الصفحة 99
وروى أبو حاتم(1) [ و ] الرياشي(2)، عن العتبي(3)، عن أبيه أنّه قال: مات ضُبَيْرة السهمي وله مائتا سنة وعشرون سنة، وكان أسود الشعر صحيح الأسنان.

ورثاه ابن عمّه قيس بن عدي فقال:

مَن يأمن الْحدَثانَ بعـ * ـد ضُبَيْرَةَ السَّهْميِّ ماتا
سَبَقَتْ مَنِيّتُهُ اْلَمّشِيـ * ـبَ وَكانَ مِيَتتهُ افتِلاتا
فتزوّدُوا لا تَهْلِكوا(4) * مِن دون أهلِكُمُ خُفاتا(5)

____________

(1) أبو حاتم سهل بن محمّد بن عثمان بن يزيد الجشيمي السجستاني البصري الكوفي، توفّي سنة 248 أو 250 أو 254، قرأ على الأخفش.

راجع تفصيل حياته في مقدّمة كتاب المعمرون للسجستاني، بقلم عبد المنعم عامر.

(2) ع. ر. ل: الرياسي، والصحيح: أبو حاتم والرياشي كما هو في الغيبة للطوسي: 116، وبقيّة المصادر.

والرياشي هو: أبو الفضل العباس بن الفرج النحوي اللغوي، قتل في المسجد الجامع بالبصرة في أيام العلوي صاحب الزنج في سنة 257.

الأنساب 6: 200 ـ 201.

(3) أبو عبد الرحمن محمّد بن عبيدالله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب، الشاعر البصري، وكان راوية للأخبار وايام العرب، روى عن ابيه وسفيان بن عيينه ولوط بن مخنف، روى عنه أبو حاتم السجستاني وأبو الفضل الرياشي، توفي سنة 228.

العِبَر 1: 403 ـ 404، وفيات الأعيان 4: 398 ـ 400.

(4) ع. ر. س. ط: ولا تهلكوا.

(5) ل. ر: حفاتا.

وللتفصيل راجع: كمال الدين 2: 565، المعمرون: 25.


الصفحة 100

ومنهم:

دُرّيد بن الصِمَّة الْجُشَمِي(1).

عاش مائتي سنة، وأدرك الاسلام فلم يسلم، وكان أحد قوّاد المشركين يوم حنين ومقدّمهم(2)، حضر حرب النبيّ صلى الله عليه وآله فقتل يومئذٍ(3).

ومنهم:

محصّن بن عتبان(4) بن ظالم الزبيدي(5).

عاش مائتي سنة وخمسة وخمسين سنة(6).

ومنهم:

عمرو بن حممة الدوسي(7).

عاش أربعمائة سنة.

وهو الذي يقول:

كبرتُ وطال العمرُ حتّى كأنّني * سَليمُ أفاعٍ ليله غير مودعِ
فما الموتُ أفناني ولكن تتابَعتْ * عليًّ سنون من مصيف ومربعِ
ثلاث مئات قد مررن كواملا * وها أنا هذا أرتجي نيل(8) اربع(9)

____________

(1) دريد بن الصمّة الجشمي من جُشم بن سعد بن بكر، عاش نحوا من مائتي سنة حتّى سقط حاجباه من عينيه، قتل يوم حنين، وإنّما خرجت به هوازن تتيمّن به.

المعمرون: 27 ـ 28.

(2) ع. ل. ر: ومقدّمتهم.

(3) للتفصيل راجع: المعمّرون: 27 ـ 28.

(4) ع. ر: محصّن غسّان، ل. س: محصّن عتبان، وما اثبتناه هو الصحيح.

(5) محصّن بن عتبان بن ظالم بن عمرو بن قطعية بن الحارث بن سلمة بن مازن الزبيدي.

المعمرون: 26 ـ 27، كمال الدين 2: 567.

(6) للتفصيل راجع: كمال الدين 2: 567، المعمرون: 26 ـ 27.

(7) ع. ل. ر: عمر بن حممة الدوسي. قال في المعمّرون: عمرو بن حممة الدوسي، قضى على العرب ثلاثمائة سنة. المعمرون: 58.

(8) س: مثل، ط: مرّ.

(9) للتفصيل راجع: المعمرون: 58.


الصفحة 101
-

ومنهم:

الحرث(1) بن مضاض الجرهميّ(2).

عاش أربعمائة سنة.

وهو القائل:

كأن لم يكن بين الْحَجُونِ(3) إلى الصفا * أنيسٌ ولم يسمرْ(4) بمكّةَ سامرُ
بلى نحنُ كُنّا أهلَها فأبادنا(5) * صروف الليالي والجدُودُ(6) العواثر(7)

وفي غير مَن ذكرت يطول بإثباته جزء الكتاب.

والفرس تزعم أنّ قدماء ملوكها جماعات طالت أعمارهم وامتدّت وزادت في الطول على أعمار مَن أثبتنا اسمه من العرب، ويذكرون أنّ من جملتهم الملك الّذي استحدث المهرجان، عاش الفي سنة وخمسمائة سنة(8).

____________

(1) س: الحارث، وكذا في كتاب المعمّرون.

(2) في المعمّرون: الحارث بن مضاض الجرهمي.

راجع: المعمّرون: 8، تذكرة الخواص: 365.

(3) الحجون: موضع بمكّة ناحية من البيت، وقيل الجبل المشرف ممّا يلي شعب الجزّارين بمكة.

لسان العرب 13: 109 حجن.

(4) ع. ل. ر: يسمو.

(5) في المعمّرون: فأزالنا.

(6) الجدود جمع جد، وهو: البخت والحظ.

لسان العرب 3: 107 جدد.

(7) ع. ل. ر: والحدود الغوابر.

وللتفصيل راجع: تذكرة الخواص: 365، المعمرون: 8.

(8) قال الشيخ الطوسي في الغيبة 123: وأمّا الفرس فإنّها تزعم فيما تقدّم من ملوكها جماعة طالت أعمارهم، فيردون أنّ الضحّاك صاحب الحيتين عاش ألف سنة ومائتي سنة، وافريدون العادل عاش فوق الف سنة، ويقولون انّ الملك الّذي أحدث المهرجان عاش الفي سنة وخمسمائة سنة استتر منها عن قومه ستمائة سنة.

