" واذكر له انّ أباك قد ذكر لك انّه أوصى بك اليك، وجعلك بإذن الله جلّ جلاله عبده، وانّني علّقتك عليه، فانّه يأتيك جوابه صلوات الله وسلامه عليه "(1).
وبالجملة فآخر هذين اليومين ـ وبمقتضى الأخبار المستفيضة ـ يوم عرض الأعمال.
وعلى رواية الشيخ الطوسي في الغيبة:
يعرض أولا على الحجة عليه السلام ثمّ على واحد واحد من الائمة ثمّ على رسول الله صلوات الله عليهم ثمّ يعرض على الله تعالى(2).
وهو(3) بحسب تقسيم ساعات اليوم مختص به عليه السلام.
وهو وقت تبدّل الملائكة فتعرج الملائكة الحفظة الموكّلون بالنهار، ويهبط الموكّلون بالليل.
فلابدّ أن يراقب وينتبه جدّاً في اصلاح الأعمال وتدارك ما فات ورفع ما يشغل ويمنع من التوجه والتضرّع والانابة، وأن يقوم من مجالس أهل الغفلة، وأن يتوسّل بإمام العصر عليه السلام بما أشرنا إليه سابقاً، وطلب الشفاعة منه عليه السلام لاصلاح
____________
1- راجع كشف المحجة (السيد ابن طاووس): ص 153.
2- راجع الغيبة (الطوسي): ص 387 ـ (صورة بعض توقيعات الحجة عجّل الله فرجه)، ح 351 ـ عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: " إذا أراد [ الله ] أمراً عرضه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ أمير المؤمنين عليه السلام [ وسائر الائمة ] واحداً بعد واحد إلى [ أن ]ينتهي إلى صاحب الزمان عليه السلام، ثمّ يخرج إلى الدنيا، وإذا أراد الملائكة أن يرفعوا إلى الله عزوجل عملا عرض على صاحب الزمان عليه السلام، ثم [ يخرج ] على واحد [ بعد ] واحد إلى أن يعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ يعرض على الله عزوجل، فما نزل من الله فعلى أيديهم، وما عرج إلى الله فعلى أيديهم، وما استغنوا عن الله عزوجل طرفة عين " وراجع المستدرك: ج 12، ص 164، ح 10، الطبعة الحديثة.
3- أي آخر يومي الاثنين والخميس.
واسعَ أن تعمل عملا خالصاً في ليلة ونهار الاثنين والخميس فلعلّ ببركة ذلك أن يعفى عن المفاسد الباقية.
وخصّ هذين اليومين ببعض الأعمال، كما جاء في الأخبار، مثل استحباب قراءة ألف مرّة سورة (انّا أنزلناه) في احداهما. وقراءة سورة (هل أتى) في صلاة الصبح باليومين، والسورتان مختصّتان الآن بامام العصر عليه السلام.. وكنس المسجد فيهما، وقراءة الاستغفار المأثور في آخر يوم الخميس، وغير ذلك من الأعمال المذكورة في محلّها.
السابع: " ليلة ويوم النصف من شعبان "
وكان فيها مولده السعيد عليه السلام، وقد أعطى الله عزوجل فيها هذه النعمة العظيمة لعباده ويكفي في مقام بيان تعظيم واحترام هذا الوقت الشريف ما قاله لسان أهل البيت عليهم السلام العالم الرّباني السيّد علي بن طاووس رحمه الله في الاقبال:
" انّ مولانا المهدي عليه السلام(1) ممّن أطبق أهل الصدق ممّن يعتمد على قوله بأنّ النبي جدّه صلى الله عليه وآله وسلّم بشّر الأمة بولادته، وعظيم انتفاع الاسلام برئاسته ودولته، وذكر شرح كمالها، وما يبلغ إليه حال جلالهما إلى ما لم يظفر(2) نبي سابق، ولا وصي لاحق، ولا بلغ إليه مُلك سليمان عليه السلام لما قال: { هَبْ لِى مُلْكاً لاَ يَنْبَغِى لاَِحَد مِنْ بَعْدِى اِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب }.
____________
1- في الترجمة (اعلم انّ مولانا المهدي صلوات الله عليه... الخ).
2- هكذا في المصدر، ولعلّ هنا (به) ساقطة.
