الصفحة 161

قال: فقال عمر بن الخطاب: صدقت يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إن علياً كما ذكرت، وفوق ما وصفت، ولكني أخاف عليك خصلة منه واحدة.

قال له أبو بكر: ما هذه الخصلة التي تخاف علي منها منه؟.

فقال عمر: أخاف أن يأبى القتال القوم، فلا يقاتلهم، فإن أبى ذلك، فلن تجد أحداً يسير إليهم (1) إلاَّ على المكروه منه.

ولكن ذر علياً يكون عندك بالمدينة، فإنك لا تستغني عنه، وعن مشورته. واكتب إلى عكرمة الخ..» (2).

وبعد.. فأن يجدوا أمير المؤمنين (عليه السلام) قائداً عسكرياً، يراه الناس تحت أمرهم، وفي خدمتهم أحب إليهم من أن يجدوه منافساً قوياً، يحتج عليهم بأقوال ومواقف النبي (صلى الله عليه وآله) في حقه (4).

وأما عن مشورة أمير المؤمنين على عمر في ما يرتبط بحرب الفرس، فإنما كان يهدف منها إلى الحفاظ على بيضة الإسلام، كما يظهر من نفس نص كلامه

____________

(1) هذه الكلمات تدل على مدى ما ككان يتمتع به أمير المؤمنين من احترام وتقدير لدى الناس جميعاً، بحيث لو لم يقاتل لم يقاتل أحد من الناس!! وإن كانوا ربما لا يقاتلون معه لو أرادهم على ذلك.

(2) الفتوح لابن أعثم ج 1 ص 72.

(3) شرح النهج للمعتزلي ج 12 ص 78.

(4) وقد قال المحقق البحاثة الشيخ علي الأحمدي الميانجي هنا ما يلي: إنه هل يمكن للخليفة الذي عزل خالد بن سعيد بن العاص عن امارة الجيش، لميله إلى علي (عليه السلام) ـ هل يمكن ـ أن يرغب في تولية علي (عليه السلام) هنا؟! اللهم إلا أن يكون هناك تخطيط بأن يقوم بعرض ذلك عليه، فإن قبله، فإن ذلك يكون تأييداً لخلافتهم، ثم يعزلونه إيذاناً منهم للناس بعدم كفايته.. فيربحون في الحالتين.. أو يقال: إن الظروف في عهد أبي بكر تختلف عنها في عهد عمر.


الصفحة 162
(عليه السلام) فيها.. فمن أراد ذلك فليراجعه في مصادره..

وبعد.. فإن أخذ سائر ما قدمناه بنظر الاعتبار، يجعلنا نطمئن، بل نقطع بعدم صحة ما ينسب إلى الحسنين (عليهما السلام) من الاشتراك في الغزوات آنئذٍ.

وقد قال السهمي: «وذكر عباس بن عبد الرحمن المروزي في كتابه: التاريخ، قال: قدم الحسن بن علي، وعبد الله بن الزبير اصبهان، مجتازين إلى جرجان، فإن ثبت هذا يدل: على أنه كان في أيام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه» (1).

وأما بالنسبة لاشتراك بعض المخلصين من كبار الصحابة في الفتوح، فالظاهر هو أنهم كانوا غافلين عن حقيقة الأمر، فكانوا يقصدون بذلك خدمة الدين، ونصرة الإسلام والمسلمين، مع عدم إطلاعهم على رأي الأئمة (عليهم السلام) في هذه الفتوحات، كما يظهر مما تقدم، حيث نجد اهتماماً واضحاً في أن لا يعرف الناس رأي علي (عليه السلام) في هذا المجال، أو لعل السلطة كانت تهتم في إرسالهم في مهمات كهذه، وتمارس عليهم بعض الضغوط في ذلك.

الإمام الحسن (عليه السلام) وحصار عثمان:

ويروي المؤرخون: أنه حينما حاصر الثائرون عثمان، بعث الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بولديه: الحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهما، للدفاع عنه، كما وبعث طلحة والزبير بولديهما أيضاً.

