مـدخــل

     

لقد كان من المقرر أن أكتفي بالمقدمة، لا سيما وأن ما أريد الحديث عنه في هذا المدخل هو مما ورد في ثنايا فصول الكتاب.

ولكن، وبعد الانتهاء من كتابة المقدمة، ارتأيت أن أدون هذا المدخل لأهمية جمع تلك الأفكار المشتتة التي وردت في ثنايا تلك الفصول، فإن ذلك هو من الأهمية بمكان جعلني أشعر بضرورة عرضه أمام القارىء قبل الشروع بمطالعة تلك الفصول التسعة.

أولاً: إطلالة على منهج الكاتب:

إن المتأمل فيما دوّنه "الكاتب" من ملاحظات أسماها "نقدية" سيجد أنه اتبع منهجاً محدداً سمته الرئيسية هو التحريف.

ويمكن اعتبار ما جاء به "الكاتب" لا يخرج عن أحد الأمور التالية(1):

أ ـ التجاهل: ونعني به قيام "الكاتب" بتجاهل النصوص المشكلة التي صرّح بها صاحب "من وحي القرآن"، وأشار إليها العلامة المحقق في كتاب "خلفيات" والتالي جر القارىء إلى بحوث أخرى تجعله ينسى النقاط الحساسة كلية. وهذا ما سيجده القارىء في أغلب فصول هذا الكتاب، ومن نماذجه بعض ما جاء في فصل آدم(ع) وإبراهيم(ع) ونوح(ع)..

ب ـ التدليس: ونعني به قيام "الكاتب" بعمليات تمويه في كلام صاحب "من وحي القرآن"، أخفى بذلك عيوب هذا الكلام وأظهره على غير حقيقته، ويمكن اعتبار بعض ما جاء في فصل آدم(ع) ويوسف(ع) وداود(ع) ونوح (ع) من مصاديق هذا التمويه والتدليس.

ج ـ الإنكار: ونعني به قيام "الكاتب" بإنكار نسبة بعض المقولات التي أطلقها صاحب "من وحي القرآن" إليه، والادعاء بأنها افتراء عليه، وهو ما بيّنا بطلانه.

ويمكن ملاحظة ذلك في فصل آدم(ع) ويونس(ع) ويوسف(ع).

د ـ تحريف مطابقة: ونقصد به قيام "الكاتب" بتحريف آراء العلماء والأعلام وحرفها عن مقاصدها لتظهر وكأنها مطابقة لما ذكره صاحب "من وحي القرآن" وموافقة له، ويمكن ملاحظة ذلك في أغلب الموارد التي نقل فيها تلك الآراء.

هـ ـ تحريف انطباق: وإن عجز "الكاتب" في بعض الأحيان عن ممارسة تحريف مطابقة، عمد إلى ممارسة تحريف انطباق، ونعني به قيامه بتحريف كلام صاحب "من وحي القرآن" نفسه ليظهر مطابقاً أو موافقاً لما ذكره العلماء والأعلام.

وأمثلة ذلك هي من الكثرة بمكان لا يحتاج معها إلى إلفات القارىء إلى مواردها.

و ـ التعمية: ونعني بذلك قيام "الكاتب" بذر الرماد في العيون، بهدف التعمية على موضع الإشكال، وأمثلة ذلك كثيرة أيضاً لا يخلو منها مورد في كافة فصول الكتاب.

ثانياً: كتاب خلفيات ومحتواه

إن المطلع على كتاب خلفيات بجزئيه، سيجد أنه يمكن تصنيف ما يحتويه إلى ثلاثة فئات:

الفئة الأولى: عبارة عن عناوين مأخوذة من كلام صاحب "من وحي القرآن" وقد وضعها العلامة المحقق ليشير من خلالها إلى محل البحث وموضع الإشكال. وقد قام العلامة المحقق بترقيمها حتى بلغت 287 عنواناً تمثل بمجملها مجموع الإشكالات التي تضمنها الجزء الأول من كتاب "خلفيات"، وهي التي سنعرضها في بداية كل فصل تحت عنوان: "العناوين المشكلة".

الفئة الثانية: كلام "السيد" فضل الله نفسه، وهو عبارة عن نصوص منقولة بحرفيتها من كتبه ومؤلفاته، وهي التي ستجدونها أيضاً في بداية كل فصل، تحت عنوان: "النصوص المشكلة".

الفئة الثالثة: عبارة عن وقفات قصيرة للعلامة المحقق اقتضاها المقام، تهدف إلى إلقاء مزيد من الضوء على مورد الإشكال، ومعالجته بما يتناسب وهذه الوقفات.

والمتأمل في كتاب "خلفيات" سيجد أنه لا يخرج عن هذه الفئات الثلاث.

ثالثاً: عدم جواز تأخير البيان عن موضع الحاجة

إن "الكاتب" في محاولاته لتصويب مقولات صاحب "من وحي القرآن" نجده كثيراً ما يدّعي أن هذا الرأي أو تلك المقولة قد ذكر صاحبها إيضاحات لها في كتاب آخر أو جزء آخر أو موضع آخر من كتابه، وذلك مخالف لما قرره العلماء الأعلام في محله، من "عدم جواز تأخير البيان عن موضع الحاجة".

وقد أشار العلامة المحقق إلى هذا الأمر في مقدمة كتاب "خلفيات ج1" حيث قال:

"قد يقال: إن بعض الموارد التي يرد عليها الإشكال قد ذكرت لها في مواضع أخرى حدود وقيود تجعلها مقبولة ومعقولة..

ونقول: إن من الواضح أن من يكتب شيئاً في مقالة ما، فإنه لا يصح له أن يكتب ويطلب من الناس أن يقرأوا كل ما كتبه طول عمره، ليعرفوا ماذا يقصد بكلامه في مقالته تلك، وليس له أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة، فيفصل بين مراده وبين الشاهد والقرينة عليه؟!".

وأضاف (أعزه الله) قائلاً: " وكيف يصح أن يقال: إنه من أجل معرفة المراد من آية قرآنية، لا بد من قراءة تفسير القرآن كله بجميع أجزائه؟!"(2).

أضف إلى ذلك: إن ما يحيلون إليه، قد صدر بعد سنوات أو قبل سنوات من صدور النص موضع الإشكال، فكيف يصح جعله توضيحاً له؟!

والآن فلنبدأ بعون الله بالنظر إلى ما احتواه كتاب (مراجعات في عصمة الأنبياء).


1 ـ سنعرض عن ذكر الأمثلة لكل مفردة من مفردات هذا المنهج، وسنكتفي بالإشارة والإحالة إلى مكانها، لأن الأمثلة كثيرة وهي من الوفرة بحيث يمكن أن نستغني عن ذكرها وسيراها "القارىء" في محلها مع الإشارة إليها مراراً وتكراراً.

2 ـ خلفيات ج1 ص35 40

     

فهــرس الكتــاب

     

موقع الميزان