الصفحة 45

الفصل الثاني
من هو الاِمام المهدي ؟


الصفحة 46


الصفحة 47
اتضح من خلال ما تقدم اتفاق المسلمين على الايمان بظهور الاِمام المهدي المبشر به في الاخبار المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهنا لابدّ للمسلم ان يسأل نفسه ويقول:

إذا كانت أخبار المهدي المبشر بظهوره في آخر الزمان بهذه الدرجة والوضوح عند علماء الاِسلام حتى قطعوا بصحتها، وصرّحوا بتواترها، فلماذا اختلفت بعض الروايات الواردة في نسب المهدي، وربما وصل بعضها إلى درجة التناقض والتضاد ؟ ومِن ثم، فمن هو الاِمام المهدي؟ وهل يمكننا ـ في خضم هذه الاختلافات ـ تشخيصه، بحيث لاتكون هناك أدنى شبهة في صرف لقب (المهدي) عن مسمّاه في الواقع ؟

وللاجابة عن ذلك لابدّ من بيان نوعية المعوقات التي تعترض البعض في تشخيص نسب الاِمام المهدي على الرغم من اعتقاده بظهوره في آخر الزمان، ولكن يجب التأكيد ـ قبل بيان تلك المعوقات ـ على أن من يعتقد بظهور الاِمام المهدي بنحو قاطع، ولم يتعين له من هو المهدي على طبق الواقع، فمثله كمثل من يعلم يقينا بوجوب الصلاة ولكنه يجهل أركانها، ومن كان كذلك فهو لايسمى مصلِّيا، فكذلك الحال في من ينتظر مهديّاً لايعرفه، كما سنبرهن عليه.

وعلى أية حال فإن علاج أية مسألة تعترض تشخيص نسب المهدي قد تكفل بها هذا الفصل، واذا ما واصل القارىء العزيز الشوط معنا إلى آخره، سيدرك قسطاً وافراً من الاجابة عن سؤال: من هو المهدي

الصفحة 48
الموعود المنتظر ؟ ونعاهده بأننا سنتجرد عن قناعاتنا السابقة حتى لا تكون حاكمة على الدليل ما دام الهدف هو الوصول إلى الحق سواء كان الحق معنا أو علينا، والعاقل هو من لم يكن بينه وبين الحق عداء، وإن تأمّل في كلامنا هذا فإنه سيشهد لنا بالصدق على ما نقوله في علاج معوقات التشخيص الحديثية في المباحث التالية:

ونعني بمعوقات التشخيص الحديثية: هي تلك الاحاديث التي تبدو متضاربة بعضها ببعض، مما قد يصعب على كثير من الناس ـ لاسيما اُولئك الذين ليسوا على اتصال مباشر بعلوم الحديث الشريف ـ معالجتها، مما يُسهّل ـ إلى حد بعيد ـ وقوع ضعيف الاِيمان منهم في شراك اللامهدويين سواء كانوا من المتسمّين بالاِسلام أو من المعلنين العداء لهذا الدين.

أحاديث في نسب الاِمام المهدي

الاحاديث الصحيحة الواردة في بيان نسب الاِمام المهدي عليه السلام على طوائف وجميعها مؤتلفة غير مختلفة، ولا تشكّل عائقاً في تشخيص نسب الاِمام المهدي كما سيتضح من دراستها على النحو الآتي:

المهدي: كناني، قرشي، هاشمي

أورد المقدسي الشافعي في عقد الدرر، ومثله الحاكم في المستدرك حديثاً ينسب الاِمام المهدي إلى كنانة، ثم إلى قريش، ثم إلى بني هاشم، وهو من رواية قتادة عن سعيد بن المسيب، قال: قلت لسعيد بن المسيب: «المهدي حقّ ؟ قال: حقّ.


الصفحة 49
قلت: ممّن ؟ قال: من كنانة.

قلت: ثمّ ممّن ؟ قال: من قريش.

قلت: ثمّ ممّن ؟ قال: من بني هاشم... الحديث».

ثم قال: أخرجه الاِمام أبو عمر عثمان بن سعيد المقري في سننه.

وأورده بلفظ آخر قريب من الاَول عن قتادة عن سعيد بن المسيب أيضاً.

وقال: أخرجه الاِمام أبو الحسين أحمد بن جعفر المنادي، وأخرجه الاِمام أبو عبدالله نعيم بن حماد(1).

وقد يُتصور أن الحديث يتناقض مع نفسه ! إذ جمع في نسب الاِمام المهدي أنه من كنانة تارة، ومن قريش أُخرى، ومن بني هاشم ثالثة.

والجواب: لافرق في ذلك كلّه، فإن كل هاشمي هو من قريش، وكل قرشي هو من كنانة لاَنَّ قريش هو النضر بن كنانة باتفاق أهل الانساب.

حديث المهدي من أولاد عبد المطلب

وهو ما رواه ابن ماجة وغيره بالاسناد عن أنس بن مالك قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة : أنا، وحمزة، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي»(2).

وأورده في عقد الدرر بلفظ: «نحن سبعة بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة: أنا، وأخي علي، وعمي حمزة، وجعفر، والحسن، والحسين، والمهدي» ثم قال: أخرجه جماعة من أئمة الحديث في

____________

(1) عقد الدرر: 42 ـ 44 الباب الاَول، وانظر: مستدرك الحاكم 4: 553، ومجمع الزوائد 7: 115.

(2) سنن ابن ماجة 2: 1368 باب خروج المهدي، ومستدرك الحاكم 3: 211 وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 113 وجمع الجوامع للسيوطي 1: 851.


الصفحة 50
كتبهم، منهم: الاِمام أبو عبدالله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني في سننه، وأبو القاسم الطبراني في معجمه، والحافظ أبو نعيم الاصبهاني وغيرهم(1).

وهذا الحديث لايعارض ماتقدم بل يقيّد (2)ما قبله، إذ لاخلاف في كون عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابناً لهاشم، فأبناء عبد المطلب هاشميون بالضرورة. فالمهدي اذن من أولاد عبد المطلب بن هاشم القرشي الكناني.

حديث المهدي من ولد أبي طالب

وهذا الحديث أخرجه الشيخ المفيد في الارشاد، والمقدسي الشافعي في عقد الدرر، وقال: أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن. والحديث من رواية سيف بن عميرة قال: كنت عند أبي جعفر المنصور فقال لي ابتداءً: «يا سيف بن عميرة، لا بدّ من منادٍ ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب، فقلت جعلت فداك يا أمير المؤمنين تروي هذا؟ قال: أي والذي نفسي بيدهِ لسماع أُذُني له. فقلت: يا أمير المؤمنين، إن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا ! فقال: يا سيف إنّه لَحَقٌّ، وإذا كان فنحن أوّل من يجيبه، أمَا إنَّ النداء إلى رجل من بني عمّنا. فقلت: رجل من ولد فاطمة ؟ فقال: نعم يا سيف، لولا أنني سمعت من أبي جعفر محمد بن علي يحدّثني به، وحدّثني به أهل الاَرض كلهم ما

____________

(1) عقد الدرر: 195 الباب السابع.