وقد ذكره أبو نعيم الحافظ وغيره من رجال المحافظ وغيره من رجال المخالفين وذكر ابن المنادي في كتاب الملاحم، وهو عندهم ثقة أمين، وذكره أبو العليّ الهمداني وله المقام المكين، وذكرت شيعته من آيات ظهوره وانتظام أموره عن سيّد المُرسلين صلى الله عليه وآله ما لم يبلغ إليه أحداً من العالمين، وذلك من جملة آيات خاتم النبيّين وتصديق ما خصّه الله جلّ جلاله إليه انّه من فضله في قوله جلّ جلاله: { ليُظْهِرُه عَلَى الدِّينِ كُلّه } فينبغي أن يكون تعظيم هذه الليلة لأجل ولادته عند المُسلمين والمُعترفين بحقوق اقامته على قدر ما ذكره جدّه محمّد صلى الله عليه وآله وبشّر به المسعودين من أمّته، كما لو كان المسلمون قد أظلمت عليهم أيّام حياتهم وأشرقت عليهم جيوش أهل عداواتهم وأحاطت بهم نحوس خطيئاتهم فان شاء الله تعالى مولوداً يعتق رقابهم من رقّها ويمكّن كلّ يد مغلولة من حقّها ويُعطي كلّ نفس ما تستحقّه من سبقها ويبسُط للخلائق في المشارق والمغارب بساطاً متساوي الأطراف مكمّل الألطاف مُحْمَد الأوصاف، ويجلس الجميع عليه اجلاس الوالد الشّفيق لأولاده
ثمّ قال: " فيما نذكره من الدّعاء والقسم على الله جلّ جلاله بهذا المولود العظيم المكان ليلة النّصف من شعبان وهو: اللهمّ بحقّ ليليتنا هذه ومولودها وحجّتك وموعودها التي قرنت إلى فضلها فضلا فتمّت كلمتُك صدقاً وعدلا لا مبدّل لكلماتك ولا معقّب لآياتك نورك المتالق وضيآؤك المشرق والعلم النّور في طخياء الدّيجور الغائب المستور جلّ مولده وكرم محتده والملائكة شُهَّده والله ناصره ومؤيّده إذا آن ميعاده والملائكة أمداده سيف الله الذي لا ينبو ونوره الذي لا يخبو وذو الحلم الذي لا يصبوا مدار الدّهر ونواميس العصر وولاة الأمر والمنزّل عليهم الذّكر وما ينزل في ليلة القدر وأصحاب الحشر والنشر تراجمة وحيِهِ وولاة أمره ونهيه، اللهمّ فصلّ على خاتمهم وقآئمهم المستور عن عواملهم وأدرك بنا أيّامه وظهوره وقيامه، واجعلنا من
الثامن: " يوم النوروز "
وهو يوم انتصار وظفر امام العصر عليه السلام بالدجال كما قال جمال السالكين احمد بن فهد الحلّي في (المهذب البارع):
" حدّثني به المولى السيد المرتضى العلامة بهاء الدين علي بن عبد الحميد النسّابة دامت فضائله، ما رواه باسناده إلى المعلّى بن خنيس عن الصادق عليه السلام:
انّ يوم النوروز، هو اليوم الذي أخذ فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لأمير المؤمنين عليه السلام العهد بغدير خم، فأقرّوا له بالولاية فطوبى لمن ثبت عليها، والويل لمن نكثها، وهو اليوم الذي وجّه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام إلى وادي الجنّ، فأخذ عليهم العهود والمواثيق.
وهو اليوم الذي ظفر فيه بأهل النهروان، وقتل ذا الثدية.
وهو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت، وولاة الأمر، ويظفره الله تعالى بالدجّال فيصلبه على كناسة الكوفة، وما من يوم نوروز الّا ونحن نتوقّع فيه الفرج لأنّه من أيّامنا حفظه الفُرس وضيعتموه... إلى آخره "(2).
ونقل العلامة المجلسي في البحار هذا الخبر مفصلا عن السيّد فضل الله
____________
1- راجع اقبال الأعمال (السيد ابن طاووس): ص 703 ـ 706، الطبعة الحجرية.
2- راجع المهذب البارع (جمال السالكين احمد بن فهد الحلّي): ج 1، ص 194 - 195 ـ وراجع بحار الأنوار: ج 59، ص 119 - 120.