ويقولون: إن الإمام الحسن (عليه السلام) قد جرح، وخضب بالدماء على باب عثمان، من جراء رمي الناس عثمان بالسهام، ثم تسوّر الثائرون الدار على عثمان، وقتلوه.

وجاء الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، كالواله الحزين، فلطم

____________

(1) تاريخ جرجان ص 9.


الصفحة 163
الحسن، وضرب صدر الحسين (عليهما السلام)، وشتم آخرين، منكراً عليهم أن يقتل عثمان، وهم على الباب (1).

وقد استبعد البعض ذلك، استناداً إلى أن خطة عثمان وسيرته، تبعد كل البعد ما نسب إلى علي وولديه (عليهم السلام). كما ويبعدها: أن يتخذوا موقفاً يخالف موقف البقية الصالحة من الصحابة، وينفصلوا عنهم. ولو فرض صحة ذلك، فإنه لم يكن إلا لتبرير موقفه وموقف أبنيه عليهما الصلاة والسلام من الاشتراك في دمه، وأن لا يتهمه المغرضون بشيء (2).

ويلوح من كلام السيد المرتضى رحمه الله أيضاً شكه في إرسال أمير المؤمنين (عليه السلام) ولديه للدفاع عن عثمان، قال: «فإنما أنفذهما ـ إن كان أنفذهما ـ ليمنعا من انتهاك حريمه، وتعمد قتله، ومنع حرمه ونسائه من الطعام والشراب. ولم ينفذهما ليمنعا من مطالبته بالخلع» (3).

وعلى حد تعبير العلامة الحسني رحمه الله: «ومن المستبعد أن يزج بريحانتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تلك المعركة للدفاع عن الظالمين، وهو الذي وهب نفسه وكل حياته للحق والعدالة، وإنصاف المظلومين (4).

ويرى باحث آخر: «أن الخليفة كان مستحقاً للقتل بسوء فعله، كما أن

____________

(1) راجع: الصواعق المحرقة ص 115/116، ومروج الذهب ج 2 ص 344/345، والإمامة والسياسة ج 1 ص 44 و 43 وأنساب الأشراف ج 5 ص 70 و 69 و 74 و 80 و 93 و 95 والبدء والتاريخ ج 5 ص 206، وتاريخ مختصر الدول ص 105 وسيرة الأئمة الإثني عشر ج 1 ص 527 و 540 عن ابن كثير، وتاريخ الطبري ج 3 ص 418 و 419 ودلائل الصدق ج 3 قسم 1 ص 193 عن بعض من تقدم وعن ابن الأثير، وابن عبد البر، والفخري في الأداب السلطانية ص 98 وفيه: أن الحسن قاتل قتالاً شديداً، حتى كان يستكفه، وهو يقاتل عنه، ويبذل نفسه دونه والعقد الفريد ج 4 ص 290 و 291.

(2) راجع: حياة الحسن (عليه السلام) للقرشي ج 1 ص 115/116.

(3) شرح النهج للمعتزلي ج 3 ص 8.

(4) سيرة الأئمة الإثني عشر ج 1 ص 428.


الصفحة 164
قتلته، أو الراضون بقتله هم جمهرة الصحابة الأخيار، ولا يعقل أن يقف الحسنان في وجه هؤلاء وضدهم» (1).

ونقول:

1 ـ أما ما ذكره هؤلاء من أن الصحابة الأخيار كانوا هم قتلة عثمان، أو الراضون بقتله، فهو صحيح، ولكن مما لا شك فيه، هو أنه قد كان من بينهم أيضاً بعض من ثار على عثمان، من أمثال الزبير، وطلحة وغيرهما ولكن لا لأجل الانتصار للحق، وللمظلومين، وإنما من أجل الحصول على بعض المكاسب الدنيوية.

2 ـ وأما ماذكرته الرواية: من أن طلحة والزبير قد أرسلا بإبنيهما للدفاع عن عثمان، فهو مما لا ريب في بطلانه، فإن المصادر الموثوقة قد أطبقت: على أن طلحة، والزبير، وعائشة، وغيرهم، كانوا من أشد الناس على عثمان.. (ولا نرى حاجة لذكر مصادر ذلك، فإنه من بديهيات التاريخ..).