وراجع: تاريخ الطبري 1: 194 ـ و215، تاريخ اليعقوبي 1: 158، البحار 51: 290.


الصفحة 102
لم نتعرض لشرح أخبارهم، لظهور ما قصصتهُ من أمر العرب من أعمارهم على ما تدّعيه الفرس، ولقرب عهدها منّا وبُعد عهد أُولئك، وثبوت أخبار معمّري العرب في صحف أهل الإِسلام وعند علمائهم.

وقد أسلفتُ القول بأنّ المنكر لتطاول الأعمار إنّما هم طائفة(1) من المنجمين وجماعة من الملحدين، فأمّا أهل الكتب والملل فلا يختلفون في صحّة ذلك وثبوته.

فلو لم يكن من جملة المعمّرين إلاّ من التنازع في طول عمره مرتفع، وهو سلمان الفارسي(2) رحمة الله عليه، وأكثر أهل العلم يقولون: بأنّه رآى المسيح، وأدرك النبيّ صلوات الله عليه وآله، وعاش بعده، وكانت وفاته في وسط أيام عمر بن الخطاب(3)، وهو يومئذ القاضي بين المسلمين في

____________

(1) ع. ر: بأنّ المنكر لتطاولٍ للأعمار إنّما طائفة.

(2) هو أبو عبدالله سلمان الفارسي، وهذا اسمه بعد الاسلام، أمّا قبله، فقيل: ما به بن بوذخشان بن مورسلان، وقيل: اسمه بهبود، ويلقب: سلمان الخير وسلمان المحمدّي وسلمان ابن الاسلام، شهد الخندق ـ وهو الّذي اشار بحفره ـ ولم يفته بعد الخندق مشهداً، توفي بالمدائن سنة 35، أو 37، أو 33، وقبره ظاهر معروف بقرب ايوان كسرى، وكان سلمان وصيّ وصيّ عيسى، وقرأ الكتابين، وما سجد قط لمطلع الشمس، وكان عطاؤه خمسة آلاف وكان إذا خرج تصدّق به ويأكل من عمل يده.

وأمّا عمره فمئتان وخمسون سنة فممّا لا شك فيه، ولكن الاختلاف في الاكثر، فقيل ثلاثمائة، وقيل: ثلاثمائة وخمسون.

تهذيب التهذيب 4: 137 رقم 233، اعيان الشيعة 7: 279 ـ 287، كمال الدين 1: 161، الكنى والالقاب 3: 150، تذكرة الخواص: 365.

(3) أبو حفص عمر بن الخطاب، روى عن النبيّ وأبي بكر وأُبي، روى عنه اولاده وغيرهم قتل سنة 23.

طبقات الفقهاء: 19، تهذيب التهذيب 7: 438.


الصفحة 103
المدائن(1)، ويقال: إنّه كان عاملها وجابي خراجها، وهذا أصحّ(2).

وفيما أسلفناه في هذا الباب كفاية فيما قصدناه، والحمدالله.

* * *

____________

(1) عبارة عن مدن سبع، من بناء اكاسرة العجم، على طرف دجلة ببغداد، كان يسكنها ملوك بني ساسان إلى زمن عمر، وفي الجانب الشرقي مشهد سلمان.

الكنى والألقاب 3: 146 ـ 148.

(2) نصّ أكثر المؤرخين أن سلمان كان أميراً على المدائن، واختلف في سنة وفاته، فقيل: في زمن عثمان، وقيل: في زمن أمير المؤمنين، والشيخ المفيد هنا ذهب إلى أنّها وسط ايّام عمر بن الخطاب.

للتفصيل راجع: الطبقات الكبرى 4: 75 ـ 93، تهذيب التهذيب 4: 137، تهذيب ابن عساكر 6: 188، حلية الأولياء 1: 185، صفة الصفوة 1: 210، تذكرة الخواص: 365، اعيان الشيعة 3: 150، الكنى والالقاب 3: 150.


الصفحة 104

الصفحة 105

الكلام في الفصل السابع

فامّا قول الخصوم: إنّه إذا استمرّت غيبة الإِمام على الوجه الّذي تعتقده الإِماميّة ـ فلم يظهر له شخص، ولا تولى(1) إقامة حدّ، ولا إنقاذ حكم، ولا دعوة إلى حقّ، ولا جهاد العدوّ ـ بطلت الحاجة إليه في حفظ(2) الشرع والملّة، وكان وجوده في العالم(3) كعدمه.

فصل:

فإنّا نقول فيه: إنّ الأمر بخلاف ما ظنّوه، وذلك أنّ غيبته لا تخلّ(4) بما صدقت الحاجة إليه من حفظ الشرع والملّة، واستيداعها له، وتكليفها التعرّف في كلّ وقت لأحوال الأُمّة، وتمسّكها بالديانة أو فراقها لذلك إن فارقته، وهو الشيء الّذي ينفرد به دون غيره كافّة رعيّته.

____________

(1) ع. ل. ر: ولا يؤتي.

(2) ع. ل. ر: وتطلب الحاجة إليه في حقّه، وبطلت الحاجة إليه في حقّه.

(3) ر: المعالم.

(4) ع. ل: لا تحلّ.


الصفحة 106
ألا ترى أنّ الدعوة إليه إنّما يتولاّها شيعته وتقوم الحجّة بهم(1) في ذلك، ولا يحتاج هو إلى تولّي(2) ذلك بنفسه، كما كانت دعوة الأنبياء عليهم السلام تظهر نايباً عنهم(3) والمقرّين بحقّهم، وينقطع العذر بها فيما يتأتى(*) عن علّتهم (كذا) ومستقرّهم، ولا يحتاجون إلى قطع المسافات لذلك بأنفسهم، وقد قامت أيضاً نايباً عنهم(4) بعد وفاتهم، وتثبت الحجّة لهم في ثبوتهم(5) بامتحانهم في حياتهم وبعد موتهم، وكذلك(6) إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام، وقد يتولاّها أُمراء الأئمّة وعمّالهم(7) دونهم، كما كان يتولّى ذلك أُمراء الأنبياء عليهم السلام وولاتهم(8) ولا يخرجونهم(9) إلى تولّى(10) ذلك بأنفسهم، وكذلك (11) القول في الجهاد، ألا ترى أنّه يقوم به الولاة من قبل الأنبياء والأئمّة دونهم، ويستغنون بذلك عن تولّيه بأنفسهم.