(2) المراد بالتقييد هنا: حصر نسب المهدي بأولاد عبدالمطلب بعد ان كان النسب إلى قريش مطلقاً.


الصفحة 51
قبلته منهم، ولكنه محمد بن علي»(1).

وهذا الحديث يقيّد ما قبله أيضاً لاَنَّ كل من انتسب إلى أبي طالب بالولادة لاشك في انتسابه إلى أبيه عبد المطلب.

وبغض النظر عن التصريح الوارد في هذا الحديث بكون المهدي من أولاد فاطمة عليها السلام ـ لما سنبحثه بطائفة أخرى من الاحاديث ـ ستكون النتيجة إلى هنا هو أن المهدي المبشر بظهوره في آخر الزمان إنّما هو من أولاد أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الكناني.

أحاديث (المهدي من ولد العباس)

لا شكَّ ان هذه الطائفة من الاحاديث تشكل عائقاً في تشخيص نسب المهدي بدقة؛ لاَن أولاد العباس غير أولاد أبي طالب، ولهذا لابدّ من دراسة هذه الطائفة من الاحاديث، فنقول:

يمكن تقسيم الاحاديث الواردة في هذا الشأن إلى قسمين وهما:

أولاً: الاَحاديث المجملة في هذا المعنى:

وهي منحصرة بأحاديث الرايات، منها: ما أخرجه أحمد في مسنده، عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: «اذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فان فيها خليفة الله المهدي»(2) وقريب منه حديث ابن ماجة في سننه(3).

كما روى الترمذي بسنده، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: «تخرج من خراسان رايات سود، فلا يردها شيء حتى تنصب

____________

(1) الارشاد | المفيد 2: 370 ـ 371، وعقد الدرر: 149 الباب الرابع.

(2) مسند أحمد 5: 277.

(3) سنن ابن ماجة 2: 1336 | 4082.


الصفحة 52
بإيلياء»(1).

وهذه الاحاديث وان لم يصرح فيها بكون المهدي من ولد العباس لكنه قد يستفيد البعض منها دلالتها عليه، بتقريب أن تلك الرايات السود، يحتمل ان تكون هي الرايات التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني من خراسان فوطّد بها دولة بني العباس، فتكون تلك الاحاديث ناظرة إلى المهدي العباسي!

ضعف الاَحاديث المجملة مع عدم دلالتها على نسب المهدي:

إن حديث مسند أحمد، وسنن ابن ماجة ضعفهما غير واحد من العلماء، منهم ابن القيم في (المنار المنيف) ثم قال: «وهذا ـ أي: حديث ابن ماجة ـ والذي قبله لم يكن فيه دليل على ان المهدي الذي تولّى من بني العباس هو المهدي الذي يخرج في آخر الزمان»(2).

ومما يدل على ذلك هو ان المهدي العباسي قد مات سنة (169 هـ)، وقد شهد عصره تدخل النساء في شؤون دولته، فقد ذكر الطبري تدخل الخيزران زوجة الخليفة المهدي العباسي بشؤون دولته، وانها استولت على زمام الاَُمور في عهد ابنه الهادي(3)، ومن يكون هذا شأنه فكيف يسمى بخليفة الله في أرضه ؟!

هذا، زيادة على أن المهدي العباسي، بل خلفاء بني العباس كلهم لم يكونوا في آخر الزمان ولم يحث المال حثواً أحد منهم، ولم يبايعوا بين الركن والمقام، ولم يقتلوا الدجال، ولم ينزل نبي الله عيسى عليه السلام ليصلي خلف مهديهم، ولم تخسف البيداء في عهدهم، ولم تظهر أدنى علامة

____________

(1) سنن الترمذي 4: 531 | 2269.

(2) المنار المنيف | ابن القيم: 137 ـ 138 | ذيل الحديثين: 338 و 339.

(3) تاريخ الطبري 3: 466.


الصفحة 53
من علامات ظهور المهدي في سائر عصورهم.

وأما عن حديث الترمذي فقد وصفه ابن كثير بأنّه حديث غريب ثم قال: «وهذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أُمية في سنة ثنتين وثلاثين ومائة، بل رايات سود أُخر تأتي بصحبة المهدي.. والمقصود أن المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية المشرق»(1).

أقول: لايبعد استغلال دعاة العباسيين لمثل هذه الاحاديث ترويجاً لاَمرهم، كما يدل عليه وضعهم لاحاديث صريحة في هذا المعنى كما سنقف عليه في هذا البحث، وإلاّ فمن الصعب جداً إنكار حديث الرايات السود الذي لايدل على أكثر من خروج الجيش المؤيد للمهدي من جهة المشرق، لروايته بطرق كثيرة صحّح الحاكم بعضها على شرط البخاري ومسلم(2).

ثانياً: الاَحاديث المصرّحة بهذا المعنى:

1 ـ حديث: «المهدي من ولد العباس عمي» فقد أورده السيوطي في الجامع الصغير، وقال: «حديث ضعيف»(3)وقال المناوي الشافعي في فيض القدير: «رواه الدارقطني في الافراد. قال ابن الجوزي: فيه محمد بن الوليد المقري، قال ابن عدي يضع الحديث ويصله ويسرق ويقلب الاَسانيد والمتون. وقال ابن أبي معشر: هو كذاب، وقال السمهودي: ما

____________

(1) النهاية في الفتن والملاحم | ابن كثير 1: 55.

(2) مستدرك الحاكم 4: 502.

(3) الجامع الصغير 2: 672 | 9242.


الصفحة 54
بعده وما قبله أصح منه، وأما هذا ففيه محمد بن الوليد، وضّاع»(1).

وضعفه السيوطي في الحاوي، وابن حجر في صواعقه، والصبان في إسعافه، وأبو الفيض في إبراز الوهم المكنون، وأوردوا كلمات كثيرة تصرح بوضعه(2).

2 ـ حديث ابن عمر: «رجل يخرج من ولد العباس» فقد رواه في خريدة العجائب مرسلاً عن ابن عمر وهو من الموقوف عليه(3)وهو زيادة على إرساله المُسقِط لحجيّته لم يصرّح فيه بالمهدي، فالاَولى إلحاقه بالقسم الاَول المجمل وإن صرّح فيه باسم العباس.

3 ـ حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال لعمه العباس: «إنَّ الله ابتدأ بي الاِسلام وسيختمه بغلام من ولدك وهو الذي يتقدم عيسى بن مريم».

فقد رواه الخطيب البغدادي في تاريخه وفي إسناده محمد بن مخلد(4)، وابن مخلد هذا ضعفه الذهبي وتعجّب من عدم تضعيف الخطيب لابن مخلد فقال: «رواه عن محمد بن مخلد العطار، فهو آفته، والعجب أن الخطيب ذكره في تاريخه ولم يضعفه، وكأنّه سكت عنه لانتهاك حاله»(5).

4 ـ حديث أُم الفضل، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ياعباس اذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة فهي لك ولولدك، منهم السفاح، ومنهم المنصور،

____________

(1) فيض القدير شرح الجامع الصغير 6: 278 | 9242.

(2) أُنظر: الحاوي للفتاوى 2: 85، والصواعق المحرقة: 166، واسعاف الراغبين: 151، وابراز الوهم المكنون: 563.

