الصفحة 451
والبخاري أعرض عنه بخلاف أحاديث الأنصار... وأهل العلم شكوا في حديث علي (1). ولم يذكر الشيخ من هم أهل العلم الذين شكوا في أحاديث الإمام مسلم؟ ولو صح هذا لانهدم جانب كبير من السنة، وقال الشيخ أيضا في حديث الثقلين كتاب الله فذكر كتاب الله وحض عليه ثم قال: وعترتي أهل بيتي أذكركم الله - ثلاثا. قال الشيخ: هذا مما انفرد به مسلم ولم يروه البخاري، والحديث الذي رواه مسلم إذا كان النبي قد قاله، فليس فيه إلا الوصية باتباع كتاب الله، وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك، وهو لم يأمر باتباع العترة!! (2).

وإذا كان ابن تيمية يرد كل شئ إلى البخاري ويشكك في الحديث الذي يرويه مسلم ولم يروه البخاري، فإننا نجده يشكك في البخاري نفسه عندما روى حديثا لم يصادف هوى ابن تيمية. روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ويح عمار. تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار "، فقال الشيخ: حديث عمار " تقتلك الفئة الباغية "، رواه مسلم ورواه البخاري، ولكن البخاري في كثير من النسخ لم يذكره تاما (3). وعندما لم يجد مفرا قال: ولكن لا يختلف أهل العلم بالحديث أن هذه الزيادة " يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار " هي في الحديث (4). لقد وضع الشك أولا ليتأرجح الباحث بين الحقيقة والخيال. وشكك أيضا في أقوال أحمد بن حنبل فقال:

وأحمد بن حنبل لم يقل إنه صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره، بل أحمد أجل من أن يقول مثل هذا الكذب (5). وشكك في حديث " وأنذر عشيرتك الأقربين " الذي رواه أحمد وغيره بسند صحيح كما ذكرنا من قبل، وطعن في الترمذي والنسائي وقال: رويا أحاديث ضعيفة في فضل

____________

(1) منهاج السنة ص 40 / 4.

(2) منهاج السنة 85 / 4.

(3) منهاج السنة 210 / 2.

(4) المصدر السابق 211 / 2.

(5) المصدر السابق 99 / 4.

الصفحة 452
علي (1)، وطعن في تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم والثعلبي والبغوي (2).

والواحدي وابن حميد وعبد الرزاق (3)، وأبي نعيم (4) والكلبي (5) والديلمي (6) والحاكم وابن عبد ربه وابن عقدة (7) وابن خلويه (8) وابن عساكر (9) وابن إسحاق (10) وجريمة هؤلاء جميعا في نظر ابن تيمية أنهم رووا أحاديث في فضل أهل البيت. حتى أنه قال في الحديث الذي رواه الإمام أحمد بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد حسن وحسين وقال: من أحبني وأحب هذين وآباهما وأمهما فهو معي في درجتي يوم القيامة "، قال الشيخ:

وبتقدير أن يكون أحمد روى الحديث فمجرد رواية أحمد لا توجب أن يكون صحيحا يجب العمل به، بل الإمام أحمد روى أحاديث كثيرة ليعرف ويبين للناس ضعفها!! (11) مما سبق نعلم أن الشيخ لجم العقل ولم يجعل فيه نافذة مفتوحة إلا لاستقبال رأيه فقط، ونحن فيما سبق دعونا الله أن يرحم العلماء الذين جمعوا لنا الحديث لأنهم بهذا العمل وضعوا أمام العقل في كل مستقبل المادة الغزيرة التي من خلالها يتم البحث عن الحقيقة، ولكن الأمر مختلف عن ابن تيمية. لقد جاهد من أجل أن يري الناس ما يراه مبينا لهم أن أي حديث لا يعرفه هو فليس بحديث، وعلى أي حال إذا كانت هذه المحاولة قد حققت نجاحا في فترة من

____________

(1) المصدر السابق 48 / 4.

(2) المصدر السابق 80 / 4.

(3) المصدر السابق 4 / 4.

(4) المصدر السابق 10 / 4.

(5) المصدر السابق 18 / 4.

(6) المصدر السابق 38 / 4.

(7) المصدر السابق 99 / 4.

(8) المصدر السابق 106 / 4.

(9) المصدر السابق 111 / 4.

(10) المصدر السابق 48 / 4.

(11) المصدر السابق 106 / 4.

الصفحة 453
الزمان، ألا أنه بالتأكيد لن يكتب له الخلود.

* ويقتضي الأمر أن نبين رأي المعتزلة في الأحداث كما بينا الرأي السلفي الذي يمثله ابن تيمية. يقول ابن أبي الحديد المعتزلي.

فأما علي كرم الله وجهه فإنه عندنا بمنزلة الرسول في تصويب قوله والاحتجاج بفعله ووجوب طاعته، ومتى صح عنه أنه قد برئ من أحد من الناس برئنا منه كائنا من كان، ولكن الشأن في تصحيح ما يروى عنه فقد كثر الكذب عليه... وأما براءته كرم الله وجهه من المغيرة وعمرو بن العاص ومعاوية فهو عندنا معلوم جار مجرى الأخبار المتواترة، فلذلك لا يتولاهم أصحابنا، ولا يثنون عليهم، وهم عند المعتزلة في مقام غير محمود (1)، وقال ابن أبي الحديد:

فأما الأفاضل من المهاجرين والأنصار الذين ولوا الإمامة قبله فلو أنه أنكر إمامتهم وغضب عليهم وسخط فعلهم فضلا عن أن يشهر عليهم السيف أو يدعو إلى نفسه لقلنا: إنهم من الهالكين كما لو غضب عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " حربك حربي وسلمك سلمي " وقال: " اللهم والي من والاه وعادي من عاداه "، وقال: " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق "، ولكنا رأيناه رضي إمامتهم فلم يكن لنا أن نتعدى فعله ولا نتجاوز ما اشتهر عنه، إلا ترى أنه لما برئ من معاوية برئنا منه ولما لعنه لعناه، ولما حكم بضلال أهل الشام ومن كان فيهم من بقايا الصحابة كعمرو بن العاص وعبد الله ابنه وغيرهما حكمنا أيضا بضلالهم، والحاصل: أنا لم نجعل بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم إلا رتبة النبوة.

وأعطيناه كل ما عدا ذلك من الفضل والمشترك "، ولم نطعن في أكابر الصحابة الذين لم يصح عندنا أنه طعن فيهم، وعاملناهم بما عاملهم به (2).

قال ابن أبي الحديد: لو نازع عقب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسل سيفه لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدم عليه، كما حكمنا بهلاك

____________

(1) شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد 764 / 5.

(2) المصدر السابق 881 / 5.

الصفحة 454
من نازعه حين أظهر نفسه، ولكنه مالك الأمر وصاحب الخلافة، إذا طلبها وجب علينا القول تنسيق من ينازعه فيها، وإذا أمسك عنها وجب القول بعدالة من أغضى له عليها، وحكمه في ذلك حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنه قال: " علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار " وقال له غير مرة: " حربك حربي وسلمك سلمي " وهذا المذهب هو أعدل المذاهب عندي وبه أقول (1).