فعُلم بما ذكرناه أنّ الذي أحوج إلى وجود الإِمام ومنع من عدمه(12)

____________

(1) ل. س. ط: لهم.

(2) ل: توالي.

(3) س. ط: بأتباعهم.

(*) ينأى.

(4) س. ط: بأتباعهم.

(5) ط: نبوّتهم.

(6) ع. ل. ر. س: ولذلك.

(7) ر: وقد يتولّى أُمراء الأئمّة لهم.

(8) ع. ر. ل. س: وولايتهم.

(9) س. ط: ولا يحوجونهم.

(10) ل: المولى، وفي حاشية ل: المتولي.

(11) ع. ر: ولذلك.

(12) ع. ل. س: عدّه.


الصفحة 107
ما(1) اختصّ به من حفظ الشرع، الّذي لا يجوز ائتمان(2) غيره عليه(3) ومراعاة الخلق في أداء ما كلّفوه من أدائه (آدابه).

فمن وجد منهم قائماً بذلك فهو في سعة من الإِستتار والصموت، ومتى وجدهم قد أطبقوا على تركه وضلّوا عن طريق الحقّ فيما كلّفوه من نقله ظهر لتولّي ذلك بنفسه ولم يسعه إهمال القيام به، فلذلك ما وجب في حجّة العقل وجوده وفسد منها عدمه المباين لوجوده(4) أو موته المانع له من مراعاة الدين وحفظه.

وهذ بيّن لمن تدبّره.

وشيء آخر، وهو: أنّه إذا غاب الإِمام للخوف على نفسه من القوم الظالمين، فضاعت(5) لذلك الحدود وانهملت به الأحكام ووقع به في الأرض الفساد، فكان السبب لذلك فعل الظالمين دون الله عز أسمه، وكانوا المأخوذين بذلك المطالبين به دونه.

فلوا أماته الله تعالى وأعدم(6) ذاته، فوقع لذلك الفساد وارتفع بذلك الصلاح، كان سببه فعل الله دون العباد، ولن يجوز من الله تعالى سبب الفساد ولا رفع(7) ما يرفع الصلاح.

فوضح بذلك الفرق بين [ موت ] الإِمام وغيبته واستتاره وثبوته، وسقط ما اعترض المستضعفون فيه من الشبهات، والمنّة لله.

____________

(1) ع. ل. ر: ممّا.

(2) ع. ل. ر: ايمان.

(3) لفظ: عليه، لم يرد في ل. ط.

(4) ل: بوجوده.

(5) ل: وضاعت.

(6) ط: أو أعدم.

(7) كذا.


الصفحة 108

الصفحة 109

الكلام(1) في الفصل الثامن

فامّا قول المخالفين: إنّا قد ساوينا بمذهبنا في غيبة صاحبنا عليه السلام السبائية(2) في قولهم: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يقتل وأنّه حيّ موجود، وقول الكيسانية: في محمّد بن الحنفية، ومذهب الناووسية: في أنّ الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام لم يمت، وقول الممطورة: في موسى بن جعفر عليه السلام أنّه لم يمت(3) وأنّه حيّ إلى أن يخرج بالسيف، وقول أوائل الإِسماعيلية وأسلافها: أنّ إسماعيل بن جعفر هو المنتظر وأنّه حيّ لم

____________

(1) ع. ل. س: القول.

(2) ل: الكيانية.

والسبائية: فرقة قالت: إنّ عليّاً لم يقتل ولم يمت، ولا يقتل ولا يموت، حتّى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وهي أوّل فرقة قالت في الاسلام بالوقف بعد النبيّ من هذه الأُمّة، وأوّل مَن قال منها بالغلوّ، وإنّما سمّوا بالسبائية نسبة لعبدالله بن سبأ.

فرق الشيعة: 22.

(3) من قوله: وقول الممطورة إلى هنا لم يرد في ر. ل. ط.


الصفحة 110
يمت، وقول بعضهم(1): مثل ذلك في محمّد بن إسماعيل(2)، وقول الزيدية: مثل ذلك(3) فيمن قتل من أئمّتها حتّى قالوه في يحيى بن عمر(4) المقتول بشاهي(5).

وإذا كانت(6) هذه الأقاويل باطلة عند الإِماميّة، وقولها في غيبة

____________

(1) فرقة زعمت أنّ الإِمام بعد الصادق عليه السلام محمّد بن اسماعيل بن جعفر، وقالوا: إنّ الأمر كان لاسماعيل في حياة أبيه، فلمّا توفي قبل أبيه جعل جعفر بن محمّد الأمر لمحمّد بن اسماعيل، وأصحاب هذا القول يسمّون المباركية لرئيس لهم يسمّى المبارك مولى إسماعيل بن جعفر.

فرق الشيعة: 80.

(2) محمّد بن اسماعيل بن جعفر بن محمّد، وهو الّذي سعى بعمّه موسى الكاظم إلى هارون الرشيد، وقال له: يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يجيء له الخراج وأنت بالعراق يجيء إليك الخراج، فقال: والله؟ قال: والله، وكان الإِمام الكاظم يصل محمّد بن جعفر كثيرا، حتّى أن محمّداً لما فارق الإِمام من المدينة قال: يا عمّ اوصني، فقال: اوصيك أن تتقي الله في دمي.

تنقيح المقال 2: 82.

(3) ر: في مثل ذلك.