(3) خريدة العجائب | ابن الوردي: 199.

(4) تاريخ بغداد 3: 323 و 4: 117.

(5) ميزان الاعتدال 1: 89 | 328.


الصفحة 55
ومنهم المهدي» وهذا الحديث أخرجه الخطيب أيضاً وابن عساكر عن أُم الفضل(1)

قال الذهبي عنه: «وفي السند أحمد بن راشد الهلالي، عن سعيد بن خيثم، بخبر باطل في ذكر بني العباس من رواية خيثم، عن حنظلة ـ إلى ان قال عن أحمد بن راشد ـ فهو الذي اختلقه بجهل»(2).

أقول: اشار الذهبي بهذا إلى جهل أحمد بن راشد في وضع الحديث لان حكم العباسيين لم يبدأ بسنة | 513 هـ وإنّما بدأ حكمهم سنة | 132هـ بالاتفاق، وهذا من علامات جهل واضعه بابتداء حكم بني العباس.

5 ـ ونظير هذا الحديث ماأخرجه السيوطي عن ابن عباس في كتابه اللآلي المصنوعة في الاَحاديث الموضوعة وقال: «موضوع، المتهم به: الغلابي»(3).

وأورده ابن كثير في البداية والنهاية من رواية الضحاك، عن ابن عباس وقال: «وهذا إسناد ضعيف، والضحاك لم يسمع من ابن عباس شيئاً على الصحيح، فهو منقطع»(4).

كما أخرجه الحاكم عن طريق آخر وقع فيه اسماعيل بن ابراهيم المهاجر(5)، وقد حكى أبو الفيض الغماري الشافعي عن الذهبي، أن اسماعيل مجمع على ضعفه، وأباه ليس بذلك(6).

____________

(1) تاريخ بغداد 1: 63، وتاريخ دمشق 4: 178.

(2) ميزان الاعتدال 1: 97.

(3) اللآلىء المصنوعة 1: 434 ـ 435.

(4) البداية والنهاية 6: 246.

(5) مستدرك الحاكم 4: 514.

(6) ابراز الوهم المكنون: 543.


الصفحة 56
هذه هي الاحاديث التي قد يغتر بها البعض فيتصور كونها عائقاً حقيقياً أمام تشخيص نسب الاِمام المهدي. وقد اتضح أن النتيجة الاخيرة في نسب الاِمام المهدي عليه السلام وهي كونه من أولاد أبي طالب صحيحة، لوضع أحاديث كون المهدي من ولد العباس، مع عدم دلالة حديث الرايات على شيء يخالف تلك النتيجة. وسوف يأتي في طوائف أحاديث المهدي الاُخرى ما يقطع بأنّ المهدي ليس من ولد العباس جزماً.

حديث المهدي من ولد علي عليه السلام

ولمّا كان لاَبي طالب أكثر من ولد، فقد وردت أحاديث عينت المراد وقيّدت هذا الاطلاق بولده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ليكون المهدي من أولاده عليه السلام، وفي ذلك وردت جملة من الاخبار منها: قول علي عليه السلام: «هو رجل منِّي»(1).

وغير خافٍ على أحد أنَّ لاَمير المؤمنين عليه السلام أكثر من ولد وتشخيص نسب المهدي بهذا الاطلاق متعذر، ولكنّ أمره في غاية السهولة؛ لاَنّ من جملة أحاديث نسب المهدي المصرح بصحتها وتواتر نقلها هي تلك الاحاديث الناصة تارة على كون المهدي من أهل البيت، وأُخرى: على أنه من العترة، وثالثة: على أنه من النبي.

ولاريب في انحصار أهل البيت، والعترة، وولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأولاد أمير المؤمنين عليه السلام من جهة فاطمة الزهراء عليها السلام واليك نموذجاً من تلك الاَحاديث:

____________

(1) الفتن | نعيم بن حماد 1: 369 | 1084، التشريف بالمنن | السيد ابن طاووس: 176 | 238 باب 19.


الصفحة 57

أحاديث المهدي من أهل البيت

1 ـ حديث: «لاتنقضي الايام، ولايذهب الدهر، حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي، اسمه يواطىء اسمي» وهذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده، عن ابن مسعود من عدة طرق، وأخرجه أيضاً أبو داود في سننه، والطبراني في المعجم الكبير، وصححه الترمذي، والكنجي الشافعي، وعدّه البغوي من الاَحاديث الحسان(1).

2 ـ حديث: «لو لم يبق من الدهر الا يوم لبعث الله رجلاً من أهل البيت يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً».

وهذا الحديث هو المروي عن علي عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أخرجه أحمد في مسنده، وابن أبي شيبة، وأبو داود، والبيهقي، وأشار الطبرسي في مجمع البيان إلى اتفاق المسلمين من الشيعة والسنة على روايته(2)، وقال أبو الفيض الغماري عن هذا الحديث: «هو صحيح بلاشك ولا شبهة»(3).

3 ـ حديث: «لاتقوم الساعة حتى يلي رجل من أهل بيتي، يواطىء اسمه اسمي».

وهذا الحديث رواه ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجه عن ابن

____________

(1) مسند أحمد 1: 376 و 377 و430 و448، سنن أبي داود 4: 107 | 4283، المعجم الكبير للطبراني 10: 164 ـ 165 | 10218، سنن الترمذي 4: 505 | 2230، البيان في أخبار صاحب الزمان: 481 باب 1، مصابيح السنة 3: 492 | 4210.

(2) مسند أحمد 1: 99، المصنف لابن أبي شيبة 15: 198 | 19494، سنن أبي داود 4: 107 | 4283، الاعتقاد للبيهقي: 173، مجمع البيان 7: 67.

(3) ابراز الوهم المكنون: 495.


الصفحة 58
مسعود: أحمد، والترمذي، والطبراني من عدة طرق، والكنجي وصححه، والشيخ الطوسي.

وأخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي هريرة(1)، وقال في الدر المنثور: «وأخرجه الترمذي وصححه عن أبي هريرة»(2).

4 ـ حديث: «المهدي منا أهل البيت أشم الاَنف، أجلى الجبهة، يملاَ الاَرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلما».

وهذا من حديث أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأخرجه عنه عبد الرزاق، وصححه الحاكم على شرط مسلم، وأورده الإربلّي في كشف الغمة(3).

أحاديث المهدي من العترة عليهم السلام

وردت أحاديث كثيرة بهذا المعنى ننتخب منها واحداً، وهو حديث أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «لا تقوم الساعة حتى تمتلىء الارض ظلماً وعدواناً، ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي ـ الترديد من الراوي ـ يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً».

أخرجه أحمد، وابن حبان، والحاكم وصححه على شرط الشيخين، وأورده الصافي في منتخب الاَثر(4)وقال أبو الفيض الغماري الشافعي

____________

(1) مسند أحمد 1: 376، سنن الترمذي 4: 505 | 3231، المعجم الكبير للطبراني 10: 165 | 10220 و 10221، 10: 167 | 10227، البيان للكنجي: 481، كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 113، مسند أبي يعلى الموصلي 12: 19 | 6665.

(2) الدر المنثور 6: 58.