ولكن لا يخفى انّ كون يوم خروج امام الزمان (عليه السلام) في يوم الجمعة والنوروز وعاشوراء فانّه لا يتفّق في اكثر السنين فلا يمكن أن ينتظر فيها الفرج، ولا يكون فرج بغير ظهور وخروج الامام الحجّة بن الحسن بن علي المهدي صلوات الله عليهم.
وقد انقضى من عمره الشريف إلى الآن ألف وأربعون وعدّة سنين، ولا تبديل ولا تغيير فيه ما بقي شيء مما جاء عن أهل بيت العصمة عليهم السلام من الآيات والعلامات التي تكون قبل ظهوره ومع ظهوره ; وهي جميعها قابلة للتغيير والتبديل والتقديم والتأخير والتأويل بشيء آخر، حتّى تلك التي عدّت في الحتميّات، فانّ المقصود من المحتوم في تلك الأخبار ـ على الظاهر ـ ليس انّها غير قابل للتغيير أبداً، بل الظاهر منه ما قالوه عليهم السلام بما يأتي ـ والله العالم ـ بأنّه مرتبة من التأكيد بما لا تنافي التغير في مرحلة من مراحل وجودها. ويؤيّد ذلك ما رواه الشيخ النعماني في غيبته عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال:
" كنّا عند أبي جعفر محمّد بن علي الرّضا عليهما السلام، فجرى ذكر السفياني، وما جاء في الرواية من انّ أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر عليه السلام: هل يبدو لله في المحتوم؟
قال: نعم.
قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم؟
فقال: انّ القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد "(2).
____________
1- راجع بحار الأنوار: ج 59، ص 91 ـ وما بعدها.
2- راجع الغيبة (النعماني): ص 302 - 303، باب 18، ح 10 ـ وعنه في البحار: ج 52، باب 25، ح 138، ص 250 ـ وعنه اثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 3، ص 544.
تنبيه نبيه
يلزم أرباب البصيرة ـ كما هو معلوم ـ التوجّه والاستغاثة به والعمل بتقاليد العبوديّة له عليه السلام في تلك الأوقات المذكورة المختصّة بالامام الحجّة عليه السلام اكثر من باقي الأوقات وهكذا بعض الأمكنة ـ بملاحظة بعض أخبار العامّة والخاصّة ـ التي يحتمل قريباً انّه عليه السلام يكون فيها في بعض الأوقات، فينبغي الحضور في ذلك المكان وإن لم يره عليه السلام أو لم يعرفه عليه السلام ; فإن وجوده عليه السلام في مكان يكون سبباً لنزول الرحمة والبركة والألطاف الالهيّة الخاصّة، ولعلّ ببركة مجاورته عليه السلام والكون معه عليه السلام أن يكون بذلك مشمولا بمعدن خيره وبركته ولطفه العام ورحمته، وإن لم يكن مستحقاً لها.
كما انّ وجوده مع من غضب الله تعالى عليه ولعلّه يخاف من شمول اللعنة له والإبعاد من الرحمة الالهيّة إذا نزلت بذلك الشّخص الملعون.
قال الشيخ الصدوق في كمال الدين:
" وروي في الأخبار الصحيحة عن أئمتنا عليهم السلام: انّ مَن رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) أو واحداً من الائمة (صلوات الله عليهم) قد دخل مدينة، أو قرية في منامه، فانّه أمن لأهل تلك المدينة، أو القرية ممّا يخافون ويحذرون، وبلوغ لما يأملون ويرجون "(2).
____________
1- أي من الأيّام التي جاءت في الروايات انّها يظهر فيها كيوم النوروز والجمعة وعاشوراء.
2- راجع كمال الدين (الصدوق): ج 1، ص 210.
" مرّ بي أبو جعفر عليه السلام، أو أبو عبد الله عليه السلام وأنا جالس عند قاض بالمدينة، فدخلت عليه من الغد، فقال لي: ما مجلس رأيتك فيه أمس؟
قال: قلت: جعلت فداك انّ هذا القاضي لي مكرم، فربّما جلست إليه.
فقال لي: وما يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعمّ مَنْ في المجلس "(1).
