الصفحة 97
- عليه السلام - وقال: يا محمد خذها (1) هنأك الله في أهل بيتك. قالوماذا آخذ يا جبريل. فأقرأه: (هل أتى على الإنسان) (2)

____________

1 - هكذا في المصدر. وفي النسخ: خذ يا محمد.

2 - الإنسان / 1.


الصفحة 98
ومن تفسير الثعلبي: عن غباية (1) بن الربعي قال: بينا عبد الله بنعباس جالس على شفير زمزم يقول: قال رسول الله - (ص) -إذا أقبل رجل متعمم (2) بعمامة. فجعل ابن عباس لا يقول: قال رسول الله

____________

1 - د و م: عباية.

2 - ج و أ: معتم.


الصفحة 99
[ إلا وقال الرجل قال رسول الله] (1).

فقال ابن عباس: سألتك بالله [ أن تكشف عن وجهك] (2).

فكشف العمامة وجهه وقال: يا أيها الناس من عرفني فقدعرفني. ومن لم يعرفني فأنا [ أعرفه بنفسي. أنا ] (3) جندب بن جنادةالبدري أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله - (ص) - بهاتينوإلا فصمتا ورأيته بهاتين وإلا فعميتا يقول: علي قائد البررة وقاتلالكفرة منصور من نصره مخذول من خذله.

أما إني صليت مع رسول الله - (ص) - يوما منالأيام صلاة الظهر. فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا. فرفعالسائل يده إلى السماء وقال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول اللهفلم يعطني أحد شيئا. وكان علي - عليه السلام - راكعا فأومأ إليهبخنصره اليمنى وكان يتختم فيها فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم منخنصره وذلك بعين النبي - (ص) - فلما فرغ من صلاتهرفع رأسه السماء وقال: اللهم إن موسى سألك قال: (رب اشرح ليصدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرامن أهلي هارون أخي اشدد أزري وأشركه في أمري) (4) فأنزلت عليهقرآنا ناطقا (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكمابآياتنا.) (5) اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري

____________

1 - ليس في م.

2 - من د. وفي سائر النسخ: من أنت.

3 - ليس في ج و أ.

4 - طه / 32.

5 - القصص / 35.


الصفحة 100
ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا من أهلي عليا أخي (1) اشدد به ظهري.

قال أبو ذر: فما استتم رسول الله - (ص) - الكلمةحتى نزل عليه جبريل - عليه السلام - من عند الله - تعالى - فقال يامحمد اقرأ.

____________

1 - ليس في ج و أ.


الصفحة 101
قال: وما اقرأ؟

قال: اقرأ (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمونالصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (1).

____________

1 - طه / 55.


الصفحة 102

الصفحة 103
ومن تفسير الثعلبي (1) ونقل في الجمع بين الصحاح الستة نحوه

____________

1 - تفسير الثعلبي، مخطوط، ص 254.


الصفحة 104
قال مجاهد: نهى الله - تعالى (1) - عن مناجاة النبي - صلى اللهعليه وآله - حتى يتصدقوا. فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب قدم دينارافتصدق به ثم نزلت الرخصة.

وقال أمير المؤمنين (2) - عليه السلام - إن في كتاب الله - عزوجل - لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي (يا أيها الذينآمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجويكم صدقة). (3).

وقال أمير المؤمنين (4) - عليه السلام - بي خفف الله - عزوجل - عن هذه الأمة [ أمر هذه الآية ] (5) فلم تنزل في أحد قبلي ولم تنزل فيأحد بعدي.

____________

1 - المصدر: نهوا.

2 - المصدر: علي بن أبي طالب. 3 - المجادلة / 13.

4 - المصدر: علي.

5 - ليس في المصدر.


الصفحة 105
قال ابن عمر (1) كان لعلي بن أبي طالب ثلاثة لو كانت ليواحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم تزويجه فاطمة - صلى اللهعليها - وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى.

____________

1 - نفس المصدر والموضع.


الصفحة 106
وكان - عليه السلام - يعمر بيده الشريفة حديقة يتصدق ولميخلف دينارا ولا درهما.