3 ـ وأما أنه (عليه السلام) قد ضرب الحسن (عليه السلام)، ودفع في صدر الحسين، فهو غير صحيح أيضاً، فإن علياً (عليه السلام) قد كرر غير مرة: أن قتل عثمان لم يسره ولم يسؤه (2).. كما أنه لم يكن ليتهم الحسنين (عليهما السلام) بالتواني في تنفيذ الأوامر التي يصدرها إليهما، وهما من الذين نصَّ الله سبحانه على تطهيرهم، وأكد النبي (صلى الله عليه وآله) على عظيم فضلهم، وسامق مجدهم، وعلى محبته العظيمة لهم.

وأما بالنسبة للدفاع عن عثمان. فإنَّ ثمة وجهة نظر أخرى جديرة بالتقدير، وقمينة بأن تقدم تفسيراً صحيحاً، ومنطلقاً موضوعياً ومنطقياً لموقف أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه القضية. لا مجرد عدم توجيه أصابع الاتهام إليه (عليه السلام)، في موضوع قتل عثمان.

وملخص ما يمكن اعتباره كافياً لتبرير دفاع أمير المؤمنين (عليه السلام) عن

____________

(1) الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) لآل يس ص 50/51.

(2) راجع: الغدير ج 9 ص 69 ـ 77 عن مصادر كثيرة.


الصفحة 165
عثمان، هو:

أن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإن كان لا يرى خلافة عثمان شرعية من الأساس، وكان كذلك على اطلاع تام على جميع المخالفات والتجاوزات، التي كانت تصدر من الهيئة الحاكمة باستمرار. ويرى رأي العين: أن فسادها قد استشرى، وتفاقم خطره، حتى لم يعد من السهل تحمله، أو الإغضاء عنه..

إنه.. وإن كان يرى ذلك ـ إلا أنه لم يكن يرى: أن علاج الأمر بهذا الأسلوب الانعالي العنيف هو الطريقة المثلى والفضلى.. وقد نقل عنه (عليه السلام) قوله عن عثمان: إنه استأثر فأساء الأثرة، وجزعوا فأساؤوا الجزع (1).

وما ذلك.. إلا أن هذا الأسلوب بالذات، وقتل عثمان في تلك الظروف، وعلى النحو الذي كان، لم يكن بالذي يخدم القضية، قضية الإسلام، بل كان من شأنه أن يلحق بها ضرراً فادحاً، وجسيماً.. إذ أنه سوف يعطي الفرصة لأولئك المترصدين من أصحاب المطامع والأهواء لركوب الموجة، واستغلال جهل الناس، وضعفهم، وظروف حياتهم، بملاحظة ما تركت عليهم السياسية من آثار في مفاهيمهم، وفي عقليتهم، ونظرتهم، وفي عقائدهم، وغير ذلك.. ـ لسوف يعطي هؤلاء الفرصة، لاستغلال كهذا. ورفع شعار الأخذ بثارات عثمان، واتخاذ ذلك ذريعة للوقوف في وجه الشرعية المتمثلة بأمير المؤمنين (عليه السلام)، وإلقاء الشبهات والتشكيكات حول علي، وأصحاب علي (عليه السلام).. الأمر.. الذي نشأ عنه حروب الجمل، وصفين، والنهروان، على النحو الذي سجله التاريخ..

وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) مدركاً ذلك كله، ومطلعاً عليه بصورة تامة، حتى انه حينما جاءه اليمنيون لتهنئته بالخلافة، قال لهم: «إنكم صناديد اليمن وساداتها، فليت شعري، إن دهمنا أمر من الأمور كيف صبركم على ضرب الطلا، وطعن الكلا» (2).. الأمر الذي يعني: أنه كان يتوقع منذئذٍ حروباً، لا بد

____________

(1) نهج البلاغة ج 1 ص 72 بشرح عبده، الخطبة رقم 29.

(2) الفتوح لابن أعثم ج 2 ص 255.


