فحسست بيد قد وقعت عليَّ، فقمت، فقال لي: " يا حسن، إلزم بالمدينة دار جعفر بن محمد عليه السلام، ولا يهمنّك طعامك ولا شرابك، ولا ما تستر به عورتك ". ثمّ دفع إليّ دفتراً فيه دعاء الفرج، وصلاة عليه، وقال: " بهذا فادعُ، وهكذا فصلّ عليّ، ولا تعطِهِ الّا أوليائي، فانّ الله عزّ وجلّ يوفقك ".
فقلت: يا مولاي، لا أراك بعدها؟ فقال: " يا حسن إذا شاء الله تعالى ".
قال: فانصرفت من حجّتي ولزمت دار جعفر عليه السلام، وأنا لا أخرج منها ولا أعود اليها الّا لثلاث خصال: الّا لتجديد الوضوء أو النوم، أو لوقت الافطار، فاذا دخلت بيتي وقت الافطار فأصيب وعائي مملوءاً دقيقاً على رأسه، عليه ما تشتهي نفسي بالنهار، فآكل ذلك فهو كفاية لي، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء، وكسوة الصيف في وقت الصيف، وانّي لا أدخل الماء بالنهار وأرش به البيت، وادع الكوز فارغاً، وآتي بالطعام ولا حاجة لي إليه، فأتصدّق لئلاّ يعلم به من معي(1).
الثالث والثلاثون:
روى علم الهدى السيد المرتضى (رحمه الله تعالى) في كتاب (عيون المعجزات) ـ كما ان بعضاً نسبوه إلى الشيخ الجليل الحسين بن عبد الوهاب المعاصر للسيد كما صرح بذلك وذكر له شواهد الفاضل الخبير الميرزا عبد الله الاصفهاني في الرياض ـ عن الحسن بن جعفر القزويني قال: مات بعض اخواننا من أهل (فانيم) من غير وصية، وعنده مال دفين لا يعلم به احد من ورثته، فكتب إلى الناحية يسأله عن ذلك، فورد التوقيع: " المال في البيت في الطاق في موضع كذا وكذا، وهو كذا وكذا ".
____________
1- الثاقب في المناقب (ابن حمزة): ص 612 ـ 613.
الرابع والثلاثون:
وروى ايضاً عن محمد بن جعفر قال: خرج بعض اخواننا يريد العسكر(2) في أمر من الأمور.
قال: فوافيت (عكبرا)، فبينما أنا قائم أصلّي إذْ أتاني رجل بصرّة مختومة فوضعها بين يدي وأنا أصلّي.
فلما انصرفت من صلاتي، فضضت خاتم الصرّة، واذا فيها رقعة بشرح ما خرجت له، فانصرفت من عكبرا(3)(4).
الخامس والثلاثون:
وروى ايضاً عن محمد بن احمد قال: شكوت بعض جيراني ممن كنت أتأذّى منه(5)، وأخاف شرّه، فورد التوقيع: " ستكفى أمره قريباً ".
فمنّ الله بموته في اليوم الثاني(6).
السادس والثلاثون:
وروى ايضاً عن أبي محمد (الثمالي) قال: كتبت في معنيين، وأردت أن أكتب في معنىً ثالث ; فقلت في نفسي: لعلّه صلوات الله عليه يكره ذلك.
فخرج التوقيع في المعنيين وفي المعنى الثالث الذي أسررته في نفسي ولم أكتب
____________
1- مدينة المعاجز (السيد هاشم البحراني): ص 611، عن كتاب (عيون المعجزات) للسيد المرتضى.
2- قال المؤلف رحمه الله: " يعني سرّ من رأى ".
3- في الترجمة (العسكر).
4- مدينة المعاجز: ص 611 ـ عن عيون المعجزات.
5- في مدينة المعاجز (به) ولكن ثبتنا ما في الترجمة لأنها أبلغ.
