ألا مساعير يغضبون لها | بسلّة البيض والقنا الذابل(1) |
منعوا تراث محمد... ابنته
قال الأصبهاني: وحدثني أبو سليمان الناجي قال: جلس المهدي يوماً يعطي قريشاً صلات لهم وهو ليُّ عهد، فبدأ ببني هاشم ثمّ بسائر قريش. فجاء السيد فرفع إلى الربيع رقعة مختومة وقال: إن فيها نصيحة للأمير فأوصلها، فإذا فيها:
قل لأبي عباس سميِّ محمد | لا تعطينّ بني عدي درهما(2) |
إحرم بني تيم(3) بن مُرّة إنهم | شر البريّة آخراً ومُقدَّما |
إن تُعطِهم لا يشكروا لك نعمة | و يكافئوك بأن تُذَمَّ وتُشتما |
وإن ائتمنتهمُ أو استعملتَهم | خانوك واتخذوا خَراجك مَغْنما |
ولئن منعتهمُ لقد بَدَءوكم | بالمنع إذ ملكوا و كانوا أظلما |
منعوا تراث محمد أعمامَه | وابنيه وابنَته عديلة مريما |
وتأمروا من غير أن يُستخلَفوا | وكفى بما فعلوا هناك مأثما |
لم يشكروا لمحمد إنعامه | أفيشكرون لغيره أن أنعما |
والله من عليهم بمحمد | وهداهمُ وكسا الجنوب وأطعما |
____________
1- مقاتل الطالبيين: 427، الأغاني: 13 / 147 ـ 149.
2- هم بنو عدي بن كعب رهط عمر بن الخطاب.
3- هم رهط أبي بكر.
ثم انبروْا لوصيِّه و وليّه | بالمنكرات فجرعوه العلقما |
قال: فرمى بها إلى ابن عُبيد الله، ثمّ قال: اقطع العطاءَ فقطعه، وانصرف الناس، ودخل السيّد إليه، فلما رآه ضحك وقال: قد قبلنا نصيحتك يا إسماعيل، ولم يعطهم شيئاً. أخبرني به عمي عن محمد بن داود بن الجراح عن إسحاق النخعي عن أبي سليمان الرياحي مثله.(1)
ونختم كتابنا هذا بهاتين القصيدتين الرائعتين:
الأولى: للسيّد قتادة بن إدريس
قال في رثاء فاطمة الزهراء (عليها السلام):
ما لعيني قد غاب عنها كَراها | وعَراها من عَبرة ما عَراها |
ألدارِ نَعمتُ فيها زَماناً | ثمّ فارقتُها فلا أغشاها؟ |
أم لحي بانوا بأقمار ثَمّ | يتجلّى الدُجى بضوء سناها؟ |
أم لِخَوْد(2) غريرةِ الطَّرف تهوا | ني بِصدق الوداد أو أهواها؟ |
أم لصافي المَدام من مُزّة الطَّعـ | ـم عُقار(3) مشمولة أُسقاها |
حاشَ لله لستُ أُطمِعُ اللّـ | ـهُ تعالى بلُطفِه واجتَباها |
____________
1- الأغاني: 7 / 243 ـ 244.
2- الخَودَ: الشابة الناعمة الحسنة الخلق.
3- المُزّة: ما كان طعمه بين الحلو والحامض أو خليطاً منهما، والعُقار: الخمر.
ختم اللهُ رُسلَه بأبيها | واصطَفاه لوَحْيهِ واصطَفاها |
وحَباها بالسيِّدَين الزكيَّيـ | ـن الإمامَين منه حين حَباها |
ولفِكري في الصاحِبَين اللَّذين اسـ | ـتَحْسَنا ظُلمَها وما راعَياها |
منَعا بعلَها من العهد والعقـ | ـدِ وكان المُنيب والأوّاها |
واستَبَدّا بإمرة دبَّراها | قبل دَفْنِ النبيّ وانتَهزاها |
وأتت فاطِمُ تطالب بالإرْ | ثِ من المصطفى فَما ورّثاها |
ليت شعري لِمْ خُولِفَت سُنَنُ القُر | آن فيها واللهُ قد أبداها |
رضي الناس إذ تلَوها بما لم | يرْضَ فيها النبيُّ حين تلاها |
نُسِخت آيةُ المَواريث منها | أم هما بعد فَرضِها بَدّلاها؟ |
أم ترى آية المودّة لم تأ | تِ بودِّ الزهراء في قُرباها؟ |
ثمّ قالا: أبوك جاء بهذا | حُجّةً مِن عِنادهم نصَباها |
قال: للأنبياء حُكمٌ بأن لا | يُورثوا في القديم وانتَهراها |
أفَبِنت النبيّ لم تَدْرِ إن كا | نَ نبيُّ الهُدى بذلك فاها! |