المبحث (1) السابع: في الورع والدين واستجابة الدعاء:

لا خلاف أن أمير المؤمنين - عليه السلام - شديد الورع عظيم الدين رسخ الإيمان فيقلبه ولشدة دينه وورعه كان مستجاب الدعوة. توسل به رسول الله- (ص) - في المباهلة ولو كان أحد من أصحابه (2) يقاربهلأخرجه النبي - (ص) - لأنه وقت الحاجة إلى الدعاءوالاستعانة فيه بمستجاب الدعاء.

وقال رسول الله - (ص) - لتنتهن يا معشر قريشأو ليبعثن الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه بالإيمان (3) يضرب رقابكم علىالدين.

____________

1 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: الحث.

2 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: الصحابة.

3 - م: للإيمان.


الصفحة 107
قيل: يا رسول الله [ أهو ] (1) أبو بكر؟

قال: لا.

فقيل: فعمر؟

قال: لا ولكنه خاصف النعل (2) الذي في الحجرة (3).

ومن كتاب المناقب (4) قال رسول - (ص) -يوم فتح خيبر لعلي: لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى فيعيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر على ملأ من المسلمين إلاأخذوا من تراب نعليك (5) وفضل طهورك يستشفون (6) به. ولكن حسبك

____________

1 - من م.

2 - م: صاحب خاصف النعل.

3 - تذكرة الخواص / 45.

4 - مناقب ابن المغازلي / 237.

5 - م: رجلك.

6 - ش ود: يستنشقون.


الصفحة 108
أن تكون مني وأنا منك ترثني وأرثك وأنت (1) مني بمنزلة هارون منموسى إلا أنه لا نبي بعدي أنت تؤدي عني ديني وتقاتل (2) على سنتيوأنت في الآخرة أقرب الناس مني وأنت (3) غدا علي الحوض خليفتي تذودعنه المنافقين وأول من يرد على الحوض وأنت أول داخل الجنة منأمتي. وأن شيعتك على منابر من نور رواء مرويون مبيضة (4) وجوههمحولي اشفع لهم فيكونون غدا في الجنة جيراني. وأن أعداءك غدا ظماءمظمئون مسودة وجوههم مقمحون. حربك حربي وسلمك سلمي [ وسركسري ] (5) وعلانيتك علانيتي وسريرة صدرك كسريرة صدري وأنت

____________

1 - م: إلا وأنت.

2 - أ: تعمل.

3 - ج و أ: إنك.

4 - م: بيضة.

5 - ليس في د و م.


الصفحة 109
باب علمي وأن ولدك ولدي ولحمك لحمي ودمك دمي. وأن الحق معكوالحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك والإيمان مخالط لحمك ودمككما خالط لحمي ودمي. وأن الله - عز وجل - أمرني أن أبشرك أنك وعترتكفي الجنة وأن عدوك في النار لا يرد علي الحوض مبغض لك ولا يغيبعنه محب لك.

قال علي - عليه السلام - فخررت لله - سبحانه - ساجداوحمدته على ما أنعم به على من الإسلام والقرآن وحببني إلى خاتم النبيينوسيد المرسلين - (ص) -.

ومن المناقب (1) عن الزمخشري قال: جاء رجلان إلى عمر فقالاله: ما ترى في طلاق الأمة؟

فقام إلى حلقة فيها رجل (2) أصلع فقال: ما ترى في طلاقه الأمة؟

فقال: اثنتان.

____________

1 - رياض النضرة / 2 / 226.

2 - ش ود: (فالتفت إلى رجل) بدل: (فقام إلى حلقة فيها رجل).


الصفحة 110
فالتفت إليهما فقال: اثنتان.

فقال له أحدهما: جئناك وأنت أمير المؤمنين فسألناك عن طلاقالأمة فجئت رجل فسألته فوالله ما كلمك.

فقال عمر: ويلك أتدري من هذا؟ هذا علي بن أبي طالب.

سمعت رسول الله - (ص) - يقول: لو أن السماوات والأرضوضعت في كفه ووزن مع إيمان علي لرجح إيمان علي.

ومن المناقب (1): عن أم سلمة قالت: بينا رسول الله - صلى اللهعليه وآله - عندي إذ أتاه جبريل فناداه فتبسم رسول الله - صلى اللهعليه وآله - ضاحكا. فلما سرى عنه قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول اللهما أضحكك؟

فقال: أخبرني جبريل أنه مر بعلي - عليه السلام - وهو يرعىذودا (2) وهو نائم قد أبدي بعض جسده قال: فرددت عليه ثوبهفوجدت برد إيمانه قد وصل إلى قلبي.

