الصفحة 28

له كتب عديدة، من بينها " كتاب الجمل ". و لكننا نفهم من بعض الأقوال أن هذا الكتاب ليس كتابا ً مستقلا ً بل هو أحد فصول كتاب " المحاسن ". و كتاب " المحاسن " مشهور و مطبوع، و لكن المتفق عليه أن جزءً كبيرا ً من الكتاب ضاع، و ما هو موجود منه لعله لا يزيد على الثلث. و الأرجح أن " كتاب الجمل " لأحمد بن محمد بن خالد البرقي هو بعض ما ضاع من كتاب " المحاسن ".

21) إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الثقفي(104)

كنيته أبو إسحاق. و هو كوفي. و لا يعرف على وجه الدقة متى ولد، و لكن يمكن القول أنه ولد بعد سنة 200 هـ.

جده الأبعد هو سعد بن مسعود الثـقفي، و هو أخو أبي عبيد الثـقفي قائد الجيوش الإسلامية التي تولت فتح العراق في أيام عمر بن الخطاب. و كان سعد بن مسعود أمير المدائن في أيام علي بن أبي طالب (ع)، و إليه لجأ الحسن (ع) بعد أن تفكك جيشه و اضطرب أمره في ساباط. و هذا يعني أن إبراهيم بن محمد سليل أسرة عريقة لها مكانتها المرموقة في العراق.

كان إبراهيم في بداية حياته زيدي المذهب، ثم تحول إلى المذهب الإمامي الاثني عشري.

و من بين كتبه يبرز " كتاب المعرفة " الذي أثر تأثيرا ً كبيرا ً على حياته، إذ ذكر فيه مناقب أهل البيت (ع) و مثالب أعدائهم. و اعتمد في ذكر المثالب على ما ورد في كتب الآخرين من غير الشيعة. و يبدو أن الكتاب كان يحتوي على قدوح كثيرة في الخمسة الذين جعلهم عمر في الشورى مع علي (ع)، و في غيرهم من كبار الصحابة. فاستعظمه حتى وجهاء الشيعة في الكوفة، و نصحوا إبراهيم بعدم إخراج الكتاب.

لكنه كان وثقا ً تمام الثقة من صحة ما أورده في كتابه، فسألهم: أي البلاد أبعد من الشيعة؟ فقالوا: أصفهان.

فحلف أن لا يروي كتابه إلا في أصفهان. فانتقل من الكوفة إلى أصفهان، و روى كتابه هناك.

قضى إبراهيم ما تبقى من عمره في أصفهان، حتى إن جماعة من أهل قم طلبوا منه أن ينتقل إلى مدينتهم قم فأبى.

و في أصفهان توفي إبراهيم في سنة 283 هـ.

اعتبره علماء الرجال الشيعة من كبار الرواة ووثقوه و ذكروا فضله و مرتبته العالية. و رواياته منتشرة في الكتب الشيعية المختلفة.

أما علماء الرجال السنة فقد سكت عنه أكثرهم، و لم يذكره إلا قليل منهم اعتبروه متروك الحديث بسبب غلوه في الرفض، و زعموا أن أخاه عليا ً هجره و باينه لسوء مذهبه.

و لإبراهيم بن محمد الثقفي عدد من الكتب منها كتاب اسمه " كتاب الجمل ".

22) عبد الله بن أحمد بن حنبل(105)

ولد في بغداد سنة 213 هـ.

أبوه أحمد بن حنبل، صاحب " المسند " المشهور، و إمام المذهب المعروف.

____________

104 - مصادر الترجمة : إبراهيم بن محمد بن هلال الثقفي ، كتاب الغارات ، المقدمة التعريفية بالكتاب ** المجلسي ، بحار الأنوار ، ج1 ص37 ** النجاشي ، الرجال ، ص16 - 17 ** ابن طاوس ، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ، ج2 ص481 ** ابن طاوس ، اليقين باختصاص مولانا علي ( ع ) بإمرة المؤمنين ، ص193 ** أبو الفرج النديم ، الفهرست ، المقالة الرابعة ** الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ج8 ص23 ** الخوئي ، معجم رجال الحديث ، ج1 ص254 - 258 ** صائب عبد الحميد ، معجم مؤرخي الشيعة ، مجلة " تراثنا " ، العددان 55 و 56 ، ص235 - 237 .