وقال: ومذهب أصحابنا من البغداديين أنه الأفضل والأحق بالإمامة وأنه لولا ما يعلمه الله ورسوله من أن الأصلح للمكلفين من تقديم المفضول عليه لكان من تقدم عليه هالكا، فرسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره أن الإمامة حقه، وأنه أولى بها من الناس أجمعين، وأعلمه أنه في تقديم غيره وصبره على التأخر عنها مصلحة راجعة إلى المكلفين، وأنه يجب عليه أن يمسك عن طلبها ويغض عنها لمن هو دون مرتبته، فامتثل ما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يخرجه تقدم من تقدم عليه من كونه الأفضل والأولى والأحق (2).

ومعنى هذا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من كنت مولاه فعلي مولاه " فيه إشارة إلى مخاطبة دائرة الاختيار والإرادة عند الصحابة. بمعنى إذا أردتم سلوك طريقي والنجاة من الفتن التي حدثتكم عنها فهذا هو طريق ولا إجبار في دين الله، وهذا أصل في حكمة الوجود وخلافة الوجود وخلافة الإنسان في الأرض، فحركة الإنسان تدور في فلك عظيم لينظر الله كيف يعملون ويترتب على هذا العمل إما الثواب وإما العقاب وليس معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من كنت مولاه فعلي مولاه " أنه اكتفى بمخاطبة دائرة الاختيار عن الصحابة، لا فلقد روى في أحاديث صحيحة قوله: " فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي " فهناك خاطب ملكة الاختيار وهنا ثبت الأمر في هذه الملكة.

وقال ابن أبي الحديد في حروب الإمام: كان لا يستعمل في حربه إلا ما

____________

(1) المصدر السابق 480 / 1.

(2) المصدر السابق 480 / 1.

الصفحة 455
وافق الكتاب والسنة، وكان معاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنة ويستعمل جميع المكايد حلالها وحرامها ويسير في الحرب بسيرة ملك الهند إذا لاقى كسرى، وعلي يقول: لا تبدأوهم بالقتال حتى يبدأوكم ولا تتبعوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تفتحوا بابا مغلقا.. فعلي كان ملجما بالورع من جميع القول إلا ما هو لله عز وجل رضا، وممنوع اليدين من كل بطش إلا ما هو لله رضا، ولا يرى الرضا إلا فيما يرضاه الله ويحبه، ولا يرى الرضا إلا فيما دل عليه الكتاب والسنة (1).

وبعد أن ألقينا شعاعا من الضوء على رأي المعتزلة في الخطوط العريضة للأحداث نقدم هنا رأي الأستاذ سيد قطب صاحب " في ظلال القرآن " ورأيه الذي سنقدمه جاء في كتاب " كتب وشخصيات " (2)، وفي هذا الكتاب يعلق سيد قطب على بعض الكتب المختارة فيقول: حلقة من سلسلة (اقرأ) استعرض فيها الأستاذ شفيق جبري بعض الواقف والمواقع من تاريخ صدر الإسلام وتاريخ بني أمية مبرزا فيها العنصر النفسي الذي قامت عليه ليكشف عن دراية صاحب الموقف أو الموقعة بذلك العنصر النفسي أو عدم درايته وعن أثر العلم بهذا العنصر أو الجهل به في هذا الموقف أو الموقعة، ويقول سيد قطب عن إحدى ملاحظات الكاتب:

" أما الملاحظة الثانية فتبدو على أتمها في الحكم على موقف عمر بن الخطاب من العهد بالخلافة، وندع المؤلف يبين رأيه في هذه السطور: " مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي قبض فيه، فأمر أبا بكر أن يصلي، بالناس... ثم كان أمر السقيفة ما كان... ثم مرض أبو بكر المرض الذي مات فيه، فاستخلف على المسلمين عمر بن الخطاب، ثم طعن عمر، فدخلوا عليه وهو في البيت وسألوه أن يستخلف عليهم، فجعل الخلافة شورى بين هؤلاء الستة من المهاجرين الأولين... وكل هذا يدل على الارتباك، ولقد كانت هذه

____________

(1) المصدر السابق 529 / 3.

(2) كتب وشخصيات / سيد قطب ط دار الشروق.

الصفحة 456
الطريقة سبيلا إلى المخاصمة، فقد تشاح أصحاب الشورى على الخلافة، وأخروا إبرام الأمر، ورجا كل واحد منهم أن يكون خليفة... وكاد يؤدي هذا الأمر إلى الفتنة، فقد تطلع الناس إلى معرفة خليفتهم وإمامهم، واحتاج من أقام لانتظار ذلك من أهل البلدان إلى الرجوع إلى أوطانهم، ولسنا ندري ما الذي حمل سيدنا عمر على الوقوع في هذا الارتباك، وقد كان قادرا على أن يستخلف أصلح القوم، وهو يعرفهم واحدا واحدا، ويعرف عيوبهم وفضائلهم، ولكنه عدل عن ذلك، وإذا لجأت إلى الحرية في الكلام قلت: خاف التبعة ففر منها، فإنه جعل الأمر شورى بين جماعة كل واحد منهم يريد الخلافة لنفسه مخالفا للقواعد النفسية في السياسة، ولقد أنقذ الله المسلمين من فتنة الشورى، وكانوا في غنى عنها لو حزم عمر... ففكرة عمر في أن يجعل أمر المسلمين شورى بين ستة يتزاحمون على الخلافة غلطة نفسية، وقد أدرك معاوية هذه الغلطة، ومثله لا يكاد يفوته شئ من أسرار السياسة النفسية، فقد ذكروا أن زيادا أوفد ابن حصين إلى معاوية، فأقام عنده ما أقام، ثم إن معاوية بعث إليه ليلا فخلا به، فقال له:

يا ابن حصين قد بلغني أن عندك ذهنا وعقلا فأخبرنا عن أي شئ أسألك عنه؟

قال: سلني عما بدا لك، قال: أخبرني ما الذي شتت أمر المسلمين وملأهم وخالف بينهم؟ قال ابن حصين: نعم، قتل الناس عثمان، فقال معاوية: ما صنعت شيئا. قال: فمسير علي إليك وقتاله إياك. فقال: ما صنعت شيئا، قال ابن حصين: فمسير طلحة والزبير وعائشة وقتال علي إياهم، فقال: ما صنعت شيئا. قال: ما عندي غير هذا يا أمير المؤمنين. فقال معاوية: فأنا أخبرك، إنه لم يشتت بين المسلمين، ولا فرق أهواءهم إلا الشورى التي جعلها عمر إلى ستة نفر.... فلم يكن رجل منهم إلا رجاها لنفسه وجاها له قومه وتطلعت إلى ذلك نفسه، ولو أن عمر استخلف عليهم كما استخلف أبو بكر ما كان في ذلك خلاف... وعلى هذا فالشورى غلطة نفسية رحم الله من غلطها.