واستشهد أمير المؤمنين - عليه السلام - جماعة من (3) المسلمين فيقول النبي - (ص) - (من كنت مولاه فعلي مولاه) فشهدواله وأنس بن مالك حاضر لم يشهد.

فقال له أمير المؤمنين - عليه السلام - ما يمنعك أن تشهد فقدسمعت ما سمعوا؟

فقال يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت.

فقال أمير المؤمنين - عليه السلام - اللهم إن كان كاذبا

____________

1 - مناقب الخوارزمي / 76 - 77.

2 - الذود: القطيع من الإبل بين الثلاث إلى العشر.

3 - ليس في ج.


الصفحة 111
فاضربه ببياض لا تواريه العمامة.

قال طلحة بن عمر. فأشهد بالله لقد رأيتها بيضاء بين عينيه (1).

ودعا على العيزار (2) وقد اتهم برفع (3) أخباره إلى معاوية فجحدوأحلف (4).

فقال: إن كنت كاذبا فأعمى الله بصرك. فما دارت الجمعةحتى خرج أعمى يقاد قد أذهب الله بصره (5).

وخطب على المنبر فقال: أنا عبد الله وأخو رسوله ورثت نبيالرحمة ونكحت سيدة نساء أهل الجنة وأنا سيد المؤمنين وآخر أوصياءالنبيين لا يدعي ذلك غيري (6) إلا أصابه الله بسوء.

فقال رجل من عبس كان جالسا بين يدي القوم: ومن لا يحسن أنيقول هذا أنا عبد الله وأخو رسوله فلم يبرح مكانه حتى تخبطالشيطان. فجر برجله إلى باب المسجد (7).

ودعا فردت عليه الشمس مرتين: إحداهما: زمن الرسول - صلى الله عليه وآله - روت أسماء بنت عميس وأم سلمة وجابر بن عبد الله

____________

1 - حلية الأولياء 5 / 26 + كنز العمال 6 / 403 + إرشاد المفيد / 185. وأنظر أيضا إحقاق الحق8 / 741، نقلا عن مصادر كثيرة، وراجع: الغدير 1 / 191 - 195.

2 - هكذا في ج. وفي أ: الغبراء. م: الغيرار. ش: الضرار. نهج البلاغة / 246: البراء. المصدر:

الغرار.

2 - هكذا في ج و أ. وفي سائر النسخ: (اتهمه برد) بدل: (اتهم برفع).

4 - هكذا في ج و أ. وفي سائر النسخ: حلف.

5 - أخرجه في إحقاق الحق 8 / 739 عن أرجح / 681، نقلا عن مطالب السؤول، وفي البحار41 / 198 - 199 عن الخرائج والإرشاد.

6 - أ: عبد.

7 - أخرجه في البحار 41 / 205، عن الإرشاد وفي آخره زيادة وهي: فسألنا قومه هل تعرفون بهعارضا قبل هذا؟ قالوا لا.


الصفحة 112
الأنصاري وأبو سعيد الخدري وجماعه من الصحابة: أن النبي - صلى الله عليه وآله - كان ذات يوم في منزله وعلي - عليه السلام - بين يديهإذ جاءه جبريل - عليه السلام - يناجيه عن الله - عز وجل - فلما تغشاهالوحي توسد فخذ أمير المؤمنين - عليه السلام (1). فلم يرفع رأسه حتى غابتالشمس. فاضطر أمير المؤمنين - عليه السلام - لذلك إلى صلاة العصرجالسا يومئ بركوعه وسجوده إيماء. فلما أفاق من غشيته قال لأمير المؤمنين- عليه السلام -: أفاتتك صلاة العصر؟ قال له لم أستطع أن أصليها قائمالمكانك يا رسول الله والحالة التي كنت عليها في استماع الوحي.

فقال له ادع الله - تعالى - حتى يرد (2) عليك الشمس حتىتصليها قائما في وقتها كما فاتتك فإن الله يجيبك لطاعتك لله ولرسوله.

فسأل أمير المؤمنين - عليه السلام - الله - عز وجل - في ردالشمس فردت عليه حتى صارت في موضعها من السماء وقت صلاةالعصر. فصلى أمير المؤمنين - عليه السلام - صلاة العصر في وقتها ثم غربت.