الصفحة 166
له من خوضها، ضد أصحاب المطامع والمنحرفين.

وقد كان ذلك بطبيعة الحال وَبَالاً على الإسلام، وعلى المسلمين، وسبباً للكثير من المصائب والبلايا، التي لا يزال يعاني الإسلام والمسلمون من آثارها..

وإذا كان علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يرغب في قتل عثمان يهذه الصورة التي حدثت، وإذا كان قد أرسل الحسنين (عليهما السلام) للدفع والذب عنه، وإذا كان قد بلغ في دفاعه عنه حداً جعل مروان يعترف بذلك ويقول:

«ما كان أحد أدفع عن عثمان من علي، فقيل له: ما لكم تسبونه على المنابر؟ قال: إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك» (1).

ويقول علي (عليه السلام): «واللهِ، لقد دفعت عنه، حتى خشيت أن أكون آثماً» (2).

إنه إذا كان كذلك.. فإنه لم يكن يريد أن يكون ذلك الدفع عن عثمان، موجباً لفهم خاطيء لحقيقة رأيه في عثمان، وفي مخالفته.. فكان يذكر تلك المخالفات تصريحاً تارة، وتلويحاً أخرى، كما أنه كان يجيب سائليه عن أمر عثمان بأجوبة صريحة أحياناً، ومبهمة أحياناً أخرى، أو على الأقل لا تسمح بالتشبث بها واستغلالها، من قبل المغرضين والمستغلين (3)..

كما أن دفاعه (عليه السلام) عن عثمان، ومحاولته دفع القتل عنه، لا يعني: أنه كان يسكت عن تلك المخالفات الشنيعة، التي كانت تصدر منه، ومن أعوانه.. ولا أنه لا يرى بها خطراً داهماً ومدمراً.. بل ما فتىء (عليه السلام)

____________

(1) الصواعق المحرقة ص 53 والنصائح الكافية ص 88 عن الدارقطني.

(2) نهج البلاغة، بشرح عبده ج 2 ص 261، ومصادر نهج البلاغة ج 3 ص 189 عن العديد من المصادر، وبهج الصباغة ج 6 ص 79 عن الطبري، وفيه: والله، ما زلت أذب عنه حتى إني لأستحي الخ..

(3) راجع هذه الأجوبة في: كتاب الغدير ج 9 ص 70 ـ بل راجع من ص 69 حتى ص 77.


الصفحة 167
يجهر بالحقيقة مرة بعد أخرى، وقد حاول إسداء النصيحة لعثمان في العديد من المناسبات، حتى ضاق عثمان به ذرعاً، فأمره أن يخرج إلى أرضه بينبع (1).

كما أنه ـ أي عثمان ـ قد واجه الإمام الحسن (عليه السلام) بأنه لا يرغب بنصائح أبيه، وذلك لأنه:

«كان علي كلما اشتكى الناس إليه أمر عثمان، أرسل إبنه الحسن (عليه السلام) إليه، فلما أكثر عليه، قال: أن أباك يرى:

أن أحداً لا يعلم ما يعلم؟ ونحن أعلم بما نفعل، فكف عنا، فلم يبعث علي ابنه في شيء بعد ذلك..» (2).

وهكذا.. يتضح: أن نصرة الحسنين (عليهما السلام) لعثمان، بأمر من أبيهما أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، قد كانت منسجمة كل الانسجام مع خطهم (عليهم السلام)، الذي هو خط الإسلام الصافي، والصحيح. وهو يدخل في عداد تضحياتهما الجسام ـ وما أكثرها ـ في سبيل هذا الدين، ومن أجل إعلاء كلمة الحق.. كما أنه دليل واضح على بعد نظرهم، وعلى دقة وعمق تفكيرهم..