(4) يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين السبط، ثائرٌ، خرج في ايام المتوكل العباسي سنة 235 واتجه ناحية خراسان بجماعة فردّه عبدالله بن طاهر إلى بغداد فضرب وحبس ثمّ أُطلق، فأقام مدّة في بغداد وتوجّه إلى الكوفة في أيام المستعين بالله، وقاربها وأخذ ما في بيت المال وفتح السجون وعسكر بالفلوجة، وقصده جيش فظفر عليه يحيى، وأقبل عليه جيش آخر جهّزه محمّد بن عبدالله بن طاهر، فاقتتلا بشاهي قرب الكوفة، فتفرق عسكر الطالبي وبقي في عدد قليل، وتقنطر به فرسه فقتل، وحمل رأسه إلى المستعين.

راجع: الأعلام 8: 160، وما ذكره من مصادر الترجمة.

(5) قال الحموي: موضع قرب القادسية فيما احسب.

معجم البلدان 3: 316.

(6) ع. ل. ر: كان.


الصفحة 111
صاحبها نظيرها، فقد بطلت أيضاً ووضح فسادها.

فصل:

فإنّا نقول: إنّ هذا توهّمٍ من الخصوم لو تيقظوا(1) لفساد ما اعتمدوه في حجاجٍ أهل الحقّ وظنّوه نظيراً لمقالهم: وذلك أنّ قتل من سمّوه قد كان محسوساً مدركاً بالعيان، وشهد(2) به أئمّة قاموا(3) بعدهم ثبتت إمامتهم بالشيء الذي به ثبتت(4) إمامة من تقدّمهم، والانكار للمحسوسات باطلٌ عند كافّة العقلاء، وشهادة الأئمّة المعصومين بصحّة موت الماضين منهم مزيلة لكلّ ريبة، فبطلت الشبهة فيه ما بيّناه.

وليس كذلك قول الإِماميّة في دعوى وجود صاحبهم عليه السلام، لأنّ دعوى وجود صاحبهم عليه السلام لا تتضمن دفع المشاهَد، ولا له إنكار المحسوس(5)، ولا قام بعد الثاني عشر من أئمّة الهدى عليهم السلام إمامٌ عدلٌ معصومٌ يشهد بفساد دعوى الإِماميّة أو وجود إمامها وغيبته.

فأيّ نسبة بين الأمرين، لو لا التحريف في الكلام، والعمل على اوّل خاطر يخطر للإِنسان من غير فكرٍ(6) فيه ولا إثبات.

____________

(1) س. ط: تفطّنوا.

(2) ع. ل. س: وشهدوا.

(3) ل: فاتموا.

(4) ل. ر: تثبت.

(5) س: انكاراً بمحسوس.

(6) ع. ل. ر. س: من فكر، والمثبت من ط، وهو الأنسب.


الصفحة 112

فصل:

ونحن فلم(1) ننكر غيبة من سمّاه الخصوم لتطاول زمانها، فيكون ذلك حجّةً علينا في تطاول مدّة غيبة صاحبنا، وإنّما أنكرناها بما ذكرناه من المعرفة واليقين بقتل من قتل منهم وموت مَن مات من جملتهم، وحصول العلم بذلك من جهة الإِدراك بالحواسّ.

ولأن في جملة مَن ذكروه من لم يثبت له إمامة من الجهات التي تثبت لمستحقّها على حال، فلا يضرّ لذلك دعوى مَن ادّعى له الغيبة والاستتار.

ومَن تأمّل ما ذكرناه عرف الحقّ منه، ووضح له الفرق بيننا وبين الضالّة من المنتسبين إلى الإِماميّة والزيدية ولم(2) يَخْفَ الفصلُ بين مذهبنا في صاحبنا عليه السلام ومذاهبهم الفاسدة بما قدّمناه، والمنّة لله.

* * *

____________

(1) س. ط: لم.

(2) ع. ل. ر: لم، بدون واو.


الصفحة 113

وأمّا الكلام في الفصل التاسع(1)

وهو قول الخصوم: إنّ(2) الإِماميّة تناقض مذهبها في إيجابهم الإِمامة(3)، وقولهم بشمول(4) المصلحة للأنام بوجود الإِمام وظهوره وأمره ونهيه وتدبيره، واستشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان العادل وتمكّنه من(5) البلاد والعباد.

وقولهم مع ذلك: إنّ الله تعالى قد أباح للإمام(6) الغيبة عن الخلق وسوّغ له(7) الاستتار(8) عنهم، وأنّ ذلك هو المصلحة وصواب التدبير للعباد.

وهذه مناقضة لا تخفى على العقلاء.

____________

(1) ع. ل: فصل: وأمّا الكلام في الفصل التاسع.

(2) ع. ل. ر: وإنّ.

(3) ع. س: للإمامة.

(4) ع. ر. س. ط: لشمول.

(5) في س. ط: وتمكنه في البلاد والعباد.

(6) ع. ل: الإِمام.

(7) ع. ل. س: وسوّغه.

(8) ع. س: للإِستتار.


الصفحة 114

فصل:

وأقول: إنّ هذه الشبهة الداخلة على المخالف إنّما استولت عليه لبعده عن سبيل الاعتبار ووجوه(1) الصلاح وأسباب الفساد، وذلك أنّ المصالح تختلف باختلاف الأحوال، ولا تتفق مع تضادّها، بل يتغيّر تدبير الحكماء في حسن النظر والاستصلاح بتغيّر(2) آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم في الأعمال.

ألا ترى أن الحكيم من البشر يدبّر ولده وأحبّته(3) وأهله وعبيده وحشمه بما(4) يكسبهم(5) المعرفة والآداب، ويبعثم على الأعمال الحسنات، ليستثمروا(6) بذلك المدح وحسن الثناء والإِعظام من كلّ أحدٍ والإِكرام، ويمكّنوهم من المتاجر والمكاسب للأموال(7)، لتتصل مسارّهم بذلك، وينالوا بما يحصل لهم من الأرباح الملذات(8)، وذلك هو الأصلح لهم، مع توقّرهم(9) على ما دبّرهم به من أسباب ما ذكرناه.

فمتى أقبلوا على العمل بذلك والجِدّ فيه، أداموا لهم ما يتمكّنون به

____________

(1) ل. ط: ووجود.

(2) س. ط: بتغيير.

(3) ل: وأخيه.

(4) ع. س. ط: ما.

(5) ل. ط: ينبؤهم، ويحتمل في ع. ر: يكسهم.