ويعلق سيد قطب على هذا الكلام فيقول:... إن الشخصية التي يصدر عليها مثل هذا الحكم السريع شخصية جليلة ضخمة فذة في تاريخ الإسلام...

على أنني لست من أنصار القداسة المطلقة للشخصيات الإسلامية، ولست أعني

الصفحة 457
مما تقدم أن أحرم المعاصرين حق الحكم على هذه الشخصيات، ولكني أريد أن تتوافر أسباب الحكم كاملة... وليس ما نقله الأستاذ من أقوال معاوية حجة، فمعاوية كان يريد بهذا القول التمهيد لاستخلاف ابنه يزيد، وهنا عنصر نفسي فات الأستاذ جبري ملاحظته، ولست أجزم الجزم القاطع برأيي هذا، كما فعل الأستاذ في تخطئة عمر، ولكني أريد فقط ألا نسارع إلى الحكم القاطع وبين أيدينا كفتا الميزان على الأقل تتأرجحان (1).

ثم يتطرق الكاتب إلى معركة صفين، فوصف الإمام بأنه كان يجهل العناصر النفسية في صراعه مع معاوية فقال: لم تكن معرفته بالأمور النفسية على قدر صراحته، فإذا لم تنجح سياسته النجاح كله، فهذا سببه أنه لم يخطر على باله أن طلب الحقوق يستلزم كثيرا من حسن الموارد والمصادر... ولم يدر الإمام أن الناس عامة إنما همهم حطام هذه الدنيا، فكان يعز عليه أن يعتقد أن الناس يدورون كيف دارت مصالحهم ومنافعهم، فلم يعاملهم كنا يجب أن يعاملهم رجل السياسة، وإنما عاملهم كما يعاملهم رجل الأخلاق، فكان من عواقب هذه المعاملة شكوه منهم في كل كلام وفي كل خطبة.

ويعلق سيد قطب فيقول: وهكذا يحكم على علي كرم الله وجهه بأنه كان يجهل النفس البشرية لمجرد أنه لم يستخدم الوسائل السياسية التي استخدمها خصماه معاوية وعمرو بن العاص، وأبسط نظرة تكشف أن هناك فرقا كبيرا بين معرفة السلاح واستخدام هذا السلاح، فلم يكن الفرق بين علي وبين خصميه أنه يجهل النفس البشرية وأنهما يعرفانها، إنما كان الفرق في حقيقته هو الرضى باستخدام كل سلاح يرضاه الخلق العالي أو يأباه، فعلي لم تكن تنقصه الخبرة بوسائل الغلبة ولا بنوازع النفوس البشرية وأهوائها، ولكنه لم يكن يتدنى لاستخدام الأسلحة القذرة جميعا، وفي رده على من أشاروا عليه بتوزيع المال لرشوة الضمائر ما يكفي " أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من الإسلام. فوالله لا أفعل ذلك ما لاح في السماء نجم "

____________

(1) أي كفة الغلطة النفسية لعمر. وكفة الغلطة النفسية لمعاوية.

الصفحة 458
فحين قالها لم يكن جاهلا أن الناس عامة همهم حطام هذه الدنيا، ولكنه كان مترفعا عن استخدام سلاح تستقذره نفسه الكريمة ويستخدمه خصمه بلا تحرج وكذلك رده على ابن عباس. حينما استصوب إشارة المغيرة بن شعبة على علي بأن يولي الزبير البصرة ويولي طلحة الكوفة يدل على هذا، فلقد قال: ولو كنت مستعملا أحدا لضره ونفعه لاستعملت معاوية على الشام "، فهو إذن لم يكن بجهل ما يضر وما ينفع، ولكنه كان يأبى ويترفع. ثم يقول سيد قطب رحمه الله:

إن معاوية وزميله عمرو لم يغلبا عليا لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب، ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع، وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم. لا يملك علي أن يتدنى إلى هذا الدرك الأسفل. فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح، على أن غلبة معاوية على علي كانت لأسباب أكبر من الرجلين، كانت غلبة جيل على جيل، وعصر على عصر، واتجاه على اتجاه، كان مد الروح الإسلامي العالي قد أخذ ينحسر، وارتد الكثيرون من العرب إلى المنحدر الذي رفعهم منه الإسلام، بينما بقي علي بن أبي طالب في القمة لا يتبع هذا الانحسار، ولا يرضى بأن يجرفه التيار، من هنا كانت هزيمته، وهي هزيمة أشرف من كل انتصار ثم يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله.

لقد كان انتصار معاوية هو أكبر كارثة دهمت روح الإسلام التي لم تتمكن بعد من النفوس، ولو قد قدر لعلي أن ينتصر، لكان انتصاره فوزا لروح الإسلام الحقيقية، الروح الخلقية العادلة المترفعة التي لا تستخدم الأسلحة القذرة في النضال، ولكن انهزام هذه الروح ولما يمض عليها نصف قرن كامل، وقد قضى عليها فلم تقم لها قائمة بعد - إلا سنوات على يد عمر بن عبد العزيز - ثم انطفأ ذلك السراج، وبقيت الشكليات الظاهرية من روح الإسلام الحقيقية. قد تكون رقعة الإسلام قد امتدت على يدي معاوية ومن جاء بعده، ولكن روح الإسلام قد تقلصت، وهزمت، بل انطفأت، فإن يهش إنسان لهزيمة الروح الإسلامية الحقيقية في مهدها وانطفاء شعلتها بقيام ذلك الملك العضوض، فتلك غلطة نفسية

الصفحة 459
وخلقية لا شك فيها.

ثم يقول رحمه الله: على أننا لسنا في حاجة يوما من الأيام أن ندعو الناس إلى خطة معاوية، فهي جزء من طبائع الناس عامة، إنما نحن في حاجة لأن ندعوهم إلى خطة علي بن أبي طالب، فهي التي تحتاج إلى ارتفاع نفسي يجهد الكثيرون أن ينالوه، وإذا احتاج جيل لأن يرعى إلى خطة معاوية، فلن يكون هو الجيل الحاضر على وجه العموم، فروح " مكيافيلي " التي سيطرت على معاوية قبل مكيافيلي بقرون هي التي تسيطر على أهل هذا الجيل، وهم أخبر بها من أن يدعوهم أحد إليها، لأنها روح " النفعية " التي تظلل الأفراد والجماعات والأمم والمحكومات.

ثم يقول رحمه الله: وبعد، فلست " شيعيا " لأقرر هذا الذي أقول، إنما أنا أنظر إلى المسألة من جانبها الروحي الخلقي، ولن يحتاج الإنسان أن يكون شيعيا لينتصر للخلق الفاضل المترفع عن الوصولية الهابطة المتدنية، ولينتصر لعلي بن أبي طالب على معاوية وعمرو، إنما ذلك انتصار للترفع والنظافة والاستقامة......... (1).

