ولهذا عدّ في الاخبار نزول وصلاة عيسى عليه السلام من فضائله الخاصّة والمناقب المختصة به عليه السلام، وقد افتخروا مكرراً بذلك في المجالس والمحافل، بل عدّه الله تعالى من مناقبه وفضائله عليه السلام كما روي في كتاب المختصر للحسن بن سليمان الحلي في خبر طويل إنَّ الله تعالى قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في ليلة المعراج: " واعطيتك أن اخرج من صلبه احد عشر مهدياً كلّهم من ذريّتك من البكر البتول ; وآخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسى بن مريم، يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت منهم ظلماً وجوراً، أنجي به من المهلكة، وأهدي به من الضلالة، وأبريء به من العمى، وأشفي به المريض... "(1).
وروي في كمال الدين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: " والذي بعثني بالحق نبياً لو لم يبق من الدنيا الّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه... "(2).
وروي ايضاً عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في حديث الدجال: " يقتله الله عزوجل بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق... على يد من يصلّي المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام خلفه... "(3).
____________
1- كمال الدين (الصدوق): ج 1، ص 151، ح 1 ولم نجده في مختصر البصائر للحسن بن سليمان المطبوع، علماً اننا مطمئنون أن النسخة المطبوعة من مختصر البصائر ناقصة.
2- كمال الدين (الصدوق): ج 1، ص 280، ح 27.
3- كمال الدين (الصدوق): ج 1، ص 527.
وفي المصدر المطبوع (بعقبة أفيق لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يد مَنْ يصلى المسيح... الخ).
وروي في غيبة الطوسي عنه صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال لفاطمة عليها السلام:
يا بنيّة إنّا اُعطينا أهل البيت سبعاً لم يُعْطَهَا أحدٌ قبلنا: نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصيّنا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة، ومنّا من له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة وهو ابن عمّك جعفر، ومنّا سبطا هذه الأمّة وهما ابناك الحسن والحسين، ومنّا والله الذي لا اله الّا هو مهديُّ هذه الأمة الذي يصلّي خلفه عيسى بن مريم ثمّ ضرب بيده على منكب الحسين عليه السلام فقال: من هذا ثلاثاً(2).
وروي في الكافي عنه صلى الله عليه وآله وسلّم: " خرج صلى الله عليه(3)ذات يوم وهو مستبشر يضحك مسروراً.
فقال له الناس: أضحك الله سنّك يا رسول الله، وزادك سروراً؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: انّه ليس من يوم ولا ليلة الّا ولي فيهما تحفة من الله، ألا وانّ ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها فيما مضى، انّ جبرئيل عليه السلام أتاني فأقرأني من ربّي السلام وقال: يا محمد! انّ الله جلّ وعزّ اختار من بني هاشم سبعة لم يخلق مثلهم فيمن مضى ولا يخلق مثلهم فيمن بقي: أنت يا رسول الله سيد النبيّين، وعلي بن أبي طالب وصيّك سيد الوصيّين، والحسن والحسين سبطاك سيّدا الأسباط، وحمزة عمّك سيد الشهداء، وجعفر ابن عمّك
____________
1- اعلام الورى بأعلام الهدى (الطبرسي): ص 427.
2- الغيبة (الطوسي): ص 116.
3- في المصدر (خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلّم).
وروي في كمال الدين(2) عن الامام الباقر عليه السلام أنه ذكر سِيَر الخلفاء(3)الراشدين(4) فلمّا بلغ آخرهم قال: " الثاني عشر الذي يصلّي عيسى بن مريم عليه السلام خلفه "(5).
وروى الگنجي الشافعي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال في جملة أحوال المهدي عليه السلام وهو عليه السلام يصلّي بأصحابه صلاة الصبح في بيت المقدس: " إذ انزل عليهم عيسى بن مريم عليه السلام (الصبح)(6) فيرجع (ذلك الامام)(7) ينكص يمشي القهقرى ليتقدّم عيسى عليه السلام، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول تقدّم "(8).
وروي ايضاً أنه قال لأبي هريرة: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وامامكم منكم؟ "(9).