معاوية هو قاتل عثمان:

ولا نذهب بعيداً إذا قلنا: إن معاوية قد أدرك منذ البداية: أن قتل عثمان يخدم مصالحه وأهدافه، وأنه كان يرغب في أن يتم على عثمان ما تم.. وقد استنجده عثمان، فتلكأ عنه، وتربص به، ثم أرسل جيشاً، وأمره بالمقام بذي خشب، ولا يتجاوزها. وحذر قائده من أن يقول:

____________

(1) نهج البلاغة، بشرح عبده ج 2 ص 261 وبهج الصباغة ج 6 ص 79 عن الطبري، ومصادر نهج البلاغة ج 3 ص 189 عن العديد من المصادر، والغدير ج 9 ص 60 ـ 62 و 69 عن مصادر أخرى أيضاً.

(2) الغدير ج 9 ص 71 عن العقد ج 2 ص 274 وعن الإمامة والسياسة ج 1 ص 30.


الصفحة 168
«الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فإنني أنا الشاهد وأنت الغائب. قال: فأقام بذي خشب، حتى قتل عثمان، فاستقدمه حينئذٍ معاوية، فعاد إلى الشام بالجيش الذي كان أرسل معه. وإنما صنع ذلك معاوية ليقتل عثمان، فيدعو إلى نفسه» (1).

وكتب علي أمير المؤمنين (عليه السلام) إليه: «ولعمري، ما قتله غيرك، ولا خَذَلَهُ سواك، ولقد تربصت به الدوائر، وتمنيت له الأماني» (2).

وعنه (عليه السلام) فيما كتبه له: «إنك إنما نصرت عثمان حينما كان النصر لك، وخذلته حينما كان النصر له» (3).

وكتب أبو أيوب الأنصاري لمعاوية: «فما نحن وقتلة عثمان؟ إن الذي تربص بعثمان، وثبط أهل الشام عن نصرته لأنت الخ» (4).

وكتب إليه شبث بن ربعي: «إنك لا تجد شيئاً تستغوي به الناس، وتستميل له أهواءهم، وتستخلص به طاعتهم، إلا أن قلت لهم: قتل إمامكم مظلوماً، فهلموا نطلب بدمه، فاستجاب لك سفهاء طغام رذال، وقد علمنا أنك قد أبطأت عنه بالنصر، وأحببت له القتل بهذه المنزلة التي تطلب» (5).

____________

(1) شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 154 والنصائح الكافية ص 20 عن البلاذري، والإمام علي بن أبي طالب سيرة وتاريخ ص 166.

(2) شرح النهج للمعتزلي ج 3 ص 411 ط قديم، والغدير ج 9 ص 150 والنصائح الكافية ص 20 عن الكامل، والبيهقي في المحاسن والمساوي، والإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) سيرة وتاريخ ص 167 عن الأول.

(3) راجع: نهج البلاغة ج 3 ص 70 ط عبده والنصائح الكافية ص 20 وشرح النهج للبحراني ج 5 ص 81 وعن شرح المعتزلي ج 4 ص 57.

(4) الإمامة والسياسة ج 1 ص 109/110 والغدير ج 9 ص 151 عنه، وعن شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 260.

(5) وقعة صفين ص 187/188، وتاريخ الطبري ج 3 ص 570، والغدير ج9 ص 151، عنهما وعن الكامل لابن الأثير ج 3 ص 123 وعن شرح النهج للمعتزلي ج 1 ص 342

الصفحة 169
وقال الطبري: فلما جاء معاوية الكتاب تريض به، وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقد علم اجتماعهم. فلما أبطأ أمره على عثمان الخ (1).

وكتب إليه ابن عباس: «.. فأقسم بالله، لأنت المتربص بقتله، والمحب لهلاكه، والحابس الناس قِبَلك عنه.. ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ فما حفلت به.. فقتل كما كنت أردت.. فإن يك قتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمين» (2).

ولابن عباس كتاب آخر يذكر له فيه ذلك أيضاً (3).

كما أن المنقري يقول: إنه لما نُعِيَ عثمان إلى معاوية: «ضاق معاوية صدراً بما أتاه، وندم على خذلانه عثمان، وقال في جملة أبيات له:


ندمت على ما كان من تبعي الهوىوقصري فيه حسرة وعويل (4)

الأبيات..