(3) المصنف | عبد الرزاق 11: 372 | 20773، مستدرك الحاكم 4: 557، كشف الغمة 3: 259.

(4) مسند أحمد 3: 36، صحيح ابن حِبَّان 8: 290 | 6284، مستدرك الحاكم 4: 557، منتخب الاثر: 148|19.


الصفحة 59
ـ بعد دراسة وافية لطرق الحديث وتتبع حال رواته ـ: «الحديث صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم»(1).

أحاديث المهدي من ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم

منها: ما رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الاَنف، يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين».

وهذا الحديث صححه الحاكم على شرط مسلم، كما صححه الكنجي الشافعي، والسيوطي، والشيخ منصور علي ناصف في التاج الجامع للاَُصول، وأبو الفيض(2)، وعدّه البغوي من الحسان(3)، وحكم ابن القيّم بجودة إسناده(4)، وأخرجه عن أبي سعيد: أبو داود، وعبدالرزاق، والخطابي في معالم السنن، ومن الشيعة السيد ابن طاووس، وابن بطريق(5).

ومنها: حديث أمير المؤمنين عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الاَُمم، يأتي بذخيرة الانبياء عليهم السلام، فيملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً».

____________

(1) ابراز الوهم المكنون: 515.

(2) مستدرك الحاكم 4: 557، البيان للكنجي: 500، الجامع الصغير 2: 672 | 9244، التاج الجامع للاَُصول 5: 343، ابراز الوهم المكنون: 508.

(3) مصابيح السنة 3: 492 | 4212.

(4) المنار المنيف لابن القيم: 144 | 330.

(5) سنن أبي داود 4: 107 | 4385، المصنف لعبد الرزاق 11: 372 | 20773، معالم السنن 4: 344، التشريف بالمنن: 153 | 189 و 190 باب 159 أخرجه عن ابن حماد في الفتن 1: 364 | 1063 و 1064، العُمدة لابن بطريق الحلي: 433 | 910.


الصفحة 60
وهذا الحديث أخرجه الشيخ الصدوق في كمال الدين، واحتج به الجويني الشافعي في فرائد السمطين، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة(1).

وبهذا القدر يتضح ماذكرناه من أنّ المهدي لابدّ وأن يكون من ولد علي عليه السلام من جهة فاطمة الزهراء عليها السلام. وقد ورد التصريح بهذا أيضاًكما في:

حديث المهدي من ولد فاطمة عليها السلام

وهو من رواية أُم سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «المهدي حق وهو من ولد فاطمة».

أخرجه عن أُم سلمة: أبو داود، وابن ماجة، والطبراني، والحاكم من طريقين وقد أخرجه أربعة من علماء أهل السنة عن صحيح مسلم(2)، واعترف آخرون بصحته وجَوْدَة اسناده، بل وصرح بعضهم بتواتره(3).

____________

(1) كمال الدين 1: 287 | 5 باب 25، فرائد السمطين 2: 335 | 587، ينابيع المودة: 3 باب 94.

(2) سنن أبي داود 4: 107 | 4284، سنن ابن ماجة 2: 1368 | 4086، المعجم الكبير للطبراني 23: 267 | 566، مستدرك الحاكم 4: 557 وأخرجه عن صحيح مسلم كل من: ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة: 163 باب 11 من الفصل الاَول، والمتقي الهندي في كنز العمال 14: 264 | 38662، والشيخ محمد بن علي الصبان في اسعاف الراغبين ص: 145، والشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي في مشارق الانوار ص: 112، فهؤلاء الاَربعة اتفقت كلمتهم على وجود الحديث في صحيح مسلم، ولكن لاوجود له اليوم في نسخه المطبوعة !

(3) حكم الكنجي في البيان: 486 ب 2 بصحة الحديث، وجزم بصحته السيوطي في الجامع الصغير 2: 672 | 9241، ومثله في هامش التاج الجامع للاَُصول 5: 343، كما عدّه البغوي من الحسان في مصابيح السنّة 3: 492 | 4211، وقد حقق أبو الفيض في ابراز الوهم: 500 سند الحديث. وانتهى الى القول بانه حديث صحيح وان رجاله كلهم عدول اثبات، واعترف الالباني بجودة اسناده كما في عقيدة أهل السنة، والاثر في المهدي المنتظر للشيخ عبد المحسن بن حمد العباد ص: 18، وقد مر القول بتواتره عن القرطبي وغيره، فراجع.


الصفحة 61
وقد أخرج نعيم بن حماد بسنده عن علي عليه السلام انه قال: «المهدي رجل منّا من ولد فاطمة»(1)كما اخرج عن الزهري انه قال: «المهدي من ولد فاطمة»(2)، وعن كعب مثله أيضاً(3).

هذا، وقد ورد حديث جامع لمعظم الاخبار المتقدمة، وهو المروي عن قتادة، ـ كما تقدم ـ قال: قلت لسعيد: أحقٌ المهدي ؟ قال: نعم هو حق. قلت: ممن هو ؟ قال: من قريش، قلت: من أي قريش ؟ قال: من بني هاشم. قلت: من أي بني هاشم ؟ قال: من ولد عبد المطلب. قلت: من أي ولد عبدالمطلب ؟ قال: من أولاد فاطمة(4).

وعلى الرغم من الاقتراب بهذه النتيجة من جواب السؤال: مَنْ هو المهدي الموعود المنتظر ؟ إلاّ أنَّ العائق ما يزال موجوداً في تشخيص نسبه الشريف بنحو لايقبل الترديد بين أولاد فاطمة عليها السلام، لوضوح أنّ هذا النسب ـ بهذا الاطلاق ـ ينتهي إلى السبطين الحسن والحسين عليهما السلام.

ولهذا فنحن أمام احتمالات ثلاثة وهي:

الاَول: أن يكون المهدي من أولاد الاِمام الحسن السبط عليه السلام.

الثاني: أن يكون من أولاد الاِمام الحسين السبط عليه السلام.

الثالث: أن يكون من أولاد السبطين معاً.

أما الاحتمال الثالث فلا يحتاج قبوله أو ردّه أكثر من النظر في نتائج البحث في الاخبار المؤيدة للاحتمالين الاَولين.

____________

(1) الفتن لنعيم بن حماد 1: 375 | 1117، وعنه في كنز العمال 14: 591 | 39675.

(2) الفتن لنعيم بن حماد 1: 375 | 1114 وعنه في التشريف بالمنن: 176 | 237 باب 189.

(3) الفتن لنعيم بن حماد 1: 374 | 1112، وعنه في التشريف بالمنن: 157 | 202 باب 163.

(4) عقد الدرر: 44 من الباب الاول، والفتن لنعيم بن حماد 1: 368 ـ 369 | 1082، وعنه السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن: 157 | 201 باب 163.


الصفحة 62
وأما فرض احتمال رابع، وهو: كون المهدي من أولاد غير السبطين، فهو باطل بالضرورة وغير معقول في نفسه؛ لثبوت صحة أحاديث المهدي وتواترها بخصوص كونه من أهل البيت عليهم السلام، ومن ولد فاطمة عليها السلام.