والشواهد على هـذين المطلبين كثيرة في الأخبار، والغاية من هذا التنبيه لاغتنام معرفة حضوره عليه السلام في تلك الأمكنة التي منها عرفات في موسم الحج، وباقي البقاع المقدّسة في الأوقات الشريفة التي رغّب وأكّد على الحضور فيها هناك بالشرع كأوقات ومكان التشييع والصلاة على جنازة المؤمن، كما روى جماعة من العلماء مثل ابن شهر آشوب والقطب الراوندي، ومحمّد بن علي الطوسي في ثاقب المناقب في حديث مفصّل واجماله برواية الأخير هو:
" اجتمعت العصابة بنيسابور في أيام أبي عبد الله عليه السلام... فاختاروا رجلا يعرف بأبي جعفر محمّد بن ابراهيم النيسابوري ودفعوا إليه... وكانت الدنانير ثلاثين ألف دينار، والدراهم خمسين ألف درهم، والثياب ألفي شقّة وأثواب مقاربات ومرتفعات.
وجاءت عجوز من عجائز الشيعة الفاضلات اسمها شطيطة ومعها درهم صحيح وشقّة من غزلها خام تساوي أربعة دراهم، وقالت: انّ الله لا يستحيي من الحق، ما يستحقّ عليّ في مالي غير هذا، فادفعه إلى مولاي.
فقال: يا امرأة، استحيي من أبي عبد الله عليه السلام أن أحمل إليه درهماً، وشقّة
____________
1- راجع الكافي ـ الفروع ـ (الكليني): ج 7، ص 410، باب كراهية الجلوس إلى قضاة الجور، ح 1 ـ التهذيب (الطوسي): ج 6، ص 220، كتاب القضايا والأحكام، باب مَنْ إليه الحكم وأقسام القضاة والمفتين، ح 12 ـ الوسائل (الحرّ العاملي): ج 18، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، باب 1، ح 10.
فقالت: ألا تفعل، انّ الله لا يستحيي من الحق، هذا الذي يستحق، فاحمل يا فلان، فلئن ألقى الله عزوجل وما له قبلي حقّ قلّ أم كثر، أحبّ إليّ من أن ألقاه وفي رقبتي لجعفر بن محمّد حق.
وسار ذلك الرجل بالأموال وكانت معه دواة فيها الرسائل التي أرسلوها وقد ختم عليها وفيها المسائل وقالوا: تحمل هذا الجزء معك، وتمضي إلى الامام فتدفع الجزء إليه، وتبيته عنده ليلة، وعد عليه وخذه منه، فإن وجدت الخاتم بحاله لم يكسر ولم يتشعّب فاكسر منها ختمة وانظر الجواب، فإن أجاب ولم يكسر الخواتيم فهو الامام، فادفعه إليه، والّا فردّ أموالنا علينا.
فلمّا جاء الكوفة وصل خبر وفاة الامام عليه السلام، فذهب إلى المدينة وسأل عن وصيّه عليه السلام فدلّوه على عبد الله الأفطح، فقصده، وامتحنه، ولم ير عليه آثار الامامة، فجاء إلى ضريح النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وبكى وشكى لحيرته: إلى من أمضي الى اليهود، إلى النصارى، إلى المجوس، أم إلى فقهاء النواصب؟ فحرّكه(1)الامام الكاظم عليه السلام وقال له:
لا إلى اليهود، ولا إلى النصارى.. ولا إلى أعدائنا فأنا حجّة الله ووليّه، قد اجبتك عمّا في الجزو وبجميع ما تحتاج إليه منذ أمس.
فجاء بدرهم شطيطة الذي في كيس أربعمائة درهم اللؤلؤي، وشقتها التي في رزمة الأخوين البلخيين، إلى الامام عليه السلام وطلب الصرّة التي فيها قطعة القماش وفتحها وأخرج منها شقة قطن مقصورة طولها خمسة عشر ذراعاً(2) وقال: " أقرأ عليها السلام كثيراً، وقل لها: قد جعلت شقتك في أكفاني، وبعثت لك بهذه من
____________
1- في النص انّ الذي حرّكه هو عبد أسود أرسله إليه الامام الكاظم عليه السلام.
2- في المصدر (طولها خمسة وعشرون ذراعاً).
وطلب كيس نفقة مؤمنتهم فطرح ذلك الدرهم فيه، وأخرج منه أربعين درهماً وقال: اقرأها منّي السلام، وقل لها: ستعيشين تسع عشرة ليلة من دخول أبي جعفر، ووصول هذا الكفن، وهذه الدراهم، فانفقي منها ستة عشر درهماً، واجعلي اربعة وعشرين صدقة عنك، وما يلزم عليك، وأنا أتولّى الصلاة عليك، وقال لذلك الرجل: فاذا رأيتني فاكتم.