وبهذا المضمون أخبار مكررة، وقد شرحها الگنجي وبيّن دلالة امامته عليه السلام بعيسى وافضليّته عليه عليهما السلام باعتبار ان الامام لابد أن يكون أقْرَأ وأعلم وأفقه وأصبح... ونحن لسنا بحاجة إلى ذكره.
وروي في عقد الدرر عنه صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: " يلتفت المهدي، وقد
____________
1- الكافي (الروضة) (الكليني): ج 8، ص 49، ح 10.
2- في المصدر (قال: ذكر أبو جعفر محمد ابن علي الباقر عليهما السلام سير...).
3- في المصدر زيادة (الاثني عشر).
4- في المصدر زيادة (صلوات الله عليهم).
5- كمال الدين (الصدوق): ج 1، ص 332، ح 17.
6- سقطت من الترجمة.
7- في الترجمة بدلها (عليه السلام).
8- كفاية الطالب، البيان (الگنجي الشافعي): ص 499.
9- كفاية الطالب، البيان (الگنجي الشافعي): ص 496.
فيصلّي عيسى خلف رجل من ولدي، فاذا صُلِّيَتْ قام عيسى حتى جلس في المقام فيبايعه "(1).
وروي ايضاً عن السدي أنه قال: يجتمع المهدي، وعيسى ابن مريم في وقت الصلاة، فيقول المهدي لعيسى: تقدّم، فيقول عيسى: أنت اولى بالصلاة. فيصلّي عيسى وراءه مأموماً "(2).
ولم أنظر هذا المضمون بأخبار الخاصة، وعلى فرض صحة تقديمه عليه السلام فهو نظير تقديم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم جبرئيل في ليلة المعراج للصلاة ورفض جبرئيل وقوله: " انّا لا نتقدّم الآدميين منذ اُمرنا بالسجود لآدم عليه السلام "(3).
ولعل قصده بيان أفضليته على عيسى عليهما السلام للخلق على لسانه، وليس هو مجرد التقديم في الصلاة، فبحسب قواعد كثير من أهل السنة أنه ليس فيه فضل وروَوْا جواز الصلاة وراء كل برٍّ وفاجر ; ونسوا كلام نبيّهم: " لا أفلح قوم قدموا عليهم اماماً وفيهم من هو افضل منه "(4).
الرابع والأربعون:
عدم جواز التكبير سبع مرات على جنازة احد بعد أمير المؤمنين عليه السلام الّا على جنازته عليه السلام.
كما روي في البحار في حديث وفاته عليه السلام في ضمن وصاياه للامام الحسن عليه السلام بعد أن ذكر الكفن والحنوط وحمله الى موضع القبر الشريف؟ قال: ثمّ تقدم
____________
1- عقد الدرر (يوسف السلمي): ص 229 ـ 230.
2- عقد الدرر (يوسف السلمي): ص 234.
3- البحار: ج 18، ص 404، ح 108.
4- لم نجد نص الرواية فترجمناها.
الخامس والأربعون:
قتل الدجّال اللعين الذي هو من العذاب الالهي لأهل القبلة.
كما روي في تفسير علي بن ابراهيم عن الامام الباقر عليه السلام أنه قال في الذي في الآية الشريفة: { قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم }(2):
" هو الدجال والصيحة "(3).
وقال: " ما بعث الله عزوجل نبيّاً الّا وقد أنذر قومه الدجال "(4).
كما روي في (كمال الدين) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم.
وكيف لا تكون فتنة وهو يخرج في تلك الصورة والقوة في سنة قحط شديد، ويسير بالآفاق إلى مكة والمدينة.
وروى الحسن بن سليمان الحلي في مختصر البصائر عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:
" من أراد أن يقاتل شيعة الدجال فليقاتل الباكي على دم عثمان، والباكي على أهل النهروان ; أن مَنْ لقى الله عزوجل مؤمناً بان عثمان قتل مظلوماً لقي الله عزوجل
____________
1- البحار: ج 42، ص 292.
2- من الآية 65 من سورة الأنعام.
3- البحار: ج 52، ص 181 - 183، ح 4 واما في المصدر المطبوع (تفسير علي بن ابراهيم): ج 1، ص 204 ; فجاء بدل (الدجال) (الدخان) والله العالم.