105 - مصدر الترجمة : الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج13 ص516 - 526 .

الصفحة 29
و عبد الله هو الذي روى المسند عن أبيه. و قد أطنب علماء الرجال السنة في مدحه و الإشادة بفضله و شدة حفظه و كثرة روايته عن أبيه و غيره. و وصفوه بأنه كان صيّـنا ً ديّـنا ً صادقا ً صاحب حديث و اتباع و بصر بالرجال.

توفي سنة 290 هـ.

و له كتاب " الجمل ". رواه عنه القاسم بن سالم بن عبد الله بن عمر أبو صالح الأخباري (274 - 348 هـ)(106).

روى الطبري خمسة أخبار عن عبد الله بن أحمد عن أبيه، كلها عن يوم الجمل(107).

و قال الذهبي: " و في كتاب الجمل لعبد الله بن أحمد من طريق ابن لهيعة: حدثنا أبو قبيل قال: لما قـُتل حجر و أصحابه، بلغ معاوية بن حديج بأفريقية فقام في أصحابه و قال: يا أشقائي و أصحابي و خيرتي، أنقاتل لقريش في الملك حتى إذا استقام لهم وقعوا يقتلوننا؟ و الله لئن أدركتها ثانية بمن أطاعني من اليمانية لأقولن لهم اعتزلوا بنا قريشا ً، و دعوهم يقتل بعضهم بعضا ً، فمن غلب اتبعناه "(108).

23) محمد بن زكريا بن دينار الغِلابي(109)

اختلفوا في كنيته. فقال علماء الرجال الشيعة أنه أبو عبد الله، و قال علماء الرجال السنة أنه أبو جعفر.

و هو بصري من موالي بني غِـلاب.

لم يذكروا من سيرته شيئا ً، و لا يعرف عنه إلا أنه توفي سنة 298 هـ.

وصفه علماء الرجال الشيعة بأنه وجه من وجوه الشيعة بالبصرة، و كان أخباريا ً واسع العلم، و صنـّف كتبا ً كثيرة، فيها وعي تاريخي و فن في التصنيف له فيه سبق على من تبعه فيـه. و أخباره كثيرة متداولة في كتب الشيعة.

أما علماء الرجال و علماء الحديث السنة فقد اختلفوا فيه. إذ أنه كان شيخا ً للطبراني الذي روى عنه روايات عديدة في معجمه الأوسط(110)، و كذلك أخرج له عدة روايات في معجمه الكبير، و رواية واحدة في معجمه الصغير.

و كذلك كان شيخا ً للعقيلي، الذي كان يورد رواياته في تراجم العديد ممن ترجم لهم، و لم يعتبره ضعيفا ً.

و قال عنه ابن حبان: " يعتبر حديثه إذا روى عن الثقاة لأن في روايته عن المجاهيل بعض المناكير ".

في حين أن علماء رجال سنة آخرين ضعفوه و تكلموا فيه، منهم الذهبي و ابن منده و ابن الجوزي، و اتهمه الدارقطني و يحيى بوضع الحديث.

صنـّـف كتبا ً عديدة منها عن معركة الجمل كتابان، " الجمل الكبير " و " الجمل المختصر ". و هما ضائعان لا نعرف عنهما شيئا ً. غير أن الحاكم أورد له رواية ملخصها أن عليا ً (ع) مرّ على طلحة بن عبيد الله قتيلا ً بعد انتهاء المعركة، فلمّـا رأى جثته تمثل ببيتين من الشعر يمدحه بهما(111). و لعل هذه الرواية منقولة من أحد كتابيه.

____________

106 - الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج12 ص449 .

107 - الطبري ، التاريخ ، ج3 ص52 و 53 و 54 و 61 .

108 - الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج3 ص39 .