2 - الشهود:

بعد أن قدمنا الآراء حول الأحداث، نقدم الشهود على هذه الأحداث بمعنى أن كل مساحة تاريخية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم سنقدم شاهدا منها، وفي النهاية يمكن أن نحكم على المسيرة بوجه عام، وهؤلاء الشهود اعتبرهم من الموازين التي يوزن بها الأحداث التي رصدتها في هذا الكتاب، فشهادة الشهود هنا تلتقي مع النتيجة التي انتهى إليها هذا البحث.

وشهود الفترة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مقتل عثمان هم

____________

(1) كتب وشخصيات / سيد قطب ص 235، 236، 237، 238، 240، 241، 242، 243.

الصفحة 460
أبي بن كعب وحذيفة بن اليمان، فأما شهادة أبي بن كعب فلقد سجلت حب الناس للدنيا في عهد عمر. روى مسلم عن عبد الله بن الحارث قال: كنت واقفا مع أبي بن كعب فقال: لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا " (1)، وأما شهادة حذيفة فلقد سجلت ظهور النفاق، روى البخاري عنه أنه قال: " إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان " (2)، وقال فيما رواه البخاري أيضا: " إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون " (3) وروى البزار بسند صحيح عن أبي وائل قال: قلت لحذيفة النفاق اليوم شر أم على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فضرب على جبهته وقال: أوه، هو اليوم ظاهر إنهم كانوا يستخفون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " (4).

أما الحلقة الثانية من الشهود فتمتد حتى عهد الوليد بن عبد الملك. فأبو برزة الأسلمي سجلت شهادته القتال على الملك خلال هذه الفترة. عن أبي المنهال قال: لما كان ابن زياد ومروان بالشام ووثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء بالبصرة، انطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي فقال أبي: يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس؟ فقال: إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش، إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة، وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم حتى بلغ ما ترون، وهذه الدنيا أفسدت بينكم، إن ذاك الذي بالشام والله إن يقاتل إلا على الدنيا، وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا، وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا " (5).

____________

(1) رواه مسلم ك الفتن (الصحيح 19 / 18).

(2) البخاري ك الفتن (الصحيح 231 / 4).

(3) البخاري ك الفتن (الصحيح 230 / 4).

(4) رواه البزار (فتح الباري 74 / 13).

(5) رواه البخاري (الصحيح 230 / 4).

الصفحة 461
وبعد شهادة القتال على الدنيا تأتي شهادة جابر بن عبد الله التي سجل فيها خروج الناس من دين الله أفواجا بعد أن دخلوه أفواجا، فعن أبي عمار قال:

حدثني جار لجابر بن عبد الله قال: قدمت من سفر فجاءني جابر يسلم علي، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا، فجعل جابر يبكي ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا وسيخرجون منه أفواجا (1)، ومات جابر بن عبد الله في عهد عبد الملك، وبعد شهادة جابر تأتي شهادة أنس بن مالك التي سجل فيها ضياع كل شئ، روى البخاري عن الزهري أنه دخل على أنس فوجده يبكي فقال: ما يبكيك؟ قال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة. وهذه الصلاة قد ضيعت "، وعن ابن عمران الجوفي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ما أعرف شيئا اليوم مما كنا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلنا: فأين الصلاة قال:

أولم تصنعون في الصلاة ما قد علمتم " (2).

وقد يقول قائل: ما معنى ضياع الصلاة على الرغم من أن الناس يصلون؟

فنقول: إن معنى الضياع هو تفريغ الصلاة من الخشوع كما فرغ القرآن. من التفسير، والخشوع يبهت إذا ابتعد الإنسان عن المصدر الذي يعله الكتاب والحكمة، ومعنى الضياع أيضا أن يتقرب الإنسان بها إلى الله وهو يعتقد أن الإله يمكن أن يرى وأن له أعضاء ويضحك ويبكي إلى غير ذلك. فالصلاة هنا مصدرها الوحيد عالم الضياع الذي ينتهي إلى هباء ضائع في خلاء، ومن معاني الضياع إدخال ما ليس من الصلاة في الصلاة أو سرقتها، وأول من وضع وتد السرقة من الصلاة معاوية بن أبي سفيان وما زالت سرقته جارية إلى يومنا هذا، يقول الإمام فخر الدين الرازي في تصنيف له في سورة الفاتحة:

روى الشافعي بإسناده أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم ولم يقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ولم يكبر عند الخفض إلى الركوع والسجود، فلما سلم ناداه

____________

(1) رواه أحمد والسيوطي في الجامع ورمز له بالحسن (الفتح الرباني 7 / 24).

(2) رواه أحمد والترمذي من غير وجه عن أنس (الفتح الرباني 99 / 1).

الصفحة 462
المهاجرين والأنصار: يا معاوية سرقت الصلاة. أين بسم الله الرحمن الرحيم؟

أين التكبير عند الركوع والسجود؟ فأعاد الصلاة مع للتسمية والتكبير. قال الإمام الشافعي لولا أمر الجهر بالبسملة كان كالأمر المتقرر عند الصحابة من المهاجرين والأنصار لما قدروا على إظهار الانكار عليه بسبب تركه، وهو حديث حسن أخرجه الحاكم والدار قطني وقال: إن رجاله ثقات. وقد بينا أن هذا يدل على أن الجهر بهذه الكلمة كالأمر المتواتر فيما بينهم " (1).

وإذا كان معاوية قد أعاد الصلاة في المدينة، إلا أنه بالشام كان يقودهم إلى عالم ضياع الصلاة، وما فعله معاوية كان خطوة أكمل مسيرتها يزيد وعبيد الله بن زياد، وعبد الملك والحجاج بن يوسف، وأصول خطوات الضياع نجدها في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لينقض الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها. فأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة " (2).

فبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بفترة قصيرة كان صحابته الأوفياء يصلون سرا. روى البخاري عن حذيفة أنه قال: ابتلينا حتى أن الرجل ليصلي وحده وهو خائف " (3)، وفي رواية عند أحمد ومسلم " فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا " (4)، وعندما جاء عصر الوليد لم يكن الأمر يحتاج إلى أي سر لأن كل شئ قد ضاع وأصبح كل إنسان خائف، ولله الأمر والحكم، إنه الطريق الذي ضاعت عليه الصلاة هو نفس الطريق الذي تم فيه.

عزل الراسخون في العلم عن القرآن، ثم تفريغ القرآن نفسه بعد ذلك من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، والطريق الذي ضاعت فيه الصلاة تم تفريغ القرآن فيه هو نفس الطريق الذي رفعت على أعلام اللارواية عن

____________

(1) تبسيط علوم الحديث / نجيب المطيعي ص 68.

(2) رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم (كنز العمال 238 / 1).

(3) رواه البخاري (الصحيح 180 / 2) ك الجهاد والسير.

(4) رواه أحمد (الفتح الرباني 40 / 23) مسلم (الصحيح 179 / 2).