4- رواه القطب الراوندي في (الخرائج والجرائح): ج 3، ص 1142 ـ ورواه الصدوق في (كمال الدين): ج 2، ص 529، ح 2 ـ وفي البحار (المجلسي): ج 52، ص 196، ح 27 عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم.
فقال رجل: يا أمير المؤمنين، فإنْ مات قبل ذلك؟
قال: يُبعث من قبره حتى يؤمن به وان رغم أنفه "(1).
وتقدّم عن كمال الدين أن الملعون يقتل في عقبة (افيق) بالشام على يده عليه السلام.
وروي عن الامام الصادق عليه السلام أنه قال:
" انّ الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر الف عام فهي أرواحنا.
فقيل له: يا ابن رسول الله، ومن الأربعة عشر؟
فقال: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ولد الحسين، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته فيقتل الدجال، ويطهّر الأرض من كل جور وظلم "(2).
وقد نسب بعض العامة قتل هذا اللعين الى عيسى.
وقد أعرضنا عن تفصيل أحوال الدجال لأن الهدف الأهم هو غير هذا.
السادس والأربعون:
انقطاع سلطة الجبابرة ودولة الظالمين في الدنيا بوجوده عليه السلام، وسوف لا يحكمون على وجه الأرض بعد ذلك، لأن دولته عليه السلام تتصل بالقيامة طبق رأي بعض العلماء ; أو تتصل برجعة باقي الائمة عليهم السلام طبق رأي جماعة وظواهر اخبار كثيرة، بل قد اُلِّفت في هذا الباب تصانيف عدة ; أو انها تتصل بدولة ابنائه عليه السلام كما قال الشيخ المفيد في الارشاد: " وليس بعد دولد القائم عليه
____________
1- مختصر البصائر (الحسن بن سليمان الحلي): ص 20.
2- كمال الدين (الصدوق): ج 2، ص 335 ـ 336، ح 7.
وقد تكرر عن الامام الصادق عليه السلام أنه كان يترنّم بهذا البيت:
لكل أناس دولة يرقبونها | ودولتنا في آخر الدهر تظهر |
وروي في غيبة النعماني عن الامام الباقر عليه السلام أنه قال: " دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة الّا ملكوا قبلنا لئلاّ يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عزوجل: (والعاقبة للمتقين)(5) "(6).
وروي هذا الخبر في غيبة الفضل بن شاذان بسند صحيح عن الامام الصادق عليه السلام.
ولا يخفى أن ما ذكرناه كان نموذجاً من الخصائص والمكارم الالهية المهدوية يعلم منه مقداراً يسيراً من مقاماته الرفيعة صلوات الله عليه، وعظمة دولته عليه السلام التي لم ير مثلها أحد ولم يسمع بمثلها ولن ير مثلها ويُرتفع استغراب بعض ما رد في حقه عليه السلام.
روى الشيخ النعماني في غيبته: " سئل أبو عبد الله عليه السلام(7): هل ولد القائم
____________
1- هذه الزيادة في الترجمة.
2- سقطت (ذلك) من الترجمة، واثبتت في المصدر.
3- في الترجمة بدل (مهدي هذه الأمة عليه السلام) (المهدي عليه السلام).
4- الارشاد (المفيد): ج 2، ص 387.
5- من الآية 128 من سورة الأعراف.
6- الغيبة (الطوسي): ص 282، ح 493 ولا توجد الرواية في غيبة النعماني، ولعله من سهو قلمه الشريف، والله العالم.
7- في الترجمة (سأل شخصٌ الامام الصادق عليه السلام).
فقال: لا، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي "(1).
وسوف يأتي عنه عليه السلام كان يدعو للقائم عليه السلام بعد صلاة الظهر، قال الراوي: " أليس قد دعوت لنفسك جعلت فداك؟(2)
قال: دعوت لنور آل محمد صلى الله عليه وآله وسلّم وسائقهم(3)والمنتقم [بأمر الله](4)من اعدائهم "(5).
وسوف يأتي عن الامام الكاظم عليه السلام أنه كان يقول مكرراً عند ذكر صفاته واحواله: " فداه أبي من كذا وكذا... ".
وروي في كامل الزيارة عن الامام الصادق عليه السلام في ضمن حوادث خروجه عليه السلام أنه قال: " ولا يبقى مؤمن ميت الّا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره، وذلك حيث يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم عليه السلام... "(6).