اذن لم يبقَ سوى التحقيق في مثبتات الاحتمالين الاَولين. ويجب التنبيه قبل ذلك إلى أنه: لو ثبت كذب ما يؤيد الاحتمال الاَول، فلا نحتاج أصلاً إلى التحقيق في مثبتات الاحتمال الثاني، اذ سيصدق بالضرورة، ويكون هو المتيقن، المقطوع به، المطابق للواقع، لما مرَّ من استحالة كذب الاحتمالين معاً؛ لهذا سوف نستفرغ الوسع بدراسة وتحقيق مثبتات الاحتمال الاَول، فنقول:

حديث المهدي من ولد الاِمام الحسن السبط عليه السلام

لم أجد مايدل على ان المهدي الموعود المنتظر هو من ولد الاِمام الحسن عليه السلام في كتب أهل السنة غير حديث واحد فقط وربما لايوجد في تراث الاِسلام حديث غيره، وهو ما أخرجه أبو داود السجستاني في سننه، واليك نصه:

قال: «حُدِّثْتُ عن هارون بن المغيرة، قال: حدثنا عمر بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد، عن أبي إسحاق، قال: قال علي رضي الله عنه ـ ونظر إلى ابنه الحسن ـ فقال: (إنّ ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخُلُق ولايشبهه في الخَلْق).

ثم ذكر قصة: يملأ الأرض عدلاً»(1)انتهى بعين لفظه.

____________

(1) سنن أبي داود 4: 108 | 4290، وأخرجه عنه في جامع الاَصول 11: 49 ـ 50 | 7814، وكنز العمال 13: 647 | 37636، كما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن 1: 374 ـ 375 | 1113.


الصفحة 63

بطلان الحديث من سبعة وجوه:

من دراسة سند الحديث ومتنه، ومقارنة ذلك بأحاديث كون المهدي من ولد الحسين عليه السلام، يطمئن الباحث بوضعه، وذلك من سبعة وجوه وهي:

الوجه الاَوّل: اختلاف النقل عن أبي داود في هذا الحديث، فقد أورد الجزري الشافعي (ت|833 هـ) هذا الحديث بسنده عن أبي داود نفسه وفيه اسم: (الحسين) مكان (الحسن)، فقال: «والاَصح انه من ذرية الحسين بن علي لنصّ أمير المؤمنين علي على ذلك، فيما أخبرنا به شيخنا المسند رحلة زمانه عمر بن الحسن الرّقي قراءة عليه، قال: أنبأنا أبو الحسن بن البخاري، أنبأنا عمر بن محمد الدارقزي، أنبأنا أبو البدر الكرخي، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أنبأنا أبو عمر الهاشمي، أنبأنا أبو علي اللؤلؤي، أنبأنا أبو داود الحافظ قال: حُدِّثْتُ عن هارون بن المغيرة، قال: حدثنا عمر بن أبي قيس، عن شعيب بن خالد، عن أبي اسحاق قال: قال علي عليه السلام ـ ونظر إلى ابنه الحسين ـ فقال: «إنَّ ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخُلُق، ولايشبهه في الخَلْق». ثم ذكر قصة يملأ الاَرض عدلاً.

هكذا رواه أبو داود في سننه وسكت عنه»(1)، انتهى بعين لفظه.

وأخرجه المقدسي الشافعي في عقد الدرر ص 45 من الباب الاَول، وفيه اسم: (الحسن)، وأشار محققه في هامشه إلى نسخة باسم: (الحسين)

____________

(1) اسمى المناقب في تهذيب اسنى المطالب | الجزري الدمشقي الشافعي: 165 ـ 168 | 61.


الصفحة 64
ويؤيد وجود هذه النسخة نقل السيد صدر الدين الصدر عنها إذ أورد الحديث عن عقد الدرر وفيه اسم: (الحسين)(1).

وهذا الاختلاف ينفي الوثوق بترجيح أحد الاسمين ما لم يعتضد بدليل من خارج الحديث، وهو مفقود في ترجيح (الحسن) ومتوفر في (الحسين).

الوجه الثاني: سند الحديث منقطع لاَنّ من رواه عن علي عليه السلام هو أبو إسحاق والمراد به السبيعي، وهو ممن لم تثبت له رواية واحدة سماعاً عن علي عليه السلام كما صرح بهذا المنذري في شرح هذا الحديث(2)، وقد كان عمره يوم شهادة أمير المؤمنين عليه السلام سبع سنين؛ لاَنّه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان في قول ابن حجر(3).

الوجه الثالث: إن سنده مجهول أيضاً؛ لاَن أبا داود قال: (حُدِّثت عن هارون بن المغيرة) ولايُعْلَم من الذي حدّثه، ولا عِبرة في الحديث المجهول اتفاقاً.

الوجه الرابع: ان الحديث المذكور أخرجه أبو صالح السليلي ـ وهو من أعلام أهل السنة ـ بسنده عن الاِمام موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد الصادق، عن جده علي بن الحسين، عن جده علي بن أبي طالب عليهم السلام، وفيه اسم: (الحسين) لا: (الحسن) عليهما السلام (4).

الوجه الخامس: انه معارض بأحاديث كثيرة من طرق أهل السنة تصرح بأنّ المهدي من ولد الاِمام الحسين منها حديث حذيفة بن اليمان

____________

(1) المهدي | السيد صدر الدين الصدر: 68.

(2) مختصر سنن أبي داود | المنذري 6: 162 | 4121.

(3) تهذيب التهذيب 8: 56 | 100.

(4) التشريف بالمنن للسيد ابن طاووس: 285 | 413 ب 76، أخرجه عن فتن السليلي باختلاف يسير.


الصفحة 65
قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرنا بما هو كائن، ثم قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطول الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي، اسمه اسمي. فقام سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال: يا رسول الله ! من أي ولدك ؟ قال: من ولدي هذا، وضرب بيده على الحسين»(1).

الوجه السادس: احتمال التصحيف في الاسم من (الحسين) إلى (الحسن) في حديث أبي داود غير مستبعد بقرينة اختلاف النقل، ومع عكس الاحتمال فإنه خبر واحد لايقاوم المتواتر كما سنفصله في محلّه.

الوجه السابع: يحتمل قوياً وضع الحديث لما فيه من العلل المتقدمة، ويؤيد هذا الاحتمال أن الحسنيّين وأتباعهم وأنصارهم زعموا مهدوية محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى ابن الاِمام الحسن السبط عليه السلام، الذي قتل سنة (451 هـ) في زمن المنصور العباسي، نظير ما حصل ـ بعد ذلك ـ من قبل العباسيين وأتباعهم في ادعاء مهدوية محمد بن عبدالله المنصور الخليفة العباسي الملقب بالمهدي (158 ـ 169 هـ) لما في ذلك من تحقيق اهداف ومصالح سياسية كبيرة لايمكن الوصول اليها بسهولة من غير هذا الطريق المختصر.