إلى أن رجع ذلك الرجل وأعطى شطيطة تلك الشقة والدراهم فكادت تنشق مرارتها من الفرح، ولم يدخل إلى المدينة من الشيعة الّا حاسد أو متأسّف على منزلتها، وأقامت شطيطة تسعة عشر يوماً، وماتت رحمها الله، فتزاحمت الشيعة على الصلاة عليها.
قال ذلك الرجل: فرأيت الامام الكاظم عليه السلام على نجيب، فنزل عنه، وأخذ بخطامه، ووقف يصلّي عليها مع القوم، وحضر نزولها إلى قبرها، وطرح في قبرها من تراب قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فلمّا فرغ من أمرها ركب البعير، وألوى برأسه نحو البريّة، وقال:
عرّف أصحابك، واقرأهم عنّي السلام، وقل لهم: انّني ومن جرى مجراي من أهل البيت(2) لابدّ لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم، فاتّقوا الله في أنفسكم واحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم، وفك رقابكم من النار "(3).
____________
1- في المصدر (حكيمة) وفي الآخر (حليمة).
2- قال المؤلف رحمه الله: " يعني كلّ امام من الائمة ".
3- راجع: الثاقب في المناقب (محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة): ص 439 - 446 ـ مناقب آل أبي طالب (ابن شهر آشوب): ج 4، ص 291، باب امامة أبي ابراهيم موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، فصل في انبائه عليه السلام بالمغيّبات ـ الخرائج والجرائح (القطب الراوندي): ج 1، ص 328 - 331، الباب الثامن معجزات الامام موسى بن جعفر عليهما السلام: ح 22 ـ مدينة المعاجز (السيّد هاشم البحراني): ص 460، ح 99 ـ وص 460، ص 106، الطبعة الحجرية ـ اثبات الهداة (الحرّ العاملي): ج 5، ص 575، ح 144، الطبعة المترجمة ـ البحار: ج 47، ص 251، ح 23، ج 48، ص 73، ح 100 ـ وغيرها.
وقد كنّا ارتأينا نقل النصّ أنسب ولكنّنا احتفظنا برأي المؤلّف رحمه الله بالاجمال احتراماً لرأيه الشريف، وخوف الإطالة.
الباب الثاني عشر
في ذكر الأعمال والآداب التي
يمكن أن يحصل على شرف اللقاء
بالامام الحجة صلوات الله عليه
الباب الثاني عشر
في ذكر الأعمال والآداب التي قد يتمكّن الانسان ببركتها على أن يصل لشرف اللقاء بالامام الحجة صلوات الله عليه، سواءاً عرفه أم لم يعرفه، في المنام أو في اليقظة، والاستفادة والاستفاضة من فيضه عليه السلام، وإن لم يكن الّا زيادة نور اليقين والمعرفة الوجدانيّة بوجوده المقدّس فهو ايضاً من أهمّ الغايات.
وقد عرف من خلال الكلمات السابقة في الباب الثامن انّ نيل هذا المقصود، وبلوغ هذا المرام ممكن في الغيبة الكبرى، وميسّر، بل انكشف انّه من الممكن بالعلم والتقوى التامّة والمعرفة والتضرّع والانابة وتهذيب النفس من كلّ غلّ وغشّ وريبة وشك وشبهة والصفات القبيحة أن يكون محلاّ لتلقي الأسرار والدخول في سلك خاصّته وخواصه.
وذكرت شواهد من كلمات العلماء الأعلام.
والمقصود هنا بيان معرفة طريق ذلك.
فبالاضافة إلى أداء جميع الفرائض والسنن والآداب، وترك جميع المحرّمات والمكروهات والمبغوضات بما طلب منه، فان جميع مقدّمات ذلك مستورة ومخفيّة
ولا يخفى من التأمّل في القصص والحكايات المتقدّمة يظهر ان المداومة على عمل حسن وعبادة مشروعة والجهد بالانابة والتضرّع في مدّة أربعين يوماً يكون من الأسباب المقرّبة لهذا المقصد ومن وسائله الكبيرة. كما يظهر ايضاً انّ الذهاب أربعين ليلة أربعاء إلى مسجد السهلة، أو الذهاب أربعين ليلة جمعة إلى الكوفة والاشتغال بالعبادة هناك انّها من الأعمال المتداولة المعروفة التي ادّعى تجربتها كثير من العلماء والصّلحاء، وكذلك زيارة سيّد الشهداء في أربعين ليلة جمعة، وأمثال ذلك.