وروى هذا المضمون الصدوق في (كمال الدين) عن أمير المؤمنين عليه السلام وفيه أن ذلك السرور يدخل على قلب ذلك المؤمن(7).
وروى النعماني عن الامام الباقر عليه السلام أنه قال: " نظر موسى بن عمران في السفر الاول إلى ما يعطى قائم آل محمد من التمكين والفضل، فقال موسى: ربّ اجعلني قائم آل محمد ; فقيل له: انّ ذاك من ذرية احمد.
____________
1- الغيبة (النعماني): ص 245، ح 46.
2- (جعلت فداك) سقطت من الترجمة.
3- في الترجمة بدل (سائقهم) (سابقهم).
4- سقطت من الترجمة.
5- فلاح السائل (السيد بن طاووس): ص 171.
6- كامل الزيارات (ابن قولويه): ص 120، باب 41، ح 5.
7- لم نجده في كمال الدين المطبوع.
فقال مثله ; فقيل له مثل ذلك.
ثم نظر في السفر الثالث فرأى مثله، فقال مثله؟ فقيل له مثله "(1).
وروي في (مهيج الأحزان) عن كتاب (رأي العين) أن سيد الشهداء عليه السلام قال لأصحابه ليلة عاشوراء: " ان جدي أخبر إن ولدي الحسين يقتل في صحراء كربلاء غريباً وحيداً عطشاناً فمن نصره نصرنا ونصر ولده القائم المنتظر "(2).
وروي في (بشارة المصطفى) لعماد الدين الطبري(3) وتحف العقول(4) وفي بعض نسخ نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال لكميل: " ما من علم الّا وانا افتحه، وما من سرّ الّا والقائم عليه السلام يختمه "، وفي نسخة (ما من سرّ)(5) وفي رواية: "... وما من شيء الّا والقائم عليه السلام يختمه ".
فأنت تعلم أن جميع الانبياء والأوصياء انما بعثوا لعمارة القلوب وتحليتها بنور الايمان وتطهيرها وتزكيتها من قذارات وأوساخ العقائد والأخلاق [ المنحرفة ] ; ونظراً لوجود موانع كثيرة فانهم لم يتمكنوا من اظهار جميع الافكار، وبيان الرموز والاسرار، وان يوعدوا ويبشروا ويرجعوا ويحبلوا الخلق دائماً اليه عليه السلام عهد حكومته ورئاسته، وبما أنه لا توجد دولة بعدها، فلابد أن لا يبقى شيء لا يقوله عليه السلام ولا يوصله إلى الخلق، ولا يربطهم بالله تعالى، كما اوضح الله تعالى بهذا النحو في آية وعد الاستخلاف بأنه لا خوف بعد ذلك من أحد على الخليفة وانصاره بما يسبب
____________
1- الغيبة (النعماني): ص 240، ح 34.
2- لا يوجد لدينا الكتاب فترجمناه.
3- بشارة المصطفى: ص 25.
4- تحف العقول: ص 119.
5- لعل النسخة البدل المقصودة في أول العبارة هي (ما من علم) فتصير (ما من سرّ) والّا فالعبارة واحدة مع المقطع الآخر.
وروى الشيخ الجليل علي بن الخراز في كفاية الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال لعلي عليه السلام: " يا علي أنت منّي وأنا منك، وأنت أخي ووزيري، فاذا متُّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم، وستكون بعدي فتنة صماء صيلم يسقط فيها كل وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك، يحزن لفقده الأرض والسماء، فكم مؤمن ومؤمنة متأسف متلهف حيران عند فقده.
ثم أطرق مليّاً، ثم رفع رأسه وقال: بأبي وأمي سميّي، وشبيهي، وشبيه موسى بن عمران عليه جبوب(1) النور ـ أو قال: جلابيب النور ـ يتوقد(2) من شعاع القدس، كأنّي بهم آيس من كانوا، ثم نودي بنداء يسمعه من البعد كما يسمعه من القرب "(3) إلى آخر الخبر.