(6) ل. ط: ليستمرّوا.

(7) ل: الأموال، ط: في الأعمال.

(8) ع. ل. ر: اللذات.

(9) ع. ط: توفّرهم.


الصفحة 115
منه، وسهّلوا عليهم سبيله، وكان ذلك(1) هو الصلاح العام، وما أخذوا بتدبيرهم إليه وأحبّوه منهم وأبرّوه لهم.

وإن عدلوا عن ذلك إلى السفه والظلم، وسوء الأدب والبطالة، واللهو واللعب، ووضع المعونة على الخيرات في الفساد، كانت المصلحة لهم قطع موادّ السِعة(2) عنهم في الأموال، والاستخفاف بهم، والإِهانة والعقاب.

وليس في ذلك تناقض بين أغراض العاقل، ولا تضادّ في صواب التدبير والاستصلاح.

وعلى الوجه الّذي بيّناه كان تدبير الله تعالى لخلقه، وإرادته عمومهم بالصلاح.

ألا ترى أنّه خلقهم فأكمل عقولهم وكلّفهم الأعمال الصالحات، ليكسبهم(3) بذلك حالاً(4) في العاجلة، ومدحاً وثناءً حسناً وإكراماً وإعظاماً وثواباً في الآجل، ويدوم نعيمهم في دار المقام.

فان تمسّكوا بأوامر الله ونواهيه وجب في الحكم إمدادهم بما يزدادون به منه، وسهّل عليهم سبيله، ويسّره لهم.

وإن خالفوا ذلك وعصوه تعالى وارتكبوا نواهيه، وتغيّرت(5) الحال فيما يكون فيه استصلاحهم، وصواب التدبير لهم، يوجب(6) قطع موادّ(7)

____________

(1) لفظ: ذلك، لم يرد في ل. ط.

(2) ع. ل. ر. س: الشيعة، ويحتمل: الشنعة.

(3) ل: ليكسهم.

(4) س. ط: جمالاً.

(5) ل: لغيّرت.

(6) ل: لوجب.

(7) ع. ل. ر: موات.


الصفحة 116
التوفيق عنهم، وحَسُنَ منه وذمّهم وحربهم، ووجب عليهم(1) به العقاب، وكان ذلك هو الأصلح لهم(2) والأصوب(3) في تدبيرهم ممّا كان يجب في الحِكمة لو أحسنوا ولزموا السداد.

فليس ذلك بمتناقض في العقل ولا متضادّ في قول أهل العدل، بل هو ملتئم على المناسب والاتّفاق.

فصل:

ألا ترى أنّ الله تعالى دعا الخلق إلى الإِقرار به وإظهار التوحيد والإِيمان برسله عليهم السلام لمصلحتهم، وأنّه لا شيء أصوب في تدبيرهم من ذلك، فمتى اضطرّوا إلى إظهار كلمة الكفر للخوف على دمائهم كان الأصلح لهم والأصوب في تدبيرهم ترك الإِقرار بالله والعدول عن إظهار التوحيد والمظاهرة بالكفر بالرسل، وإنّما تغيّرت المصلحة بتغيّر الأحوال، وكان في تغير التدبير الّذي دبّرهم الله به فيما خلقهم له مصلحة للمتقين، وإن كان ما اقتضاه من فعل الظالمين قبيحاً منهم ومفسدةً يستحقّون به العقاب الأليم.

وقد فرض الله تعالى الحجّ والجهاد وجعلهما صلاحاً للعباد، فإذا تمكّنوا منه عمّت به المصلحة، وإذا منعوا منه بإفساد المجرمين كانت المصلحة لهم تركه والكفّ عنه، وكانوا في ذلك معذورين وكان المجرمون به ملومين(4).

فهذا نظيرٌ لمصلحة الخلق بظهور الأئمّة عليهم السلام وتدبيرهم إيّاهم

____________

(1) ل. ط: وحسن منه ذمهم وحر عليهم، وفي س. ع: جربهم، بدلاً من: حربهم.

(2) إلى هنا انتهت نسخة ع، فالاعتماد في ضبط النصّ يكون على نسخة: ل. ر. س. ط.

(3) ر. س: والأحقّ.

(4) ل. ر: ملومون.


الصفحة 117
متى أطاعوهم وانطووا على النصرة لهم والمعونة، وإن عصوهم وسعوا في سفك دمائهم تغيّرت الحال فيما يكون به تدبير مصالحهم، وصارت المصلحة له ولهم غيبته وتغييبه(1) واستتاره، ولم يكن عليه في ذلك لوم، وكان الملوم(2) هو المسبّب له بإفساده وسوء اعتقاده.

ولم يمنع كون الصلاح باستتاره(3) وجوب وجوده وظهوره، مع العلم ببقائه وسلامته وكون(4) ذلك هو الأصلح والأولى في التدبير، وأنّه الأصل(5) الّذي أجرى(6) بخلق العباد إليه وكلّفوا من أجله حسبما ذكرناه.

فصل:

فإنّ الشبهة الداخلة على خصومنا في هذا الباب، واعتقادها أنّ مذهب الإِماميّة في غيبة إمامها مع عقدها في وجوب الإِمامة متناقضّ، حسبما ظنّوه في ذلك وتخيّلوه، لا يدخل إلاّ على عمىً منهم مضعوف بعيد عن معرفة مذهب سلفه وخلفه في الإِمامة، ولا يشعر بما يرجع إليه في مقالهم به:

وذلك أنّهم بين رجلين:

أحدهما: يوجب الإِمامة عقلاً وسمعاً، وهم البغداديّون من

____________

(1) ل: وتغيبته.

(2) ل. ر: المليم.

(3) ل. ر: باستتار.

(4) ل. ر. س: كون، بدون واو.

(5) ر. س: للأصل.

(6) س. ط: احرى.

والمعنى: أن الصلاح الالهي الذي اقتضى غيبة الإِمام هو الأصل الذي كان خلق العباد للتوصل إليه ومن أجله.


الصفحة 118
المعتزلة(1) وكثير من المرجئة(2).