وحينما سأل معاوية أبا الطفيل الكناني عن سبب عدم نصره عثمان، قال له: «منعني ما منعك، إذ تربَّص به ريب المنون، وأنت بالشام. قال: أو ما ترى طلبي بدمه نصرة له؟ فضحك أبو الطفيل، ثم قال: أنت وعثمان كما قال الشاعر الجعدي:

____________

(1) تاريخ الطبري ج 3 ص 402.

(2) شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 155، والإمام علي بن أبي طالب سيرة وتاريخ ص 167 عنه.

(3) الفتوح لابن أعثم ج 3 ص 256 والمناقب للخوارزمي ص 181 والإمامة والسياسة ج 1 ص 113 وشرح النهج للمعتزلي ج 8 ص 66 والغدير ج 10 ص 325.

(4) وقعة صفين ص 79 والإمام علي بن أبي طالب سيرة وتاريخ ص 166/167 عنه والغدير ج 9 ص 151 والفتوح لابن أعثم ج 2 ص 266.


الصفحة 170

لا ألفينك بعد الموت تندبنيوفي حياتي ما زودتني زادا (1)

بل لقد ذكر اليعقوبي: أن معاوية أمر الجيش بالمقام في أوائل الشام، وأن يكونوا مكانهم، حتى يأتي عثمان ليعرف صحة الأمر، فأتى عثمان وسأله عن المدة، فقال: قد قدمت لأعرف رأيك وأعود إليهم، فأجيئك بهم. قال: «لا والله، ولكنك أردت أن أقتل فتقول: أنا ولي الثار. إرجع فجئني بالناس، فرجع ولم يعد إليه حتى قتل..» (2).

وقد اعترف معاوية نفسه للحجاج بن خزيمة بأنه قد قعد عن عثمان، وقد استغاث به فلم يجبه، وأنه قال في ذلك أبياتاً (3)، وهي الأبيات اللامية التي أشرنا إليها آنفاً.

وصرح الشهرستاني بأن جميع عمال عثمان وأمراءه قد «خذلوه، ورفضوه حتى أتى قدره عليه»، وهم: معاوية، وسعد بن أبي وقاص، والوليد بن عقبة، وعبد الله بن عامر، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح (4).

وقال له ابن عباس في المدينة، حينما اتهم بني هاشم بقتل عثمان: «أنت قتلت عثمان، ثم قمت تغمص على الناس أنك تطلب بدمه، فانكسر معاوية» (5).

وكتب محمد بن مسلمة لمعاوية: «.. ولعمري يا معاوية، ما طلبت إلا الدنيا، ولا اتبعت إلا الهوى، ولئن كنت نصرت عثمان ميتاً،

____________

(1) مروج الذهب ج 3 والنصائح الكافية ص 21 والعقد الفريد ج 4 ص 30 عن تاريخ الخلفاء، والإمام علي بن أبي طالب سيرة وتاريخ ص 168 والغدير ج 9 ص 139/140 عن تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 33 وعن تاريخ ابن عساكر ج 7 ص 201 وعن الاستيعاب، في الكنى، والإمامة والسياسة ج 1 ص 151 والمسعودي.

(2) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 175.

(3) الفتوح لابن أعثم ج 2 ص 265.

(4) الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 26 وراجع هامش: الشيعة في التاريخ ص 142.

(5) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 223.


الصفحة 171
خذلته حياً» (1).

ومن كتاب لأمير المؤمنين (عليه السلام) إليه: «أما بعد، فوالله ما قتل ابن عمك غيرك، وإني لأرجو أن ألحقك به على مثل ذنبه، وأعظم من خطيئته» (2).

كما أن الاصبغ بن نباته قد واجهه بمثل ما تقدم عن غير واحد (3).

وكذلك.. فإن الإمام الحسن (عليه السلام) قال له: «ثم ولاك عثمان فتربصت عليه» (4). وقال معاوية لعمرو بن العاص:

«صدقت، ولكننا نقاتله على ما في أيدينا، ونلزمه قتل عثمان. قال عمرو: واسوأتاه، ان أحق الناس ألا يذكر عثمان لا أنا ولا أنت. قال: ولم؟ ويحك. قال: أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام، حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي، فسار إليه:

وأما أنا فتركته عياناً، وهربت إلى فلسطين. فقال معاوية: دعني من هذا الخ..» (5).