____________

(1) المنار المنيف لابن القيم: 148 | 329 فصل | 50، عن الطبراني في الاوسط، عقد الدرر: 45 من الباب الاَول وفيه: (أخرجه الحافظ أبو نعيم في صفة المهدي)، ذخائر العقبى | المحب الطبري: 136، وفيه: (فيحمل ماورد مطلقاً فيما تقدم على هذا المقيد)، فرائد السمطين 2: 325 | 575 باب | 61، القول المختصر لابن حجر: 7 | 37 باب | 1، فرائد فوائد الفكر: 2 باب | 1، السيرة الحلبية 1: 193، ينابيع المودة 3: 63 باب | 94، وهناك أحاديث أُخرى بهذا الخصوص في مقتل الاِمام الحسين عليه السلام للخوارزمي الحنفي 1: 196، وفرائد السمطين 2: 310 ـ 315 | الاحاديث 561 ـ 569، وينابيع المودة 3: 170 | 212 باب 93 وباب 94.

ومن مصادر الشيعة أُنظر: كشف الغمة 3: 259، وكشف اليقين: 117، واثبات الهداة 3: 617 | 174 باب 32، وحلية الابرار 2: 701 | 54 باب | 41، وغاية المرام: 694 | 17 باب | 141، وفي منتخب الاَثر الشيء الكثير من تلك الاحاديث المخرجه من طرق الفريقين، فراجع.


الصفحة 66

الحديث غير معارض لاَحاديث: المهدي من ولد الحسين عليه السلام:

مع فرض صحة الحديث ـ على الرغم مماتقدم فيه ـ فإنّه لاتعارض بينه وبين الاحاديث الاَُخرى المصرحة بكون المهدي من ولد الاِمام الحسين عليه السلام ويمكن الجمع بينه وبينها، بأن يكون الاِمام المهدي عليه السلام حسيني الاَب حسني الاَُم؛ وذلك لاَنّ زوجة الاِمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أُم الاِمام الباقر محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام هي فاطمة بنت الاِمام الحسن المجتبى عليه السلام.

وعلى هذا يكون الاِمام الباقر عليه السلام حسيني الاَب حسني الاَُم، وذريته تكون من ذرية السبطين حقيقة.

وهذا الجمع له مايؤيده من القرآن الكريم قال تعالى: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلاً هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان... وعيسى وإلياس كل من الصالحين) الانعام: 6 | 84 ـ 85.

فعيسى عليه السلام أُلحق بذراري الانبياء من جهة مريم عليها السلام، فلا مانع اذن في ان تُلحق ذرية الإمام الباقر بالامام الحسن السبط من جهة الاَُم كما أُلحق السبطان برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهة فاطمة الزهراء عليها السلام.

وهذا الجمع بين الاخبار لاينبغي الشك فيه مع افتراض صحة حديث أبي داود وان كان مخالفاً للصحة من كل وجه كما تقدم.

وإلى هنا اتضح لنا أن الاحتمال الثاني ـ أعني كون الاِمام المهدي من ولد الاِمام الحسين عليه السلام ـ لم يكن مجرد احتمال، وإنما هو الواقع بعينه، سواء قلنا بصحة حديث كون المهدي من ولد الاِمام الحسن السبط عليه السلام أو لم نقل بذلك.

أمّا مع فرض القول بصحة الحديث، فلا تعارض بينه وبين أحاديث كون المهدي من ولد الاِمام الحسين عليه السلام، بل هو مؤيد لها كما تقدم.

وأمّا مع القول بعدم صحته ـ وهو الحق لما تقدم في الوجوه السبعة

الصفحة 67
ـ فالحال أوضح من أن يحتاج إلى بيان؛ لما قلناه سابقاً من أن إثبات بطلان أحد الاحتمالين يعني القطع بمطابقة الآخر للواقع لاستحالة بطلانهما معاً، إذ المتيقن هو كون المهدي الموعود من ولد فاطمة عليها السلام حقاً.

ما ورد معارضاً لكون المهدي من أولاد الحسين عليه السلام:

لقد اتضح من خلال البحث في طوائف أحاديث نسب الاِمام المهدي، أنه لابدّ وأن يكون من أولاد الاِمام الحسين عليه السلام، وقبل بيان مثبتات هذه النتيجة ـ التي يترتب عليها اعتقاد الشيعة الامامية بأنّ المهدي هو التاسع من صلب الاِمام الحسين عليه السلام، وأنه قد وُلد حقاً وهو محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، لا بدّ من التوقف برهة مع ما ورد معارضاً لذلك في لسان بعض الروايات ـ من طريق أهل السنّة ـ التي عينت اسم أبي المهدي بـ: (عبدالله)، مما نجم عنها اعتقاد بعضهم بأنّ المهدي هو محمد بن عبدالله، وأنه لم يولد بعد، وإنما سيولد قبيل ظهوره في آخر الزمان.

ولما كان التواتر حاصلاً لمهديٍّ واحد، فلابدّ وأن يكون أحد الفريقين ينتظر مهدياً لا واقع له، وهذا ما يستدعي وجوب مراجعة كل فريق لاَدلّته بمنظار أنها خطأ يحتمل الصواب، والنظر لما عند الآخر باعتبار انه صواب يحتمل الخطأ، وهذا وإن عزّ، فلا يعدم عند من يسعى لادراك الصواب ـ قبل فوات الاَوان ـ أينما كان.

ولاَجل معرفة الصحيح في اسم أبي المهدي أهو: عبدالله، أو الحسن؟ نقول:

أحاديث: «اسم أبيه اسم أبي» (عبدالله)

نودُّ الاشارة قبل دراسة هذه الاَحاديث إلى أنّ بعض علماء الشيعة

الصفحة 68
أوردوا بعضها، لا إيماناً بها، لمخالفتها لاُصول مذهبهم، وإنما لاَمانتهم في نقلها من كتب أهل السنة دون تحريف أو حذف؛ إمّا لاِمكان تأويلها بما لايتعارض وأُصول المذهب، وإمّا للبرهنة على الاَمانة في النقل، وإيقاف المسلمين على مناقشاتهم لها، وهي:

1 ـ الحديث الذي أخرجه ابن أبي شيبة، والطبراني، والحاكم، كلّهم من طريق عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش، عن عبدالله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لاتذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلاً يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي»(1).

2 ـ الحديث الذي أخرجه أبو عمرو الداني، والخطيب البغدادي كلاهما من طريق عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش، عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يملك الناس رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي»(2).

3 ـ الحديث الذي أخرجه نعيم بن حماد، والخطيب، وابن حجر، كلهم من طريق عاصم أيضاً، عن زرّ، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: «المهدي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي»(3).

4 ـ الحديث الذي أخرجه نعيم بن حماد بسنده عن أبي الطفيل قال:

____________

(1) المصنف لابن أبي شيبة 15: 198 | 19493، المعجم الكبير للطبراني 10: 163 | 10213 و 10: 166 | 10222، مستدرك الحاكم 4: 442. وأورده من الشيعة المجلسي في بحار الانوار 51: 82 | 21، عن كشف الغمة للاربلي 3: 261، والاخير نقله عن كتاب الاربعين لابي نعيم.

(2) سنن أبي عمرو الداني: 94 ـ 95، تاريخ بغداد 1: 370 ولم يروه احد من الشيعة.

