمرو عن التميمي عن ابن عباس قال: كنا نتحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم: عهد إلى علي سبعين عهدا، لم يعهد إلى غيره (6).
وفي نور الأبصار: عن مكحول عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قول الله تعالى: (وتعيها أذن واعية) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي، ففعل، فكان علي، رضي الله عنه يقول: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلاما، إلا وعيته وحفظته، ولم أنسه (7).
____________
(1) مجمع الزوائد 1 / 131.
كنز العمال 6 / 398.
(3) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 1 / 67 (دار الفكر - بيروت).
(4) حلية الأولياء 1 / 67 - 68.
(5) حلية الأولياء 1 / 68.
(6) حلية الأولياء 1 / 68.
(7) نور الأبصار ص 78.
قال: أخرجه الضياء المقدسي وابن مردويه (1)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2).
ورواه ابن المغازلي في مناقب علي رضي الله عنه عن مكحول مرسلا، وابن المؤيد في فرائد السمطين (3).
5 - آية الرعد 7:
قال الله تعالى: (إنما أنت منذر * ولكل قوم هاد).
روى السيوطي في تفسيره: أخرج ابن جرير، وابن مردويه، والديلمي، وابن عساكر، وابن النجار، وأبو نعيم في المعرفة، أنه لما أنزلت آية (إنما أنت منذر * ولكل قوم هاد)، وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يده على صدره، فقال: أنا المنذر، وأومأ بيده إلى منكب علي، رضي الله تعالى عنه، فقال: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي.
وأخرج ابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرأ (إنما أنت منذر)، ووضع يده على صدره، ثم وضعها على صدر علي، وهو يقول (ولكل قوم هاد).
وأخرج ابن مردويه، والضياء في المختارة عن ابن عباس في الآية، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المنذر أنا، والهادي علي بن أبي طالب).
____________
(1) كنز العمال 6 / 408.
(2) معرفة الصحابة 1 / 306 - 307.
(3) ابن المغازلي: مناقب علي - رضي الله عنه ص 265، 319، فرائد السمطين 1 / 198 - 200.
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي عليه السلام (إنما أنت منذر * ولكل قوم هاد)، قال علي عليه السلام:
رسول الله صلى الله عليه وسلم، المنذر، وأنا الهادي. قال: هذا حديث صحيح الإسناد (1).
وروى المتقي الهندي في كنز العمال، قال: أنا المنذر، وعلي الهادي، وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي - قال أخرجه الديلمي عن ابن عباس (2) - كما ذكره المناوي في كنوز الحقائق، والشبلنجي في نور الأبصار (3).
وفي تفسير الطبري عن يحيى بن رافع في قوله تعالى: (إنما أنت منذر * ولكل قوم هاد)، قال: قال قائد، وقال آخرون هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وعن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت (إنما أنت منذر * ولكل قوم هاد) وضع صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال: أنا المنذر، ولكل قوم هاد، وأومأ بيده إلى منكب علي، فقال: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون بعدي (4).
وفي تفسير ابن كثير: قال أبو جعفر بن جرير: حدثني أحمد بن يحيى
____________
(1) المستدرك للحاكم 3 / 129، كنز العمال 1 / 251، مجمع الزوائد 7 / 41، محمد بيومي مهران:
الإمام علي بن أبي طالب 2 / 263 - 264 (دار النهضة العربية - بيروت 1990).
(2) كنز العمال 6 / 157.
(3) كنوز الحقائق ص 42، نور الأبصار ص 78.
(4) تفسير الطبري 16 / 356 - 357 دار المعارف - القاهرة 1969).
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا المطلب بن زياد عن السدي عن عبد خير علي (إنما أنت منذر * ولكل قوم هاد) قال: الهادي رجل من بني هاشم، قال الجنيد: هو علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عباس في إحدى الروايات، وعن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر، نحو ذلك (1).
6 - آية السجدة 18:
قال الله تعالى: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون).
قال السيوطي في الدر المنثور: أخرج الواحدي وابن عدي وأبو الفرج الأصفهاني وابن مردويه والخطيب وابن عساكر، عن ابن عباس أنه قال: قال الوليد بن عقبة لعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه: أنا أحد منك سنانا، وأبسط منك لسانا، وأملأ للكتيبة منك، قال له علي رضي الله عنه: أسكت يا فاسق، فنزلت الآية (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون)، يعني بالمؤمن عليا وبالفاسق الوليد.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير، عن عطاء بن يسار قال: نزلت في المدينة في علي بن أبي طالب، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، كان بين علي والوليد كلام، فقال الوليد: أنا أبسط منك لسانا، وأحد منك سنانا، وأورد منك
____________
(1) تفسير ابن كثير 2 / 776، وانظر تفسير الآية في التفسير الكبير للفخر الرازي.
وأخرج ابن أبي خاتم عن عبد الرحمن أبي ليلى قال: إن آية (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) - نزلت في علي بن أبي طالب، والوليد بن عقبة (1).
وروى الطبري في تفسيره في قول الله تعالى: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) بسنده عن عطاء بن يسار قال: نزلت في المدينة في علي بن أبي طالب، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، كان بين الوليد وبين علي عليه السلام كلام، فقال الوليد: أنا أبسط منك لسانا، وأحد منك سنانا، أورد منك للكتيبة، فقال علي عليه السلام: أسكت فإنك فاسق، فأنزل الله فيهما (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون * أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كان يعملون * وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها * وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) (2).
وفي تفسير القرطبي: قال ابن عباس، وعطاء بن يسار: نزلت الآية في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط، وذلك أنهما تلاحيا، فقال له الوليد: أنا أبسط منك لسانا، وأحد سنانا، وأورد للكتيبة - وروى أملأ للكتيبة - جسدا، فقال له علي: أسكت، فإنك فاسق، فنزلت الآية.
وذكر الزجاج والنحاس: أنها نزلت في علي وعقبة بن معيط، قال ابن عطية: وعلى هذا يلزم أن تكون الآية مكية، لأن عقبة لم يكن بالمدينة، وإنما قتل في طريق مكة منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، من بدر.
____________
(1) أنظر (محمد بيومي مهران: الإمام علي بن أبي طالب 2 / 266 - 267).
(2) سورة السجدة: آية 18 - 20، تفسير الطبري 21 / 68.
وفي تفسير ابن كثير: عن عطاء بن يسار، والسدي وغيرهما: أنها نزلت في علي بن أبي طالب وعقبة بن أبي معيط (2).
وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عباس في قوله تعالى:
(أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا)، قال: أما المؤمن فعلي بن أبي طالب عليه السلام، وأما الفاسق فعقبة بن أبي معيط، وذلك لأسباب كان بينهما، فأنزل الله ذلك (3).
وروى الخطيب البغدادي في تاريخه بسنده عن ابن عباس: أن الوليد بن عقبة قال لعلي بن أبي طالب: ألست أبسط منك لسانا، وأحد منك سنانا، وأملأ منك حشوا؟ فأنزل الله تعالى: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) (4).
وروى الواحدي في أسباب النزول أنها نزلت في علي بن أبي طالب بن عقبة، روى بسنده عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة بن أبي معيط، لعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه: أنا أحد منك سنانا، وأبسط منك لسانا، وأملأ للكتيبة منك،
____________
(1) تفسير القرطبي ص 5187 - 5188.
(2) تفسير ابن كثير 3 / 736.
(3) فضائل الخمسة من الصحاح الستة 2 / 629.