فكرة المهدي (عليه السلام)
1 ـ القسم الاول: {من الذين كتبوا عن المهدي عليه السلام}
الذين ربطوا فكرة الامام المهدي بالفكر الوضعي في بعده النفسي يرون أن عقيدة المهدوية ليست وقفاً على الفكر الشيعي ولا على المسلمين فقط، بل ولا على الديانات السماوية كلها إنما هي على مستوى الشعوب ذلك أن العامل المشترك بين كل هذه الفئات هو عامل نفسي موحد، وهو الشعور بوضعية غير عادلة من حكم قائم بالفعل، وخزين متراكم من حكام سابقين عاشوا مع شعوبهم على شكل قاهر ومقهور، ومتسلط ومسحوق، ورزحوا تحت نير الظلم والطغيان. ولذا كانت هذه العقيدة عند الشعوب الشرقية ونظائرها ممن يشترك مع الشعوب الشرقية بأنّه مسحوق، وحيث أنّ بعض هذه الشعوب عنده عقيدة دينية تبشر بالمهدي أيضاً، فإنّ هذه العقيدة مهمتها تدعيم هذا العامل النفسي، وخلق لون من المشروعية لهذه النزعة في نفوس الناس، وهذا هو المعنى الذي عبر عنه برتراند رسل بقوله:
ليس السبب في تصديق كثير من المعتقدات الدينية الاستناد إلي دليل قائم على صحة واقع كما هو الحال في العلم، ولكنه الشعور بالراحة المستمدة من التصديق، فإذا كان الايمان بقضية معينة يحقق رغباتي فأنا أتمنى أن تكون هذه القضية صحيحة وبالتالي فأعتقد بصحتها.(نظرية الامامة ص 420).
إذاً فالقدر الجامع بناءً على هذا هو الامل بظهور مخلص من واقع سيّىء تعيشه الجماعة، وفي ذلك يقول الدكتور أحمد محمود:
إنّ الاعتقاد بظهور مسيح أو انتظار رجعة مخلص وليد العقل الجمعي في مجتمعات تفكر تفكيراً ثيوقراطياً في شؤونها السياسية، وبين شعوب قاست الظلم ورزحت تحت نير الطغيان، سواء من حكامهم أم من غزاة أجانب، فإزاء استبداد الحاكم وفي ظل التفكير الديني تتعلق الامال بقيام مخلّص أو محرر يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.(نفس المصدر السابق ص 399).
فهذه العقيدة بالرغم من وجود مصادر دينية لها عند المسلمين واليهود والمسيحيين إلا أن هذه المصادر ليست هي العامل الأساسي في نظر هؤلاء بالاعتقاد بها وانما تلعب دوراً مبرراً ثانوياً، ويرى الدكتور أحمد محمود ان عقيدة السنة بالصبر على الظالم، وعدم الخروج عليه عمقت نزعة المهدى وتركت الوسط الديني السني الذي يعتقد بموضوع المهدي يعيش بين عامل الألم من الواقع الفاسد الذي عاشه أيام الأمويين وما تلاها من عصور، وبين ضرورة الخلاص، فمال إلى الخلاص في المدى الأبعد الذي وجده في عقيدة المهدي وقد حاول إشراك الشيعة في ذلك باعتبارهم صابرين على الظلم حيث قال: إن هذه العقيدة لا يؤمن بها إلا اولئك الذين يعانون صراعاً نفسياً نتيجة السخط على تصرفات الحكام وعدم استحقاقهم لقب الخلافة لفسقهم، ونتيجة خضوعهم من ناحية ثانية للأمر الواقع أما خشية الفتنة كما هو عند السنة، الذين لا يرون الخروج على أئمة الجور استناداً إلى أدلة عندهم، أو نتيجة للتخاذل بسبب فشل كثير من الحركات الثورية كما هو عند الشيعة الذين يرون الصبر على الخلفاء تقية فعقيدة المهدي مخرج لهذا الصراع، أما الفرق التي تجعل من أصول مبادئها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالسيف كالخوارج والزيدية: فإنّ هذه العقيدة عندهم غير ذات موضوع، إلى أن قال: ولذا لا تبلغ أهمية المهدي عند فرقة من الفرق كما تبلغ عند الشيعة الاثنى عشرية الذين يتطرف حكمهم على الخلفاء من ناحية كما يتطرف تحريمهم الخروج على الخلفاء من ناحية أخرى.(نظرية الامامة ص 127).