(3) تاريخ بغداد 5: 391، كتاب الفتن لنعيم بن حماد 1: 367 | 1076 و 1077 وفيه يقول ابن حماد: «وسمعته غير مرّة لايذكر اسم ابيه»، وأخرجه في كنز العمال 14: 268 | 38678 عن ابن عساكر، ونقله السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن 156 | 196 و 197 باب | 163 عن فتن ابن حماد، كما أورده ابن حجر في القول المختصر: 40 | 4 مرسلاً.


الصفحة 69
«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المهدي اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي»(1).

حقيقة هذا التعارض وبيان قيمته العلمية

هذه هي الاَحاديث التي جعلت مبرراً لاختيار (محمد بن عبدالله) كمهديٍّ في آخر الزمان، وكلها لاتصحّ حجة ومبرراً لهذا الاختيار. وقد علمت أن الثلاثة الاُولى منها كلّها تنتهي إلى ابن مسعود من طريق واحد وهو طريق عاصم بن أبي النجود. وسوف يأتي ما في هذا الطريق مفصّلاً.

وأما الحديث الرابع، فسنده ضعيف بالاتفاق اذ وقع فيه رِشْدِينُ بن سعد المهري وهو: رِشْدِينُ بن أبي رِشْدِين المتّفق على ضعفه بين أرباب علم الرجال من أهل السُنّة.

فعن أحمد بن حنبل: أنه ليس يبالي عمّن روى، وقال حرب بن إسماعيل: «سألت أحمد بن حنبل عنه، فضعّفه»، وعن يحيى بن معين: لا يكتب حديثه. وعن أبي زرعة: ضعيف الحديث، وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال الجوزجاني: عنده معاضيل، ومناكير كثيرة، وقال النسائي: متروك الحديث لا يُكتَب حديثه.

وبالجملة فإنّي لم أجد أحداً وثّقه قطّ إلاّ هيثم بن ناجة فقد وثّقه وكان أحمد بن حنبل حاضراً في المجلس، فتبسّم ضاحكاً، وهذا يدلّك على تسالمهم على ضعفه(2).

____________

(1) الفتن لنعيم بن حماد 1: 368 | 1080 وعنه السيد ابن طاووس في التشريف بالمنن: 257 | 200.

(2) راجع: تهذيب الكمال 9: 191 | 1911، وتهذيب التهذيب 3: 240 ففيهما جميع ماذكر بحق رِشْدِين بن أبي رِشْدِين.


الصفحة 70
ولا شك، أنَّ من كان حاله كلما عرفت فلا يؤخذ عنه مثل هذا الامر الخطير.

وأما الاَحاديث الثلاثة الاُولى، فهي ليست بحجة من كل وجه، ومما يوجب وهنها وردها هو ان عبارة: (واسم أبيه اسم أبي) لم يروها كبار الحفّاظ والمحدّثين، بل الثابت عنهم رواية: (واسمه اسمي) فقط من دون هذه العبارة كما سنبرهن عليه، هذا مع تصريح بعض العلماء من أهل السنة الذين تتبعوا طرق عاصم بن أبي النجود بأن هذه الزيادة ليست فيها، كما سيأتي مفصلاً.

ومن ثم، فإن إسناد هذه الاَحاديث الثلاثة ينتهي إلى ابن مسعود فقط، بينما المروي عن ابن مسعود نفسه كما في مسند أحمد ـ وفي عدة مواضع ـ (واسمه اسمي) فقط(1)، وكذلك الحال عند الترمذي فقد روى هذا الحديث من دون هذه العبارة، مشيراً إلى أنّ المروي عن علي عليه السلام، وأبي سعيد الخدري، وأُم سلمة، وأبي هريرة هو بهذا اللفظ (واسمه اسمي) ثم قال ـ بعد رواية الحديث عن أبن مسعود بهذا اللفظ ـ: (وفي الباب: عن علي، وأبي سعيد، وأُم سلمة، وأبي هريرة. وهذا حديث حسن صحيح»(2)

وهكذا عند أكثر الحفاظ، فالطبراني مثلاًأخرج الحديث عن ابن مسعود نفسه من طرق أُخرى كثيرة، وبلفظ: (اسمه اسمي)، كما في أحاديث معجمه الكبير المرقمة: 10214 و10215 و10217 و10218 و10219 و10220 و10221 و10223 و10225 و10226 و10227 و10229 و10230.

____________

(1) مسند أحمد 1: 376 و 377 و 430 و 448.

(2) سنن الترمذي 4: 505 | 2230.


الصفحة 71
وكذلك الحاكم في مستدركه أخرج الحديث عن ابن مسعود بلفظ: (يواطئ اسمه اسمي) فقط، ثم قال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»(1)وتابعه على ذلك الذهبي، وكذلك نجد البغوي في مصابيح السنّة يروي الحديث عن ابن مسعود من دون هذه الزيادة مع التصريح بحسن الحديث(2).

وقد صرح المقدسي الشافعي بأن تلك الزيادة لم يروها أئمة الحديث، فقال ـ بعد أن أورد الحديث عن ابن مسعود بدون هذه الزيادة ـ: «أخرجه جماعة من أئمة الحديث في كتبهم، منهم الاِمام أبو عيسى الترمذي في جامعه، والاِمام أبو داود في سننه، والحافظ أبو بكر البيهقي، والشيخ أبو عمرو الداني، كلهم هكذا»(3)أي: ليس فيه: (واسم أبيه اسم أبي) ثم أخرج جملة من الاَحاديث المؤيدة لذلك مشيراً إلى من أخرجها من الاَئمة الحفاظ كالطبراني، وأحمد بن حنبل، والترمذي، وأبي داود، والحافظ أبي داود، والبيهقي، عن عبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر، وحذيفة.(4)

هذا زيادة على ما مرّ من اشارة الترمذي إلى تخريجها عن علي عليه السلام، وأبي سعيد الخدري، وأُم سلمة، وأبي هريرة؛ كلهم بلفظ: (واسمه اسمي) فقط.

ولا يمكن تعقّل اتفاق هؤلاء الاَئمة الحفاظ بإسقاط هذه الزيادة (واسم أبيه اسم أبي) لو كانت مروية حقاً عن ابن مسعود مع أنّهم رووها من طريق عاصم بن أبي النجود، بل ويستحيل تصور إسقاطهم لها لما فيها من أهمية

____________

(1) مستدرك الحاكم 4: 442.

(2) مصابيح السنة 492|4210.

(3) عقد الدرر: 51 | باب 2.

(4) عقد الدرر: 51 ـ 56 | باب 2.


الصفحة 72
بالغة في النقض على مايدعيه الطرف الآخر.

ومن هنا يتضح أنّ تلك الزيادة قد زيدت على حديث ابن مسعود من طريق عاصم إما من قِبَل أتباع الحسنيين وأنصارهم ترويجاً لمهدوية محمد بن عبدالله بن الحسن المثنى، أو من قبل أتباع العباسيين ومؤيديهم في ما زعموا بمهدوية محمد بن عبدالله ـ أبي جعفر ـ المنصور العباسي.

وقد يتأكد هذا الوضع فيما لو علمنا بأنّ الاَول منهما كانت رتّة في لسانه، مما اضطر أنصاره على الكذب على أبي هريرة، فحدّثوا عنه أنه قال: «إن المهدي اسمه محمد بن عبدالله في لسانه رتّة»(1).