6- مدينة المعاجز: ص 611 ـ عن عيون المعجزات.
السابع والثلاثون:
وروى عن الحسن بن عفيف عن أبيه قال: حملت حرماً من المدينة إلى الناحية ومعهم خادمان، فلما وصلنا إلى الكوفة شرب أحد الخدم مسكراً في السرّ ولم نقف عليه.
فورد التوقيع بردّ الخادم الذي شرب المسكر، فرددناه من الكوفة ولم نستخدم به(2)(3).
الثامن والثلاثون:
وروى ايضاً قال: خرج في احمد بن عبد العزيز توقيع انه قد ارتدّ، فتبيّن ارتداده بعد التوقيع بأحد عشر يوماً(4).
التاسع والثلاثون:
وروى ايضاً عن علي بن محمد الصيمري: كتب يسأل كفناً، فكتب إليه صلوات الله عليه: " انّك تحتاج إليه في سنة ثمانين " وبعث إليه ثوبين، ومات رحمه الله في سنة ثمانين(5).
الأربعون:
روى حسين بن حمدان الحضيني في كتابه عن أبي علي، وأبي عبد الله بن علي المهدي، عن محمد بن عبد السلام عن محمد بن النيسابوري، عن أبي الحسن احمد بن الحسن الفلاني، عن عبد الله بن يزيد غلام احمد بن الحسن قال: وردت الجبل وأنا لا أقول بالامامة وأحبهم جملة، إلى أن مات يزيد بن عبد الله وكان من
____________
1- مدينة المعاجز: ص 611 ـ عن عيون المعجزات.
2- في الترجمة (ولم نرجع عن خدمته).
3 و 4 و 5- مدينة المعاجز: ص 611 ـ عن عيون المعجزات.
يقول المؤلف:
نقل هذه الحكاية الكليني والشيخ المفيد في الارشاد، والشيخ الطوسي في الغيبة بهذا المضمون، وقالوا ان اسم الغلام (بدر)، ولكن نقل في دلائل الطبري، وفرج المهموم للسيد علي بن طاوس في خبر طويل، وكذلك في اماكن اُخرى في خبر مختصر: ان صاحب هذه القضية هو أحمد بن الحسن بن أبي الحسن المادراني سيد هذا الغلام، وكان (اذكوتكين) ذاك من امراء الترك على مدينة الري من قبل بني العباس.
وكان يزيد بن عبد الله من الموالي مستقلا بـ (شهر زور) من بلاد الجبل، وغزا (اذكوتكين) ولايته وتحارب معه وظفر ببلاده واحتوى على خزائنه وولي هذا المادراني تسجيل وحفظ تلك الأموال، وعندما لم يتمكن من اخفاء ذلك الفرس والسيف فجعل الف دينار على ذمّته، ووصل إلى بري التوقيع المبارك بيد أبي الحسن الأسدي، ولهذا المادراني حكاية لطيفة اُخرى تدل على جلالته وعظمته الدنيويّة والأخروية.
ونقلها آية الله العلامة في كتاب (منهاج الصلاح) عن احمد بن محمد بن خالد البرقي، ونحن نقلنا الاثنين في أواخر الباب التاسع من كتاب (الكلمة الطيّبة)، وان
____________
1 و 2- راجع الهداية الكبرى: ص 9، الطبعة القديمة.
وتقدّمت في الباب الأول والثاني بل والرابع والخامس جملة من معجزاته عليه السلام، وسوف يأتي في الأبواب الآتية كثير منها، بل انّه بعد اثبات وجوده وبقاء ذاته المقدّسة فليست هناك حاجة إلى ذكر المعجزة، فان نفس بقائه وطول عمره من أعظم الآيات الالهيّة والبراهين القطعيّة، وهو معجزة باهرة متواترة لا يعوّض عنها سائر المعاجز التي لا نحظى بها.