109 - مصادر الترجمة : ابن داود ، الرجال ، ص311 ** العلامة الحلي ، الرجال ، ص156 ** النجاشي ، الرجال ص346 - 347 ** ابن حبان ، الثقاة ، ج9 ص154 ** الذهبي ، ميزان الاعتدال ، ج6 ص151 ** ابن حجر العسقلاني ، لسان الميزان ، ج5 ص168 ** ابن العجمي ، الكشف الحثيث ، ج1 ص229 ** الدارقطني ، سؤالات الحاكم للدارقطني ، ص148 ** الخوئي ، معجم رجال الحديث ، ج17 ص94 ** صائب عبد الحميد ، معجم مؤرخي الشيعة ، مجلة " تراثنا " العدد 61 ص90 .

110 - الطبراني ، المعجم الأوسط ، ج6 ص176 - 181 .

111 - الحاكم ، المستدرك على الصحيحين ، ج3 ص420 .

الصفحة 30

24) أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي(112)

كنيته أبو العباس، و عداده في البغداديين.

لا نعرف على وجه الدقة متى ولد، و لكن يمكن التخمين بأنه ولد في حوالي سنة 225 هـ، فقد ورد في إحدى الروايات أنه سمعها من النوفلي في سنة 245 هـ(113).

و كان في بداية حياته فقيرا ً جدا ً، كثير السخط على قدره، كثير التذمر من فقره، حتى لقـّبه الشاعر ابن الرومي بالعزير، تشبيها ً له بالعزير (ع) النبي اليهودي المعروف، الذي خاصم ربه بأنْ قتل من بني إسرائيل على يدي بختنصّر سبعين ألف إنسان، فأوحى الله تعالى إليه: " لئن لم تترك مجادلتي في قضائي لأمحونـّـك من ديوان النبوة ".

و تذكر العديد من كتب الرجال أن لقبه كان " حمار العزير " و ليس العزير. و لا أعرف كيف دخل الحمار في هذه القصة.

و كانت تربطه بالشاعر ابن الرومي صداقة قوية. و يقال أن ابن الرومي كان يعمل له الأشعار و ينحله إياها، يستعطف بها وجهاء ذلك الزمان.

و عن طريق ابن الرومي تعرف أحمد بن عبيد الله إلى أحد الوجهاء، و يدعى محمد بن داود بن الجراح، فلازمه. و في سنة 279 هـ أصبح المعتضد بالله خليفة، فاتخذ عبيد الله بن سليمان وزيرا ً له(114). فاستكتب(115) محمد بن داود بن الجراح ديوان المشرق. فعم الخير على أحمد بن عبيد الله بسبب ذلك، فانتعش بعد عثاره، و تريش بعد إفقاره.

ثم انتقل أحمد بن عبيد الله إلى خدمة الوزير القاسم بن عبيد الله بن سليمان، و تأديب أولاده. و كان ابن الرومي صديقا ً لهذا الوزير و بينهما أخبار حسان، ثم أنهما اختلفا. فمال أحمد بن عبيد الله إلى جانب القاسم ضد صديقه القديم ابن الرومي، و صار أحدهما يعيب على الآخر و يهجوه. و ازدادت نقمة القاسم على ابن الرومي فقتله. حينئذ انتبه أحمد بن عبيد الله إلى نفسه، و ابتعد عن القاسم و غيره، و ألـّـف كتابا ً عن ابن الرومي يفضله فيه على غيره من الشعراء، و يروي فيه مختارات من شعره.

و لكنه مع ذلك لم يبتعد كثيرا ً عن أوساط المسؤولين في الدولة آنذاك، بل ظل يتردد على بعض الكتـّـاب (أي الوزراء في أيامنا هذه) و ينال منهم عددا ً من الجوائز و المكافآت المالية.

و توفي أحمد بن عبيد الله سنة 314 هـ.

و كان أحمد بن عبيد الله شيعيا ً، و له عدد من الأخبار و الروايات في كتب الشيعة المختلفة. و قد أخطأ ابن حجر العسقلاني عندما وصفه بأنه " رمي بالاعتزال "(116). وكان يعتمد في رواياته أسلوب الإسناد. و له كتب عديدة في التاريخ منها " كتاب الجمل " سمعه منه - مع كتب أخرى - ابن زنجي أبو القاسم الكاتب، و كافأه عليها بخمسمائة درهم.