هذا ملخص ما قاله الدكتور أحمد محمود ولنا على مضامين هذا الفصل الملاحظات التالية:
1 ـ الملاحظة الأولى:
أنّ هذا خلط بين السبب وبعض نتائجه ذلك، لانّ الشعوب المرتبطة بدين معين تربط مظاهرها العقائدية بدينها في الجملة، فإذا لم يوجد مصدر ديني لذلك المظهر يبحث عندئذ عن سببه الاخر، ولا شك أن الاديان الثلاثة بشرت بفكرة المخلص، وهو إما واحد للجميع يوحد به الله تعالى الاديان في الخلاص من الظلم، أو متعدد لكل امة من لامم مهديها، والهدف منه ومن التبشير به أن يوضع أمام كل أمة مثل أعلى يجسد فكرة العدل، ولتكون الشعوب على تماس مباشر مع الفكرة الخيرة والمثل الاعلى كما هو متصور، فالاصل في فكرة المهدي النصوص الدينية، وساعد على ترسيخها في النفوس ارتياح النفوس إليها، خصوصاً إذا لم تقو على تجسيد العدل لسبب ما، ولكنها إذ تتخذ من فكرة المهدي وسيلة تعويضية تمسخ الغرض الاصلي من فكرة المهدي، وهو أن تكون حافزاً يدفع الناس إلى السعي إلى دفع الظلم، وفكرة قيام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر خصوصاً إذا كانت النصوص الدينية قائمة في تحميل الانسان مسؤولية الدفاع عن نفسه وعن مقدساته، بغض النظر عن قيام المهدي وعدمه كما هو واقع التعاليم الدينية، فلا ينبغي أن تتحول فكرة الامام المهدي من نصب مثل أعلى لاستشعار سبل ومناهج الحياة الكريمة إلى مخدر يميت في النفوس نزعات التطلع ووثبات الرجولة، أو من محفز إلى منوم.
2 ـ الملاحظة الثانية:
إن إشراك الشيعة مع السنة بأنهم لا ينهضون ضد الظالم تقية مغالطة صريحة، وذلك لأن عامل صبر السنة على الظلم عامل اختياري نتيجة تمسك بأحاديث يرون صحتها في حين أن صبر الشيعة على الظلم نتيجة عامل قهري لعدم وجود قدرة ووسيلة للنهضة، وهذا عامل عام عند كل الناس، أما لو وجدت عوامل النهضة فلا ينتظر الشيعة خروج المهدي ليصلح لهم الامر، بدليل أنّ حكم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروطهما قائم عندهم فعلاً، وكذلك الجهاد بكل أقسامه بوجود نائب الامام الخاص أو العام في رأي بعضهم قائم بالفعل، أما دفاع الظالم عن النفس والمقدسات فلا يشترط فيه وجود إمام أو نائبه على رأي جمهور فقهاء الشيعة لانه دفاع عن النفس، ويتعين القيام به في كل وقت من الاوقات.(شرح اللمعة للشهيد الثاني ج2 ص381، وكنز العرفان للمقداد ج1 ص342).
إن الرجوع إلى تاريخ الشيعة يشكل أدلة قائمة على ما ذكرناه، لكثرة ثوراتهم على الباطل في مختلف العصور والجهاد مع باقي فرق المسلمين في ساحات الجهاد ضد الكفر والظلم، ولست بحاجة للاطالة بذلك لوضوحه.