وعدم الاكتفاء الناشئ من قلّة الاطلاع وتتبع المطالب سببه الاحتياج إلى قليل من الحركة والتعب، وهذا ما يفر منه طلاّب الراحة، تمَّ.
الباب السّابع
في ذكر حكايات وقصص الذين
وصلوا إلى خدمة إمام الزمان عليه السلام
في الغيبة الكبرى
الباب السّابع
في ذكر حكايات وقصص الذين وصلوا إلى خدمة امام الزمان عليه السلام سواءاً عرفوه حين تشرّفهم بلقائه عليه السلام أو عرفوه بعد ذلك بالقرائن القطعية بأنّه كان هو عليه السلام، والذين وقفوا على معجزة له عليه السلام في اليقظة أو في المنام، أو بأثر من الآثار الدالة على وجوده المقدّس عليه السلام.
وكل تلك الحكايات تشترك باثبات هذا المطلب، وهو المقصود الأصلي لهذا الباب، حتى تلك التي رؤيت في المنام.
وفي البداية قد يُرى ان المعجزة في النوم لا تدل على البقاء والحياة الحالية كباقي المعاجز التي ظهرت لسائر الائمة عليهم السلام بعد وفاتهم، ولكن هنا ان ظهور المعجزة منه عليه السلام لا ينفكّ عن دلالة المعجزة على بقاء وجوده المقدّس، لأنه لا يوجد بين المسلمين من يقول بأن للامام العسكري عليه السلام ولداً له مقام الامامة والكرامة ثم توفي ; فانك علمت ان المنكرين وخصماء الاماميّة امّا أن ينكروا اصل وجود ولد للامام العسكري عليه السلام، ويقولوا بانّه مات في حال طفولته، الّا ذلك الشخص السمناني الذي قال بانه عليه السلام كان تسعة عشر سنة قطباً ثم توفي.
ونحن اثبتنا ـ ولله الحمد ـ كذبه، بل احتمال الاشتباه في أصل الاسم، وان هذا
وبالجملة فهذا القول شاذ وضعيف ولا يستحق الذكر بين أقوال المسلمين، وكل من يقول من المسلمين بأصل وجوده عليه السلام وان له مقام الكرامة والمعجزة فانه يقول ببقائه عليه السلام.
ولو انه لم يكن لدينا التصميم في هذا الكتاب على استقصاء جميع أحواله عليه السلام ولذلك نعتني بذكر جميع المعجزات ومن تشرّف بشرف لقائه عليه السلام في الغيبة الصغرى ; ولكننا نشير بالاجمال إلى ذكر اسمائهم هنا ثم نعرج إلى المقصود الأصلي.
ونبتدئ أولا بذكر خبر نقله الصدوق في كمال الدين في تسجيل اسماء اولئك، وبعد ذلك نلحقه بما وصل إليه النظر من الزيادة عليه.
روى الشيخ المذكور في كتابه المتقدّم عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي انّه ذكر عدد من انتهى إليه ممّن وقف على معجزات صاحب الزمان عليه السلام ورآه من الوكلاء ببغداد: العمري وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطّار. ومن الكوفة: العاصمي. ومن أهل الأهواز: محمد بن ابراهيم بن مهزيار. ومن أهل قم: احمد بن اسحاق. ومن أهل همدان: محمد بن صالح. ومن أهل الرّي: البسّامي، والأسدي ـ يعني نفسه ـ(1)ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء. ومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان النعيمي.
ومن غير الوكلاء من أهل بغداد: أبو القاسم بن حابس(2)، وأبو عبد الله الكندي، وأبو عبد الله الجنيدي(3)، وهارون القزّاز، والنيلي(4)، وأبو القاسم بن وبيس(5)، وأبو عبد الله بن فرّوخ، ومسرور الطبّاخ مولى أبي الحسن عليه السلام،
____________
1- قال المؤلف رحمه الله: " يعني نفسه الراوي محمد بن أبي عبد الله الكوفي ".