والظاهر انّ بذكر الأعمال والآداب يمكن أن يصل ببركتها إلى سعد لقاء الامام الحجة، ولا يوجد مستند مخصوص في أيديهم على ذلك العدد المذكور ولا لذلك العمل الّا ما يظهر من مطاوي الكتاب والسنّة انّ المداومة على الدعاء أربعين يوماً يؤثّر في الاجابة والقبول، بل المداومة على الطعام والشراب الحلال أو الحرام في تلك الأيام المذكورة يسبب تغيير الحال والانتقال من صفة إلى صفة اُخرى سواء كان من الحسن إلى السيّىء، أو من السيّيء إلى الحسن.
وهكذا سائر ما يمارسه الانسان من لباس ومسكن، وكذلك العشرة.
ونحن لأجل تأييد وتقوية هذا المطلب المذكور نتبرّك بذكر عدّة أخبار.
روى الشيخ العياشي عن الفضل بن أبي القرة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أومى الله إلى ابراهيم انّه سيولد لك، فقال لسارة، فقالت: ءألد وأنا عجوز؟! فأوحى الله إليه: انّها ستلد ويعذب أولادها أربع مائة سنة بردّها الكلام عليّ، قال: فلمّا طال على بني اسرائيل العذاب ضجّوا وبكوا إلى الله أربعين صباحاً فأوحى الله
ونقل الشيخ ابراهيم الكفعمي في كتاب مجموع الغرائب عن كتاب الجواهر: انّ عيسى عليه السلام أوصى الحواريين بالجوع، وقال لهم: كونوا كالحيّة، فلمّا رفع عيسى عليه السلام، قالوا: لا نبرح حتّى نعلم تأويل كلامه عليه السلام، فقال أحدهم: كونوا كالحيّة اذا تطوّقت والتفّت جعلت رأسها في جسدها ; لأنّها تعلم انّ ما أصابها من الألم في جسدها لا يضرّها إذا سلم رأسها فيقول لكم روح الله: احفظوا الدين، فانّه رأس مال الدنيا والآخرة، ومهما أصابكم من الفقر والضرّاء لم يضرّكم مع سلامة دينكم.
وقال آخر: انّ روح الله قال لكم: كونوا كالحيّة ; لأنّ الحيّة لا تأكل الّا التراب، حتّى لا يخرج السمّ من جوفها، فكذلك لا تنتفعون بما تسمعون من الحكمة لطلب الآخرة ما دام حبّ الدنيا في قلوبكم.
وقال آخر: قال لكم روح الله: كونوا كالحيّة ; لأنّ الحيّة إذا حسّت من نفسها الوهن جوّعت نفسها أربعين يوماً، ثمّ دخلت حجراً ضيّقاً ورجعت شابّة أربعين سنة، فيقول لكم روح الله: جوّعوا أنفسكم في الدّنيا اليسيرة لبقاء المدّة الطويلة، كما جوّعت الحيّة نفسها أربعين يوماً لبقاء أربعين سنة، فأجمعوا على قوله انّه(2) أراد هذا(3).
وروي في الكافي عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت: انّا لنرى الرجل له عبادة واجتهاد وخشوع ولا يقول بالحقّ فهل ينفعه ذلك شيئاً؟ فقال:
____________
1- تفسير العياشي: ج 2، ص 154 ـ البحار: ج 52، ص 131، ح 34.
2- ذكر المؤلف رحمه الله بدل انّه (ان روح الله).
3- راجع مجموع الغرائب (الشيخ الكفعمي): ص 228 ـ 229.
وروي في الكافي عن الامام الصادق عليه السلام انّه قال:
" ما أخلص عبد الايمان بالله عزّ وجلّ أربعين يوماً ـ أو قال: ما أجمل عبد ذكر الله عزّوجل أربعين يوماً ـ الّا زهده الله عزّوجل في الدّنيا، وبصّره داءَها، ودواءها، فأثبت الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه... "(2).
وروى القطب الراوندي في لبّ اللباب:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: من أخلص العبادة لله أربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه(3).