ولما كانت الاَحاديث الثلاثة الاَُولى من رواية عاصم بن أبي النجود، عن زرّ بن حبيش عن عبدالله بن مسعود، مخالفة لما أخرجه الحفاظ عن عاصم من أحاديث في المهدي ـ كما مر ـ، فقد تابع الحافظ أبو نعيم الاَصبهاني (ت|430هـ) في كتابه (مناقب المهدي) طرق هذا الحديث عن عاصم حتى أوصلها إلى واحد وثلاثين طريقاً، ولم يُرْوَ في واحد منها عبارة (واسم ابيه اسم أبي) بل اتفقت كلها على رواية (واسمه اسمي) فقط. وقد نقل نص كلامه الكنجي الشافعي (ت|638 هـ) ثم عقّب عليه بقوله: «ورواه غير عاصم، عن زر، وهو عمرو بن حرة، عن زر كل هؤلاء رووا (اسمه اسمي) إلاّ ما كان من عبيد الله بن موسى، عن زائدة، عن عاصم، فإنّه قال فيه: (واسم أبيه اسم أبي). ولايرتاب اللبيب أن هذه الزيادة لا اعتبار بها مع اجتماع هؤلاء الاَئمة على خلافها ـ إلى أن قال ـ والقول الفصل في ذلك: إن الاِمام أحمد ـ مع ضبطه وإتقانه ـ روى هذا

____________

(1) هذا الحديث الموضوع منقول في معجم أحاديث الاِمام المهدي عن مقاتل الطالبيين: 163 ـ 164.


الصفحة 73
الحديث في مسنده [ في ] عدة مواضع: واسمه اسمي»(1).

ومن هنا يُعلم أنّ حديث: (.. واسم أبيه اسم أبي) فيه من الوهن ما لايمكن الاعتماد عليه في تشخيص اسم والد المهدي المباشر.

وعليه، فان من ينتظر مهديّاً باسم (محمد بن عبدالله) إنما هو في الواقع ـ وعلى طبق ما في التراث الاسلامي من أخبار ـ ينتظر سراباً يحسبه الضمآن ماء.

ولهذا نجد الاستاذ الاَزهري سعد محمد حسن يصرّح بأن أحاديث (اسم أبيه اسم أبي) أحاديث موضوعة، ولكن الطريف في تصريحه أنّه نسب الوضع إلى الشيعة الامامية لتؤيد بها وجهة نظرها على حد تعبيره(2)!!

ويتضح مما تقدم أنَّ نتيجة البحث في طوائف أحاديث نسب الاِمام المهدي، قد انتهت إلى كونه من ولد الاِمام الحسين عليه السلام؛ لضعف سائر الاَحاديث التي وردت مخالفة لتلك النتيجة، مع عدم وجود أية قرينة تشهد بصحة تلك الاَحاديث، بل توفرت القرائن الدالة على اختلاقها.

واذا عدنا الى نتيجة البحث في الطوائف المتقدمة نجدها مؤيدة بما تواتر نقله عند المسلمين.

مؤيدات كون المهدي من ولد الحسين عليه السلام

هناك أحاديث كثيرة عند الشيعة الامامية عيّنت الاَئمة الاثني عشر بأسمائهم واحداً بعد آخر ابتداءً بالامام علي وانتهاء بالمهدي عليهم السلام، مع مجموعة من الاَحاديث في تعيين كل إمام لاحق بنصّ من الاِمام السابق.

____________

(1) البيان في أخبار صاحب الزمان | الكنجي الشافعي: 482.

(2) المهدية في الاِسلام | الاستاذ الازهري سعد محمد حسن: 69.


الصفحة 74
وأُخرى عند أهل السنة مصرحة بعدد الاَئمة تارة كما في الصحاح، ومشخصة لاَسمائهم كما في كتب المناقب وغيرها وإلى جانب هذا توجد جملة من الاَحاديث المتّفق على صحّتها تدلّ على حياة المهدي ما بقي في الناس اثنان، وهذا لايتمّ إلاّ بتقدير كونه التاسع من ولد الاِمام الحسين عليه السلام. وسوف لن نذكر من تلك الاحاديث إلاّ ما احتُجَّ به في كتب الفريقين.

حديث الثقلين

مما لا شكّ فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد انتقل إلى الرفيق الاَعلى والسنة لم تدوّن بكل تفاصيلها في عهده، وهو منزّه عن التفريط برسالته المحكوم ببقائها إلى يوم القيامة، ومنزّه أيضاً عن إهمال أُمته مع نهاية رأفته بهم وشفقته عليهم، فكيف يوكلهم إلى القرآن الكريم وحده مع ما فيه من محكم ومتشابه، ومجمل ومفصّل، وناسخ ومنسوخ، فضلاً عمّا في آياته من وجوه ومحامل استخدمت للتدليل على صحة الآراء المتباينة كما نحسّ ونلمس عند أرباب المذاهب والفرق الاسلامية.

هذا، مع علمه صلى الله عليه وآله وسلم بأنه قد كُذِب عليه في حياته فكيف الحال إذن بعد وفاته، والدليل عليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي اتخذ بكتب الدراية مثالاً على التواتر اللفظي: «من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار».

فمن غير المعقول إذن أن يدع النبي شريعته مسرحاً لاجتهادات الآخرين من دون أن يحدد لهم مرجعاً يعلم ما في القرآن حق علمه، وتكون السنة معلومة بكل تفاصيلها عنده.

وهذا هو القدر المنسجم مع طبيعة صيانة الرسالة، وحفظها، ومراعاة استمرارها منهجا وتطبيقاً في الحياة.


الصفحة 75
ومن هنا تتضح أهمية حديث الثقلين (القرآن والعترة)، وقيمة إرجاع الاَمّة فيه إلى العترة لاَخذ الدين الحق عنهم، كما تتضح أسباب التأكيد عليه في مناسبات مختلفة ونُوَب متفرقة، منها في يوم الغدير، وآخرها في مرضه الاَخير.

فعن زيد بن أسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كأنني قد دُعِيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، إنّ الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن. من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه»(1).

وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2)، هذا فضلاً عن تأكيده صلى الله عليه وآله وسلم المستمر على الاقتداء بعترته أهل بيته، والاهتداء بهديهم، والتحذير من مخالفتهم، وذلك بجعلهم تارة كسفن للنجاة، وأُخرى أماناً للاَُمّة، وثالثة كباب حطّة.

وفي الواقع لم يكن الصحابة بحاجة إلى سؤال واستفسار من النبي لتشخيص المراد بأهل البيت، وهم يرونه وقد خرج للمباهلة وليس معه غير أصحاب الكساء وهو يقول: «اللّهم هؤلاء أهلي» وهم من أكبر الناس معرفة بخصائص هذا الكلام، وإدراكاً لما ينطوي عليه من قصر

____________

(1) مستدرك الحاكم 3: 109.

(2) سنن الترمذي 5: 662 | 3786، وحديث الثقلين قد روي عن أكثر من ثلاثين صحابياً، وبلغ عدد رواته عبر القرون المئات. راجع حديث الثقلين تواتره، فقهه، للسيد علي الحسيني الميلاني: 47 ـ 51. فقد ذكر فيه بعض الرواة وفيه الكفاية.