25) عبد العزيز بن يحيى الجلودي(117)

كنيته أبو أحمد. و هو بصري أزدي، لا نعرف شيئا ً عن سيرته سوى أنه توفي سنة 332 هـ.

____________

112 - مصادر الترجمة : ياقوت الحموي ، معجم الأدباء ، ج3 ص232 -242 ** الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج4 ص252 ** صائب عبد الحميد ، معجم مؤرخي الشيعة ، مجلة " تراثنا " العددان 55 و 56 ص248 .

113 - الطوسي ، الأمالي ، ص574 ** المجلسي ، بحار الأنوار ، ج19 ص57 ؛ و ج21 ص178 .

114 - و هو منصب يعادل منصب رئيس الوزراء في أيامنا هذه .

115 - أي جعله كاتبا ً ، و الكاتب منصب يعادل منصب الوزير في أيامنا هذه .

116 - ابن حجر العسقلاني ، نزهة الألباب في الألقاب ، ص208 .

117 - مصادر الترجمة : الطوسي ، الرجال ، ص435 ** العلامة الحلي ، الرجال ، ص160 ** النجاشي ، الرجال ، ص240 - 244 ** أبو الفرج النديم ، الفهرست ، ص167 و 278 ** الخوئي ، معجم رجال الحديث ، ج11 ص43 - 48 ** صائب عبد الحميد ، معجم مؤرخي الشيعة ، مجلة "تراثنا " العدد 57 ص121 - 129 .

الصفحة 31
وثـّـقه علماء الرجال الشيعة، و اعتبروه شيخ البصرة و أخباريها، و له عدد من الروايات المتداولة في كتب الشيعة المختلفة.

أما علماء الرجال السنة فقد سكنوا عنه و لم يذكروه في كتبهم، غير أن ابن الجوزي أورد له رواية واحدة اعتبرها ضعيفة(118).

ألف الجلودي عددا ً كبيرا ً جدا ً من الكتب، اعتبر صائب عبد الحميد أن الكثير منها هي في الواقع فصول منتزعة من كتاب كبير، أكثر من كونها كتبا ً مستقلة، و هو رأي وجيه تماما ً، و إن كان مبنيا ً على ملاحظة أسماء الكتب فقط، لأنها كل تلك الكتب ضائعة و لم يصل لنا منها شيء حتى نعرف حقيقتها.

و من بين كتبه الكثيرة له كتاب اسمه " كتاب الجمل ".

26) محمد بن يحيى بن عبد الله الصولي(119)

كنيته أبو بكر.

عاش في بغداد، ولكنه جرجاني الأصل. و لقبه الصولي نسبة إلى صول التي هي إحدى ضياع جرجان. و يقال أن جده الأعلى كان ملك جرجان، و لآبائه مكانتهم في الوزارات و الأعمال السلطانية.

و كان الصولي نديما ً لعدد من الخلفاء، منهم الراضي الذي كان يعلمه أولا ً ثم اصبح نديمه، و كذلك كان نديم المكتفي ثم المقتدر.

و اشتهر بأنه من ألعب أهل زمانه بالشطرنج، و كان يُضرب به المثل في ذلك، و هو واضع العدد المضعّف على بيوت الشطرنج، و كان إماما ً في العلوم.

روى خبرا ً في حق علي بن أبي طالب (ع) فطلبته العامة و الخاصة لتقتله(120)، ففرّ من بغداد إلى البصرة و مات فيها مستترا ً سنة 335 هـ.

وصفوه بأنه العلامة الأديب ذو الفنون، صاحب التصانيف، و له النظم و النثر و كثرة الاطلاع، نادم جماعة من الخلفاء، و كان حلو الإيراد، مقبول القول حسن المعتقد، حسن المعرفة بأخبار الملوك و أيام الخلفاء و مآثر الأشراف و طبقات الشعراء، و كان واسع الرواية حسن الحفظ للآداب، حاذقا ً بتصنيف الكتب و وضع الأشياء منها مواضعها. و كان له بيت عظيم مملوء بالكتب، و هي مصفوفة و جلودها مختلفة الألوان، كل صف من الكتب لون، فصف أحمر و آخر أخضر و آخر أصفر و غير ذلك. و كان الصولي يقول: هذه كلها سماعي.