والثانية بعد النبي - (ص) -. لما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير منالصحابة بتعبير دوابهم ورحالهم وصلى - عليه السلام - بنفسه في طائفة معهالعصر. فلم يفرغ الناس من عبورهم حتى غربت الشمس ففاتت الصلاة كثيرامنهم وفات الجمهور فضل الاجتماع معه فتكلموا في ذلك. فلما سمع كلامهم فيه سألالله - تعالى - رد الشمس عليه ليجمع كافة أصحابه على صلاة العصر في وقتها.

فأجابه الله تعالى إلى ردها عليه [ وكانت في الأفق على الحال التي تكون عليها ]

____________

1 - هنا زيادة في م. وهي: رأسه فجعله في حجره.

2 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: ليرد.


الصفحة 113
وقت العصر. فلما سلم القوم غابت الشمس فسمع لها وجيب شديد ] (1)فهال الناس ذلك وأكثروا من التسبيح والتقديس والتهليل والاستغفار (2).

ولما زاد الماء في الكوفة وخاف أهلها من الغرق فزعوا إلى أميرالمؤمنين - عليه السلام -. فركب بغله رسول الله - (ص) -وخرج والناس معه حتى اتى شاطئ الفرات فنزل عليه فاسبغ الوضوءوصلى منفردا بنفسه والناس يرونه. ثم دعا الله بدعوات سمعها أكثرهم.

ثم تقدم إلى الفرات فتوكا (3) على قضيب بيده حتى ضرب به صفحة الماء

____________

1 - من م.

2 - الارشاد، للمفيد / 182 + المناقب، للخوارزمي / 217 + مناقب ابن المغازلي / 96 - 99 +تذكرة الخواص / 53.

3 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: متوكئا.


الصفحة 114
وقال انقص (1) بإذن الله [ ومشيته ] (2).

فغاض الماء حتى بدت الحيتان في قعر الفرات. فنطق كثير منهابالسلام عليه بإمرة المؤمنين ولم ينطق منها أصناف من السموك وهيالجرى والمارماهي والزمار. فتعجب الناس لذلك وسألوه علة نطقما نطق وصمت (3) ما صمت.

فقال أنطق لي ما طهر من السموك وأصمت عني ما حرمه ونجسه (4) وبعده (5).

المبحث (6) الثامن: في حسن الخلق:

لا خلاف بين العقلاء في أنأمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - أشرف الناس خلقا.

____________

1 - م: أغض.

2 - ليس في م.

3 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: صموت.

4 - م: نحاه.

5 - الإرشاد، للمفيد / 183.

6 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: البحث

الصفحة 115
حتى أنه - عليه السلام - نسب إلى الدعابة لطيب أخلاقه ولطف سيرته (1) مع أصحابه.

روي أنه - عليه السلام - اجتاز ليلة على امرأة مسكينة لها أطفالصغار يبكون من الجوع وهي تشاغلهم وتلهيهم حتى يناموا وكانت قدأشعلت نارا تحت قدر فيها ماء لا غير وأوهمتهم أن فيها طعاما تطبخه لهم.

فعرف أمير المؤمنين - عليه السلام - حالها فمشى ومعه قنبر إلى منزلهفأخرج قوصرة تمر وجراب دقيق وشيئا من الشحم والأرز والخبز وحمله (2) علىكتفه الشريف. فطلب قنبر حمله فلم يفعل. فلما وصل إلى باب المرأةاستأذن عليها فأذنت له في الدخول. فرمى (3) شيئا من الأرز [ في القدر ] (4)ومعه شئ من الشحم فلما فرغ من نضجه (5) غرف (6) للصغار وأمرهمبأكله. فلما شبعوا أخذ يطوف في البيت ويبعبع لهم فأخذوا في الضحك.

فلما خرج - عليه السلام - قال له قنبر: يا مولاي رأيت الليلةشيئا عجيبا قد علمت سبب بعضه وهو حملك الزاد (7) طلبا للثواب أماطوافك في البيت على يديك ورجليك والبعبعة فما أدري سبب ذلك.

فقال - عليه السلام -: يا قنبر إني دخلت على هؤلاء الأطفالوهم يبكون من شدة الجوع فأحببت أن أخرج عنهم وهم يضحكون مع

____________

1 - د: ولطف أخلاقه وسيرته.

2 - ش ود: حمل ذلك.

3 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: فأرمى.

4 - ليس في م.

5 - م: طبخه.

6 - م: قربه.