3 ـ الملاحظة الثالثة:
لا ينهض اشتراك الشعوب في عقيدة المهدي دليلاً على وحدة العامل، لاننا نرى كثيراً من المظاهر السلوكية سواء كانت مظاهر دينية أم لا تشترك بها شعوب دون أن تصدر عن علة واحدة. خذ مثلاً ظاهرة تقديم القرابين فهي عند معتنقي الاديان السماوية شعيرة أمر بها الدين بهدف التوسعة على الفقراء والمعوزين في حين نجدها عند بعض الشعوب بهدف اتقاء سخط الالهة، وعند البعض الاخر لطرد الارواح الشريرة، وعند البعض الاخر تقدم الضحايا من البشر بهدف استدرار الخير كما هو عند قدماء المصريين، فلم تكن العلة واحدة عند الشعوب كما ترى، إذاً فمن الممكن أن تكون فكرة الامام المهدي ليست عملية تعويض أو تنفيس، وإنما هي فكرة تستهدف وضع نصب يظل شاخصاً دائماً يذكر الناس بأنّ الظالم قد يمهل ولكنه لا يهمل، لان الناس إذا تقاعسوا عن طلب حقوقهم فإنّ الله لا يسكت، بل لابد من الانتقام على يد مخلص، مع ملاحظة أن الاصل في مثل هذه الحالات أن يتصدى الناس لتقويم الاعوجاج، ولذلك يقول الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الرعد12. فإذا غلب عليهم التخاذل فإن الله تعالى لا يهمل أمر عباده، ولذلك تشير الاية الكريمة وهي قوله تعالى: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) يوسف:110. وقد حام المفسرون حول هذا المعنى الذي ذكرناه عند تفسيرهم للاية المذكورة (الوائلي، هوية التشيع: 174 ـ 178)، وذكروا أن السماء تتدخل عندما يطول البلاء وتشتد الحالة ويهلع الناس الى حد اليأس.
1 ـ فكرة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
2 ـ الشق الثاني: { من الذين كتبوا عن الامام المهدي عليه السلام }
الذين ربطوا فكرة الامام المهدي عليه السلام بالاخذ التقليدي، وقالوا إنها عبارة عن اقتباس أخذه المسلمون عن بعض الشعوب من دون أن يكون هناك عامل شعوري مشترك، وسواء أخذت هذه العقيدة من هذا الشعب أو ذاك فإنّ جولد تسيهر، وفان فلوتن: المستشرقان قالا إنها مقتبسة من اليهود بشكل وبآخر، ويؤكد فان فلوتن أنّها جاءت من تنبؤات كعب الاحبار ووهب بن منبه، فهي من الافكار الاسرائيلية التي نشرت بين المسلمين. وفي حين يذهب أحمد الكسروي إلى أنها مقتبسة من الفرس حيث يقول:
لا يخفى أن قدماء الفرس كانوا يعتقدون بإله خير يسمى يزدن، وإله شرّ يسمى أهريمن، ويزعمون أنهما لا يزالان يحكمان الارض حتى يقوم ساوشيانت ابن زرداشت النبي، فيغلب أهريمن ويصير العالم مهداً للخير وقد تأصل عندهم هذا المعتقد، فلما ظهر الاسلام وفتح المسلمون العراق وإيران واختلطوا بالايرانيين سرى ذلك المعتقد منهم الى المسلمين ونشأ بينهم بسرعة غريبة، ولسنا على بينة من أمر كلمة المهدي من وضعها ومتى وضعت. إنتهى بتلخيص. إن هذا الرأي لا يستحق المناقشة في الواقع لاسباب كثيرة منها: افتراضه تساهل المسلمين بحيث يعتقدون بأمور لا يعرفون مصدرها، ومنها عدم وجود صلة بين فكرة إلهي خير وشر وفكرة مخلّص، ومنها أن حجم مسألة المهدوية ليس بهذه البساطة، فالفكرة من الفكر الكبيرة الحجم بالعقيدة الدينية.(الوائلي، هوية التشيع: 178 ـ 179).