ذكر أغا بزرك الطهراني أن له كتابا ً اسمه " وقعة الجمل "، " نقل فيه الواقعة بالإسناد عن شيخات و عجائز من بني عبد القيس شهدن الواقعة كما في فهرس دار الكتب الظاهرية بدمشق ص84 "(121).

و واضح من هذا الكلام أن نسخة من هذا الكتاب موجودة في دار الكتب الظاهرية بدمشق، و ليس لي علم هل تعرض أحد لتحقيقها و نشرها أم لا. و لكن أبا الفرج النديم الذي أورد قائمة بأسماء كتب الصولي لم يذكر فيها هذا الكتاب.

____________

118 - ابن الجوزي ، العلل المتناهية ، ج1 ص184 .

119 - مصادر الترجمة : الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج15 ص301 ** ابن حجر العسقلاني ، لسان الميزان ، ج5 ص427 ** حمزة بن يوسف ، تاريخ جرجان ، ص426 ** الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج3 ص427 - 432 ** أبو العباس بن الخطيب ، الوفيات للقسنطي ، ص210 ** أبو الفرج النديم ، الفهرست ، ص215 .

120 - لم أستطع أن أتبين طبيعة هذا الخبر .

121 - أغا بزرك الطهراني ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ج25 ص135 .

الصفحة 32

27) الشيخ الصدوق، محمد بن علي بن الحسين القمي(122)

كنيته أبو جعفر. و هو واحد من أكابر علماء الشيعة.

ولد في مدينة قم حوالي سنة 305 هـ (على خلاف بسيط في بعض الروايات). و لولادته قصة كان لها تأثير كبير على شخصيته و مكانته.

و كان والد الصدوق علي بن الحسين أحد علماء الشيعة المعدودين في مدينة قم، و له كتب عديدة. و كان قد تزوج ابنة عمه، و لكنه لم يرزق منها بأولاد. فكتب رسالة إلى الحسين بن روح نائب الإمام المهدي (ع) حينذاك يطلب فيها أن يسأل الإمام (ع) أن يدعو له الله ليرزقه أولادا ً صالحين فقهاء. فجاءه جواب الإمام (ع) أنه لن يكون له من زوجته هذه أولاد، بل سيتزوج من امرأة ديلمية و ستنجب له ولدين فقيهين. و فعلا ً حدث ذلك، و أنجب علي بن الحسين ولدين من زوجة ثانية، كان أحدهما الشيخ الصدوق محمد بن علي.

و قد أثرت هذه القصة في حياته منذ الطفولة، إذ كان شيوخه الذين علموه يتبركون به و يعطونه مكانة متميزة باعتباره مولودا ً بدعوة مباركة من الإمام المهدي (ع).

نشأ الصدوق في مدينة قم، و درس في معاهدها، و تخرج على شيوخها، و لكنه لم يمكث فيها بل انتقل إلى مدينة الري، القريبة من طهران الحالية، و أقام فيها.

و بعد فترة من إقامته في الري بدأ رحلة طويلة طلبا ً للعلم، فتوجه أولا ً نحو خراسان في الشرق، و زار مدن خراسان المشهور ة مثل مشهد الرضا (ع) و نيسابور و مرو الروز. و رحل إلى ما وراء النهر و ورد سمرقند و فرغانة و بلخ و إيلاق. و في كل واحدة من هذه المدن كان يستمع إلى الشيوخ.

" و في إيلاق اقترح عليه محمد بن الحسن العلوي أن يصنف كتابا ً يجمع فيه الآثار و الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (ع)، و يكون على نسق كتاب (من لا يحضره الطبيب) للرازي. و فعلا ً صنف كتابه المشهور (من لا يحضره الفقيه) "، و هو أحد الكتب الأربعة التي عليها مدار الفقه الشيعي.