2- وفي نسخة (حليس) وفي بعضها (أبي عابس) وفي بعضها (دبيس).
3- وفي نسخة ذكرها المؤلف رحمه الله (بن جنيد).
4- وفي نسخة ذكرها المؤلف رحمه الله (النبيل).
5- وفي نسخة ذكرها المؤلف (رئيس) ـ وفي المصدر المطبوع (دبيس)، وفي بعض النسخ (بن دميس) وفي بعضها (رميس)، وفي بعضها الآخر (دبيش).
____________
1- وفي المصدر المطبوع (نيبخت).
2- وفي المصدر المطبوع (وصاحب النواء).
3- في الترجمة (ومن أهل همدان).
4- وفي المصدر المطبوع (وابن اخيّة) بالتصغير.
5- وفي المصدر المطبوع (باذشالة) بالذال المعجمة.
6- وفي نسخة ذكرها المؤلف رحمه الله (وأبوه).
7- في الترجمة (ومن أهل قزوين).
8- وفي المصدر المطبوع (فاقتر)، وفي بعض النسخ (قائن).
9- وفي المصدر المطبوع (المحروج) ولعلّه خطأ مطبعي، وفي بعض النسخ (المحووج).
10- وفي بعض النسخ (صاحبا المولودين).
11- وفي الترجمة (بمنى) بدل (بمكة).
12- وفي الترجمة (ومن أهل الأهواز).
13- هكذا في المصدر المطبوع، وفي الترجمة (الحضيني) وفي نسخة (حصين). وفي نسخة (الخصيبي) وفي بعضها (الحضيني).
والمراد بالعمري طبق المتعارف هو أبو عمر عثمان بن سعيد العمري الاسدي العسكري السمّان ـ يعني كان يتاجر بالدّهن ـ وكان وكيل الامام العسكري والنائب الأول للحجة عليهما السلام.
وابنه: هو أبو جعفر محمد بن عثمان العمري.
ويظهر من رجال الكشي ورجال الشيخ الطوسي ان المراد بالعمري الوكيل هو حفص بن عمرو المعروف بالجمال، وابنه محمد(1).
واحتمال ان هذين الشخصين غير اولئك بعيد. واحتمال الخطأ من النساخ في هذين الكتابين بعيد ايضاً.
وتحقيق الحال في علم الرجال.
والظاهر ان عدم ذكره لهذين البابين المعظمين الآخرين(2) وذلك لعدم ادراكه
____________
1- أقول: روى الكشي في رجاله، ص 531 ـ عن احمد بن علي بن كلثوم السرخسي وكان من القوم وكان مأموناً على الحديث، حدّثني اسحاق بن محمد البصري، قال: حدّثني محمد بن ابراهيم بن مهزيار، قال: ان ابي لما حضرته الوفاة دفع اليّ مالا، واعطاني علامة، ولم يعلم بتلك العلامة احد الّا الله عزوجل، وقال: من أتاك بهذه العلامة فادفع إليه المال.
قال: فخرجت إلى بغداد ونزلت في خان، فلمّا كان اليوم الثاني إذ جاء شيخ ودقّ الباب، فقلت للغلام: انظر من هذا. فقال: شيخ بالباب. فقلت: ادخل. فدخل وجلس، فقال: انا العمري، هات المال الذي عندك وهو كذا وكذا ومعه العلامة، قال: فدفعت إليه المال.
وحفص بن عمرو كان وكيل ابي محمد عليه السلام، وأما أبو جعفر محمد بن حفص بن عمرو فهو ابن العمري وكان وكيل الناحية وكان الأمر يدور عليه. انتهى.
وقال الشيخ الطوسي في رجاله: " حفص بن عمرو العمري المعروف ويدعي حفص بالجمال وله قصة في ذلك " انتهى.