فكرة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
3 ـ الشق الثالث: { من الذين كتبوا عن المهدي عليه السلام }
ربط فكرة المهدي بالفكر الوضعي في بعده السياسي، ويقول أصحاب هذه الفكرة أن فكرة المهدي أخترعها بعض الحكام الذين حكموا ولم تتوفر فيهم صفات يفترضها المسلمون في الحاكم، فافترضوا أن هناك إماماً غائباً محرّراً سيظهر بعد ذلك، وقد عهد اليهم بالقيام بالحكم إلى أن يظهر، وقالوا إن المختار الثقفي ممن سلك هذا الطريق، وادعى انه منصوب من قبل المهدي من آل محمد، وممن أكد هذا الرأي المستشرق وات وهذا الرأي يضع الاثر مكان المؤثر، فإن الذين اتخذوا من فكرة المهدي سناداً لهم على فرض وجودهم بهذه الكثرة، لابد أن تكون فكرة المهدي شائعة عند الناس قبل مجيئهم فاستفادوا منها وركبوا ظهر العقيدة، على أن نسبة هذا الرأي للمختار باعتباره جزءاً من العقيدة الكيسانية فنده كثير من المحققين، وحتى مع فرض صحته يبقى متأخراً عن وجود عقيدة المهدي كما ذكرنا. وليس للمختار تلك المكانة الكبيرة عند فرق المسلمين حتى يأخذوا عنه ويتأثروا بآرائه مع التفات المسلمين لهدفه.(الوائلي، هوية التشيع: 179 ـ 180).
2 ـ المسلمون والمهدي
إنّ فكرة الامام المهدي في نطاق العقيدة الدينية بغض النظر عن تفاصيلها موضع اتفاق جمهور المسلمين، فإنّ روايات المهدي وانتظار الفرج على يديه وظهوره ليملأ الارض عدلاً وردت عند كل من الشيعة والسنة، وممن رواها من أئمة السنة:
الامام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه، وأبو داود في سننه، وابن ماجة في سننه، والحاكم في مستدركه، والكنجي الشافعي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان، وابن حجر العسقلاني في القول المختصر في علامات المهدي المنتظر، ويوسف بن يحيى الدمشقي في عقد الدرر في أخبار الامام المنتظر، وأحمد بن عبد الله أبو نعيم صاحب الحلية في نعت المهدي، ومحمد بن ابراهيم الحموي في مشكاة المصابيح، والسمهودي في جواهر العقدين، وعشرات من أعلام السنة وغيرهم لا اُريد الاطالة بذكرهم.
وقد أخرج أئمة السنة أحاديث المهدي عن طريق الامام علي عليه السلام وابن عباس، وعبد الله بن عمر، وطلحة، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأم سلمة، وغيرهم.
ومن تلك الاحاديث ما رواه ابن عمر بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي وكنيته كنيتي يملأ الارض عدلاً كما ملئت جوراً، ذلك هو المهدي، وكقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: المهدي من عترتي من ولد فاطمة، وقد صحح هذه الاحاديث وغيرها مما ورد في الامام المهدي: ابن تيمية مستنداً إلى مسند الامام أحمد بن حنبل وصحيح الترمذي، وسنن ابي داوود.
وقد ذهب ابن حجر تبعاً للنصوص الى تكفير منكر المهدي، فقد أجاب في الفتاوى الحديثية حين سئل عمن ينكرون خروج المهدي المنتظر، فقال: فهؤلاء المنكرون للمهدي الموعود به آخر الزمان، وقد ورد في حديث عن ابي بكر الاسكافي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من كذب بالدجال فقد كفر، ومن كذب بالمهدي فقد كفر، الى أن قال: ونملي عليك من الاحاديث المصرحة بتكذيب هؤلاء وتضليلهم وتفسيقهم ما فيه مقنع وكفاية لمن تدبره، أخرج أبو نعيم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: يخرج المهدي وعلى رأسه عمامة ومع مناد ينادي هذا خليفة الله فاتبعوه، ثم أخذ يورد الاحاديث الواردة في المهدي. هذه بعض المأثورات السنية في الامام المهدي، أما الشيعة فرواياتهم في موضوع الامام المهدي بكل جوانبه كثيرة واردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، وقد ألفوا في ذلك كتباً كثيرة استوفت وغطت كل التساؤلات حول موضوع الامام المهدي: مثل كتاب الغيبة لمحمد بن ابراهيم النعماني، وكمال الدين وتمام النعمة لمحمد بن علي بن بابويه القمي، وكتاب الغيبة لمحمد ابن الحسن الطوسي، وغيرهم كثير، وقد تناولها فكتب بالمهدي كل من الصدوق في علل الشرائع، والمرتضى في تنزيه الانبياء، والمجلسي في البحار، والمفيد في الفصول، وفي الارشاد، ومن المتأخرين كتب عشرات المؤلفين بالمهدي وأشبعوا الموضوع.(الوائلي، هوية التشيع: 180 ـ 181).