و بالإضافة إلى رحلته إلى خراسان في الشرق سافر إلى بغداد و الكوفة، و في بغداد كان يحدّث عن أبيه و غيره، و كان شيوخ الطائفة ممن هم أكبر منه سنا ً يستمعون إليه. ثم حج إلى مكة، و عاد إلى همدان، و زار مشهد مرتين أخريين، و استقر في الري.

و قد أفادته هذه الرحلات كثيرا ً، فكتب عددا ً كبيرا ً من المؤلفات و الرسائل بلغ أكثر من 300 مصنف.

و توفي في مدينة الري سنة 381 هـ. و هو مدفون بالقرب من مرقد عبد العظيم الحسيني في ضواحي طهران.

مدحه علماء الرجال الشيعة كثيرا ً، و وصفوه بأنه من مشايخ الشيعة و أعلامهم، جليل القدر، حفظة، بصير بالفقه، عالم بالأخبار، ناقد للرجال، شيخ الطائفة و فقيهها و وجهها بخراسان، لم يُرَ في القميين مثله في الحفظ و في كثرة علمه.

أما علماء الرجال السنة فلم يذكروه في كتبهم، و لم يرو ِ أحد منهم شيئا ً عنه على حد علمنا.

له " كتاب الجمل ". و يبدو أنه رسالة صغيرة غير مشهورة، و لم يذكرها الطوسي في الفهرست.

____________

122 - مصادر الترجمة : الصدوق ، من لا يحضره الفقيه ، المقدمة التعريفية للكتاب ** محسن الأمين العاملي ، أعيان الشيعة ، ج10 ص24 ** ابن شهر آشوب ، معالم العلماء ، ج1 ص111 ** ابن داود ، الرجال ، ص325 ** الطوسي ، الرجال ، ص439 ** العلامة الحلي ، الرجال ، ص147 ** النجاشي ، الرجال ، ص389 - 392 ** الطوسي ، الفهرست ، ص156 - 157 ** الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج3 ص89 ** صائب عبد الحميد ، معجم مؤرخي الشيعة ، مجلة " تراثنا " عدد 61 ص98 - 101 ** مقالة عن الصدوق منشورة على موقع الإنترنت www.emamreza.net ** مقالة عنه منشورة على موقع الإنترنت www.al-shia.com .

الصفحة 33
و قد وجدنا في كتبه الأخرى روايتين عن يوم الجمل. أولاهما بدون سند، و لكنها منسوبة للإمام الصادق (ع)، و فيها إدانة لشهادة الزور التي شهدها سبعون رجلا ً أمام عائشة أن المكان الذي كانت فيه ليس هو ماء الحوأب(123).

و الثانية رواية مسندة إلى رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم، حذر فيها نساءه من أن تكون إحداهن صاحبة الجمل الأذيب التي تنبحها كلاب الحوأب(124).

28) الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن النعمان الحارثي(125)

كنيته أبو عبد الله.

ولد في واسط، و يقال في عكبرى شمال بغداد، في سنة 336 هـ.

كان أبوه معلما ً، و لذلك كان من بين ألقابه " ابن المعلم ".

ما أن تجاوز المفيد سني الطفولة، و أتقن مبادئ القراءة و الكتابة حتى انحدر به أبوه إلى بغداد، و هناك دخل حلقات الدرس و التعليم، و لفت أنظار شيوخه و أساتذته بنباهته و قدرته على توجيه الأسئلة و إلزام الخصوم بأقوالهم. و يقال أن لقب الشيخ المفيد أطلق عليه في هذه المرحلة من حياته.

عاصر الشيخ المفيد الدولة البويهية، و ارتبط بزعمائها برابطة قوية، و خصوصا ً عضد الدولة البويهي الذي كان يزوره أحيانا ً و لا يرد له شفاعة و لا طلبا ً.

و كان الشيخ المفيد يدور في الأسواق و الكتاتيب، فإذا لمح صبيا ً عليه ملامح الفطنة و الذكاء، اتفق مع والديه على أن يدفع لهم أجرا ً مقابل السماح لولدهم بالتفرغ للدراسة عنده، فكثر بذلك تلامذته، و تعزز المذهب الشيعي بهذه الدماء الشابة الذكية.