____________
1- الكافي ـ الأصول ـ (الكليني): ج 2، ص 400 ـ تأويل الآيات الظاهرة (السيد شرف الدين النجفي: ج 1، ص 87 ـ الأمالي (الشيخ المفيد): ص 302 ـ عدّة الداعي (الشيخ ابن فهد الحلّي): ص 57 ـ البحار: ج 27، ص 192، حديث 48 ـ جامع أحاديث الشيعة: ج 1، ص 443 ـ الجواهر السنية (الحرّ العاملي): ص 111.
2- راجع الكافي ـ الأصول ـ (الكليني): ج 2، ص 16، كتاب الايمان والكفر، باب الاخلاص، ح 6 ـ والرواية عن الامام الباقر عليه السلام وليست عن الامام الصادق عليه السلام.
3- راجع جنّة المأوى: ص 326.
وروي انّ داود عليه السلام بكى على تركه الأولى أربعين يوماً.
ونقل في البحار عن كتاب العدد القويّة لعلي ابن يوسف أخ العلامة الحلّي رحمه الله: " بينا النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم جالس بالأبطح ومعه عمّار بن ياسر، والمنذر بن الضحضاح، وأبو بكر، وعمر، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وحمزة بن عبد المطلب، إذ هبط عليه جبرئيل عليه السلام في صورته العظمى، قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب.
فناداه: يا محمّد العلي الأعلى يقرأ عليك السّلام، وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحاً، فشقّ ذلك على النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وكان لها محبّاً وبها وامقاً.
قال: فأقام النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم أربعين يوماً، يصوم النّهار ويقوم الليل، حتى إذا كان في آخر أيّامه تلك، بعث إلى خديجة بعمّار بن ياسر، وقال قل لها: يا خديجة لا تظنّي ان انقطاعي عنك هجرةً ولا قِلىً، ولكن ربّي عزوجل أمرني بذلك لينفذ أمره، فلا تظنّي يا خديجة الّا خيراً، فانّ الله عزوجل لَيباهي بك كرام ملائكته كلّ يوم مراراً، فاذا جنّك الليل فأجيفي الباب، وخذي مضجعك من فراشك، فانّي في منزل فاطمة بنت أسد، فجعلت خديجة تحزن في كلّ يوم مراراً لفقد رسول الله صلى
____________
1- راجع القصة الكاملة في الأمالي (الصدوق): ص 45، المجلس 11، ح 3.
فلمّا كان في كمال الأربعين هبط جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمّد العلي الأعلى يقرؤك السلام، وهو يأمرك أن تتأهّب لتحيّته وتحفته " إلى أن نقل هبوط ميكائيل مع طبق من العنب، والرطب فأفطر صلى الله عليه وآله وسلّم في تلك الليلة بذلك، وذهب الى خديجة بأمر الله عزوجل قبل الصّلاة، وقد انعقدت نطفة الصديقة الطاهرة عليها السلام في تلك الليلة(1).
وورد انّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أمر أن يعتزل خديجة عليها السلام أربعين يوماً قبل بعثته.
وكان ميقات موسى عليه السلام أربعين يوماً، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم: " انّه ما أكل وما شرب ولا نام ولا اشتهى شيئاً من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوماً شوقاً إلى ربّه "(2).
وروي في تفسير الامام العسكري عليه السلام:
" كان موسى بن عمران عليه السلام يقول لبني اسرائيل: إذا فرّج الله عنكم وأهلك أعداءَكم آتيكم بكتاب من ربكم يشتمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره وامثاله.
فلمّا فرّج الله تعالى عنهم أمره(3) الله عزّوجل أن يأتي للميعاد، ويصوم ثلاثين يوماً عن أصل الجبل، وظنّ موسى انّه بعد ذلك يعطيه الكتاب.
فصام موسى ثلاثين يوماً... (إلى أن قال) فأوحى الله عزوجل إليه... صم عشراً أُخر، ولا تستاك عند الافطار، ففعل ذلك موسى عليه السلام، وكان وعد الله
____________
1- راجع العدد القويّة (رضي الدين علي بن يوسف بن المطهر الحلّي): ص 220 - 222 ـ البحار: ج 16، ص 78 - 80.
2- راجع جنة المأوى (النوري): ص 327.
3- قال المؤلف رحمه الله: " أمر الله عزوجل موسى ".