3 ـ المردود الايجابي في عقيدة المهدي
بقي أن نعرف ما هي حصيلة عقيدتنا بوجود المهدي، فإن تقييم مثل هذه الامور يصحح كثيراً من التصورات الخاطئة عن أمثال هذه العقائد خصوصاً إذا عرفنا أنّ العقائد فواعل بالنفوس.
1 ـ المردود الاول:
فأول المردودات الايجابية بهذه العقيدة حصول الامتثال لامر الله تعالى بهذه العقيدة ككل العقائد، فإن المفروض أن النصوص تحتم الايمان بها كما ذكرنا آراء العلماء بذلك.
2 ـ المردود الثاني:
الشعور بقيام الحجة على العباد لله تعالى بوجود الامام، إذ لو حصلت الكفاية بغيره لما حصل الخلاف بين المسلمين، فإن قيل إنّ الخلاف حاصل بالفعل قيل: إنّ ذلك ناتج من عدم الالتزام بإمامته. بالاضافة الى الشعور بالتسديد في آراء العلماء لوجود الامام بين أظهرهم وإن لم يعرفوه.
3 ـ المردود الثالث:
في وجود المهدي لطف يقرب العباد الى الله تعالى، لشعورهم بأنّ الله تعالى يهيىء لاقامة العدل ورفع الظلم، فإن قيل إن رفع الظلم يجب أن يحدث بالاسباب الطبيعية من قبل الناس: قيل إن ذلك صحيح، ولكن إذا تهاونوا بذلك فلابد أن يدافع الله تعالى عن الذين آمنوا، فإن قيل إن ذلك يحصل بالاخرة قيل ان مثل ذلك كمثل اقامة الحدود في الدنيا مع أن المجرم لا يترك بالاخرة، هذه بعض الفوائد في موضوع الامام المهدي، وليست هي علة تامة بل حكمة، ونحن نتعبد بما ورد في النصوص، وهناك فوائد اخرى ذكرتها المطولات وغطت أبعاد المسألة يمكن الرجوع إليها.(الوائلي، هوية التشيع: 183 ـ 184).
4 ـ المردود السلبي في عقيدة المهدي
1 ـ المردود الاول:
إنّ أول المردودات السلبية أنّ هذه الفكرة تشل الانسان وتمنعه عن القيام بواجباته وتخدر الانسان وتتركه خائفاً ذليلاً بانتظار ظهور الامام ليأخذ له بحقه، وقد صوّر بعضهم شدة لهفة الشيعة لانتظار ظهور الامام بأن قسماً من الشيعة لا يصلون مخافة أن يخرج الامام وهم مشغولون بالصلاة فلا يستطيعون اللحاق به(منهاج السنة لابن تيمية ج1 ص29)، وهذا التصور مردود جملة وتفصيلاً فلا أحتاج الى إكثار القول فيه، بل الفت النظر الى كتب فقه الامامية فإنّ الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوب الدفاع عن النفس قائم بالفعل، ولا يرتبط بالمهدي من قريب أو بعيد، ومن ادعى خلاف ذلك فليدلنا على المصدر، أما الدعاوي الفارغة والقول البذيء فمردود على القائل وهو به أولى، ومن قفا مؤمناً بما ليس فيه حسبه الله تعالى في ردغة الخبال، كما يقول الحديث النبوي الشريف.(تفسير الفخر الرازي عند قوله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم)).