7 - م و أ: للزاد.


الصفحة 116
الشبع فلم أجد سببا سوى (1) ما فعلت (2).

وقال ضرار بن ضمرة (3): دخلت على معاوية بعد قتل أمير المؤمنين- عليه السلام -.

فقال: صف لي عليا.

فقلت: اعفني.

فقال: لا بد أن تصفه.

فقلت: أما إذ لا بد من ذلك فإنه كان والله بعيد المدى شديدالقوى يقول فصلا ويحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة مننواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويأنس بالليل ووحشته (4) غزيرالعبرة طويل الفكرة [ يقلب كفه ويخاطب نفسه ويناجي ربه ] (5)يعجبه من اللباس ما خشن ومن الطعام ما جشب وكان (6) فينا كأحدنايجيبنا سألناه ويأتينا إذا دعوناه ونحن والله مع تقربه (7) لنا وقربهمنا لا نكاد نكلمه هيبة له يعظم أهل الدين ويقرب المساكين لا يطمعالقوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله. فأشهد لقد رأيته في بعضمواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه [ وهو قائم في محرابه ] (8) قابضا

____________

1 - ج و ش: دون.

2 - قال المصنف في كشف المراد / 413: وحينئذ فيكون أفضل من غيره حيث جمع بين المتضاداتمن حسن الخلق وطلاقة الوجه وعظم شجاعته وشدة بأسه وكثرة حروبه.

3 - إرشاد الديلمي 2 / 218. وفي م: ضرار ابن حمرة. وأخرجه في إحقاق الحق 8 / 598 عن مصادركثيرة وفي البحار 41 / 14 - 15 نقلا عن أمالي الصدوق / 371.

4 - هنا زيادة في المصدر. وهي: كان والله.

5 - من المصدر و أ.

6 - المصدر: كان والله.

7 - هكذا في أ ز وفي سائر النسخ: تقريبه.

8 - من المصدر و أ.


الصفحة 117
على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنياغري غيري أبي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات قد تبتك (1)ثلاثا لا رجعة فيها فعمرك قصير وخطرك كثير (2) وعيشك حقير. آه منقلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.

فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك. فماحزنك عليه يا ضرار؟

قال: حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقا عبرتها ولا يسكنحزنها.

المبحث (3) التاسع: في الحلم:

لا خلاف في أن عليا - عليه السلام -كان أحلم الناس. فإنه أخذ حقه وقهر عليه ومنع من مرتبته وصبر على ذلكوكظم الغيظ وحلم.

وروى صاحب المناقب (4) عن أبي أيوب الأنصاري: أن النبي- (ص) - مرض (5) مرضه فأتته فاطمة - عليها السلام -تعوده. فلما رأت ما برسول الله - (ص) - من الجهدوالضعف استعبرت فبكت حتى سالت الدموع (6) على خديها.

فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وآله -: يا فاطمة إن لكرامةالله إياك زوجتك من أقدمهم سلما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما. إن الله

____________

1 - هكذا في ج. وفي أ: (ابنك). وفي م (بتتك). وفي ش ود: (مشيتك) 2 - م: كبير.

3 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: البحث.

4 - مناقب الخوارزمي / 63.

5 - ليس في م.

6 - هكذا في المصدر. وفي النسخ: سال الدمع.


الصفحة 118
- تعالى - اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارني منهم فبعثني نبيامرسلا. ثم اطلع اطلاعة فاختار منهم بعلك فأوحى إلي أن أزوجهإياك (1) واتخذه وصيا (2) [ وأخا ].

المطلب الثاني: في الفضائل البدنية:

وننظمها مباحث:

الأول في العبادة:

ومن المعلوم عند كل أحد أن عليا - عليه السلام -كان أعبد أهل زمانه ومنه تعلم الناس صلاة الليل والأدعية المأثورة فيهاوالمناجاة والأدعية في الأوقات الشريفة والأماكن المقدسة.

وبلغ في العبادة إلى أنه إذا توجه إلى الله - تعالى - [ في صلاته ] (3)توجه بكليته وينقطع نظره عن الدنيا [ حتى أنه ] (4) لا يدرك الألم لأنالنشاب إذا أريد إخراجه من جسده الشريف يترك (5) حتى يصلي فإذااشتغل بالصلاة وأقبل على الله - تعالى - أخرجوا الحديد من جسده (6).