و قد أثارت بعض المناظرات التي دخل فيها الشيخ المفيد مشاكل و فتنا ً بين الشيعة و السنة في بغداد، مما دفع البويهيين إلى أن يطلبوا منه الخروج من بغداد مرتين لتهدئة الخواطر، و لكن علاقتهم به ظلت جيدة في كل الأحوال.

و بعد عمر طويل قضاه في المناظرة و التدريس توفي الشيخ المفيد في سنة 413 هـ، و دفن في بغداد في الكاظمية قرب مرقدي الكاظم و الجواد (ع)، إلى جانب قبر شيخه الصدوق.

أطنب علماء الشيعة في مدحه، و وصفوه بأنه من أجلاء متكلمي الإمامية، و إليه انتهت رئاستهم العلمية، و كان متقدما ً في صناعة الكلام، و كان فقيها ً متقدما ً في الفقه، حسن الخاطر، دقيق الفطنة حاضر الجواب، برز في جميع المعارف الإسلامية، و اشتهر في الآفاق إلى الحد الذي لا يقدر كبار علماء الأديان و أصحاب المذاهب و الآراء مقاومته في البحث و المناظرة، و كان يتغلب عليهم بالحجة الواضحة و البرهان الدامغ. و كان قوي النفس كثير البـِرّ عظيم الخشوع كثير الصلاة و الصوم يلبس الخشن من الثياب، و كان مديما ً للمطالعة و التعليم و من أحفظ الناس، حتى قيل أنه ما ترك للمخالفين كتابا ً إلا و حفظه، و بهذا قدر على حل شبه القوم. و ما كان ينام من الليل إلا هجعة، ثم يقوم يصلي أو يطالع أو يدرس أو يتلو القرآن.

و قد ورد في بعض الروايات أن الشيخ المفيد تلقى توقيعات (أي رسائل خطية) من الإمام المهدي (ع) يمدحه فيها و يثني عليه. و يعلق السيد الخوئي على هذه الروايات قائلا ً: " هذه التوقيعات لا يمكننا الجزم بصدورها من الناحية المقدسة، فإن الشيخ المفيد - قدس سره - قد تولد بعد الغيبة الكبرى بسبع أو تسع سنين، و موصل التوقيعات إلى الشيخ المفيد - قدس

____________

123 - الصدوق ، من لا يحضره الفقيه ، ج3 ص74 - 75 ** المجلسي ، بحار الأنوار ، ج32 ص147 .

124 - الصدوق ، معاني الأخبار ، ص305 ** المجلسي ، بحار الأنوار ، ج32 ص278 - 279 .

125 - مصادر الترجمة : ابن داود ، الرجال ، ص333 ** الطوسي ، الرجال ، ص449 ** الطوسي ، الفهرست ، ص157 ** العلامة الحلي ، الرجال ، ص147 ** الخوئي ، معجم رجال الحديث ، ج18 ص213 ** الشيخ المفيد ، الجمل و النصرة لسيد العترة في حرب البصرة ، المقدمة التعريفية للكتاب ** صائب عبد الحميد ، معجم مؤرخي الشيعة ، مجلة " تراثنا " ، العدد 62 ص96 ** الشيخ محمد علي الحائري الخرم آبادي ، الشيخ المفيد دراسة في كتبه الكلامية ، مجلة " تراثنا " ، العدد 13 ص91 و ما بعدها ** حامد السعيدي ، الشيخ المفيد ، مجلة " النبأ " ، العدد52 ** الشيخ المفيد ، مقالة منشورة على موقع الإنترنت www.al-shia.com ** الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ، ج3 ص231 ** الذهبي ، سير أعلام النبلاء ، ج17 ص344 .

الصفحة 34
سره - مجهول (....) على أن رواية (الاحتجاج) لهذين التوقيعين مرسلة، و الواسطة بين الطبرسي و الشيخ المفيد مجهول ".