2 ـ المردود الثاني:
أن الايمان بفكرة المهدي يؤدي الى الازدراء بالعقل لما في ذلك من مفارقات مثل طول العمر غير المعتاد، وغيبته من الابصار، وعدم وجود فائدة في إمام كهذا وغير ذلك. والجواب على ذلك بالاختصار: أن الشيعة لا يجعلون بقاءه هذه المدة أمراً طبيعياً وإنما هو معجزة، لانهم يقولون لما ثبت بالادلة وجوده وغيبته والوعد بظهوره فلابد والحالة هذه من الايمان بذلك بالاضافة لعدم خلو الزمان من إمام مفترض الطاعة، وبناءاً على أن وجوده معجزة ينقل حينئذ الكلام الى المعجزات ككل فأما أن تصدق أو تكذب، وإذا كذبناها كذبنا الثابت في الاسلام، أما أنه لا يرى فليس بمعلوم بل يجوز أن يرى ولا يعرف ويستفاد بآرائه، لانه يشترك مع الناس بالاراء ويلقي بالرأي الصحيح، يبقى الكلام على عدم تعليل اختفائه، وما أكثر العقائد والاحكام التي لا نجد لها علة ونقول بمضمونها مثل رمي الجمرات في الحج، والهرولة، ومعاقلة المرأة الرجل الى ثلث الدية، وأعداد ركعات الصلاة وهكذا، فإنها كلها أحكام غير معللة بل معظم الاحكام هكذا، وكذلك كثير من العقائد.
3 ـ المردود الثالث:
الازدواجية التي تحصل من وجود إمام تجب طاعته ولا يحكم، وآخر يحكم ولا تجب طاعته، والجواب أن فقهاء الامامية بالجملة في حال غيبة الامام يقرون حكومة الحاكم العادل الذي يرعى مصالح المسلمين ويحمي ثغورهم ويجاهد عدوهم ويرتبون المشروعية على تصرفاته بالجملة.(الوائلي، هوية التشيع: 184 ـ 185).
5 ـ سبب الاهتمام به
كل هذا الاهتمام بالامام المهدي هو ليعرف الناس عظم مسألته ودولته وما يصيبه وشيعته في غيبته، فيحزنوا عليهم ويدعوا لهم بالفرج، فيكونوا قد شاركوهم فيما يجري عليهم من مصائب وآلام، ويشتركوا معهم بالاجر والثواب.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد 3/8).
6 ـ حكمة وجود الامام
كل هذا الاهتمام بالامام المهدي هو ليطمئن المؤمن بوجود رجعة في الدنيا قبل الاخرة، يؤخذ للمظلوم حقه من الظالم، يعذب المجرمون ويذوقوا عذاب الدنيا قبل الاخرة، ينعم المحسنون والمتقون في الدنيا قبل الاخرة وليعرف الخلق باجمعه أن للحق دولة ترفع فيها كلمه الله.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة تحقيق كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد 3/8، 9).
7 ـ فكرة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
ذكر صاحب فضائح الروافض في الشبه بين المجوس والروافض ان المجوس تعتقد بحياة كيخسرو وصعوده الى السماء ونزوله آخر الزمان....
أجاب عنه القزويني في النقض: هذا المذهب اولى بأهل السنة من الشيعة، لأن اعتقاد أهل السنة نزول عيسى عليه السلام من السماء، وأنه حيّ يعود آخر الزمان... فلو جاز نزول عيسى في آخر الزمان من السماء مع نسخ شريعته، فليجز ظهور شخص من اولاد النبي في آخر الزمان لينصر دين جده، فكل من اقرّ بنزول عيسى لم ينكر خروج المهدي عليه السلام.(القزويني، النقض: 410، 411).
8 ـ سبب الاهتمام به
كل هذا الاهتمام بالمهدي الموعود للتعريف به لجميع الخلق، وأنه صاحب الحكم الالهي، ودولة الحق التي وعد الله عباده بها، فيعتقد به من لم يدركه بقلبه ويدعو له بالفرج ويطيعه من يدركه.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة تحقيق كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/8).
9 ـ سبب الاهتمام به
كل هذا الاهتمام بالامام المهدي هو لاجل معرفة الذين يدركون غيبته اهمية قيام دولته عجل الله تعالى فرجه الشريف التي بشر بها الانبياء والصديقون والائمة عليهم السلام وتمنوا لو ادركوها.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة تحقيق كتاب الفصول العشرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/8).
10 ـ سبب الاهتمام به
كل هذا الاهتمام بالامام المهدي الموعود هو لاجل الذين يدركون غيبته، لئلا يزيغوا ويضلوا ولئلا يشكوا في امامهم ووجوده وظهوره، لتتركز عقيدتهم بامامهم اكثر وليعدوا انفسهم لظهوره، وليرفعوا الموانع المانعة عن ظهوره.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة تحقيق كتاب الفصول الشعرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/8).