وكان مولانا زين العابدين - صلوات الله عليه - يصليفي اليوم والليلة ألف ركعة ويدعو بصحيفة أمير المؤمنين - عليه السلام - ثميرمي بها كالمتضجر ويقول: أني لي بعبادة علي (7).

____________

1 - المصدر: أزوجك إياه.

2 - من المصدر.

3 - ليس في م.

4 - ليس في م.

5 - ج و أ: ترك.

6 - أخرجه في إحقاق الحق 8 / 602 عن المناقب المرتضوية / 364.

7 - شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 1 / 27 + ينابيع المودة 150

الصفحة 119
وكان طويل الركوع والسجود كثير الخضوع والتذلل فيهما.

وقد روي عن مولانا موسى بن جعفر الكاظم - عليهما السلام -أن قوله - تعالى (1) -: (تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضواناسيماهم في وجوههم من أثر السجود) نزل في أمير المؤمنين علي بن أبيطالب - عليه السلام (2) -.

____________

1 - الفتح / 29.

2 - أخرجه في إحقاق الحق 3 / 416 و 14 / 345 عن المصادر العامة. فراجع إن شئت.


الصفحة 120
[ وعن ابن عباس: أن قوله - تعالى (1) - ويقولون آمنا باللهوبالرسول وأطعنا) أنها نزلت في علي عليه السلام ] (2).

وعن الباقر - عليه السلام -: أن قوله - تعالى (3) - والذيجاء بالصدق) نزل في محمد - عليه السلام -. وقوله: (وصدق به) نزلفي علي - عليه السلام -.

وعن مجاهد أن قوله - تعالى - (والذي جاء بالصدق وصدقبه) نزلت في علي - عليه السلام (4) -.

____________

1 - النور / 47.

2 - ليس في ش ود.

3 - الزمر / 33.

4 - كفاية الطالب / 233 + مناقب ابن المغازلي / 269. وأنظر - أيضا - إحقاق الحق و 14 / 242 - 24:. 3 / 177 - 178 نقلا عن كثير من المصادر العامة.


الصفحة 121
وعن ابن عباس (1) أن قوله: تعالى: (واركعوا مع الراكعين)

نزل في رسول الله - صلى الله عليه وآله - وعلي - عليه أفضل

____________

1 - كشف الغمة، بحار الأنوار 36 / 120، نقلا عن كشف الغمة.


الصفحة 122
الصلاة والسلام - خاصة. وهما أول من صلى وركع.

ولم يترك صلاة الليل قط حتى ليلة الهرير (1).

وكان يوما في حرب صفين مشتغلا بالحرب والقتال وكان مع ذلكبين الصفين يراقب الشمس.

فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين ما هذا الفعل؟

فقال: انظر إلى الزوال حتى نصلي.

فقال له ابن عباس: هل هذا وقت صلاة؟ إن عندنا لشغلا بالقتال[عن الصلاة] (2).

فقال له علي - عليه السلام -: فعلى ما نقاتلهم؟ إنما نقاتلهم علىالصلاة (3).

المبحث (4) الثاني: في الجهاد:

لا خلاف بين المسلمين كافة أنالدين إنما تمهدت (5) قواعده وتشيدت أركانه بسيف مولانا أمير المؤمنين- عليه أفضل الصلاة والسلام - لم يسبقه في ذلك سابق ولا لحقه لاحق.

كان رابط الجأش قوي البأس سيف الله وكاشف الكرب عن وجه رسولالله تعجبت الملائكة من حملاته على المشركين وابتلي بجهاد الكفاروالمارقين والقاسطين والناكثين.

روى أحمد بن حنبل في مسنده (6) قال: خطب الحسن بن علي

____________

1 - أخرجه في البحار 41 / 17 عن مناقب ابن شهرآشوب وهو أخرجه عن مسند أبو يعلى وفي إحقاقالحق 3 / 300، 14 / 276 - 277 عن جماعة من أعلام العامة.

2 - ليس في م.

3 - أخرجه في نهج الحق وكشف الصدق / 247 - 248، عن إرشاد الديلمي من دون رقم صفحة.

4 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: البحث.

5 - ش ود: مهدت.

6 - مسند أحمد بن حنبل 1 / 199.