الصفحة 463
رسول الله، فبعد كل هذا لا عجب إذا رأيت النتيجة بعد ستين سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم: " يكون خلف بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا. ثم يكون خلف يقرأون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر " (1).

أنظر إلى قوله: " يكون خلف " ثم تدبر القول، وعندئذ سترى طابورا طويلا يعرف بعضهم بعضا وإن لم يلتقوا، ثم انظر إلى قوله: " يقرأون القرآن لا يعدو تراقيهم " ثم إرجع وتدبر عملية العزل والتفريغ، وعندئذ ستعلم أن هؤلاء نتيجة لا غبار عليها لمقدمة لا غبار عليها، ثم انظر إلى قوله: " ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر "، ثم ارجع وتدبر المعارك من أجل إقامة الدين والمعارك من أجل طلب الدنيا. أنظر! إن الجميع هنا وهناك يقرأون القرآن، ولكن لكل قراءة قبله، فالمنافق كافر به، والفاجر يتأكل منه، والمؤمن يؤمن به. الجميع يقفون على أرض واحدة وتحت أعلام الإسلام، ولكن الأهداف تحت الأعلام ليست واحدة.

نعم. إن الجميع يقرأون القرآن، ولكن هل القرآن شفاء للجميع؟ عليك أن تتدبر قوله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) (2)، هل تدبرت؟ إن كل حركة في هذا الكون تخضع لرواية، وكل ساكن في هذا الكون منظور، وما تسقط من ورقة إلا ويعلمها الذي خلقها، وكذلك الذين تفرقوا لن يجدي عنهم قراءة القرآن الذي لا يجاوز تراقيهم، فهم تحت الرقابة ينظر الله كيف يعملون. وسبحانه يعلم من قبل أن يتفرقوا أنهم سيتفرقون وأن طريق الافتراق سيقودهم إلى سنن الذين من قبلهم، وهناك تراهم على منحدرات الأودية كالغثاء العفن قال النبي صلى الله عليه

____________

(1) رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 231 / 6) وقال ابن كثير تفرد به أحمد وإسناده جيد قوي (البداية 228 / 6) ولم يتفرد به أحمد كما زعم ابن كثير. ورواه الحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 507 / 4) ورواه البيهقي (الخصائص الكبرى 236 / 2) ورواه ابن حبان في صحيحه (كنز 195 / 11).

(2) سورة الإسراء: الآية 82.

الصفحة 464
وسلم: " إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة، فهلك سبعون فرقة خلصت فرقة واحدة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة تهلك إحدى وسبعون وتخلص فرقة. قيل يا رسول الله من تلك الفرقة؟ قال: الجماعة الجماعة " (1).

أنظر إلى قوله: " الجماعة الجماعة " ثم انظر إلى الساحة التي يقرأ القرآن فيها ثلاثة: مؤمن ومنافق وفاجر، ثم تدبر الأحداث والدوائر هل رأيت الجماعة؟

دعنا نكرر النظر ونعيد البحث، وهيا ننظر من جديد.

والقرآن وتفسير النبي أخبرا بأن بعد الاختلاف والافتراق يكون الطريق مفتوحا إلى سنن الأمم السابقة. قال تعالى: (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم * كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون) (2)، إن المنافقين والكفار في صدر الآية، فافهم ذلك، أما تفسير النبي لهذه الآيات رواه ابن جرير عن الربيع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية:

حذركم الله أن تحدثوا في الإسلام حدثا، وقد علم أنه سيفعل ذلك أقوام من هذه الأمة، إنما حسبوا أن لا يقع بهم من الفتنة ما وقع ببني إسرائيل قبلهم، وأن الفتن عائدة كما بدأت. وروى ابن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لتأخذن كما أخذ الأمم من قبلكم ذراعا بذراع وشبرا بشبر وباعا بباع.

حتى لو أن أحد من أولئك دخل حجر ضب لدخلتموه " (3)، وروى ابن كثير عن ابن عباس أنه قال: ما أشبه الليلة بالبارحة " كالذين من قبلكم " هؤلاء بنو إسرائيل

____________

(1) رواه أحمد (الفتح الرباني 6 / 24) والترمذي وصححه (الجامع 45 / 4) وابن أبي عاصم وقال الألباني صحيح وله ست طرق عن أنس وشواهد من جميع الصحابة (كتاب السنة 32 / 1).

(2) سورة التوبة: الآية 68 - 69.

(3) ابن جرير في تفسيره 122 / 10.

الصفحة 465
شبهنا بهم، والذي نفسي بيده لتتبعنهم حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب لدخلتموه " (1) لقد شهد ابن عباس " ما أشبه الليلة بالبارحة " ويا لها من شهادة!.

وإذا أردنا أن نرصد شهادة على المساحة الزمنية الممتدة حتى عام 161 ه‍ فلن نجد أفضل من شهادة سفيان الثوري، فلقد جاء في زمن لا يدري فيه القاتل في أي شئ قتل ولا يدري المقتول في أي شئ قتل (2). يقول ابن كثير: سفيان الثوري أحد أئمة الإسلام وعبادهم والمقتدى به، وقال يحيى بن معين وغير واحد: هو أمير المؤمنين في الحديث وقال شعبة: ساد الناس بالورع في زمانه وقال أحمد: لا يتقدمه في قلبي أحد (3). وكان سفيان كثير الحط على المنصور لظلمه وأراد المنصور قتله مما أمهله الله (4). وحاول المهدي إغراؤه بالمال والمنصب وكتب له على قضاء الكوفة، فرمى سفيان الكتاب في دجلة وهرب (5). وكان يقول: من لاق لهم دواة أو برى لهم قلما فهو شريكهم في كل دم (6). وعندما قرأ حديث " هلاك أمتي على أيدي غلمة من قريش سفهاء " قال:

ما أشبه طعامهم إلا بطعام الدجال (7). وكان يقول ليوسف بن أسباط: يا يوسف لا تكن من قراء الملوك، ولا تكن فقيه السوق، وما أقبح قراءة ليس معها زهد، وأن دعاك الملوك على أن تقرأ عليهم (قل هو الله أحد) فلا تفعل (8). وقال له: ما رأينا الزهد في شئ أقل منه في الرآسة، ترى الرجل يزهد في المال والثياب والمطعم، فإذا نوزع في الرياسة، جابى عليها وعادى (9).

____________

(1) ابن جرير في تفسيره 368 / 2.

(2) الحديث رواه مسلم (الصحيح 34 / 18).

(3) البداية والنهاية 134 / 10، شذرات الذهب / ابن العماد 250 / 1.

(4) شذرات الذهب 250 / 1.

(5) شذرات الذهب 250 / 1.

(6) كتاب الورع / أحمد بن حنبل ص 93.

(7) المصدر السابق ص 94.

(8) المصدر السابق 95.

(9) المصدر السابق 96.