11 ـ فكرة منقذ للبشرية
إن فكرة ظهور منقذ للبشرية جمعاء في آخر الزمان أوّل من اشار اليها ونوه بها هو الله سبحانه وتعالى حيث بشر انبياءه كافة ـ من ابينا آدم عليه السلام والى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ـ بظهوره ودولته عجل الله فرجه. ولهذا نجد أن جميع الانبياء والرسل وجميع الائمة الى الامام العسكري عليه السلام ذكروا المهدي واشاروا الى اسمه وبعض شمائله وظهوره.(الشيخ فارس الحسون، مقدمة تحقيق كتاب الفصول الشعرة في الغيبة للشيخ المفيد، ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 3/7).
12 ـ فكرة المهدي
إن فكرة وجود الامام في كل عصر وزمان ليست فكرة حديثة بل هي أمر له سابقة من لدن خلقة البشر، لما عرفت من اقامة البراهين التامة على لزوم الارتباط بين الخلق وخالقه بالنبوة أو الامامة، واكدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجملات منها (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة الجاهلية) (مسند أحمد 2: 83، 3: 446، 4: 96)، فالاعتقاد بالامامة كان مبتنياً على اساس قويم برهاني، بل فكرة كون الائمة في الاسلام اثني عشر، وفكرة كون الائمة الاحد عشر عليهم السلام من نسل النبي ونسل علي وفاطمة والحسين وبعض خصوصيات أخر أمر سماوي أخبر به الانبياء السالفة ونبينا بالتواتر من الأخبار... ففكرة ظهور المهدي وغلبته على الظلم والجور واقامته للعدل والقسط والحكومة الاسلامية في جميع اقطار الارض أمر سماوي أخبر به الأنبياء السابقة ونبينا والائمة بالتواتر ووقع كما اخبروا.
قال العلامة الطباطبائي في كتاب (الشيعة في الاسلام)...
وقال الشهيد الصدر...
مضافاً الى أنه لولا ثبوت فكرة المهدي عن النبي على وجه عرفها جميع المسلمين وتشبعت في نفوسهم، واعتقدوها لما كان يتمكن مدعو المهدية في القرون الاولى كالكيسانية والعباسيين وجملة من العلويين وغيرهم من خدعة الناس واستغلال هذه العقيدة فيهم طلباً للملك والسلطان....(الخرازي، بداية المعارف 2: 135 ـ 138).
13 ـ فكرة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
لو ألقينا نظرة خاطفة على مصادر التاريخ وبخاصة تاريخ الاديان لادركنا بجلاء أن الايمان بالمهدوية لم يكن ابداً من مختصات عقائد الشيعة الامامية... بل ليس ذلك من مختصات المسلمين دون غيرهم... وأن اليهود والنصارى يعتقدون بمصلح منتظر في آخر الزمان هو ايليا عند اليهود وعيسى بن مريم عند المسيحين، كما ان المسلمين على اختلاف مذاهبهم كذلك حيث ذهب الشيعة الاثني عشرية والكيسانية والاسماعيلية الى الايمان بالمهدي، والتصريح بكونه من ضروريات المذهب، وذهب السنيون الى مثل ذلك... وهكذا تلتقي الديانات السماوية الثلاث في الايمان بالفكرة، ثم هكذا يلتقي الشيعة مع سائر اخوانهم... ويعتقدون في المهدي ما يرويه الدكتور احمد امين من راي السنيين به من: (أنه من اشراط الساعة وأنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيّد الدين ويظهر العدل... ويسمى المهدي)(المهدي والمهدوية ـ أحمد أمين: 110)، وكما قال عبد العزيز ابن باز: (امر المهدي امر معلوم والاحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة فهي بحق، تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمره ثابت وخروجه حق).(مجلة الجامعة الاسلامية، عدد 3 ص161 ـ 162) وهنا يظهر ان الفكرة (فكرة المهدي) في ذاتها صحيحة كما يقول الكاتب المصري المعاصر عبد الحسيب طه حميدة.(ادب الشيعة: 101) و (آل ياسين ـ اصول الدين: 367 ـ 369).