الصفحة 123
- عليهما السلام - فقال: لقد فارقكم بالأمس رجل لم يسبقه الأولون بعلم (1)ولا يدركه (2) الآخرون. كان رسول الله - صلى الله عليه وآله - يبعثهبالراية جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله لا ينصرف حتى يفتح له.

ونقل الواحدي (3) قال: إن عليا والعباس وطلحة افتخروا.

فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه (4).

وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها.

وقال علي - عليه السلام -: ما أدري ما تقولان لقد صليت ستةأشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد.

فأنزل الله - تعالى -: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجدالحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند اللهوالله لا يهدي القوم الظالمين * الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل اللهبأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون) (5) إلى قوله:

(أجر عظيم) فصدق الله عليا - عليه السلام - في دعواه وشهد له

____________

1 - م: بعمل.

2 - هكذا في المصدر. وفي النسخ: لم يدركه.

3 - أسباب النزول / 139. وفيه: (نزلت في علي والعباس وطلحة بن شيبة وذلك أنهم افتخروا) بدل: (إن عليا والعباس وطلحة افتخروا).

4 - في المصدر زيادة هنا وهي: وإلي تياب بيته.

5 - التوبة / 19 - 20.

6 - المصدر: (هذه الآية) بدل الآيتين المذكورتين.


الصفحة 124
بالإيمان والمهاجرة والجهاد.

وغزواته مشهورة. ففي غزاة بدر قال أبو اليقظان: إنه (1) رجل منغفار رهط أبي ذر الغفاري. وقال الشعبي: (بدر) بئر كانت لرجل يسمى:

____________

1 - الهاء في (إنه) تعود إلى (بدر).


الصفحة 125
بدرا. وهذه الغزاة هي الداهية العظمى وأول حرب كان به الامتحانحيث قال الله - تعالى (1) -: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإنفريقا من المؤمنين لكارهون * يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقونإلى الموت وهم ينظرون). كانت على رأس ثمانية عشر شهرا من قدومهالمدينة وعمر علي - عليه السلام - سبع عشرة (2) سنة. وكان المشركون قدأصروا على القتال لكثرتهم وقلة المسلمين ومنهم من خرج كارها. فتحدتهمقريش بالبراز واقترحت الأكفاء. فمنعهم النبي - صلى الله عليه وآله -وقال إن القوم طلبوا (3) الأكفاء.

ثم أمر عليا - عليه السلام - يبرز (4) إليهم فبارزه الوليد بنعتبة وكان شجاعا جريئا فقتله وقتل العاص بن سعيد العاص بعدأن أحجم عنه الناس لأنه كان هولا عظيما. وبرز إليه حنظلة بن أبيسفيان فقتله. طعن ابن عدي ثم نوفل بن خويلد وكان من شياطينقريش وكانت تقدمه وتعظمه وتطيعه وكان قد قرن أبا بكر وطلحة قبلالهجرة بمكة وأوثقهما بحبل وعذبهما (5) يوما حتى سئل في أمرهما.

وقال رسول الله - صلى الله عليه وآله - لما علم (6) بحضور نوفلبدرا قال: اللهم اكفني نوفلا.

فلما قتله أمير المؤمنين - عليه السلام - قال رسول الله - صلى اللهعليه وآلة وسلم -: من له علم بنوفل؟

____________

1 - الأنفال / 5 - 6.

2 - ج و أ: سبعة وعشرون.

3 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: دعوا.

4 - ج و أ: بالبروز.

5 - م: غديهما.

6 - هكذا في م. وفي سائر النسخ: عرق.


الصفحة 126
قال: أنا قتلته يا رسول الله.

فكبر وقال: الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه.

ولم يزل يقتل (1) واحدا بعد واحد حتى قتل نصف المقتولين وكانواسبعين (2) وقتل المسلمون كافة وثلاثة آلاف من الملائكة المسومين النصفالآخر ثم رمى (3) رسول الله - صلى الله عليه وآله - بكف من الحصاوقال: شاهت الوجوه.

فانهزموا جميعا (4).

وفي غزاة أحد: وكانت في شوال ولم يبلغ عمر أمير المؤمنين - عليهالسلام - تسع عشرة سنة. وسببها أن قريشا لما كسروا يوم بدر وقتلرؤساؤهم بذلوا الأموال لاستئصال المؤمنين. وتولى ذلك أبو سفيانليقصدوا النبي - صلى الله عليه وآله - والمؤمنين بالمدينة. وخرج النبي- عليه السلام - في جماعة من المسلمين فرجع قريب من ثلثهم إلى المدينةوبقي - عليه السلام - في سبعمائة من المسلمين وقد قال الله- تعالى (5) -: (وإذ غدوت من أهلك تبوء المؤمنين مقاعد للقتال...) الآيات.