الصفحة 466
كانت هذه حركة سفيان حتى وفاته عام 161 ه‍ وإذا أردنا أن نقدم شهادة سفيان فإننا في الوقت نفسه نقدم حركته. وفي شهادته على عصره سألوه معاملة الأمراء أحب إليك أم غيرهم؟ فقال: معاملة اليهود والنصارى أحب إلي من معاملة هؤلاء الأمراء (1). وقال: القبول مما في أيديهم من استحلال المحارم، والتبسم في وجوههم علامة الرضا بفعالهم، وإدمان النظر إليهم يميت القلب (2). وقال: لا تنظروا إلى الأئمة المضلين إلا بإنكار قلوبكم عليهم لئلا تحبط أعمالكم (3).

هذا هو سفيان الثوري الذي وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، ولكن أين ذهب فقه هذا الشيخ؟ وقد قال عنه ابن العماد: ومات سفيان بالبصرة متواريا، وكان صاحب مذهب، وقال ابن رجب: وجد في آخر القرن الرابع سفيانيون ومناقبه تحتمل مجلدات " (4)، في الحقيقة ما كان لفقه الباحث عن الحقيقة أن يبقى في عالم طعامه أشبه بطعام الدجال. لقد رفسوا فقهه بعد مماته بعد أن رفسوه في حياته، ولقد تتبعت رحلة البحث لهذا الشيخ فما وجدت عليها إلا التعتيم الشديد، الأمر الذي دعاني للبحث عنه في مصادر عديدة كي أقف على ما وصل إليه، وفي بحار الأنوار قرأت أن سفيان الثوري سمع حديثا يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: نعيت إلى نفسي.... نصر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهم قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، أيها الناس إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ولن تزلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي

____________

(1) المصدر السابق 96.

(2) المصدر السابق 96.

(3) المصدر السابق 96.

(4) شذرات الذهب 251 / 1.

الصفحة 467
الحوض " (1)، وعندما سمع سفيان الثوري هذا الحديث الذي جاءه عن طريق أهل البيت قال لصاحبه: كما أنت حتى أنظر في هذا الحديث. فقال صاحب سفيان: ثلاث لا يغل عليهم قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل قد عرفناه والنصيحة لأئمة المسلمين، من هؤلاء الأئمة الذين يجب علينا نصيحتهم؟

معاوية بن أبي سفيان ويزيد معاوية ومروان بن الحكم وكل من لا تجوز شهادته عندنا ولا تجوز الصلاة خلفهم. وقوله: واللزوم لجماعتهم، فأي جماعة؟ مرجئ يقول: من لم يصل ولم يصم ولم يغتسل من جنابة وهدم الكعبة ونكح أمه فهو على إيمان جبريل وميكائيل، أو قدري يقول: لا يكون ما شاء الله عز وجل ويكون ما شاء إبليس، أو حروري يبرأ من علي بن أبي طالب وشهد عليه بالكفر، أو جهمي يقول: إنما هي معرفة الله وحده ليس الإيمان شئ غيرها (2). فقال له سفيان: ويحك وأي شئ يقولون قال: يقولون: إن عليا والله الإمام الذي يجب علينا نصيحته ولزوم جماعة أهل بيته " (3).

وسمع سفيان حديث " من قاتلنا آخر الزمان فكأنما قاتلنا مع الدجال " (4).

عندئذ علم سفيان أن الأمراء ما أشبه طعامهم إلا بطعام الدجال (5). وبدأ يمسك بخيط البحث عن الحقيقة. روى أبو الفرج الأصفهاني عن أبي عوانة قال: فارقني سفيان على أنه زيدي (6). وانطلق الشيخ في رحلة البحث، واندثر فقهه ومذهبه، وما عند الله خير وأبقى.

وفي دائرة الشهود أمامنا العديد من الرجال والكثير من الأحاديث، وكل دائرة فيها شهادة وكل شهادة حجة بذاتها، وإليك حديثا جاء على لسان أمراء

____________

(1) الرسول تحدث بهذا الحديث في غدير خم. ثم حدث به في مسجد الخيف قبل أن يلقى الرقيق الأعلى (بحار الأنوار 69 - 27).

(2) أي إيمان بلا عمل.

(3) بحار الأنوار 70 / 27.

(4) بحار الأنوار 205 / 27.

(5) الورع / أحمد بن حنبل ص 94.

(6) مقاتل الطالبين ص 141.

الصفحة 468
المؤمنين ليكون شاهدا عليهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. عن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثني أمير المؤمنين المأمون حدثني أمير المؤمنين الرشيد حدثني أمير المؤمنين المهدي قال: دخل علي سفيان الثوري، فقلت: حدثني بأحسن فضيلة عندك لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقال سفيان: حدثني سلمة بن كهيل عن حجية عن علي بن أبي طالب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى (1). وعن موسى الجهني قال: دخلت على فاطمة بنت علي، فقال لها رفيقي أبو سهل: كم لك؟ قالت: ست وثمانون سنة. قال: ما سمعت من أبيك شيئا؟ قالت: حدثتني أسماء بنت عميس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي " (2).

فهذا الحديث في هذه الأزمنة حجة على الخاص والعام، وبين أيدينا أيضا حديث رواه أبناء الصحابي الجليل عمار بن ياسر، ونقدمه هنا في دائرة الشهود فعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه عن جده قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب، فمن تولاه فقد تولاني، ومن تولاني فقد تولى الله، ومن أحبه. فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل " (3)، وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم من آمن بي وصدقتي فليتول علي بن أبي طالب، فإن ولايته ولايتي وولايتي ولاية الله " (4).

وبين أيدينا حديث رواه أبناء الصحابي أبي رافع، نقدمه أيضا في دائرة الشهود، عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله

____________

(1) رواه ابن النجار (كنز العمال 151 / 13).

(2) رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات (الفتح الرباني 129 / 27).

(3) رواه الطبراني في الكبير وابن عساكر (كنز العمال 610 / 11).

(4) رواه الطبراني في الكبير (كنز 611 / 11).

الصفحة 469
صلى الله عليه وسلم: " من أحب عليا فقد أحبني. ومن أحبني فقد أحب الله. ومن أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله " (1).

وهكذا التقي البدء مع الختام وكل نتيجة سقطت على مقدمتها، وعلى امتداد الرحلة كانت النتائج تنطق بلسان فصيح وكانت المقدمات تشع لتراها العصور البعيدة، وعلى امتداد الزمان كان هناك رجال يتكلمون من كلامهم تنكشف حقائق أمام الباحثين الذي يبحثون عن المقدمات أو الذين يتأملون في النتائج، ومن هذه الأقوال قول الحسن البصري: أفسد أمر الناس اثنان عمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف فحملت... فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة، والمغيرة بن شعبة الذي بث في معاوية البيعة ليزيد من بعده، ثم خرج يقول: وضعت رجل معاوية في غرز نحس لا يزال فيه إلى يوم القيامة. ثم قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لأبنائهم " (2)، وروي أن الحسن كان ينقم على معاوية أربعة أشياء: قتاله عليا، وقتله حجر بن عدي واستلحاقه زياد بن أبيه ومبايعته ليزيد ابنه " (3)، فهذه شهادة الحسن البصري على بعض أحداث عصره ويمكن بتتبعها أن يصل الباحث إلى مقدماتها، وهناك أيضا شهادة عروة بن بلحة قال: أول ذل دخل على العرب قتل الحسين بن علي وادعاء زياد (4). وفي رواية عن أبي إسحاق بزيادة: وقتل حجر بن عدي (5). وهذه كلها مقدمات لفحص معاوية وفتح خزانته، أما التصنم أمام قول ابن كثير: " إن معاوية هو ستر الصحابة، فإذا كشف الستر اجترأ على ما وراءه " (6)، فإنه لن يقيد باحثا، فالصحابة أجل من أن يندثروا برداء وستر معاوية وأتباعه.