ولعل المؤلف رحمه الله فهم من قوله " وله قصة في ذلك " إلى القصة المتقدّمة التي ذكرها الشيخ الكشي رحمه الله.
2- يعني بهما عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد بن عثمان بن سعيد العمري رضي الله تعالى عنهما.
وبالجملة: فغير اولئك المذكورين في الخبر الشريف: الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي التميمي، وأبو الحسن علي بن محمد السمري، وحكيمة بنت ابي جعفر الامام محمد التقي عليه السلام، ونسيم خادم أبي محمد عليه السلام، وأبو نصر طريف خادمه عليه السلام، وكامل بن ابراهيم المدني، وبدر الخادم، والعجوز القابلة مربية احمد بن بلال بن داود (داور. خ) الكاتب العامي، ومارية خادمته عليه السلام، وجارية أبي علي الخيزراني، وأبو غانم خادمه عليه السلام، وجماعة من الأصحاب، وأبو هارون، ومعاوية بن حكيم، ومحمد بن أيوب بن نوح، وعمر الأهوازي، ورجل فارسي، ومحمد بن اسماعيل بن موسى بن جعفر عليهما السلام، وأبو علي بن المطهر، وابراهيم بن عبده النيسابوري، وخادمته، وصاحب المازندراني مع نفرين، وأبو عبد الله بن صالح، وأبو علي احمد بن ابراهيم بن ادريس، وجعفر بن علي الهادي عليه السلام، ورجل من الجلاوزة، وأبو الحسين محمد بن محمد بن خلف، ويعقوب بن منفوس، وأبو سعيد غانم الهندي، ومحمد بن شاذان الكابلي، وعبد الله السوري، والحاج الهمداني، وسعد بن عبد الله القمي الأشعري، وابراهيم بن محمد بن فارس النيسابوري، وعلي بن ابراهيم بن مهزيار (كما نقل ذلك الشيخ الصدوق، ولكن يظن الحقير انه وقع اشتباه في الاسم فحكاية علي تنسب تارة إليه واُخرى إلى ابراهيم، وتنقل بواقعتين والظاهر انهما واقعة واحدة والله العالم). وأبو نعيم الأنباري الأنصاري الزيدي الهرندي، وأبو علي محمد بن احمد المحمودي، وعلان الكليني، وأبو الهشيم الديناري، وسليمان بن أبي نعيم، وأبو جعفر الأحول الهمداني، ومحمد بن ابي القاسم العلوي العقيقي مع جماعة يقدرون بثلاثين نفر في المسجد الحرام، وجد أبي الحسن بن وجناء، وأبو الأديان خادم الامام العسكري عليه السلام، وأبو الحسن محمد بن جعفر الحميري وجماعة من أهل قم، وابراهيم بن محمد بن احمد الأنصاري، ومحمد بن عبد الله القمي، ويوسف بن احمد الجعفري، واحمد بن عبد الله الهاشمي العباسي، وابراهيم
وروى في (تاريخ قم) عن محمد بن علي ماجيلويه بسند صحيح عن محمد بن عثمان العمري انه قال: عرض علينا أبو محمد الحسن العسكري يوماً من الأيام ابنه (محم د) المهدي عليه السلام ونحن في منزله، وكنّا أربعين رجلا فقال: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوا ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا، أما انكم لا ترون (محم د) المهدي عليه السلام بعد يومكم هذا.
قال محمد بن عثمان: فخرجنا من عند الامام أبي محمد الحسن العسكري، فما مضت الّا أيام قلائل حتى مضى الامام من دار الدنيا إلى دار البقاء، واختفى من هذا العالم، وظهر في ذلك العالم(1).
____________
1- راجع تاريخ قم (حسن بن محمد بن حسن القمي) سنة 378 هـ ـ وأصل الكتاب بالعربيّة ولكنه مفقود، والموجود منه الترجمة بالفارسية ترجمه حسن بن علي بن حسن بن عبد الملك القمي في سنة 805 أو 806 هـ. ق، ص 205.