و في مقابل المدح المطنب الذي أغدقه علماء الشيعة على الشيخ المفيد كان لعلماء السنة رأي آخر فيه، إذ وصفوه بأنه صاحب التصانيف البدعية التي طعن فيها على السلف، و كانت له صولة عظيمة بسبب علاقته بعضد الدولة، و هو شيخ الرافضة و المتعلم على مذاهبهم، صنـّف كتبا ً كثيرة في ضلالاتهم و الذب عن اعتقاداتهم و مقالاتهم و الطعن على السلف الماضين من الصحابة و التابعين و عامة الفقهاء و المجتهدين، و كان أحد أئمة الضلال هلك به خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه.

و بالرغم من الخلاف الواضح بين رأي الشيعة و السنة في الشيخ المفيد إلا أن كلمات الطرفين تـُبرز اتفاقا ً ضمنيا ً على مكانته العلمية و قدرته على منظرة الخصوم، الذين فرحوا كثيرا ً بموته و استراحتهم منه.

و للشيخ المفيد كتاب اسمه " الجمل و النصرة لسيد العترة في حرب البصرة " أو " النصرة لسيد العترة في أحكام البغاة عليه بالبصرة ". و الكتاب موجود و منشور في طبعات عديدة. و جاء في المقدمة التعريفية لهذا الكتاب: " هذا الكتاب حول خلافة الإمام علي (ع)، و آراء بعض شخصيات ذلك العصر و مواقفهم و حرب الجمل و الوقائع السياسية و الاجتماعية في ذلك الزمان (....) ألـّـف [ الشيخ المفيد ] هذا الكتاب في أواخر عمره الشريف إذ كان في أوج شهرته العلمية ".

و الكتاب من كتب المناظرات. و فيه دافع الشيخ المفيد عن وجهة النظر الشيعية تجاه حرب الجمل، و بيّـن فساد وجهة نظر الطرف الآخر.

و ذكر الطوسي في " الفهرست " أن للشيخ المفيد كتابا ً اسمه " أحكام أهل الجمل "، بينما ذكر النجاشي له كتابا ً اسمه " كتاب الجمل ". و قال أغا بزرك الطهراني: " و لعلهما واحد، و هو غير (النصرة لسيد العترة في حرب البصرة) له "(126). و الله أعلم.

و للشيخ المفيد كتاب آخر متعلق بيوم الجمل اسمه " الكافئة في إبطال توبة الخاطئة "، يبرهن فيه على عدم صحة توبة الزعماء الذين قاتلوا الإمام علي (ع)، و هم طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام و عائشة بنت أبي بكر، و الكتاب موجود و منشور في عدة طبعات.

29) الحسين بن محمد بن أحمد الحلواني(127)

لا نعرف عنه شيئا ً سوى أن اسمه ورد في كتاب " معالم العلماء " لابن شهر آشوب، و منه استنتج صائب عبد الحميد أنه عاش في القرن السادس الهجري.

و ذكر ابن شهر آشوب أن له " كتاب الجمل ".

الخلاصة

1. تعرضنا في هذا البحث لـ 29 كاتبا ً ذكر أنهم ألفوا كتبا ً خاصة بيوم الجمل. و بالمقارنة مع القائمتين اللتين وضعهما أغا بزرك الطهراني و عبد العزيز الطباطبائي، و اللتين تحتويان على 21 اسما ً بعد حذف الأسماء المكررة بينهما، مما يعني أننا أضفنا 8 أسماء غير واردة في أي من القائمتين، و هذه الأسماء هي: أبان بن تغلب، و محمد بن خالد البرقي، و محمد بن عائذ، و خليفة بن خياط، و عمر بن شبة، و عبد الله بن أحمد بن حنبل، و أحمد بن عبيد الله بن عمار الثقفي، و الحسين بن محمد الحلواني.

____________

126 - أغا بزرك الطهراني ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، ج1 ص295 .

127 - مصادر الترجمة : ابن شهر آشوب ، معالم العلماء ، ص41 ** صائب عبد الحميد ، معجم مؤرخي الشيعة ، مجلة " تراثنا " ، العددان 55 و 56 ص72 .