ولما وصلت رسالة عثمان الاستنجادية إلى معاوية، قال له المسور بن مخرمة: «يا معاوية، إن عثمان مقتول، فانظر فيما كتبت به إليه، فقال معاوية: يا مسور، إني مصرح: إن عثمان بدأ فعمل بما يحب الله ويرضاه، ثم غير وبدل، فغير الله عليه، أفيتهيأ لي أن أرد ما غير الله عز وجل؟» (6).

فهو يستدل بالجبر من أجل تبرير تخاذله عن نصر عثمان!!.

هل جرح الإمام الحسن (عليه السلام) في الدفاع عن عثمان:

ويبقى أن نشير: إلى أننا نشك في صحة ما ذكرته الرواية من أن الإمام

____________

(1) الإمامة والسياسة ج 1 ص 101 والغدير ج 10 ص 333.

(2) الغدير ج 9 ص 76 والعقد الفريد ج 4 ص 334.

(3) تذكرة الخواص ص 85 ومناقب الخوارزمي ص 134/135.

(4) تذكرة الخواص ص 201.

(5) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 186 والإمامة والسياسة ج 1 ص 98.

(6) الفتوح لابن أعثم ج 2 ص 228.


الصفحة 172
الحسن (عليه السلام) قد جرح في الدفاع عن عثمان، وذلك لان الامام عليا (عليه السلام)، وإن كان يمكن أن يكون قد أرسل ابنيه ـ أو الإمام الحسن وحده ـ للدفاع عن عثمان.. وقد جاءا إليه، وعرضا له المهمة التي أوكلها إليهما أبوهما.. إلا أن الظاهر: هو أن عثمان قد ردهما، ولم يقبل منهما ذلك.. ويوضح ذلك النصوص التالية:

1 ـ «قال: ثم دعا علي بابنه الحسن، فقال: انطلق يا ابني إلى عثمان، فقل له: يقول لك أبي: أفتحب أن أنصرك؟

فأقبل الحسن إلى عثمان برسالة أبيه، فقال عثمان: لا، ما أريد ذلك، لأني قد رأيت رسول الله.. إلى أن قال: فسكت الحسن، وانصرف إلى أبيه فأخبره بذلك» (1).

2 ـ «ثم اقتحم الناس الدار على عثمان وهو صائم.. إلى أن قال: والتفت عثمان إلى الحسن بن علي، وهو جالس عنده، فقال: سألتك بالله يا ابن الأخ إلا ما خرجت؟ فإني أعلم ما في قلب أبيك من الشفقة عليك، فخرج الحسن رضي الله عنه، وخرج معه عبد الله بن عمر» (2).

3 ـ «كان علي كلما اشتكى الناس إليه أمر عثمان أرسل ابنه الحسن إليه، فلما أكثر عليه قال: إن أباك يرى: أن أحداً لا يعلم ما يعلم؟ ونحن أعلم بما نفعل، فكف عنا. فلم يبعث علي ابنه في شيء بعد ذلك..» (3).

وقال ابن قتيبة: «ثم دخل عليه الحسن بن علي، فقال: مرني بما شئت، فإني طوع يديك. فقال له عثمان ارجع يا ابن أخي، اجلس في بيتك حتى يأتي الله بأمره» (4).

____________

(1) الفتوح لابن اعثم ج 2 ص 228.

(2) الفتوح لابن اعثم ج 2 ص 231.

(3) تقدمت المصادر لذلك.

(4) الإمامة والسياسة ج 1 ص 39 وحياة الصحابة ج 2 ص 134 عن الرياض النضرة ج 2 ص 269.


الصفحة 173
4 ـ «وشمَّر أناس من الناس، فاستقتلوا، منهم سعد بن مالك، وأبوهريرة، وزيد بن ثابت، والحسن بن علي، فبعث إليهم عثمان بعزمه لما انصرفوا، فأنصرفوا» (1).