بَضْعَةٌ من محمد خالفت ما | قال؟ حاشا مَولاتنا حَاشاها |
سمِعَته يقول ذاك وجاءت | تطلُب الإرثَ ضِلّةً وسَفاها؟ |
هي كانت لله أتقى وكانت | أفضلَ الخَلقِ عِفّةٌ ونَزاها |
أو تقول: النبيُّ قد خالفَ القر | آن وَيْحَ الأخبارِ مِمّن رَواها! |
سَلْ بإبطالِ قولهم سورة النَّمـ | ـل وسَلْ مريمَ الّتي قبل طاها |
فهما يُنبئان عن إرث يحيى | وسليمان من أراد انتِباها |
فدعت واشتكت إلى الله من ذا | ك وفاضَت بدمعِها مُقلتاها |
ثمّ قالت: فنِحلةٌ ليَ من وا | لدِي المصطفى فلم يَنْحَلاها |
فأقامت بها شُهوداً فقالوا | بعلُها شاهِدٌ لها وابناها |
لم يُجيزوا شهادة ابنَي رسول اللّـ | ـه هادي الأنام إذ ناصباها |
لم يكن صادِقاً عليٌّ ولا فا | طمةٌ عندهم ولا ولَداها! |
كان أتقى لله منهم عَتيقٌ | قَبُح القائل المُحال وشَاها(1) |
جرّعاها من بعد والدِها الغَيـ | ـظ مراراً فبئس ما جرّعاها |
أهلُ بيت لم يعرفوا سُنَن الجَو | ر التباساً عليهمُ واشتباها |
ليتَ شعري ما كان ضرَّهما الحِفـ | ـظُ لعَهدِ النبيّ لو حَفِظاها |
كان إكرامُ خاتم الرُسل الها | دي البشير النذير لو أكرماها |
إنَّ فِعَل الجميلِ لم يأتياه | وحِسان الأخلاقَ ما اعتمداها |
ولو ابتِيع ذاك بالثمن الغا | لي لما ضاع في اتباع هواها |
ولكان الجميلُ أن يُقطِعاها | فَدكاً لا الجميل أن يَقْطَعاها |
أترى المسلمين كانوا يلومو | نهما في العطاء لو أعطياها! |
كان تحت الخضراء بنت نبيٍّ | صادق ناطق أمين سواها! |
بنتُ مَن! أُمّ مَن! حليلةُ مَن! ويـ | ـلٌ لِمَن سنّ ظُلمَها وأذاها |
____________
1- شاه: قُبح.
فاستجادت له السيوف بصِفّيـ | ـنَ وجرّت يوم الطُفوف قَنَاها |
لو تمكّنتُ بالطُّفوف مدى الد | هرِ لقبَّلتُ تُرْبَها وثَرَاها |
بأدركَت ثارَها اُميّةُ بالنا | رِغداً في مَعادِها تَصْلاها |
أشْكُر الله أنّني أتَوالى | عِترةَ المصطفى وأشنا عِداها |
ناطقاً بالصواب لا أرهَب الأعـ | ـداء في حبِّهم ولا أخشاها |
نُح بها أُيها الجُذُوعِىّ واعلم | أنّ إنشادك الذي أنشاها |
لك معنى في النَوح ليس يُضاهى | وهي تاج للشِعر في معناها |
قلتَها للثواب والله يعطي الـ | أجرَ فيها مَن قَالها وَرَواها |
مُظهراً فَضْلَهم بعزمة نفس | بلَغت في ودادهم مُنتَهاها |
فستَمِعها من شاعر علوىّ | حسنيٍّ في فضْلها لا يُضاهى |
سادَةُ الخلقِ قومُه غير شكٍّ | ثمّ بطحاء مكّة مأواها(1) |
ذاك يُنبيك عن حُقودِ صدور | فاعتَبِرها بالفِكر حين تراها |
____________
1- نسبت هذه القصيدة في (المجالس السنية المجلد 2: 137)، لبعض أشراف مكة ونسبت فى (بيت الاحزان: 124 و161) للسيد الجذوعي، وقد نسبناها إلى قتادة بن إدريس بناء على كتاب (فدك: 23 و180) للسيد محمّد حسن الحائري. قال السيد محسن الأمين فى المجالس: وجدت هذه القصيدة بخط الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي الجزيني ـ قدس الله روحه ـ وهي فريدة فى بابها، ويظهر من آخرها أنها لبعض أشراف مكة المكرمة، وتوهم بعضهم أنها للجذوعي، ناشىء من البيت الذي فى اسمه، مع أنّه ظاهر في أنّ الجذوعي منشدها، وأن منشئها غيره. عن كتاب فاطمة الزهراء (ع) فى ديوان الشعر العربي: 70.