وحاولنا ان نعرب النص بارجاعه إلى الأصل، ولا يخفى ان الرواية ذكرها الصدوق عليه الرحمة في (كمال الدين)، ص 435 قال: " حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال: حدّثنا محمد بن يحيى العطار، قال: حدّثني جعفر بن محمد بن مالك الفزاري قال: حدّثني معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري رضي الله عنه قالوا: عرض علينا ابو محمد الحسن بن علي عليهما السلام ونحن في منزله وكنّا أربعين رجلا، فقال: هذا امامكم من بعدي وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي في اديانكم فتهلكوا (أقول وفي البحار: ج52، ص 26: ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في اديانكم) اما انكم لا ترونه بعد يومكم هذا. قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت الّا أيّام قلائل حتى مضى أبو محمد عليه السلام ".
أقول: الظاهر الرواية واحدة والاختلاف الموجود بين ما في تاريخ قم وما في كمال الدين لعله ناشئ من الترجمة من العربيّة إلى الفارسيّة والله أعلم.
وبالتأمل الصادق فيها فلا تبقى حاجة إلى مراجعة المعاجز السابقة والكتب القديمة ; ولكن لوصول تلك الحكايات والمعاجز المذكورة في هذا المقام إلى حدّ القطع واليقين، ولأجل عدم ابقاء ما يخطر ويوسوس في القلب ليصير وجوده المبارك بين الخلق وجدانياً(1)، فهو يحتاج في الجملة(2) إلى الفحص عن أحوال أرباب الكتب التي أخذنا منها جملة من القصص.
____________
1- الوجداني وهو البديهي والضروري، ويحصل عندما يكون العلم بالشيء بحدّ لا يحتاج إلى برهان ودليل، ومقابله غير الوجداني وهو النظري الذي يحتاج للتصديق به إلى برهان ودليل.
2- يعني بشكل عام بلحاظ: وان خلت بعض افراده عن تلك الحاجة.
وأما (بالجملة) فتعطي معنى (بشكل عام) أي ولكن بشرط عدم لحاظ اللحاظ السابق.
وبما انّ اُولئك الأشخاص الذين حصلوا على تلك اللقاءات كانوا احياءاً فيستخبر ويستعلم عن حالهم ; فاذا كان ريب وشك في سويداء قلب أحد ـ والعياذ بالله ـ فذلك يكون بمجالسة الأشقياء والمغفلين بالدين والمذهب فيلزم اولئك أن يفحصوا ويفتشوا، وسوف يظهر لهم ويتّضح ـ بعون الله تعالى ـ بأقل حركة وجهد ; فانّ وجود تلك الذات المقدّسة مثل الشمس إذا ظللها السحاب ويعلم ويرى، فهو عالم وعارف بحاله وحال جميع رعاياه، ويغيث المضطرين عندما يرى المصلحة في ذلك، وينجي من المهالك والمزالق، وكلّما يريده فهو تحت يده المباركة، وقدرته الالهية ومعدة في خزينة امره.
وكل ما لم يوصل إليه فهو ناشئ من عدم استحقاقنا وابتعادنا واعراضنا عن مائدة النعم الالهية المنوعة التي وضعها لعباده كالكلاب الجائعة تركض في بيت عدوّها تستجدي لقمة خبز ; مع انّه رضي بالعوض عن تلك المائدة السماوية بكل خسيس ووضيع داخل في زمرة { فَذَرْهُمْ فِى غَمرَتهمْ يَعْمَهُون }.
ولا يخفى ان هذه الحكايات التي سوف تذكر على قسمين:
الأول: الذي في حكايته قرينة تسبقها أو تقارنها أو تلحقها تدل على ان صاحب تلك الحكاية هو امام العصر صاحب الزمان صلوات الله عليه الذي هو الهدف الأصلي من ذكر تلك الحكايات.