5 ـ «بعث عثمان إلى علي بن أبي طالب: أن ائتني، فبعث حسيناً ابنه، فلما جاءه، قال له عثمان: يا ابن أخي اتقدر على أن تمنعني من الناس؟ قال: لا. قال: فأنت في حلٍ من بيعتي، فقل لأبيك يأتني، فجاء الحسين إلى عليَّ فأخبره بقول عثمان، فقام علي ليأتيه. فقام إليه ابي الحنفية فأخذ بضبعيه، يمنعه من ذلك..». وفي هذه الأثناء جاء الصريخ: أن قد قتل عثمان (2).

6 ـ «قال أبو مخنف في روايته: نظر مروان بن الحكم إلى الحسين بن علي فقال: ما جاء بك؟ قال: الوفاء ببيعتي. قال: اخرج عنا، أبوك يؤلب الناس علينا، وأنت هاهنا معنا؟. وقال له عثمان: انصرف، فست أريد قتالاً ولا آمر به» (3).

وما تقدم يشير إلى أن عثمان قد رفض مساعدة الإمام الحسن، أو هو مع الحسين (عليهما السلام) ولم يشاركا (عليهما السلام) في الحرب ضد الثائرين. ـ ولعل العرض والرفض قد تعدد عدة مرات ـ. وذلك يوجب الريب في تلك الرواية القائلة بأن الإمام الحسن (عليه السلام) قد جرح في هذه القضية، ثم كان من علي (عليه السلام) بالنسبة إليه ولأخيه ما كان، مما تقدمت الإشارة إلى عدم صحته أيضاً.

نعم ربما يكون الإمام الحسن (عليه السلام) قد ساعد على نجاة البعض، من دون اشتراك في القتال، وإنما بما له من أحترام خاص في النفوس، ففي محاورة جرت بينه وبين مروان بن الحكم، قال (عليه السلام) لمروان: «أفلا أرقت دم من

____________

(1) تاريخ الطبري ج 3 ص 389.

(2) أنساب الأشراف ج 5 ص 94.

(3) أنسب الأشراف ج 5 ص 78.


الصفحة 174
وثب على عثمان في الدار، فذبحه كما يذبح الجمل، وأنت تثغو ثغاء النعجة، وتنادي بالويل والثبور، كالأمة اللكعاء. ألا دفعت عنه بيد؟ أو ناضلت عنه بسهم؟ لقد ارتعدت فرائصك، وغشي بصرك، فاستغثت بي كما يستغيث العبد بربه، فأنجيتك من القتل، ومنعتك منه، ثم تحث معاوية على قتلي؟! ولو رام ذلك لذبح كما ذبح ابن عفان الخ..» (1).

قوة موقف الإمام الحسن (عليه السلام):

هذا.. وإن النص المتقدم آنفاً، ليدل دلالة واضحة على قوة لا يستهان بها في موقف الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام.

وقد تقدم قول ابن العاص لمعاوية عن الإمام الحسن (ع): «خفقت النعال خلفه، وأمر فأطيع، وقال فصدق، وهذان يرفعان إلى ما هو أعظم، فلو بعثت إليه، فقصرنا به وبأبيه، وسببناه وأباه، وصغرنا بقدره وقدر أبيه الخ..».

وقال سفيان بن أبي ليلى للإمام الحسن (عليه السلام) في ضمن كلام له: «.. فقد جمع الله عليك أمر الناس..» (2).

وروى أبو جعفر قال: قال ابن عباس: «أول ذل دخل على العرب موت الحسن (عليه السلام)» (3).

وقال أبو الفرج: «قيل لأبي إسحاق السبيعي: متى ذل الناس؟ فقال: حين مات الحسن، وادعي زياد، وقتل حجر بن عدي» (4).

وقد اعترف معاوية نفسه: بأن الحسن (عليه السلام) ليس ممن يُرمي به

____________

(1) المحاسن والمساوي ج 1 ص 135 وفي هامشه عن المحاسن والأضداد..

(2) شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 44.

(3) شرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 10.

(4) مقاتل الطالبيين ص 76 وشرح النهج للمعتزلي ج 16 ص 51.