قل لنا أَيُّها المُجادل فى القو | لِ عن الغاصبى إذ غَصباها |
أهُما ما تَعَمَّداها كما قلـ | ـتَ بظُلم كلاّ ولا اهتَضماها؟ |
فلماذا إذ جُهِّزت للقاء الـ | ـلّه عند الممات لم يَحْضُراها؟ |
شَيّعت نَعْشَها ملائكةُ الرحـ | ـمنِ رِفْقاً بها وما شيّعاها |
كان زُهداً في أجرِها أم عِناداً | لأبيها النبيّ لم يَتبعاها؟ |
أم لأنّ البتولَ أوصَت بأن لا | يَشْهَدا دفنَها فما شَهِداها؟ |
أم أبوها أسرّ ذاك إليها | فأطاعت بنت النبيّ أباها؟ |
كيف ما شئت قُل كفاك فهذي | فِريةٌ قد بلغت أقصى مَداها |
أغضَباها وأغضبا عند ذاك الـ | ـلّة ربَّ السماء إذ أغضَباها |
وكذا أخبر النبيُّ بأنّ الـ | ـلّه يرضى سبحانه لرِضاها |
لا نبيُّ الهدى اُطيع ولا فا | طمة أُكرِمت ولا حَسَناها |
وحقوقُ الوصيّ ضُيّع منها | ما تَسامى فى فضله وتناهى |
تلك كانت حَزازةً(1)ليس تبْرا | حين رُدّا عنها وقد خطَباها |
وغداً يَلْتَقون والله يَجزي | كلَّ نفس بغَيِّها وهُداها |
فعلى ذلك الأساس بَنَت صا | حبةُ الهَودجِ المشوم بِناها |
وبذاك اقْتدَت اُميّةُ لمّا | أظهرَت حِقدها على مَولاها |
لَعَنَتْهُ بالشام سبعين عاماً | لعَن الله كَهْلَها وَفَتَاها |
____________
1- الحَزَازة: ألمٌ يَحُزَ في القلب من وجع أو غيظ.
ذكَروا مَصْرَع المشايخ في بد | ر وقد ضَمّخ الوصيُّ لِحاها |
وبأُحْد من بعد بَدر وقد أتْـ | ـعَسَ فيها مَعَاطِساً وجِباها |
الثانية: للشيخ محمد علي اليعقوبي(1)
قال في رثائها (عليها السلام) من قصيدة مطلعها:
ترك الصّبا لك والصَّبابه | صَبٌّ كفاه ما أصابه |
أنْسَتْهُ أيام المشيـ | ـب هوىً به أفنى شبابه |
أوَ بَعْدَ ما ذهب الشبا | ب مودّعاً يرجو إيابه؟! |
وسَرَى به حادي الليالـ | ـي للرَّدى يحدو رِكابه |
ومنها:
ولقد يعِزّ على رسو | لِ الله ما جَنَت الصحابه |
قد مات فانقلبوا على الـ | أعقاب لم يَخْشَو عِقابه |
منعوا البتولة أنْ تنو | ح عليه أو تبكي مُصَابه |
نعشُ النبيّ أمامهم | ووراءهم نَبَذوا كتابه |
____________
1- هو الشيخ محمد علي بن يعقوب بن جعفر النجفي، الملقب باليعقوبي نسبة إلى أبيه، خطيب شهير، وأديب معروف، ولد سنة 1313 هـ فى النجف الأشرف، انتخب عميداً للرابطة الأدبية وبقي حتى وفاته فى سنة 1385 هـ، له أثار منها: المقصورة العلوية، عنوان المصائب في مقتل الإمام علي (عليه السلام)، البابليات، الذخائر، ديوان شعر، وقائع الأيام، وغيرها عن كتاب فاطمة الزهراء فى الشعر العربي: 394.
لم يَحْفَظُوا للمرتضى | رَحِمَ النبوّة والقرابه |
لو لم يكن خير الورى | بعد النبيّ لما استنابه |
قد أطفأوا نُور الهدُى | مُذ أضرموا بالنارِ بابه |
أسد الإله فكيف قد | وَلَجت ذئاب القوم غَابَه |
وعَدَوا على بنت الهُدى | ضرباً بحَضْرته المَهَابه |
في أيّ حكم قد أبَا | حُوا إرث فاطم واغتصابه |
بيت النبوّة بيتها | شادت يد الباري قبابه |
أذن الإله برفعه | والقوم قد هتكوا حِجابه! |
بأبي وديعة أحمد | جُرَعاً سقاها الظُلم صابه |
عاشت معصّبة الجبيـ | ـن تئنّ من تلك العِصابه |
حتّى قضت وعيونها | عبرى ومهجتها مُذَابه |
وأمضّ خطب فى حشا الـ | إسلام قد أورى التهابه |
بالليل واراها الوصيّ | وقبرها عفّى تُرابه(1) |
____________
1- الذخائر: 11.