وروى الطبرسي في الاحتجاج، وابن طاووس في (كشف اليقين)(4) خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم البليغة والطويلة في حجة الوداع في غدير خم التي خطبها في ذلك المحضر العظيم، ومن جملة فقرات تلك الخطبة: " معاشر الناس! الا واني منذر، وعليّ هاد.
معاشر الناس! انّي نبي وعلي وصي ; ألا ان خاتم الائمة منّا القائم المهدي صلوات الله عليه.
ألا أنه فاتح الحصون، وهادمها.. ألا أنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك.. ألا
____________
1- وفي نسخة بدل (حبوب النور) و (جيوب النور).
2- في نسخة بدل (متوقد).
3- كفاية الأثر (الخراز): ص 158 - 159.
4- هكذا ذكره المؤلف (رحمه الله)، ولكن المطبوع اسمه (اليقين باختصاص مولانا علي عليه السلام بامرة المؤمنين)، واما (كشف اليقين) فهو تأليف العلامة الحلي (رحمه الله).
ألا أنه خيرة الله ومختاره..
ألا أنه وارث كل علم، والمحيط به..
ألا أنه المخبر عن ربّه عزوجل، والمنبّه بأمر ايمانه..
ألا أنه الرشيد السديد..
ألا أنه المفوض اليه..
ألا أنه قد بشر به مَنْ سلف بين يديه..
ألا أنه الباقي حجة، ولا حجة بعده ; ولا حق الّا معه، ولا نور فوز الّا عنده الّا عنده..
ألا أنه لا غالب له، ولا منصور عليه..
ألا وانه ولي الله في أرضه، وحكمه في خلقه، وامينه في سرّه وعلانيته..(1)
____________
1- اليقين (ابن طاووس): الطبعة المحققة، ص 357 ـ اليقين (ابن طاووس): الطبعة غير المحققة، ص 122 ـ الاحتجاج (الطبرسي): ج 1، ص 80.
الباب الرّابع
في ذكر اختلاف المسلمين في الوجود المبارك للامام المهدي صلوات الله عليه
الباب الرّابع
في ذكر اختلاف المسلمين للوجود المبارك للامام المهدي صلوات الله عليه من عدة جهات، وبيان الفرق، ونقل بعض كلماتهم على نحو الايجاز والاختصار.
لا يخفى انّه لا خلاف بين فرق المسلمين المعروفة بأنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أخبر بمجيء شخص في آخر الزمان يقال له (المهدي) وهو سميّه وينشر دينه صلى الله عليه وآله وسلّم ويملأ الأرض عدلا وقسطاً ; ولم يخالف احد في ذلك الاّ قول ضعيف نقل من السنة " أن لا مهدي الاّ عيسى ينزل من السماء ".
ونقل خبر في هذا الباب، وان نفس اولئك الجماعة يحكمون بضعفه وشذوذه، فضلا عن الامامية ; ونظيره في الضعف والسخافة ما نقله الميبدي في شرح الديوان عن بعض: أن روح عيسى عليه السلام تظهر في المهدي عليه السلام، وان نزول عيسى عبارة عن هذا الظهور فيطابق حديث " لا مهدي الاّ عيسى بن مريم " انتهى.
وبالجملة أنه قد اُلِّفَتْ كتب كثيرة عند تلك الجماعة في اثبات وجوده وحالاته عليه السلام، مثل: (مناقب المهدي) للحافظ ابي نعيم الاصفهاني.
و (صفة المهدي) له ايضاً ; والظاهر أنه نفسه الذي يقال له (نعوت المهدي) ; أو أنه كتاب آخر له.
و (عقد الدرر في أخبار الامام المنتظر) لأبي بدر يوسف بن يحيى السلمي.
و (أخبار المهدي) للسيد علي الهمداني.
و (كشف المخفي في مناقب المهدي عليه السلام) ولو أن مؤلفه شيعي، ولكن جميع أخباره المائة والعشرة مأخوذة من كتب أهل السنة.
و (الملاحم) لأبي الحسن أحمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله المنادي، المعروف بابن المنادي.
وكتاب (سعد الدين الحمويني) خليفة نجم الدين.
و (البرهان في أخبار صاحب الزمان عليه السلام) للملاّ علي المتقي صاحب (كنز العمال).
و (أخبار المهدي) لعباد بن يعقوب الرواجني.