وفي دائرة الشهود نستمع إلى قول الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام،

____________

(1) رواه الطبراني عن ابن أبي رافع وعن أم سلمة (كنز 622 / 11).

(2) تاريخ الخلفاء 192.

(3) البداية والنهاية 130 / 8، الطبري 157 / 6.

(4) رواه الطبراني ورجاله ثقات (الزوائد 196 / 9).

(5) مقاتل الطالبين 83، ابن أبي الحديد 18 / 4.

(6) البداية والنهاية 139 / 8.

الصفحة 470
حيث يقرر أن علماء الجرح والتعديل ابتعدوا عن أي قول من الأمراء وأبناء الأمراء خوفا من السيف، وعلى هذا يمكن القول إن كلمة الحق كانت ترتعش على السطور في تلك الأزمنة، ولم تفسح السطور إلا لما يريده النظام، فبينما لا تكتب كلمة واحدة في الأمراء وأبنائهم، نجدهم يجرحون علماء الدراية الذين لا ينامون أمام خزائن السلطان، على سبيل المثال جاء في ترجمة جعفر بن سليمان كما ذكر صاحب كتاب التقريب: جعفر بن سليمان الضبعي أبو سلمان البصري صدوق زاهد لكنه كان يتشيع. وقال في التهذيب: كان جعفر إذا ذكر معاوية شتمه وإذا ذكر عليا قعد يبكي (1). وكان هذا البكاء كافيا لرفسه كما رفس سفيان الثوري من قبل.

وفي الختام أقول: هيا نتفق على أن الجميع خلفاء بما فيهم خلفاء الدولة الأموية والدولة العباسية ومن جاء بعدهم. الجميع بلا استثناء خلفاء ونحن نقر هنا بذلك، ولكن الأهم من هذا كله ممن نأخذ السنة؟ فهنا كما يقولون مربط الفرس. إن العمل بالسنة صفحته القرآن فأي حبل نأخذ به شرط أن يكون قرينا للقرآن؟ إننا هنا لانتصر للقبائل والأحزاب، ولكننا نريد دثار الإسلام وحده، نريد أن نسير في ظلاله، وإذا كانت هناك كلمة، فإني أوجهها للباحثين فأقول:

أقدموا على الإسلام وهو ليس غائبا عنكم، هو فيكم ومعكم حجة عليكم، ولكي تنصهروا فيه فلا بد أن تنتقلوا من دائرة الشعار إلى دائرة الشعور، فدائرة الشعور هي نفسها دائرة الغرباء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء " (2)، قال النووي: أي أن الإسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر وظهر، ثم سيلحقه النقص والإخلال حتى لا يبقي إلا في آحاد وقلة أيضا كما بدأ (3). وقيل: ظهر في الغربة وسيعود من بلاد الغربة...

____________

(1) تحفة الأحواذي 214 / 10.

(2) رواه مسلم وابن ماجة والطبراني (كنز العمال 177 / 2).

(3) مسلم بشرح النووي 177 / 2.

الصفحة 471
كونوا في دائرة الغرباء. والغربي هو الذي يفر من مدينة إلى مدينة ومن قلة إلى قلة ومن بلد إلى بلد ومن بر إلى بحر ومن بحر إلى بر، ومن أوراق إلى أوراق حتى يسلم وأني له بالسلامة مع هذه النيران التي طافت بالشرق والغرب وأتت على الحرث والنسل، فكممت الأفواه وأسكتت كل ناطق وحيرت كل لبيب!! ومع هذا كله فالغريب يسير وهو قابض على الجمر، كونوا في دائرة الغرباء لأن هذه الدائرة فيها إخوان النبي صلى الله عليه وسلم. قال السيد المصطفى عليه الصلاة والسلام: " متى ألقى إخواني. قالوا: ألسنا إخوانك؟ قال:

بل أنتم أصحابي، وإخواني الذين آمنوا بي ولم يروني، أنا إليهم بالأشواق " (1).

وفي الختام أقدم الشاهد الأخير. قال النبي صلى الله عليه وسلم:

يجئ يوم القيامة المصحف والمسجد والعترة، فيقول المصحف: يا رب حرقوني ومزقوني، ويقول المسجد: يا رب خربوني وعطلوني وضيعوني، وتقول العترة: يا رب طردونا وقتلونا وشردونا. قال النبي: وأجثو بركبتي للخصومة، فيقول الله: ذلك إلي وأنا أولى بذلك " (2).

وأصلي وأسلم على خاتم النبيين محمد النبي الأمي العربي القرشي الهاشمي المكي المدني صلى الله عليه وسلم الطيبين الطاهرين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

القاهرة 19 صفر 1414 هـ‍
8 أغسطس 1993 م   

____________

(1) رواه أبو يعلى عن أنس وابن عساكر عن البراء (كنز العمال 184 / 12) ورواه أحمد بلفظ: وددت أني لقيت إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني (كنز العمال 164 / 12).

(2) رواه الديلمي عن جابر. وأحمد والطبراني عن أبي أمامة (كنز العمال 193 / 11).

الصفحة 472

الصفحة 473

المراجع

1 - جامع البيان في تفسير القرآن - لابن جرير الطبري، ط دار الريان 1987.

2 - التفسير الكبير - فخر الدين الرازي، ط دار الكتب العلمية، بيروت 1990.

3 - تفسير الكشاف - الزمخشري، ط بولاق 1281.

4 - تفسير القرآن العظيم - ابن كثير، ط دار التراث بحلب 1950، المنار القاهرة 1947.

5 - صحيح البخاري - محمد بن إسماعيل البخاري، ط الحلبي القاهرة بتفسير السندي.

6 - صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج ط إحياء التراث بيروت 1972، ط استانبول 1329.

7 - الجامع الصحيح - أبو عيسى الترمذي ط الحلبي 1975 القاهرة.

8 - سنن أبي داوود - أبو داوود السجستاني، ط دار الفكر بيروت.

9 - سنن ابن ماجة - أبو عبد الله محمد القزويني ط، دار إحياء التراث بيروت.

10 - الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد - أحمد البنا، ط دار التراث العربي بيروت ط ثانية.

11 - المستدرك - أبو عبد الله الحاكم، ط دار الفكر 1978 بيروت.