والآخر: يعتقد وجوبها(3) سمعاً وينكر أن تكون العقول توجبها، وهم البصريّون من المعتزلة(4) وجماعة المجبّرة(5) وجمهور الزيدية.

وكلّهم وإن خالف الإماميّة في وجوب النصّ على الأئمّة بأعيانهم، وقال بالاختيار أو الخروج بالسيف والدعوة إلى الجهاد، فإنّهم يقولون: إنّ وجوب اختيار الأئمّة إنّما هو لمصالح الخلق، والبغداديّون من المعتزلة خاصّة يزعمون أنّه الأصلح في الدين والدنيا معاً، ويعترفون بأنّ وقوع الاختيار وثبوت الإِمامة هو المصلحة العامّة، لكنّه متى تعذّر ذلك بمنع الظالمين منه كان الّذين إليهم العقد والنهوض(6) بالدعوة في سعةٍ من ترك ذلك وفي غير حرجٍ من الكفّ عنه، وأنّ تركهم له حينئذٍ يكون هو الأصلح، وإباحة الله تعالى لهم التقيّة في العدول عنه هو الأولى في الحِكمة وصواب التدبير في الدنيا والدين.

____________

(1) وهم أصحاب أبي الحسين بن أبي عمرو الخياط مع تلميذه أبي القاسم بن محمّد الكعبي ويعبّر عن مذهبهما بالخياطيّة والكعبية.

الملل والنحل 1: 73.

(2) ل: وهم البغداديّون من المعتزلة وكثير من المعتزلة وكثير من المرجئة.

(3) ر. ل. س: أنّ وجوبها.

(4) وهم أصحاب أبي عليّ محمّد بن عبد الوهاب الجبائي وابنه أبي هاشم عبد السلام، ويعبّر عن مذهبهما بالجبائية والبَهشَميّة.

الملل والنحل 1: 73.

(5) الجبريّة اصناف، فالجبرية الخالصة: هي الّتي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة على الفعل أصلاً، وأمّا من أثبت للقدرة الحادثة أثراً ما في الفعل وسمّى ذلك كسباً فليس بجبريّ.

الملل والنحل 1: 79.

(6) ع. ط: النهوض، بدون واو.


الصفحة 119
وهذا هو القول الّذي أنكره المستضعفون منهم على الإِمامية: في ظهور الإِمام وغيبته، والقيام بالسيف وكفّه عنه وتقيته، وإباحة شيعته عند الخوف على أنفسهم ترك الدعوة إليه على الإعلان، والإِعراض عن ذلك للضرورة إليه، والإِمساك عن الذكر له باللسان.

فيكف خفي الأمر فيه على الجهّال من خصومنا، حتّى ظنّوا بنا المناقضة وبمذهبنا في معناه التضادّ، وهو قولهم بعينه على السواء، لولا عدم التوفيق لهم وعموم الضلالة لقلوبهم بالخذلان، والله المستعان.

* * *


الصفحة 120

الصفحة 121

الكلام في الفصل العاشر

فأمّا قول الخصوم: إنّه إذا كان الإِمام غائباً منذ وُلد وإلى أن يظهر داعياً إلى الله تعالى، ولم يكن رآه على قول أصحابه أحدٌ إلاّ مَن مات(1) قبل ظهوره، فليس للخلق طريقٌ إلى معرفته بمشاهدة شخصه ولا التفرقة بينه وبين غيره بدعوته. وإذا لم يكن الله تعالى يظهر الأعلام والمعجزات على يده ليدل بها على أنّه الإِمام المنتظر، دون مَن ادعى مقامه في ذلك(2) النبوة له، إذ كانت المعجزات دلائل النبوّة والوحي والرسالة، وهذا نقض مذهبهم وخروج عن قول الأُمّة كلّها: أنّه لا نبي بعد نبينا عليه وآله السلام.

فصل:

فإنّا نقول: إنّ الأخبار قد جاءت عن أئمّة الهدى من آباء الامام المنتظر عليه السلام بعلامات تدّل عليه قبل ظهوره وتؤذن بقيامه بالسيف قبل سنته:

____________

(1) ر. ل. س: قدمات.

(2) كذا. ولعلّ الصحيح: واذا أظهر ثبتت...


الصفحة 122

منها:

خروج السفياني(1)، وظهور(2) الدّجال(2)، وقتل رجلٍ من ولد الحسن بن عليّ عليه(4) السلام يخرج بالمدينة داعياً إلى إمام الزمان(5)، وخسف بالبيداء(6).

وقد شاركت العامّة الخاصّة في الحديث عن النبي صلّى الله عليه وآله بأكثر هذه العلامات(7)، وأنّها كائنة لا محالة على القطع بذلك والثبات، وهذا بعينه معجزٌ يظهر على يده، يبرهن به عن صحّة نسبه ودعواه.

____________

(1) كمال الدين 2: 649 باب 57 ما روي في علامات خروج القائم عليه السلام، الغيبة للنعماني: 252 حديث 9، الغيبة للطوسي: 433 ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه.

(2) ل: وخروج خ ل.

(3) كمال الدين 2: 525 باب 47 حديث الدجال وما يتصل به من أمر القائم عليه السلام و2: 649 باب 57 ما وري في علامات خروج القائم عليه السلام، الغيبة للطوسي: 433 ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه.

(4) ل: عليهما.

(5) كمال الدين 2: 649 باب 57 ما روي في علامات خروج القائم عليه السلام، الغيبة للنعماني: 252 حديث 9: الغيبة للطوسي: 433 ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه.

(6) كمال الدين 2: 649 باب 57 ما روي في علامات خروج القائم عليه السلام، الغيبة للنعماني: 252 حديث 9: الغيبة للطوسي: 433 ذكر طرف من العلامات الكائنة قبل خروجه.

(7) راجع علائم الظهور عند أهل السنة في المصنف الجزء 11 باب المهديّ، سنن ابن ماجة 2: 23 حديث 4084، سنن أبي داود 4: 107 حديث 4286 و108 حديث 4289 البدء والتاريخ 1: 174 و176 و186، وللتفصيل أكثر راجع: الإِمام المهدي عند أهل السنة بجزأيه.