وكان النبي - صلى الله عليه وآله - صف المسلمين صفا طويلاوجعل على الشعب خمسين رجلا من الأنصار وأمر عليهم رجلا منهم يقالله: عبد الله بن عمر بن خرم (6). وقال: لا تبرحوا من مكانكم وإن قتلنا عن

____________

1 - م: يقاتل.

2 - ش ود: سبعين ألف.

3 - م: أخذ.

4 - تاريخ الطبري 2 / 131 + مناقب ابن شهرآشوب 1 / 187.

5 - آل عمران / 121.

6 - م: خرم.


الصفحة 127
آخرنا فإنما نؤتى (1) من موضعكم هذا. وجعل لواء المسلمين بيد أمير المؤمنين- عليه السلام - ولواء الكفار بيد طلحة بن أبي طلحة وكان يسمى:

كبش الكتيبة. ضربه علي - عليه السلام - فندرت عينه وصاح صيحةعظيمة وسقط اللواء من يده. فأخذه أخوه مصعب فرماه عاصم بن ثابتفقتله. فأخذه عبد لهم اسمه صواب وكان من أشد الناس فقطع أميرالمؤمنين - عليه السلام - يده اليمنى (2) فأخذ اللواء باليسرى فقطعها أميرالمؤمنين - عليه السلام - فأخذ اللواء على صدره وجمع عليه يديه وهمامقطوعتان فضربه أمير المؤمنين - عليه السلام - على أم رأسه فسقطصريعا فانهزم القوم.

واكب المسلمون على الغنائم. ورأى أصحاب الشعب الناسيغتنمون (3) فخافوا فوت الغنيمة فاستأذنوا رئيسهم عبد الله بن عمر بنخرم (4) في أخذ الغنائم.

فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله - أمرني إلا أبرح منموضعي.

فقالوا: إنه قال ذلك وهو لا يدري أن الأمر يبلغ ما ترى.

ومالوا إلى الغنائم وتركوه. فحمل عليه خالد بن الوليد فقتله. وجاءمن ظهر النبي - صلى الله عليه وآله - وقال لأصحابه: دونكم هذا الذيتطلبون. فحملوا عليه حملة رجل واحد ضربا بالسيوف (5) وطعنا

____________

1 - م: نوفي.

2 - من م.

3 - ج: يغنمون.

4 - م: خرم.

5 - م: بالسيف.


الصفحة 128
بالرماح (1) ورميا بالنبال ورضخا بالحجارة. وجعل أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وآله - يقاتلون عنه حتى قتل منهم سبعون رجلا. وثبتأمير المؤمنين - صلوات الله عليه - يدفع عن النبي - صلى الله عليه وآله -.

ففتح عينه وكان قد أغمي عليه فنظر إلى علي - عليه السلام - وقال: ياعلي ما فعل الناس؟

فقال: نقضوا العهد وولوا الدبر.

فقال: فاكفني هؤلاء الذين قصدوا نحوي.

فحمل عليهم فكشفهم (2). ثم عاد إليه وقد قصدوه من جهةأخرى فكشفهم (3). ورجع من المنهزمين (4) أربعة عشر رجلا وصعدالباقون الجبل. وصاح صائح بالمدينة: قتل رسول الله - صلى الله عليهوآله -. فانخلعت القلوب.

وجعلت هند بنت عتبة لوحشي جعلا على أن يقتل رسول الله- صلى الله عليه وآله - أو عليا أو حمزة.

فقال: أما محمد فلا حيلة فيه لأن أصحابه يطوفون (5) به. وأماعلي فإنه إذا قاتل أحذر من الذئب. وأما حمزة فأطمع فيه لأنه إذاغضب لا يبصر ما بين يديه. فقتله وحشي.

وجاءت هند فأمرت بشق بطنه وقطع كبده والتمثيل به فجدعوا أنفه وأذنيه.

وقال جبريل: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. وسمعوا

____________

1 - م: بالرمح.

2 و 3 - ش ود: فكشهم.

4 - م، د و ش: المسلمين.

5 - ج: يطيفون.