و (العرف الوردي في أخبار المهدي عليه السلام) لعبد الرحمن السيوطي..
وغير ذلك ; بل في كثير من الكتب السماوية المتداولة نقل عنها عبارات تطابق ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في حقه عليه السلام ; بل أنه معروف بين الكُهّان، وكلمات سطيح الكاهن واخباره عن صفاته وأحداث ايامه عليه السلام معروفة، وكان معهوداً عند ملوك الفرس كما روى احمد بن محمد بن عياش في مقتضب الأثر أن آخر ملوك الفرس (يزدجرد) عندما أراد أن يهرب من المدائن وقف على أيوان كسرى وقال: السلام عليك أيها الايوان ها أنذا منصرف عنك، وأرجع اليك أنا، أو رجل من ولدي لم يدن زمانه، ولا آن أوانه.
قال سليمان الديلمي: فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فسألته عن ذلك، وقلت له: ما قوله: أو رجل من ولدي؟
ولا توجد فائدة في ذكر هذا النوع من الأخبار في كتب الغيبة المتداولة الّا الحفظ والتبرك وبعض الفوائد الجزئية التي فيها.
كما أنه ليس بحجة على غير المسلمين، وليس فيه عليه السلام خلاف حتى يكون محتاجاً إلى ذكر ذلك، وانما الخلاف في عدة جهات:
الخلاف الأول:
في نسبه، وانه ابن مَنْ؟
وفيه عدة اقوال:
الأول:
أن المهدي عليه السلام من أولاد العباس بن عبد المطلب.
وروى محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى) عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال للعباس: " منك المهدي في آخر الزمان، به ينتشر الهدى، وبه تطفأ نيران الضلالات انّ الله عزوجل فتح بنا هذا الأمر وبذريتك يختم "(2).
وروى عن أبي هريرة ايضاً قريباً الى هذا المضمون.
وروى ايضاً عن عثمان، أنه صلى الله عليه وآله وسلّم قال: " المهدي من ولد العباس "(3).
ولشناعة هذا القول ومخالفة هذه الأخبار للأخبار المتواترة المروية من طرق
____________
1- مقتضب الأثر (ابن عياش): ص 40 ـ 41.
2- ذخائر العقبى (محب الدين احمد بن عبد الله الطبري): ص 206.
3- ذخائر العقبى (المحب الطبري): ص 206.
ولو انهم حملوا تلك الأخبار على الجعل والوضع ارضاءاً لخلفاء بني العباس كما كانت العادة هي كذلك في ذلك الزمان، لكان أحسن من هذا التوجيه الركيك الذي لكثرة برودته اطفأ (صواعق) ابن حجر.
الثاني:
أنه من اولاد أمير المؤمنين عليه السلام، وهو ابن محمد بن الحنفية، وهذا هو مذهب الكيسانية كما قال ذلك الشيخ الجليل أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي ـ ابن اخت ابي سهل النوبختي ـ وهو من علماء عصر الغيبة الصغرى، في كتاب (الفرق والمقالات) ; أنه بعد شهادة الامام سيد الشهداء عليه السلام قالت فرقة: " أن محمد بن الحنفية رحمه الله تعالى أنه الامام (الهادي)(1) المهدي وهو وصي علي بن أبي طالب عليه السلام ; ليس لأحد من أهل بيته أن يخالفه، ولا يخرج عن امامته ولا يشهر سيفه الّا بأذنه " وانما خرج الحسن بن علي إلى معاوية محارباً بإذن محمد ووادعه وصالحه بإذنه "(2) وان الحسين انما خرج لقتال يزيد بأذنه، ولو خرجا(3) بغير اذنه هلكا وضلاّ، وان من خالف محمد بن الحنفية كافر مشرك، وان محمد استعمل المختار (بن أبي عبيد)(4) على العراق بعد قتل الحسين وأمره بالطلب بدم الحسين عليه السلام (وثأره)(5) وقتل قاتليه وطلبهم حيث كانوا وسمّاه كيسان لكيسيه ولما عرف من قيامه ومذهبه
____________
1- هذه الزيادة في الترجمة.
2- هذه الزيادة في المصدر ولا توجد في الترجمة.
3- في الترجمة (ولو خرج...).
4 و 5- سقطت من الترجمة.