الصفحة 123

فصل:

مع أنّ ظهور الآيات على الأئمّة عليهم السلام لا توجب الهم الحكم بالنبوّة، لأنها ليست بأدّلة تختصّ بدعوة الأنبياء من حيث دعوا إلى نبوّتهم، لكنهّا أدلة على صدق الداعي إلى ما دعا إلى تصديقه فيه على الجملة دون التفصيل.

فإن دعا إلى اعتقاد نبوّتهم(1) كانت دليلاً على صدقه في دعوته، وإن دعا الإِمام إلى اعتقاد إمامته كانت برهاناً له في صدقه في ذلك، وإن دعا المؤمن الصالح إلى تصديق دعوته إلى نبوّة نبيّ أو إمامة إمام أو حكم سمعه من نبيّ أو إمام كان المعجزة على صحّة دعواه.

وليس يختصّ ذلك بدعوة النبوّة دون ما ذكرناه، وإن كان مختصّاً بذوي العصمة من الضلال وارتكاب كبائر الآثام، وذلك ممّا يصحّ اشتراك أصحابه مع الأنبياء عليهم السلام في صحيح(2) النظر والاعتبار.

وقد أجرى الله تعالى آية إلى مريم ابنة عمران، الآية الباهرة برزقها من السماء، وهو خرقّ للعادة(3) وعلمٌ باهرٌ من أعلام النبوّة.

فقال جلّ من قائل: (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَريا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أنّي لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ قالَ رّبِّ هَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّة طّيِّبةً إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ)(4).

____________

(1) س. ط: نبوّته.

(2) ر: تصحيح، ل: التصحيح.

(3) ل: خرقُ العادة.

(4) آل عمران 3: 37 ـ 38.


الصفحة 124
ولم يكن لمريم عليها السلام نبوّة ولا رسالة، لكنّها كانت من عباد الله الصالحين المعصومين من الزّلات.

وأخبر سبحانه أنّه أوحي إلى أُمّ موسى: (أنِ أرْضِعِيهِ فَإذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَالْقِيهِ في الْيَمّ ولا تَخافي ولا تَحْزَني إنّا رادُّوهُ إلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)(1).

والوحي معجزٌ من جملة معجزات الأنبياء عليهم السلام، ولم تكن أُمّ موسى عليها السلام نبيّة ولا رسولة، بل كانت من عباد الله البررة الأتقياء.

فما الّذي ينكر مِن إظهار علم يدلّ على عين الإِمام ليتميّز به عمّن سواه، ولولا أنّ مخالفينا يعتمدون في حجاجهم لخصومهم(2) الشبهات المضمحلاّت.

فصل:

وقد أثبتُّ في كتابي المعروف بـ الباهر من المعجزات(3) ما يقنع مَن أحبّ معرفة دلالتها والعلم بموضوعها والغرض في إظهارها على أيدي أصحابها، ورسمتُ منه جملة مقنعة في آخر كتابي المعروف بـ الايضاح.

فمن أحبّ الوقوف على ذلك فليلتمسه في هذين الكتابين، يجده على ما يزيل شبهات الخصوم في معناه إن شاء الله تعالى.

____________

(1) القصص 28: 7.

(2) ر: لخصومتهم.

(3) وسمّاه النجاشي في رجاله: 401 بالزاهر من المعجزات.

وهو يبحث عن معجزات الأنبياء والأئمّة، وأثبت فيه انّ المعجز غير مختصّ بالانبياء، وهذا الكتاب لا أثر له الآن.


الصفحة 125
فهذه جملة الفصول الّتي ضمنت إثبات معانيها(1)، ليتّضح(2) بذلك الحقّ فيها، ليعتبر به ذوي(3) الألباب، وقد وفيت(7) بضماني في ذلك، والله الموفق للصواب.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد النبيّ وآله، وسلّم كثيراً، ولا حول(5) ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم وحده وحده(6).

* * *

____________

(1) ر. ل: في معانيها.

(2) ل: ليصحّ.

(3) ل: من ذوي.

(4) ل: وافيتُ.

(5) لفظ: ولا حول، لم يرد في ر.

(6) ر: ولا قوّة إلاّ بالله وحده وحده، ولفظ: وحده وحده، لم يرد في ل. س.


الصفحة 135

فهرس مصادر التحقيق

(1) القرآن الكريم.

(2) الاحتجاج، لابي منصور أحمد بن عليّ الطبرسي، مكتبة النعمان النجف.

(3) الإِرشاد في معرفة حجج الله على العباد، للشيخ المفيد محمّد بن النعمان، مؤسسة الأعلمي بيروت 1399 هـ.

(4) الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لأبي عمرو يوسف بن عبدالله النمري، المتوفيّ سنة 463 هـ.

(5) الأعلام، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين بيروت.

(6) أعيان الشيعة، للسيّد محسن الأمين دار التعارف بيروت 1403 هـ.

(7) الأغاني، لأبي الفرج عليّ بن الحسين الاصفهاني، دار إحياء التراث العربي بيروت.

(8) الإِمام المهدي عند اهل السنة لمهدي فقيه إيماني، مكتبة الإِمام امير المؤمنين عليه السلام اصفهان.


الصفحة 136
(9) والأنساب، لأبي سعيد عبد الكريم بن محمّد السمعاني، المتوفّي سنة 563، الطبعة الثانية 1400 هـ نشر محمّد أمين بيروت.

(10) البحار، للشيخ المجلسي محمّد باقر، مؤسسة الوفاء ودار إحياء التراث العربي بيروت 1403 هـ.

(11) البدء والتاريخ، لأبي زيد أحمد بن سهل البلخي، طبع مكتبة المثنى بغداد، بالتصوير على طبعة باريس.

(12) تاريخ الأُمم والملوك، لمحمّد بن جرير الطبري، المتوفّي سنة 310، دار المعارف مصر الطبعة الثانية.

(13) تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي، للسيّد هاشم البحراني، تحقيق ونشر مؤسسة المعارف الإِسلامية قم، الطبعة الأُولى 1411هـ.