12 - كتاب السنة - أبو بكر بن أبي عاصم، ط المكتب الإسلامي 1980 بيروت.

13 - التاج الجامع للأصول - منصور ناصف ط، دار الفكر بيروت 1981. 14 - 14 - كنز العمال - علاء الدين المتقي، ط مؤسسة الرسالة بيروت 1979.

15 - مجمع الزوائد - علي بن أبي بكر الهيثمي ط مكتبة القدس القاهرة.

16 - كشف الخفاء - إسماعيل بن محمد العجلوني ط مؤسسة الرسالة بيروت.

17 - سلسلة الأحاديث الصحيحة - ناصر الدين الألباني ط، المكتب الإسلامي.


الصفحة 474
18 - سلسلة الأحاديث الضعيفة - ناصر الدين الألباني ط، المكتب الإسلامي 1399.

19 - الخصائص الكبرى / جلال الدين السيوطي، ط المكتبة السلفية بالمدينة 1964.

20 - تحفة الأحوازي / محمد المباركفوري، ط المكتبة السلفية بالمدينة 1964.

21 - فتح الباري / ابن حجر، ط الحلبي 1978، ط الريان القاهرة.

22 - الورع / أحمد بن حنبل، ط دار الكتب العلمية بيروت 1983.

23 - نظم المتناثر من الحديث المتواتر - محمد بن جعفر الكتاني، ط دار الكتب السلفية مصر.

24 - موضوعات الصغاني - الحسن بن محمد الصغاني، دار نافع مصر 1401.

25 - كتاب الموضوعات - أبو الفرج بن الجوزي، ط مكتبة ابن تيمية القاهرة.

26 - المنار المنيف في الصحيح والضعيف / ابن القيم، ط دار المسلم مصر 1983.

27 - تدريب الراوي - جلال الدين السيوطي، ط دار الفكر بيروت.

28 - المجروحين - محمد بن حبان، ط دار الوعي بحلب 1402.

29 - ميزان الاعتدال - أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، ط دار المعرفة بيروت.

30 - الجرح والتعديل - ابن أبي حاتم الرازي، ط دار إحياء التراث بيروت 1952.

31 - تبسيط علوم الحديث / محمد نجيب المطيعي، ط دار حسان القاهرة توزيع الاعتصام.

32 - كتاب الموطأ - مالك بن أنس، ط دار الآفاق الجديدة بيروت 1985.

33 - المغني - عبد الله بن أحمد بن قدامة، ط مكتبة الجمهورية العربية القاهرة.

34 - الاعتبار في الناسخ والمنسوخ - أبو بكر بن موسى الهمداني، ط دار النعي حلب 1983.

35 - مشكل الآثار - أبو جعفر الطحاوي، ط دار صادر بيروت ط 1333.

36 - منهاج السنة / أحمد بن تيمية، ط دار الفكر بيروت 1980.


الصفحة 475
37 - الفتاوى الحديثية / ابن حجر الهيثمي، ط الحلبي 1970.

38 - مصادر التشريع الإسلامي - سيد سابق، ط دار الفتح للإعلام العربي مصر.

39 - خلاصة تاريخ التشريع الإسلامي / عبد الوهاب خلاف، ط دار الأنصار القاهرة.

40 - الإصابة في تمييز الصحابة / ابن حجر العسقلاني، ط دار العلوم الحديثة 1328، ط دار الكتب العلمية.

41 - الإستيعاب / أبو عمر يوسف بن عبد البر. هامش الإصابة، ط دار العلوم الحديثة 1328.

42 - الإستبصار في نسب الأنصار - ابن قدامة المقدسي، ط دار الفكر بيروت.

43 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب - ابن العماد الحنبلي، ط دار الفكر بيروت 1979.

44 - تاريخ الأمم والملوك - بن جرير الطبري، ط دار الفكر بيروت 1979.

45 - الطبقات الكبرى - محمد بن سعد، ط دار صادر بيروت.

46 - مروج الذهب- علي بن الحسين بن علي المعودي، ط دار الكتب العلمية بيروت 1986، مكتبة الرياض 1981.

47 - التنبيه والإشراف - علي بن الحسين المسعودي، ط مكتبة الهلال بيروت 1981.

48 - البداية والنهاية - الحافظ بن كثير، ط دار المعارف 1981.

49 - الموافقيات - الزبير بن بكار برواية ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ط مكتبة الحياة 1983.

50 - شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد، ط دار مكتبة الحياة بيروت 1983.

51 - فتوح البلدان - أبو جعفر أحمد البلاذري، ط القاهرة 1319.

52 - أنساب الأشراف - أبو جعفر البلاذري، ط القدس 1936.

53 - الأخبار الطوال - لأبي حنيفة أحمد بن الدينوري، ط وزارة الثقافة مصر.

54 - الأغاني - لأبي الفرج الأصفهاني، ط مصر 1323.


الصفحة 476
55 - مقاتل الطالبين - لأبي الفرج الأصفهاني، ط مؤسسة الأعلمي 1987.

56 - العقد الفريد - أحمد بن محمد بن عبد ربه، ط لجنة التأليف والنشر مصر 1950.

57 - تاريخ دمشق - ابن عساكر أبي القاسم علي بن الحسن، ط المجمع العلمي العربي دمشق ط.

58 - الكامل في التاريخ - لابن الأثير عز الدين علي بن محمد، ط دار صادر بيروت 1966.

59 - دول الإسلام - أبو عبد الله الذهبي، ط مؤسسة الأعلمي بيروت 1985.

60 - تاريخ الخلفاء - جلال الدين السيوطي، ط دار الفكر بيروت.

61 - رسائل بن حزم - تحقيق إحسان عباس، ط المؤسسة العربية للدراسات بيروت 1981.

62 - أسد الغابة في معرفة الصحابة - ابن الأثير، ط القاهرة 1280 ه‍.

63 - العواصم من القواصم - أبو بكر بن العربي، تحقيق محب الدين الخطيب، ط المكتبة السلفية 1399.

64 - أزمة الفكر السياسي الإسلامي - وعبد الحميد متولي، ط الهيئة العامة للكتاب القاهرة 1985.

65 - نهاية الفلسفة الإسلامية - السيد الزنجاني، ط مؤسسة البلاغ بيروت 1987.

66 - تاريخ المذاهب الإسلامية - محمد أبو زهرة، ط دار الفكر العربي القاهرة.

67 - تاريخ الفرق الإسلامية - محمد خليل، ط مؤسسة الأعلمي 1985. 68 - تاريخ الشعر في الكوفة - د. يوسف خليف، دار الكتاب مصر 1968.

69 - العصر العباسي الأول - د. شوقي صنيف، دار المعارف مصر.

70 - طبقات سلاطين الإسلام - استانلي بول، ط الدار العالمية بيروت 1986.

71 - كتب وشخصيات - سيد قطب، ط دار الشروق.

72 - عبقرية الإمام علي - عباس العقاد، ط المكتبة العصرية بيروت.