الثاني: الذي ليس في اصل الحكاية قرينة على هذا المطلب ولكنها متضمّنة ذلك
وكثيراً ما يتوهّم في ذلك، فقد يكون ذلك الشخص أحد الأبدال والأولياء وليس هو امام الزمان (عليه السلام)، وان صدور الكرامات وخوارق العادات ممكنة من غير الحجج، وقد نقلت على الدوام كل طائفة لعلمائها الصلحاء والأتقياء والزهاد.
فذكر ذلك في هذا الباب غير مناسب. ولكننا ; أولا: تبعنا أجلّة اصحابنا حيث نقلوا أمثال تلك القضايا في باب من تشرّف بلقائه عليه السلام في الغيبة الكبرى.
وثانياً: سوف نثبت في الباب الثامن ان شاء الله تعالى ان اجابة المضطرين واغاثة الملهوفين من مناصبه الالهية، فهو يغيث المظلوم المستغيث، ويعين الملهوف المضطر.
وثالثاً: على فرض انه لم يكن هو ذلك الشخص المغيث، فبالضرورة انه يكون احد خواصّه ومواليه المخصوصين به.
فاذا لم ير المضطر شخصه عليه السلام فهو قد رأى من رآه عليه السلام، وهذا كاف لاثبات المطلوب.
ورابعاً: على فرض التسليم انه لم يكن من اُولئك ايضاً فهو يدل على أحقيّة الامامية، فلابدّ أن يكون ذلك الشخص من المسلمين، وإذا لم يكن امامياً فهو يرى ان الامامية كفار ويجب قتلهم على الفور، وانهم لا تؤخذ منهم الجزية كما تؤخذ من أهل الكتاب ; فكيف ينجّي هذا الشخص من المهالك وبطريق خرق العادة.
وسوف تأتي تتمة الكلام في ذلك الباب الموعود ان شاء الله تعالى.
الحكاية الأولى:
نقل الشيخ الفاضل حسن بن محمد بن حسن القمي المعاصر للصدوق في (تاريخ قم) عن كتاب (مؤنس الحزين في معرفة الحق واليقين) من مصنّفات الشيخ أبي جعفر محمد بن بابويه القمي ما لفظه بالعربيّة:(1) باب ذكر بناء مسجد جمكران، بأمر الامام المهدي عليه صلوات الله الرحمن وعلى آبائه المغفرة، سبب بناء المسجد المقدّس في جمكران بأمر الامام عليه السلام على ما أخبر به الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني قال: كنت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة نائماً في بيتي فلمّا مضى نصف من الليل فاذا بجماعة من الناس على باب بيتي فأيقظوني، وقالوا: قم وأجب الامام المهدي صاحب الزمان فانّه يدعوك.
قال: فقمت وتعبّأت وتهيّأت، فقلت: دعوني حتّى ألبس قميصي، فاذا بنداء من جانب الباب: " هو ما كان قميصك " فتركته وأخذت سراويلي، فنودي: " ليس ذلك منك، فخذ سراويلك " فألقيته وأخذت سراويلي ولبسته، فقمت إلى مفتاح الباب أطلبه فنودي: " الباب مفتوح ".
فلمّا جئت إلى الباب، رأيت قوماً من الأكابر، فسلّمت عليهم، فردّوا ورحّبوا بي، وذهبوا بي إلى موضع هو المسجد الآن، فلمّا أمعنت النظر رأيت أريكة فرشت عليها فراش حسان، وعليها وسائد حسان، ورأيت فتى في زيّ ابن ثلاثين متكأً عليها، وبين يديه شيخ، وبيده كتاب يقرؤه عليه، وحوله أكثر من ستّين رجلا
____________
1- هذا التعريب للنص الفارسي من المؤلف (ره) في كتابه (جنّة المأوى) فرأينا الأنسب نقل تعريبه.