(14) تذكرة الخواص، ليوسف بن فرغلي سبط الحافظ بن الجوزي، المتوفّى سنة 654 أو 655، منشورات المطبعة الحيدرية النجف.

(15) تقريب المعارف، لأبي الصلاح الحلبي تقي الدين، انتشارات جماعة المدرسين قم.

(16) تنقيح المقال، للشيخ عبدالله المامقاني، المطبعة المرتضوية النجف.

(17) تهذيب تاريخ ابن عساكر، لعبد القادر بدران، طبع دمشق 1329هـ.

(18) تهذيب التهذيب، لاحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، المتوفيّ سنة 852، طبع دائرة المعرف الهند 1325 هـ.

(19) حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصفهاني، طبع مصر 1351هـ.

(20) حياة الحيوان الكبرى، لكمال الدين الدميري، دار الفكر بيروت.

(21) الخلاصة، للعلاّمة الحلي الحسن بن يوسف المتوفيّ 726هـ، منشورات الرضي قم.

(22) دعوى السفارة في الغيبة الكبرى، لمحمّد سند، انتشارات داوري قم 1411 هـ.


الصفحة 137
(23) الذريعة، لأقا بزرك الطهراني، دار الأضواء بيروت.

(24) رجال ابن داود، لتقي الدين الحسن بن عليّ بن داود الحلي، منشورات الرضي قم.

(25) رجال الشيخ، لابي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، منشورات الرضي قم.

(26) رجال النجاشي، لأبي العباس أحمد بن عليّ النجاشي الأسدي الكوفي، المتوفي سنة 450، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين قم 1407 هـ.

(27) السنن، لأبي داود سليمان بن الأشعث، المتوفّى سنة 275، دار إحياة النسة النبويّة.

(28) السنن، لأبي عبدالله محمّد بن يزيد القزويني ابن ماجة،المتوفّى سنة 275، دار احياء الكتب العربية.

(29) الصحاح، للجوهري، دار العلم للملايين بيروت.

(30) صفة الصفوة، لأبي الفرج ابن الجوزي، حيدر آباد 1355 هـ.

(31) طبقات الفقهاء، لأبي إسحاق الشيرازي، دار القلم بيروت.

(32) الطبقات الكبرى، لابن سعد، طبعة دار صادر بيروت، وطبعة دار بيروت للطباعة والنشر.

(33) العبر في خبر مَن عبر، للحافظ الذهبي، المتوفّى سنة 748، طبع جامعة الدول العربية الكويت 1960م.

(34) الغيبة، للشيخ الطوسي محمّد بن الحسن، تحقيق ونشر مؤسسة المعارف الإِسلامية قم 1411 هـ.

(35) الغيبة، للنعماني أبي زينب محمّد بن إبراهيم، من اعلام القرن الرابع، مكتبة الصدوق طهران.


الصفحة 138
(36) فرق الشيعة، لأبي محمّد الحسن بن موسى النوبختي، من أعلام القرن الثالث، المطبعة الحيدرية النجف.

(37) الفصول العشرة، للشيخ المفيد، المطبعة الحيدريّة النجف 1370هـ.

(38) الفهرست، لابن النديم، دار المعرفة بيروت.

(39) الفهرست، للشيخ الطوسي محمّد بن الحسن، وبذيله طبع كتاب نضد الإِيضاح.

(40) قصص الأنبياء، لقطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي، نشر مجمع البحوث الإِسلامية مشهد 1409هـ.

(41) الكافي، اللكليني الرازي محمّد بن يعقوب، دار الكتب الإسلامية طهران.

(42) كشف الحجب والاستار عن وجه الكتب والأسفار، للسيّد اعجاز حسين النيسابوري الكنتوري، المكتبة العامة لآية الله المرعشي قم 1409هـ.

(43) كمال الدين، للشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه، المتوفّى سنة 381، دار الكتب الإِسلامية طهران.

(44) كنز الفوائد، لإبي الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكي، المتوفّى سنة 449، دار الأضواء بيروت 1405 هـ.

(45) الكنى والألقاب، للشيخ عبّاس القمي، انتشارات بيدار قم.

(46) لؤلؤة البحرين، للشيخ يوسف البحراني، مؤسسة آل البيت قم.

(47) لسان العرب، لمحمّد بن مكرم بن منظور الافريقي المصري، دار صادر بيروت.

(48) لغت نامة دهخدا، لعليّ أكبر دهخدا، مطبعة دانشكاه طهران 1349 هـ ق.

(49) مجلة تراثنا، فصلية تصدر عن مؤسسة آل البيت قم.


الصفحة 139
(50) مروج الذهب، لأبي الحسن عليّ بن الحسين المسعودي، المتوفّى سنة 346، منشورات دار الهجرة قم 1409 هـ.

(51) المصنف، لأبي بكر عبد الرزاق بن همّام الصنعاني، المتوفّى سنة 211، طبع المجلس العلمي.

(52) مطالب السؤل في مناقب آل الرسول، لكمال الدين محمّد بن طلحة القرشي الشافعي، المتوفى سنة 652، دار الكتب التجارية النجف.

(53) معالم العلماء، لمحمّد بن عليّ بن شهرآشوب المازندراني، المتوفّى سنة 588، مطبعة الحيدرية النجف 1380 هـ.

(54) معجم البلدان، لشهاب الدين باقوت بن عبدالله الحموي، دار صادر بيروت 1399 هـ.

(55) معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، للسيّد أبو القاسم الخوئي، دار الزهراء بيروت 1403 هـ.

(56) المعمّرون، لأبي حاتم السجستاني المتوفّى سنة 250، دار إحياء الكتب العربية.

(57) الملل والنحل:، لأبي الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني، المتوفّى سنة 548، منشورات الشريف الرضي قم.

(58) المناقب، لان شهرآشوب المازندراني، انتشارات علامة قم.

(59) المنجد في اللغة والأعلام، عدّة من المؤلّفين، دار المشرق بيروت.

(60) الوصايا، لأبي حاتم السجستاني، دار إحياء الكتب العربية.

(61) وفيات الأعيان وانباء ابناء الزمان، لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمّد بن خلّكان، المتوفّى سنة 681، دار صارد بيروت.

* * *